التلقي.. الطرح النظري.. والمقاربة السوسيوثقافية
(جزء من فصل في كتابي: نظريات القراءة في النقد المعاصر )
تمهيد:
كلّما تقدم البحث في مجاهل القراءة، تبدّت أمامه مسافات من الحيرة والغموض، تنشعب إلى متاهات ترتدّ إلى بداءة الظاهرة ابتداء، وسرعان ما تنجد وتغور بعيداً في مسارب متتاخمة، توحي بقرب مداركها وأشراطها، إذ هي تدور حول أقطاب ثلاثة: النّص، الكاتب، القارئ، إلاّ أنها ما تعتّم أن تكشف عن شبكة من العلاقات المتعاقدة، تجعل من كلّ قطب عالماً صاخباً بالافتراضات والتصورات، تتحاماه جلّ التخصصّات عساها تنير زاوية من زواياه. فيأخذ التخصص منها مأخد الشعبة القائمة بذاتها، ويوسعها شرحاً وتأويلاً، حتى تتبدى وكأنها تملك مفتاح السرّ كلّه. ولكن شعبة أخرى تستأثر بالسرّ، تزعم أنّها أقدر على فكّ آلياته.
ولا مناص إذن من قراءة تعيد ترتيب "الكّل" في جدولة علمية تتجاوز فيها جميع المعطيات جنباً إلى جنب، مستفيدة من بعضها بعضٍ، تقوي إحداها الأخرى في عمل متكامل يكون حصيلة الجهود مجتمعة، يحقّ لها ساعتئذ أن تدّعي القول الفصل في مسألة القراءة. إلاّ أن مثل هذه القراءة متعذرة اليوم، ما دامت البحوث في مبتدإ طرقها تتلّمس السبيل إلى التأكد من فرضياتها وتمحيص ما وصلت إليه من نتائج، فهو عمل متروك للتاريخ يراقبه عن كثب، ليرصد فيه الغث والسمين. لأنّ ما بوسعنا اليوم قوله بأمانة هو: "أن الدراسة الأصلح للأدب، هي تلك التي تتناوله من حيث ما لنصوصه من جمال في البناء والتركيب والصياغة، ومن حيث ما يتلقاه به متقبّلوه من انتظارات توفّق أو تخيّب.
ولكننا إذا جنحنا إلى هذا الحلّ التوفيقي، وجدنا كل اتجاه من هذه الاتجاهات الثلاثة محقاً في ما نقد به الاتجاه الآخر لا في ما قرّره من حقائق"(1) فالمسألة تقوم بين أيدينا على وجهها السلبي الذي يجعلنا نتراجع حذراً. فلا نسلّم بما تمّ اقراره حقائق، ما دام النقد من ورائه يكشف عن عوراته وفجواته. فالعمل التركيبي متعذر من هذه الوجهة ابتداء، ومتروك للأيام حتى تسكن زوبعة التعارض.. إن ما نبرر به -الساعة- إقدامنا على مقاربة "جمالية القراءة" هو محاولة استيفائنا أقطاب العمل الأدبي الثلاثة: النص، الكاتب، القارئ، وقد التفتت جمالية القراءة إلى القطب الأخير التفاتة عميقة، فاستقطبت الظاهرة وقلبّتها على أشكالها تقليب المنقّب المتفحّص، الذي يحاول سبر أغوار عالمها المجهول... نحاول أن نتتبع خطواتها من خلال:
1- أشكال المعرفة.
2- التلقي والتأثير.
3- القارئ وأفق الانتظار.
4- القراءة والتأويل.
5- العمل الأدبي: النص/ القارئ.
وذلك بعد تقديم نكشف فيه عن صعوبة كتابة نظرية للتلقي، خاصة وأننا نزعم رسم الخطوات الارهاصية نحو جمالية التلقي، فيكون مدخلنا إليها استعراضاً تاريخياً يضعها في إطارها الفكري العام، وينفي عنها النشأة من العدم. فتكون جهداً موصولاً في تيار الفكر والبحث استجمعت أسبابه في كنف المدرسة الألمانية على يد "فولفغانغ ايرز"، و "هانس روبير ياوس"، و"كارلهاينش شتيرل"، و "راينر فارنينغ" وغيرهم..
- صعوبة كتابة نظرية للتلقي:
يستعرض "جان ستارونبسكي" في المقدمة التي كتبها للترجمة الفرنسية لكتاب "هانس روبير ياوس": "نحو جمالية للتلقي" منهج "ياوس" في تلقي مؤلّف ما، حين ينصرف عن إطار البنيات التحتية للنص إلى خارجه مركزاً اهتمامه على المتلقي بين حالين: ما قبل التلقي، وفيه تكمن حقيقة الموقف الذي يحتلّه القارئ من المعرفة عموماً ومن الآثار خصوصاً، وعن كيفية تشكلاته في مداركه في صورة قارة نسبياً تتخذ سمات أفق (سابق) بمعاييره وأنساق قيمه الفنية والأخلاقية، والجمالية، والتي تكون مثار تعديل أو تحوير أو نقض يتولّد عنها أفق جديد. غير أن مثل هذا البحث: "يقتضي ممن يطبّقه أن يكون في مستوى معرفة المؤرخ الفقيه في اللغة، المتمرس بالتحليلات الشكلية الدقيقة للانزياحات والتغيرات"(2).
ومثل هذا المؤرخ الفقيه يندر وجوده -اليوم- بسبب تفشي زهو المعرفة الناقصة(3) وعليه: "فجمالية التلقي ليست مبحثاً مباحاً للمبتدئين المتعجلين"(4) لأن غاية "ياوس" من وراء إثارة مشكلات التلقي هي كتابة جديدة لتاريخ الأدب تتجاوز حدود النشأة وما يخامرها من ملابسات وظروف، وأوضاع سيكولوجية واجتماعية ومعرفية، إلى حدود التلقي -في الطرف الآخر- من المعادلة الثلاثية، إذ يبقى مقياس الجودة والحياة في يد الوقع الناتج عن تفاعل النص والقارئ في لحظة معينة، تشكل الموقع الافتراضي (Lieu virtuel).
وحين يستعرض "كونتر جريم" جملة التخصصات التي تقارب ظاهرة التلقي والتأثير وانشعاب أطرافها إلى حقول، معرفية، تجتهد فيها العلوم الإنسانية لتجلية عناصر الظاهرة، من خلال مناهج مختلفة تستند إلى تصورات، تتقارب أحياناً وتتفارق أخرى.
تبدى له صعوبة الحديث عن التلقي، بلْهَ الكتابة فيه، فيقرّر أنّ: "صعوبة كتابة نظرية للتلقي تجد حجّتها في تعقد حقل البحث. وتحليلها يتطلب تنوعاً منهجياً لا يمكن أن يحقّق إلا بعمل مشترك، وذلك نظراً لتنوع فروع البحث كلٌّ منها على حدة، ويمكن اختبار هذه الفرضية إذا ما نحن وصفنا دائرة المواضيع التي يبحث فيها التلقي، وفرزنا التعاريف الأساسية المختلفة"(5).
وعلى هذا الأساس يظل اعتقاد "ياوس"، أن جمالية التلقي لا تزعم -كغيرها من المناهج- الشمولية، رغم جزئيتها ومحدوديتها، ولكنها تسعى إليها، من وراء دعوتها لتظافر الجهود والتقائها حول قطبي الظاهرة: التلقي والتأثير، فهي: "لا ترغب في أن تكون مبحثاً مكتفياً بذاته، مستقلاً عن غيره، لا يعتمد إلاّ على نفسه في حلّ مشكلاته"(4).
واعتراف "ياوس"، وأصدقائه بهذه الحقيقة يفتح الباب واسعاً أمام جهود مختلفة من شأنها أن تثري حقل البحث، بل وأن تفّتق حدود الدائرة فتنداح خارج الأدب، وتلك أمنية سكنت "ياوس"، وهو يبني أفق التوقع (الانتظار) ليس في إطار الأدب وحسب بل خارجه إلى التوقعات المحددة من طرف الوسط الاجتماعي الحيّ، والتي ترسم حدود الاهتمام الجمالي لفئات القراء وأذواقهم وقيمهم(6).
إن ضرورة تحقيق الشمولية في بحث التلقي والتأثير، لا تتمّ حسب "أولريش كلاين" إلاّ من خلال تقاطع ستة اتجاهات متزامنة، تعمل في حقول مستقلة، تبقى الاستفادة منها مهمة القائمين على (تركيب) نظرية للتلقي، وهي -كما سنرى- تتجاور أحياناً وتتباعد أخرى:
1- محاولة النظرية المعرفية (فينومينولوجيا... التأويل).
2- محاولة الاستدلال أو محاولة الوصف (البنيوية، الشكلانية الروسية، الإجراء المادي التاريخي، الإجراء الديالكتيكي).
3- المحاولة النظرية التجريبية السوسيو أدبية (سوسيولوجيا الجمهور وسوسيولوجيا المتذوقين).
4- المحاولة السيكولوجية (البحث في أجيال القراءة والقراء).
5- محاولة نظرية التواصل (أو السيميوطيقا).
6- المحاولة السوسيولوجية للتواصل الجماهيري(7).
إن مجرد سرد هذه المحاولات، يكفي لتثبيت مخاوف "ستاروبنسكي" و "كونتر جريم" إزاء صعوبة كتابة نظرية للتلقي، ما دامت عند "ياوس" تقرّ بمحدوديتها إن هي اكتفت بإنجازاتها، متجاهلة الجهود الأخرى خارج حقل الأدب، ومن ثمّ تقرر وجوب تظافر هذه الاختصاصات في لقاءات بين أقطابها لنسج الصيغة الموفّقة للحديث عن التلقي والتأثير، استناداً إلى أسس علمانية بحتة، ومن ثم إمكانية كتابة تاريخ للتلقي يكشف عن الوجه الآخر للأدب. ذلك أنّ الموضوع الحقيقي للبحث في التلقي يتأسّس على عمليات التلقي نفسها. إلاّ أنّ التلقي لا يمكن تمثله جملة واحدة يحدث عند لقاء النص والقارئ، بل يجب ملاحظته وهو يتمفصل إلى ثلاثة مراحل، تتّسم كلّ واحدة منها بخطورتها الخاصة: إذ نلحظ ابتداءً: عملية التلقي، ثم ناتج التلقي، والتأثير والتلقي. فتتخذ العملية مساراً شبه مغلق، يجدّد مكوناته دوماً على سيرورة الفعل القرائي. لأن عملية التلقي لا تحدث بعيداً عن الذات والوسط والظرف ونوع التوقع (أفق الانتظار). وهي عناصر يتقاطع فيها السيكولوجي، والاجتماعي، والفني. أمّا ناتج التلقي، وإنْ كان جملة من الردود الفورية التي تنتاب القارئ أثناء التلقي سلباً وإيجاباً، فإنّها تشوّش اعتقاداً مترسباً، شكلّته قراءات سابقة فأضحت ترسم حدود الموقع الذي يتمّ فيه التلقي الجديد.
أمّا تأثير التلقي فوجهته عكسية إذ يرتدّ إلى الذات، في اضطرابها وتشوشها ليعدّل، أو يحوّر، أو يثبّت الاعتقاد الأولي، وليزحزحها عن الموقع الافتراضي إلى موقع جديد.
أفق الانتظار السابق مرحلة الإدراك ناتج التلقي
قبل الإدراك
تعديل وتحويل عملية التلقي ما بعد الإدراك
أفق الانتظار الجديد سيرورة الفعل القرائي تأثير التلقي
وما دامت غلبة العامل السيكولوجي على عناصر التلقي -في عملية التلقي ذاتها- تحتوي على مرحلة الإدراك الحسي، ومرحلة الإدراك، ومرحلة ما بعد الإدراك، والتي تتضمن الناتج والتأثير فإن "البحث في عملية التلقي يبقى بالدرجة الأولى من مهام سيكولوجيا القراء، والتي لا يمكن لها أن تتميز منهاجياً عن سيكولوجيا قراءة تستهدف اللحظة الراهنة إلا كسيكولوجيا تاريخية للقراء"(. غير أن ما يلاحظ على الدراسات السيكولوجية لفعل القراءة، وقوفها عند عتبة التأمل النظري أو الإديولوجي، وذلك لاهتمامها بالجوانب البيداغوجية كمعيش القراءة، وتربية القراء، والاكتراث بالقراءة والمعرفة بها...(9).
إن دراسة "عملية التلقي" من الوجهة السيكولوجية، تستثمر مصطلحات أخرى تتوازى والذي ذكرناه سالفاً، ذلك حين يميّز "غونتر ليمان" في "أوجه سوسيولوجية وسيكولوجية للتلقي" بين الاستقبال، والتقييم، والاستثمار، وهي عين الخطوات الأولى التي تقف عند التلقي، ثم ناتجه وتأثيره، إذ يتحوّل هذا الأخير إلى استثمار يفضي إلى إنشاء وبناء أفق جديد، حتى وإن كان غيره من الدارسين يميّز بين تلقي القارئ العادي، والقارئ المختّص. ما دامت المتعة تقود وتحدّد مبتغاه، وتسلك المعرفة بالثاني سُبل الموضوعية العلمية(10).
لذا فإن ما يقويّ فرضية تقاطع السوسيولوجي/ السيكولوجي في عملية التلقي، وفي الكشف عن ميكانزماتها، يتحدّد في حجم مصّغر على مستوى الذات الواحدة. إذ تخضع للتحليل فإنها لا تعطي -حتماً- نفس النتائج، بل تعكس كل حين صورة جديدة للتلقي، يتحوّل معها النّص إلى كائن لا تتحدّد هويته الأدبية قبل التلقي، بل إثْرَه عندما يتمّ الوقع، لأنّ النص في لقائه بالقارئ، يقاطع ذاتاً يتقاطع فيها السوسيولوجي والسيكولوجي في آن من خلال شبكة متعاقدة، يصعب فرزها أثناء عملية التلقي، لأنّ النص "كنسيج قار من الرموز، يختلف من متلقٍ لآخر، لأن تلقيات النص الواحد تختلف عن بعضها، ولو كانت الذات المتلقية واحدة. وذلك باعتبار أنّ فعل التلقي يخضع لشروط خارجية (المكان، والزمان، ووضعية فعل التواصل) كما يخضع لشروط أخرى داخلية (بيولوجية، وسيكولوجية، وأخرى تتعلق بمعطيات وضعية المستقبل الاجتماعية) وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يكون هناك تطابق بين النّص الذي يُنتج وبين نفس النّص حين يخضع لتلقٍ ما، وذلك نظراً لتباين طرق وظروف عملية التواصل هذه، إضافة إلى اتساع الفارق الزمني، بين نشأة النص، وبين تلقيه، يزيد من الفارق التواصلي، ومن هنا سيكون علينا أن نستبدل تسمية النص "الموضوع الجمالي" باسم "النص الظاهرة". وذلك لأنّ التسمية السابقة تتضمن حكماً مسبقاً يُسلِّم بأدبية النّص، في حين أنّ أيّ حكم يخصّ أدبيّة نصّ معين - من وجهة نظرية التلقي- يجب أن يكون كنتيجة وليس كنقطة انطلاق.(11)
وما يبرر لجوء جمالية التلقي إلى التخصصات المختلفة هو إعادة ضبط بعض المفاهيم السائدة كالنّص، والشعرية، والأثر، والعمل الأدبي... لأنّ الاقرار بالمقاييس، والمعايير في النقد التقليدي محدّدة سلفاً، وتبقى مهمته إثباتها في الأدب ثانية.
وما دام الأفق عند المتلقي مثار تغيّر، وتبدّل، وتحوّل، فإنّ المعايير تفقد قيمتها الدّغماتية، لأنّ الأفق سرعان ما يعدلها، فيتيح للأساليب، والانزياحات إمكانيات فائقة في التّجدد والتلوّن بين قطّبي: التوفيق، والتخييب. هذا ما يحيلنا على سوسيولوجيا القراءة عند "جاك لنهارت"(12) من خلال تحديده لأنماط القراءة، وأنساقها في البحث الميداني الذي شمل فرنسا، وألمانيا للأثر الواحد.
ويبقى الاعتقاد السائد عند "فولفغانغ ايزر" أن مكمن الصعوبة في دراسة عملية التلقي لا يتمثل في طرفيها "النص والقارئ" بل في الحدث الحاصل بينهما، من تفاعل، وتقاطع لأنه: "من الصعب وصف هذا التّفاعل، لأن النقد الأدبي لا يتوفر إلاّ على الشيء القليل جداً من ناحية الخطوط الموجهة، وبالطبع فإن الشريكين في عملية التواصل أي: النّص، والقارئ أكثر سهولة في التحليل من الحدث الذي يحصل بينهما، ورغم ذلك فهناك ظروف واضحة تسيطر على التفاعل بصفة عامة"(13). ما دام تحقُّقُ العمل الأدبي الفعلي ينشأ من تولّد القطب الجمالي الذي يقيمه المتلقي عن القطب الفني الذي ينجزه المؤلِّف.
2- نحو جمالية التلقي:
تكشف ظاهرة توالي المذاهب، والمناهج وتعاقبها على الظاهرة الأدبية، تراكب هذه الأخيرة، واتِساع مدارها وغور أعماقها، ما دام كلّ مذهب، يذهب فيها شأواً بعيداً في مقاربته إضافةً، وتوجيهاً دون أن يزعم استنفاد مادتها وبلوغ حقيقتها، مما جعل كل تصوّر مذهبي يحمل في طيّاته حدود أبعاده، ومحدودية أدواته مما يخوّل لغيره من المذاهب، استلام شعلة البحث على أنقاضه ليواصل المشوار معرّياً عورات سلفه، باسطاً بين يديه آفاقه الجديدة وطموحاته القريبة والبعيدة. وكلّما قارب المذهب والمنهج جانباً من جوانب الظاهرة أكدّ -من حيث سعيُه للشمولية- حدود مقاربته فظل التفكير في العمليات التركيبية مطلباً صعب التحقيق، لأن ما تقرّر إنجازه لا يعدّ ركيزة يبنى عليها التركيب لأن المذاهب: "كلّما أشرفت على الجودة أو أدركتها، كشفت عن حدودها، وأفصحت عن حاجتها إلى غيرها من المفاهيم، لما في درس الأدب من تشعّب وعسر"(14).
غير أنّ الجهود المتوالية، بدأت تحاصر الظاهرة الأدبية، بعد تحديد عناصرها، مما يداخل نشأتها من عوامل، وما يؤثر في مؤلفيها، وصياغاتها من مؤثرات(15) وما يخامر متلقِيها من أحوال تؤكد أنّ كلّ مقاربة تحتل حيّزاً ضرورياً في إطار الظاهرة تتعدل مفاهيمها بتطور البحث، وتلاقح الحقول، حتى باتت الظاهرة الأدبية اليوم قاب قوسين أو أدنى من الفتح... إلاّ أنّ نسبية العلم، والمعرفة المتاحة اليوم، توحي بالتحول المستمر والذي ربّما سيكشف عن جوانب أخرى لم يفكر فيها الدّرس الأدبي بعدُ، وهي ذات شأن في معمار الظاهرة ككل.
لم يكن التلقي يلقى الاهتمام الذي يحتلّه اليوم - والذي تتزعمه المدرسة الألمانية- في التصورات القديمة، وإن كانت بعض الإشارات تبرق هنا وهناك، دون أن تجد الاستجابة الكاملة لدى النقاد. وربما بكّرت، وتناولتها الأقلام كملاحظات لآثار الوقع تعود على الصنيع فتُعلي من شأنه، ولكنّها لا تلفت الانتباه إلى الذي أصدره. وعندما نقرأ اليوم تعليق "الوليد بن المغيرة" على أثر القرآن الكريم في نفسه: (إن له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وأن أسفله لمغدق، وأنّ أعلاه لمثمر). نستعظم مثل هذا الرّد، لأنه يضعنا أمام أول نصٍّ يكشف عن ناتج الوقع في الذات القارئة. يحمل إلينا وصفاً "فطرياً" عن أثر التفاعل بين النص والقارئ، وإن كان لا يشرح كيفيته. ولكنّه تسجيل صادق للوقع، لم يُداخله بعد عارض من عوارض الفكر المُبيّت قبلاً. خاصة إذا علمنا أن "المغيرة" يمثل نموذج القارئ العارف المختصّ، الذي انتدبته قريش لمهمة "مراقبة" النّص الجديد، وقد خاطب "أبا الجهل" بذلك قبلاً قائلاً: "فو اللَّه ما منكم رجل أعرفَ بالأشعار، منّي ولا أعلمَ برجزه، ولا بقصيده منيّ، ولا بأشعار الجنّ."(16). ومثل هذا القول يحدّد أفق "الوليد ابن المغيرة"، الذي داخلته خلخلة رهيبة زحزحت اعتقاديته، وشككّت ثبوتيته، حتى صار اعتقاده الجديد (أو أفقه الجديد): "واللَّه ما يشبه الذي يقول شيئاً منه، واللَّه إن لقوله الذي يقول حلاوة"(17).
وإنّنا واجدون عند "عتبة بن ربيعة" الأثر عينه، وقد اختلّ ميزان أفقه، وحدث فيه ما خوّل له أن ينصح قريشاً بتخلية السّبيل أمام النبي الكريم -صلى اللَّه عليه وسلم- ونصّه الجديد لأن الذي يراه فيه إمكانيات جديدة لمستقبل قريش عامة على جميع الأصعدة، إذ هو يقول لهم: "ورائي.. أنّي سمعت قولاً، واللَّه ما سمعت مثله قط، واللَّه ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة... يا معشر قريش أطيعوني، وخلّوا بين الرّجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فو اللَّه ليكونّن لقوله الذي سمعت نبأ، فإنْ نصبه العرب كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فمُلكه مُلككم، وعزّه عزكم، وكنتم أسودَ الناس به... قالوا سحرك واللَّه يا "أبا الوليد"(18).
إنّ توفّر لدينا التعبير عن ناتج التلقي في أشكال "فطرية" صادقة لدى "ابن المغيرة" أو تلبست ببعض النظرة الاستراتيجية لدى "عتبة بن ربيعة". فإنّ التعبير عن خاصية الحدث، وكيفية تشكلّه تظل غائبة في الموروث العربي، حتى وإن تفطّن لها "أهل الإعجاز" وأدركوا خطورتها، ولكنهم جانبوها حين أعلنوا: "أنّ من الأشياء أشياء تحيط بها المعرفة، ولا تؤديها الصفة"(19) أو كما جاء على لسان "ابن رشيق" في عُمدته كاشفاً عن تقاصر تعليل الحدث الانفعالي لدى التلقي حين يقول: "سمعت بعض الحُذّاق يقول: ليس للجودة في الشعر صفة. إنما هو شيء يقع في النفس عند الممّيز كالفرند في السيف، والملاحة في الوجه"(20).
وتزخر كتب الإعجاز بنصوص تشرح ناتج الواقع عند القارئ العادي، والمختصّ واصفة جملة الأعراض المرتسمة في النفس والمظهر، ملتمسة كيفيات حدوثها من ظاهرة الإعجاز دون تخطيها إلى تفكيك العملية ذاتها... إلاّ أن الدّهشة تنتابنا ونحن نستبدل بعض المصطلحات -مما ألفناه اليوم- حتى تقفز أمامه النصوص وقد تبدّت حداثتها، وسبقها، مما يجعلنا نجزم بأنّ أهل الإعجاز أدركوا مفاهيم "الأفق السابق" و "ناتج الوقع" و "تشكّل الأفق الجديد" و "تجاوز المعايير" وكلّها مفاهيم تقوم عليها جمالية التلقي اليوم.
إن وقفة مع "الرّماني" -على سبيل المثال لا الحصر- عند حديثه عن أوجه الإعجاز السبعة، ومن خلال استعراضه للوجه السادس منها، يؤكد ما ذهبنا إليه حيث يقول: أمّا نقض العادة: فإن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة ومنها الشعر، ومنها السّجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث. فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن تفوق به كل طريقة"(21).
فالعادة تمثل الأفق السابق، السائد لدى طبقات المتلقين بمعاييرها، وقيمها الجمالية، والفنية، ونقضها يمثل ناتج الوقع الذي أحدث فيها خلخلة، وتحويراً، وتبديلاً، بل تخييباً، وأحّل محلّها شيئاً جديداً، صرف الناس عنها إليه. إذ نقض العادة انزياح عن المألوف إلى جديد يتأسس على قيم جديدة، لها من القوّة والأثر ما يجعلها مهيمنةً، لتغدو معياراً للتفاضل، ومقياساً للجودة. وحديث "الرّماني" في نقض العادة لم ينشأ لديه إلاّ من خلال قراءته للاعترافات المذكورة آنفاً عند "الوليد بن المغيرة"، و "عتبة بن ربيعة" وغيره من فصحاء العرب الذين أعلنوا عن ارتجاج الأفق السائد، وجدارة الأفق الجديد.
وربما ساعدت القراءة المختصة للموروث العربي -في حقلي الإعجاز خاصة، والنقدي عامة على تجلية هذه النصوص، وإعادة صياغتها بما يناسب حداثة الطرح الجديد، خاصة وأنها تتناول المسألة من أبعادها الثلاثة: ما قبل التلقي، والتلقي، وما بعد التلقي، ما دام النص القرآني قد رسم معالم التلقي، وآثارها النفسية، والفزيولوجية لحظة التلقي: "وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرّسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا أنّه الحق"(22) الأمر الذي حدا "بالخطّابي" مثلاً إلى اعتبار مثل هذا الوقع وجهاً من وجوه الإعجاز إذ يقول: "قلت في إعجاز القرآن وجهاً آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلاّ الشاذّ من آحادهم، وذلك صنيعه بالقلوب، وتأثيره في النفوس، فإنّك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً، ولا منثوراً إذا قرع السمع خلص إلى القلب من اللذّة والحلاوة في الحال، ومن الرّوعة، والمهابة في أخرى، ما يخلص منه إليه، تستبشر منه النفوس، وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظّها منه عادت مرتاحة وقد عراها الوجيب، والقلق، وتغشاها الخوف، والفرق، تقشعر منه الجلود، وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس، وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها"(23). وقراءة جديدة لعبارة "يحول بين النفس وبين مضمراتها، وعقائدها الراسخة فيها" يحيلنا على "نقض العادة" وعلى "الأفق السابق" أي ما قبل التلقي..
إن في حديث "الخَطابي"- المستوحى من النص القرآني: "اللَّه نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللَّه"(24) كشف عن التغيرات الباطنية، والفيزيولوجية التي تنتاب المتلقي أثناء عملية التلقي، وبعدها.
وإذا كان "ياوس" و "ايزر" و "جريم" يُقرون صعوبة، بل تعذر تفسير ميكانزمات "التحول". فمن باب الجحود بالموروث وسْمه بالتقصير لأن: "أيّة مقارنة بين موروثنا الفكري ونتاج التفكير المعاصر تعدّ جحوداً باستقلالية هذا الموروث في وجوده وقيمته"(25).
إن استثمار النص التراثي في قراءة -جادّة- للتلقي قد يكشف عن معطيات أخرى أكثر حداثة من الصّخب المثار حول "أسطورة القارئ" اليوم، والتفاتنا إلى الغرب يسمنا بميسم التبعية العمياء، ما دامت هناك نصوص تُضارع ما جادت به قرائح الآخر، بل تتعداها في أحايين كثيرة...
2- من سلطة المعيار إلى التّلقي:
لقد ظلّت الدراسات الغربية -حتى نهاية القرن التاسع عشر- تعتقد أنّ وظيفة الناقد (القارئ الممتاز) هي التوسط بين الآثار الفنية والجمهور، فهو الذي يقرأ لها، ويدلّها على مواطن الجمال، والجودة فيها، فيستأثر بالأذواق ويوجهها بحسب ذوقه، ورؤيته الخاصة، ومن خلال إخلاصه إلى جملة المعايير السائدة، وتلك مهمة تتلخص في الرجوع القهقرى إلى مرجعية الأثر الأدبي، واستنطاقها، وردّ النص -عن طريق التأويل- إليها.
إذ تبدو العملية الآن -في ضوء المعايير والأعراف- حركة دائرية لا تتقدم إلى الأمام بقدر ما تدور حول نفسها، مكررة إنتاج ما أنتج في صور، وأشكال مختلفة تتراوح مكانها. ما دامت النصوص الأدبية عامة: "هي ردّ فعل لوضعية معاصرة لها، كما أنّها تلفت الانتباه إلى قضايا تقيّدها المعايير وإن لم تجد لها حلاً"(26). وارتداد الناقد إلى مرجعيات النصوص، يحفّزه الاعتقاد السائد آنذاك، بأنّ الأدب قادر على حل مشكلات العصر، ومنه ترتبت قيمة الناقد في القرن التاسع عشر، ما دامت الأنظمة الدينية، والاجتماعية، والعملية عاجزة عن حل تناقضاته ومشاكله. وربما قاد هذا الفهم "كارلايل" في محاضرته "عبادة البطل" سنة 1840 إلى الاحتفال بدور الأديب، ورفعه فوق سائر الأنظمة التي كانت تدّعي لنفسها الصلاحية الكونية، فهو يقول: "يشكّل الأدباء كهنوتاً أدبياً يستمر من عصر إلى آخر، يعلّم الناس أن الإله ما يزال موجوداً في حياتهم، وأن كلّ المظاهر: أي ما نراه في العالم ليس إلاّ حلّةً للفكر للفكرة الإلهية حول العالم لما يوجد في الباطن، وهكذا نجد لكل رجل أدب حقيقي نوعاً من القداسة، سواء اعترف به العالم أم لا. فهو النور الذي يستنير به العالم، وراهب يوجه العالم، مثله في ذلك مثل عماد النار المقدسة. وهي في حجّتها القائمة عبر خراب الزمان"(27).
إنّ مفهوم "الكهنوت" يسبغ على الأديب/ الناقد معاني الوساطة بين مصدر علوي والعامة من الناس، وموقفه ذاك يعفيهم من عناء القراءة، والبحث. ما دام الأديب يضطلع بالحقيقة، يجلّيها، ويقدمها سائغة لهم. فهم يتلقونها جاهزة من مصدرها "القدّسي" تحمل إليهم ما عجزت أفهامهم عن إدراكه وتذوّقه. وقد يغدو الفعل القرائي الذي يقومون به مجرّد استهلاك آلي للناتج.
إنّ استكانة الجمهور أمام ما يطرحه هذا الفهم، يلبس الناقد، والأديب سلطة إلزامية تجبر العامة على الرضوخ إلى ما تقرّر وتحدّد. فتكتسب المعايير -من وراء ذلك- سلطة أقوى وأشد، وتمدّ هيمنتها في اتجاهين، باتجاه الكتّاب وهم يجتهدون في اكتساب مواقف القداسة، وباتجاه القرّاء وهم يستكينون إلى الآثار الأدبية. وليس غريباً بعد هذا أن نجد جلّ الدارسين -عندنا- يتهيّبون نقد شخصيات اتّشحت بهذه السلطة أو تلك، حتى وإن كان فهمها الذي طرحته في حقل الأدب، والنقد، مشروطاً بحدود الثقافة، والعصر، والبيئة، والتّوجه. لأن ما يثير الدهشة حقاً أنّ النقد اليوم -حسب "ايزر" - لا يزال مستمراً في تقليص النّص إلى معناه المرجعي، رغم أنّ هذه المقاربة كانت دائماً مناط تساؤل حتى نهاية القرن التاسع عشر(28) ما دام التأويل الذي يطرحه ذلك الناقد لا يضيف إلاّ معنى آخر للمعنى الحرفي للنّص. أو يعود به إلى مصدره الأول، وتلك الطريقة كشفت عن عقم أداتها وقلّة فاعليتها. لأنّ المعنى كما يُفهم اليوم ليس معطى حرفياً يحمله النص، وإنّما صورة تُشكّل أثناء التقاء النص بالقارئ، فلا تكون بالضرورة شيئاً يحمله النّص، بل يشارك في بنائه فقط، ومن هنا غدا التأويل عملية "حفر" في البناء القائم لهدمه وبلوغ النّص التّحتي الذي تشكّله الفراغات وتملأ آفاقه. والفراغ الذي كان يرتطم به الناقد القديم وينزعج منه. أضحى بنية نموذجية في التأويل الحديث لأنّه ديناميكية. تنضاف إلى النص، فتساعده على خلق شيء آخر غيره، أو ما يمكن تسميته اليوم بنّص القارئ. إلاّ أنّ هذا الأخير لا يمكن التّسليم به كمعطى قار، بل لا بد من الاحتراز إزاءه، لأنّه سرعان ما يتحوّل إلى نّص آخر، إذا غيّرت الذات القارئة نمط القراءة ونسقها، ووضعيتها، وزمنها. لأنّ الشرح والتفسير إنّما هما تحجيم لمعنى قائم في النّص من خلال حرفيته، أمّا بناء المعنى -بحسب ما يقتضيه فعل المشاركة- فهو خلق، قد يلامس النّص، ويتوافق معه، وقد يشتطّ بعيداً عنه ما دام كلّ مكتوب ليس مقصوداً لذاته. إذ باستطاعة النّص أن يعرض صورة عادية جداً لمظهر من مظاهر الحياة، ولا يحمل أدنى إشارة نقدية لجذورها المفضية إليها، ولا إلى المنظومات التي ساعدت على خلقها، ويكون النص سرداً وصفياً لا غير بريئاً من تهمة الإثارة أو التحريض، ولكن بمجرد حفر بناه تتكشف الثورة، والنقد، والاتهامات، وتتشابك الوضعيات، فإذا النّص يضجّ بالحرارة بعدما كان هادئاً وبالنقد بعدما كان مسالماً.
فإذا قرأنا -على سبيل المثال- نص "برنارد لالان"(28) "لابد من كسب العيش" والذي يصف فيه "دونيز" التي بدأت حياتها العملية سنة 1975 في وسط يعشعش فيه الرّوتين: لقد ساقها نظام الدراسة إلى الباكالوريا قسراً ففشلت مرتين وكرّرت ثلاثة أقسام، ثم جاء التكوين، ثمّ الشغل... أدركنا حقيقة ما وراء النص، أو ما أسماه "ايزر" بالنّص التّحتي...
"أفعل هذا سائر الوقت... ليست لي رغبة في الصعود... هكذا يروق لي... لماذا؟ صمت... إنّه عمل بسيط لا نحتاج كثيراً للتفكير، ولهذا السبب عندما أكون وحيدة أشَغِّل المذياع، ولا أفكر أبداً.. الحادية عشر ليلاً... تضغط "دونيز" على زر وتوقف صخب المنوعات، وتنام من دون أحلام، ستعود في الساعة السابعة صباحاً إلى ثقب بطاقات الضمان العائلي.. في حدود الشهر المقبل تبلغ "دونيز" الثانية والعشرين من عمرها... ماهية 1600 فرنك الشهرية تسدّد لها الغرفة، والطعام، والباقي يذهب لبرامج التوفير من أجل السكن... خجولة... منطوية، تطل حديقتها السريّة على صحراء.. تعلن وكأنها تعترف: لم أقرأ شيئاً منذ أربعة سنين.. لا شيء يهمني.. لم ألتق بأحد.. نعم هذا محزن.. لكن قليلاً، لا.. لا أشعر بالضجر..."
يبدو النّص على بساطته، لا يثير شيئاً ذا بال. اللَّهم إلاّ وصف حالة عادية، من بين جملة من الحالات، ربّما تكون أكثر تعقيداً وإشكالية، وذلك ما يحمله النّص في مستواه الخطي القار. وكلّ شرح، أو تفسير، لن يضيف إليه جديداً، بل سيعريّ.. بساطته، ويجعله لا يرقى إلى أسباب الفن ومعاييره، ما دامت هناك نصوص تتناول ظاهرة الروتين بعمق أكثر، ولكن الملفت حقاً في الفعل التأويلي -كما تسعى القراءة إرساءه- لا يبحث عن المعنى في النّص، بل يتوخاه في الموقع الافتراضي الذي يرسم نقطة تقاطع النص والقارئ، ويتولد فيها كذلك النص الجديد.
إن نصّ "برنارد لالان":
- لا يتّهم المنظومة التعليمية.
- لا يناقش نظام الشغل والتشغيل.
- لا ينتقد طبيعة المجتمع الذي تحيا فيه دونيز.
- لا يلتفت إلى الأسرة وأدوارها.
- لا يتأسف لحالة شخصية.
- لا يرثي لوضعية اجتماعية.
- لا يتهم أحداً.
- لا يحرض على ثورة.(30)
إن جملة هذه الملاحظات تفرض علينا الاعتقاد بأن المعنى، لا بد وأن يكون خارج النّص فيما أسماه النقد الحديث "باللاّمقول"، الذي يفرض علينا اعتبار النّص الجديد علامة دالة إما سلباً أو إيجاباً، يتحاماها التأويل لسد فراغهما، وإنشاء النص الجديد على أنقاضها. عندها سندرك أن نصّ "برنارد لالان" يتهم المنظومة التعليمية: من خلال الحالة التي آلت إليها دونيز، ومن عزوفها على القراءة كلّ هذه المدّة، ويتهم نظام الشغل الذي سلبها فاعلية التفكير، وأحالها إلى آلة خالية من كل حياة، ويفضح نظام العزوبة، وكأن العمل بالنسبة "لدونيز" هو توفير مسكن لأيامها الأخيرة خوفاً من أن يرمى بها في الشارع... إنّه يتهم نظام الحياة كما هو سائد في المجتمع الفرنسي، وتلاشي الأسرة، وانعزال الناس في شقق يأوون إليها ليلاً، لا تعمرها إلا الوحدة، ولا يسكنها إلاّ الوهم، والضجر.. حتى الضجر لم يعد له طعمه الذي كان.. فقد أضحى شيئاً مألوفاً.. لازمة من لوازم الغرفة.. وأخيراً إنّ النصّ يتّهم كل الناس: الساسة، المفكرون، المربون ويحرّض كل الناس على الثورة...
إنّ مثل هذا النص، لو عرض في فترة سابقة -(القرن 19) ومطلع (القرن 20)- لتحاماه النقاد، ووسموا صاحبه بالجهل والرداءة، وصرفوا الناس عنه، لأنّ قصارى النقد - آنذاك- لم يكن إلاّ ليشرح الكائن، ويضخّمه، ويشير إلى مرجعياته، وإنّ أول أمور فيه أخرجها إلى بعض الشروح الاجتماعية والنفسية.. أمّا ما يعتقد اليوم، فإنّ سبل التواصل تنهج طرائق متعددة للقول، لا ترى لزوم حمل المعنى جاهزاً للقارئ، ولا تتحمّل مسؤوليته كاملةً، بل تفسح صدرها لمشاركة بنّاءة، ينفتح النص خلالها إلى شعب تتعدّد مستوياتها بتعدّد القراء من جهة، وبدرجة عمق التلقي من جهات أخرى...
وفي هذا الصّدد تتّهجم "سوزان سونتاج" تهجماً واضحاً على التفسير التقليدي للأعمال الأدبية إذ تقول: "إنّ الأسلوب القديم في التأويل -رغم احترامه النّص- كان يضيف معنى آخر للمعنى الحرفي للنص، أما الأسلوب الحديث للتأويل فإنه يحفر... وأثناء الحفر يحطّم، يحفر هذا التأويل وراء النّص ليصل إلى النص التحتي (Subtext) الذي هو النّص الحقيقي... فللفهم لا بد من إعادة شرح الظاهرة للعثور على مقابل لها.. وهكذا فإنّ التأويل ليس قيمة مطلقة كما يعتقد كثير من الناس، ولا بادرة ذهنية تنتمي إلى مملكة القدرات الخالدة، بل يجب تقييم التأويل في إطار نظرة تاريخية للوعي البشري"(31).
واعتبار التأويل مشاركة بناءة، يدفع بالدرس النقدي خطوات نحو جمالية التلقي في تجاوزه النص الحرفي إلى النص الحقيقي "الغائب" قبل فعل التأويل، والذي يرشّح النص لعطاءات متكررة، ما دام التأويل قيمة نسبية تخضع لعوامل مختلفة من ذات قارئة لأخرى. فالنص كما يفهمه "فريكرْ وكورفيك" : "يمثل نموذجاً، أو مؤشراً منسقاً يوجه خيال القارئ، مما يجعل المعنى لا يفهم إلاّ كصورة تعوّض عما يبيّنه نموذج النص، ولا يذكره، وهذه العملية من الملء للفراغات شرط أساسي للتواصل"(32).
ويبدو أنّ الاهتمام الماركسي بالجمهور في نظرته للعمل الأدبي، قد أفسح مجالاً معتبراً للتواصل بين الأثر الأدبيّ، والمتلقي في إطار الوظيفة الأدبيّة، والالتزام بالفكرة المقررة سلفاً في كل عمل ثوري يريد أن يوجّه المجتمع نحو آفاق التكوين الاشتراكي. إذ أضحى الهدف الأساسي في كل محاولة هو: تمكين الطرح الماركسي للمجتمع المتصور في منظومته الفكرية. غير أنّ حظ القارئ ظلّ ضئيلاً بالمقارنة مع الفكرة الإديولوجية والدعاية لها. فاختزلت زوايا النظر في حدود الكاتب، والعمل الأدبيّ، والصيرورة التاريخية.
ذلك ما اعتبره "ياوس" اضطهاداً للقراء، ما دام تاريخ الأدب لزمن طويل تاريخاً للمؤلّفين والمؤلفات: "لقد تناسى من اعتبروا مجرد سوقة (غير نبلاء) وهم القارئ، أو السامع، أو الشاهد المتأمل، إذ يندر أن يتحدث عن الوظيفة التاريخية للمتلقي، رغم ما بدا من ضرورتها على الدوام. ذلك أنّ الأدب والفن، لا يصير صيرورة تاريخية ملموسة إلاّ بواسطة تجربة أولائك الذين يتلقون المؤلفات، ويتمتعون بها، ويقوِّمونها، ومن ثمَّ يعترفون بها، أو يرفضونها، يختارونها، أو يهملونها، فيبنون تبعاً لذلك تقاليد، بل إنّهم يستطيعون بصفة خاصة أن ينهضوا -من جهتهم- بالدور النشيط المتمثل في الاستجابة لتقاليد ما، وذلك بإنتاج مؤلفات جديدة"(33).
والتاريخ الحقيقي للأدب -حسب "ياوس"- هو تاريخ التلقيات وردود أفعالها على الدوام، إذ تكمن فيها القيمة الحقيقية لكل إنشاء بعد مروره على المحكّ: محكُّ التلقي وتوليد لقيم جديدة، ستضحى معايير انطلاق نحو آفاق إبداعية أخرى، أما دوران تاريخ الأدب بين المؤلِّف والمؤلَّف فلا يزيد إلاّ من سلطة المعيار وتحجّره، وربّما أتاح المجال واسعاً لسلطات أخرى للتحكّم فيه، كالتوجه الإديولوجي، والسياسي، والتكويني، وغيره. أمّا ما ينتاب المتلقي من مواقف تجاه الأثر فلا سبيل إلى رصدها من جهة ولا رغبة في استثمارها من جهة أخرى، حتى وإن ارتسمت في شكل ردود، ونقود متفرقة هنا وهناك، أو حفل بها النقد الصحافي، الذي كثيراً ما فسح صدره لردود القراء، ومواقفهم، غير أنّه لا يرقى إلى درجة النقد الدغماتي المقنن الذي لم يستفد من إشارة "أرسطو" إلى التطهير، ولا من دعوة "كانط" في إطار الفن عامة وبُرَهِ تلقيّه.
4- المعرفة ومستويات التلقي:
تميّز النظرية "الجشطالتية" بين نوعين من المعرفة: المعرفة الحدسية، والمعرفة الذهنية، فالمعرفة الحدسية، تمثل اللقاء المباشر بالموضوع، وتجعل للحواس أولوية المبادرة في تلقي ما ينبعث عنه من أشكال، وألوان، ورموز، وأبعاد، تلمّ بها في أنساق مترابطة يحيط بها البصر، أو السمع مثلاً، حتى تتجمّع في مظهر كلّي، يتيح للمتلقي إنشاء تصور شامل عن الموضوع. ويمثل لها "رودولف إرنهايم" بتأمل اللوحة التشكيلية قائلاً: "كما يحدث مثلاً عندما يحاول شخص ما فهم لوحة تشكيلية، إنّه يحيط بصرياً بالمنطقة التي يشتمل عليها إطار اللوحة، ويدرك المكونات المختلفة لهذه اللوحة، من أشكال، وألوان، وعلاقات مختلفة، هذه المكونات تمارس تأثيراتها الإدراكية على بعضها بعض، بطريقة تجعل المتلقي يستقبل الشكل الكلّي باعتباره نتيجة للتفاعل بين مكونات اللّوحة المختلفة، ونفس الأمر يمكن قوله بالنسبة للأعمال الإبداعية الأخرى كالموسيقى والرواية، والقصة القصيرة، والمسرح، والشعر"(34).
والمعرفة الحدسية -من هذه الرواية- تمثل القراءة البصرية للمنظور، وتبحث من خلال التشاكلات، والتنافرات عن شبكة العلاقات المتداخلة بين وحداته وأجزائه، حتى يتبدى أمامها النسيج في أطواله وأعراضه، يحتلّ كلّ جزء مكانه في هندسة المعنى "الشكلي" الذي سيفضي حتماً إلى هندسة المعنى على مستوى الفكرة الكامنة وراءه.
والمعرفة الحدسية -وإن اقتصرت على المشاهَدِ، والمسموع بفضل أدواتها -فإنّها تتعزز دائماً بالمعرفة الذهنية التي ستنصّب لاحقاً على سدّ الثغرات، والفجوات، وتعليل الانقسامات، وتأويل العناصر المتدابرة في اللاّ تشاكل، لتردّها إلى أوضاع تقبل التجانس -مجازاً- في إطار المشهد الكلّي. لأنّ من خواصّها: "تفتيت العمل الإبداعي إلى عناصره الجزئية، وبعد ذلك تفحص العلاقات الموجودة بين هذه العناصر، وتدمجها من جديد في وحدة كليّة".(35)
وتجاوز المعرفتين جنباً إلى جنب، يفسّر كثيراً من حقائق التلقي في الحقل الأدبي، كون المكتوب شكلاً "مُهَنْدَساً" تنصّب فيه عبقريات الإبداع في إخراجه، صورة قابلة للقراءة. يتوزع على بياض الصفحة في أسطر تطول وتقصر، تدّق وتظهر، أو تشبّع بعلامات ترقيمية مختلفة، أو تُترك غُفلاً، أو يغزوها البياض من أطرافها، ويتخللّها بين عباراتها... وتلك تقنية لم يكن النقد التقليدي يعبأ بها قبلاً، وقد تترك لمصفّف الحروف يعبث بها كما يشاء. ولمّا غدت الفنون تتثاقف، وتنفتح على بعضها بعض، وتتداخل، وتستعير تقنيات بعضها بعض، أضحى أمر الشكل المشحون بالدلالة أمراً خطيراً لا يستهان بقيمته كآلية من آليات إنتاج المعنى.
والمعرفة الحدسية تجنّد لهذا الغرض منافذ التلقي كلّها: من لمس، وبصر، وسمع، وتلقي أوليّ، حتى تدرك المنظور في أبعاده جملة، ثم تدنو لتميز الأجزاء عن بعضها بعض. إلاّ أن الفصل بين المعرفة الحدسية، والمعرفة الذهنية، أثناء عملية التلقي إجراء مردود لتمازجها أثناء الفعل، وذلك لمصاحبة الذهن للحدس حتى أثناء عملية التلمّس الأولية، وقد يتوّج هذا النشاط بمعرفة أرقى وأشمل، تتخطّى حدود الأثر فترصد فيه الكائن، والممكن، ونعني بها المعرفة الإبستمولوجية، وهي أرقى أنواع المعرفة: "لأنها تتأمل مستويات المعرفة، وتحاول أن تتعرف على الفروق الموجودة بينها، وكذا الأبعاد المستقبلية للتأمل في الظواهر الإبداعية"(36).
وإذا رُحنا نقابل بين مستويات المعرفة، ومستويات القراءة على خطى "حميد لحميداني" يتبيّن لنا الجدول التالي:(37).
مستويات المعرفة مستويات القراءة الوظيفة
- المعرفة الحدسية - القراءة الحدسية - التذوق، المتعة.
- المعرفة الإيديولوجية - القراءة لإيديولوجية - المنفعة.
- المعرفة الذهنية - القراءة المعرفية - التحليل
- المعرفة الإبستمولوجية القراءة المنهاجية - التأمل المقارن إدراك الأبعاد
يعلق "حميد لحميداني" على هذا الجدول بقوله: "ولا ينبغي الاعتقاد بأن هذه القراءات جزر متباعدة، بحيث لا يمكن أن تلتقي أو تتداخل فيما بينها، فالقراءة المعرفية قد لا تستغني عن القراءة الحدسية، ولكن حدس الناقد ليس في مستوى حدس القارئ العادي أو حدس دارس الأدب المتهيّب من المناهج، ومن كل معرفة منظمة، هناك إذن إلتقاء ممكن بين جميع المستويات، وإن كان التمييز بينها تفرضه هيمنة إحداها في كل مستويات تلقي النص الأدبي"(38).
بيد أنّ الانتقال من المستوى الحدسي، إلى المستوى المعرفي يشكّل خطاً تصاعدياً في منحنى التطور الذي تشهده كل معرفة، بغض النظر عن المعرفة الإديولوجية التي تجتهد في قصر المعنى على هدف مسطور قبلاً، تتولى القراءة الإديولوجية تذليل التأويل إليه، لأن غايتها -وإن نعتت بالمنفعة- فهي غاية مبيتة تؤطرها مخططات الفكر الإديولوجي الصادرة عنه. وليس غريباً بعد ذلك أن تظل القراءة المعرفية هي الأخرى مشدودة إلى المبادئ المشكلة لحيثيات ذلك الفكر، فتعود إليه ولكن فعل التحليل يجرّها نحو الموضوعية والعلمية، كما هو الشأن بالنسبة للقراءة الإبستمولوجية التي تسعى إلى رصد الكائن فيما تحيط به من حقل، وإلى الممكن المستكين في حنايا ذلك الكائن، والذي يتوثّب لإنشاء أنماط أخرى من الأشكال والمضامين.
ربما تكون هذه الصورة التي رسمناها لمنحنى التطور في مستويات القراءة مقروناً بالمعرفة واضحاً من الوجهة النظرية العامة. غير أن رصدها في إطار الفعل القرائي والتلقي، يحتم خلق خانة إضافية في جدول "حميد احميداني" تضم مستويات القراء. حتى نتبيّن درجات المتعة الناشئة في المستوى الحدسي، ودرجات المنفعة في مستوى الإديولوجي، وقيمة التحليل وعمقه في المستوى المعرفي والإبستمولوجي، ما دام كلّ لقاء بين مستوى القارئ ومستوى المعرفة تحدّده درجة الوعي، والإدراك، ومشاركة المتلقي، ووضعيات ذلك التلقي وأشراطه، إذ: "ليست القراءة معطى تجريدياً عاماً، يمكن الحديث عنه كفاعلية واحدة منسجمة في كل زمان ومكان ولدى كل الأشخاص. فلا بدّ من مراعاة مستويات القراء ومستويات معارفهم وخبراتهم. والقراءة بهذا المعنى أيضاً تفاعل دينامي بين معطيات النص، والخطاطة الذهنية للمتلقي بما فيها رغباته وردود أفعاله"(39).
وإن كنا قد ألفنا الانعطاف إلى الموروث في ثنايا بحثنا لإحقاق حق أو لتأكيد فكرة فإنّنا نلمس للمعرفة الذهنية مكانة بارزة عند "عبد القاهر الجرجاني" في حديثه عن عمق التحليل والكشف عن كوامن الفكرة وراء الظاهر. فالتمثيل عنده يقتضي مشاركة القارئ لبنائه وإقامة صرح المعنى من خلاله، لأنه من دون ذلك يبقى التمثيل بعيداً شارداً غير مدرك، وفيه تتفاوت مستويات المتلقين إذ أنّ: "ما طريقه التأويل يتفاوت تفاوتاً شديداً، فمنه ما يقرب مأخذه... ومنه ما يحتاج فيه إلى قدر من التأمّل، ومنه ما يدقّ ويغمض حتى يحتاج في استخراجه إلى فضل رويّة ولطف فكرة"(40). ثم يستعرض جملة من التمثيلات لا ينالها إلا من أوتي ذهناً ونظراً يرتفع به عن طبقة العامة.
وحديث "الجرجاني" عن التفاضل بين مستويات القراءة، ينبع من إدراكه لمستويات المعرفة التي يتمتع بها كل مستوى، فمن كان حظّه الظاهر قنع به ووقف عنده، ومن كان حظه فضلة فكر وتأمل ورويّة حاور الغامض وخالطه، ونقّب فيه حتى يصل إلى خباياه. ومن هنا تتقرّر عنده مستويات القراءة كناتج لعطاءات كل مستوى. فيكون النص مفتوحاً على الكل يقبل عن هذا وذاك. ويعلق "محمد مشبال" على حديث "عبد القاهر" في الكناية قائلاً: "فالكناية صورة لا تتشكل إلاّ بعملية ذهنية يقوم بها المتلقي مستعيناً بالسياق الثقافي العام الذي تنتمي إليه هذه الصورة. هذا الاستدلال وهذا التأويل لا يكونان إلاّ مع ما طريقه "المعقول" دون "اللفظ" مثل الاستعارة والتمثيل والكناية. فالصورة تملك معناها الأول بمقتضى الوضع اللغوي ولكنّها تختلق معنى آخر يظل في حاجة إلى الاستكشاف والتحديد، وهو ما تناط مهمته بالتلقي، هذه إذن إحدى سمات القراءة في النصوص الجمالية"(41).
هوامش :
1- حسين الواد. في مناهج الدراسة الأدبية. دار سرار تونس 1985 ص 79.
2- جان ستاروبنسكي. نحو جمالية للتلقي (ت) د. محمد العمري. مجلة دراسات سيميائية أدبية. ع6. 1992 الدار البيضاء ص 43.
3- م س ص 43.
4- م س ص 43.
5- كونتر جريم. التأثير والتلقي: المصطلح والموضوع. (ت) أحمد المأمون و د. حميد لحميداني. مجلة دراسات سيميائية أدبية ع 1992 ص19.
6- جان ستاروبنسكي. م م س ص 47.
7- كونتر جريم.. م م س ص 20.
8- م س ص 29.
9- انظر م س ص 30.
10- انظر م س ص 29. الهامش.
11- م س ص 18.
12- انظر فصل سيوسيولوجيا القراءة.
13- فولفغانغ إيزر.. التفاعل بين النص والقارئ. (ت) الجيلالي الكدية. مجلة دراسات سيميائية أدبية. ع7. 1992 ص8.
14- حسين الواد. م م س ص 56.
15- م س ص 56.
16- ابن كثير.. السيرة النبوية. ج1 ص 498.
17- م س ص 498.
18- ابن هشام. السيرة النبوية. ج1 ص 293.
19- الآمدي. الموازنة ص 385.
20- ابن رشيق العمدة. ج1 ص99 أورده توفيق الزيدي. مفهوم الأدبية في التراث النقدي ص 12.
21- الرماني. النكث في إعجاز القرآن ص 111 ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن (ت) أحمد خلف اللَّه. ومحمد سلام زغلول. دار المعارف. مصر ط2. 1968.
22- سورة المائدة.. الآية 83.
23- الخطابي.. بيان إعجاز القرآن. ص. ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن. م م س.
24- سورة الزمر.. الآية 23.
25- محمد مشبال. الأثر الجمالي في النظرية البلاغية عند عبد القاهر الجرجاني. مجلة دراسات سيميائية أدبية. ع6. 1992 ص 126.
26- فولفغانغ إيزر.. وضعية التأويل، والفن الجزئي والتأويل الكلي. (ت) حفو نزهة وبو حسن أحمد. م. دراسات سيميائية أدبية ع6 ص 69.
27- م س ص 42. (النص أورده إيزر).
28- انظر م س ص 72.
29- Bernard Labane “Faut bien gagnier sa vie” expansion N 88 sept 1975 PARIS.
30- Gerard Vinger. lire du text au sens. clé international 1979. PARIS.
31- سوزان سونتاج 3 ضد التأويل. ومقالات أخرى "نيويورك 1966. أورده فولفغانغ إيزر. وضعية التأويل... م م س ص 77.
32- فولفغانغ إيزر. وضعية التأويل... م م س ص 75.
33- جان ستاروينسكي. م م س ص 41.
34- مجموعة من الباحثين: دراسات نفسية في التذوق الفني. مكتب غريب 1989 ص 42 أورده د. حميد لحميداني: مستويات التلقي: القصة القصيرة نموذجاً. مجلة دراسات سيميائية أدبية ع6. 1992 ص 98.
35- حميد لحميداني. مستويات التلقي. م س ص 98.
36- م س ص 8.
37- م س ص 99.
38- م س ص 99.
39- م س ص 101- 100.
40- عبد القاهر الجرجاني. أسرار البلاغة ص 83. أورده محمد مش