منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    إشكالية المعنى في الخطاب النقدي العربي الجديد

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    إشكالية المعنى في الخطاب النقدي العربي الجديد Empty إشكالية المعنى في الخطاب النقدي العربي الجديد

    مُساهمة   الإثنين نوفمبر 29, 2010 8:24 am


    إشكالية المعنى في الخطاب النقدي العربي الجديدإشكالية المعنى في الخطاب النقدي العربي الجديد Bou3lebaد. محمد ولد بوعليبه بن الغراب

    أستاذ الأدب المقارن

    بأقسام الآداب بجامعة انواكشوط


    إن اهتمامنا هنا بدراسة الخطاب النقدي العربي يرجع إلى قلة البحوث حولهذا الموضوع سواء عندنا في المنطقة العربية أو في العالم الغربي فلقد ذكرإيف شفرل سنة 1989 أن دراسة الخطاب النقدي عندهم قليلة التطور : «إن لدينا[يقول شفرل] أعمالا حول تاريخ النقد - نذكر منها خاصة كتاب Wellek-History of Modern Griticism والتى هي أعمال حول النقاد في أغلب الأحيان(إديولوجياتهم، وطرائقهم) [...] وليست لدينا حتى الآن على ما يبدو أعمالشاملة تتجاوز الحالات الفردية لتهتم بالخطاب النقدي نفسه، ببنيته، وخصائصه: وليس كتاب نقد النقد[1] لتودورف 1984 إلا حكاية لمسيرة شخصية [...]والسبب في نقص من هذا النوع عائد - لا محالة إلى تسليط الاتجاه في دراسةالأدب على دراسة النقد، اتجاه طبع الدراسة الأدبية لفترة طويلة من الزمن: ألا وهو أولوية الكاتب الكبير أو ببساطة الكاتب»[2].أما عندنا فكانت البحوث في هذا المجال قليلة كذلك أو نادرة باستثناءكتاب محمد برادة حول مندور محمد مندور وتنظير النقد العربي وكتاب نقدالنقد لنبيل سليمان وكتاب إدريس بلمليح الرؤية البيانية عند الجاحظ[3].إلا أن هذه الكتب لا تتناول المرحلة التي نبتغي البحث فيها، مع أنها أيضامتأثرة بالاتجاه الذي يغلب البحث فيه حول المؤلف بدل النص وهي في ذلكمتأثرة، بالمدرسة الوضعية، وتاريخ الأدب عند الغربيين.إن المرحلة التي تهمنا هي المرحلة التي بدأ التأثر فيها بتيارات أحدثألا وهي مرحلة الثمانينات والتسعينات، وهي المرحلة التي شهدت البلدانالعربية خلالها موجة من الترجمات عن النقد البنيوي خاصة. كما شهدت محاولاتعديدة لتوظيفه في ممارسة النقاد، وتوظيف غيره من مناهج النقد المتأثرةبالعلوم الإنسانية.لقد أنتجت هذه المرحلة اتجاها نقديا في دراسة الأدب، وهذا الاتجاه عرفبالنقد الجديد وأحيانا الجديد جدا، كما عرف زميله في الغرب بهذا الاسم NewCriticism أو Nouvelle Critique [4]. ولا أحد اليوم يماري في أن هذا النقدكخطاب يطرح إشكالا لمن يريد التعرف على ما يبتغى هذا الخطاب إجلاءه منخصائص ومعاني موضوعه الذي هو الأدب.فهو إشكال متصل بالأساس بمستوى إبانة هذا الخطاب عن فحواه فهو إذا مشكلمعني، ولهذا فقد قمنا بالبحث بغية فهم أسباب هذا الإشكال.لا أحد يناقشمسلمة مفادها أن النقد البنيوي مأخوذ عن الغرب، وشهادات النقاد العرب،وإحالاتهم إلى هذا الأخذ موجودة، وهذا الأخذ عن الغرب في مجال النقد أصبحيشكل تقليدا معتبرا، فقبل مطلع الثمانينات ومند العشرينات من القرن الماضياتجهت أنظار النقاد العرب إلى الغرب وخاصة فى مصر وتأثر النقاد العرببلانسون Lanson . وبرونتيير Brunetiere ، سينت بيفS.Beuve ., WordsWorthووردزورث وغيرهم.والتأثر بهؤلاء معروف[5]. أما التأثر بالمناهج الجديدة فقد حصل هوالآخر يقول ابراهيم الخطيب عن نقاد المغرب : "لقد تأثرنا في بداية تكوينناالنقدي بنقاد المشرق [...] وبتأثير الجامعة بوجه خاص حصل تحول عام فيالكتابة النقدية في المغرب حيث تأثرنا بالمناهج النقدية السائدة في فرنسابخاصة"[6].وقد كان هذا التأثر بدافع الحداثة، ولن تتحقق تلك الحداثة في نظرالنقاد العرب إلا باستحداث أنظمة مفهومية، يقول عبد السلام المسدي :"إن النقد لا يتجدد إلا إذا جدد نظامه ألمفهومي أو قل إنه لا يتحول إلىحداثة نقدية إلا عندما يستحدث جهازا معرفيا يباشر به النص الأدبي كما لميباشره به السابقون"[7].إن هذا الانفتاح من جديد على الغرب هو الذي أسهم في تشكل الخطاب النقديالبنيوي العربي الجديد. وعلينا أن نبحث في المرجعية التي أسست الخطابالنقدي الغربي.1 - تشكل الخطاب النقدي البنيوي، ومرجعيتهما حدث هو أنه في أوروبا قامت محاولات عديدة خلال القرن التاسع عشرلإدخال مناهج العلوم الحقة في دراسة الأدب وقد تمثل ذلك فى محاولاتالوضعية التي تجلت من خلال المنهج الطبيعي فى دراسة الأدب المعروف عند سنتبيف Beuve وأضرابه، وتعتبر تلك الخطوة هي أولى المحاولات لإدخال المعاييراللا أدبية في دراسة الأدب. لكن القرن العشرين مع إعلانه طلاقا مع هذهالمناهج خلال الخمسينات عاد من جديد ليستخدم المناهج اللا أدبية فى قياسالأدب، لقد أحس الناقد خلال الخمسينات بنوع من التخلف إزاء قرائنه منمحللين نفسيين واجتماعيين وألسنيين كما أحس أن موضوع عمله الذي هو الأدب(النص الأدبي) ربما كان مجالا حيويا لتجريب بعض افتراضاته، افتراضاتاقتبسها من الألسنية خاصة وبعض العلوم الحقة. وعاد الموقف العمليscientisme من جديد كمنهج يتقدم معظم المناهج فى دراسة الأدب. وتختلفالمقاربة العملية خلال القرن التاسع عشر عن مقاربة القرن العشرين باختلافالمنطلقات النظرية لكل منهما، فبدلا من أن كان الإنسان هو الذي يقولالعالم بواسطة اللغة أصبحت اللغة هي التي تقول العالم لتوصف فى استقلالهاعن منتجها (Sujet) ونجم عن هذه الرؤية علم لغوي جديد يدعى الألسنية.وخلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي تشكل تيار باسم التحديثوالطبيعة العلمية scientificité ويضم هذا التيار انتروبولوجيا كلود لفيستراوس Strauss وعلم نفس لاكانLacan، وإبستمولوجيا فوكو Foucault، وشعريةأو بنيوية Barthes بارت. وبدافع التحديث راحوا يسخدمون الألسنية فىمقارباتهم.وذهب بعض الألسنيين إلى القول إن هؤلاء شوهوا الألسنية ومنهم B.Malmberg و G. Mounin وغيرهم. وجرج مونان يقول : "يجب أن تكون لديناالجرأة لنقول إن هذه الموضة، وهذا الإدعاء يشكلان عدم حظ الألسنية الثالثفى فرنسا [...] لقد اكتفت وسائل الإعلام فى مجال الألسنية بهذه المعلوماتالصحفية المأخوذة عن الفلاسفة [... ] إن استخدام المصطلحات الألسنية منطرف مجموعات تدعى معرفتها كان استخداما مشكوكا فيه وفى أحيان كثيرة يكونخاطئا"[8].ويمضي جورج مونان فى تحذيره دارس الألسنية قائلا:"يجب أن نبدأ - وياللمفارقة - عند تعلمنا لهذا الحقل باللائحة السوداءللذين لا تجب قراءتهم عند البداية إذ لا تجب قراءة لفي ستراوس C.L.Straussلأن استخدامه للفونولوجياPhonologie يستند إلى استعمال تقريبي لها رغمالقوة والنشاط الذي استخدمت به فى مجال الانتروبولوجيا"[9].ويمضى قائلا "إن لفي ستراوس فى إحدى أطروحاته الأساسية هو الذي يقول إنالفونولوجيا Phonologie تدرس الظواهر الألسنية الواعية منتقلة إلى بنيتهاالفوقية اللاواعية. [....]".[10]ويتناول مونان معظم مستخدمي الألسنية لاكان Lacan، و فوكو Foucault وبارت Barthes فى مجال النقد الأدبي مظهرا الأخطاء التي وقعوا فيها، فمثلابارت قد استخدم مصطلحات لا تدل إلا على ضدها في كتابه مبادئ علم الأدلةEléments de Sémiologie حيث يقول : ج III2-1 "الأكيد أن المركب قريب جدامن الكلام"[11] وقد عكس المعنى تماما.ونراه في موضع آخر وفى كتابه مقدمة السميولوجيا Intoduction à laSémiologie يظهر بعض الأخطاء الألسنية التي وقع فيها بارت في كتابه مبادئفي علم الأدلة الآنف الذكر، وفى كتابه الآخر Mythologies من مثل مصطلحاتكالدلالة الحافة connotation الذي أخذه عن Hjelmslev/. هذه المصطلحات هيالتي أوقعت Barthes في الضياع، ويقول مونان بصراحة: "إن بارت لم يفهممصطلحات نظرية سوسير فى العلامة ولا يعرف استخدام الوسائل المصطلحية التييلجأ إلى استخدامها".وقد درس مونان كتاب بارت S./Z. وأظهر أن استخدامه لمفهوماتcommunication إيصال و système نظام، signe علامة و symbole إشارة غير مرضوغير مقنع».[12]وقد أكد توما بافلPavel فى كتابه السراب البنيوي ما ذهب إليه مونان،وتوقف عند مصطلحات كالدلالة الاصطلاحية dénotation والدلالة الحافةconnotation مظهرا سوء استخدامها عند بارت Barthes وجماعة Tel Quel. فلقدكان هؤلاء يضاربون بهذه المصطلحات موظفين إياها لصالح الايديولوجيا وقدسخر بافل Pavel من بارت قائلا : "إن وراء الموضوعات العلمية يمكن نفيهاالساخر، ويظهر ذلك من خلال معالجة بارت لنص S /Z سنة 1970".[13]إن محاولة تأسيس نقد أدبي بنيوي قد لاقت نجاحات كبيرة رغم المآخذ التيأخذت على هذا الاتجاه والتي تمس هذا النقد في الصميم أي الأسس العلميةالتي أنبنى عليها، لكن هذه الأسس تبدو واهية وغير صحيحة فى نظر الكثيرينممن درسوا المنطلقات العلمية والفكرية لهذه الحركة، كما رأينا، وقد انتبهإلى هذا الخلل نقاد كثر ممن حاولوا تقصي هذا التيار منذ نشأته لننظر مثلاالتناقض المتمثل في الأوصاف المتعارضة التي يصف بها كولار Culler هذاالاتجاه في كتابه، فهو يقول : "علم ولا منطق جمود أو دينامكية ، تهدمللنقد أو تضخمه - إن إمكانية تلك التهم المتناقضة توحي لنا بالخصوصيةالأساسية للبنيوية كقوة خفية راديكالية غير محددة".[14]وتزايدت الانتقادات والقراءات لهذا المنعطف. ففي الثمانينات ظهرتدراسات من مثل كتاب BRIVERESSE (بريفرس) Le philosophe chez lesautophages 1984. وكتابهRationnalité et Cynisme, 1984 وكتاب A.COMPAGNONالمعنون : La troisième république des lettres, 1983 ، وكتاب تودوروفالآنف الذكر Critique de la Critique, 1984.وهذه الكتب ركزت على المنطلقات الفكرية للحركة، وعلى التصالحاتالتعسفية التي أقامها رواد التيار البنيوي بين إديولوجيتهم، والاتجاهاتالفلسفية والعلمية الأخرى.وحسب Pavel الآنف الذكر فقد حاولت إحدى هذه الحركات - بعدما أعلنتقطيعة مع الفيلولوجيا، والدراسات التاريخية والنقد الجمالي، والانطباعي -الاستناد على النحو التقليدي وحـــــتى على الحدس إذا دعت الحاجة إليه،وقد تجلى ذلك في دراسات زمتور P. ZIMTOR و RICHARD و GENETTE G. وغيرهم.ويظهر من خلال الحوار الذي أجرته مجلة Débat فى عددها 29 من سنة 1984بين GENETTE وFUMAROLI أن المسافة بين شعرية GENETTE وتاريخ الأدب قليلة.ففيمارولي FUMAROLI يرغب في الرجوع إلى تاريخ الأدب، وجنت يرى أن هذاالتاريخ يكمل إلى حد ما نظرية الأدب التي صاغتها الشعرية فهو يقول :«لايوجد هناك تناقض فى ذهني بين الشعرية Poétique والتاريخ» يعني تاريخالأدب، ص 152 من Débat رقم29.وقد كانت نواقص النموذج الألسني الذي اعتمده البنيويون مدعاة لجماعاتأخرى للبحث عن حلول خاصة يستدركون بها تلك النواقص من أمثال بارت، لاكان،شتراوس، كريماسGREIMAS بدلا من التساؤل حول مقدرة هذه الحلول الحقيقية.وأظهرت دراسات جديدة جدا الخدع التي قام بها بعض أعلام هذا التيار فياستخدامهم لمصطلحات علمية لا يعرفون دلالتها الحقيقية، ككريستيفا، ولاكان،وغيرهم، ونشير إلى الكتاب الذي أحدث ضجة فى نهاية سنة 1997 ألا وهو كتابالخدع الثقافية[15] لكاتبيه ALAIN SOKAL ، آلان سوكال،وJEAN BRICMONT،جانه بريكمون.واتجهت جماعات أخرى تضارب بمصطلحات الألسنية كألتوسير، وبارت، وفوكو،ودريدا، مستعيرين مفاهيمها لصالح الماركسية تمثل ذلك فى مواقف Change,Tel Quel وذلك خلال الستينات، ظانين أنهم وجدوا طرائق ناجعة لاعتناقالماركسية، ففوجئوا بالتعارض التام بين البنيوية الألسنية والماركسية، وقدبين L. Sève ذلك فى كتابه القيم Structuralisme et Dialéctique البنيويةوالديالكتيك 1984. إذ يقول :"لقد بدت البنيوية فى منتصف الستينات لمجموعة من المثقفين على أنهاالطريقة الجديدة والصحيحة لاعتناق الماركسية الأصيلة وذلك تحت ريادةمطمئنة لجامعيين وعلماء معروفين [... ] ومن الغريب أخذهم لشيء يظنوه تطوراعلميا حديثا للماركسية وهو يتناقض جذريا معها ألا وهو البنيوية التي تطمحإلى التأصل كإديولوجيا مسيطرة وفى الوقت نفسه تعلن نهايةالإديولوجيا".[16]2 - حول إشكالية ترجمة الخطاب النقدي الغربي إلى القارئ العربيلقد أشرنا أعلاه إلى بعض الدوافع التي أدت بالناقد العربي إلى البحث عنتجديد وسائله النقدية، ومن بين تلك الدوافع هاجس الحداثة، والدافع إلىالحداثة هو إحساس الناقد العربي بتخلف عدته النقدية. إن أهم التياراتوأكثرها رواجا في الوطن العربي هو البنيوية، مع أن بقية التيارات قد دخلتكذلك كعلم النفس وتطوراته، والمنهج الاجتماعي بمدارسه، وقد دخلت كلها عنطريق الترجمة. ولعل من أهم النقاط فى هذا الإشكال الذي طرحناه هو إشكاليةالترجمة.إن هاجس الناقد العربي المترجم من كل ترجمة يقوم بها هو أمله فى أنتعود هذه الترجمة بالفائدة المطلوبة لمن يترجم لهم، وقد كانت ترجمة النقادالفلاسفة الذين أشرنا إليهم في القسم المتعلق "بتشكل خطابهم النقديومرجعيته " الحظ الأوفر فى النصوص التي ترجمت إلى العربية، وأسهمت في تشكلخطابنا النقدي الجديد، فكثيرا ما ترجمت هذه النصوص لغاية تحديثه، ولم يفكرالناقد المترجم عندنا في المشكلات الفكرية والثقافية لهذه النصوص عنددخولها إلى حقله الثقافي، وقد نبه ايف شفرل بقوله :«في الواقع إن هذا النص [يعني المترجم] مطبوع بانتمائه لنظام ثقافيآخر ولكنه على أية حال من الواجب أن يعين حتما على أنه مترجم عن [...]وهذه الإشارة عليها أن تعمل كإنذار وتحذير للقارئ أمام ما سيقرؤه وخاصة أنهذا النص الذي تراد قراءته يحيل إلى عناصر من ثقافة أجنبية أي إلى مجموعةمن التصورات الذهنية وإلى سلوك مرتبط بها، إن كل شيء ، داخل النص المترجمقد يكون فخا أي عنصر - وحتى البسيط - يمكن أن يفهم فهما مغلوطا بالنسبةللثقافة التي أنتجته وأعطته معنى»[17].إن الأغلاط المصطلحية والفكرية التي وقع فيها بعض النقاد الذين نترجمعنهم لابد أن توقع في الخطأ من يترجمهم ومن يُترجَمُ إليهم وحتى أولئكالذين يؤسسون خطابا نقديا على المفاهيم التي أسست نقد النقاد الفلاسفة فيالغرب.إن المصطلحات قد ترجمت بفوضوية شديدة ولم تراع ترجمتها في كثير منالأحيان أبسط القواعد كالمعرفة بالحقل الذي يترجم عنه، والمساحة التيتغطيها المصطلحات في لغة معينة ليست هي نفسها نفس المساحات في اللغة التييترجم إليها، ناهيك عن عدم معرفة المترجم في كثير من الأحيان باللغة التييترجم عنها. فعدم معرفة الحقل مثلا هي التي أدت بمحمد برادة إلى إعادةترجمة كتاب بارت Le Degré zéro de l’écriture عام 1980 بعد أن ترجمه نعيمالحمصي قبل عشرة أعوام سنة 1970 تحت عنوان الكتابة فى الدرجة الصفر .لقد سهل على المترجمين نقل فكر ونقد القرن التاسع عشر وذلك لعدم إغراقهفي التجريد، ولكن النقد الجديد مضى ينحت مصطلحاته من الألسنية، وهذهالمصطلحات لا يمكن ضبط معانيها في مجال النقد لأن التشويه الذي جرى عليها،والاجتهاد الشخصي للنقاد المستفيدين منها - لإعطاء المصطلح معان أخرىبدافع التميز والريادة - كل ذلك أدى إلى عجز المعاجم المختصة في علومالألسنية بفروعها عن الإحاطة بكل دلالات المصطلح، وحتى إلى تركه لمن يحلمباجتهاد جديد. فمعجم كريماس Greimas وكورتس Courtes في السميوطيقية أو علمالعلامات الذي ظهر الجزء الأول منه سنة 1979، ذكر مؤلفاه النواقص فيتعريف المصطلحات متذرعين بأن حقل علوم اللغة لازال يتطور، ولهذا فإنهماأقتصرا على المصطلحات المستعملة، وتركا المجال مفتوحا للمعلومات التيستضيفها النجاحات اللاحقة في مجال البحث حول المصطلحات التي لا تزال تطرحإشكالا. وليس الجزء الثاني من هذا المعجم الذي ظهر عام 1986 إلا محاولةيائسة لتكملة ذلك النقص. ونظرة في هذا المعجم، يظهر لك العجز عن القبض علىكل معان المصطلحات فكلمة التناص Intertextualité فى المعجم[18] أطلت بهااكريستيفا عام 1966 دون أن تشير إلى باختين مكتشف المصطلح منذ عام 1929.ولم يشر صاحبا المعجم إلى ذلك، نعني عدم ذكر المراجع عند رائدة هذاالمصطلح في فرنسا ولم تكن الغاية من الإطلالة بهذا المصطلح عندها إلاإنجاح مصطلح آخر لباختين ألا وهو idiologème ومنذ أن دخل مصطلح التناص حقلالدراسات الأدبية وهو يتلون بتلون هذه الدراسات فهو يعني الحواريةdialogisme عند باختين وقد سمح لكرسيتفا وجماعة تل كل Tel, Quel بقتلالمؤلف كما دخل المصطلح إلى البنيوية التكوينية، ثم نظرية الإستقبال،ناهيك عما أخذه هذا المصطلح عند إدخال ريفاتير Riffaterre له فى الولاياتالمتحدة من أبعاد معنوية أخرى.ففى مادة intertextualité من الجزء الأول ص: 194 مر اكريماس وكورتسمرورا عابرا من خلال عمود ونصف على هذا المصطلح رغم مرور ثلاثة عشر سنةونصف على وجوده فى فرنسا، وعلى مضي سنة على صدور الكتاب الذي نظر للتناصألا وهو Marxisme et Philosophie du language ، ''الماركسية وفلسفةاللغة'' فقد ترجم هذا الكتاب سنة 1978 إلى الفرنسية عن الروسية. وقداختتما مادة التناص بأنها مجال خصب للدراسات في مجال الأدب المقارن إذااتجهت هذه الأخيرة إلى المقاربات النصية.ولن تزيد الصفحتان والعمود (ص 119 إلى 122) في الجزء الثاني من المعجمالمصطلح إلا غموضا. ويبدو واضحا عدم التحكم في معرفة كل استخدامات هذاالمصطلح الذي دخل العالمية من باب واسع من جراء عدم الاستقرار في حقل واحدمن حقول المعرفة. إن عدم الإحاطة بكل استخدامات المصطلح يجعل المترجم فيمأزق. ثم إن كثيرا من مصطلحات الألسنية التي استخدمت في فترة إزهارالبنيوية لم تكن إلا لتثير بلبلة وتضاربا في الاجتهادات حولها، فكيف إذاترجمت إلي اللغة العربية فمصطلح littérarité الذي ترجم عندنا بالأدبيةوكان تودوروف قد ترجمه عن الروسية، والشكلانيون الروس هم الذين أعطوهالتعريف الذي أصبح متداولا والذي هو : «أن الأدبية هي ما يجعل من أدب ماأدبا». وقد حاول تودوروف من خلال كتابه الشعرية[19] 1968 البحث عن هذهالأدبية من خلال البنيوية الشعرية.لكن دراسة الأشكال الأدبية بهذا الشكل لا تكفي لتمييز الخطاب الأدبي عنالخطابات اللا أدبية، ويظهر من خلال الكتاب الذي كتبه مارجسكو MARGHESCOUمصطلح الأدبية أن ارتباط الأدبية بالأدب يتحدد بوجود ثوابت معينة تتمثل فىالأدبية، ومن شأن هذه أن تبرر وجود مجموعة ثابتة تتمتع بخصائص هي الأدب.فهو يقول : «خصائص الأدب لا يمكن إيجادها إلا على مستوى نظام أدبي، وهذاالنظام الأدبي يختلف عن النظام الألسني والمعنوي، وهذا النظام الأدبي هوالذي يمكن تسميته بالأدبية»[20] وهو يذهب فى ذلك مذهب كوهن COHEN الذييرتب كلمات خبر لحادث سير نشر في جريدة، بشكل يجعل الكلمات تخرج مننثريتها لتستيقظ من رتابة تلك النثرية باتجاه شعريتها.لقد اكتفى واصفو الأدب عندنا بذلك التعريف للأدبية واقعين في الخطأالذي وقع فيه كثير من البنيويين في محاولاتهم لتحديد ما يدل عليه وحتىالوسائل الناجعة لاستخراجه وتحديد سماته وقد ذكر تودوروف وديكرو فيمعجمهما،[21] أنهما «لجآ في كثير من الأحيان كما هو الحال في هذا النوع منالتآليف إلى أخذ موقف شخصي حين كانا يقدمان من هنا وهناك بحوثا أصيلةمدركين نواقصها وعدم اكتمالها»،[22] وقد ركزا في دراستهما لمواضيع المعجمعلى الأوجه الدلالية Sémantique، وهما يدركان أن التركيز على هذا الجانبمن شأنه أن يستر بعض الجوانب الأخرى.إن المتصفح لهذه المصطلحات الواردة في هذه المعاجم يدرك في كثير منالأحيان عدم قدرة هذه المعاجم عن إيفاء القارئ بما يقنعه، فكيف بها إذاترجمت إلى اللغة العربية؟.إن قيام دراسات حول الترجمة لهو في نظرنا من أهم ما يمكن عمله في هذهالمرحلة من تاريخ نهضة العرب الأدبية والمحاولات في هذا المجال قليلة، وقدتسمح بحوث من هذا النوع بردع بعض المترجمين من غير المتمكنين، والذينيشوشون على القارئ العربي ويحرمونه حسب تعبير - عبد النبي ذاكر - من فرصةاللقاء مع فكر مغاير. ونذكر هنا بتلك المقارنة التي أعدها ذاكر لترجمتينعربيتين لكتاب JEAN.COHEN لكوهن Structure du language poétique تحت إشرافالدكتور سعيد علوش.[23]وتظهر هذه المقارنة بين ترجمتين عربيتين لنفس الكتاب مدى التعسف فيترجمة المصطلح وبخاصة ترجمة أحمد درويــــش، ولم تثن تلك الملاحظات القيمةاحمد درويش عن المضي في ترجمة كتاب آخر لنفس المؤلف ألا وهو[24] : Le Hautlanguage théorie de la Poéticité. سنة 1995.إن ترجمة مصطلحات مهزوزة ومغبشة في مظانها ليبعث على التساؤل عنإشكالية استقبالها. إن كثيرا من القراء العرب لهذه الترجمات عن البنيويةوما بعد البنيوية قد بدت لهم غير مفهومة، والشائع أن عدم فهمها أنهاعميقة، ولكن عدم الفهم في كثير من الأحيان ليس لأنها عميقة بل لأنها مغبشةفى مظانها، ولأنها ترجمت بتغبيشها فزادها ذلك غموضا.زد على ذلك أن الأزمة التي يعاني منها الخطاب النقدي العربي المتمثلةفي الرتابة التي يتصف بها الخطاب النقدي التقليدي هي التي أدت بالناقدالعربي إلى دخول مغامرة البحث عن تجديد وسائل نقده بواسطة هذه المصطلحاتالمأخوذة عن الغرب.إن الصراع بين أنصار القديم وأنصار الجديد قد حسم إلى حد لصالح هذاالأخير على الساحة العربية، سواء على مستوى الإبداع الأدبي والنقدي. ومنذأن بدأ ذلك الصراع والمجدد العربي يستعير معظم جديده من الحضارة الغربيةالتي أصبحت نموذجه الأعلى، فهي رائدة الحداثة، وهذا المجدد شديد الاقتناعبما تقترحه عليه من تطورات، ويزيد من اقتناعه بها التطور الملحوظ فيمجالات لا أدبية كالمجالات العلمية مثلا.وقد نجم عن ذلك نوع من التثاقف فقد معه المجدد العربي حاسة النقد وعدمالوقوف بتراجع أمام تلك الثقافة. إن عقدة التخلف وعدم مسايرة العصر حاضرةفيه والإرهاب النفسي يسوقه إلى ابتلاع لقمة أكبر من فيه، فكان ما كان معالبنيوية في مطلع الثمانينات، فأي شخص لا يتعامل معها ومع مناهجها يكونمتخلفا ورافضا للجديد.وراح - من جراء ذلك - القراء العرب يقبلون على قراءة البنيوية، ولايتعبون أنفسهم للتعرف على مرجعيتها الألسنية، رغم جهود اللسانيينوالجامعيين العرب، فإن هذه الجهود تظل ناقصة وعدم الوضوح لازال يكتنفالمصطلحات اللسانية والنقدية، وأصبحت الألسنية عندنا كآوى الذي لم نر منهإلا ابنه البنيوية. وفي الأخير نشير إلى ما كنا قد أشرنا إليه في بدايةهذا البحث ألا وهو الاستعمال التقريبي لمصطلحات الألسنية من طرف روادالبنيوية، والذي أكدته دراسات كل من جورج مونان وتوما بافل. وإذا كانمونان وبافل وغيرهما قد كشفوا بجرأة عن تلك الظاهرة على مستوى الألسنيةوالخطاب النقدي فإن الكتاب الذي صدر مؤخرا وهو الخدع الثقافية ImposturesIntellectuelles للكاتبين سوكال وبريكمون يكشف عن الاستعمال الخاطئ لبعضالمصطلحات العملية عند هذا التيار، وقد ذكرا أن مشروعا موازيا يمكن أنيقام على سوء إستخدام المصطلحات الألسنية وغيرها3 - تشكل الخطاب النقدي العربي الجديد:لقد حاول بعض النقاد العرب استخدام هذه المصطلحات معرفين في نفس الوقتالقارئ العربي بها، وذلك في كتاباتهم النظرية وممارساتهم التطبيقية، فكيفكان ذلك؟ وما هي انعكاسات توظيفها على خطاب نقدي عربي يحاول أن يتأسس؟ ومامدى نجاح، أو فشل هذا الخطاب النقدي غداة استقبال القارئ العربي له؟.لمعالجة هذه القضايا قمنا بتتبع الخطاب النقدي للناقدة يمنى العيد التي اشتهرت في مطلع الثمانينات بكتاباتها الغزيرة في هذا الموضوع.بعد المرحلة الماركسية[25] خلال السبعينات، قامت يمنى العيد في مطلعالثمانينات بتوظيف مصطلحات البنيوية في كتابتها النقدية، وبدأت أولىمحاولاتها في كتابها المعروف: بمعرفة النص[26] الذي أعيد طبعه أكثر منمرة، وقامت الناقدة بتعريف مصطلحات سوسير SAUSSURE من مثل signe العلامة،signifiant الدال، signifié المدلول، وكان هاجسها هو الوصول من خلال هذهالأدوات المأخوذة عن الألسنية هو التعرف أكثر على النص الأدبي. وقد حذرتيمنى العيد من استخدام هذه المصطلحات خارج الحقل الثقافي الذي نشأت فيه،وذلك خشية تشويهها، وهي تريد تكييفها مع الواقع العربي والنقد البنيوييعني بالنسبة لها إجلاء بنية النص، بنية مكونة من عناصر، ووظيفة النقد هيدراسة هذه البنية بتحليل: أولا مستواها السطحي باتجاه مستواها العميق،فمثلا على مستوى الصورة الشعرية يجب البحث أولا عن المعاني التي ينظمهاالمحور الأفقي axe syntagmatique، وهذه المعاني تنتمي إلى الجذر التركيبي،ومن ثم تدرس المعاني التي ينظمها المحور العمودي، وهي دلالات تتعلقبالتداعيات والإيحاءات[27]. وهذه المصطلحات هي الأساس لتعرية البنية فهيتقول: «نكشف آليات الحركة بين عناصر النص، ونكشف الرؤية التي تحكمها وربماتمكن الباحث فى مجموعة نصوص أن يكشف قوانين مشتركة بينها»[28]. هذه هيالطريقة التي يجب أن تكون دليلا للباحثين العرب.إن قراءة لهذه الأطروحات تفرض بعض الملاحظات:إن الملفت للنظر هو كون يمنى العيد تحاول بناء ممارسة نقدية علىالبنيوية مركزة على بعض التعريفات المجتزأة والتي لا يربطها نسق فكريواحد، فهناك سوسير من جهة وهناك شمسكي CHOMOSKY وهناك ابروب PROPP، وهي معكل ذلك تتهم التحليل البنيوي بأنه سريع وعام[29]، والأدهى كونها تذكرتطبيقات محمد بنيس فى كتابه: ظاهرة الشعر المعاصر فى المغرب مثالا علىتطبيق هذا التحليل البنيوي[30]. وتستخدم تعابير مجردة لإيضاح مفهومات منمثل syntagme و paradigme مفهومات البنيوية الألسنية.إن استخدام شومسكي لمصطلح syntagme ليس تأثرا بالفكر التجريبي لسوسير،بل لإيضاح وصفه للغة وعملها son fonctionnement إن إستخدام البنية العميقةوالبنية السطحية عندها ليس فى محله، فإما مقاربة ألسنية بنيوية، وإمامقاربة معيارية شومسكية. ويبدو أن يمنى العيد لا تدرك أبعاد النظريات التيتقترح مفاهيمها لا ولا المآخذ التي أخذت على هذه النظريات فما أكثرالتناقض الذي وقع فيه شمسكي خلال تطور نظريته من سنة 1965 مرورا بالنظريةالمعيارية لسنة 1971 الموسعة، وقد سخر جرج مونان منه قائلا: «يوجد عنده[شمسكي] دائما كما هو الحال فى الإنجيل جملة لم تذكر، وهذه الجملة تقولعكس ما يريد مذهبه بشكل عام قوله».[31] والمشكلة لا تكمن فقط في معرفةالنظرية الشمسكية بقدر ما هي مشكلة اللغة التي يمكن وصفها بواسطة هذهالنظرية، فاللغة العربية ما زال وصفها بوسائل النظريات الألسنية قاصرا،وقد قال الدكتور جعفر دك الباب: «العرب بأمس الحاجة اليوم إلى الاستفادةمن معطيات الألسنية الحديثة ليتمكنوا فى ضوئها من فهم خصائص بنية اللغةالعربية بشكل صحيح».[32]وإذا كانت اللغة العربية قد وصفت وصفا لغويا في العهود القديمة فإن لغتنا اليوم تختلف عن ذلك وقد أوضح الفاس الفهري ذلك بقوله :«اللغة العربية كما وصفها سبويه ليست هي اللغة الموجودة حاليا باعتبار خصائصها التركيبية والصوتية».[33]ويبدو من الصعب من هذه الناحية، محاولة توظيف مقارنة ألسنية على النصالعربي متأثرة بالألسنية الغربية قبل إعداد بحوث ودراسات مماثلة، من طرفالألسنيين العرب على لغتهم، ومن ثم استفادة نقاد الأدب العرب من تلكالبحوث فيما يقترحونه من مقاربات، ويظهر أن جهود عرب كالفاس الفهريوالمسدّي وغيرهما لم يشر إليها لا من بعيد ولا من قريب، فمن الصعب إذا أننكون بارت عربيا قبل أن يوجد فردنان دسوسير عربيا. ومن الصعب كذلك توظيفشمسكي قبل معرفة ما اقترحه الألسنيون العرب في بحوثهم على اللغة العربيةممن وظفوا النظرية المعيارية.ويظهر التعسف لدى يمنى العيد أكثر في محاولاتها التطبيقية لأنأطروحاتها النظرية ليست دقيقة، والتعريفات مغبشة وغير صحيحة. فمثلامصطلحات مثل المركب والإستبدال syntagmeوparadigme واللذين بدا أنها لاتفرق بينهما مع أن الفارق واضح. فالعلاقات التركيبية syntagmatiques تكمنبين الوحدات الموجودة فى العبارة، والمثال الذي قدمه سوسير هو «إذا أصبحالطقس جميلا فسوف نخرج»[34] إذ تكون كلمة الطقس لا قيمة لها إلا فيعلاقاتها التركيبية التي تربطها بالكلمات التي سبقتها، أما الإستبدالparadigme فإنه : «خارج الخطاب فالكلمات تقدم شيئا مشتركا داخل الذاكرة،وتتكون مجموعات، وداخل هذه المجموعات تسود علاقات كثيرة الاختلاف».[35]والأمثلة التي تقدمها يمنى العيد لتعرف المركب تجعله في الواقعاستبدالا لأن المركب لا يمكن تعريفه إلا داخل عبارة. ومن جهة أخرى فإن هذاالاستبدال الذي أخذ على أنه مركب هو خلط بين مدلولات المصطلحين، فهي تقولمثلا : «نكشف الدلالات التي ينظمها المحور الأفقي، وهي دلالات تتعلقبالجذر التركيبي، ثم الدلالات التي ينظمها المحور العمودي وهي دلالاتتتعلق بالتداعيات، والإيحاءات، أُوضح ذلك بالنظر إلى المفردة "المعلب"،على المحور الأفقي axe syntagmatique أورد علب، علب و"المغلف" و"المخبأ"وعلى المحور الثاني العمودي axe paradigmatique أورد التسويق، التجارة،الربح، الاستغلال، الرأسمالية».[36]فى الواقع "معلب"، و"علبة" لهما نفس الجذر ولكن أن نضيف إليهما "مغلف"و"مخبأ" كسر الترتيب، وعاد الإحصاء على مستوى المعنى التضميني connotatifفليست تعريفات المصطلحات عندها خاطئة فحسب ولكنها أيضا لا تربط هذهالمصطلحات بأهميتها فى السياق أو النص.إن كل شيء داخل نص هو علامة signe وهذا يستدعي المركب الذي هو تتابعالعلامات داخل هذا النص، ومن هنا يمكن استخراج نحو للسرد باستخراج وظائفهذه العلامات، وبعد ذلك يمكن في خطوة لاحقة إعداد استبدال على مستوى هذهالوظائف، والمثال الذي أعطاه بارت BARTHES في التحليل البنيوي للسرد فيحديثه عن أقصوصة افلوبير FLAUBERT هو التالي «إن إدخال الببغاء إلى بيتفليستى Félicité له ارتباط بمقطع التأثيث والولع بالتحف».[37]إن الاستبدال في هذا المثال يكمن في الاختيار بين هذه المقاطع:الحصول على الببغاء: التأثيث أو عدمه، والولع بالتحف أو عدمه.إن إدخال مفاهيم النظرية الشومسكية والبنيوية في بلورة نظرية لتحليلالخطاب الأدبي العربي من طرف يمنى العيد ليبعث على التساؤل عن مدى فهمهالهذه النظريات.وفى محاولة ثانية راحت يمنى العيد تربط النص بالمجتمع وقد تساءلت فيإطار نقدها للمنهج البنيوي عن إمكانية قبول المثقف عزل النص الذي تقول بهالبنيوية. وإذ تأسف لكون المنهج البنيوي في تحليله يعزل النص، فإنها فيمقابل ذلك تراه ضروريا كخطوة أولى، فالعزل كما ترى يمنى العيد "موقت".[38]وفى مرحلة ثانية ترغب في ربط النص بالمجتمع وتتساءل: «ألا يدخل هذاالجماعي إلى النص الذي مادته اللغة أو ليست اللغة حسب سوسير ذات طابعجماعي؟».[39] وتمضي تقول:«والذي يقوله الكاتب هل يقوله كفرد معزول، أو كفرد يتكون في موقعاجتماعي ويقول ما يقوله بلغة الجماعة، وربما بلغة جماعته أو فئتهالاجتماعية؟».[40] وقد سعت يمنى العيد إلى ربط النص أولا بواسطة سوسيروثانيا بواسطة باختين.أ - بواسطة سوسير :ومن أجل ربط النص بالمجتمع عمدت يمنى العيد إلى أطروحات سوسير والمتعلقة بالتمييز بين اللغة والكلام وتساءلت قائلة:«إن النص الأدبي يتكون وينهض وينبني في مجال ثقافي هو نفسه، أي هذاالمجال الثقافي موجود في مجال اجتماعي».[41] ومن هنا ترى أنه يمكن إدخالالاجتماعي في النص الأدبي ولكنها عندما انطلقت من نظرية سوسير فإنها أدغمتاللغة في الكلام، فهي ترى أن سوسير عندما يقول: إن اللغة ذات طابعاجتماعي، فإنها تفهمه من الوجهة التاريخية؛ ولكن اجتماعيsocial بمعناهالسوسيري، يعني أن اللغة عقد اتفقت عليه الجماعة [مثل النحو، والمفردات ]ولا يمكن للفرد خلقها، أو تغييرها لأنها دائما كانت هنا.social اجتماعي، يعني أن اللغة خارجة عن الأفراد، وخروجها عن الأفرادهو الذي يسمح لهم بالتفاهم في الواقع إن الكلام وحده له طابع اجتماعيبالمعنى التاريخي، بمعنى أنه واقع في مرحلة معينة من التاريخ. ويمنى تريدتبرير نظريتها بواسطة تمييز سوسير بين اللغة والكلام، ولكنها تدغمالمفهومين لأن النقد الأدبي في نظرها، وعلى عكس سوسير، هو عمل على اللغةوليس على الكلام. ومن ناحية أخرى فإن تعريفها للغة تظهر من خلاله خصائصالكلام التي وصفها سوسير: فهو متموقع - أي الكلام - في مرحلة تاريخيةمعينة. والتساؤل الذي تطرحه لا يتناسب مع البنيوية الألسنية.في الواقع إن الخلفية الفلسفية التي تدعم هذا المنهج الألسني النقديتجعل الكاتب لا يتكلم. واللغة هي التي تقول العالم، وهي التي تحدد الكلام"إذن النص" والواقع معا. إن تساؤليمنى يفرض وجود الكاتب من خلال النص الذيأنتجه، وهي بذلك تسقط فى اعتبارات الفيلولوجيا القديمة Philologie وفكربيفون BUFFON "الأسلوب هو الرجل"، وشيء من سسيولوجيا الأدب، في الوقت الذيترفض فيه البنيوية الألسنية ربط العلامات "النص" بالكاتب. النص من وجهةنظر البنيوية الألسنية هو نظام من العلامات، وكما يقول بارت: «من يتكلم(داخل السرد) ليس هو من يتكلم في الحياة، ومن يكتب ليس هو من يوجد فيالسرد».[42]إن مواجهة البنيوية بقراءة ماركسية، هو الذي أوقع يمنى العيد في هذاالتناقض، والخلط. ويظهر ذلك من خلال التساؤلات التي تتخلل خطابها النظري،والتي تعجز عن إيجاد أجوبة عليها.وعندما تقول إن التحليل البنيوي يمكن أن يشكل مرحلة يجب عدم إهمالها،وتحاول ربط النص بالمجتمع بعد هذا التحليل، فإنها تنتقل من البنيوية إلىالنقد الاجتماعي للأدب. والهدف عندها من هذه المحاولة هو تحديد مفاهيمالأدب الماركسية متجاوزة بذلك نظرية الانعكاس العتيقة. فبدلا من أن تبحثفى النص عن تمظهرات الواقع الاجتماعي كما فعلت فى كتابها الدلالةالاجتماعية لحركة الأدب الرومنطقي فى لبنان، تريد الانطلاق من بنية النصنفسها لاستخراج مرجعه الاجتماعي وفى نفس الوقت أدبيته.ب - بواسطة باختين :إن باختين يتعارض مع سوسير بتركيز باخين على الكلام (التلفظennonciation) وهو الذي يؤكد طابعه الاجتماعي وليس الفردي لأنه مربوطبظروف الإيصال communication ، والذي لا يمكن فصله عن البني الاجتماعية.ومن هنا جاءت نظريته: لكل علامة signe بعد اديولوجي، ولكي تربط يمنى العيدالكلمة mot بالأفق الاجتماعي، راحت تتبع فكر باختين : باختين الذي يرى أنهيجب أن يثمن الشيء الذي يظهر في كل مراحل تطور المجتمع، ولابد لهذا الشيءمن أن يربط بالظروف الاجتماعية والاقتصادية للجسم الاجتماعي الذي من أجلهقد عرض، والشيء يصبح كلمة mot وعلامة signe فى سياق اجتماعي.مثل باختين ستقوم يمنى العيد بالتركيز على التركيب syntaxe وغايةباختين من التركيب هو قربه من القواسم المميزة للتلفظ ennonciation، وهذاالأخير أي التلفظ غير منفصل عن الإيصال الاجتماعي. وبهذا يكون باختين علىتعارض مع الألسنيين (سوسير، ومع المدرسة الذاتية الفر دانية VOSSLERوتلامذته)، وذلك عندما وسع البحث حول الجملة خارج السياق في اتجاه الصياغةالكاملة (أو على الأقل المقطع) المنتجة دائما في سياق اجتماعي، لأنالمتكلم مخلوق اجتماعي يتجه إلى مخلوق اجتماعي آخر. وباختين سوف يهتمبمشكل التركيب الخاص: بالأسلوب المباشر، والغير مباشر، والغير مباشر الحر.وسوف يبرهن على الكيفية التي تعكس بها هذه الأساليب الخاصة بالغير - عندإدماجها في الروي - الاتجاهات الاجتماعية، والتقاطع الشعري في مرحلةمعينة، ولدى فئة اجتماعية معينة.بالنسبة ليمني العيد، التركيب هو النظام النحوي للأشياء المادية بوصفهاكلمات، اكتسبت معاني اصطلاحية. والكلمة لا وجود لها إلا اجتماعيا،والتركيب هو وضع الكلمة في إطار عملية إيصال، وحسب قولها فإن «التركيبموضوع تداولي تخاطبي (شفهي، أو كتابي بين الناس)»[43]، وهذا هو نفسه الذيذهب إليه باختين: إن السياق الخاص الذي ينتج التلفظennociation هوالحوارية dialogisme والذي تشهد عليه دراسة خطابات الغير كما ورد في كتابهالماركسية وفلسفة اللغة:«إن التلفظ هو الناتج من المشترك بين شخصين منتظمين اجتماعيا، وحتى إذالم يكن هناك مخاطب حقيقي، فيمكن إبداله بممثل متوسط للجماعة التي ينتميإليها المخاطب».[44]بيد أنه إذا كانت أمثلة الخطابات عند باختين تبرهن على أن التركيب يمكنأن يتطور، فإن التركيب بالنسبة ليمنى العيد ثابت وحدها العبارة / التلفظالتي تؤسس دعامته هي التي تتغير وتتضمن أثر الحركات الإديولوجية.إن وجود هذا الفرق مهم جدا: فإذا كانت اللغة بالنسبة لباختين، يمكن أنتتغير، فإنها بالنسبة ليمنى، لا تتغير لأن مفهوم التركيب لديها ثابت.وبناء على ذلك فإن براهينها متناقضة مع أطروحاتها، كما اتضح، لأن اللغة عندها في نهاية المطاف ليست اجتماعية.ج - الرهان على المشروع :إن مشروع ربط النص بالمجتمع يأخذ مكانه داخل الأزمة الثقافية والنقديةالتي عاشها الوطن العربي فى أخريات الستينات وبداية السبعينات. فمنذالخمسينات من القرن الماضي ظل النقد العربي من خلال بعض وجوهه البارزة،كمحمود أمين العالم، وحسين امروة ومحمد دكروب، يقترح نفس الأطر النقدية :كل أثر أدبي يعكس حالة اجتماعية معينة، ومضى لفترة طويلة يكرس نفس الأطر.صحيح أن هذا النقد كان يستجيب إلى حد لانتظارات جمهور كان يطلب منالأدباء والنقاد اتخاذ بعض المواقف السياسية أمام المحن التي كان الوطنالعربي يعاني منها. وإذا كانت تلك المحن لا تزال قائمة، فإن الحل الماركسيومع مرور الزمن بدأ يفقد صداه، وبدأت محاولات جديدة تفرض نفسها علىالساحة، وقد يفسر التراجع عن المارسكية التقليدية في مجال النقد الأدبيوالفني، بالسبب نفسه.إن ريادة الماركسية في مجال النقد الأدبي خلال الخمسينات والستيناتوحتى السبعينات، قد يفسر، بعدم وجود منافس للماركسة في التيارات الفكريةوالأدبية التي زامنتها، فالقومية العربية لم تطور نظرية في مجال الأدبوالفن، واكتفى القوميون بنظرية الانعكاس الماركسية. وعدم الحوار بين هذينالاتجاهين أدى بالماركسية إلى عدم التساؤل حول منهجيتها وحتى حول نظريتهافي مجال الأدب، ولم تظهر حركات خارج الماركسية الرسمية. وكان النقاد العربيتجهون إلى الإنتاج الماركسي داخل البيروقراطية في الاتحاد السوفيتي، ولميحسوا إلا قليلا بالأطروحات الماركسية التي كانت تتطور في الغرب.ولم يشهد النقد الماركسي في البلدان العربية تطورا ملحوظا إلا من خلالنقاد كيمني العيد التي كانت من أكثرهم انفتاحا على الغرب، ولكن محاولةإقامة تصالح بين الماركسية والبنيوية في النقد الأدبي سيواجه - في الواقع- برفض أساسي للبنيوية كاديولوجيا.ويمنى العيد تحاول في خطابها النقدي، إدراج المآخذ التي أخذهاالماركسيون على البنيوية، والمتصلة بالصعوبة التي يواجهها هذا التيار فيإعطاء شرح مقنع للانتقال من بنية (لغة) من وضعية إلى وضعية. وفى الواقعإن دراسة بنية دياكورنية لا يمكن أن تكون إلا تتال لوضعيات مستقلة للغةمعينة، ومن شأن هذا أن يكسر كل رؤية لتاريخ متماسك، ومستمر، ويتعارض هذامع الرؤية الماركسية للتطور التاريخي للمجتمع واللغة. ولو كانت البنيويةأعطت اهتماما لدراسة اللغة من منظور تاريخي لكانت على تناقض مع تعاليمهاالأساسية. وإذا كانت البنيوية قد طرحت أن كل بنية تحتوي على مقومات وجودهاالخاص، وأن عناصرها تستمد معانيها من العلاقات القائمة بين هذه العناصر،فإنه سيحصل تناقض إذا ما أقيم البحث لتبرير وضعية معنية للغة بوضعية سابقةأو لاحقة وحتى إذا أقيم البحث في الكيفية التي تم بها هذا التحول بينهاتين الوضعيتين.وفي الأخير يمكن إرجاع إشكالية المعنى في الخطاب النقدي العربي الجديدإلى عدم معرفة النقاد العرب بالخلفية الفكرية والعليمة التي أسست الخطابالنقدي الجديد في الغرب وإلى الطبيعة المتشعبة لتلك الخلفية. كما يمكنإرجاع إشكالية المعنى كذلك إلى الترجمة التقريبية بل السيئة لهذا الخطاب.إن هذه الملاحظات يجب ألا تفهم على أنها دعوة ضد الأخذ عن الغرب ولا عنأية حضارة أخرى، فلا يمكن لأي أدب أن يعيش اكتفاء ذاتيا، إن كل أدب بحاجةإلى أن يلتفت مرحليا - حسب جتهGœthe - إلى الخارج، وعالم اليوم أصبح مدينةواحدة، وعلينا إذا أردنا الأخذ من هذا الخارج أن نحيط بما نأخذ لنحذرعقابيله.
    الإحالات
    [1]-أحسسنا سنة 1985 بضرورة نقد للنقد فقمنا بأول اقتراح لترجمة هذا الكتابوصدرت ترجمة الفصل المتعلق بمخائيل باختين في مجلة المعرفة الصادرة عنوزارة الثقافة السورية العدد 281، إلى أن ظهرت ترجمة د/ سامي اسويدان، عنمركز الإنماء القومي، لبنان في السنة الموالية 1986 ..


    [2]- CHEVREL (Ives), «Le Discours Critique» Dans Précis de la Littérature Comparée, Paris PUF , 1989 P.195.


    [3]- برادة (محمد) محمد مندور وتنظير النقد العربي بيروت دار الآداب 1979،وبلمليح (إدريس) الرؤية البيانية عند الجاحظ المغرب، الدار البيضاء عن دارالثقافة 1984.


    [4]- علما أن رولان بارت فى حوار له مع مجلة Magazine Littéraire.رقم 184 سنة1982 يرى أنها تسمية سطحية، ويرى أنها ظاهرة موضة جمعت أدباء ونقاد شديديالاختلاف ص79-78.


    وجيرارجنت G.Genette يتهرب هو الآخر من هذه التسمية، بقوله إنه لا يرغب فى تمثيلنقد جديد ويرغب فى أن تسمى محاولاته بالشعرية Poétique ورد ذلك فى مجلةDébat رقم 29 مارس 1984 ص 145 - 146 .


    [5] - أنظر دراستنا فى مجلة حوليات كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة انواكشوط العدد رقم 3 1991 - 1992 " ص 37.


    [6] - الخطيب (ابراهيم) "نقادنا العرب بعيدون عن العصر " فى اليوم السابع بارس بتاريخ 27/9/1987م.


    [7] - المسدي (عبد السلام) النقد والحداثة دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت 1983 ص 16.


    [8] - MOUNIN (G) La Linguistique Ed. Seghers Coll. Clefs Pour Paris 1968 - 71 - 87- P 10



      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 1:16 pm