منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    النسج الشعري في قصيدة عريان السيد خلف

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    النسج الشعري في قصيدة عريان السيد خلف Empty النسج الشعري في قصيدة عريان السيد خلف

    مُساهمة   السبت مارس 13, 2010 8:13 am







    النسج الشعري في قصيدة عريان السيد خلف

    علي الامارة

    في مقاربة قرائية للقصيدة الشعبية التي يكتبها الشاعر عريان السيد خلف تنهض امامنا ظاهرة شعرية تميز هذه القصيدة وتمنحها ارضيتها الشعرية الخصبة التي تنمو من فضائها الروافد الفنية الاخرى .. الا وهي ظاهرة النسيج اللغوي المتماسك الجاذب للفنون الشعرية الاخرى ، وبما ان الشاعر يكتب باللهجة الشعبية المستفيدة من لهجةالريف الجنوبي المتاخم للبادية ..

    فان الميزة الاساس لهذه اللغة الشعرية ستكّون ما يسمى – الحسجة – وهذ النسيج اللغوي او اللهجوي فن شعري عال وثر يفيض ثراؤه النصي على مكونات القصيدة الاخرى حتى يغدو رافدها الاساس والمحفز لها .. حتى تغدو هذه اللغة غاية فنية وليست وسيلة لمحمول فني .. أي هي لغة اخرى او صناعة لغة ضمن مفردات اللغة العامية المتاحة.. لغة لا تنبني عليها الصورة الشعرية او المجاز وانما تنبع منها فكأن هذه اللغة – الشعرية – بنسيجها الخاص هي صورة شعرية شاملة تضيء القصيدة .. فالمجاز الشعري مرتبط فنيا مثل ارتباطه الدلالي بوهج هذه اللغة الداخلية في النص . وهذه اللغة – الحسجة – متوالدة كبؤرة فنية نصية من قوة المفردة والدقة في انتقائها وتفعيلها للجملة التي تحتويها لتكريس بنائها الشعري ضمن سياقها النصي أي ان البناء اللغوي يبدا اولا من المفردة على مستوى اختيارها وانسجامها واشعاعها الفني على ما حولها ،و القدرة على تفعيلها سحريا لتنتج سحر العبارة كرافد اولي للنماء الفني في القصيدة فبعض المفردات الشعبية تكمن قوتها الشعرية في شعبيتها او منطوقها العامي سواء في بريقها اللفظي او تناغمها النسجي ضمن عباراتها وبنائها اللفظي فلو اخذنا مثلا البيت من قصيدة (ماي الكلي):

    تبعد معتمد ..

    وتوز علي الشيب

    فمفردة (توز) لها ايقاعها اللفظي وجرسها الصوتي الخاص الذي لا يمكن لمفردة فصيحة ان تنهض به وتؤدي وظيقته الفنية التي ادته هذه المفردة .. كما ان عبارة (تبعد معتمد) هنا مفردة (تعتمد) كما هو معناها ومغزاها الريفي ليست الاعتماد المعروف في لفظة المفردة وانما تعني (تقصد) او (قاصد) أي العبارة (قاصد البعد؟) وهذا السحب العامي للمفردة منحها نسيجها وفاعليتها ضمن سياق القصيدة الشعبية.. ومن هذا الوهج للمفردات الشعبية ولا سيما الريفية منها يستمد النص نسيجه الخاص حتى ان هذا الوهج يسحب الشاعر الى استخدام مفردات نادرة او غير مسموعة عند ابن المدينة مما يضطر الشاعر لتفسيرها بهامش اسفل القصيدة كما في قصيدة-صياد الهموم-التي تتجلى فيها هذه الظاهرة بقوة بل ان بناءها الفني يستمد وهجه من الخصوصية الشعبية لهذه المفردة واثرائها للنسج الشعري ضمن النص ..

    يكلبي شبعد ؟؟ ومعكرات الكيف ..

    زمّن توزهن !! ماظن بعد تحمل

    معنى ( زمّن ) : برزن بقوة ، ( توزهن ) : بكل قوتهن .

    فنستطيع او يستطيع الشاعر ان يضع بدل كلمة ( توزهن ) الغريبة كلمة ( حيلهن ) مثلا ، ولكن البناء اللغوي سيخسر كثيرا من بريقه اللفظي وجرسه الايقاعي المتناغم وكذلك ممكن تبديل كلمة ( زمّن ) باخرى اقرب الى التداول ولكن هذا يحصل على حساب القصد الفني الذي اراده الشاعر من هذا التركيب المفرداتي والتكوين اللغوي ..

    ثم نستمر مع هذه القصيدة التي تعمق الشاعر في نسجها – حسجتها – الريفية الخاصة لنلاحظ السحب العميق للمفردة واضاءتها النسجية بقوة انتقائها ونسجها او بنائها:

    يمشاجج زمانك .. حد كطاع النيط

    تترجة الشفى

    وشكواك سل السل

    ومعنى كطاع النيط: انقطاع الشريان او الشرايين

    ان هناك تناغما حروفيا يصر عليه الشاعر متمثلا بالمفردتين اللتين يتضح فيهما الحضور الصوتي لحرف(الطاء) مثل التناغم الحروفي في العبارة السابقة (زمن توزهن) بين حرفي الزاء وحرفي النون هذا على مستوى التناغم الحروفي ،وهناك تناغم مفرداتي وتناغم دلالي وبنائي يستدعي اصرار الشاعر على تصيد هذة المفردات:

    لاعادالصبر..يلجم مصب العين

    ولامثل الخلك .. بدموعنه نمثل

    ولاذيج المضايف عاجدة الديوان

    ولاسربة وذن.. برياضهن تصهل

    ولاشارب يرف .. لو مطكت ام عريف

    و لاشكرة جعد .. بوجوهنا اتهلهل

    و لامدرع فشك ..

    ينحر صدور الخيل

    وما بين اللميض .. يحول تحول

    هكذا تكوّن المفردات لغتها الخاصة عبر نسيج محبوك بقوة المفردة المنتقاة من اللهجة الريفية وتكريسها لبناء شعري خاص .

    ان الشاعر هو ابن المدينة على الاقل في تاريخ كتابة القصيدة وماحوله ولكنه يلجا الى منجمه اللغوي الريفي .. ولكن المسالة لا تقف عند هذا الحد التناغمي الحروفي او المفرداتي او اللغوي الخاص ولكنها تمتد الى فضاء الدلالة الريفي واستحضار مفردات الحياة وتراكيب المعاني التي تختص بها تلك الحياة أي ان الوعي باللهجة والاضاءة الفنية لها وبها ، وبالتالي اثارة قيمها وطقوسها سواء تلك التي تبرز في مناسبات ومواقف خاصة او تلك التي تتهادى في يومياتها الهادئة العميقة .. أي انها لغة حياتية وليست لغة مفرداتية مسحوبة قسرا الى فضاء القصيدة .. لغة تكون نسيجها الخاص بتضامن حروفياتها وادائها المفرداتي مع الكواليس الحياتية الغامضة التي تقف خلف مسرحها اللغوي العام ..

    لكن الفعل الشعري اللغوي لا يقف عند الاستخدام الخاص للمفردة الريفية طبعا بل الاستخدام الخاص للمفردة العراقية الشعبية او العامية بشكل عام لتكوين النسيج العام للقصيدة ناهلا من مكوناتها اللهجية المتاحة فنكمل القصيدة ولا صاحب ذرب .. ويوجد الماذيك

    يبسط خاطره ..

    وفوك الجرح ينزل

    مصخت .. والضماير غبراها الغيض

    وامتد الدرب .. وام الفرح مشجل

    أي ان اللغة الشعربة المصنوعة في القصيدة هي مزيج من لهجة الريف المخزونة في الذاكرة كمنجم لغوي ثر ومن اللهجة العراقية المنتشرة في كل مكان من انحاء العراق التي هي تمثل اللغة العربية بتصرفات شعبية وعامية في ملفوظاتها او كتابتها ، ولكن عملية تذويب اللهجة الريفية في وعاء اللهجة العامة العراقية وتطعيم تلك المفردات الشفافة ذات البعد التاريخي او الميثولوجي في اللغة والذاكرة جعل من قصيدة عريان ذات مسحة نسيجية خاصة لتصبح لغته شجرة شعرية مطعمة بفنون القول العراقي من اقصى الريف الى اقصى المدينة .. فمثلما نقرا له قصيدة كثيرة الحسجة او ذات تمظهر ريفي بحت او غزير فاننا نقرا له قصيدة اخرى تبدو فيها لغة المدينة واضحة ومتفاعلة مع دلالة القصيدة ونمائها الفني او الدرامي ففي قصيدة ( گلبي على وطني ) نقرا المقطع الاول منها وكانه كتب باللغة الفصحى او هو كذلك ليؤكد الشاعر انتماء قصيدته او لغته الشعرية الى اللغة الام وانه لا يحيد عنها الا بمقدار ما تحتاجه القصيدة الشعبية بمفهومها العامي من تمظهر على لسان ابن الشارع والسوق والبيت أي لغة عامة الناس المنطوقة المتداولة وليست المكتوبة لان القصيدة الشعبية تاخذ بريقها من قدرة الشاعر على تطويع المفردة المتداولة على السن الناس وبالتالي خلق الجملة الشعرية من هذه المفردات الشعبية المتداولة لتمثل نبض الشارع اللغوي والاحساسي معا فنقرا المقطع الاول :

    ياوطني الموشوم بالقنابل

    يا وطن الانهار والاشجار والجداول

    يا وطن الاديان والايمان والتساهل

    يا وطن الاشعار والاصرار والتساهل

    يا وطن الايتام والارامل يا وطني المقتول والمقاتل !

    ينتهي هذا المقطع الى هنا بفصاحته وبلاغته وتمهيديته لاعماق القصيدة التي ستنعطف لغويا الى لهجتها الشعبية لتهيأ فاعليتها كقصيدة شعبية تشتغل على حرارة المفردة اليومية العراقية وحرارة تركيب الجملة العراقية حين تستمد اللغة الشعرية وهجها الشعري من هذه الجملة العامية .. فنقرا المقطع التالي من القصيدة :

    انزف صبر يا وطن .. بيه الك مية جرح

    كلما يهيد الألم بجروحي اذر الملح

    افديك ياوطني لو مية مرة انذبح

    واشرب نخب هيبتك من المسا للصبح

    مثلك محب ما الي ومثلك جرح مايصح

    يا رمح بضمايري لا خطى ولا صابني

    كلبي على وطني ..

    هذا الشد للقصيدة هو شد عامي خلقت اللهجة العامية توتره الشعري وفاعليته الفنية ..

    والشاعر في هذه القصيدة يستخدم عبارة ( كلبي على وطني ) ليس كلازمة متوالدة لانبثاق الدلالة منها فحسب وانما يدخلها ضمن فضاء الاطناب في الشعر ذلك الاطناب الذي يحدث حين يركز الشاعر على عبارة او جملة شعرية تكون شطرا او اقل من شطر او اكثر

    فالاطناب أي تكرار الجمل هذه الظاهرة قد تكون احيانا مكرسة لجمال القصيدة وفعالية خطابها اذا ما اعتمدت سياقها البلاغي والفني كالاطناب في قصيدة الشاعر الجاهلي المهلهل او الزير سالم حين يقول:

    قربا مربط النعامة مني قرباها وقربا سربالي

    ويعيد الشطر الاول في حوالي عشرة ابيات لانه كان خارجا الى الحرب ويريد ان يرسخ في ذهن السامع او القارئ فاعلية التكرار الموضوعي والفني في القصيدة ..كذلك الاطناب في قصيدة الجواهري-تنويمة الجياع-

    نامي جياع الشعب نامي حرستك الهة الطعام

    حيث يكرر مفردة – نامي – او الشطر الاول من البيت في اغلب ابيات القصيدة :

    نامي فان لم تشبعي من يقظة فمن المنام

    نامي جياع الشعب نامي فالقول ما قالت حذام

    حيث ان مفردة – نامي - هي في سياق تنويمة شعب كتنويمة الطفل التي تستدعي التكرار فكان الفعل- نامي – يكرس هذا المفهوم ويعمق فاعلية الدلالة .. وان كان هذا التنويم جاء بلغة السخرية

    كذلك في قصيدة عريان ان جاز لنا ان نقارن بين الشعر الشعبي والفصيح في هذه الثيمة من التكرار او الاطناب بل ان هذا التكرار حد الاطناب يكون له محاذيره في القصيدة لان التكرار قد يولد الملل لدى المتلقي او ياكل من جرف القصيدة الفني ويسحب مساحتها النصية تجاه جمل بعينها يتوقع المتلقي تكرارها مما يفسد متعة التلقي بعدم انفتاح افق التلقي على كل المفاجآت غير المتوقعة في النص والتي تخلق الدهشة وكسر افق التلقي .. الا ان استخدام الاطناب بطريقة فنية تسوغه وتسوغ لجوء الشاعر اليه يشفع للشاعر او للنص هذا التكرار حيت تتخذ الجملة المكررة اهميتها من تكرارها وتحقق بعضا من شعريتها بهذا التكرار لكي ينبني عليها الخطاب الشعري حين تصبح هذه الجملة قاعدة لانطلاق هذا الخطاب في القصيدة كما جعلها عريان في هذه القصيدة حيث اصبحت جملة (كلبي على وطني) هذه القاعدة النصية التي بني عليها خطابه المتكرر لان فكرة القصيدة استدعت هذا التكرار او الالحاح على هذه الجملة وذلك الداعي الدلالي يتركز في مكانة الوطن عند الشاعر والمتلقي طبعا ولا سيما في ظروف الازمات الصعبة التي يمر بها الوطن، فكل تكرار جاء في القصيدة لهذه الجملة او هذا الشطر جاء بعده ما يسوغه من بث شعري متعلق به، بل ان الانجذاب الى هذا التكرار يكون في هذه الحالة في قصيدة (كلبي على وطني) انجذابا انسانيا ووطنيا وبالتالي شعريا.. كما ان هذا التكرار ليس جديدا على عريان فقد استخدمه في قصائده الاولى في اول ديوان له كما في قصيدة (ردّي ... ردّي) فقصيدة (كلبي على وطني) استخدم فيها التكرار 14 مرة كلازمة وكاطناب وكعنونة وكخاتمة للمقاطع او للقصيدة نفسها التي تنتهي بالمقطع:

    كلبي على وطني وباجر يرشني الفرح

    تحت السمه الحالمة واضحك بكل المرح

    انسه الجرح والالم واحرك اوراق الندم

    ومعذور ذاك الوكت لو بيه ضحك سني

    كلبي على وطني

    وهو ينهي القصيدة بمقطع متفائل لايمانه بقدرة الوطن على تجاوز المحن والجراح والتسامح ... بل ان التكرار الذي اطـّر هذه القصيدة بهذه الوفرة فيه اشارة ضمنية الى قول لم يفصح عنه النص – مسكوت عنه – لكن تعلنه المحصلة العامة للدلالة وهو اني ( كلبي على وطني ) على الرغم كل ما جرى ويجري وكل ما حصل بحقي او حق غيري .. الخ من دلالات الظلم والحيف ولكن حب الوطن اسمى واكبر من كل التفاصيل الاخرى بل ان عريان طالما يذكر هذا الحيف ووقعه عليه سواء من قبل الزمن الرديء او الاخر الرديء ايضا كما في قصيدة (الشاهد):

    بعد بيه الصبر واجد

    يشب بيدي المكابر .. نار تلهم باث

    يكضيني الشرار وطبعي اظل بارد

    مكالب ... والليالي تريد وسعة بال

    كفاني ترفعت .. عن جلمة الياحيف

    وسهمي شما نكص .. من هالوكت زايد

    ولاصاحب وفي

    العند الضنك ينشد

    بس مجمع عجارب .. ويل للغفلان

    تتناوبه بسمها .. وبالعجل تلبد

    دنيا ولاوحتني... ملاوح السرحان

    غشتني بهداها .. وباكت الواحد

    ان هذا الموضوع .. موضوع الحيف والشكوى من الزمن والاخر كتب عنه كل الشعراء ولاسيما المهمين منهم لانه موضوع شعري بحد ذاته لانه يصف المفارقة التي تكتنفها حياة الانسان المبدع بين الاخرين الذي يصفهم سارتر – الاخرون هم الجحيم – الذين يريدون ان يقفوا بوجه الجدول الانساني الرقراق الذي يجري من قلب الشاعر الى قلب العالم وهنا اذكر قصيدة الجواهري التي مطلعها:

    عدا علي كما يستكلب الذيب قوم ببغداد انماط اعاجيب

    او قوله لاخر مس مكانته الشعرية:

    ما كان يعني سوى شيخ بمفرده لكنه خاف منه حين ينفرد

    بيني وبينك “اجيال” محكمة على ضمائرها في الحكم يعتمد

    او محنة المتنبي بمعاصريه وزمنه:

    ومن عرف الايام معرفتي بها وبالناس روى رمحه غير راحم

    او قوله في قصيدة اخرى:

    ودهر ناسه ناس صغار وان كانت لهم جثث ضخام

    وما انا مكنهم بالعيش فيهم ولكن معدن الذهب الرغام

    او ان قول عريان في الدنيا:

    (دنيا ولاوحتني ملاوح السرحان)

    يذكرني بقول ابي فراس:

    ومن صحب الدنيا طويلا تكشفت له عن عدو في ثياب صديق

    نعود الى موضوعنا الاساس وهو ان هذه المعاني والمضامين كلها التي يذهب اليها عريان في نصه الشعبي والتي يلتقي بها معنى ودلالة مع الشعراء الذين ذكرناهم وغيرهم .. هذه المعاني يضعها عريان في وعائها او نسيجها الخاص الذي ينسجه عريان من مفردات اللهجة العراقية العامة المطعمة بفاعلية المفردة الريفية او البغدادية او كل جهات اللهجة العراقية ليجعل منها فسيفساء لغوي تتشكل منه لغته الشعرية العامة

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 1:32 am