نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. (النحل: 44) فلو كان البيان -كما ذهب البعض- بمعنى الظهور، لما كان محمد صلى الله عليه وسلم مؤدياً لواجب الرسالة في حق كل الناس.
والبيان عند الأصوليين -في الأصل- هو مادة الدليل الموصل إلى الحكم الشرعي، وقد نهجوا في تحديده منهجاً عقلياً دقيقاً، مستهدفين من وراء ذلك تحديد الدلالة النصية، ولعل اجتهادهم في تحديد أنواعه أبرز دليل على عنايتهم به، وسنكتفي بذكر هذه الأنواع التي تحيل إلى أغراض الخطاب، من حيث هو بنية لسانية مؤسسة على عرف لغوي خاص وقصدية معينة تحققها جملة من الأساليب الإنشائية الطلبية، كالأمر والنهي، وما يحيلان عليه من دلالات دون الإيغال في تحليلها، حتى لا نخرج عن الخط الذي رسمناه لأنفسنا بعدم إغفال النقطة الجوهرية في الموضوع، وهي التركيز على محل هذه الآراء في نظرية الأفعال الكلامية،كما ذكروا في هذا المقام أركاناً للبيان يقوم عليها، وهي المبيِّنُ (الله عز وجل) أو الرسول صلى الله عليه وسلم، والبيان، ويمثل الدليل الموصل إلى معرفة الحكم، أما اللفظ الذي تتضح دلالته بحيث يعرف المراد منه، فهو المُبيَّنُ، في حين يمثل المُبَيَّنُ إليه المتلقي أو المكلف بالأحكام الشرعية.
إن هذا التصور -كما هو واضح- يبين إدراكاً عميقاً لحقيقة العملية التبليغية من خلال نموذج متميز هو القرآن، ذلك أن كامل عناية الأصوليين كانت منصبة على إبراز خصوصيات الإعجاز النصي، وكيفية تلقي المكلفين للآيات القرآنية، بوصفها جملة من الأفعال القابلة للإنجاز والعمل، وهم بذلك يجيبون عن السؤال الذي أثار المحدثين حول كيفية تحويل القول اللساني إلى فعل منجز حقيقة.
وفي سياق تعاضد الخطابات، أو ما يمكن أن يعد نصوصاً موازية تسهم في التلقي المنتج، بوصفها سياقات معرفية ولغوية، يشير ابن حزم إلى ضرورة التوقف مع مصادر التشريع جملة واحدة، لفهم أغراض الخطاب الديني القرآني ومقاصده؛ فالقرآن مصدر المصادر كلها في نظرية الفقه والاستنباط، وما من أصل شرعي إلا كان اشتقاقه منه، وهو الذي ثبتت به الرسالة المحمدية، بوصفه المعجزة الإلهية المؤيدة للنبوة، كما أن الأصول الأخرى المدعِّمة للقرآن ترجع في طبيعتها إلى النص، ثم المعنى المأخوذ منه، يقول ابن حزم: "لا سبيل إلى معرفة شيء من أحكام الديانة أبداً، إلا من هذه الوجوه الأربعة (السُّنة، والإجماع، والدليل، والقرآن أولها)، وكلها راجعة إلى النص والنص معلوم وجوبه، ومفهوم معناه بالعقل على التدريج الذي ذكرنا."
وفي سياق التأكيد على ضرورة إدراك المقام لفهم خصوصيات المقال، نسوق النص التالي توضيحا لذلك، يقول ابن حزم: "… والبيان يختلف في الوضوح، فيكون بعضه جلياً، وبعضه خفياً، فيختلف الناس في فهمه، فيفهمه بعضهم، ويتأخر بعضهم عن فهمه كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا أن يؤتي الله رجلاً فهماً في دينه، وكما تعذر على عمر رضي الله عنه -وهو الغاية في العلم بنص النبي صّلى الله عليه وسلم على ذلك فيه- فَهْمُ آية الكلالة، فمات وهو يُقرّ أنه لم يفهمها، وفهمها غيره من الصحابة، وانتهره عليه السلام وأخبره أنها بينة، وكما عرض لِعَدِي في توهمه بأن الخيط الأبيض والأسود من خيوط الناس، حتى زاده الله بيانا في أن ذلك من الفجر، وقد اكتفى غير عَدِي بالآية نفسها، وعلم أن المراد الفجر، وكما توهم ابن أم مكتوم أنه ملوم في تأخره عن الغزو، فزاده الله بيانا باستثناء أولي الضرر، وقد اكتفى غير ابن مكتوم بسائر النصوص الواردة في رفع الحرج، وأن لا حرج على مريض، ولا أعمى، وأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها."
وخلاصة هذا الكلام، أنه يمكن استغلاق آي في فهمها على طالبها، وفي ذاتها بينة، فيدركها من دونه آخر فهماً وإدراكاً. فالنص الذي سقناه بحذافيره، يبين ضرورة العناية بالسياق العام للخطاب، وتتجلى عناية المقاربة الأصولية بقصد المخاطب في مباحث البيان، من خلال التمييز بين الاستثناء والتخصيص؛ فالاستثناء بيان وتخصيص في الآن معاً، ذلك أنه تكلم بالباقي بعد أداة الاستثناء، كما يتضمن في ذاته نفياً أو إثباتاً لما بعدها أو قبلها (الأداة)، أما إذا تكلم بالباقي بعد الاستثناء كما يقول علماء اللغة، فهو ليس من التخصيص؛ لأن التخصيص معناه أن يكون اللفظ في ذاته عاماً ثم يقترن بدليل مستقل يخصّصه، كما يعدّ التخصيص بياناً؛ لأن معناه يقتضي بيان العام الذي لا يراد به ما يدل عليه اللفظ، بل يراد به أول الأمر الخاص، فلا يكون التخصيص من هذا المنطلق، دخول الأفراد في مقتضى العموم، ثم خروجهم بالتخصيص، بل المقصود أن اللفظ العام أريد به بعض أفراده من أول الأمر.
أما الكناية بالإشارة، فإن الإشارة تعود على أبعد مذكور، إذا كانت ألفاظاً مخصوصة يحددها النحاة بذلك، وتلك، وهو، أولئك، وهم، وهي، وهما. أما إذا كانت بألفاظ كهذا وهذه، فإنها (الإشارة) راجعة إلى أقرب مذكور. وثمرة هذا الوصف النحوي هو تفسير لفظة القرء في الآية بالطهر، رغم التسليم بتوارد معنى آخر هو الحيض في اللغة على اللفظة، ويظهر في هذا السياق حديث الرسول صّلى الله عليه وسلّم لابن عمر رضي الله عنه لما طلق زوجته في الحيض: "مُرْه فليراجعها حتى تطهُرَ ثم تحيضُ ثم تطهُرَ، فتلك العدّةُ التي أمر الله تعالى أن تطلّقَ لها النساءُ،" فالإشارة بتلك تقتضي الدلالة على البعيد من حيث الذكر في الجملة. ويبدو أن إضافة اللام لاسم الإشارة له علاقة بدلالتي القرب والبعد على ما يقرره النحاة. وفي هذا السياق يمكن الاستئناس بحديث أَبي بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عن أَبي أُسَامَةَ عن عُبَيْد اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وهَكَذَا، ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلاثِينَ، فهذه الإشارات الحركية المصاحبة للكلام تجعل من القول فعلا.
ولعل أهم الموضوعات المتعلقة بكيفية استعمال اللغة وتداولها وفهمها، والتي عرض لها الغزالي في المباحث المتصلة بعلم الدلالة اللسانية مبحث السياق؛ إذ صار هذا المبحث مجالاً خصباً لعملية استنباط الأحكام، فيما يمكن الاصطلاح عليه اليوم بعلم النص القرآني، وهو قائم في نظره على فكرة مفادها أن فهم غير المنطوق به من المنطوق ذاته، دليل صريح على الاحتكام إلى سلطة النص من حيث هو بنية متعلقة بالسياق. وبناء على ذلك لا يمكن لاستكشاف البنى العميقة للنصوص، والتعرف على البنى الكبرى فيها، الاكتفاء بالدلالات المعجمية للألفاظ، بل لابد من محاولة الغوص في النص، في إطار ما تتيحه اللغة من إمكانات: أسلوبية، وبيانية، وتركيبية، وما يظهره النص ذاته من قرائن لفظية أو عقلية، بل وما يمارسه أفق انتظار المتلقي للخطاب، بالاعتماد على مرجعيات علوم السنة، وعلوم أسباب، النـزول وترتيب التلاوة، وسائر العلوم النقلية والعقلية.وليست القرائن في الحقيقة إلا مقاماً يدرس فيه النص، والذين غفلوا عن دراسته وقعوا في مزلات لعزلهم اللفظة عن التركيب، والتركيب عن النص، والنص عن سياقه وواقعه، فاتحين أبواب القول بالرأي والتأويل الخاطئ؛ مما أدى إلى ظهور الفرق الإسلامية.
وإن كان هذا العرض مقتضباً، فإنه يفتح للدارسين باب البحث في نظرية السياق عند الأصوليين، التي يمكن أن تستخرج أمثلتها من أبواب: الاستثناء، والشرط، والغموض، والوضوح، والحقيقة، والمجاز، والتخصيص، والأمر، والنهي، والمطلق، والمقيد، وآيات الأحكام، وسائر آليات العام والخاص، مما نحسبه دليلاً أكيداً على فائدة السياق اللغوي والحالي في تحديد الدلالة العامة للنصوص.ومن صور العناية بالسياق في تأويل النصوص الدينية، تمسك ابن حزم بما يسميه بـ: علم النفس وبديهيات العقول؛ إذ أنكر على أحمد بن حابط المعتزلي، الذي وسع دائرة الرسالة لتشمل سائر المخلوقات، مستشهداً بقوله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ، (الأنعام: 38) وقوله: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ، (فاطر:24) محتجاً بنعمة العقل التي منحها الإنسان، والمخصوص من جهة ثانية بمنحه النطق الذي هو سبيل التصرف في العلوم والصناعات. والله لا يخاطب بالشريعة إلا عاقلها، والعارف بمرادها ومن له قدرة على ذلك. ولا ريب في أن الحيوان يعدم هذه الخصائص، وبالتالي فهو غير معني بالشريعة والتكليف. في حين تضحى كلمة "أمة" لفظة دالة على أنواع الأمثال، لا غير. وفرق بين أمة النحل والطير والإنسان بمعنى النوع، أمم الناس بمعنى قبائلهم وطوائفهم وحاضرهم وغائبهم.
وفي رد ابن حزم على مزاعم ابن النغريلة اليهودي، دليل آخر على فهم المقام الذي يتنـزل فيه النص، فهذا المدعي رأى في قوله تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ (النساء: 78) تناقضاً لما ذكر في آخر هذه الآية في قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ. (النساء: 79) ويسعى ابن حزم إلى رد هذا الادعاء انطلاقاً من كون الآية مكتفية بظاهرها عن تكلف تأويل، مستغنية ببادئ ألفاظها. ونزول هذه الآية جاء رداً على من نسب لحاق السيئات به في الدنيا لمحمد صلى الله عليه وسلم، بأن الإنسان يجني ما كسبت يداه من تقصير أو أداء للواجبات، وكلٌ من عند الله جملة. فإذا نظر الإنسان إلى الآية الموجهة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذته الدهشة وطرح سؤالاً خلاصته، هل يمكن أن يظهر التقصير من النبي صلّى الله عليه وسلّم مع عصمته؟ والحقيقة أن المقصود هنا هو تأدية شكر الله وجميع حقوقه على عباده، وهذا لا يستوفيه نبي ولا ملك، وقد جاءت إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة لأصحابه في الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه؛ إذ قال الرسول صلى لله عليه وسلم: "ما منكم من أحد ينجيه عمله، فقال له رجل: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ولكن سددوا." والظاهر أن الجهل بهذه المعاني المقامية، هو الذي جعل اليهودي لا يفرق بين ما أخبر به تعالى من أن كل ما أصابنا به فهو من عند أنفسنا، قول الكفار الذين يتطيرون بالرسول صّلى الله عليه وسلم وصحبه.
وفي السياق ذاته، يرد عليه قوله في تناقض الآيتين اللتين يقول فيهما تعالى: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، (المرسلات: 35-36) وقوله: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا؛ (النحل: 111) إذ يبدو أنه يقف على خصوص قوله تعالى في سورة المرسلات. فالمنع من النطق، إنما هو في بعض مواقف يوم القيامة، أما الجدال فله مواضعه أيضا. يقول ابن حزم، موضحاً في إطار السياق اللغوي المعنى المقصود الذي توضحه الآيات التي يؤخذ بعضها برقاب بعض "إذ يقول تعالى: انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ* انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ* لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ* إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ* هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، (المرسلات: 29-36) أي ولا يؤذن لهم فيه بعذر، وهكذا نصُّ الآيات متتابعات لا فصل بينها، فيصح أن اليوم الذي لا ينطقون فيه بعذر إنما هو يوم إدخالهم النار، وهو أول اليوم التالي ليوم القيامة الذي هو يوم الحساب، وهو أيضا يوم جدال كل نفس عن نفسها. إن هذه النصوص تسمح بأن تكون أداة تأكيد على وظيفة القرائن الحالية، التي عبر عنها ابن حزم بعلم النفس وبديهيات العقل في تخصيص الدلالة العامة، وتحديد معاني الوحدات الكلامية المنتجة نصوصاً، فقوله تعالى: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ (آل عمران: 173) لا يمكن أن يحمل على معناه الحرفي؛ إذ حال المخاطبين لا تحتمل أن يجمع لهم كل الناس على سبيل الحقيقة، إنما بعضهم، والدليل على ذلك القرينة العقلية.
ويمكن حصر القرائن الحالية في القرينة العقلية (بديهيات العقل)، ووظيفتها منع حمل دلالة الجملة على المعنى الحرفي كقوله تعالى: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا؛ (يوسف:82) إذ المقصود مساءلة سكان القرية، أما قرينة الحس فالمقصود بها ما يشبه الواقع أو ينفيه مما يذكره النص أو ينفيه، ووظيفة هذه القرينة تصديقية برهانية، ومثال ذلك قوله تعالى: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، (النمل: 23) فقد علم بالحس أنها لم تؤت ما أوتي سليمان، وتظل فكرة القرائن بعد ذلك أساساً مهماً في التحليل النصي عند ابن حزم. ويمكن القول بأن آراءه في سياق النظرية الظاهرية، قد تصلح حجر أساس في بناء نظرية سياقية كاملة، لها تقنينها وتمثلاتها التطبيقية. ولعل مباحث العموم والخصوص عنده، وتكامل النصوص، ومراتب الدلالة التركيبية، من حيث الوضوح والغموض، صورٌ لهذا الجانب. ولنا أن نتوقف مع مفهوم مميز ظهر عند الأصوليين هو مفهوم الاقتضاء، والمقصود به دلالة اللفظ على المسكوت عنه؛ إذ يتوقف صدق الكلام عليه، أو يمتنع وجود صدق الكلام عليه، أو يستحيل فهمه إلا به، ويعد هذا المفهوم من أهم مفاهيم التداولية المعاصرة، التي ترى فيه تعبيراً عن قدرة المتكلم على أن يفهم أكثر مما يعلن عنه بالمعنى الحقيقي للألفاظ المستعملة، ويفسر كثيراً من النصوص التي تبدو في غاية التفاوت والتباعد. وبما أن الأصوليين عنوا بدراسة اللغة في سياقها التواصلي، فقد أفادوا من مجمل التصورات اللسانية والبيانية التي صاغها النحاة وعلماء البيان والمعاني، وفي ميدان الخبر والإنشاء تحديداً تجلت قدراتهم التحليلية المتميزة في الربط بين المقال، ومكوناته بالمقام التخاطبي، في ضوء مسألتين مركزيتين في التفكير الأصولي لا تكاد تحيد عنها كتاباتهم التأسيسية للعلم؛ وتتعلق أولاهما بمباحث الدلالة اللفظية، وقضايا الدليل والاستدلال؛ إذ جاءت رؤيتهم للعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمفسر، والنص والظاهر، ولحن الخطاب ومفهوم المخالفة، أكثر ثراء وغنى من طرح سائر اللغويين لها، وأما ثانيهما فجملة من المسائل النحوية المتصلة بالدلالة التركيبية، وما يمكن عده نحواً للمعاني. لقد أثمر التصور التداولي عند الأصوليين نظرية متكاملة في الخبر والإنشاء، تتجاوز في كثير من طروحاتها التحديد المنطقي لنظرية أفعال الكلام الغربية المعاصرة، بعد تجاوز التصورات الشكلية في عمومها التي قدمتها نظرية النحو العربي التراثية، فالمعنى -بحسب الأصوليين- متعدد بتعدد السياقات، وطرق الإنجاز، وأشكال الصياغة، وكيفية التقبل عند السامع الذي يكون منه إدراك المقاصد والغايات التي قد يظهرها الخطاب بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولنا أن نتوقّف -مثلا- عند رؤيتهم للخبر في بعده السياقي؛ إذ يتحول من الدلالة التقريرية الوصفية، التي هي أصل له من الناحية الوضعية، إلى فعل كلامي مضبوط بالسياق، يقول الإمام شهاب الدين القرافي: "الشهادة خبر، والرواية خبر، والدعوى خبر، والإقرار خبر، والمقدمة خبر، والنتيجة خبر... فما الفرق بين هذه الأخبار؟" ونود التنبيه في هذا السياق إلى أن الرواية فيما قرره القرافي متصلة بعموم المخبَر عنه، بينما تكون الشهادة في الخاص منه، ومن جهة السياق الاجتماعي يمكن ربط الرواية بالمقام غير الرسمي، في حين تناط الشهادة بالمقام الخاص المتمثل في القضاء، وشهادة الشهود التي يشترط لها شروط صحة هي: الحرية والذكورة والعدد، لافتاً إلى إمكان التأليف بين فعلي الرواية والشهادة في فعل كلامي مركب، يمثل له برؤية الهلال في رمضان، فهو شهادة ورواية في الآن نفسه في سياق الفعل الإخباري الكلي، ويوجّه القرافي في فعل الشهادة إلى إمكان تحوله إلى فعل إنشائي صريح على صيغة: أشهد أن كذا وكذا قد حصل، وهذا بخلاف البيع فإن القائل إذا قال: أبيعك، لم يكن إنشاءً للبيع بل إخباراً به، أو وعداً به في المستقبل، ولو قال: بعتك كان بيعا محققا، فالإنشاء في الشهادة بصيغة المضارع، وفي العقود بالماضي، مما يعني ضرورة إدراج فعل الشهادة تحت صنف الفعل الإيقاعي. كما يجنح الآمدي في إحكامه إلى معياري: الواقع والقصدية، اللذين استندت إليهما اللسانيات التداولية في تمييز الفعل الوصفي والفعل غير الوصفي، لكي ينضبط الخبر من حيث الأنواع التي يمكن إجمالهما في الخبر الصادق المطابق للواقع وضده الكذب، وما يعلم صدقه أو كذبه، وما لا يعلم صدقه وكذبه، وخبرا التواتر والآحاد. ولعل من صور الاحتفاء بقوة الفعل في الإنجاز اللغوي، تركيزهم على عدم الأخذ بالشاذ والنادر من أقوال العرب في الاستدلال الشرعي، ويظهر ذلك جلياً في الرد على من قرر اختصاص "من" الشرطية بالذكر دون الأنثى، متمسكاً بذلك في عدم قتل المرتدة في حديث: "من بدل دينه فاقتلوه." وفي هذا السياق احتج الطرف الأول بقول ضعيف حكاه سيبويه من تقسيم العرب لـ (من) بحسب المذكر والمؤنث، فإنهم قالوا في المذكر: من ومنان ومنون، وفي المؤنث: منة ومنتان ومنات، وذهب سيبويه إلى أنه بعيد لا تتكلم به العرب، ولا يستعمله إلا نفر قليل منهم، بينما ذهب جمهور الأصوليين إلى نقد هذا الموقف، لشذوذه، وعدم اطراد استعمال صورته في التداول اليومي للغة العربية.كما لفتوا الأنظار أيضا إلى البعد التداولي للإنشاء في ضوء محاولتهم التأسيس لقواعد فهم النصوص، واستنباط الأحكام منها؛ ففي مبحثي الأمر والنهي على سبيل المثال تم تمييزهم للأفعال الإنجازية الطلبية، من منطلق كون الأمر في العموم استدعاء للفعل بالقول ممن هو دون الآمر، ويكون النهي بخلافه استدعاء بالقول ممن هو دون الناهي على سبيل الوجود، وفي ساق ذلك فرقوا بين أفعال الإذن والإباحة والمنع، مما يعني وجود التفريق بين الأوامر المتفاوتة في درجة الأمر، فالضرورات أكثر تأكيداً من الحاجيات، وهذه أكثر تأكيدا من التحسينات، وهو تصور قريب لمبدأ قوة الفعل في نظرية سيريل للأفعال الكلامية، وفي سياق عرض الأفعال الكلامية بين المباشرة وعدمها، يميز الشاطبي بين الأمر الصريح وغير الصريح، فالصريح نوعان: أولهما مجرد من العلة مثل قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، (البقرة: 43) وثانيها مؤسس على العلة والقصدية بالاستقراء، مثل قوله تعالى: فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ. (الجمعة: 9) فالمقصود إقامة الجمعة لا الأمر بالسعي لها فحسب.
وأما الأمر غير الصريح، فعلى وجوه كثيرة لعل أهمها: الإخبار عن تقرير الحكم، وما جاء مدحاً له ولفاعله، وما يتوقف عليه المطلوب. وفي سياق النهي حدد الأصوليون مفهومه انطلاقا من مبدأ المنع الذي صاغه الفارابي في كتابه الحروف، ثم ميزوا بين أفعاله الجزئية بناء على القوة الإنجازية؛ فهناك فعل التحريم، وفعل الكراهة، وفعل التنـزيه، والفيصل بينها مرتهن بالفعل الغرضي المتضمن في القول لا الصفة فحسب. ولعل عناية الأصوليين بصيغة التعجب من حيث هي قول دال على فعل انفعالي، انسجامٌ مع مجمل تصور الفعل التعبيري، بل إنهم أضافوا إلى التعجب فعلاً كلامياً مرتبطاً بالمخاطب هو التعجب، وهو يعني حمل المخاطب على فعل التعجب، وبالنسبة إلى الاستفهام الذي يعرّفه الأصوليون تحت مصطلح الاستخبار، فهو إما أن يكون استفهاما خبريا إنكاريا يكون فيه ما بعد الأداة منفياً، وهذا النوع منه الإبطالي الذي يكون فيه ما بعد أداة الاستفهام غير واقع، والحقيقي الذي يكون ما بعد الأداة فيه واقعاً، وفاعله معلوم، فمن الأول قوله تعالىأَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أوْ تهَدْيِ العُمْي، (الزخرف: 43) ومن الثاني أتَعْبُدونَ مَا تَنْحِتُونَ، (الصافات: 95) وأضاف الزركشي الاستفهام التقريري الذي يحمل فيه المخاطَب على الاعتراف بأمر قد استقر عند المخاطِب، من مثل قوله تعالى أَأَنْتَ فَعَلْت َهَذَا بِآلهِتَنِاَ يَا إِبْرَاهِيمُ. (الأنبياء:62) وأما الإنشائي فمنه: التحذير، والطلب، والنهي، والتمني، والتنبيه، والدعاء.
ومن الموضوعات التي قلّ الاهتمام بها في دراسات النحاة واللغويين، وعني بها النظر الأصولي، ألفاظُ العقود والعهود، التي تشكل فعلاً مهماً في تصنيف المحدثين، وهو الفعل الإيقاعي الذي يخضع لشروط توفيقية هي القصد ومبدأ التصريح، الذي يوافق الفعل المباشر عند أوستن، فلو أخذنا -مثلا- فعل الطلاق فإنه سينجز بأفعال الكلامية التالية؛ إذ بعضها مباشر والآخر غير مباشر، فيقال: أنت طالق، حبلك على غاربك، الحقي ببيت أهلك، اعتدّي، استبرئي، تقنعي اتساقا مع الفكرة التي قررها الغزالي، التي تعلي من شأن الاحتفاء بالمقاصد والغايات دون الألفاظ والمباني، يقول الغزالي فيما نقله جمال الدين الأسنوي عنه: "إذا قال الولي: زوجت لك أو زوجت إليك صحَّ؛ لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى، والغرض يتنـزل منـزلة الخطأ في الإعراب بالتذكير والتأنيث." ومن المباحث المتصلة بتداول المعاني، وتعدد الأغراض، ما عالجه الأصوليون تحت مبحث القرائن، وأثرها في توجيه دلالات الحروف، والأسماء المشتركة، والمترادفة، والمتضادة، ومن خلال النظر فيما كتب في مباحث الحروف -مثلا- يتبين أنهم يتفقون على أن كثيراً منها يأتي لعدة معان غير المعاني الأصلية لها، ومجيئها لتلك المعاني المختلفة مرهون بوجود القرائن الدالة عليها، كما أن منها ما يكون مشتركاً بين معاني مختلفة، فيكون محتاجاً إلى قرينة تبين المعنى المراد.
ثالثاً: الأفعال الكلامية عند الأصوليين
تتجلى ملامح نظرية الأفعال الكلامية عند الأصوليين، من خلال تتبع جهودهم التي سلكت مسارين متكاملين، يخدمان الخطاب القرآني في تمظهره البياني، من خلال نظرية الإعجاز. ويعبّر هذان المساران عن ترابط البنية الشكلية بالاستعمال والتداول، أو بعبارة أخرى تعالق البنية المقالية بالبنية المقامية، ولعل الباب الواسع لولوج نظرية الفعل الكلامي في صورتها العامة، والتأسيس لنموذج عربي طموح لها، هو باب الأساليب الإنشائية في علم المعاني، الذي لاقى عناية بالغة في كتابات علماء النقل والعقل في المعرفة الإسلامية، وتتأسس نظرية الفعل الكلامي على قاعدتين هما: العرف اللغوي، والقصد؛ فالعرف ثلاثة أشكال: فهو إما أن يكون وضعاً لغوياً أو شرعياً أو اجتماعياً، وأما القصد فيحدد هدف النص وغايته، وتحقيقاً لذلك يطمح المخاطب إلى أن يكون كلامه مفهوماً ودالاً دلالة يحسن السكوت عليها، مراعياً في ذلك تفاوت درجات المخاطبين في الفهم. وبالرغم من توحد المعرفة العرفية بالأوضاع اللسانية، فإن على المخاطب أن يهتم بأنواع القرائن اللسانية والمقامية، ليجلي ما غمض من دلالات مقصودة. وربما هذا ما يُفهم من نص ابن القيم حين حذر من إهمال قصد الخطاب، فهو يقول: "فإياك أن تهمل قصد المتكلم ونيته وعرفه، فتجني عليه وعلى الشريعة." ونستنجد في سياق تعريف الفعل الإيقاعي بالتصور الأصولي، الذي يقرر وجود أقوال تُوقِع أفعالاً في الوجود، مثل أقوال البيع، والشراء، والهبة، والوصية... والتنازع، والزواج، والدعوى، وسائر أنواع العقود التي يتحول القول فيها بمجرد التلفظ به إلى فعل ملزم واقع.ويقوم الفعل الإيقاعي في التصور الأصولي على عدد من القواعد منها: وضوح الدلالة اللسانية، وعرفية المواضعة اللغوية، وعلم المتكلم والمستمع بفحوى الخطاب، والوقوع الكلي للفعل، والدلالة الحاضرة أو المستقبلة لزمن الفعل: لفظاً ومعنى، أو معنى فقط، وإخلاص القصد والنية.والإنشاء الطلبي يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب؛ إذ يتأخر وجود معناه عن وجود لفظه، ويوافق هذا النوع ما اصطلح عليه حديثا بالإعلانيات. كما أبان الدرس الأصولي عن ماهية الفعل الطلبي، عبر تحليل مبحث الأمر تحليلاً دقيقاً يكشف عن عبقرية هذه النخبة في دراسة المعنى وتحليل الخطاب، ذلك أن هذا المبحث -بالذات- يعد جوهر القضية الاجتهادية في تفسير النصوص، ومن بين المسائل المهمة عندهم البحث في صفة الأمر، ودلالاته في المواضعة والاستعمال، وعطف الأوامر وتكرارها، وإمكان تراخيها في الزمان والمكان، وهذا ما يعكس غرضها الإنجازي بالدرجة الأولى، كما شكل الاستفهام محطة أخرى في عنايتهم بالفعل الطلبي، وقد ذكره ابن حزم الأندلسي ضمن أضرب الكلام، والمثير للدهشة أن معيار المطابقة الذي أخذ به سيرل في تمييزه بين غرض فعل الاستفهام، وفعل الأمر، عُمل به عند السيوطي الذي يقرر أن الفرق بين الطلب في الاستفهام والطلب في الأمر والنهي والنداء واضح، فإنك في الاستفهام تطلب ما هو في الخارج ليحصل في ذهنك نقش له مطابق، وفيما سواه تنقش في ذهنك، ثم تطلب أن يحصل له في الخارج مطابق وعنايةً بمقاصد المتكلم، يمكن أن يشار إلى إمكانية تحول الاستفهام بالأداة "هل" إلى معنى التمني قصد الحصول على شيء مبتغى بعيد المطمع كقوله تعالى: فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا؛ (الأعراف: 53) إذ إن المستفهم عنه نبغي أن يكون ممكنا غير مجزوم بانتفائه، واستعملنا هل لإبراز التمنى في صورة الممكن إظهار شدة الرغبة فيه.
إن النظر إلى طبيعة العلاقة بين المتكلم والمخاطب، يحدد غرض الخطاب ودرجته، من حيث الإلزام أو التخيير أو الالتماس… . وأما الفعل الإخباري فيتمثل غرضه في نقل الأحداث المادية في الواقع وتصويرها، ويشترط فيها سلامة النية حتى يحقق الخبر مقصده الاجتماعي بشكل عام، وربما أمكننا أن نمثل لهذا النوع بالكتابات التاريخية والرسائل السياسية والديوانية، وأما الفعل الالتزامي ففيه يلتزم المخاطِب بفعل شيء تجاه المخاطَب طوعاً، وتمثله أفعال الوعد والوعيد والضمان والإنذار، وهي كثيرة في الخطاب القرآني والنبوي. ويبدو أن الفرق بينها وبين الطلبية، أنها متجهة نحو المتكلم بينما تتجه الثانية نحو المخاطب، كما يستعمل المتكلمون في مقامات خاصة الأفعال التعبيرية للتعبير عن الرضا، والغضب، والحزن، والنجاح، وهي أفعال كلامية غرضها التعبير عن المشاعر والأحاسيس، كقول القرآن على لسان زوجة عمران، وهي تتحسر لإنجابها أنثى، وكانت تتمنى أن يكون المولود ذكراً، يقول تعالى: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى، (آل عمران: 36) وقد يبادر إلى التعبير عن هذه الأحاسيس فيما يخص حالات غيره، كأن يغضب أحدنا لغضب صديقه أو يحزن لحزنه، إلخ. ويمكن التمثيل للتعبيريات في الكلام بأفعال الشكر، والاعتذار، والتهنئة، والمواساة، والندم، والحسرة، والشوق، والرضا، والغضب.
خاتمة:
لقد صدر التفكير البياني العربي في اللغة، والتفسير، وعلم القراءات، والحديث، والأصول، عن رؤية تداولية، تتعامل مع النص المعطى في ضوء القرائن السياقية والمقامية، غير حاصرة للمعنى في الدلالة الحرفية، من خلال التركيز على الأغراض والمقاصد الأساسية للكلام. وهذا يجعلنا نقرر أهمية ما توصل إليه الفكر العربي الأصيل في مجال تحليل اللغة الطبيعية، بالنظر إلى المكونات الثلاثة التي تحرص التداولية الحديثة على العناية بها، وهي: النحوي والدلالي والتداولي؛ فالتداولية بوصفها علما يدرس النصوص المنتجة في سياقات تواصلية معينة، تفتح المجال للباحث لكي يتفهم الدلالة العامة وتفرعاتها، في ضوء المتغيرات اللغوية وغير اللغوية، مع التركيز على العوامل التي تؤثر في الاختيارات اللغوية، وقياس أثر هذا الاختيار في المتلقين بالاستفادة من نتائج العلوم اللغوية، وربط ذلك بالسياق الاجتماعي، الذي يتطلب فهمه وكشف مقوماته الاندماج في فهم متطلبات الفلسفة التحليلية الحديثة، وعلم النفس المعرفي، وعلوم التواصل والسيمياء.وسيكون مفيداً جداً في نظرنا، ونحن نبحث في أسس فهم النص التراثي وتحليله، الانطلاق من نتائج هذه العلوم في ضوء مبدأ أسلمة المعارف، وترشيد مناهجها، بالاستفادة من تصورات القدماء، الذين صدروا عن منظومة من المفاهيم والتصورات الإسلامية، في تعاملهم مع القرآن الكريم، وما يرتبط به من أحاديث نبوية مفسرة وشارحة. وقد حاولنا في هذا البحث الكشف عن بعضها فيما أسسه اللغويون والمفسرون والأصوليون وعامة المجتهدين في الفكر الإسلامي؛ مما يمكن عده دعامة مهمة في مسيرة تطور الفكر اللغوي التداولي بعامة، وكيفية تحليله للنصوص المختلفة.
المصدر http://www.eiiit.org/eiiit/eiiit_art...?articleID=844
لتحميل أعداد ومقالات مجلة إسلامية المعرفة :
http://www.eiiit.org/eiiit/eiiit_art...?articleID=844
__________________
ليس في منهجنا ما نخجل منه، وما نضطر للدفاع عنه، وليس فيه ما نتدسس به للناس تدسساً، أو ما نتلعثم في الجهر به على حقيقته ،ونحن لا ندعو الناس إلى الإسلام الصحيح لننال منهم أجراً. ولا نريد علوّاً في الأرض ولا فساداً. ولا نريد شيئاً خاصاً لأنفسنا إطلاقاً، وحسابنا وأجرنا ليس على الناس. إنما نحن ندعو الناس إلى الإسلام الصحيح المصفى من كدر المذاهب والفرق والطوائف لأننا نحبهم ونريد لهم الخير، مهما آذونا..
** ما أكتبه هو أفكاري الشخصية ولست إلا مجرد رجل واحد من الآلاف هنا يكتب ما يعتقد أنه يرضى الله ولا يهمه رأى الناس فيه.
مدونتى http://abomohamad.wordpress.com
رد مع اقتباس
أبو محمد المصرى
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى أبو محمد المصرى
البحث عن جميع مشاركات أبو محمد المصرى
رد
والبيان عند الأصوليين -في الأصل- هو مادة الدليل الموصل إلى الحكم الشرعي، وقد نهجوا في تحديده منهجاً عقلياً دقيقاً، مستهدفين من وراء ذلك تحديد الدلالة النصية، ولعل اجتهادهم في تحديد أنواعه أبرز دليل على عنايتهم به، وسنكتفي بذكر هذه الأنواع التي تحيل إلى أغراض الخطاب، من حيث هو بنية لسانية مؤسسة على عرف لغوي خاص وقصدية معينة تحققها جملة من الأساليب الإنشائية الطلبية، كالأمر والنهي، وما يحيلان عليه من دلالات دون الإيغال في تحليلها، حتى لا نخرج عن الخط الذي رسمناه لأنفسنا بعدم إغفال النقطة الجوهرية في الموضوع، وهي التركيز على محل هذه الآراء في نظرية الأفعال الكلامية،كما ذكروا في هذا المقام أركاناً للبيان يقوم عليها، وهي المبيِّنُ (الله عز وجل) أو الرسول صلى الله عليه وسلم، والبيان، ويمثل الدليل الموصل إلى معرفة الحكم، أما اللفظ الذي تتضح دلالته بحيث يعرف المراد منه، فهو المُبيَّنُ، في حين يمثل المُبَيَّنُ إليه المتلقي أو المكلف بالأحكام الشرعية.
إن هذا التصور -كما هو واضح- يبين إدراكاً عميقاً لحقيقة العملية التبليغية من خلال نموذج متميز هو القرآن، ذلك أن كامل عناية الأصوليين كانت منصبة على إبراز خصوصيات الإعجاز النصي، وكيفية تلقي المكلفين للآيات القرآنية، بوصفها جملة من الأفعال القابلة للإنجاز والعمل، وهم بذلك يجيبون عن السؤال الذي أثار المحدثين حول كيفية تحويل القول اللساني إلى فعل منجز حقيقة.
وفي سياق تعاضد الخطابات، أو ما يمكن أن يعد نصوصاً موازية تسهم في التلقي المنتج، بوصفها سياقات معرفية ولغوية، يشير ابن حزم إلى ضرورة التوقف مع مصادر التشريع جملة واحدة، لفهم أغراض الخطاب الديني القرآني ومقاصده؛ فالقرآن مصدر المصادر كلها في نظرية الفقه والاستنباط، وما من أصل شرعي إلا كان اشتقاقه منه، وهو الذي ثبتت به الرسالة المحمدية، بوصفه المعجزة الإلهية المؤيدة للنبوة، كما أن الأصول الأخرى المدعِّمة للقرآن ترجع في طبيعتها إلى النص، ثم المعنى المأخوذ منه، يقول ابن حزم: "لا سبيل إلى معرفة شيء من أحكام الديانة أبداً، إلا من هذه الوجوه الأربعة (السُّنة، والإجماع، والدليل، والقرآن أولها)، وكلها راجعة إلى النص والنص معلوم وجوبه، ومفهوم معناه بالعقل على التدريج الذي ذكرنا."
وفي سياق التأكيد على ضرورة إدراك المقام لفهم خصوصيات المقال، نسوق النص التالي توضيحا لذلك، يقول ابن حزم: "… والبيان يختلف في الوضوح، فيكون بعضه جلياً، وبعضه خفياً، فيختلف الناس في فهمه، فيفهمه بعضهم، ويتأخر بعضهم عن فهمه كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا أن يؤتي الله رجلاً فهماً في دينه، وكما تعذر على عمر رضي الله عنه -وهو الغاية في العلم بنص النبي صّلى الله عليه وسلم على ذلك فيه- فَهْمُ آية الكلالة، فمات وهو يُقرّ أنه لم يفهمها، وفهمها غيره من الصحابة، وانتهره عليه السلام وأخبره أنها بينة، وكما عرض لِعَدِي في توهمه بأن الخيط الأبيض والأسود من خيوط الناس، حتى زاده الله بيانا في أن ذلك من الفجر، وقد اكتفى غير عَدِي بالآية نفسها، وعلم أن المراد الفجر، وكما توهم ابن أم مكتوم أنه ملوم في تأخره عن الغزو، فزاده الله بيانا باستثناء أولي الضرر، وقد اكتفى غير ابن مكتوم بسائر النصوص الواردة في رفع الحرج، وأن لا حرج على مريض، ولا أعمى، وأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها."
وخلاصة هذا الكلام، أنه يمكن استغلاق آي في فهمها على طالبها، وفي ذاتها بينة، فيدركها من دونه آخر فهماً وإدراكاً. فالنص الذي سقناه بحذافيره، يبين ضرورة العناية بالسياق العام للخطاب، وتتجلى عناية المقاربة الأصولية بقصد المخاطب في مباحث البيان، من خلال التمييز بين الاستثناء والتخصيص؛ فالاستثناء بيان وتخصيص في الآن معاً، ذلك أنه تكلم بالباقي بعد أداة الاستثناء، كما يتضمن في ذاته نفياً أو إثباتاً لما بعدها أو قبلها (الأداة)، أما إذا تكلم بالباقي بعد الاستثناء كما يقول علماء اللغة، فهو ليس من التخصيص؛ لأن التخصيص معناه أن يكون اللفظ في ذاته عاماً ثم يقترن بدليل مستقل يخصّصه، كما يعدّ التخصيص بياناً؛ لأن معناه يقتضي بيان العام الذي لا يراد به ما يدل عليه اللفظ، بل يراد به أول الأمر الخاص، فلا يكون التخصيص من هذا المنطلق، دخول الأفراد في مقتضى العموم، ثم خروجهم بالتخصيص، بل المقصود أن اللفظ العام أريد به بعض أفراده من أول الأمر.
أما الكناية بالإشارة، فإن الإشارة تعود على أبعد مذكور، إذا كانت ألفاظاً مخصوصة يحددها النحاة بذلك، وتلك، وهو، أولئك، وهم، وهي، وهما. أما إذا كانت بألفاظ كهذا وهذه، فإنها (الإشارة) راجعة إلى أقرب مذكور. وثمرة هذا الوصف النحوي هو تفسير لفظة القرء في الآية بالطهر، رغم التسليم بتوارد معنى آخر هو الحيض في اللغة على اللفظة، ويظهر في هذا السياق حديث الرسول صّلى الله عليه وسلّم لابن عمر رضي الله عنه لما طلق زوجته في الحيض: "مُرْه فليراجعها حتى تطهُرَ ثم تحيضُ ثم تطهُرَ، فتلك العدّةُ التي أمر الله تعالى أن تطلّقَ لها النساءُ،" فالإشارة بتلك تقتضي الدلالة على البعيد من حيث الذكر في الجملة. ويبدو أن إضافة اللام لاسم الإشارة له علاقة بدلالتي القرب والبعد على ما يقرره النحاة. وفي هذا السياق يمكن الاستئناس بحديث أَبي بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عن أَبي أُسَامَةَ عن عُبَيْد اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وهَكَذَا، ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلاثِينَ، فهذه الإشارات الحركية المصاحبة للكلام تجعل من القول فعلا.
ولعل أهم الموضوعات المتعلقة بكيفية استعمال اللغة وتداولها وفهمها، والتي عرض لها الغزالي في المباحث المتصلة بعلم الدلالة اللسانية مبحث السياق؛ إذ صار هذا المبحث مجالاً خصباً لعملية استنباط الأحكام، فيما يمكن الاصطلاح عليه اليوم بعلم النص القرآني، وهو قائم في نظره على فكرة مفادها أن فهم غير المنطوق به من المنطوق ذاته، دليل صريح على الاحتكام إلى سلطة النص من حيث هو بنية متعلقة بالسياق. وبناء على ذلك لا يمكن لاستكشاف البنى العميقة للنصوص، والتعرف على البنى الكبرى فيها، الاكتفاء بالدلالات المعجمية للألفاظ، بل لابد من محاولة الغوص في النص، في إطار ما تتيحه اللغة من إمكانات: أسلوبية، وبيانية، وتركيبية، وما يظهره النص ذاته من قرائن لفظية أو عقلية، بل وما يمارسه أفق انتظار المتلقي للخطاب، بالاعتماد على مرجعيات علوم السنة، وعلوم أسباب، النـزول وترتيب التلاوة، وسائر العلوم النقلية والعقلية.وليست القرائن في الحقيقة إلا مقاماً يدرس فيه النص، والذين غفلوا عن دراسته وقعوا في مزلات لعزلهم اللفظة عن التركيب، والتركيب عن النص، والنص عن سياقه وواقعه، فاتحين أبواب القول بالرأي والتأويل الخاطئ؛ مما أدى إلى ظهور الفرق الإسلامية.
وإن كان هذا العرض مقتضباً، فإنه يفتح للدارسين باب البحث في نظرية السياق عند الأصوليين، التي يمكن أن تستخرج أمثلتها من أبواب: الاستثناء، والشرط، والغموض، والوضوح، والحقيقة، والمجاز، والتخصيص، والأمر، والنهي، والمطلق، والمقيد، وآيات الأحكام، وسائر آليات العام والخاص، مما نحسبه دليلاً أكيداً على فائدة السياق اللغوي والحالي في تحديد الدلالة العامة للنصوص.ومن صور العناية بالسياق في تأويل النصوص الدينية، تمسك ابن حزم بما يسميه بـ: علم النفس وبديهيات العقول؛ إذ أنكر على أحمد بن حابط المعتزلي، الذي وسع دائرة الرسالة لتشمل سائر المخلوقات، مستشهداً بقوله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ، (الأنعام: 38) وقوله: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ، (فاطر:24) محتجاً بنعمة العقل التي منحها الإنسان، والمخصوص من جهة ثانية بمنحه النطق الذي هو سبيل التصرف في العلوم والصناعات. والله لا يخاطب بالشريعة إلا عاقلها، والعارف بمرادها ومن له قدرة على ذلك. ولا ريب في أن الحيوان يعدم هذه الخصائص، وبالتالي فهو غير معني بالشريعة والتكليف. في حين تضحى كلمة "أمة" لفظة دالة على أنواع الأمثال، لا غير. وفرق بين أمة النحل والطير والإنسان بمعنى النوع، أمم الناس بمعنى قبائلهم وطوائفهم وحاضرهم وغائبهم.
وفي رد ابن حزم على مزاعم ابن النغريلة اليهودي، دليل آخر على فهم المقام الذي يتنـزل فيه النص، فهذا المدعي رأى في قوله تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ (النساء: 78) تناقضاً لما ذكر في آخر هذه الآية في قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ. (النساء: 79) ويسعى ابن حزم إلى رد هذا الادعاء انطلاقاً من كون الآية مكتفية بظاهرها عن تكلف تأويل، مستغنية ببادئ ألفاظها. ونزول هذه الآية جاء رداً على من نسب لحاق السيئات به في الدنيا لمحمد صلى الله عليه وسلم، بأن الإنسان يجني ما كسبت يداه من تقصير أو أداء للواجبات، وكلٌ من عند الله جملة. فإذا نظر الإنسان إلى الآية الموجهة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذته الدهشة وطرح سؤالاً خلاصته، هل يمكن أن يظهر التقصير من النبي صلّى الله عليه وسلّم مع عصمته؟ والحقيقة أن المقصود هنا هو تأدية شكر الله وجميع حقوقه على عباده، وهذا لا يستوفيه نبي ولا ملك، وقد جاءت إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة لأصحابه في الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه؛ إذ قال الرسول صلى لله عليه وسلم: "ما منكم من أحد ينجيه عمله، فقال له رجل: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ولكن سددوا." والظاهر أن الجهل بهذه المعاني المقامية، هو الذي جعل اليهودي لا يفرق بين ما أخبر به تعالى من أن كل ما أصابنا به فهو من عند أنفسنا، قول الكفار الذين يتطيرون بالرسول صّلى الله عليه وسلم وصحبه.
وفي السياق ذاته، يرد عليه قوله في تناقض الآيتين اللتين يقول فيهما تعالى: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، (المرسلات: 35-36) وقوله: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا؛ (النحل: 111) إذ يبدو أنه يقف على خصوص قوله تعالى في سورة المرسلات. فالمنع من النطق، إنما هو في بعض مواقف يوم القيامة، أما الجدال فله مواضعه أيضا. يقول ابن حزم، موضحاً في إطار السياق اللغوي المعنى المقصود الذي توضحه الآيات التي يؤخذ بعضها برقاب بعض "إذ يقول تعالى: انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ* انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ* لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ* إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ* هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، (المرسلات: 29-36) أي ولا يؤذن لهم فيه بعذر، وهكذا نصُّ الآيات متتابعات لا فصل بينها، فيصح أن اليوم الذي لا ينطقون فيه بعذر إنما هو يوم إدخالهم النار، وهو أول اليوم التالي ليوم القيامة الذي هو يوم الحساب، وهو أيضا يوم جدال كل نفس عن نفسها. إن هذه النصوص تسمح بأن تكون أداة تأكيد على وظيفة القرائن الحالية، التي عبر عنها ابن حزم بعلم النفس وبديهيات العقل في تخصيص الدلالة العامة، وتحديد معاني الوحدات الكلامية المنتجة نصوصاً، فقوله تعالى: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ (آل عمران: 173) لا يمكن أن يحمل على معناه الحرفي؛ إذ حال المخاطبين لا تحتمل أن يجمع لهم كل الناس على سبيل الحقيقة، إنما بعضهم، والدليل على ذلك القرينة العقلية.
ويمكن حصر القرائن الحالية في القرينة العقلية (بديهيات العقل)، ووظيفتها منع حمل دلالة الجملة على المعنى الحرفي كقوله تعالى: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا؛ (يوسف:82) إذ المقصود مساءلة سكان القرية، أما قرينة الحس فالمقصود بها ما يشبه الواقع أو ينفيه مما يذكره النص أو ينفيه، ووظيفة هذه القرينة تصديقية برهانية، ومثال ذلك قوله تعالى: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، (النمل: 23) فقد علم بالحس أنها لم تؤت ما أوتي سليمان، وتظل فكرة القرائن بعد ذلك أساساً مهماً في التحليل النصي عند ابن حزم. ويمكن القول بأن آراءه في سياق النظرية الظاهرية، قد تصلح حجر أساس في بناء نظرية سياقية كاملة، لها تقنينها وتمثلاتها التطبيقية. ولعل مباحث العموم والخصوص عنده، وتكامل النصوص، ومراتب الدلالة التركيبية، من حيث الوضوح والغموض، صورٌ لهذا الجانب. ولنا أن نتوقف مع مفهوم مميز ظهر عند الأصوليين هو مفهوم الاقتضاء، والمقصود به دلالة اللفظ على المسكوت عنه؛ إذ يتوقف صدق الكلام عليه، أو يمتنع وجود صدق الكلام عليه، أو يستحيل فهمه إلا به، ويعد هذا المفهوم من أهم مفاهيم التداولية المعاصرة، التي ترى فيه تعبيراً عن قدرة المتكلم على أن يفهم أكثر مما يعلن عنه بالمعنى الحقيقي للألفاظ المستعملة، ويفسر كثيراً من النصوص التي تبدو في غاية التفاوت والتباعد. وبما أن الأصوليين عنوا بدراسة اللغة في سياقها التواصلي، فقد أفادوا من مجمل التصورات اللسانية والبيانية التي صاغها النحاة وعلماء البيان والمعاني، وفي ميدان الخبر والإنشاء تحديداً تجلت قدراتهم التحليلية المتميزة في الربط بين المقال، ومكوناته بالمقام التخاطبي، في ضوء مسألتين مركزيتين في التفكير الأصولي لا تكاد تحيد عنها كتاباتهم التأسيسية للعلم؛ وتتعلق أولاهما بمباحث الدلالة اللفظية، وقضايا الدليل والاستدلال؛ إذ جاءت رؤيتهم للعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمفسر، والنص والظاهر، ولحن الخطاب ومفهوم المخالفة، أكثر ثراء وغنى من طرح سائر اللغويين لها، وأما ثانيهما فجملة من المسائل النحوية المتصلة بالدلالة التركيبية، وما يمكن عده نحواً للمعاني. لقد أثمر التصور التداولي عند الأصوليين نظرية متكاملة في الخبر والإنشاء، تتجاوز في كثير من طروحاتها التحديد المنطقي لنظرية أفعال الكلام الغربية المعاصرة، بعد تجاوز التصورات الشكلية في عمومها التي قدمتها نظرية النحو العربي التراثية، فالمعنى -بحسب الأصوليين- متعدد بتعدد السياقات، وطرق الإنجاز، وأشكال الصياغة، وكيفية التقبل عند السامع الذي يكون منه إدراك المقاصد والغايات التي قد يظهرها الخطاب بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولنا أن نتوقّف -مثلا- عند رؤيتهم للخبر في بعده السياقي؛ إذ يتحول من الدلالة التقريرية الوصفية، التي هي أصل له من الناحية الوضعية، إلى فعل كلامي مضبوط بالسياق، يقول الإمام شهاب الدين القرافي: "الشهادة خبر، والرواية خبر، والدعوى خبر، والإقرار خبر، والمقدمة خبر، والنتيجة خبر... فما الفرق بين هذه الأخبار؟" ونود التنبيه في هذا السياق إلى أن الرواية فيما قرره القرافي متصلة بعموم المخبَر عنه، بينما تكون الشهادة في الخاص منه، ومن جهة السياق الاجتماعي يمكن ربط الرواية بالمقام غير الرسمي، في حين تناط الشهادة بالمقام الخاص المتمثل في القضاء، وشهادة الشهود التي يشترط لها شروط صحة هي: الحرية والذكورة والعدد، لافتاً إلى إمكان التأليف بين فعلي الرواية والشهادة في فعل كلامي مركب، يمثل له برؤية الهلال في رمضان، فهو شهادة ورواية في الآن نفسه في سياق الفعل الإخباري الكلي، ويوجّه القرافي في فعل الشهادة إلى إمكان تحوله إلى فعل إنشائي صريح على صيغة: أشهد أن كذا وكذا قد حصل، وهذا بخلاف البيع فإن القائل إذا قال: أبيعك، لم يكن إنشاءً للبيع بل إخباراً به، أو وعداً به في المستقبل، ولو قال: بعتك كان بيعا محققا، فالإنشاء في الشهادة بصيغة المضارع، وفي العقود بالماضي، مما يعني ضرورة إدراج فعل الشهادة تحت صنف الفعل الإيقاعي. كما يجنح الآمدي في إحكامه إلى معياري: الواقع والقصدية، اللذين استندت إليهما اللسانيات التداولية في تمييز الفعل الوصفي والفعل غير الوصفي، لكي ينضبط الخبر من حيث الأنواع التي يمكن إجمالهما في الخبر الصادق المطابق للواقع وضده الكذب، وما يعلم صدقه أو كذبه، وما لا يعلم صدقه وكذبه، وخبرا التواتر والآحاد. ولعل من صور الاحتفاء بقوة الفعل في الإنجاز اللغوي، تركيزهم على عدم الأخذ بالشاذ والنادر من أقوال العرب في الاستدلال الشرعي، ويظهر ذلك جلياً في الرد على من قرر اختصاص "من" الشرطية بالذكر دون الأنثى، متمسكاً بذلك في عدم قتل المرتدة في حديث: "من بدل دينه فاقتلوه." وفي هذا السياق احتج الطرف الأول بقول ضعيف حكاه سيبويه من تقسيم العرب لـ (من) بحسب المذكر والمؤنث، فإنهم قالوا في المذكر: من ومنان ومنون، وفي المؤنث: منة ومنتان ومنات، وذهب سيبويه إلى أنه بعيد لا تتكلم به العرب، ولا يستعمله إلا نفر قليل منهم، بينما ذهب جمهور الأصوليين إلى نقد هذا الموقف، لشذوذه، وعدم اطراد استعمال صورته في التداول اليومي للغة العربية.كما لفتوا الأنظار أيضا إلى البعد التداولي للإنشاء في ضوء محاولتهم التأسيس لقواعد فهم النصوص، واستنباط الأحكام منها؛ ففي مبحثي الأمر والنهي على سبيل المثال تم تمييزهم للأفعال الإنجازية الطلبية، من منطلق كون الأمر في العموم استدعاء للفعل بالقول ممن هو دون الآمر، ويكون النهي بخلافه استدعاء بالقول ممن هو دون الناهي على سبيل الوجود، وفي ساق ذلك فرقوا بين أفعال الإذن والإباحة والمنع، مما يعني وجود التفريق بين الأوامر المتفاوتة في درجة الأمر، فالضرورات أكثر تأكيداً من الحاجيات، وهذه أكثر تأكيدا من التحسينات، وهو تصور قريب لمبدأ قوة الفعل في نظرية سيريل للأفعال الكلامية، وفي سياق عرض الأفعال الكلامية بين المباشرة وعدمها، يميز الشاطبي بين الأمر الصريح وغير الصريح، فالصريح نوعان: أولهما مجرد من العلة مثل قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، (البقرة: 43) وثانيها مؤسس على العلة والقصدية بالاستقراء، مثل قوله تعالى: فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ. (الجمعة: 9) فالمقصود إقامة الجمعة لا الأمر بالسعي لها فحسب.
وأما الأمر غير الصريح، فعلى وجوه كثيرة لعل أهمها: الإخبار عن تقرير الحكم، وما جاء مدحاً له ولفاعله، وما يتوقف عليه المطلوب. وفي سياق النهي حدد الأصوليون مفهومه انطلاقا من مبدأ المنع الذي صاغه الفارابي في كتابه الحروف، ثم ميزوا بين أفعاله الجزئية بناء على القوة الإنجازية؛ فهناك فعل التحريم، وفعل الكراهة، وفعل التنـزيه، والفيصل بينها مرتهن بالفعل الغرضي المتضمن في القول لا الصفة فحسب. ولعل عناية الأصوليين بصيغة التعجب من حيث هي قول دال على فعل انفعالي، انسجامٌ مع مجمل تصور الفعل التعبيري، بل إنهم أضافوا إلى التعجب فعلاً كلامياً مرتبطاً بالمخاطب هو التعجب، وهو يعني حمل المخاطب على فعل التعجب، وبالنسبة إلى الاستفهام الذي يعرّفه الأصوليون تحت مصطلح الاستخبار، فهو إما أن يكون استفهاما خبريا إنكاريا يكون فيه ما بعد الأداة منفياً، وهذا النوع منه الإبطالي الذي يكون فيه ما بعد أداة الاستفهام غير واقع، والحقيقي الذي يكون ما بعد الأداة فيه واقعاً، وفاعله معلوم، فمن الأول قوله تعالىأَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أوْ تهَدْيِ العُمْي، (الزخرف: 43) ومن الثاني أتَعْبُدونَ مَا تَنْحِتُونَ، (الصافات: 95) وأضاف الزركشي الاستفهام التقريري الذي يحمل فيه المخاطَب على الاعتراف بأمر قد استقر عند المخاطِب، من مثل قوله تعالى أَأَنْتَ فَعَلْت َهَذَا بِآلهِتَنِاَ يَا إِبْرَاهِيمُ. (الأنبياء:62) وأما الإنشائي فمنه: التحذير، والطلب، والنهي، والتمني، والتنبيه، والدعاء.
ومن الموضوعات التي قلّ الاهتمام بها في دراسات النحاة واللغويين، وعني بها النظر الأصولي، ألفاظُ العقود والعهود، التي تشكل فعلاً مهماً في تصنيف المحدثين، وهو الفعل الإيقاعي الذي يخضع لشروط توفيقية هي القصد ومبدأ التصريح، الذي يوافق الفعل المباشر عند أوستن، فلو أخذنا -مثلا- فعل الطلاق فإنه سينجز بأفعال الكلامية التالية؛ إذ بعضها مباشر والآخر غير مباشر، فيقال: أنت طالق، حبلك على غاربك، الحقي ببيت أهلك، اعتدّي، استبرئي، تقنعي اتساقا مع الفكرة التي قررها الغزالي، التي تعلي من شأن الاحتفاء بالمقاصد والغايات دون الألفاظ والمباني، يقول الغزالي فيما نقله جمال الدين الأسنوي عنه: "إذا قال الولي: زوجت لك أو زوجت إليك صحَّ؛ لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى، والغرض يتنـزل منـزلة الخطأ في الإعراب بالتذكير والتأنيث." ومن المباحث المتصلة بتداول المعاني، وتعدد الأغراض، ما عالجه الأصوليون تحت مبحث القرائن، وأثرها في توجيه دلالات الحروف، والأسماء المشتركة، والمترادفة، والمتضادة، ومن خلال النظر فيما كتب في مباحث الحروف -مثلا- يتبين أنهم يتفقون على أن كثيراً منها يأتي لعدة معان غير المعاني الأصلية لها، ومجيئها لتلك المعاني المختلفة مرهون بوجود القرائن الدالة عليها، كما أن منها ما يكون مشتركاً بين معاني مختلفة، فيكون محتاجاً إلى قرينة تبين المعنى المراد.
ثالثاً: الأفعال الكلامية عند الأصوليين
تتجلى ملامح نظرية الأفعال الكلامية عند الأصوليين، من خلال تتبع جهودهم التي سلكت مسارين متكاملين، يخدمان الخطاب القرآني في تمظهره البياني، من خلال نظرية الإعجاز. ويعبّر هذان المساران عن ترابط البنية الشكلية بالاستعمال والتداول، أو بعبارة أخرى تعالق البنية المقالية بالبنية المقامية، ولعل الباب الواسع لولوج نظرية الفعل الكلامي في صورتها العامة، والتأسيس لنموذج عربي طموح لها، هو باب الأساليب الإنشائية في علم المعاني، الذي لاقى عناية بالغة في كتابات علماء النقل والعقل في المعرفة الإسلامية، وتتأسس نظرية الفعل الكلامي على قاعدتين هما: العرف اللغوي، والقصد؛ فالعرف ثلاثة أشكال: فهو إما أن يكون وضعاً لغوياً أو شرعياً أو اجتماعياً، وأما القصد فيحدد هدف النص وغايته، وتحقيقاً لذلك يطمح المخاطب إلى أن يكون كلامه مفهوماً ودالاً دلالة يحسن السكوت عليها، مراعياً في ذلك تفاوت درجات المخاطبين في الفهم. وبالرغم من توحد المعرفة العرفية بالأوضاع اللسانية، فإن على المخاطب أن يهتم بأنواع القرائن اللسانية والمقامية، ليجلي ما غمض من دلالات مقصودة. وربما هذا ما يُفهم من نص ابن القيم حين حذر من إهمال قصد الخطاب، فهو يقول: "فإياك أن تهمل قصد المتكلم ونيته وعرفه، فتجني عليه وعلى الشريعة." ونستنجد في سياق تعريف الفعل الإيقاعي بالتصور الأصولي، الذي يقرر وجود أقوال تُوقِع أفعالاً في الوجود، مثل أقوال البيع، والشراء، والهبة، والوصية... والتنازع، والزواج، والدعوى، وسائر أنواع العقود التي يتحول القول فيها بمجرد التلفظ به إلى فعل ملزم واقع.ويقوم الفعل الإيقاعي في التصور الأصولي على عدد من القواعد منها: وضوح الدلالة اللسانية، وعرفية المواضعة اللغوية، وعلم المتكلم والمستمع بفحوى الخطاب، والوقوع الكلي للفعل، والدلالة الحاضرة أو المستقبلة لزمن الفعل: لفظاً ومعنى، أو معنى فقط، وإخلاص القصد والنية.والإنشاء الطلبي يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب؛ إذ يتأخر وجود معناه عن وجود لفظه، ويوافق هذا النوع ما اصطلح عليه حديثا بالإعلانيات. كما أبان الدرس الأصولي عن ماهية الفعل الطلبي، عبر تحليل مبحث الأمر تحليلاً دقيقاً يكشف عن عبقرية هذه النخبة في دراسة المعنى وتحليل الخطاب، ذلك أن هذا المبحث -بالذات- يعد جوهر القضية الاجتهادية في تفسير النصوص، ومن بين المسائل المهمة عندهم البحث في صفة الأمر، ودلالاته في المواضعة والاستعمال، وعطف الأوامر وتكرارها، وإمكان تراخيها في الزمان والمكان، وهذا ما يعكس غرضها الإنجازي بالدرجة الأولى، كما شكل الاستفهام محطة أخرى في عنايتهم بالفعل الطلبي، وقد ذكره ابن حزم الأندلسي ضمن أضرب الكلام، والمثير للدهشة أن معيار المطابقة الذي أخذ به سيرل في تمييزه بين غرض فعل الاستفهام، وفعل الأمر، عُمل به عند السيوطي الذي يقرر أن الفرق بين الطلب في الاستفهام والطلب في الأمر والنهي والنداء واضح، فإنك في الاستفهام تطلب ما هو في الخارج ليحصل في ذهنك نقش له مطابق، وفيما سواه تنقش في ذهنك، ثم تطلب أن يحصل له في الخارج مطابق وعنايةً بمقاصد المتكلم، يمكن أن يشار إلى إمكانية تحول الاستفهام بالأداة "هل" إلى معنى التمني قصد الحصول على شيء مبتغى بعيد المطمع كقوله تعالى: فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا؛ (الأعراف: 53) إذ إن المستفهم عنه نبغي أن يكون ممكنا غير مجزوم بانتفائه، واستعملنا هل لإبراز التمنى في صورة الممكن إظهار شدة الرغبة فيه.
إن النظر إلى طبيعة العلاقة بين المتكلم والمخاطب، يحدد غرض الخطاب ودرجته، من حيث الإلزام أو التخيير أو الالتماس… . وأما الفعل الإخباري فيتمثل غرضه في نقل الأحداث المادية في الواقع وتصويرها، ويشترط فيها سلامة النية حتى يحقق الخبر مقصده الاجتماعي بشكل عام، وربما أمكننا أن نمثل لهذا النوع بالكتابات التاريخية والرسائل السياسية والديوانية، وأما الفعل الالتزامي ففيه يلتزم المخاطِب بفعل شيء تجاه المخاطَب طوعاً، وتمثله أفعال الوعد والوعيد والضمان والإنذار، وهي كثيرة في الخطاب القرآني والنبوي. ويبدو أن الفرق بينها وبين الطلبية، أنها متجهة نحو المتكلم بينما تتجه الثانية نحو المخاطب، كما يستعمل المتكلمون في مقامات خاصة الأفعال التعبيرية للتعبير عن الرضا، والغضب، والحزن، والنجاح، وهي أفعال كلامية غرضها التعبير عن المشاعر والأحاسيس، كقول القرآن على لسان زوجة عمران، وهي تتحسر لإنجابها أنثى، وكانت تتمنى أن يكون المولود ذكراً، يقول تعالى: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى، (آل عمران: 36) وقد يبادر إلى التعبير عن هذه الأحاسيس فيما يخص حالات غيره، كأن يغضب أحدنا لغضب صديقه أو يحزن لحزنه، إلخ. ويمكن التمثيل للتعبيريات في الكلام بأفعال الشكر، والاعتذار، والتهنئة، والمواساة، والندم، والحسرة، والشوق، والرضا، والغضب.
خاتمة:
لقد صدر التفكير البياني العربي في اللغة، والتفسير، وعلم القراءات، والحديث، والأصول، عن رؤية تداولية، تتعامل مع النص المعطى في ضوء القرائن السياقية والمقامية، غير حاصرة للمعنى في الدلالة الحرفية، من خلال التركيز على الأغراض والمقاصد الأساسية للكلام. وهذا يجعلنا نقرر أهمية ما توصل إليه الفكر العربي الأصيل في مجال تحليل اللغة الطبيعية، بالنظر إلى المكونات الثلاثة التي تحرص التداولية الحديثة على العناية بها، وهي: النحوي والدلالي والتداولي؛ فالتداولية بوصفها علما يدرس النصوص المنتجة في سياقات تواصلية معينة، تفتح المجال للباحث لكي يتفهم الدلالة العامة وتفرعاتها، في ضوء المتغيرات اللغوية وغير اللغوية، مع التركيز على العوامل التي تؤثر في الاختيارات اللغوية، وقياس أثر هذا الاختيار في المتلقين بالاستفادة من نتائج العلوم اللغوية، وربط ذلك بالسياق الاجتماعي، الذي يتطلب فهمه وكشف مقوماته الاندماج في فهم متطلبات الفلسفة التحليلية الحديثة، وعلم النفس المعرفي، وعلوم التواصل والسيمياء.وسيكون مفيداً جداً في نظرنا، ونحن نبحث في أسس فهم النص التراثي وتحليله، الانطلاق من نتائج هذه العلوم في ضوء مبدأ أسلمة المعارف، وترشيد مناهجها، بالاستفادة من تصورات القدماء، الذين صدروا عن منظومة من المفاهيم والتصورات الإسلامية، في تعاملهم مع القرآن الكريم، وما يرتبط به من أحاديث نبوية مفسرة وشارحة. وقد حاولنا في هذا البحث الكشف عن بعضها فيما أسسه اللغويون والمفسرون والأصوليون وعامة المجتهدين في الفكر الإسلامي؛ مما يمكن عده دعامة مهمة في مسيرة تطور الفكر اللغوي التداولي بعامة، وكيفية تحليله للنصوص المختلفة.
المصدر http://www.eiiit.org/eiiit/eiiit_art...?articleID=844
لتحميل أعداد ومقالات مجلة إسلامية المعرفة :
http://www.eiiit.org/eiiit/eiiit_art...?articleID=844
__________________
ليس في منهجنا ما نخجل منه، وما نضطر للدفاع عنه، وليس فيه ما نتدسس به للناس تدسساً، أو ما نتلعثم في الجهر به على حقيقته ،ونحن لا ندعو الناس إلى الإسلام الصحيح لننال منهم أجراً. ولا نريد علوّاً في الأرض ولا فساداً. ولا نريد شيئاً خاصاً لأنفسنا إطلاقاً، وحسابنا وأجرنا ليس على الناس. إنما نحن ندعو الناس إلى الإسلام الصحيح المصفى من كدر المذاهب والفرق والطوائف لأننا نحبهم ونريد لهم الخير، مهما آذونا..
** ما أكتبه هو أفكاري الشخصية ولست إلا مجرد رجل واحد من الآلاف هنا يكتب ما يعتقد أنه يرضى الله ولا يهمه رأى الناس فيه.
مدونتى http://abomohamad.wordpress.com
رد مع اقتباس
أبو محمد المصرى
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى أبو محمد المصرى
البحث عن جميع مشاركات أبو محمد المصرى
رد