سعيد يقطين
نظريات السرد وموضوعها
(في المصطلح السردي)
إن أي تأخير في التوقف الآن لقراءة ما تراكم ومناقشة ما أنجز من دراساتوترجمات عربية في نطاق السرد، لا يمكنه إلا أن يضع المزيد من العراقيل،ويخلق المزيد من المشوشات التي تساهم في تعطيل نمو الفكر العلمي والنقديفي الثقافة العربية الحديثة. كما أن عدم الإقدام على ممارسة النقاش بصددما أنجز لا يمكنه إلا أن يصب في مسار التسيب المهيمن، والفوضى السائدة.
إننا ما دمنا لا ننتج هذه المفاهيم والمصطلحات فإنه لا يمكن إلا أن نختلففي فهمها، ونقلها إلى لغتنا العربية. والنقل إلى لغة أخرى لا يمكن أنيتأتى بالسهولة التي يتصورها البعض : شرابا سائغا للشاربين! الذهاب إلىالعين مهم، لكن للوصول إلى الرأس. وما أصعب الدخول إلى الرأس لمعاينة كيفيشتغل. إنه بدون فهم طريقة اشتغال المفهوم، وبدون تحديد خلفيته، ومقاصده،لا يمكننا أن نستوعبه. وبدون الاستيعاب الجيد، لايمكن النجاح في الاقتراحالمناسب.
تتصل هذه القاعدة بالمصطلح الأصلي في اللغة الأجنبية. ولا بد من قاعدةموازية ترتبط هذه المرة بـ >المصطلح< المقابل الذي نود>اقتراحه< من داخل اللغة العربية، بعد تمثل القاعدة الأولى ووضعهافي الاعتبار : فهم المدلول الخاص بالمصطلح فهما دقيقا.
تقدم اللغة إمكانات مهمة في الاستعمال، وعلينا انتقاء الأنسب، والأقرب،والأجمل من المفردات التي نعتزم اقتراحها. وعلينا أن نحسن اقتراح كلمةمعينة من وسط شبكة من الكلمات المتقاربة، وفي تقديرنا الضمني أن بعضا منهاقابل للاستثمار للدلالة على مصطلح قريب. وبمراعاة هذا التوزيع يمكننا فيحال انتقاء بعضها أن نحمل مجاورتها دلالة قريبة، ولكنها تكون أخص، وأعم،أو ما شاكل هذا من العلاقات التي تنظم الوحدات المعجمية المشتركة(عام-خاص/ كل-جزء/ تراتب-تدرج ...) بذلك، وتبعا للاقتضاء والاستعمال،يمكننا تقديم >المصطلح< المقابل، والقابل للتميز عن المصطلحاتالقريبة منه، بمقوم ذاتي أو أكثر.
منذ اجتهادات الشكلانيين الروس النظرية، ودعوتهم إلى ضرورة ميلاد علم جديديعنى بـ >أدبية< الأدب، أسموه >البويطيقا<، الجديدة، وأعمالفلاديمير بروب حول الحكاية العجيبة، وصولا إلى السرديات (كما اقترحهاتودوروف)، وسيميوطيقا >السرد< ونظريات لسانيات النص، وتحليل الخطاب،مرورا باجتهادات الانثروبولوجيين (ستروس)، وعلماء الأديان (م. إلياد)،وعلماء الأساطير (كايوا-دوميزيل...)، نجد الاشتغال بـ>السرد< يحظىبمكانة متميزة، سواء تجلى من خلال الخطاب اليومي، أو الصحفي، أو التاريخيأو الأسطوري، أو الأدبي، وسواء ظهر من خلال المستوى اللفظي أو الصوري أوالحركي... تعددت المقاربات، واختلفت باختلاف المدارس والاختصاصات.
ولعل أهم الإنجازات في هذا النطاق يبرز في ما يمكن اختزاله بكلمة في ظهورعلوم عديدة تعنى بـ>السرد< أي أننا صرنا منذ أواسط هذا القرن أمامعلوم سردية خاصة لها مناهجها، وقضاياها الخاصة >بالسرد< الحديث(الرواية، القصة...) أوالقديم (الحكايات العجيبة، الأساطير، الأشكالالبسيطة ...)
تبلورت هذه العلوم مجتمعة في الحقبة البنيوية (منذ أواسط الستينيات وأوائلالسبعينيات). لكن للأسف الشديد، هو أننا بانتباهنا في أواسط السبعينياتوأوائل الثمانينيات إلى >النقد الجديد< لم يثر اهتمامنا إلا الطابع>البنيوي< العام والمشترك الذي وسم هذه المرحلة، لكننا لم ننتبه إلىالطوابع العلمية المختلفة بين كل الاجتهادات، وما يتميز به بعضها عن بعضهاالآخر، وهذا ما جعل التمييز لدينا يصبح بين نقد بنيوي وآخر إيديولوجي. ولميكن يدوربالخلد التساؤل عن معنى بنيوي وفي أي اتجاه؟!...
هذا الموضوع في نقله إلى اللغة العربية أخذ ترجمات غير دقيقة تنم عن سوءالاستيعاب والفهم. فهو مرة يستعمل بمعنى >السردية<، ومرة بمعنى>الشعرية < على ما بينهما من اختلاف. كما أن >السردية< كانتتستعمل مرة للدلالة على العلم Narratologie، ومرة على الخاصية التي يتميزبها العمل السردي Narrativité ويعود هذا الفهم أو ذاك إلى طبيعة استيعابمفهوم >العلم< و>موضوعه< وما يتصل بهما. وفي كل الحالات كانهناك اضطراب وخلط، لا يرتبط فقط بـ >الترجمة< ولكن بفهم النظريات،بسبب الاختزال والتسرع. ودون الدخول في سجال مع الترجمات والاستعمالات،نرى ضرورة تحديد >الموضوع< الذي جعلته مختلف العلوم مدار اهتمامها،لتتاح لنا إمكانية تدقيقه، بتدقيق المفهوم الذي يطابقه في هذا الاستعمالأو ذاك، وذلك بقصد توضيح مدلولات الدوال وتدقيقها على النحو الأمثلوالأنسب.
هذان العلمان يحددان معا موضوع اشتغالهما من خلال مصطلح واحد Narrativité،وعلينا أن نوضح أن كلا منهما يستعمله بمعنى مخالف للآخر، وهذا الاختلافعندما لا نفهمه حق الفهم، لا يمكن لاستعمالاتنا للأشياء، في لغتنا، إلا أنتظل مضطربة ومشوهة وغير دقيقة. وأي اضطراب أو تشويه أو انحراف لا يمكنهإلا أن يسهم في تعطيل تحقيق المعرفة العلمية أو تطويرها بالصورة التي تقدمدراستنا وتحليلاتنا.
أبدأ أولا بسيميوطيقا >السرد< وبعد ذلك بالسرديات، وبعد التوضيحأقدم الاقتراحات المناسبة للعلم وموضوعه بحسب ما يقتضيه كل علم وما يتميزبه عن غيره.
يبرز ذلك في تأكيد شميدت على أن المهمة الأساسية للسرديات (وهو يقصد علمالسرد سيميوطيقا) هو تحليل المحتوى بصفة عامة (1) كما أن غريماس في مختلفأعماله يشدد على البعد نفسه، وذلك بناء على أن المحتوى هو الذي تشتركبواسطته مختلف الخطابات التي تقوم على الحكي. والهدف من التحليلالسيميوطيقي هو الإمساك بالمعنى أو الدلالة بغض النظر عن مختلف التجليات(التعبير) التي يتخذها (2). ولقد مكن الاهتمام بالمحتوى السيميوطيقيين منالوصول إلى نماذج خاصة في التحليل. ويبدو لنا الاهتمام بالمحتوى جليا منخلال تعريف جماعة أنتروفيرن لـ Narrativité : >إنها مظهر تتابع الحالاتوالتحولات المسجل في الخطاب، والضامن لإنتاج المعنى< (3) ويسير كورتيسفي الاتجاه نفسه بذهابه إلى أن الحكي يرتبط ارتباطا وثيقا بNarrativité،لأن ما يحددهما هو كون الحكي >يتعلق بالانتقال من حالة إلى حالةأخرى<(4)، وبواسطة هذا الانتقال يحدث التحول من حالة أو وضع إلى آخر عنطريق التتابع.
نلاحظ بجلاء من خلال هذه التحديدات أن الأمر يتعلق بـ ''المحتوى'' أو''المادة الحكائية''، أو ''الفابولا'' والمحتوى تبعا لذلك أعم وأشمل من>التعبير<، لأن وجوده هو الذي يحدد جنس الخطاب، لذلك فهو الثابتوالمشترك بين مختلف الأشكال أوالأنواع الذي تتضمنه. وهو الذي يمكن أن نجدهفي العمل الأدبي وغيره، وفي سائر الفنون، وكل أجناس الكلام. إنه بكلمةأخرى >المدلول< الذي تختلف دواله في تقديمه.
- المحتوى ثابت وعام. نضع مقابلا له مفهوم >الحكي< ذلك لأن الحكيعام، وهو الذي يمكن أن نجده من خلال اللغة والصورة والحركة والإيقاع...أما السرد فهو أخص منه لأنه يتصل فقط باللغة. وبهذا التحديد يصبح>الحكي< مقابل (récit) باعتباره يتصل بالمحتوى، ويغدو >السرد<مقابلا لـ (narration) لكونه يرتبط بالتعبير. إن الحكي شديد الصلة بـ ''الخبر''، لذلك نجده يتضمن مايوحي إليه المحتوى من خلال حضور >المادةالحكائية<، أو القابلة أن تحكى. أما السرد فيتعلق بطريقة تقديم الحكي.وفي مختلف دلالاته في العربية يعني >النظم< أو >التركيب< أو>النسق< القائم على الترتيب ...ويمكن أن نلمس الفرق من خلال قولنا :- فلان يحكي، وفلان يسرد. إذ يوحي التعبير الأول إلى >نوع< الخطاب(الحكاية)، في حين يومئ الثاني إلى الطريقة . هذا التمييز يمكن أن يجسدلنا بعض الفروقات البسيطة بينهما (الحكي- السرد)، وإلا فإن التداخل بينهماوارد، والتفريق بينهما صعب للغاية. هذا الوضع لا يعرفه الاستعمال العربيفقط، فالاستعمالات الغربية بدورها لمختلف هذا النوع من المفاهيم لا تخلومن التباس، وإبهام.
إن السيميوطيقيين وبعض الفلاسفة (بول ريكور) حاولوا حصرالموضوع فيالمحتوى. وفي هذا النطاق تقول آن هينو : >يمكن أن نتحدث عنNarrativité، عندما يصنف نص ما من جهة أولى، حالة بداية، على صورة علاقةامتلاك أو فقدان لموضوع ذي قيمة، ومن جهة ثانية، فعلا أو متوالية منالأفعال التي تنتج حالة جديدة، مخالفة لحالة البداية< (5)، وهو نفسالتحديد الذي تقدمه في كتابها اللاحق الذي يحمل عنوان، >السرديات،والسيميوطيقا العامة<(6)، هذا التحديد يبدو لنا بوضوح من خلال اعتباربول ريكور >السرديات< : >حقا عاما يُضمن لكل من الحكي التاريخي،والحكي التخييلي<(7)، وأن كل التاريخيات (Histographie)، إذا كانت تهتمبالأفعال فهي أيضا سرديات<(.
إننا هنا أمام اختلاف بشأن الاختصاص >السرديات< وموضوعه (الحكائيةأم السردية) وهذا ما جعل جيرار-دينس فارسي، يرى بأن >لا إجماع حول أيمنهما< (9) وإذا كان السيميوطيقيون يتخلون أحيانا عن استعمال>السرديات< فإنهم يتشبثون بمصطلح Narrativité، ويحدده غريماس سواءفي مختلف أعماله، أو في المعجم (10) بقوله : >إن نظرية الحكي تسعى إلىالاهتمام بالشكل السميوطيقي للمحتوى<(11)، وهي من هذه الناحية لا علاقةلها بالأدبية(12). إنها كما يلاحظ بول ريكور مقابل : Muthos عند أرسطو،وهو تحريك الأحداث(13).
إن السيميوطيقيين، وهم يشددون على المحتوى يريدون الإمساك بالعنصر الثابتفي أي عمل حكائي لأنهم يعنون بشكل خاص بـ ''المعنى'' أو "الدلالة'' ولايمكن بروز هذا العنصر الثابت إلا من خلال >المحتوى<، لأنه أساسالحكي.
هذا العنصر الجمالي هو الذي يصل Narrativité لدى السرديين بالأدبية،ويجعلها مختلفة عن نظيرتها لدى السيميوطيقيين. يقول جيرارجنيت موضحا :> إن الخاصية الأساسية للسردي (السردية) توجد في الصيغة، وليس فيالمحتوى، إذ لا وجود للمحتويات الحكائية. هناك تسلسل أفعال أو أحداث،قابلة لأن تتجسد من خلال أي صيغة تمثيلية < (16). واضح هنا أنه يركزعلى التعبير إذ هو الذي بواسطته تتجسد الأفعال أو الأحداث. ولذلك يذهب إلىأن لا وجود للمحتوى الحكائي. وبما أن الخطابات تتعدد بتعدد الصيغالتمثيلية، يحصر مجال اهتمام السرديات، ويقصره على ما يتحدد فقط بواسطةصيغة السرد ( وليس الحكي) بقوله : > ولا نسم ما هو سردي Narratif، إلاما يقدم إلينا بواسطة التمثيل السردي < (ص. 13)
تتحدد Narrativité بحسب الاختصاص والمقاصد، وبتمييزنا بينها نعتبرها عندالسيميوطيقيين تناظر ما أسميناه بالحكائية لاتصالها بالقصة، أو المادةالحكائية أو المحتوى، ونربطها بمبدأ الثبات وتتصل بالجنس. ونرى أنها عندالسرديين مقابل لما نسميه بـ "السردية" لارتباطها بالخطاب أو التعبير،ونسمها بمبدإ التحول وتتعلق بالنوع. وكل ما يرتبط بالموضوع من مفاهيم يجريمجرى طبيعة الموضوع، ونوع الاختصاص الذي يعالجه.
إن تحديد تصور دقيق للمصطلحات النظرية ضرورة يمليها علينا الوضع الثقافيالذي نعيشه. وأي تخلف أو تأخر عن الوعي بهذه الضرورة لا يمكن أن يسهم إلافي استمرار التسيب وعدم التواصل ليس فقط بين المشتغلين فيما بينهم، ولكنكذلك في علاقتهم بالقارئ والمتلقي. وآن الأوان لفتح الحوار الجاد والعميقلتطوير وعينا وممارستنا النقدية.
الهوامش
2- A. J. Greimas, Du Sens II, Seuil, 1983, p. 157
3-- Groupe d'Entrevernes, Analyse sémiotique des textes, Presses universi taires de Lyon, 1984, p. 14
4- J. Courtès, Analyse sémiotique des discours, Hachette, 1990, p. 70
5- A. Hénault, Les Enjeux de la sémiotique, PUF, 1979, p. 145
6- A. Hénault, Narratologie. Sémiologie générale, PUF, 1983
7- P. Ricoeur, Temps et récit, T. II, Seuil, 1984, p. 230
8- P. Ricoeur, Temps et récit, T. I, Seuil, 1983, p. 203
9- G.- Denis Farcy, Lexique de la critique, PUF, 1991, p. 68
10- A. J. Greimas, J. Courtès, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Hachette, 1979, p. 249
11- A. J. Greimas, 1983, p. 62
12- G.- Denis Farcy, 1991, p. 72
13 P. Ricoeur, 1983, p. 62
14- انظر التمييز بين الحكي والسرد في : سعيد يقطين ، تحليل الخطاب الروائي ، ط 1 ، 1989 ، المركز الثقافي العربي، ص 4
16- G. Genette, Nouveau dicours du récit, Seuil, 1983, p. 12
17- A. J. Greimas, Du Sens, Seuil, 1970, p. 158
18 M. MAthieu-Colas, اFrontières de la narratologieب in Poétique, N. 65, Fév. 1986, p. 91
http://www.saidbengrad.com/al/n6/5.htm 1 0- تتطور نظريات السرد باستمرار، وغدا شبه مستحيل أن يواكب المرء هذهالاجتهادات المتعددة والمتراكمة. وفي الثقافة العربية تم التعرف على بعضهذه الأعمال، وتحققت في هذا المضمار دراسات عديدة، وأنجزت ترجمات لبعضالإنجازات السردية الغربية. لكن الملاحظ هو أن الأعمال السردية العربيةتفتقد إلى ما يعطي لمختلف هذه الأعمال قيمتها الخاصة، ويحقق لهامصداقيتها، ذلك لأنها ظلت في أغلب الأحوال عبارة عن اجتهادات ذاتية، أوفردية. وعمل كل دارس أو مترجم يتم بناء على رؤية صاحبه أو اقتناعه، الشيءالذي طبع هذه الإنجازات بالاختلاف القائم على الخلاف، والتعدد الذي يصل حدالتسيب. فلا حوار بين المشتغلين بالسرد العربي، ولا رؤية توحد الاهتمام،ولا لقاء بينهم لتوحيد لغتهم، أو مناقشة اصطلاحاتهم، التي هي في أغلبالأحيان مقابلات لم توجد في المصطلحات الغربية، بل الأدهى من ذلك والأمر،أن أحدهم، وهو يدخل عالم نظريات السرد لأول مرة من خلال اطلاعه على مقالأو كتاب أجنبي لا يكلف نفسه عناء الإشارة إلى مصادر سابقة، أو دراساتأنجزت في المضمار نفسه، فيقدم عمله، وكأنه كشف جديد، ويقترح مصطلحات لاتساهم إلا في إشاعة نوع من الاضطراب، ومزيد من فوضى الاستعمال. 15- G. -Denis Farcy, ا De l'obstination narratologiqueب, in Poétique, N. 68, Nov. 1986, p.491 1.1- هذا الوضع الذي يخلو من الإنصات إلى أعمال الآخر، وإلى الحوار العلميالصريح والواضح في وضعنا الثقافي العربي، لا يمكن أن يؤدي نهائيا إلىإنتاج معرفة علمية أو إلى تطوير معرفتنا بالسرد العربي القديم أو الحديث.قد تكثر الدراسات والترجمات لكن الحصيلة كلام قد يملأ بياض الصفحات، لكنهلا يمكن أن يسهم، وبأي صورة، في جعلنا ذات يوم نتحدث عن >الإنجازات<السردية العربية، ودورها في تعميق الفهم والإدراك، وخلق الأسس الملائمةلتأسيس تقاليد علمية رصينة عميقة. 2.1- أقدم في مايلي مساهمة متواضعة، من خلال التوقف عند بعضالمصطلحات-المفاتيح، أو المصطلحات الأصلية أو الأساسية التي تنهض علىقاعدتها نظريات السرد وعلومه الحالية، ذلك لأني أومن إيمانا قويا أنه بدونتدقيق فهمنا، ووعينا بالأسس لا يمكننا إلا أن نقيم بناءات واهية. 2- في المصطلح السردي 0.2- إن مصطلحات أي اختصاص كيفما كان نوعه تكتسب دلالتها الخاصة منالاختصاص نفسه، إنه يحددها وفق ما يمليه عليه السياق الذي يضعها فيه، وهذاهو مرد اختلاف دلالات المصطلح الواحد باختلاف الاختصاصات والتصورات. إذااتفقنا على هذه القاعدة، يمكن أن نذهب إلى أن هناك نظريات عديدة ومختلفةلتحليل السرد. وطبيعي أن نجد المشتغلين بهذه النظريات، يستعملون دوالمصطلحات معينة، لكن كل اختصاص يحملها بمدلولات تطابق التصور الذي ينطلقمنه. إذا اتفقنا على هذه القاعدة كذلك، لا مفر من الذهاب إلى أن الدالالسردي (المصطلح) الواحد له مدلولات سردية (اصطلاحية علمية) متعددة بتعددالنظريات والاجتهادات. ويقتضي هذا، إذا ما حصل التسليم بذلك، أن أي مصطلحمن المصطلحات السردية لا يمكن أن نضع له مقابله المناسب ما لم نفهم جيدا،ونستوعب جيدا مدلوله داخل الإطار الموظف في نطاقه. 1.2- لا نود من هذا الاقتراح أن نحل مشكلة المصطلح، وإذا نكون نروم ذلك،فإننا نتوهم، لكن ما نود الوصول إليه، وهذا ممكن هو أن تتوفر لدينا رؤيةواضحة، وأسس دقيقة للاجتهاد والعمل. إنه في غياب الأسس والرؤية الخاصة لايمكن أن تكون لدينا إمكانية للاختلاف والحوار والنقاش. إن العمل الاعتباطيوغير المؤسس على أية قاعدة أو تصور غير قابل للنقد أوالنقاش. ويهمنا توفرإمكانات للحوار بناء على رؤيات مختلفة، وتصورات محددة، لأن ذلك هو الذييضمن تحقيق التراكم والتطور.2.2- هناك مصطلحات سردية عديدة تروج في ما ينشر من دراسات وترجمات. إنهامن الغنى والتنوع والتعدد الذي يمكن أن يشي بالإيجاب، ولكنه للأسف يغدومظهرا سلبيا يدل على التسيب، وعدم التقيد بأي ضابط محدد. وهذا المظهرالسلبي علاوة على أنه يخلق ارتباكا لدى المشتغلين لأنهم يصبحون غير قادرينعلى التواصل فيما بينهم، رغم أن الموضوع الذي يشتغلون به واحد، يؤثر بشكلأكثر سلبية على القارئ الذي يجد نفسه بصدد كل دراسة أمام ترسانة منالمصطلحات السردية المتضاربة، والمختلطة، التي تتكرر أحيانا، ولكنها في كلمرة تظهر له بوجه. ومن المؤسف أن يغدو المشتغل والقارئ معا >كالمنبت لاظهرا أبقى، ولا أرضا قطع< ! وهذا وصف حال!... 3- في الموضوع السردي 0.3- نريد أن نبدأ من البداية. مع البدء تولد المشكلات. وإذا لم تتوضح لنامشكلات البداية، لا نورث اللاحقين من بعدنا إلا المشاكل. والرجوع إلىالبدايات محاولة لتدقيق رؤيتنا إلى التطورات وما صاحبها من تراكمات كانتبمنأى عن مواكبة دراساتنا أو وعينا لها. 1.3- إن العلوم السردية التي تبلورت في الحقبة البنيوية، شأنها في ذلك شأنأي اختصاص علمي، قامت أولا على أساس تحديد موضوعها بدقة. وعلى غرارالشكلانيين الروس الذين حددوا موضوع >البويطيقا< في >الأدبية<باعتبارها الخاصية التي تجعل من عمل ما عملا أدبيا، نادى المشتغلون بـ>السرد< من منظور علمي بضرورة تحديد موضوع >علم السرد< فكانهو Narrativité,Narrativity إن الموضوع واحد، لكن كل علم سيعطيه دلالةخاصة تتماشى مع إجراءاته ومقاصده. 2.3- يمكننا الوقوف عند دلالتين مختلفتين جذريا، لتبيين اختلاف>الموضوع< من خلال تباين منطلقات وإجراءات علمين سرديين، فرضانفسهما بشكل قوي هما : سيميوطيقا >السرد<، و>السرديات<. ظهرهذان العلمان في أواسط الستينيات، ويمثل الأول منها غريماس، والثانيجرارجنيت بامتياز. 4- السيميوطيقا والحكي 0.4- ينطلق السميوطيقيون على اختلاف مشاربهمم من تحديد موضوعهم باعتباره>المحتوى< الحكائي، وذلك بناء على أنهم يحددون العلامة تبعا لتمييزيلمسليف للعلامة اللسانية. والعلامة >الحكائية< تتمفصل إلى دال(التعبير) ومدلول (المحتوى) وبتركيزهم على المدلول (المحتوى) يلغون الدالمن دائرة اهتمامهم. 1.4- لقد شهدت المصطلحات ''السردية'' اختلافات عديدة بين مختلف المشتغلينب '' السرد'' أو ''الحكي''. وأثيرت سجالات عديدة بشأنها. وعندما لا نعيخصوصية هذه الاختلافات، وما تتخذه في هذا الاستعمال أو ذاك، ونأخذ منهاموقفا واضحا، نضاعف الاختلافات في التوظيف والاستعمال. لقد دافع كلالمشتغلين بـ ''السرد'' عن الدلالات التي يخصون بها بعض المفاهيم، وعملواعلى دفع الاستعمالات الأخرى. 2.4- نتبين من خلال كل هذه التحديدات والنقاشات المختلفة التي أثيرتبشأنها في المنظور السيميوطيقي، ولدى الذين يحاولون توسيع المفهوم ليشملالروائي والأدبي وسواهما من أجناس الكلام، ومختلف أنواع العلامات (لفظيةأو غير لفظية)، حتى وإن توحدت المصطلحات المشتقة أو المتصلة بـ (récit-narration-narrative) سواء بشأن الاختصاص أو الموضوع، أن المقصود هو>المادة الحكائية< أو المحتوى أو القصة. وحسب ما نذهب إليه، فإنالمصطلح المناسب الذي نضع هنا بسبب طابعه الثابت هو الحكي، وليس السرد. إنالحكي عام، والسرد خاص. فالحكي هوالذي ينسحب عليه مصطلح récitو narrative،وهو الذي يمكن أن نجده في الأعمال التخييلية وفي الصورة، والحركة وسواها.أما السرد فلا يمكن أن يتحقق إلا في الأعمال اللفظية (14). وأجدني في هذاالمضمار أتفق مع ما ذهب إليه جيرار- دونيس فارسي إلى اقتراح مصطلح''récitologie'' مقابل >Narratologie< للتمييز، لولا أن اقتراحه جاءمتأخرا كما يقول (15). وفعلا فإن مصطلح >الحكايات< يمكن أن يدلدلالة أخرى على الطابع الشمولي والواسع لما يمكن أن يتصل بما هو حكائي،كيفما كان وحيثما وجد، ويكون موضوع >الحكائيات< هو >الحكي< أو>الحكائية<. ولما كان السيميوطيقيون يوظفون >السيميوطيقاالحكائية< أحيانا تمييزا لها عن السرديات، أرى أن الأنسب، وبسبباهتمامهم المنصب على >المحتوى< أن نقابل كل ما يتصل لديهم بـNarration بالحكي، لأنهم لا يهتمون، عموما، بالتعبير (السرد) وبذلك نغدوأمام الحكائيةNarrativité والبنيات الحكائية والبرنامج الحكائي، والملفوظالحكائي، والمسار الحكائي، وما شاكل هذا من الاستعمالات المتصلة لديهمبالمادة الحكائية، الموضوع الأساس لاشتغالهم وتحليلاتهم. 5- السرديات والسرد 0.5- إذا كان السيميوطيقيون يشتغلون بـ''المحتوى'' فالسرديون يهتمون بـ''التعبير'' وإذا وظفنا مصطلحية السيميوطيقيين، أوالخطاب كما يستعملونكمقابل للقصة أو الفابولا. إن ما يهم السرديين بشكل خاص هو الاختلافالمتعلق بالعمل الحكائي، ومكمنه في الخطاب، لأن المحتوى الواحد يمكن أنيقدم من خلال خطابات متعددة لكل منها خصوصيته لأن ما يهمهم هو العنصرالجمالي الكامن في هذا الاختلاف. 1.5- إن جنيت، كما نلاحظ هنا بجلاء، يضيق مجال السرديات بحصر موضوعها منخلال صيغة السرد (الخطاب) أما المشتغلون بالحكي والحكائية، فيوسعون مجالاهتمامهم بانطلاقهم من >المحتوى<، لذلك نجد غريماس على سبيل المثال،يقول عن >الحكائية< بأنها سابقة عن التجلي (التعبير) أو التحقق منخلال خطاب معين، ويربطها >بمستوى سيميويطيقي متميز عن المستوى اللساني،وهي منطقيا سابقة، كيفما كانت اللغة المختارة لتحققها< (17). 2.5- لقد تباينت التصورات بشأن تحديد المصطلحات نفسها. ورغم الرجوع إلىأصول وجذور المفاهيم (18) لمقاربة الهوة ومحاولة ردمها، تظل الحدودوالفواصل قائمة. إنها حدود الاستعمال المرتهن إلى هذا التصور أو ذاك. وهذاما يجب الانتباه إليه، إذا ما أردنا فعلا تحقيق الفهم المناسب والاستيعابالمطابق لما نتلقاه من نظريات واتجاهات. 1 S. J. Schmidt, اThéorie et pratique d'une étude scientifique de lanarrativité littéraireب in Sémiotique narrative et textuelle, Larousse,1973, p. 149 موقع الأستاذ سعيد بنكراد
نظريات السرد وموضوعها
(في المصطلح السردي)
إن أي تأخير في التوقف الآن لقراءة ما تراكم ومناقشة ما أنجز من دراساتوترجمات عربية في نطاق السرد، لا يمكنه إلا أن يضع المزيد من العراقيل،ويخلق المزيد من المشوشات التي تساهم في تعطيل نمو الفكر العلمي والنقديفي الثقافة العربية الحديثة. كما أن عدم الإقدام على ممارسة النقاش بصددما أنجز لا يمكنه إلا أن يصب في مسار التسيب المهيمن، والفوضى السائدة.
إننا ما دمنا لا ننتج هذه المفاهيم والمصطلحات فإنه لا يمكن إلا أن نختلففي فهمها، ونقلها إلى لغتنا العربية. والنقل إلى لغة أخرى لا يمكن أنيتأتى بالسهولة التي يتصورها البعض : شرابا سائغا للشاربين! الذهاب إلىالعين مهم، لكن للوصول إلى الرأس. وما أصعب الدخول إلى الرأس لمعاينة كيفيشتغل. إنه بدون فهم طريقة اشتغال المفهوم، وبدون تحديد خلفيته، ومقاصده،لا يمكننا أن نستوعبه. وبدون الاستيعاب الجيد، لايمكن النجاح في الاقتراحالمناسب.
تتصل هذه القاعدة بالمصطلح الأصلي في اللغة الأجنبية. ولا بد من قاعدةموازية ترتبط هذه المرة بـ >المصطلح< المقابل الذي نود>اقتراحه< من داخل اللغة العربية، بعد تمثل القاعدة الأولى ووضعهافي الاعتبار : فهم المدلول الخاص بالمصطلح فهما دقيقا.
تقدم اللغة إمكانات مهمة في الاستعمال، وعلينا انتقاء الأنسب، والأقرب،والأجمل من المفردات التي نعتزم اقتراحها. وعلينا أن نحسن اقتراح كلمةمعينة من وسط شبكة من الكلمات المتقاربة، وفي تقديرنا الضمني أن بعضا منهاقابل للاستثمار للدلالة على مصطلح قريب. وبمراعاة هذا التوزيع يمكننا فيحال انتقاء بعضها أن نحمل مجاورتها دلالة قريبة، ولكنها تكون أخص، وأعم،أو ما شاكل هذا من العلاقات التي تنظم الوحدات المعجمية المشتركة(عام-خاص/ كل-جزء/ تراتب-تدرج ...) بذلك، وتبعا للاقتضاء والاستعمال،يمكننا تقديم >المصطلح< المقابل، والقابل للتميز عن المصطلحاتالقريبة منه، بمقوم ذاتي أو أكثر.
منذ اجتهادات الشكلانيين الروس النظرية، ودعوتهم إلى ضرورة ميلاد علم جديديعنى بـ >أدبية< الأدب، أسموه >البويطيقا<، الجديدة، وأعمالفلاديمير بروب حول الحكاية العجيبة، وصولا إلى السرديات (كما اقترحهاتودوروف)، وسيميوطيقا >السرد< ونظريات لسانيات النص، وتحليل الخطاب،مرورا باجتهادات الانثروبولوجيين (ستروس)، وعلماء الأديان (م. إلياد)،وعلماء الأساطير (كايوا-دوميزيل...)، نجد الاشتغال بـ>السرد< يحظىبمكانة متميزة، سواء تجلى من خلال الخطاب اليومي، أو الصحفي، أو التاريخيأو الأسطوري، أو الأدبي، وسواء ظهر من خلال المستوى اللفظي أو الصوري أوالحركي... تعددت المقاربات، واختلفت باختلاف المدارس والاختصاصات.
ولعل أهم الإنجازات في هذا النطاق يبرز في ما يمكن اختزاله بكلمة في ظهورعلوم عديدة تعنى بـ>السرد< أي أننا صرنا منذ أواسط هذا القرن أمامعلوم سردية خاصة لها مناهجها، وقضاياها الخاصة >بالسرد< الحديث(الرواية، القصة...) أوالقديم (الحكايات العجيبة، الأساطير، الأشكالالبسيطة ...)
تبلورت هذه العلوم مجتمعة في الحقبة البنيوية (منذ أواسط الستينيات وأوائلالسبعينيات). لكن للأسف الشديد، هو أننا بانتباهنا في أواسط السبعينياتوأوائل الثمانينيات إلى >النقد الجديد< لم يثر اهتمامنا إلا الطابع>البنيوي< العام والمشترك الذي وسم هذه المرحلة، لكننا لم ننتبه إلىالطوابع العلمية المختلفة بين كل الاجتهادات، وما يتميز به بعضها عن بعضهاالآخر، وهذا ما جعل التمييز لدينا يصبح بين نقد بنيوي وآخر إيديولوجي. ولميكن يدوربالخلد التساؤل عن معنى بنيوي وفي أي اتجاه؟!...
هذا الموضوع في نقله إلى اللغة العربية أخذ ترجمات غير دقيقة تنم عن سوءالاستيعاب والفهم. فهو مرة يستعمل بمعنى >السردية<، ومرة بمعنى>الشعرية < على ما بينهما من اختلاف. كما أن >السردية< كانتتستعمل مرة للدلالة على العلم Narratologie، ومرة على الخاصية التي يتميزبها العمل السردي Narrativité ويعود هذا الفهم أو ذاك إلى طبيعة استيعابمفهوم >العلم< و>موضوعه< وما يتصل بهما. وفي كل الحالات كانهناك اضطراب وخلط، لا يرتبط فقط بـ >الترجمة< ولكن بفهم النظريات،بسبب الاختزال والتسرع. ودون الدخول في سجال مع الترجمات والاستعمالات،نرى ضرورة تحديد >الموضوع< الذي جعلته مختلف العلوم مدار اهتمامها،لتتاح لنا إمكانية تدقيقه، بتدقيق المفهوم الذي يطابقه في هذا الاستعمالأو ذاك، وذلك بقصد توضيح مدلولات الدوال وتدقيقها على النحو الأمثلوالأنسب.
هذان العلمان يحددان معا موضوع اشتغالهما من خلال مصطلح واحد Narrativité،وعلينا أن نوضح أن كلا منهما يستعمله بمعنى مخالف للآخر، وهذا الاختلافعندما لا نفهمه حق الفهم، لا يمكن لاستعمالاتنا للأشياء، في لغتنا، إلا أنتظل مضطربة ومشوهة وغير دقيقة. وأي اضطراب أو تشويه أو انحراف لا يمكنهإلا أن يسهم في تعطيل تحقيق المعرفة العلمية أو تطويرها بالصورة التي تقدمدراستنا وتحليلاتنا.
أبدأ أولا بسيميوطيقا >السرد< وبعد ذلك بالسرديات، وبعد التوضيحأقدم الاقتراحات المناسبة للعلم وموضوعه بحسب ما يقتضيه كل علم وما يتميزبه عن غيره.
يبرز ذلك في تأكيد شميدت على أن المهمة الأساسية للسرديات (وهو يقصد علمالسرد سيميوطيقا) هو تحليل المحتوى بصفة عامة (1) كما أن غريماس في مختلفأعماله يشدد على البعد نفسه، وذلك بناء على أن المحتوى هو الذي تشتركبواسطته مختلف الخطابات التي تقوم على الحكي. والهدف من التحليلالسيميوطيقي هو الإمساك بالمعنى أو الدلالة بغض النظر عن مختلف التجليات(التعبير) التي يتخذها (2). ولقد مكن الاهتمام بالمحتوى السيميوطيقيين منالوصول إلى نماذج خاصة في التحليل. ويبدو لنا الاهتمام بالمحتوى جليا منخلال تعريف جماعة أنتروفيرن لـ Narrativité : >إنها مظهر تتابع الحالاتوالتحولات المسجل في الخطاب، والضامن لإنتاج المعنى< (3) ويسير كورتيسفي الاتجاه نفسه بذهابه إلى أن الحكي يرتبط ارتباطا وثيقا بNarrativité،لأن ما يحددهما هو كون الحكي >يتعلق بالانتقال من حالة إلى حالةأخرى<(4)، وبواسطة هذا الانتقال يحدث التحول من حالة أو وضع إلى آخر عنطريق التتابع.
نلاحظ بجلاء من خلال هذه التحديدات أن الأمر يتعلق بـ ''المحتوى'' أو''المادة الحكائية''، أو ''الفابولا'' والمحتوى تبعا لذلك أعم وأشمل من>التعبير<، لأن وجوده هو الذي يحدد جنس الخطاب، لذلك فهو الثابتوالمشترك بين مختلف الأشكال أوالأنواع الذي تتضمنه. وهو الذي يمكن أن نجدهفي العمل الأدبي وغيره، وفي سائر الفنون، وكل أجناس الكلام. إنه بكلمةأخرى >المدلول< الذي تختلف دواله في تقديمه.
- المحتوى ثابت وعام. نضع مقابلا له مفهوم >الحكي< ذلك لأن الحكيعام، وهو الذي يمكن أن نجده من خلال اللغة والصورة والحركة والإيقاع...أما السرد فهو أخص منه لأنه يتصل فقط باللغة. وبهذا التحديد يصبح>الحكي< مقابل (récit) باعتباره يتصل بالمحتوى، ويغدو >السرد<مقابلا لـ (narration) لكونه يرتبط بالتعبير. إن الحكي شديد الصلة بـ ''الخبر''، لذلك نجده يتضمن مايوحي إليه المحتوى من خلال حضور >المادةالحكائية<، أو القابلة أن تحكى. أما السرد فيتعلق بطريقة تقديم الحكي.وفي مختلف دلالاته في العربية يعني >النظم< أو >التركيب< أو>النسق< القائم على الترتيب ...ويمكن أن نلمس الفرق من خلال قولنا :- فلان يحكي، وفلان يسرد. إذ يوحي التعبير الأول إلى >نوع< الخطاب(الحكاية)، في حين يومئ الثاني إلى الطريقة . هذا التمييز يمكن أن يجسدلنا بعض الفروقات البسيطة بينهما (الحكي- السرد)، وإلا فإن التداخل بينهماوارد، والتفريق بينهما صعب للغاية. هذا الوضع لا يعرفه الاستعمال العربيفقط، فالاستعمالات الغربية بدورها لمختلف هذا النوع من المفاهيم لا تخلومن التباس، وإبهام.
إن السيميوطيقيين وبعض الفلاسفة (بول ريكور) حاولوا حصرالموضوع فيالمحتوى. وفي هذا النطاق تقول آن هينو : >يمكن أن نتحدث عنNarrativité، عندما يصنف نص ما من جهة أولى، حالة بداية، على صورة علاقةامتلاك أو فقدان لموضوع ذي قيمة، ومن جهة ثانية، فعلا أو متوالية منالأفعال التي تنتج حالة جديدة، مخالفة لحالة البداية< (5)، وهو نفسالتحديد الذي تقدمه في كتابها اللاحق الذي يحمل عنوان، >السرديات،والسيميوطيقا العامة<(6)، هذا التحديد يبدو لنا بوضوح من خلال اعتباربول ريكور >السرديات< : >حقا عاما يُضمن لكل من الحكي التاريخي،والحكي التخييلي<(7)، وأن كل التاريخيات (Histographie)، إذا كانت تهتمبالأفعال فهي أيضا سرديات<(.
إننا هنا أمام اختلاف بشأن الاختصاص >السرديات< وموضوعه (الحكائيةأم السردية) وهذا ما جعل جيرار-دينس فارسي، يرى بأن >لا إجماع حول أيمنهما< (9) وإذا كان السيميوطيقيون يتخلون أحيانا عن استعمال>السرديات< فإنهم يتشبثون بمصطلح Narrativité، ويحدده غريماس سواءفي مختلف أعماله، أو في المعجم (10) بقوله : >إن نظرية الحكي تسعى إلىالاهتمام بالشكل السميوطيقي للمحتوى<(11)، وهي من هذه الناحية لا علاقةلها بالأدبية(12). إنها كما يلاحظ بول ريكور مقابل : Muthos عند أرسطو،وهو تحريك الأحداث(13).
إن السيميوطيقيين، وهم يشددون على المحتوى يريدون الإمساك بالعنصر الثابتفي أي عمل حكائي لأنهم يعنون بشكل خاص بـ ''المعنى'' أو "الدلالة'' ولايمكن بروز هذا العنصر الثابت إلا من خلال >المحتوى<، لأنه أساسالحكي.
هذا العنصر الجمالي هو الذي يصل Narrativité لدى السرديين بالأدبية،ويجعلها مختلفة عن نظيرتها لدى السيميوطيقيين. يقول جيرارجنيت موضحا :> إن الخاصية الأساسية للسردي (السردية) توجد في الصيغة، وليس فيالمحتوى، إذ لا وجود للمحتويات الحكائية. هناك تسلسل أفعال أو أحداث،قابلة لأن تتجسد من خلال أي صيغة تمثيلية < (16). واضح هنا أنه يركزعلى التعبير إذ هو الذي بواسطته تتجسد الأفعال أو الأحداث. ولذلك يذهب إلىأن لا وجود للمحتوى الحكائي. وبما أن الخطابات تتعدد بتعدد الصيغالتمثيلية، يحصر مجال اهتمام السرديات، ويقصره على ما يتحدد فقط بواسطةصيغة السرد ( وليس الحكي) بقوله : > ولا نسم ما هو سردي Narratif، إلاما يقدم إلينا بواسطة التمثيل السردي < (ص. 13)
تتحدد Narrativité بحسب الاختصاص والمقاصد، وبتمييزنا بينها نعتبرها عندالسيميوطيقيين تناظر ما أسميناه بالحكائية لاتصالها بالقصة، أو المادةالحكائية أو المحتوى، ونربطها بمبدأ الثبات وتتصل بالجنس. ونرى أنها عندالسرديين مقابل لما نسميه بـ "السردية" لارتباطها بالخطاب أو التعبير،ونسمها بمبدإ التحول وتتعلق بالنوع. وكل ما يرتبط بالموضوع من مفاهيم يجريمجرى طبيعة الموضوع، ونوع الاختصاص الذي يعالجه.
إن تحديد تصور دقيق للمصطلحات النظرية ضرورة يمليها علينا الوضع الثقافيالذي نعيشه. وأي تخلف أو تأخر عن الوعي بهذه الضرورة لا يمكن أن يسهم إلافي استمرار التسيب وعدم التواصل ليس فقط بين المشتغلين فيما بينهم، ولكنكذلك في علاقتهم بالقارئ والمتلقي. وآن الأوان لفتح الحوار الجاد والعميقلتطوير وعينا وممارستنا النقدية.
الهوامش
2- A. J. Greimas, Du Sens II, Seuil, 1983, p. 157
3-- Groupe d'Entrevernes, Analyse sémiotique des textes, Presses universi taires de Lyon, 1984, p. 14
4- J. Courtès, Analyse sémiotique des discours, Hachette, 1990, p. 70
5- A. Hénault, Les Enjeux de la sémiotique, PUF, 1979, p. 145
6- A. Hénault, Narratologie. Sémiologie générale, PUF, 1983
7- P. Ricoeur, Temps et récit, T. II, Seuil, 1984, p. 230
8- P. Ricoeur, Temps et récit, T. I, Seuil, 1983, p. 203
9- G.- Denis Farcy, Lexique de la critique, PUF, 1991, p. 68
10- A. J. Greimas, J. Courtès, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Hachette, 1979, p. 249
11- A. J. Greimas, 1983, p. 62
12- G.- Denis Farcy, 1991, p. 72
13 P. Ricoeur, 1983, p. 62
14- انظر التمييز بين الحكي والسرد في : سعيد يقطين ، تحليل الخطاب الروائي ، ط 1 ، 1989 ، المركز الثقافي العربي، ص 4
16- G. Genette, Nouveau dicours du récit, Seuil, 1983, p. 12
17- A. J. Greimas, Du Sens, Seuil, 1970, p. 158
18 M. MAthieu-Colas, اFrontières de la narratologieب in Poétique, N. 65, Fév. 1986, p. 91
http://www.saidbengrad.com/al/n6/5.htm 1 0- تتطور نظريات السرد باستمرار، وغدا شبه مستحيل أن يواكب المرء هذهالاجتهادات المتعددة والمتراكمة. وفي الثقافة العربية تم التعرف على بعضهذه الأعمال، وتحققت في هذا المضمار دراسات عديدة، وأنجزت ترجمات لبعضالإنجازات السردية الغربية. لكن الملاحظ هو أن الأعمال السردية العربيةتفتقد إلى ما يعطي لمختلف هذه الأعمال قيمتها الخاصة، ويحقق لهامصداقيتها، ذلك لأنها ظلت في أغلب الأحوال عبارة عن اجتهادات ذاتية، أوفردية. وعمل كل دارس أو مترجم يتم بناء على رؤية صاحبه أو اقتناعه، الشيءالذي طبع هذه الإنجازات بالاختلاف القائم على الخلاف، والتعدد الذي يصل حدالتسيب. فلا حوار بين المشتغلين بالسرد العربي، ولا رؤية توحد الاهتمام،ولا لقاء بينهم لتوحيد لغتهم، أو مناقشة اصطلاحاتهم، التي هي في أغلبالأحيان مقابلات لم توجد في المصطلحات الغربية، بل الأدهى من ذلك والأمر،أن أحدهم، وهو يدخل عالم نظريات السرد لأول مرة من خلال اطلاعه على مقالأو كتاب أجنبي لا يكلف نفسه عناء الإشارة إلى مصادر سابقة، أو دراساتأنجزت في المضمار نفسه، فيقدم عمله، وكأنه كشف جديد، ويقترح مصطلحات لاتساهم إلا في إشاعة نوع من الاضطراب، ومزيد من فوضى الاستعمال. 15- G. -Denis Farcy, ا De l'obstination narratologiqueب, in Poétique, N. 68, Nov. 1986, p.491 1.1- هذا الوضع الذي يخلو من الإنصات إلى أعمال الآخر، وإلى الحوار العلميالصريح والواضح في وضعنا الثقافي العربي، لا يمكن أن يؤدي نهائيا إلىإنتاج معرفة علمية أو إلى تطوير معرفتنا بالسرد العربي القديم أو الحديث.قد تكثر الدراسات والترجمات لكن الحصيلة كلام قد يملأ بياض الصفحات، لكنهلا يمكن أن يسهم، وبأي صورة، في جعلنا ذات يوم نتحدث عن >الإنجازات<السردية العربية، ودورها في تعميق الفهم والإدراك، وخلق الأسس الملائمةلتأسيس تقاليد علمية رصينة عميقة. 2.1- أقدم في مايلي مساهمة متواضعة، من خلال التوقف عند بعضالمصطلحات-المفاتيح، أو المصطلحات الأصلية أو الأساسية التي تنهض علىقاعدتها نظريات السرد وعلومه الحالية، ذلك لأني أومن إيمانا قويا أنه بدونتدقيق فهمنا، ووعينا بالأسس لا يمكننا إلا أن نقيم بناءات واهية. 2- في المصطلح السردي 0.2- إن مصطلحات أي اختصاص كيفما كان نوعه تكتسب دلالتها الخاصة منالاختصاص نفسه، إنه يحددها وفق ما يمليه عليه السياق الذي يضعها فيه، وهذاهو مرد اختلاف دلالات المصطلح الواحد باختلاف الاختصاصات والتصورات. إذااتفقنا على هذه القاعدة، يمكن أن نذهب إلى أن هناك نظريات عديدة ومختلفةلتحليل السرد. وطبيعي أن نجد المشتغلين بهذه النظريات، يستعملون دوالمصطلحات معينة، لكن كل اختصاص يحملها بمدلولات تطابق التصور الذي ينطلقمنه. إذا اتفقنا على هذه القاعدة كذلك، لا مفر من الذهاب إلى أن الدالالسردي (المصطلح) الواحد له مدلولات سردية (اصطلاحية علمية) متعددة بتعددالنظريات والاجتهادات. ويقتضي هذا، إذا ما حصل التسليم بذلك، أن أي مصطلحمن المصطلحات السردية لا يمكن أن نضع له مقابله المناسب ما لم نفهم جيدا،ونستوعب جيدا مدلوله داخل الإطار الموظف في نطاقه. 1.2- لا نود من هذا الاقتراح أن نحل مشكلة المصطلح، وإذا نكون نروم ذلك،فإننا نتوهم، لكن ما نود الوصول إليه، وهذا ممكن هو أن تتوفر لدينا رؤيةواضحة، وأسس دقيقة للاجتهاد والعمل. إنه في غياب الأسس والرؤية الخاصة لايمكن أن تكون لدينا إمكانية للاختلاف والحوار والنقاش. إن العمل الاعتباطيوغير المؤسس على أية قاعدة أو تصور غير قابل للنقد أوالنقاش. ويهمنا توفرإمكانات للحوار بناء على رؤيات مختلفة، وتصورات محددة، لأن ذلك هو الذييضمن تحقيق التراكم والتطور.2.2- هناك مصطلحات سردية عديدة تروج في ما ينشر من دراسات وترجمات. إنهامن الغنى والتنوع والتعدد الذي يمكن أن يشي بالإيجاب، ولكنه للأسف يغدومظهرا سلبيا يدل على التسيب، وعدم التقيد بأي ضابط محدد. وهذا المظهرالسلبي علاوة على أنه يخلق ارتباكا لدى المشتغلين لأنهم يصبحون غير قادرينعلى التواصل فيما بينهم، رغم أن الموضوع الذي يشتغلون به واحد، يؤثر بشكلأكثر سلبية على القارئ الذي يجد نفسه بصدد كل دراسة أمام ترسانة منالمصطلحات السردية المتضاربة، والمختلطة، التي تتكرر أحيانا، ولكنها في كلمرة تظهر له بوجه. ومن المؤسف أن يغدو المشتغل والقارئ معا >كالمنبت لاظهرا أبقى، ولا أرضا قطع< ! وهذا وصف حال!... 3- في الموضوع السردي 0.3- نريد أن نبدأ من البداية. مع البدء تولد المشكلات. وإذا لم تتوضح لنامشكلات البداية، لا نورث اللاحقين من بعدنا إلا المشاكل. والرجوع إلىالبدايات محاولة لتدقيق رؤيتنا إلى التطورات وما صاحبها من تراكمات كانتبمنأى عن مواكبة دراساتنا أو وعينا لها. 1.3- إن العلوم السردية التي تبلورت في الحقبة البنيوية، شأنها في ذلك شأنأي اختصاص علمي، قامت أولا على أساس تحديد موضوعها بدقة. وعلى غرارالشكلانيين الروس الذين حددوا موضوع >البويطيقا< في >الأدبية<باعتبارها الخاصية التي تجعل من عمل ما عملا أدبيا، نادى المشتغلون بـ>السرد< من منظور علمي بضرورة تحديد موضوع >علم السرد< فكانهو Narrativité,Narrativity إن الموضوع واحد، لكن كل علم سيعطيه دلالةخاصة تتماشى مع إجراءاته ومقاصده. 2.3- يمكننا الوقوف عند دلالتين مختلفتين جذريا، لتبيين اختلاف>الموضوع< من خلال تباين منطلقات وإجراءات علمين سرديين، فرضانفسهما بشكل قوي هما : سيميوطيقا >السرد<، و>السرديات<. ظهرهذان العلمان في أواسط الستينيات، ويمثل الأول منها غريماس، والثانيجرارجنيت بامتياز. 4- السيميوطيقا والحكي 0.4- ينطلق السميوطيقيون على اختلاف مشاربهمم من تحديد موضوعهم باعتباره>المحتوى< الحكائي، وذلك بناء على أنهم يحددون العلامة تبعا لتمييزيلمسليف للعلامة اللسانية. والعلامة >الحكائية< تتمفصل إلى دال(التعبير) ومدلول (المحتوى) وبتركيزهم على المدلول (المحتوى) يلغون الدالمن دائرة اهتمامهم. 1.4- لقد شهدت المصطلحات ''السردية'' اختلافات عديدة بين مختلف المشتغلينب '' السرد'' أو ''الحكي''. وأثيرت سجالات عديدة بشأنها. وعندما لا نعيخصوصية هذه الاختلافات، وما تتخذه في هذا الاستعمال أو ذاك، ونأخذ منهاموقفا واضحا، نضاعف الاختلافات في التوظيف والاستعمال. لقد دافع كلالمشتغلين بـ ''السرد'' عن الدلالات التي يخصون بها بعض المفاهيم، وعملواعلى دفع الاستعمالات الأخرى. 2.4- نتبين من خلال كل هذه التحديدات والنقاشات المختلفة التي أثيرتبشأنها في المنظور السيميوطيقي، ولدى الذين يحاولون توسيع المفهوم ليشملالروائي والأدبي وسواهما من أجناس الكلام، ومختلف أنواع العلامات (لفظيةأو غير لفظية)، حتى وإن توحدت المصطلحات المشتقة أو المتصلة بـ (récit-narration-narrative) سواء بشأن الاختصاص أو الموضوع، أن المقصود هو>المادة الحكائية< أو المحتوى أو القصة. وحسب ما نذهب إليه، فإنالمصطلح المناسب الذي نضع هنا بسبب طابعه الثابت هو الحكي، وليس السرد. إنالحكي عام، والسرد خاص. فالحكي هوالذي ينسحب عليه مصطلح récitو narrative،وهو الذي يمكن أن نجده في الأعمال التخييلية وفي الصورة، والحركة وسواها.أما السرد فلا يمكن أن يتحقق إلا في الأعمال اللفظية (14). وأجدني في هذاالمضمار أتفق مع ما ذهب إليه جيرار- دونيس فارسي إلى اقتراح مصطلح''récitologie'' مقابل >Narratologie< للتمييز، لولا أن اقتراحه جاءمتأخرا كما يقول (15). وفعلا فإن مصطلح >الحكايات< يمكن أن يدلدلالة أخرى على الطابع الشمولي والواسع لما يمكن أن يتصل بما هو حكائي،كيفما كان وحيثما وجد، ويكون موضوع >الحكائيات< هو >الحكي< أو>الحكائية<. ولما كان السيميوطيقيون يوظفون >السيميوطيقاالحكائية< أحيانا تمييزا لها عن السرديات، أرى أن الأنسب، وبسبباهتمامهم المنصب على >المحتوى< أن نقابل كل ما يتصل لديهم بـNarration بالحكي، لأنهم لا يهتمون، عموما، بالتعبير (السرد) وبذلك نغدوأمام الحكائيةNarrativité والبنيات الحكائية والبرنامج الحكائي، والملفوظالحكائي، والمسار الحكائي، وما شاكل هذا من الاستعمالات المتصلة لديهمبالمادة الحكائية، الموضوع الأساس لاشتغالهم وتحليلاتهم. 5- السرديات والسرد 0.5- إذا كان السيميوطيقيون يشتغلون بـ''المحتوى'' فالسرديون يهتمون بـ''التعبير'' وإذا وظفنا مصطلحية السيميوطيقيين، أوالخطاب كما يستعملونكمقابل للقصة أو الفابولا. إن ما يهم السرديين بشكل خاص هو الاختلافالمتعلق بالعمل الحكائي، ومكمنه في الخطاب، لأن المحتوى الواحد يمكن أنيقدم من خلال خطابات متعددة لكل منها خصوصيته لأن ما يهمهم هو العنصرالجمالي الكامن في هذا الاختلاف. 1.5- إن جنيت، كما نلاحظ هنا بجلاء، يضيق مجال السرديات بحصر موضوعها منخلال صيغة السرد (الخطاب) أما المشتغلون بالحكي والحكائية، فيوسعون مجالاهتمامهم بانطلاقهم من >المحتوى<، لذلك نجد غريماس على سبيل المثال،يقول عن >الحكائية< بأنها سابقة عن التجلي (التعبير) أو التحقق منخلال خطاب معين، ويربطها >بمستوى سيميويطيقي متميز عن المستوى اللساني،وهي منطقيا سابقة، كيفما كانت اللغة المختارة لتحققها< (17). 2.5- لقد تباينت التصورات بشأن تحديد المصطلحات نفسها. ورغم الرجوع إلىأصول وجذور المفاهيم (18) لمقاربة الهوة ومحاولة ردمها، تظل الحدودوالفواصل قائمة. إنها حدود الاستعمال المرتهن إلى هذا التصور أو ذاك. وهذاما يجب الانتباه إليه، إذا ما أردنا فعلا تحقيق الفهم المناسب والاستيعابالمطابق لما نتلقاه من نظريات واتجاهات. 1 S. J. Schmidt, اThéorie et pratique d'une étude scientifique de lanarrativité littéraireب in Sémiotique narrative et textuelle, Larousse,1973, p. 149 موقع الأستاذ سعيد بنكراد