مفهوم الثابت والمتحول في العرض المسرحي
دراسة سيميائية
شاكر عبد العظيم
يمكن اعتبار المنهج السيميائي من اخصب وادق المناهج التي اشتغلت على
مفهوم الثابت والمتحول بعده فضاءا يتداخل ويتوالد فيه عنصري الدال
والمدلول فضلا عن اشتغالاته في مجال المسرح كخطاب علاماتي يقوم على اساس
انه بنيه يحكمها نسق من العناصر والعلامات المؤسسة وهي عناصر العرض
المسرحي كافة والمتمثله بالمنطوق الخطابي ( الحوار ) الى الديكور والاضاءة
والموسيقى والزي المسرحي والماكياج والممثل بالاضافة الى المؤسسات الاخرى
كالتوازن والايقاع والخط واللون ، فالمتلقي يتعامل مع صورة العرض من
مجالين هما الظاهري والداخلي ، والظاهري هو ما يدخل في نطاق الحس كالايقاع
النفسي والحس البصري كاللون والتوازن والخط والكتلة ، والداخل هو حركة
العناصر داخل فضاء العرض فحين تتحرك تلك العناصر ما يعني منحها الحياة ،
اذ ذاك نتعامل معها وفق تواجدها المولد للمعاني التي تكمن وراء تلك الحركة
.
والمنهج السيميائي يمتلك تلك الميزة كونه يهتم بالاثر الابداعي وهو
يشكل نسق من العلامات او الاشارات ومن ثم يقوم بتحليلها على اساس اجرائي
ينبثق من رؤيته ، فضلا عن كون العرض المسرحي فعل سيميائي الى الحد الاقصى
وفيه يصبح كل شيء على خشبة المسرح عبارة عن دال يؤدي الى مدلول متعدد
الاتجاهات ، والمقصود هنا ( المعنى ) ، فالدال قد يؤدي الى اكثر من مدلول
او قد ينفي الدلاله الواقعية ويغادرها بناءا على قدرة العلامه على التحول
من ثباتها المفاهيمي المألوف ، واعتماده على الشفرة وهو ما يشكل احدى
معطياته الاساسيه الى جانب قيام السيمياء بدراسة الظاهرة المسرحيه
وتحليلها .
والمسرح بوصفة حاضنة ومرتع خصب للعلامات الدالة فانه شان اللغة يحتوي
على علامات لسانية وعلامات غير لسانية ، والاثنان تواصليان يقيمان علاقة
ذهنية وصورية مع المتلقي لبث شفرات العرض وعلامته على اساس انها خزين
لمعاني عليه هو – المتلقي – التعامل معها وفق ذهنية جاهزة ومتوثبة لالتقاط
المبثوث من العرض وتحليله وبهذا يدخل المتلقي عبر العلامة السيميائية الى
الحصول على مجموعة من الشفرات والرموز ، وهذا ما يدعو للقول في ان
المسرحية قديما وحديثا لم تكن لتخلو من دال ومدلول وفي كل الحالات سواء
اكان العرض قديما ام حديثا ثابتا ام متحولا ، ولكن لفعل التحول والثبات
اجواء من التعقيد ، سيخوض الباحث غمارها من اجل عزلها لمعرفة آليات عمل
الثابت وكذلك المتحول ، فالسيمياء لم يرتبط وجودها بالراهن وانما كان لها
ظهورا منذ القدم مرورا بأفلاطون وأرسطو
، وقد بلغت شأوا عظيما لدى القديس ( اوغسطين ) الذي اكد على البعد
التواصلي للاشارة من خلال محاولة الفرد اظهار ما في ذهنه ونقله الى ذهن
شخص اخر ، لذا فانه يلجأ – أي المتكلم – الى الدلالة ، حتى لقد اخذ المنهج
السيميائي بالازدهار في فترات لاحقة .
ان اصول التفكير العلاماتي كانت قديمة جدا قدم التأمل في اللغة ،
وكذا اهتمام الانسان بالعلامة غير اللسانيه ابعد من ذلك واقدم ، فالانسان
القديم قبل ان يخترع الكتابة كان يقوم بمطابقة دال العلامة وما تشير اليه
ويقوم بعد ذلك بالتوحيد بين الاسم والشيء المسمى وذلك يتمثل في اعتبار
الانسان القديم كان يرسم حيوانا على اساس انه حقيقي وليس شكلا ، وسكان
سوسه كانو يرسمون الطيور والوعول على اواني تدفن مع الموتى ، فان ذلك
يساعد الموتى على الاصطياد والتغذيه بما يصطادونه ، والرموز البدائية شبها
موضوعيا بالشيء الذي تشير اليه او تحل محله والتشابه بينهما كبير .
اما في المسرح فيعد عام( 1931) قد حول جذريا امكانات التحليل العلمي
للدراما والمسرح ، وذلك حين ظهر كتاب ( جماليات فن المسرح ) لمؤلفه (زيخ)
وكتاب ( محاولة لتحليل بنائي لظاهرة الممثل ) لمؤلفه ( جان موكاروفسكي ) ،
حيث كان لجماليات زيخ الاثر الكبير على السيميائيين الذين جاءو من بعده
رغم ان كتابه لا يعد دراسة تقع ضمن الدراسات البنيوية بالمعنى الصريح الا
انها كانت تقوم على كشف علاقة النسيج التي تربط بشكل ضروري بين نظم مختلفة
، وان كان بعضها يعتمد على البعض الاخر ، كما انه رفض أي سيادة للنص بل
عده يدخل ضمن النظام العلاماتي للعرض وهو جزء يكون الكل ، وبالانتقال
لبنائية موكاروفسكي فانه يقوم على تقديم لائحة بالعلامات التي يصنفها ،
وهي العلامات الايمائيه ووضيفتها في التمثيل الصامت ( لشارلي شابلن ) ثم
تلى ذلك ظهور مدرسة ( جنيف ) الرائدة ومدرسة ( براغ ) التي اشتغلت في جميع
صنوف النشاط السيموطيقي والفني ( في اللغة والشعر الى السينما والثقافة
الشعبية ثم المسرح ) ويشمل ذلك المسرح القديم والطليعي والشرقي ، من اجل
ارساء قواعد علم العلامات المسرحية والفضل في انتشار السيميائيات المسرحية
يعود لمدرسة براغ بعد زيخ وموكاروفسكي ، وبذلك تم لفت لانتباه الى الجوانب
الدلالية التي تحتويها الصورة المسرحيه ( العرض المسرحي ) ، فالعالم
امبراطورية العلامات ذلك ان السيمياء تسير باتجاه الغاء الحدود بين الحقول
المعرفية ، حيث حقق خصب السيمياء شبكية التداخل المنهجي بين العلوم
الانسانية وجعلها تعكس بعضها بعض ، فتقدم العلوم الانسانية لا يزال قائما
في ارتباطه الى ما لا نهاية بالكشوفات المنهجية واستلهام قنوات لانتاج
المعرفه وموضوعات البحث وذلك ما يساعد الخطاب العلمي لتفسير الموضوعات
ذاتها ، فالرموز والعلامات على الدوام بحاجه الى قراءات تفسيرية ، حيث قال
( دي سيوسير ) : ان الدلاله هي العلم الذي يدرس حياة العلامات في اطار
الحياة الاجتماعية ، فالدلاله وفق مفهوم سيوسير تمنح الحياة من خلال
مرافقتها لحياة المجتمع وتنقلاته وتحولاته ايضا .
لقد اخذت السيمياء بالرسوخ والثبات بظهور شخصيتين على جانب كبير من
الاهميه هنا وهما السويسري ( فردناند دي سيوسير) 1857 – 1913 والامريكي (
جارلس بيرس ) 1839-1914 ،
حيث كان لتوصيفات سيوسير الذي بشر في ( دروس في علم اللسانيات العامة ) وهي مجموعة
محاضرات القاها على طلبته في الربع الاول من القرن العشرين فبشر
بظهور المشروعات البنيوية والسيميائية والعلاماتية فضلا عن الاساس التي
ارتكزت عليه المساعي الدلالية في الادب ، فقد اعتمد سيوسير في دراساته على
ثنائيات النظم اللغوية وهي :
1- ثنائية اللغة والكلام .
2- ثنائية المحور التوقيتي الثابت والزمني المتطور .
3- ثنائية النموذج السياقي والقياسي .
4- ثنائية الصوت والمعنى .
فاذا كان الكلام متعدد الاشكال ، متنافر المسالك ، صيغه مختلفه ، ذو
مجالات متعددة من طبيعية وعضوية ونفسية ، وهو ينتمي الى الدائرة الفردية ،
أي فرديا واجتماعيا من حيث انتمائه للاثنين واللغة لا ينبغي لها ان تختلط
بالكلام واللغة تعد كلا مستقلا وقابلا للتصنيف ، واللغة نظاما رمزيا (
يحوي الرموز المختلفة ) وهذه الرموز تشير بدورها الى الافكار ولها
مميزاتها الخاصه بها ، انها شيء محدد يستخلص من وقائع الكلام المتناثرة ،
وهي لفظ منطوق وقناة توصيل طبيعية وتملك الجانب السمعي والتصوري الذهني
للمتلقي – أي الدال والمدلول –فالدال صورة سمعية للشيء يأتي عبر النطق به
والمدلول هو الصورة الذهنيه التي تستدعيها الصورة السمعية
وبهذا الصدد يشدد سوسير على ان البنية تقتضي ضمنا وجود نسق ومن
الضروري الامساك بذلك النسق وتحديد وحدته الاساسية مع تفسير الوضائف التي
تؤديها الوحدة في النسق ، والوحدة هنا هي مكون يدخل ضمن مكونات النسق الذي
يحكم البنية فالكلمه خارج السياق دال على شيء ولكن تدخل ضمن السياق اللغوي
فانها تدل على شئ اخر يمنحه اياها السياق نفسه ، مثل كلمة ( ذهب ) فهي تدل
على ذهاب ربما شئ او شخص او اموال ، ولكن حين نقول ( ذهب احمد الى عمله )
فانها اكتسبت ضمن سياق الجمله معنى محددا خاصا باحمد وعمله ، وهنا يمكن
التلاعب بهذه البنية كأن نقول ( الى عمله ذهب احمد) حيث نلاحظ بقاء السياق
محافظا علية من قبل القائل .
وبالحديث عن المحور التوقيتي الثابت والزمن المتطور ينتقل سوسير الى
الثابت والمتحول حيث ان المحطة زمن متوقف بالنسبة للقطار الذي يمثل الزمن
المتغير .
أ
ج د
ب
وهنا تتم عملية دراسة التغيرات التي طرأت على ( ج ، د ) أي دراسة
التطور الزمني لـ ( أ ، ب ) حيث يشكل ( أ،ب )محور المعاصرة التوقيتي ،
الذي يمثل شكلا للعلاقات بين الاشياء المتعايشة وهنا يتم استبعاد عنصر
الزمن فـ (أ ، ب ) هو عنصر توقيتي ثابت ، ام ( ج ، د ) فهو محور تأريخي
زمني متطور وهذا ما يدل على وجود ثابت ووجود متحول ( غاية الباحث ) أي
معرفة التطورات الزمنية والتاريخية لظاهرة ما ثابتة ومتوقفة وان كان
توقفها هذا عمدي ومصطنع ، كما نوقف شريط سينمائي لدراسة حالة ما في الفلم
.
اما المحور الثالث أي العلاقات السياقية ةالايحائية هو ما اشار اليه
الباحث سابقا في دخول الكلمة السياق وهنا يشير سوسير الى اعتباطية او
تعسفية العلامة ، فقد كان يعبر عن اعتقاده ان الدال لا يدل في صميم
خصوصياته الصوتية على اية اشارة او احالة الى مضمون المدلول ، لذلك يقول –
ان تصور اللغة على اساس انها الفاظ يقابلها في العالم الواقعي اشياء تدل
عليها تلك الالفاظ مفهوم خاطئ – بيد ان الحقيقة ان الرابط بين الدال
والمدلول هو مجرد صلة اعتباطية فان كلمة ( اخت ) لا ترتبط بأية علاقة من
أي نوع مع سلسلة الاصوات ( أ ، خ ، ت ) التي تشكل الدال ، ودلالة ذلك ان
هذه الاصوات متوافرة في لغات عده ولا تعطي نفس الدال .
وبخصوص ثنائية الصوت والمعنى ، يعد الدال ترجمة صوتية لتصور ما ، أي
اننا عندما نشير الى كلمة( باب ) فأن لتلك الكلمة مدلولا هو المستثار
الذهني لهذا الدال ، ومن هنا يبرز التوحد بين الصوت والمعنى ويقارن سوسير
بذلك مع (ورقة) فأحدى صفحاتها هي الفكر اما الصفحة الاخرى فهي الصوت .
اما سان جون بيرس فهو الذي اطلق على علم العلامات ( بالسيميوطيقيا
)الذي كان يسميه ديسوسير( بالسيميولوجيا )،كان بيرس فيلسوفا براكماتيا لذا
اخذ علم العلامات من ناحية تخصصة وجعل السيميوطيقيا مرادفا للمنطق ، حيث
يعتبرة بيرس بالمعنى العام –أي المنطق- بانه ليس سوى تسمية أخرى
السيميوطيقيا وبذلك تكون السيميوطيقيا او علم العلامة لدى بيرس بأنه علم
العلامات بالعلاقة مع الصرف بمعنى العلم الذي يهتم بتمييز ما بداخل
العلامات وهو التفريق بين العلامة الصادقة عن العلامة الكاذبة ، فيكون
الاهتمام هنا بوظيفتين :
الأولى : تنقل الدلالة الصادقة
الثانية : تقوم بنقل الدلالة الكاذبة ، وهنا يكون البحث عما يجب ان يكون لا كما هو كائن ، هو من اهداف سان جون بيرس .
ان ذلك يؤدي الى ان يقوم المتلقي بتوليد المعاني وفرزها من اجل
الوصول الى معاني تلائم قراءته للعرض وتحليل بنيتة عبر مجموعة من القنوات
الاتصالية ومنها ( اللغة ) التي يقوم ببنائها المخرج مع بقية العاملين معه
، وهي لغة التخاطب السمعية / البصرية ما يؤدي الى الالتصاق بالمنجز
وتناوله تناولا داخليا يسمح بفحص المكونات والبنى التي تعتبر حاضنة للمعنى
، وبذلك يكون المتلقي قد تعرف على تلك القنوات الاتصالية التي مر من
خلالها المعنى والطريقة التي تشكل بها العرض .
يعتبر قراء بيرس من البنيويين والنقاد ان مرجعياته ( كانتية ) ويتجلى
ذلك فيما افصح عنها هو نفسه عندما قام باقتراح لوائح جديدة من المقولات
متأسسة على اساس اختزال الاحساسات المختلفة في احساس واحد ، وهو الشيء
الذي لا يمكن ان يكون الا بواسطة المقولات ، والسيميوطيقيا ( بيرس) على
اساس اعتبارها تمثيلية وسيميوطيقيا تواصل وسيميوطيقيا دلالة في وقت واحد ،
فالعلامة لدية تملك وجودا مستقلا خاصا بها ، اذ ان الممثل يركن نفسة ويقدم
الشخصية التي تعبر عن نفسها وتمثلها كما تمثل الانسانيه ومن ثم تطرح
افكارها التي تشكل لها طريقا للوصول الى المتلقي ( تواصليه ) وبعد ذلك فهي
تحاول انتاج معنى عبر ذلك التواصل ، والعلامة لدى بيرس هي مايسميها بـ (
المصورة ) ويقصد من خلال ذلك بانها شئ ما ينوب لشخص ما عن شئ ما من جملة
ما وبصفة ما ، وبالمقابل فهي توجه لشخص ما ، وذلك ما يؤسس لدى المتلقي
وتحديدا في ذهنيته علامة معادلة ، وقد تكون علامة اكثر تطورا اذ انها
مفسرة للعلامة الاولى ، والعلامة النائبة عن موضوعها التي تعبر عنة ،
فانها تنوب عنه بالرجوع الى نوع من الفكرة التي يسميها بيرس ( الركيزة )
أي ان العلامة لا تنوب عن الموضوع الذي تعبر عنه من جميع جهاته بل تقوم
بعملية احالة او محفزا لاثارة ذهنية المتلقي الى الاحاطة بالموضوع
المستثار بفعل العلامة المثيرة ، كما ان وظيفة العلامة في الدراسات
السيميائية المعاصرة هي اساس الخلاف والتقارب .
وبناءا على ما تقدم يلاحظ ان الدراسات التي بنيت عليها السيميائية في
العرض المسرحي منحتة بعدا اخر من التواصل الذي حوله – العرض المسرحي – من
ساكنيتيه واتفاقيته مع المشاهد بحيث ان المشاهد بدل يتواصل بدخوله ايقونية
العرض وبساطة معانيه وسهولة هظمها من خلال اداة التواصل (العرض ).
ان الذي يشكل انساقها مجموعة من العناصر الساكنة طوال زمن العرض ،
فقد اختلف الامر كثيرا لا سيما بعد اجتياح مفاهيم السيمياء والتي منها
سيمياء التواصل وسيمياء الدلالة وسيمياء الثقافة وهي بدورها حفزت المتلقي
لان لا يكون ساكنا هو الاخر ، فالتحول العلاماتي يقتضي تحولا من قبل
المتلقي ليتفاعل مع تلك العلامة التي تثير معنى وتنتجه من خلال ذلك
التفاعل الحي بينهما ، اذ يصبح كل شئ في العرض متحولا بمجرد دخول ( المادة
) فضاءة ، فالزي المسرحي دالة تستهدف اثارة مدلول (ما ) ولا يعمل هذا
الدال بمعزل عن بقية الدوال الاخرى ،ويصير المعنى هنا أن الكلام لايعني
معناه المتعارف عليه والعلامة المسرحية لاتعني وجودها الأول ،فالمعنى
يحدده دور المادة وعلاقتها الترابطية بالمواد الاخرى التي تمنحها الحياة
وتكتسب قيمتها عبر ذلك بمعنى ، العلامات لايمكن ان تكون ذات قيمة دلالية
في حد ذاتها وأن تكتسب تلك القيمة حين يمكن ان تحول او ترجع نحو شئ ما ،
لكن المرجع هو المدلول ، لآن المدلول هو حاصل الجمع بين الشئ وإسمه ، أما
المرجع فهو حاصل الجمع بين الصورة السمعية او البصرية (المقرؤة) وبين
المفهوم او التصور الذهني وهو ما تؤديه العلامة كلها ويسمى بالمرجعية .
وبهذا تكون العلامة المسرحية (المادة) الملموسة والمحسوسة والمرئية
والمسموعة كلها لايمكن لها ان تنتج معنىً الا بتاثيرها وتأثرها بعنصر مكون
آخر ، ويتفق جميع أعل السيمياء على أن اللغة نظام إتصالي يربط بين
متواصلين في موضوع ما ، ويقدم الى المتلقي قدراً من الإشارات والرموز التي
تشبه الرسالة المنقولة ، وبهذا يبرز عاملين مهمين هما (المشير والمشار
اليه ) ، ويأتي دور - الإشارة – للريط بين هذين المستويين ، وهكذا الحال
بالنسبة للعرض الثابت والعرض المتحول ، أي العرض الذي يعمل على أساس تحول
العلامات المسرحية من حالة الى أخرى وبكافة مستويات المرئي والمسموع ، هو
عرضاً متحولاً ، أما العرض الذي لاتتحول فيه المادة تملك القدرة في
الإنتقال من معناها الأولي الى معنىً آخر قد يكون مغايراً وكذا العناصر
الأخرى فانه عرضاً ثابتاً ساكناً كل شئ فيه يتجه نحو تحديد معنى واحد تعمل
العناصر الأخرى لدفع العملية برمتها للوصول الى ذلك المعنى ، وبالوصول
للمعنى المحدد تنتهي العملية المسرحية على إعتبار أنها أدت الغرض المناط
بها ، لكن الأمر يختلف في العرض المتحول حيث تقوم العلامة بتوليد اكثر من
معنى على أساس أنها إشارة يريد المشير عبرها الوصول الى المشار اليه ،
وهنا يأتي دور التلقي في إحالة تلك المرامي المشار اليها الى مستويات
مختلفة من القراءة يكون هو مسؤول عنها وبهذا نحصل على التنوع في التلقي
وتعدد في مستويات القراءة ، فالعرض الواحد (المتحول ) يتحول الى أكثر من
عرض إذ لكل مشاهد عرضه الخاص الذي يستقبلة وفق رؤيته هو قراءتة ، فقد يذهب
الى معنى لم يكن كادر العمل المسرحي يرمي الية وهكذا يكون للدلالة التي
تتعدد مدلولاتها اثرا في اثراء الجانب السمعي والبصري وذلك يصب في
الاستزادة المعرفية للجمهور فضلا عن الجمالية ، وعلى اعتبار ان العرض
المسرحي كاداة تواصلية فانه وفق رأي ( جان بياجيه) ان البنية هي نسق من
التحولات له قوانينة الخاصة باعتبارة نسقا في مقابل الخصائص المميزة
للعناصر وان هذا النسق مـــــــن
شانه ان يبقى قائما ( ويزداد ثراءا ) والسبب يعود الى مقدار ما تنتجه
التحولات اذ ان من شـــــــــان هذه التحولات ان تتفاعل مع ما هو خارج هذا
النسق اي – الى عناصر تكون خارجه عنه – وهو ما يعطي للتحول اهميه لا نظير
لها وقدرة على تفاعل العناصر فيما بينها ، وفق مطواعيتها الكبيرة لذلك فان
المعنى السطحي ليس هو المطلوب ، وبذلك الصدد قال ( ميشيل فوكو ) ان النقطة
الاساسية التي شكلت القطيعة بين ما هو سابق للبنية وما هو لاحق لها –
باعتبارها مفتاحا لمعارف مهمه تقع السيمياء من اهمها – هو كشوفات ( ليفي
شيتراوس ) بالنسبة لدراسته المجتمعات وعلاقاتها ، وكذلك ( لاكان )
ودراساته في اللاشعور كشفا عن وجود احتمال كبير في ان يكون ( المعنى )
مجرد تاثير سطحي ، وعندما بينا ان ما يدعمها في الزمان والمكان انما هو
النسق او النظام .
فنحن نبحث عما يكمن خلف العلامة من معنى وليس المعنى العادي الزائف
الذي تثيره لاول وهله فالسيمياء يكون فضاء اشتغا لاتها هنا اكثر حيويه
وفاعلية في الكشف عن المعنى المخفي لا الظاهر، من هنا يمكن القول ان
العلامة الثابتة هي ما يعطي المعنى الظاعر وهو معنى متفق علية (كدلالة
الشمس ) حيث استخدامها في العرض كمحاولة لطرح مفهوم الحرية والثورة ،
وكذلك (صرخة طفل ) فهي تعني ولادة العالم الجديد او العالم المنشود أو قد
تقع تلك الصرخة للدلالة على التحول من الراهن الى المستقبل ، أو (سقوط طير
أو صرخته) فأنها تدل على موت الشخصية وكذلك (سقوط منديل ) دليل على تهاوي
شخصية ما ، كل هذا مألوف وسائد وحين يأتي استخدامه بشكل مغاير لما هو
مالوف يعني تحميله ومنحه القدرة على توليد معنى آخر يتجاوز المعنى الثابت
فديمومة التواصل تتحقق بضخ ما هو جديد أثناء العرض من خلال تحول العلامة
نفسها بأكثر من شكل ومضمون ، فالإنسان كما يقول (امبرتو إيكو) يرى نفسه
والعالم المحيط به على أساس أنه مجموعة من العلامات وحيث يريد التعبير
فأنه يقوم بذلك من خلال أخرى نستنيطها لنحقق عملية التواصل ، فأننا حسب
–إيكو – لانتعرف على ذواتنا الا على أساس أنها سيميائية في حركة وأنضمة من
مدلولات وعمليات تواصل وثمة خارطة سيميائية ترشدنا الى من نكون ، وكيف أو
فيم نفكر .
والمسرح أو العرض المسرحي يقترب كثيراً من قول (إيكو) هذا، إذ أن
المسرح منطومة من العلامات التي تعتمد الرموز والإشارات والدلالة في عملية
التواصل ، فالمرءحين يعبرعن ذاته من خلال العرض فأن سبيله لذلك هو
المفردات التي يستعين بها ليقيم بواسطتها خطابه التواصلي ، أن الفضاء
المسرحي العلاماتي ليس سديماً أو عماءاً سيموطيقياً الذي يقدم ظاهرة أو
صورة مأدية تقوم بفعل الدال ، هدفه تنضيم عالم الفكرة، وهي الفكرة التي
قبل أن يشتغل عليها هذا النضام لم تكن سوى فكرة غير محددة الأطراف
والتفاصيل ولكن قيام العلاقة بين الدال والمدلول انما نكون امام واقع
تداولي له اعرافه وقوانينة ، واستخدام الدال ليس محددا وانما محولا لهذا
الواقع المحدود المتعين الى فضاء من التشكلات والتحولات التي تمنح القارئ
فعل تحفيز الدال للقيام بمهمة التاويل والقراءة على ان ذلك ناتج طبيعي
لعمليات التحول للأداة التي تخفي ورائها الفكرة وتدل عليها .
ان الشئ الجامد نشير الية ، نتحدث عنه لكنه اذا تحول وتلون سيتحدث عن
نفسه هو ويعبر عنها، والتساؤل هنا من اين تمتلك المفردات او الادوات التي
تشكل العرض قدرتها على ان تمنح العرض تحولا او ثباتا ، بمعنى كيف نستطيع
ان نجعل من العرض ينتمي الى المتحول انطلاقا من ثبات المادة نفسها ،
والجواب ان للعلامات في المسرح ما يميزها واهم ما يميزها هي قدرتها على
التحول ما يمنحها ديناميه اساسيه فخصائص العلامه تكمن في قدرتها على
التبادل المادي والانتقال من مظهر الى اخر ومن ثم تحريك الجوامد وبعث
الحياة فيها بعد ان كان جامدا / ثابتا لا يدل الا على ذاته هو حسب ، كما
ان التحول الذي تضفيه عملية انتقال الجامد الى متحرك / متحول يكون رابطا
في الانتقال من مجال السمع الى الرؤية ومن الرؤية الى السمع فان كل ما
يشكل حركة لابد وان يدل على عنصر من عناصر العرض المكونة له / المرئي ، او
تحول مقاطع حوارية الى صور او التحول الذي يشمل قطع الديكور والاكسسوارات
والشواخص الاخرى كالمانيكانات او الستائر والتعامل معها على اساس انها
اشخاص يعهد اليها جانب مهم في دفع العرض المسرحي الى امام .
ان قدرة العلامات المسرحيه داخل العرض على التحول تعد ذات فضل عليه
لانه بفضلها يفهم لماذا يكون البناء المسرحي متحولا في اية لحظه وهو ( ما
يعول الباحث على توكيده ) في هذا الجانب ، ومن هنا نقول ان العرض متحولا
لا ثابتا ، فالثابت من العروض هي التي تعمل وفق ايقونية لا تتزعزع ،
فالجندي يحمل سلاحا حقيقيا ( بندقيه ) ويرتدي زيا عسكريا كاملا ، والمريض
يحمل دواءاً جاء به من الصيدلية المجاورة لقاعة المسرح في الوقت الذي يمكن
أن يحمل فيه الورقة التي دون عليها الطبيب دواءه ، وإذا ما كانت هذه
الورقة ملونة فأنها ستأخذ مدلولات ومعاني كثيرة ففي حالة كونها صفراء أو
حمراء أو إذا كانت قد مزق منها جزءاً أو اذا ما فقدها الممثل حتى اثناء
تأدية دوره ، أو اذا ما كتب فيها غير اشياء الدواء ، اما ان يحمل دواءاً
ويستخرج منه حبات الدواء ليوهم المتلقي انه فعلاً مريض كما في الواقع فذلك
أمر مألوف يحدث في يوميات الناس ولن يحيل الا الى واقع لا مجال فيه لمحفز
يستثير المتلقي من أجل قرائته بشكل أخر وليس كما يعهده ، وكذلك الأمر
بالنسبة لإستخدام منضدة وخلفها كرسي على المسرح وهي بداً ستشير أما الى
مكتب موظف أو مدير ، واذا ما بقيت هذه المنضدة طوال فترة العرض وحتى
نهايته فانها تشير الى ذلك المعنى الواحد ، فأننا سنسجل على العرض أنه
يعمل على الثابت لا المتحول ، والمنضدة حين تتحول الى سيارة في مرة والى
غرفة نوم (كسرير) مثلاً،أو الى قبو حين يقبع الممثل أسفلها فذلك ما سيدعم
العرض بروح من التحول والتجوال في عالم العلامة التي تحيل المتلقي
الىتفاعلية وحيوية تجعل منه مشاركاً في تفسير الدلالات وفق مرجعياته
الفكرية والعلمية والإجتماعية .
وكما هو معروف إن العرض المسرحي فن التكثيف والضغط وبالتالي يعتمد
على التأويل والكشف وهو فن شمولي حيث يلتقي فيه المحسوس واللا محسوس ،
النهائي واللا نهائي ، المخفي والمرئي معاً ، ويمكن أن نشير الى مدينة من
خلال قطعة ديكورية وفضاء شارع ممتد الى عمق المسرح ، فتحيلنا تلك العملية
الى مدينة بكل شوارعها وناسها وبيوتها وعمرانها وربما تعاستها وتراجها ..
الى غير ذلك من المدلولات التي تدل عليها .. وفي نفس اللوحة المكتوب عليها
إسم المدينة يمكن ان يكتب بالوجه الآخــــر
منها ما يشير الى محطة قطار ، فبمجرد قلبها يكون المدلول قد تغير الا
أن الدال ثابت وهكذا نستشعر عملية الضغط والتكثيف وان هذه الإشارة موحية
تفتح الباب لعالم آخر بكل محتوياته ، وبذلك فان هـــــــذا العالم لا يقوم
الا اذا اخذنا بنظر الاعتبار عملية الاتصال والتواصل فحيث توجد منظومة
العلاقات توجد كما يقول (بوغاتيريف) توجد الرامزة ورامزة العلاقات التي
تستخدم في العرض المسرحي تتأتى بفعل التجربة الشخصية والإجتماعية
والمعرفية ، وفك ذلك الترميز يعتمد على طواعية عدد من الأنساق وعلى مجموعة
الروامز المشتركة بالنسبة للطرفين كمتلقي وملقي ، فلا يمكن أن نقدم شيئاً
لايعمل على إحالة المتلقي إليه .
أن التحول يؤدي بنا الى إختراق فضاء أخر من اللغة بأعتبار ان الثابت
يمتلك لغته الخاصة به وهي عبارة عن قوانين صارمة يقوم التحول على كسر
صرامتها من خلال كسر المتعارف عليه فيها ، والمتحول هنا يشكل لغة تخاطب
تقع ضمن اطار لغة العلامة حيث يرى (رولان بارت ) بأننا نعثر دائماً على
اللغة في أي نظام من نظم العلامات ومهما كان هذا النظام سواء عبر العرض
المسرحي أ عبر نظام الموضة أو في المثيولوجيا ، والتركيز هنا على لغة
العلامات التي تأخذ بعداً تخاطبياً آخر عبر الصورة ، يحيل الى معنى جديد
ومفردات تعامل آخرى لم تكن موجودة لولا خاصية التحول التي تميز العلامات
المسرحية .
كما ان العلامات في تحولها وظيفة وهي ان تنقل المعاني من الأشكال الى
العقل واظهارها من جديد كشكل ، أي الوصول الى مدلول آخر جديد يعني شيئاً
وذلك يعتمد كليا على الية اشتغال الدال وامكانية تحولة من خلال اختيار
الدلالات بشكل صحيح وملائمتها للفكرة المراد ايصالها ، فالتحول السيميائي
للعلامات على خشبة المسرح يرتبط بالادراك الحسي كونه يخاطب الحواس التي
بواسطتها يتم معرفة كنه التحول وأسبابه ووظيفته .
ان لغة العلامات يمكن تصنيفها الى صنفين او بمعنى ادق ان سيمياء العرض المسرحي يمكن تقسيمة الى نوعين :ـ
الاول : سيمياء المسموع
الثاني : سيمياء المرئي
ولأن التحول العلاماتي الذي يصيب المادة في المسرح يقع تحت طائلة
السيمياء المرئي وهو ما يشكل لغة العلامة المتحوله واثرها الحسي على
المتلقي ، اي الموسيقى والمؤثر الصوتي والخطابي ( اللغة / الحوار ) فيقع
تحت مسمى السيمياء المسموع إلا إن ما يربط كل تلك المواد الملموسة
والمحسوسة هو التحول وما تقوم به من فتح آفاق للتأويل تتواءم والأفكار
التي يطرحها خطاب العرض الجامع للخطابين ، ولان اللغة ذات مديات متعددة
فان ( بارت ) يقلب الموازنة السيوسيرية فيعتبر اللغة جزءا من علم العلامات
.
ومادامت اللغة تقوم بنقل موضوع ما اي انها تمنح القدرة على التعبير عن
مكنون ما وبتحول العلامة من ثابت متعارف على لغته الى متحول يشير الى لغة
لابد من التعرف عليها انيا ، فان ذلك يدخل ضمن نطاق قدرة العلامة المتحولة
لبث الافكار التي تكمن خلف تحولها وذلك ما يعطي الفكرة المتمظهرة بعدا
ديناميكيا يجعل من القطعة الديكورية او الملبس او الاداة التي يحملها
الممثل بيدة لسانا ينطق وهذا النطق يوازي ما تنطق به او تشير اليه الكلمه
اذ تتعاضد المفردة المتحولة مع الكلمة المنطوقة وفق انسجام وهرمونية عالية
لتوصيل فكرة العرض ، لهذا يكون للتحول اثره الفاعل في اكمال تشكلات صورة
العرض لدى المتلقي وقد يكون لعدم تحول العلامة ما يحمل الممثل والكلمة
عبئا اكبر في الاخذ على عاتقهما مضاعفة الجهد من قبل الممثل ما قد يفوق
طاقتة كذلك تسطير الكثير من الكلمات والتي قد تكون لا طائل منها او فائده
بحيث تشكل عبئا زائدا في كثرتها الامر الذي ربما يؤدي بالعرض الى فقدان
الكثير من جمالياته البنائية (السمعية والبصرية والحركية) في الوقت نفسه :
" إن اللغة يمكن ان تكون لها وظائف أخرى ، كأن تكون حاملة للفكر ، أو أن تسمح لشخص ما بالتعبير عن نفسه ".
الا ان فعل التحول العلامي في المسرح لايتم تلقائياً من ذاته بدون
تدخل لعنصر مهم من العناصر الا وهو الممثل ، اذ انه الوحيد الذي يمنح
الحياة للعلامات الأخرى وبالتالي يمنحها القدرة على التحول باستخراجها من
عالم الثابت التي كانت قبل ذلك قابعة فيه بحيث نجد انه يمثل الوحدة
الديناميكية لمجموعة كاملة من العلامات فضلاً عن ان الممثل كعلامة متحولة
ايضاً بأمكانه الإستعاضة عن علامات أخر يحل محلها هو وذلك عبر الاشارة
اليها بالكلمات فتمتلك حضوراً رغم غيابها ومثال ذلك غياب (غودو ) ذو الفعل
الاهم رغم غيابه ، أو انه يؤديها جوهرياً فيتمثل الكرسي ، أو الشجرة ، او
تمثال ، كما انه قادر على الإيحاء بعلامات من خلال اختزاله لها والاكتفاء
بالاشارة اليها ، حين يقوم بإصدار صوت سيارة مع أخذ وضع السائق لنعرف إذا
كان منطلقاً بسرعة او اذا كانت السيارة التي يستقلها بطيئة ، او هرمة أو
هرمة او جميلة ، او قبيحة وهذا ما يساعد الممثل في ان ياخذ الفرادة في
القدرة على التحول دوناً عن العناصر الباقية ،اذ ان العناصر الاخرى تعتمد
وجوده لكنه لا يعتمد وجودها ، وهو قادر على ايجادها من العدم لكنها لا
تستطيع ان توجد الممثل أو ان تمنحه الحياة فالمسألة غير قابلة للمقارنة
الا في اعتبار الممثل علامة كبقية العلامات ، بيد انه الفاعل الاول في
العرض المسرحي أما بقية العلامات الفواعل الاخرى فانها تأتي بعد الفاعلية
الأولى للممثل .
هناك من يعطي لخشية المسرح القدرة على تحول الأشياء وهو عالم
الدراسات الشعبية (بيتر بوغاتيروف) والعضو السابق في حلقة الشكلانيون
الروس حيث يرى إن خشبة المسرح تحول الأشـــياء والأجساد الواقعة عليها ،
بحيث تقوم بإضفاء قوة دلالية كبيرة تفتقدها أو تفتقر إليها هذه
الأجســــــــــاد والأشياء في وظائفها الاجتماعية العادية والمألوفة ،
بحيث تكتسب الاشياء التي تلعب دور العلامات المسرحية على خشبة المسرح سمات
وصفات خاصة ومحمولات لا تمتلكها ما هو على خشبة المسرح يعد علامة ، وهذا
يشمل الفضاء المسرحي برمته وبكل مكوناته إبتداءاً من مقدمة المسرح حتى
الستارة الخلفية (السايك) .
بناءاً على ما سبق نجد ان العملية المسرحية هي عبارة عن ثابت ومتحول
وفي كافة مجالاتها السمعية والبصرية والحركية ، والثابت هو الراكد الساكن
الذي يعطي مدلولاً واحداً غير قابل لانتاج المعنى والمدلول المغاير لوصفه
الحياتي الواقعي ، هذا اذا ما استخدمت المواد على تلك الآلية ، لكن هذا
الساكن واليومي والمعتاد الذي تبثه المادة يمكن إدخاله في فضاءات تفضي الى
اعطاء اكثر من مدلول على مدار زمن العرض بحيث تصبح المادة مولدة لدلالات
أخرى بعد الديناميكية التي امتلكتها بواسطة فعل التحول ، فالتحول هنا هو
عامل اساسي لجعل العلامة (المادة) تدخل حيز اللغة او تحويلها الى منظونة
لغوية ناطقة ومعبرة عن مكنون وفكرة تختفي وراءها بعد ان كانت في الثابت
الفكرة معروفة وغير مخفية .
فالثابت هو طريق للمتحول ، اذ لا متحول الا على اساس ماهو ثابت وخلخة
هذا الثابت وتقويض ساكنيته من اجل تحريكها وجعلعا ملائمة لفضاء أكثر
اتساعاً واكثر بعداً مما هي عليه في السابق وذلك يشمل كافة العناصر
الداخلة في اي عمل مسرحي او عملية مسرحية.
المصادر
1- علي ، عواد ، شفرات الجسد ،( عمان : دار أزمنة ،1996 ) .
2- مجموعة من الكتاب ، مدخل الى السيموطيقيا ، تر: سيزا قاسم وأخرون ،ج2 ،(المغرب : منشورات
عيون ،1987 ) .
3- اليوسف ، اكرم، الفضاء المسرحي ، (دمشق : دار مشرق ، مغرب ، 1994 ) .
4- رافيندران ، س ، البنيوية والتفكيكية ، تر : خالدة محمد ( بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ،
2002 ) .
5- فضل ، صلاح ، نضرية البنائية في النقد الأدبي ، ط2 ، (مصر : مكتبة الأنكاومصرية ، 1977) .
6- أبراهيم ، زكريا ، مشكلة البنية ، سلسلة مشكلات فلسفية ، ع8 ، (مصر : مكتبة مصر ،1976) .
7- خمري ، حسين ، بنية الخطاب النقدي ، ط1 ، ( بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ، 1990 ) .
8- بالمر ، فرانك ، مدخل الى علم الدلالة ، تر : د. خالد محمود جمعة ، ط1 . (الكويت : مكتبة دار
العروبة للنشر والتوزيع ، 1997) .
9- أيكو ، أمبرتو ، السيميائية وفلسفة اللغة ، تر : د. أحمد الصميدعي ، (بيروت : مركز دراسات
الوحدة العربية ،2005) .
10- الجزار ، محمد فكري ، سيموطيقيا الأتصال الأدبي ( مصر : الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1998).
11- التكرلي ، نهاد ، إتجاهات النقد الأدبي الفرنسي المعاصر ، (بغداد : منشورات وزارة الثقافة والفنون
، 1979) .
12- فونتاني ، جاك ، سيمياء المرئي ، تر : د . علي أسعد ( اللاذقية : دار الحوار للطباعة والنشر
والتوزيع ،2002 ) .
13- داسكال ، مارسيلو ، الإتجاهات السيمولوجية المعاصرة ، تر: حميد لحمداني وآخرون ( المغرب :
أفريقيا الشرق ،1987) .
14- خرماس ، د.محمد ، مفهوم المرجعية وإشكالية التأويل ، مقال نقدي ،
مجلة الموقف الثقافي ،ـ تصدر عن دار الشؤون الثقافية العامة ، السنة
الثانية ، العدد (9) ، 1977.
15- علي ، عواد ، المقاربة السيميائية للخطاب المسرحي ، مجلة آفاق عربية ، العدد الرابع ، نيسان ، 1992.
دراسة سيميائية
شاكر عبد العظيم
يمكن اعتبار المنهج السيميائي من اخصب وادق المناهج التي اشتغلت على
مفهوم الثابت والمتحول بعده فضاءا يتداخل ويتوالد فيه عنصري الدال
والمدلول فضلا عن اشتغالاته في مجال المسرح كخطاب علاماتي يقوم على اساس
انه بنيه يحكمها نسق من العناصر والعلامات المؤسسة وهي عناصر العرض
المسرحي كافة والمتمثله بالمنطوق الخطابي ( الحوار ) الى الديكور والاضاءة
والموسيقى والزي المسرحي والماكياج والممثل بالاضافة الى المؤسسات الاخرى
كالتوازن والايقاع والخط واللون ، فالمتلقي يتعامل مع صورة العرض من
مجالين هما الظاهري والداخلي ، والظاهري هو ما يدخل في نطاق الحس كالايقاع
النفسي والحس البصري كاللون والتوازن والخط والكتلة ، والداخل هو حركة
العناصر داخل فضاء العرض فحين تتحرك تلك العناصر ما يعني منحها الحياة ،
اذ ذاك نتعامل معها وفق تواجدها المولد للمعاني التي تكمن وراء تلك الحركة
.
والمنهج السيميائي يمتلك تلك الميزة كونه يهتم بالاثر الابداعي وهو
يشكل نسق من العلامات او الاشارات ومن ثم يقوم بتحليلها على اساس اجرائي
ينبثق من رؤيته ، فضلا عن كون العرض المسرحي فعل سيميائي الى الحد الاقصى
وفيه يصبح كل شيء على خشبة المسرح عبارة عن دال يؤدي الى مدلول متعدد
الاتجاهات ، والمقصود هنا ( المعنى ) ، فالدال قد يؤدي الى اكثر من مدلول
او قد ينفي الدلاله الواقعية ويغادرها بناءا على قدرة العلامه على التحول
من ثباتها المفاهيمي المألوف ، واعتماده على الشفرة وهو ما يشكل احدى
معطياته الاساسيه الى جانب قيام السيمياء بدراسة الظاهرة المسرحيه
وتحليلها .
والمسرح بوصفة حاضنة ومرتع خصب للعلامات الدالة فانه شان اللغة يحتوي
على علامات لسانية وعلامات غير لسانية ، والاثنان تواصليان يقيمان علاقة
ذهنية وصورية مع المتلقي لبث شفرات العرض وعلامته على اساس انها خزين
لمعاني عليه هو – المتلقي – التعامل معها وفق ذهنية جاهزة ومتوثبة لالتقاط
المبثوث من العرض وتحليله وبهذا يدخل المتلقي عبر العلامة السيميائية الى
الحصول على مجموعة من الشفرات والرموز ، وهذا ما يدعو للقول في ان
المسرحية قديما وحديثا لم تكن لتخلو من دال ومدلول وفي كل الحالات سواء
اكان العرض قديما ام حديثا ثابتا ام متحولا ، ولكن لفعل التحول والثبات
اجواء من التعقيد ، سيخوض الباحث غمارها من اجل عزلها لمعرفة آليات عمل
الثابت وكذلك المتحول ، فالسيمياء لم يرتبط وجودها بالراهن وانما كان لها
ظهورا منذ القدم مرورا بأفلاطون وأرسطو
، وقد بلغت شأوا عظيما لدى القديس ( اوغسطين ) الذي اكد على البعد
التواصلي للاشارة من خلال محاولة الفرد اظهار ما في ذهنه ونقله الى ذهن
شخص اخر ، لذا فانه يلجأ – أي المتكلم – الى الدلالة ، حتى لقد اخذ المنهج
السيميائي بالازدهار في فترات لاحقة .
ان اصول التفكير العلاماتي كانت قديمة جدا قدم التأمل في اللغة ،
وكذا اهتمام الانسان بالعلامة غير اللسانيه ابعد من ذلك واقدم ، فالانسان
القديم قبل ان يخترع الكتابة كان يقوم بمطابقة دال العلامة وما تشير اليه
ويقوم بعد ذلك بالتوحيد بين الاسم والشيء المسمى وذلك يتمثل في اعتبار
الانسان القديم كان يرسم حيوانا على اساس انه حقيقي وليس شكلا ، وسكان
سوسه كانو يرسمون الطيور والوعول على اواني تدفن مع الموتى ، فان ذلك
يساعد الموتى على الاصطياد والتغذيه بما يصطادونه ، والرموز البدائية شبها
موضوعيا بالشيء الذي تشير اليه او تحل محله والتشابه بينهما كبير .
اما في المسرح فيعد عام( 1931) قد حول جذريا امكانات التحليل العلمي
للدراما والمسرح ، وذلك حين ظهر كتاب ( جماليات فن المسرح ) لمؤلفه (زيخ)
وكتاب ( محاولة لتحليل بنائي لظاهرة الممثل ) لمؤلفه ( جان موكاروفسكي ) ،
حيث كان لجماليات زيخ الاثر الكبير على السيميائيين الذين جاءو من بعده
رغم ان كتابه لا يعد دراسة تقع ضمن الدراسات البنيوية بالمعنى الصريح الا
انها كانت تقوم على كشف علاقة النسيج التي تربط بشكل ضروري بين نظم مختلفة
، وان كان بعضها يعتمد على البعض الاخر ، كما انه رفض أي سيادة للنص بل
عده يدخل ضمن النظام العلاماتي للعرض وهو جزء يكون الكل ، وبالانتقال
لبنائية موكاروفسكي فانه يقوم على تقديم لائحة بالعلامات التي يصنفها ،
وهي العلامات الايمائيه ووضيفتها في التمثيل الصامت ( لشارلي شابلن ) ثم
تلى ذلك ظهور مدرسة ( جنيف ) الرائدة ومدرسة ( براغ ) التي اشتغلت في جميع
صنوف النشاط السيموطيقي والفني ( في اللغة والشعر الى السينما والثقافة
الشعبية ثم المسرح ) ويشمل ذلك المسرح القديم والطليعي والشرقي ، من اجل
ارساء قواعد علم العلامات المسرحية والفضل في انتشار السيميائيات المسرحية
يعود لمدرسة براغ بعد زيخ وموكاروفسكي ، وبذلك تم لفت لانتباه الى الجوانب
الدلالية التي تحتويها الصورة المسرحيه ( العرض المسرحي ) ، فالعالم
امبراطورية العلامات ذلك ان السيمياء تسير باتجاه الغاء الحدود بين الحقول
المعرفية ، حيث حقق خصب السيمياء شبكية التداخل المنهجي بين العلوم
الانسانية وجعلها تعكس بعضها بعض ، فتقدم العلوم الانسانية لا يزال قائما
في ارتباطه الى ما لا نهاية بالكشوفات المنهجية واستلهام قنوات لانتاج
المعرفه وموضوعات البحث وذلك ما يساعد الخطاب العلمي لتفسير الموضوعات
ذاتها ، فالرموز والعلامات على الدوام بحاجه الى قراءات تفسيرية ، حيث قال
( دي سيوسير ) : ان الدلاله هي العلم الذي يدرس حياة العلامات في اطار
الحياة الاجتماعية ، فالدلاله وفق مفهوم سيوسير تمنح الحياة من خلال
مرافقتها لحياة المجتمع وتنقلاته وتحولاته ايضا .
لقد اخذت السيمياء بالرسوخ والثبات بظهور شخصيتين على جانب كبير من
الاهميه هنا وهما السويسري ( فردناند دي سيوسير) 1857 – 1913 والامريكي (
جارلس بيرس ) 1839-1914 ،
حيث كان لتوصيفات سيوسير الذي بشر في ( دروس في علم اللسانيات العامة ) وهي مجموعة
محاضرات القاها على طلبته في الربع الاول من القرن العشرين فبشر
بظهور المشروعات البنيوية والسيميائية والعلاماتية فضلا عن الاساس التي
ارتكزت عليه المساعي الدلالية في الادب ، فقد اعتمد سيوسير في دراساته على
ثنائيات النظم اللغوية وهي :
1- ثنائية اللغة والكلام .
2- ثنائية المحور التوقيتي الثابت والزمني المتطور .
3- ثنائية النموذج السياقي والقياسي .
4- ثنائية الصوت والمعنى .
فاذا كان الكلام متعدد الاشكال ، متنافر المسالك ، صيغه مختلفه ، ذو
مجالات متعددة من طبيعية وعضوية ونفسية ، وهو ينتمي الى الدائرة الفردية ،
أي فرديا واجتماعيا من حيث انتمائه للاثنين واللغة لا ينبغي لها ان تختلط
بالكلام واللغة تعد كلا مستقلا وقابلا للتصنيف ، واللغة نظاما رمزيا (
يحوي الرموز المختلفة ) وهذه الرموز تشير بدورها الى الافكار ولها
مميزاتها الخاصه بها ، انها شيء محدد يستخلص من وقائع الكلام المتناثرة ،
وهي لفظ منطوق وقناة توصيل طبيعية وتملك الجانب السمعي والتصوري الذهني
للمتلقي – أي الدال والمدلول –فالدال صورة سمعية للشيء يأتي عبر النطق به
والمدلول هو الصورة الذهنيه التي تستدعيها الصورة السمعية
وبهذا الصدد يشدد سوسير على ان البنية تقتضي ضمنا وجود نسق ومن
الضروري الامساك بذلك النسق وتحديد وحدته الاساسية مع تفسير الوضائف التي
تؤديها الوحدة في النسق ، والوحدة هنا هي مكون يدخل ضمن مكونات النسق الذي
يحكم البنية فالكلمه خارج السياق دال على شيء ولكن تدخل ضمن السياق اللغوي
فانها تدل على شئ اخر يمنحه اياها السياق نفسه ، مثل كلمة ( ذهب ) فهي تدل
على ذهاب ربما شئ او شخص او اموال ، ولكن حين نقول ( ذهب احمد الى عمله )
فانها اكتسبت ضمن سياق الجمله معنى محددا خاصا باحمد وعمله ، وهنا يمكن
التلاعب بهذه البنية كأن نقول ( الى عمله ذهب احمد) حيث نلاحظ بقاء السياق
محافظا علية من قبل القائل .
وبالحديث عن المحور التوقيتي الثابت والزمن المتطور ينتقل سوسير الى
الثابت والمتحول حيث ان المحطة زمن متوقف بالنسبة للقطار الذي يمثل الزمن
المتغير .
أ
ج د
ب
وهنا تتم عملية دراسة التغيرات التي طرأت على ( ج ، د ) أي دراسة
التطور الزمني لـ ( أ ، ب ) حيث يشكل ( أ،ب )محور المعاصرة التوقيتي ،
الذي يمثل شكلا للعلاقات بين الاشياء المتعايشة وهنا يتم استبعاد عنصر
الزمن فـ (أ ، ب ) هو عنصر توقيتي ثابت ، ام ( ج ، د ) فهو محور تأريخي
زمني متطور وهذا ما يدل على وجود ثابت ووجود متحول ( غاية الباحث ) أي
معرفة التطورات الزمنية والتاريخية لظاهرة ما ثابتة ومتوقفة وان كان
توقفها هذا عمدي ومصطنع ، كما نوقف شريط سينمائي لدراسة حالة ما في الفلم
.
اما المحور الثالث أي العلاقات السياقية ةالايحائية هو ما اشار اليه
الباحث سابقا في دخول الكلمة السياق وهنا يشير سوسير الى اعتباطية او
تعسفية العلامة ، فقد كان يعبر عن اعتقاده ان الدال لا يدل في صميم
خصوصياته الصوتية على اية اشارة او احالة الى مضمون المدلول ، لذلك يقول –
ان تصور اللغة على اساس انها الفاظ يقابلها في العالم الواقعي اشياء تدل
عليها تلك الالفاظ مفهوم خاطئ – بيد ان الحقيقة ان الرابط بين الدال
والمدلول هو مجرد صلة اعتباطية فان كلمة ( اخت ) لا ترتبط بأية علاقة من
أي نوع مع سلسلة الاصوات ( أ ، خ ، ت ) التي تشكل الدال ، ودلالة ذلك ان
هذه الاصوات متوافرة في لغات عده ولا تعطي نفس الدال .
وبخصوص ثنائية الصوت والمعنى ، يعد الدال ترجمة صوتية لتصور ما ، أي
اننا عندما نشير الى كلمة( باب ) فأن لتلك الكلمة مدلولا هو المستثار
الذهني لهذا الدال ، ومن هنا يبرز التوحد بين الصوت والمعنى ويقارن سوسير
بذلك مع (ورقة) فأحدى صفحاتها هي الفكر اما الصفحة الاخرى فهي الصوت .
اما سان جون بيرس فهو الذي اطلق على علم العلامات ( بالسيميوطيقيا
)الذي كان يسميه ديسوسير( بالسيميولوجيا )،كان بيرس فيلسوفا براكماتيا لذا
اخذ علم العلامات من ناحية تخصصة وجعل السيميوطيقيا مرادفا للمنطق ، حيث
يعتبرة بيرس بالمعنى العام –أي المنطق- بانه ليس سوى تسمية أخرى
السيميوطيقيا وبذلك تكون السيميوطيقيا او علم العلامة لدى بيرس بأنه علم
العلامات بالعلاقة مع الصرف بمعنى العلم الذي يهتم بتمييز ما بداخل
العلامات وهو التفريق بين العلامة الصادقة عن العلامة الكاذبة ، فيكون
الاهتمام هنا بوظيفتين :
الأولى : تنقل الدلالة الصادقة
الثانية : تقوم بنقل الدلالة الكاذبة ، وهنا يكون البحث عما يجب ان يكون لا كما هو كائن ، هو من اهداف سان جون بيرس .
ان ذلك يؤدي الى ان يقوم المتلقي بتوليد المعاني وفرزها من اجل
الوصول الى معاني تلائم قراءته للعرض وتحليل بنيتة عبر مجموعة من القنوات
الاتصالية ومنها ( اللغة ) التي يقوم ببنائها المخرج مع بقية العاملين معه
، وهي لغة التخاطب السمعية / البصرية ما يؤدي الى الالتصاق بالمنجز
وتناوله تناولا داخليا يسمح بفحص المكونات والبنى التي تعتبر حاضنة للمعنى
، وبذلك يكون المتلقي قد تعرف على تلك القنوات الاتصالية التي مر من
خلالها المعنى والطريقة التي تشكل بها العرض .
يعتبر قراء بيرس من البنيويين والنقاد ان مرجعياته ( كانتية ) ويتجلى
ذلك فيما افصح عنها هو نفسه عندما قام باقتراح لوائح جديدة من المقولات
متأسسة على اساس اختزال الاحساسات المختلفة في احساس واحد ، وهو الشيء
الذي لا يمكن ان يكون الا بواسطة المقولات ، والسيميوطيقيا ( بيرس) على
اساس اعتبارها تمثيلية وسيميوطيقيا تواصل وسيميوطيقيا دلالة في وقت واحد ،
فالعلامة لدية تملك وجودا مستقلا خاصا بها ، اذ ان الممثل يركن نفسة ويقدم
الشخصية التي تعبر عن نفسها وتمثلها كما تمثل الانسانيه ومن ثم تطرح
افكارها التي تشكل لها طريقا للوصول الى المتلقي ( تواصليه ) وبعد ذلك فهي
تحاول انتاج معنى عبر ذلك التواصل ، والعلامة لدى بيرس هي مايسميها بـ (
المصورة ) ويقصد من خلال ذلك بانها شئ ما ينوب لشخص ما عن شئ ما من جملة
ما وبصفة ما ، وبالمقابل فهي توجه لشخص ما ، وذلك ما يؤسس لدى المتلقي
وتحديدا في ذهنيته علامة معادلة ، وقد تكون علامة اكثر تطورا اذ انها
مفسرة للعلامة الاولى ، والعلامة النائبة عن موضوعها التي تعبر عنة ،
فانها تنوب عنه بالرجوع الى نوع من الفكرة التي يسميها بيرس ( الركيزة )
أي ان العلامة لا تنوب عن الموضوع الذي تعبر عنه من جميع جهاته بل تقوم
بعملية احالة او محفزا لاثارة ذهنية المتلقي الى الاحاطة بالموضوع
المستثار بفعل العلامة المثيرة ، كما ان وظيفة العلامة في الدراسات
السيميائية المعاصرة هي اساس الخلاف والتقارب .
وبناءا على ما تقدم يلاحظ ان الدراسات التي بنيت عليها السيميائية في
العرض المسرحي منحتة بعدا اخر من التواصل الذي حوله – العرض المسرحي – من
ساكنيتيه واتفاقيته مع المشاهد بحيث ان المشاهد بدل يتواصل بدخوله ايقونية
العرض وبساطة معانيه وسهولة هظمها من خلال اداة التواصل (العرض ).
ان الذي يشكل انساقها مجموعة من العناصر الساكنة طوال زمن العرض ،
فقد اختلف الامر كثيرا لا سيما بعد اجتياح مفاهيم السيمياء والتي منها
سيمياء التواصل وسيمياء الدلالة وسيمياء الثقافة وهي بدورها حفزت المتلقي
لان لا يكون ساكنا هو الاخر ، فالتحول العلاماتي يقتضي تحولا من قبل
المتلقي ليتفاعل مع تلك العلامة التي تثير معنى وتنتجه من خلال ذلك
التفاعل الحي بينهما ، اذ يصبح كل شئ في العرض متحولا بمجرد دخول ( المادة
) فضاءة ، فالزي المسرحي دالة تستهدف اثارة مدلول (ما ) ولا يعمل هذا
الدال بمعزل عن بقية الدوال الاخرى ،ويصير المعنى هنا أن الكلام لايعني
معناه المتعارف عليه والعلامة المسرحية لاتعني وجودها الأول ،فالمعنى
يحدده دور المادة وعلاقتها الترابطية بالمواد الاخرى التي تمنحها الحياة
وتكتسب قيمتها عبر ذلك بمعنى ، العلامات لايمكن ان تكون ذات قيمة دلالية
في حد ذاتها وأن تكتسب تلك القيمة حين يمكن ان تحول او ترجع نحو شئ ما ،
لكن المرجع هو المدلول ، لآن المدلول هو حاصل الجمع بين الشئ وإسمه ، أما
المرجع فهو حاصل الجمع بين الصورة السمعية او البصرية (المقرؤة) وبين
المفهوم او التصور الذهني وهو ما تؤديه العلامة كلها ويسمى بالمرجعية .
وبهذا تكون العلامة المسرحية (المادة) الملموسة والمحسوسة والمرئية
والمسموعة كلها لايمكن لها ان تنتج معنىً الا بتاثيرها وتأثرها بعنصر مكون
آخر ، ويتفق جميع أعل السيمياء على أن اللغة نظام إتصالي يربط بين
متواصلين في موضوع ما ، ويقدم الى المتلقي قدراً من الإشارات والرموز التي
تشبه الرسالة المنقولة ، وبهذا يبرز عاملين مهمين هما (المشير والمشار
اليه ) ، ويأتي دور - الإشارة – للريط بين هذين المستويين ، وهكذا الحال
بالنسبة للعرض الثابت والعرض المتحول ، أي العرض الذي يعمل على أساس تحول
العلامات المسرحية من حالة الى أخرى وبكافة مستويات المرئي والمسموع ، هو
عرضاً متحولاً ، أما العرض الذي لاتتحول فيه المادة تملك القدرة في
الإنتقال من معناها الأولي الى معنىً آخر قد يكون مغايراً وكذا العناصر
الأخرى فانه عرضاً ثابتاً ساكناً كل شئ فيه يتجه نحو تحديد معنى واحد تعمل
العناصر الأخرى لدفع العملية برمتها للوصول الى ذلك المعنى ، وبالوصول
للمعنى المحدد تنتهي العملية المسرحية على إعتبار أنها أدت الغرض المناط
بها ، لكن الأمر يختلف في العرض المتحول حيث تقوم العلامة بتوليد اكثر من
معنى على أساس أنها إشارة يريد المشير عبرها الوصول الى المشار اليه ،
وهنا يأتي دور التلقي في إحالة تلك المرامي المشار اليها الى مستويات
مختلفة من القراءة يكون هو مسؤول عنها وبهذا نحصل على التنوع في التلقي
وتعدد في مستويات القراءة ، فالعرض الواحد (المتحول ) يتحول الى أكثر من
عرض إذ لكل مشاهد عرضه الخاص الذي يستقبلة وفق رؤيته هو قراءتة ، فقد يذهب
الى معنى لم يكن كادر العمل المسرحي يرمي الية وهكذا يكون للدلالة التي
تتعدد مدلولاتها اثرا في اثراء الجانب السمعي والبصري وذلك يصب في
الاستزادة المعرفية للجمهور فضلا عن الجمالية ، وعلى اعتبار ان العرض
المسرحي كاداة تواصلية فانه وفق رأي ( جان بياجيه) ان البنية هي نسق من
التحولات له قوانينة الخاصة باعتبارة نسقا في مقابل الخصائص المميزة
للعناصر وان هذا النسق مـــــــن
شانه ان يبقى قائما ( ويزداد ثراءا ) والسبب يعود الى مقدار ما تنتجه
التحولات اذ ان من شـــــــــان هذه التحولات ان تتفاعل مع ما هو خارج هذا
النسق اي – الى عناصر تكون خارجه عنه – وهو ما يعطي للتحول اهميه لا نظير
لها وقدرة على تفاعل العناصر فيما بينها ، وفق مطواعيتها الكبيرة لذلك فان
المعنى السطحي ليس هو المطلوب ، وبذلك الصدد قال ( ميشيل فوكو ) ان النقطة
الاساسية التي شكلت القطيعة بين ما هو سابق للبنية وما هو لاحق لها –
باعتبارها مفتاحا لمعارف مهمه تقع السيمياء من اهمها – هو كشوفات ( ليفي
شيتراوس ) بالنسبة لدراسته المجتمعات وعلاقاتها ، وكذلك ( لاكان )
ودراساته في اللاشعور كشفا عن وجود احتمال كبير في ان يكون ( المعنى )
مجرد تاثير سطحي ، وعندما بينا ان ما يدعمها في الزمان والمكان انما هو
النسق او النظام .
فنحن نبحث عما يكمن خلف العلامة من معنى وليس المعنى العادي الزائف
الذي تثيره لاول وهله فالسيمياء يكون فضاء اشتغا لاتها هنا اكثر حيويه
وفاعلية في الكشف عن المعنى المخفي لا الظاهر، من هنا يمكن القول ان
العلامة الثابتة هي ما يعطي المعنى الظاعر وهو معنى متفق علية (كدلالة
الشمس ) حيث استخدامها في العرض كمحاولة لطرح مفهوم الحرية والثورة ،
وكذلك (صرخة طفل ) فهي تعني ولادة العالم الجديد او العالم المنشود أو قد
تقع تلك الصرخة للدلالة على التحول من الراهن الى المستقبل ، أو (سقوط طير
أو صرخته) فأنها تدل على موت الشخصية وكذلك (سقوط منديل ) دليل على تهاوي
شخصية ما ، كل هذا مألوف وسائد وحين يأتي استخدامه بشكل مغاير لما هو
مالوف يعني تحميله ومنحه القدرة على توليد معنى آخر يتجاوز المعنى الثابت
فديمومة التواصل تتحقق بضخ ما هو جديد أثناء العرض من خلال تحول العلامة
نفسها بأكثر من شكل ومضمون ، فالإنسان كما يقول (امبرتو إيكو) يرى نفسه
والعالم المحيط به على أساس أنه مجموعة من العلامات وحيث يريد التعبير
فأنه يقوم بذلك من خلال أخرى نستنيطها لنحقق عملية التواصل ، فأننا حسب
–إيكو – لانتعرف على ذواتنا الا على أساس أنها سيميائية في حركة وأنضمة من
مدلولات وعمليات تواصل وثمة خارطة سيميائية ترشدنا الى من نكون ، وكيف أو
فيم نفكر .
والمسرح أو العرض المسرحي يقترب كثيراً من قول (إيكو) هذا، إذ أن
المسرح منطومة من العلامات التي تعتمد الرموز والإشارات والدلالة في عملية
التواصل ، فالمرءحين يعبرعن ذاته من خلال العرض فأن سبيله لذلك هو
المفردات التي يستعين بها ليقيم بواسطتها خطابه التواصلي ، أن الفضاء
المسرحي العلاماتي ليس سديماً أو عماءاً سيموطيقياً الذي يقدم ظاهرة أو
صورة مأدية تقوم بفعل الدال ، هدفه تنضيم عالم الفكرة، وهي الفكرة التي
قبل أن يشتغل عليها هذا النضام لم تكن سوى فكرة غير محددة الأطراف
والتفاصيل ولكن قيام العلاقة بين الدال والمدلول انما نكون امام واقع
تداولي له اعرافه وقوانينة ، واستخدام الدال ليس محددا وانما محولا لهذا
الواقع المحدود المتعين الى فضاء من التشكلات والتحولات التي تمنح القارئ
فعل تحفيز الدال للقيام بمهمة التاويل والقراءة على ان ذلك ناتج طبيعي
لعمليات التحول للأداة التي تخفي ورائها الفكرة وتدل عليها .
ان الشئ الجامد نشير الية ، نتحدث عنه لكنه اذا تحول وتلون سيتحدث عن
نفسه هو ويعبر عنها، والتساؤل هنا من اين تمتلك المفردات او الادوات التي
تشكل العرض قدرتها على ان تمنح العرض تحولا او ثباتا ، بمعنى كيف نستطيع
ان نجعل من العرض ينتمي الى المتحول انطلاقا من ثبات المادة نفسها ،
والجواب ان للعلامات في المسرح ما يميزها واهم ما يميزها هي قدرتها على
التحول ما يمنحها ديناميه اساسيه فخصائص العلامه تكمن في قدرتها على
التبادل المادي والانتقال من مظهر الى اخر ومن ثم تحريك الجوامد وبعث
الحياة فيها بعد ان كان جامدا / ثابتا لا يدل الا على ذاته هو حسب ، كما
ان التحول الذي تضفيه عملية انتقال الجامد الى متحرك / متحول يكون رابطا
في الانتقال من مجال السمع الى الرؤية ومن الرؤية الى السمع فان كل ما
يشكل حركة لابد وان يدل على عنصر من عناصر العرض المكونة له / المرئي ، او
تحول مقاطع حوارية الى صور او التحول الذي يشمل قطع الديكور والاكسسوارات
والشواخص الاخرى كالمانيكانات او الستائر والتعامل معها على اساس انها
اشخاص يعهد اليها جانب مهم في دفع العرض المسرحي الى امام .
ان قدرة العلامات المسرحيه داخل العرض على التحول تعد ذات فضل عليه
لانه بفضلها يفهم لماذا يكون البناء المسرحي متحولا في اية لحظه وهو ( ما
يعول الباحث على توكيده ) في هذا الجانب ، ومن هنا نقول ان العرض متحولا
لا ثابتا ، فالثابت من العروض هي التي تعمل وفق ايقونية لا تتزعزع ،
فالجندي يحمل سلاحا حقيقيا ( بندقيه ) ويرتدي زيا عسكريا كاملا ، والمريض
يحمل دواءاً جاء به من الصيدلية المجاورة لقاعة المسرح في الوقت الذي يمكن
أن يحمل فيه الورقة التي دون عليها الطبيب دواءه ، وإذا ما كانت هذه
الورقة ملونة فأنها ستأخذ مدلولات ومعاني كثيرة ففي حالة كونها صفراء أو
حمراء أو إذا كانت قد مزق منها جزءاً أو اذا ما فقدها الممثل حتى اثناء
تأدية دوره ، أو اذا ما كتب فيها غير اشياء الدواء ، اما ان يحمل دواءاً
ويستخرج منه حبات الدواء ليوهم المتلقي انه فعلاً مريض كما في الواقع فذلك
أمر مألوف يحدث في يوميات الناس ولن يحيل الا الى واقع لا مجال فيه لمحفز
يستثير المتلقي من أجل قرائته بشكل أخر وليس كما يعهده ، وكذلك الأمر
بالنسبة لإستخدام منضدة وخلفها كرسي على المسرح وهي بداً ستشير أما الى
مكتب موظف أو مدير ، واذا ما بقيت هذه المنضدة طوال فترة العرض وحتى
نهايته فانها تشير الى ذلك المعنى الواحد ، فأننا سنسجل على العرض أنه
يعمل على الثابت لا المتحول ، والمنضدة حين تتحول الى سيارة في مرة والى
غرفة نوم (كسرير) مثلاً،أو الى قبو حين يقبع الممثل أسفلها فذلك ما سيدعم
العرض بروح من التحول والتجوال في عالم العلامة التي تحيل المتلقي
الىتفاعلية وحيوية تجعل منه مشاركاً في تفسير الدلالات وفق مرجعياته
الفكرية والعلمية والإجتماعية .
وكما هو معروف إن العرض المسرحي فن التكثيف والضغط وبالتالي يعتمد
على التأويل والكشف وهو فن شمولي حيث يلتقي فيه المحسوس واللا محسوس ،
النهائي واللا نهائي ، المخفي والمرئي معاً ، ويمكن أن نشير الى مدينة من
خلال قطعة ديكورية وفضاء شارع ممتد الى عمق المسرح ، فتحيلنا تلك العملية
الى مدينة بكل شوارعها وناسها وبيوتها وعمرانها وربما تعاستها وتراجها ..
الى غير ذلك من المدلولات التي تدل عليها .. وفي نفس اللوحة المكتوب عليها
إسم المدينة يمكن ان يكتب بالوجه الآخــــر
منها ما يشير الى محطة قطار ، فبمجرد قلبها يكون المدلول قد تغير الا
أن الدال ثابت وهكذا نستشعر عملية الضغط والتكثيف وان هذه الإشارة موحية
تفتح الباب لعالم آخر بكل محتوياته ، وبذلك فان هـــــــذا العالم لا يقوم
الا اذا اخذنا بنظر الاعتبار عملية الاتصال والتواصل فحيث توجد منظومة
العلاقات توجد كما يقول (بوغاتيريف) توجد الرامزة ورامزة العلاقات التي
تستخدم في العرض المسرحي تتأتى بفعل التجربة الشخصية والإجتماعية
والمعرفية ، وفك ذلك الترميز يعتمد على طواعية عدد من الأنساق وعلى مجموعة
الروامز المشتركة بالنسبة للطرفين كمتلقي وملقي ، فلا يمكن أن نقدم شيئاً
لايعمل على إحالة المتلقي إليه .
أن التحول يؤدي بنا الى إختراق فضاء أخر من اللغة بأعتبار ان الثابت
يمتلك لغته الخاصة به وهي عبارة عن قوانين صارمة يقوم التحول على كسر
صرامتها من خلال كسر المتعارف عليه فيها ، والمتحول هنا يشكل لغة تخاطب
تقع ضمن اطار لغة العلامة حيث يرى (رولان بارت ) بأننا نعثر دائماً على
اللغة في أي نظام من نظم العلامات ومهما كان هذا النظام سواء عبر العرض
المسرحي أ عبر نظام الموضة أو في المثيولوجيا ، والتركيز هنا على لغة
العلامات التي تأخذ بعداً تخاطبياً آخر عبر الصورة ، يحيل الى معنى جديد
ومفردات تعامل آخرى لم تكن موجودة لولا خاصية التحول التي تميز العلامات
المسرحية .
كما ان العلامات في تحولها وظيفة وهي ان تنقل المعاني من الأشكال الى
العقل واظهارها من جديد كشكل ، أي الوصول الى مدلول آخر جديد يعني شيئاً
وذلك يعتمد كليا على الية اشتغال الدال وامكانية تحولة من خلال اختيار
الدلالات بشكل صحيح وملائمتها للفكرة المراد ايصالها ، فالتحول السيميائي
للعلامات على خشبة المسرح يرتبط بالادراك الحسي كونه يخاطب الحواس التي
بواسطتها يتم معرفة كنه التحول وأسبابه ووظيفته .
ان لغة العلامات يمكن تصنيفها الى صنفين او بمعنى ادق ان سيمياء العرض المسرحي يمكن تقسيمة الى نوعين :ـ
الاول : سيمياء المسموع
الثاني : سيمياء المرئي
ولأن التحول العلاماتي الذي يصيب المادة في المسرح يقع تحت طائلة
السيمياء المرئي وهو ما يشكل لغة العلامة المتحوله واثرها الحسي على
المتلقي ، اي الموسيقى والمؤثر الصوتي والخطابي ( اللغة / الحوار ) فيقع
تحت مسمى السيمياء المسموع إلا إن ما يربط كل تلك المواد الملموسة
والمحسوسة هو التحول وما تقوم به من فتح آفاق للتأويل تتواءم والأفكار
التي يطرحها خطاب العرض الجامع للخطابين ، ولان اللغة ذات مديات متعددة
فان ( بارت ) يقلب الموازنة السيوسيرية فيعتبر اللغة جزءا من علم العلامات
.
ومادامت اللغة تقوم بنقل موضوع ما اي انها تمنح القدرة على التعبير عن
مكنون ما وبتحول العلامة من ثابت متعارف على لغته الى متحول يشير الى لغة
لابد من التعرف عليها انيا ، فان ذلك يدخل ضمن نطاق قدرة العلامة المتحولة
لبث الافكار التي تكمن خلف تحولها وذلك ما يعطي الفكرة المتمظهرة بعدا
ديناميكيا يجعل من القطعة الديكورية او الملبس او الاداة التي يحملها
الممثل بيدة لسانا ينطق وهذا النطق يوازي ما تنطق به او تشير اليه الكلمه
اذ تتعاضد المفردة المتحولة مع الكلمة المنطوقة وفق انسجام وهرمونية عالية
لتوصيل فكرة العرض ، لهذا يكون للتحول اثره الفاعل في اكمال تشكلات صورة
العرض لدى المتلقي وقد يكون لعدم تحول العلامة ما يحمل الممثل والكلمة
عبئا اكبر في الاخذ على عاتقهما مضاعفة الجهد من قبل الممثل ما قد يفوق
طاقتة كذلك تسطير الكثير من الكلمات والتي قد تكون لا طائل منها او فائده
بحيث تشكل عبئا زائدا في كثرتها الامر الذي ربما يؤدي بالعرض الى فقدان
الكثير من جمالياته البنائية (السمعية والبصرية والحركية) في الوقت نفسه :
" إن اللغة يمكن ان تكون لها وظائف أخرى ، كأن تكون حاملة للفكر ، أو أن تسمح لشخص ما بالتعبير عن نفسه ".
الا ان فعل التحول العلامي في المسرح لايتم تلقائياً من ذاته بدون
تدخل لعنصر مهم من العناصر الا وهو الممثل ، اذ انه الوحيد الذي يمنح
الحياة للعلامات الأخرى وبالتالي يمنحها القدرة على التحول باستخراجها من
عالم الثابت التي كانت قبل ذلك قابعة فيه بحيث نجد انه يمثل الوحدة
الديناميكية لمجموعة كاملة من العلامات فضلاً عن ان الممثل كعلامة متحولة
ايضاً بأمكانه الإستعاضة عن علامات أخر يحل محلها هو وذلك عبر الاشارة
اليها بالكلمات فتمتلك حضوراً رغم غيابها ومثال ذلك غياب (غودو ) ذو الفعل
الاهم رغم غيابه ، أو انه يؤديها جوهرياً فيتمثل الكرسي ، أو الشجرة ، او
تمثال ، كما انه قادر على الإيحاء بعلامات من خلال اختزاله لها والاكتفاء
بالاشارة اليها ، حين يقوم بإصدار صوت سيارة مع أخذ وضع السائق لنعرف إذا
كان منطلقاً بسرعة او اذا كانت السيارة التي يستقلها بطيئة ، او هرمة أو
هرمة او جميلة ، او قبيحة وهذا ما يساعد الممثل في ان ياخذ الفرادة في
القدرة على التحول دوناً عن العناصر الباقية ،اذ ان العناصر الاخرى تعتمد
وجوده لكنه لا يعتمد وجودها ، وهو قادر على ايجادها من العدم لكنها لا
تستطيع ان توجد الممثل أو ان تمنحه الحياة فالمسألة غير قابلة للمقارنة
الا في اعتبار الممثل علامة كبقية العلامات ، بيد انه الفاعل الاول في
العرض المسرحي أما بقية العلامات الفواعل الاخرى فانها تأتي بعد الفاعلية
الأولى للممثل .
هناك من يعطي لخشية المسرح القدرة على تحول الأشياء وهو عالم
الدراسات الشعبية (بيتر بوغاتيروف) والعضو السابق في حلقة الشكلانيون
الروس حيث يرى إن خشبة المسرح تحول الأشـــياء والأجساد الواقعة عليها ،
بحيث تقوم بإضفاء قوة دلالية كبيرة تفتقدها أو تفتقر إليها هذه
الأجســــــــــاد والأشياء في وظائفها الاجتماعية العادية والمألوفة ،
بحيث تكتسب الاشياء التي تلعب دور العلامات المسرحية على خشبة المسرح سمات
وصفات خاصة ومحمولات لا تمتلكها ما هو على خشبة المسرح يعد علامة ، وهذا
يشمل الفضاء المسرحي برمته وبكل مكوناته إبتداءاً من مقدمة المسرح حتى
الستارة الخلفية (السايك) .
بناءاً على ما سبق نجد ان العملية المسرحية هي عبارة عن ثابت ومتحول
وفي كافة مجالاتها السمعية والبصرية والحركية ، والثابت هو الراكد الساكن
الذي يعطي مدلولاً واحداً غير قابل لانتاج المعنى والمدلول المغاير لوصفه
الحياتي الواقعي ، هذا اذا ما استخدمت المواد على تلك الآلية ، لكن هذا
الساكن واليومي والمعتاد الذي تبثه المادة يمكن إدخاله في فضاءات تفضي الى
اعطاء اكثر من مدلول على مدار زمن العرض بحيث تصبح المادة مولدة لدلالات
أخرى بعد الديناميكية التي امتلكتها بواسطة فعل التحول ، فالتحول هنا هو
عامل اساسي لجعل العلامة (المادة) تدخل حيز اللغة او تحويلها الى منظونة
لغوية ناطقة ومعبرة عن مكنون وفكرة تختفي وراءها بعد ان كانت في الثابت
الفكرة معروفة وغير مخفية .
فالثابت هو طريق للمتحول ، اذ لا متحول الا على اساس ماهو ثابت وخلخة
هذا الثابت وتقويض ساكنيته من اجل تحريكها وجعلعا ملائمة لفضاء أكثر
اتساعاً واكثر بعداً مما هي عليه في السابق وذلك يشمل كافة العناصر
الداخلة في اي عمل مسرحي او عملية مسرحية.
المصادر
1- علي ، عواد ، شفرات الجسد ،( عمان : دار أزمنة ،1996 ) .
2- مجموعة من الكتاب ، مدخل الى السيموطيقيا ، تر: سيزا قاسم وأخرون ،ج2 ،(المغرب : منشورات
عيون ،1987 ) .
3- اليوسف ، اكرم، الفضاء المسرحي ، (دمشق : دار مشرق ، مغرب ، 1994 ) .
4- رافيندران ، س ، البنيوية والتفكيكية ، تر : خالدة محمد ( بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ،
2002 ) .
5- فضل ، صلاح ، نضرية البنائية في النقد الأدبي ، ط2 ، (مصر : مكتبة الأنكاومصرية ، 1977) .
6- أبراهيم ، زكريا ، مشكلة البنية ، سلسلة مشكلات فلسفية ، ع8 ، (مصر : مكتبة مصر ،1976) .
7- خمري ، حسين ، بنية الخطاب النقدي ، ط1 ، ( بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ، 1990 ) .
8- بالمر ، فرانك ، مدخل الى علم الدلالة ، تر : د. خالد محمود جمعة ، ط1 . (الكويت : مكتبة دار
العروبة للنشر والتوزيع ، 1997) .
9- أيكو ، أمبرتو ، السيميائية وفلسفة اللغة ، تر : د. أحمد الصميدعي ، (بيروت : مركز دراسات
الوحدة العربية ،2005) .
10- الجزار ، محمد فكري ، سيموطيقيا الأتصال الأدبي ( مصر : الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1998).
11- التكرلي ، نهاد ، إتجاهات النقد الأدبي الفرنسي المعاصر ، (بغداد : منشورات وزارة الثقافة والفنون
، 1979) .
12- فونتاني ، جاك ، سيمياء المرئي ، تر : د . علي أسعد ( اللاذقية : دار الحوار للطباعة والنشر
والتوزيع ،2002 ) .
13- داسكال ، مارسيلو ، الإتجاهات السيمولوجية المعاصرة ، تر: حميد لحمداني وآخرون ( المغرب :
أفريقيا الشرق ،1987) .
14- خرماس ، د.محمد ، مفهوم المرجعية وإشكالية التأويل ، مقال نقدي ،
مجلة الموقف الثقافي ،ـ تصدر عن دار الشؤون الثقافية العامة ، السنة
الثانية ، العدد (9) ، 1977.
15- علي ، عواد ، المقاربة السيميائية للخطاب المسرحي ، مجلة آفاق عربية ، العدد الرابع ، نيسان ، 1992.