[center]
الثلاثاء, 01 يونيو 2010 16:12
معاني " الواو " العاطفة
بين الاصطلاح المعنوي
والتقعيد اللغوي الأصولي
ذ. أحمد كروم
أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – أكادير
اعتمد اللغويون والأصوليون ظاهرة الاصطلاح المعنوي، باعتبارها طريقا تأمليا في كلام العرب، وفي الأصول الموضوعة عند أهل اللغة، لإدراك حكم الشرع بهذا التأمل، انطلاقا من مصادر التشريع كالكتاب والسنة وغيرها من أصول الشرع. ومن خلال هذا التأمل في الاصطلاح المعنوي كانت معاني الحروف عندهم محل نظر، خصوصا ما يتعلق بمعاني حروف العطف، حيث نالت ظاهرة الاصطلاح المعنوي في هذه الحروف تأملا دقيقا يصعب التمييز فيه بين المادة الاستقرائية اللغوية والتأملية الأصولية. الشيء الذي جعل النظرة الاستدلالية فيه مكتملة الجوانب في بعديها اللغوي والأصولي.
- اصطلاحات معاني حرف الواو العاطفة:
1. مطلق الجمع
وقد ذكر الأصوليون هذا الإطلاق المعنوي لحرف الواو العاطفة بناء على إجماع النحاة بذلك. يقول السبكي: "الواو للجمع المطلق بإجماع النحاة لأنها تستعمل حيث يمتنع الترتيب مثل: " تقابل زيد وعمرو" ، و "جاء زيد وعمرو قبله" لأنها كالجمع والتثنية وهما لايوجبان الترتيب" (1).
فيظهر من خلال هذا الإطلاق الصفة الربطية لمعنى حرف من حروف المعاني، وهو (الواو) الذي يقصد استعماله في هذا المفهوم بأنه: "للجمع المطلق من غير أن يكون المبدوء به داخلا في الحكم قبل الآخر. ولا أن يجتمعا في وقت واحد بل الأمران جائزان وجائز عكسهما، نحو قولك: "جاءني زيد اليوم وعمرو أمس"، و "اختصم بكر وخالد"،و"سيان قعودك وقيامك، وقال الله تعالى:وَادْخُلُوا البَابَ سُجدَا وَقُولوا حِطَّةٌ (2 ) وقال: وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلوا البَابَ سُجدا (3) والقصة واحدة،وقال سيبويه:(4) "ولم تجعل للرجل منزلة لتقديمك إياه يكون أولى بها كأنك قلت:مررت بهما" (5).
وقد أكد الزمخشري في كشافه ما ذهب إليه في (المفصل) من معنى مطلق الجمع للواو، وذلك في سورة الأعراف في الآية السابقة حيث قال: "و سواء قدموا الحطة على دخول الباب ، أو أخروها ، فهم جامعون في الإيجاد بينهما "(6). وقد أشار ابن هشام إلى فواصل هذا التعلق المعنوي في اصطلاح مطلق الجمع لحرف الواو، حيث قال: " الواو العاطفة، معناها مطلق الجمع فنعطف الشيء على مصاحبه نحو: فَأَنجَيْنَاهُ وأصْحَابَ السَّفيِنةِ (7)، وعلى سابقه نحو: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإبْراهيمَ وعلى لاحقه: وَكَذَلِكَ يُوحَى إليْكَ وَإلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكَ ، وقد اجتمع هذان في : وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَ إبْراهيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسى بْنِ مَرْيَمَ (10)" (11).
كما أشار الزمخشري إلى حدود هذا الجمع في الصفات في قوله تعالى : هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ والبَاطِنُ (12) حيث قال: فإن قلت: فما معنى الواو؟ قلت الواو الأولى معناها الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين: الأولية والآخرية، والثالثة، على أنه الجامع بين الظهور والخفاء، وأما الوسطى: فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليتين ومجموع الصفتين الأخريين " (13).
وحينما اعتمد الأصوليون والنحاة مفهوم (مطلق الجمع)، ميزوه عن مفهوم (الجمع المطلق) وإن كان يبدو التشابه متوهما بينهما عند انعدام التأمل. فقد ذكر ابن هشام أن إطلاق بعضهم على معنى الواو الجمع المطلق غير سديد وذلك لتقييد الجمع بقيد الإطلاق، وإنما هي للجمع لا يقيد " (14). وقد التقى المنظور النحوي بالمنظور الأصولي في تدقيق هذا الإطلاق، حيث نقل ابن السبكي في الإبهاج ما ذكره تقي الدين بن دقيق العيد عن بعض الباحثين المتعلقين بعلم العقول أنه فرق بين مطلق الماء، والماء المطلق، بما حاصله: أن الحكم المتعلق بمطلق الماء، يترتب على حصول الحقيقة من غير قيد، والمرتب على الماء المطلق، مرتب على الحقيقة بقيد الإطلاق (15). كما يضيف ابن السبكي في قوله عن التمييز بين الجمع المطلق، ومطلق الجمع حيث قال: وقد جرى البحث مع والدي رحمه الله في قاعدة مطلق الشيء، والشيء المطلق، ولا شك أنه إذا أخذ المطلق قيدا في الشيء، كان المراد بالأول حقيقة الماهية، وبالثاني هي تقييد الإطلاق، فالأول لا يقيد والثاني يقيد "(16).
وحينما نتأمل هذه القياسات الاصطلاحية التي أوردها ابن السبكي وكانت مرجعية تمييزية عند الأصوليين في إطلاق (الجمع المطلق) و(مطلق الجمع) نجد أن (مطلق الماء) يختلف عن (الماء المطلق). فمطلق الماء مقيد بالطاهر والطهور والنجس، وكل من الطاهر والنجس ينقسم بحسب ما يتغير به، ويخرجه ذلك عن أن يطلق عليه اسم الماء. أما (الماء المطلق) فلا ينقسم إلى هذه الأقسام، وإنما يصدق على أحدها، وهو الطهور، وذلك لأنه أخذ فيه قيد الإطلاق، وهو التجرد عن القيود اللازمة التي يمتنع بها لأن يقال له ماء إلا مقيدا كقولنا: ماء متغير بزعفران، أو أشنان أو نحوه، وماء اللحم وماء الباقلاء وما أشبه ذلك (17).
كما ميزوا بهذا الاعتبار بين إطلاقات أخرى منها (الرقبة المطلقة) و(مطلق الرقبة). حيث إن إطلاق الرقبة: يصدق على السليمة والمعيلة، والمطلقة لا يصدق إلا على السليمة. فلا يجزي في العتق عن الكفارة إلا رقبة سليمة، لإطلاق الشارع إياها. والرقبة المطلقة مقيدة بالإطلاق، بخلاف مطلق الرقبة (18). وكذلك الدرهم المذكور في العقود قيد بقيد الناقص والكامل، فإذا أطلق يتقيد بالكامل المتعارف عليه في المعاملات ونحوها في الرواج بين الناس. ومنها ثمن الأجرة، والصداق، وغيرها من الأعراض المجعولة في الذمة، ينقسم إلى الحال والمؤجل. وإذا أطلقت إنما تحمل الحال، فالإطلاق قيد اقتضى ذلك. وغيرها من الإطلاقات القياسية الاستطرادية التي اهتم بها الأصوليون في مسألة الجمع المطلق، ومطلق الجمع في معنى حرف العطف.
وقد ذكر ابن السبكي أن والده ألف مختصرا لطيفا في ذلك على وجه السؤال والجواب، وقد ذكر منه: " فإن قلت: اللفظ إنما وضع لمطلق الحقيقة لا الحقيقة المطلقة فتقييدكم قيدا في اللفظ. فإن قلت: من المعلوم أنه ليس في اللفظ فهل يقولون إن ذلك قرينة حالية، أو لفظية، وهي متوسطة بين القرائن الملفوظ بها، والقرائن الحالية وهي هيئة صادرة من المتكلم عند كلامه، وذلك أن الكلام قد يخرج عن كونه بالزيادة والنقصان وقد لا يخرج عن كونه كلاما ولكن يتغير معناه بالتقييد. فإنك إذا قلت: قام الناس، كان كلاما يقتضي إخبارك بقيام جميع الناس. فإذا قلت: إن قام الناس، خرج عن كونه كلاما بالكلية. فإذا قلت: قام الناس إلا زيدا لم يخرج عن كونه كلاما، ولكن خرج عن اقتضاء قيام جميعهم إلى قيام ماعدا زيدا" (19).
فالنص الذي اعتمده ابن السبكي في تأملات أصولية لغوية مركزة، يشير إلى مسألة الاصطلاح المعنوي الذي وضعه الواضع حيث جعله متهيئا لأن يفيد ذلك المعنى عند استعمال المتكلم له على الوجه المخصوص، والمقيد في الحقيقة إنما هو المتكلم، واللفظ آلة موضوعة لذلك. فكانت معاني الحروف معاني مخصوصة تدل على وضع اصطلاحي معين يرتبط بتركيب الكلام، فهي آلة موضوعة له. وقد تمم هذه الفاصلة الإمام السرخسي بقوله: "ثم إنهم وضعوا الفاء للوصل مع التعقيب، وثم: للتعقيب مع التراخي ومع: للقران، فلو قلنا بأن الواو توجب القران أو الترتيب كان تكراراً، باعتبار أصل الوضع، ولو قلنا إنه يوجب العطف مطلقا، لكان لفائدة جديدة باعتبار أصل الوضع. ثم يتنوع هذا العطف أنواعا؛ لكل نوع منه حرف خاص، ونظيره من الأسماء، الإنسان: فإنه للآدمي مطلقا، ثم يتنوع أنواعاً؛ لكل منه اسم خاص بأصل الوضع، والتمر كذلك وهو نظير في اسم الرقبة إنه للذات مطلقا من غير أن يكون دالا على معنى التقييد بوصف. فكذلك الواو للعطف مطلقا باعتبار أصل الوضع" (20).
2. الجمع في التركيبين
وهذه الظاهرة فهم منها أن معاني الحروف في العطف جامعة بين تركيبين، أي بين معطوف ومعطوف عليه. وهذه العلاقة تتميز بتميّز معاني الحروف في استعمالاتها. كأن يفهم من سياقها: المشاركة أو الترتيب أو التعقيب أو غيرها من المعاني التي أثارت أوجها استدلالية في فهمها المتبادر من استعمالات حروف العطف. لذلك نجد اللغوين والأصوليين حين يتحدثون عن ظاهرة الجمع في التركيبين في مسألة العطف، يصدرون في تعليلهم عن أسئلة جدلية مسبقة كقولهم:"القِران في اللفظ: هل يوجب القران في الحكم؟.
قال عامة أهل الأصول: لا يوجب.وقال بعض الفقهاء: إنه يوجب" (21).
وصورة هذه المسألة أن حرف الواو متى دخل بين الجملتين التامتين كل جملة مبتدأ وخبر، فالجملة المعطوفة هل تشارك الجملة المعطوف عليها في الحكم المنوط بها؟ فأجمعوا أن المعطوف إذا كان ناقصا بأن لم يذكر فيه الخبر، فإنه يشارك المعطوف عليه في خبره ويشاركه في حكمه كقوله: " زينب طالق وعمرة "، فإن قوله و(عمرة) يشارك زينب في وقوع الطلاق. وقد عللوا هذه المشاركة بكون الثاني (عمرة) ناقصا لا يفيد لنفسه دون المشاركة في خبر الأول، وقد نقلت هذه المشاركة بواسطة حرف (المعنى) (و). وعلى هذا الأصل تعلق بعض الفقهاء في نفي وجوب الزكاة على الصبي بقوله تعالى : وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ (22). لقد عطفت الزكاة على الصلاة لذلك يجب أن تشاركها، فلا تجب الصلاة عليه وكذا الزكاة، تحقيقا للمشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه. وقد تمسك الفقهاء في هذا التعليل بأن (الواو) للعطف لغة ولهذا تسمى واو العطف عند أهل اللغة، ومقتضى العطف هو الشركة في الخبر (23).
إلا أن هذا الاعتبار الذي ذهب إليه الأصوليون في إطلاق العطف على معنى المشاركة يحتاج إلى نظر في الكلام المستعمل لمعنى العطف. فإذا كان المعطوف متعريا عن الخبر أو ما يسمى بالمعطوف الناقص فإنه يشارك الأول في خبره فيجب القول بالشركة في الأصل. وإن كانا كلامين تامين كقولهم: "إن دخلت الدار فامرأتي طالق وعبدي حر" فإن غرضه هو تعليق عتق العبد بدخول الدار لا التنجيز، فكان العطف عليه دليلا على أنه أراد به المشاركة للأول في التعليق.
وعندما نمثل بالآية القرآنية: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ والَّذين مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ (24)، فالجملة الثانية وهي قوله تعالى: وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدَّاءِ عَلَى الْكُفَّارٍ ، معطوفة على الجملة التي قبلها ولا يوجب الشركة في الرسالة التي هي خبر للجملة الأولى، ولهذا نظائر كثيرة في القرآن. فالمعقول في هذه المسألة أن الأصل في كل كلام تام أن ينفرد بحكمه، ولا يشارك الكلام الأول فيه، وإن كان معطوفا عليه بحرف الواو. يقول السمرقندي: "إن واو العطف يقتضي الشركة في بعض الأحوال لا على الإطلاق، لكن لا نسلم . فما قولكم إنها تقتضي الشركة إذا دخلت على الجملة الناقصة أو على الجملة الكاملة؟ فإن قلتم في الجملة الناقصة فمسلم، وإن قلتم في الجملة الكاملة فهو موضع النزاع وفي المسألة إشكالات" (25).
فمعرفة معاني العطف لا يكفي فيها تحديد الأحكام العامة للعطف في علاقته بالمعطوف بأنه يفيد المشاركة، بل هناك ظواهر أخرى تقتضي النظر ومد التأمل في إدراك العلاقة الرابطة بين التركيبين وفق المعاني المحصلة. وتحديد هذه المعاني بطبيعة الحال كان محل نزاع لغوي أصولي. فعندما نبحث في دور معاني حروف العطف في التعلق داخل الجمل التامة، نجد هناك خلافا أصوليا مرده إلى تحديد معنى الحرف في التركيب بين الجزأين: ففي الجملة: " زينب طالق ثلاثا وعمرة طالق". (فعمرة) تطلق واحدة وكل واحد من الكلامين جملة تامة أي يتكون من تركيبين (مبتدأ + خبر)، والرابط بينهما وهو (الواو).
فذهب بعض الحنفية كما ذكر السرخسي، إلى أن معنى الربط في هذه الجملة هو (الابتداء)، حيث قال: " فالواو بينهما عند بعض مشايخنا لمعنى الابتداء حيث يحسن نظم الكلام" (26). وقد قاسوا على هذا المعنى قوله تعالى:
- وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ (27).
- وَ يَمْحُ اللَّهُ البَاطِلَ (28).
- وَ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ (29).
قال السرخسي في معنى الواو في هذه الأدلة:" إنه ابتداء عندنا" (30). فلا تقتضي مقارنة أو ترتيبا.
وذهب أصحاب الشافعية إلى أن الواو السابقة للترتيب(31). أي أن معنى الترتيب حصل من الواو باعتبار الأهم في التركيبين حيث احتجوا في ذلك بأن العرب من عادتها أن تبدأ بالأهم . ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: أبدأوا بما بدأ الله به (32). حين سئل عن البداية في قوله تعالى: إنَّ الصَّفَا والمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (33).
وقد جعل الشافعية معنى الترتيب المتبادر من معنى حرف العطف ركنا في الوضوء لأن في الآية عطف اليد على الوجه بحرف الواو فيجب الترتيب كما في قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمُ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَاَيْديكُمُ (34). كما أوجب ترتيب السجود على الركوع بالواو في قوله تعالى: ارْكَعُوا واسْجُدُوا فالترتيب مستحق في أفعال الوضوء عند الشافعي، بناء على النص السابق (35). وعلى هذا الترتيب قيست بعض الحالات التي يمكن أن يجري عليها معنى الترتيب في الواو كقول القائل:"أنت طالق وطالق وطالق"،فإنه حسب الشافعية لا يقع إلا طلقة واحدة،ولو كانت للجمع طلقت ثلاثا كما لو قال:"أنتق طالق ثلاثا أو طلقتين"(36).
إلا أن هذه المعاني التي فسرت بها مادة الحروف خصوصا في العطف عند الأصوليين أو اللغويين كانت مثار جدل في تعليق المعاني على الجمل المعطوفة، حيث كانت مناقشتهم في أغلبها استدلالية مبنية على القياس والاستعمال اللغوي وفق النصوص الموظفة في الظواهر الحجاجية. وهذه المناقشات الأصولية اللغوية كانت موجهة إلى الاصطلاحات المستعملة في معاني الحروف العاطفة من حيث ترتيب الأحكام وبناء القواعد عليها. فكانت عند الأصوليين بالوضع الاصطلاحي في معاني الحروف تنطلق من مراعاة حقيقة اللفظ التي تميز مجموعة من الدوال الحرفية في دلالاتها على المعنى المراد. فقد ميزوا بين (الجمع المطلق)، و (مطلق الجمع)،كما ميزوا بين (العطف) و (الاشتراك)، وبين (القران) و (الترتيب). وكان ضبطهم للاصطلاح المعنوي في الحروف ينطلق من الفهم العام لسياق الكلام مع الاعتماد على الوظائف النحوية المعينة على الوجه الاستقرائي للقواعد. لذلك كان هناك تواصل مصطلحي بين النحويين والأصوليين في إرساء التحديدات المتعلقة و بمعاني الحروف عموما. فعندما يتحدث النحاة عن معنى الاشتراك في واو العطف يقصدون بذلك: "اشتراك الثاني فيما دخل فيه الأول، وليس فيها دليل على أيهما كان أولا " (37) . وأشاروا إلى ذلك بصيغة أخرى: "إنما جئت بالواو لتضم الآخر إلى الأول وتجميعهما وليس فيه دليل على أن أحدهما قبل الآخر"(38) . ومثلوا لذلك بقولهم: "جاءني زيد وعرو"، و"مررت بالكوفة والبصرة". فجائز أن تكون البصرة أولا، كما قال الله عز وجل : وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعين والسجود بعد الركوع(38) .
كما ميزوا بين لفظ الاشتراك والترتيب عند تمييزهم بين حرفي (الواو) و (الفاء). فالأولى تدل على الاشتراك، والثانية توجب أن الثاني بعد الأول وأن الأمر بينهما قريب،كقولك رأيت زيدا فعمرا،ودخلت مكة فالمدينة (40).
إلا أن استعمال الاصطلاح المعنوي، سواء عند الأصوليين، أو اللغويين، لم يقنع في طرحه، حيث أثار اختلافا كبيرا في تأديته لمعاني الحروف، وذلك لتطرق الاحتمال في الدلالة الاصطلاحية إلى معانيه، رغم محاولتهم التمييزية. ومن مظاهر الاحتمال في الاصطلاح المعنوي عند الأصوليين مثلا قولهم في معنى الواو: " للجمع مطلقا في التعلق، أو التحقق وقيل للترتيب"(41). كما نقل عن بعضهم: " لا خلاف بين أصحابنا أن الواو للعطف مطلقا إلا أنهم يقولون إنها موجبة للاشتراك بين المعطوف عليه، في الخبر"(42) . وعندما يتحقق الاحتمال في المعاني تظهر المذاهب والمشاحاة الاصطلاحية، والأوجه الاستدلالية المعبرة عن اشتداد الحاجة إلى تحصيل المراد من وضع الألفاظ، كما يظهر الاهتمام بصياغة القواعد العامة المؤسسة للمنظور الترجيحي للمذهب.
- ظاهرة التقعيد في ترجيح معاني حرف العطف
يرتبط التقعيد في معاني الحروف بفهم النصوص ودلالتها على المعاني المقصودة، ولذلك نجد اللغويين والأصوليين يولون الاهتمام لصياغة القواعد في وضع الضوابط لترجيح المعاني التي يذهبون إليها. ونذكر من هذه القواعد:
القاعدة الأولى:
" يسبق إلى الأفهام في مخاطبات العباد أن البدائية تدل على زيادة العناية، فيظهر بها قوة صالحة للترجيح" (43) .
سياق هذه القاعدة وضع في إطار فهم نصوص تدل على الجمع أو الترتيب، أو المعية. وأن ما يبتدأ به في الكلام قصد به العناية والاهتمام أكثر مما يليه بواسطة رابط العطف. فهل يطلق على هذا الرابط وفق القاعدة السابقة معنى الترتيب، أو الجمع، أو غيره؟ نجد الاستدلال على هذه الحالات يرتبط باختلافات أصولية ولغوية. وترجع هذه الاختلافات إلى استعمال (الواو) للجمع، وهي لفظة تفيده في اللغة. كما ينظر إليها على أنها لفظة تقتضي الترتيب والمعية.
فالذين يرون أن العناية محصلة بالقاعدة السابقة اعتبروا معنى الحرف مستعملا للترتيب، أي الابتداء بالأهم فالأهم، وهو الذي اشتهر بين أصحاب الشافعي، حيث استشهدوا له بنصوص، منها قضية الخطيب، حيث قال بين يدي الرسول (صلى اله عليه وسلم): " من يتق الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى" (44). فقال له بئس الخطيب أنت قل "ومن يعص الله ورسوله"، حيث ساوى بين معصية الله ومعصية الرسول وجمع بينهما في آن واحد، وكان من اللازم أن يرتب الكلام حسب الأولى بالعناية، وهو الله ثم رسوله. وفي آن مسألة الحج والعمرة، والترتيب في آية الوضوء والغسل والمسح.
إلا أن فهم الترتيب على أنه العناية المقصودة من الفهم، لاقى اعتراضا من قبل الأصوليين. وذلك لأن إفراد اسم الله تعالى بالذكر بواسطة الواو للتعظيم لا للترتيب. ففي المثال السابق أن معصية الرسول هي عينها معصية الله. فلا وجه للترتيب، فالتقدم يجوز عقلا بين معصية الله ورسوله، باعتبار أن معصية الله ممنوعة بالذات، ومعصية الرسول لأجل كونها معصية الله(45). كما أن فهم الترتيب من معنى الواو في مسألة الحج والعمرة في قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لِلَّهِ (46) ، أن المقصود من تقديم الحج على العمرة هو أن (الواو) للأعم، أي للجمع المطلق فلو وضع مكانها (الفاء) لم يكن الكلام مستقلا، فالواو توجب، حيث إنه للتعقيب مع الوصل. فلو كان موجب الواو الترتيب لم يختل الكلام بذكر الفاء مكانه (47). كما استدلوا على أن (الواو) لا تفيد الترتيب، بأنها لو أفادته لدخلت في جواب الشرط كالفاء، ومعلوم أنه لا يحسن أن يقول قائل: " إذا دخل زيد الدار و أعطه درهما"(48) .كما أن النصوص التي تتعلق بالوضوء والغسل والمسح التي فهم منها الترتيب، تتعارض مع نصوص أخرى مخالفة لذلك الترتيب، كقوله تعالى: وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعين (49) . وفي مناقشة الأصوليين لترجيح المعاني التي يذهبون إليها يوردون قواعد ضابطة منها:
-(العطف على القريب أولى من العطف على البعيد) (50).
أي أن الواو تفيد معنى العطف وضعا مع مراعاة القريب فيه. فقوله تعالى: إنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (51) فإن مراعاة الترتيب بينهما ليس باعتبار هذا النص حيث إن فيه بيان أنهما من شعائر الله، بواسطة العطف ولا ترتيب في هذا، وإنما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): " ابدأوا بما بدأ الله تعالى" وذلك على وجه التقريب إلى الأفهام ، لا لبيان أن الواو توجب الترتيب (52).
فالذي عليه جمهور النحاة والفقهاء، أنها لا تدل على ترتيب ولا معية، وقد نقل عن صاحب التسهيل قوله: " لكن احتمال تأخر المعطوف كثير، وتقدمه قليل، والمعية احتمال راجع" (53).فتكون المذاهب المحصلة في أم الباب المتعلقة بمعاني حروف العطف وهي (الواو) ما يأتي:
1- أنها لمطلق الجمع، ومعناه أي جمع كان.
2- أنها تدل على المعية، ونقله إمام الحرمين عن الحنفية.
3- أنها تدل على الترتيب، وقد نقل عن الشافعي وطائفة من النحاة، منهم ابن درستويه وثعلب وأبو عمرو الزاهد وابن جني وابن برهان الربعي.وقد أنكر ابن الأنباري هذا النقل عن جميع من ذكر من النحاة،وزعم أن كتبهم تنطق بخلاف ذلك،حيث لم يرو هذا النقل عنهم إلا في بعض التعاليق الخلافية الفقهية،لافي كتب أهل اللغة العربية(54) .كما أنكر أبو إسحاق الشيرازي (ت476هـ)ما نقل عن الشافعي(ت204هـ)أن معنى الواو تفيد "الترتيب"حيث قال:أما نقل هذا القول عن الشافعي فخطأ. قال أبو منصور البغدادي:نعاد الله أن يصح عن الشافعي أنها للترتيب.وإنما هي عنده لمطلق الجمع" (55) .
وبذلك تكون القاعدة السابقةيسبق إلى الأفهام من خطابات العباد أن البدائية تدل على زيادة العناية). أن ايجاب الشافعي الترتيب في الوضوء ليس من معنى الواو، بل من جهة أن العبادات كلها مرتبة كالصلاة والحج والوضوء والواو لا تنفي الترتيب.
القاعدة الثانية:
(المجموع بحرف الواو كالمجموع بكنايــة الجمع) (56).
ومعناه؛ أن الواو للعطف والاشتراك على أن يصل واحد من المذكورين كأنه مذكور وحده على وجه الجمع بينهما ذكراً. وبيان صورة القاعدة: فيما إذا كان لرجل ثلاثة عبيد فقال: " هذا حر أو هذا وهذا" فإنه يخير في الأولين ويعتق الثالث عينا. كأنه قال: "هذا حر أو هذا حر". وعند الفراء: يخير فإن شاء أوقع العتق على الأول وإن شاء على الثاني والثالث: لأنه جمع بينهما بحرف الواو (57). "هذا حر وهذان". كما اختلفوا وفق هذه القاعدة في عطف الجملة التامة على الجملة التامة بحرف (الواو) كقولهم: "زينب طالق ثلاثا وعمرة طالق". فإن عمرة تطلق طلقة واحدة، وكل واحدة من الكلامين جملة تامة مكون من مبتدإ وخبر، ومجموع بالواو. فالأرجح في هذه الحالة أن الواو للعطف والاشتراك ولا تفيد الترتيب. كما أن العطف يستفاد من مجموع الكلام لا من بعضه كما ذهب إلى ذلك زفر في قوله: لو قال لغير المدخول بها: "أنت طالق واحدة وعشرين"، فإنها تطلق واحدة، وذلك لأن الواو للعطف، فتبين بالواحدة قبل ذكر العشرين.
فما ذهب إليه زفر اعتمد على الكلمة الواحدة، لا على مجموع الكلام الذي يقتضيه العطف في القاعدة. أي مجموع ما قبل الواو بما بعده. لذلك نجد السرخسي يعلق على ما ذهب إليه زفر بقوله:"ولكنا نقول: تلك كلمة واحدة حكما، لأنه لا يمكن أن يعبر عن هذا العدد بعبارة أوجز من هذا، وعطف البعض على البعض يتحقق من كلمتين لا في كلمة واحدة. فإنما يقع هنا عند تمام الكلام فتطلق ثلاثا كما لو قال واحدة ونصفا، تطلق اثنثين لأنه ليس لما صرح به عبارة أوجز من ذلك. فكانت كلمة واحدة حكما(58) . فعند زفر تطلق طلقة واحدة.
القاعدة الثالثة:
(ليس في آخر الكلام ما يغير موجب أوله فيتعين الجمع والاشتراك) (59) .
فهذه القاعدة أوردها الأصوليون لإثبات العطف للاشتراك في الخبر لا لإثبات خبر آخر. ومن صور هذه القاعدة: استعمال معنى حرف العطف في الصور الآتية:
- لو تزوج رجل أمتين بغير إذن مولاهما ثم أعتقهما مولاهما معا. جاز نكاحهما. لكن لو قال بواسطة حرف العطف.
- " أعتقت هذه وهذه" ، جاز نكاح الأولى، وبطل نكاح الثانية، وذلك لأنه ليس في آخر كلامه ما يغير موجب أوله. فنكاح الأولى صحيح اعتق الثانية أم لم يعتق. وبنفوذ العتق في الأولى تنعدم محلية النكاح في حق الثانية. والعلة: لأن الأمة ليست من المحللات مضمومة إلى الحرة. وبذلك يكون لمعنى الحرف الدال على العطف لطائف تدل على الجمع المطلق، بحيث لا يشعر في الإخبار بأن آخر الكلام بتغير أوله حكما أو معنى. وإذا حصل عكس ذلك انتفت وظيفة الجمع فيه التي هي الأصل عند اللغويين والأصوليين. ومن صور هذه القاعدة أيضاً:
- لو زُوج رجل رضيعتين في عقدين بغير رضاه فأرضعتهما امرأة ثم أجاز الزوج نكاحهما، فلو قال: "أجزت نكاح هذه وهذه" بطل نحاكهما أيضاً لأن في آخر كلامه ما يغير موجب كلامه. والعلة في ذلك: أن في آخر الكلام ما يثبت الجمع بين الأختين نكاحاً، وذلك مبطل لنكاحهما،فيتوقف الكلام على آخره (60) .
فدلت هذه القاعدة على أن الأصل في الكلام المعطوف أنه متى كان في آخره ما يغير موجب أوله توقف أوله على آخره.ولهذا لو ذكر الاستثناء في آخر الكلام بطل الكلام به،وكذلك إذا ذكر شرطان لـ (إن) بالتعليق بالشرط تبين أن المذكور أولا ليس بطلاق، وإذا توقف أوله علىآخره تعلق الكل بالشرط جملة،وإذا كان الشرك سابقا فليس في آخر الكلام ما يغير موجب أوله(61) .
فلو قال قائل:"أنت طالق وطالق إن دخلت الدار". فإنها تطلق ثلاثا عند الدخول جملة. فقد قاس مالك هذه الجملة على التنجيز في العطف كقوله:" أنت طالق وطالق وطالق"، فأعطى للواو معنى المقارنة.
القاعدة الرابعة:
(احتمال دلالة المعاوضة في الخلافات الثابت بأول الكلام لا يتغير بالعطف) (62). يقصد الأصوليون بالمعاوضة في معنى الحرف الدلالة على تعويض حرف المعنى الدال على العطف بحرف آخر على سبيل المجاز. فقد تستعمل (الواو) بمعنى الباء مجازا، وذلك معروف في القسم، إذ لا فرق بين قوله: والله وقوله بالله. فقد حمل الأصوليون دلالة المعاوضة مجازا، للدلالة على مجموعة من المواضيع كالمضاربة والخلع.
ففي المضاربة: كقولهم:" خذ هذه الألف، واعمل بها مضاربة في البز "، فإنه لا يتقيد بصرفه في البز، وله أن يتجر فيما بدا له من وجوه التجارات لأن "الواو" للعطف. فالإطلاق ثابت بأول الكلام لا يتغير بهذا العطف.
وفي الخلع: كقول المرأة لزوجها: " طلقني ولك ألف درهم" فإن طلقها تجب الألف عليها. وكذلك لو قال الزوج: "أنت طالق وعليك ألف درهم" فقبلت تجب الألف عليه". وفي التعبير عن الخلع بواسطة العاطف طريقان:
أ-أن يستعمل الواو بمعنى الباء مجازا في دلالته على القسم بدلالة المعاوضة لأن الخلع عقد معاوضة، فكان المعنى بمنزلة ما لو قال: "احمل هذا المتاع إلى بيتي ولك ألف درهم".
ب-أن تستعمل بمعنى واو الحال كما لو قالت له: " طلقني في حال ما يكون لك في ألف درهم". وقد ذهب الأصوليون إلى حمل هذا على دلالة المعاوضة كما في قوله: "أد إلي ألفا وأنت طالق" كما حددوا احتمال الواو للحال وذلك إذا كان بصيغة تحتمل ذلك كما في قولهم: " أد وأنت حر"، انزل وأنت آمن". فصيغة كلامه للحال، لأنه خاطبه بكلام معطوف أوله على آخره بصيغة واحدة تتحقق بحالة واحدة، وهي في المثالين حالة الأداء وحالة النزول.
أما قولهم في المتاجرة:"خذ هذه الألف وأعمل بها في البز" فليس في هذه الصيغة احتمال الحال،لأن البز لا يكون حالا لعمله.وفي قوله:" أنت طالق وأنت مريضة" فإن المثال يدل على العطف حقيقة ولكن فيه احتمال الحال، لأن الطلاق يتحقق في حال المرض. وقد بنوا على هذه المسألة قاعدة أصولية تقول:"فلاعتبار الظاهر لا يديم في القضاء،ولاحتمال كونه محتملا تعمل نيته" (63).
وحينما ننظر في مفهوم العوض عند الأصوليين في الخلع والإجارة نجد قصدهم في الأول ينصرف إلى أن الألف عوض عن الطلاق في قولهما: "طلقني ولك علي ألف"، لأن الطلاق في الغالب يكون بغير عوض. "ألا ترى أنه بذكر العوض يصير كلام الزوج بمعنى اليمين، حتى لا يمكن أن يرجع عنه قبل قبولها " (64) . بخلاف الإجارة فإنه عقد مشروع بالبدل لا يصح بدونه، فكأنه حمل اللفظ على المجاز باعتبار معنى المعاوضة فيه لأنه أصل. فيكون العوض مجازا في دلالة معاني حرف العطف، ولا يمكن ترك حقيقة العطف فيه باعتبارها دليلا زائداً على ما وضع له في الأصل.
نجد وسط التخريجات الأصولية والشواهد الاستدلالية أن موضوع العطف بمعاني حروفه يعتبر مادة أساسية في الأبحاث الأصولية واستدلالاتها، وتخريج أحكامها، وبناء قواعدها الأصولية التي تقرب أفهام المكلفين منها، وذلك في مواضيع متنوعة، تحتاج إلى دراسة مستقلة في تركيز النظر على البعد الأصولي في تقعيده لقضايا العطف، وأغراضه في النصوص الشرعية. وإذا كنا قد ركزنا على معنى (الواو) باعتباره أم الباب في معاني حروف العطف فإن ذلك راجع إلى اشتداد حاجة الفقيه إلى معرفة معاني هذا الحرف وتقييد النظر بدورانه في تعلق معانيه بأغراض الكلام المتنوعة حسب معانيه الواردة في الخطاب الشرعي وارتباطه بالمصطلحات الشرعية المستعملة في النصوص الواردة. فهو أكثر الحروف عناية من قبل الأصوليين واللغويين، أما معاني الحروف الأخرى فقد أولوها عناية التحصيل لمعانيها، مرتبة حسب اشتداد الحاجة في إثارة القضايا المعنوية.
هوامش المصادر والمراجع
1- الإبهاج في شرح منهاج البيضاوي للسبكي علي بن عبد الكافي وابنه تاج الدين: تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1981،1/ 338.
2- سورة البقرة: الآية 58.
3- سورة الأعراف: الآية 161.
4- الكتاب، سيبويه أبو البشر عمرو بن عثمان:، تحقيق: عبد السلام هارون، ط3، عالم الكتب، بيروت، 1403هـ، 1993م. 1/437-438، حيث مثل بقولهم مررت برجل وحمار قبل، لأن الواو أشركن بينهما في الباء فجريا عليه.
5- المفصل في علم العربية، للزمخشري جار الله أبو القاسم محمود، وبذيله كتاب المفضل في شرح، أبواب المفضل للسيد محمد بر الدين، أبو فراس النعساني الحلبي، ط2، دار الجيل للنشر والتوزيع والطباعة،بيروت/ لبنان، طبعة مصورة عن طبعة مطبعة التقدم بمصر 1323 هـ، ص.304.
6- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت/ لبنان، مصورة عن طبعة البابي الحلبي القاهرة، 1387هـ-1968م.، 2/125.
7- سورة العنكبوت: الآية 15.
8- سورة الحديد: الآية 26.
9- سورة الشورى: الاية 3.
10- سورة الأحزاب: الآية 7.
11- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام الأنصاري، تحيق: محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1407هـ-1987م.2/354.
12- سورة الحديد’ الآية3.
13- الكشاف 4/61.
14- مغني اللبيب 2/354.
15- الإبهاج، 1/340.
16- المصدر نفسه،1/340.
17- المصدر نفسه، ص.341
18- المصدر نفسه، ص. 341.
19- أصول السرخسي، محمد أحمد، تحقيق: أبو الوفا الأفغاني، مطالع دار الكتاب العربي، القاهرة 1372هـ/1/201.
21- انظر ميزان الأصول للسمر قندي علاء الدين أبو بكر ميزان الأصول في نتائج العقول، تحقيق: محمد زكي عبد البر، ط1 ، قطر 1404هـ- 1984م، ص.415.
22- البقرة الآية 43 و83 و 10.
23- ميزان الأصول، ص.416.
24- سورة الفتح: الآية 29.
25- ميزان الأصول ص.418.
26- أصول السرخسي، 1/205.
27- سورة النساء: الآية 162.
28- سورة الشورى: الآية 21.
29- سورة النور: الآية 4.
30- أصول السرخسي، 1/205.
31- يرجع في هذه المسألة إلى جمع الجوامع وشرحه للمحلى مع حاشية البناني، دار إحياء الكتب العربية، طبع مصطفى محمد، مصر ، 1388هـ، 1/361 وما بعدها.
32- رواه النسائي وذكره النووي في شرحه لمسلم والحافظ وابن حجر في الفتح كما رواه الدار قطني في السنن، انظر أصول السرخسي1/202.
33- سورة البقرة : الآية 158.
34- سورة المائدة: الآية 7.
35- أحكام القرآن للجصاص أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاصي الحنفي، ط1، المطبعة البهية، مصر،1397 هـ.2/439-440.
36- فتح القدير، لابن الهمام كمال الدين محمد البواسي، مطبعة 1،1389هـ 1970م،1/23.
37- تخريج الفروع على الأصول للزنجاني، شهاب الدين محمود بن أحمد: تخريج الفروع على الأصول، تحقيق: محمد أديب صالح، مؤسسة الرسالة، ط3،1399هـ-1979م، ص.52.
38- المقتضب للمبرد أبو العباس محمد بن زيد: تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1388هـ،1/10.
39- الكتاب لسيبويه،2/304،1/438.
40- انظر المقتضي، 1/10.
41- انظر المصدر نفسه.1/10.
42- فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوتاللكنوي الأنصاري عبد العلي محمد بن نظام الدين ط1، المطبعة الأميرية، بولاق، مصر، 1334هـ، 1/229.
43- أصول السرخسي 1/202.
44- أصول السرخسي 1/202. نهاية السؤل وبهامشه التقرير والتحبير للكمال بن الهمام، للأسنوي جمال الدين، المجلد 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403هـ-1983م،1/229.
45- رواه مسلم في كتاب الجمعة:6/158 بشرح النووي من حديث عدي بن حاتم منفردا به، كما رواه أبو داود والنسائي 6/71 شرح السيوطي.
46- انظر مسلم الثبوت ص.232.
47- سورة البقرة: الآية 195.
48- انظر أصول السرخسي 1/202.
49- المعتمد في الأصول، البصري أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب، دار الكتب العلمية، بيروت/ لبنان، 1403هـ-1983م، 1/35.
50- سورة آل عمران: الآية 43.
51- انظر القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام علاء الدين الحسن الحنبلي، تحقيق: محمد حامد النفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403هـ- 1983م، ص. 122، وأصول السرخسي1/200. وما بعدها.
52- سورة البقرة: الآية 158.
53- انظر أصول السرخسي1/202.
54- القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام، ص.122-123.
55- المصدر نفسه، ص.123.
56- التبصرة، ص.231.
57- أصول السرخسي 1/204.
58- انظر المصدر نفسه.1/200.
59-انظر أصول السرخسي 1/204.
60- انظر أصول السرخسي 1/203-205. والمعتمد لأبي الحسن البصري ص1/31-33.
61- انظر مسلم الثبوت 1/231، أصول السرخسي 1/204.
62- انظر أصول السرخسي 1/204.
63- انظر أصول السرخسي 1/206-207.
64- أصول السرخسي 1/207.
65- أصول السرخسي 1/207.
- مجلة اللسان العربي -
الثلاثاء, 01 يونيو 2010 16:12
معاني " الواو " العاطفة
بين الاصطلاح المعنوي
والتقعيد اللغوي الأصولي
ذ. أحمد كروم
أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – أكادير
اعتمد اللغويون والأصوليون ظاهرة الاصطلاح المعنوي، باعتبارها طريقا تأمليا في كلام العرب، وفي الأصول الموضوعة عند أهل اللغة، لإدراك حكم الشرع بهذا التأمل، انطلاقا من مصادر التشريع كالكتاب والسنة وغيرها من أصول الشرع. ومن خلال هذا التأمل في الاصطلاح المعنوي كانت معاني الحروف عندهم محل نظر، خصوصا ما يتعلق بمعاني حروف العطف، حيث نالت ظاهرة الاصطلاح المعنوي في هذه الحروف تأملا دقيقا يصعب التمييز فيه بين المادة الاستقرائية اللغوية والتأملية الأصولية. الشيء الذي جعل النظرة الاستدلالية فيه مكتملة الجوانب في بعديها اللغوي والأصولي.
- اصطلاحات معاني حرف الواو العاطفة:
1. مطلق الجمع
وقد ذكر الأصوليون هذا الإطلاق المعنوي لحرف الواو العاطفة بناء على إجماع النحاة بذلك. يقول السبكي: "الواو للجمع المطلق بإجماع النحاة لأنها تستعمل حيث يمتنع الترتيب مثل: " تقابل زيد وعمرو" ، و "جاء زيد وعمرو قبله" لأنها كالجمع والتثنية وهما لايوجبان الترتيب" (1).
فيظهر من خلال هذا الإطلاق الصفة الربطية لمعنى حرف من حروف المعاني، وهو (الواو) الذي يقصد استعماله في هذا المفهوم بأنه: "للجمع المطلق من غير أن يكون المبدوء به داخلا في الحكم قبل الآخر. ولا أن يجتمعا في وقت واحد بل الأمران جائزان وجائز عكسهما، نحو قولك: "جاءني زيد اليوم وعمرو أمس"، و "اختصم بكر وخالد"،و"سيان قعودك وقيامك، وقال الله تعالى:وَادْخُلُوا البَابَ سُجدَا وَقُولوا حِطَّةٌ (2 ) وقال: وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلوا البَابَ سُجدا (3) والقصة واحدة،وقال سيبويه:(4) "ولم تجعل للرجل منزلة لتقديمك إياه يكون أولى بها كأنك قلت:مررت بهما" (5).
وقد أكد الزمخشري في كشافه ما ذهب إليه في (المفصل) من معنى مطلق الجمع للواو، وذلك في سورة الأعراف في الآية السابقة حيث قال: "و سواء قدموا الحطة على دخول الباب ، أو أخروها ، فهم جامعون في الإيجاد بينهما "(6). وقد أشار ابن هشام إلى فواصل هذا التعلق المعنوي في اصطلاح مطلق الجمع لحرف الواو، حيث قال: " الواو العاطفة، معناها مطلق الجمع فنعطف الشيء على مصاحبه نحو: فَأَنجَيْنَاهُ وأصْحَابَ السَّفيِنةِ (7)، وعلى سابقه نحو: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإبْراهيمَ وعلى لاحقه: وَكَذَلِكَ يُوحَى إليْكَ وَإلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكَ ، وقد اجتمع هذان في : وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَ إبْراهيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسى بْنِ مَرْيَمَ (10)" (11).
كما أشار الزمخشري إلى حدود هذا الجمع في الصفات في قوله تعالى : هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ والبَاطِنُ (12) حيث قال: فإن قلت: فما معنى الواو؟ قلت الواو الأولى معناها الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين: الأولية والآخرية، والثالثة، على أنه الجامع بين الظهور والخفاء، وأما الوسطى: فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليتين ومجموع الصفتين الأخريين " (13).
وحينما اعتمد الأصوليون والنحاة مفهوم (مطلق الجمع)، ميزوه عن مفهوم (الجمع المطلق) وإن كان يبدو التشابه متوهما بينهما عند انعدام التأمل. فقد ذكر ابن هشام أن إطلاق بعضهم على معنى الواو الجمع المطلق غير سديد وذلك لتقييد الجمع بقيد الإطلاق، وإنما هي للجمع لا يقيد " (14). وقد التقى المنظور النحوي بالمنظور الأصولي في تدقيق هذا الإطلاق، حيث نقل ابن السبكي في الإبهاج ما ذكره تقي الدين بن دقيق العيد عن بعض الباحثين المتعلقين بعلم العقول أنه فرق بين مطلق الماء، والماء المطلق، بما حاصله: أن الحكم المتعلق بمطلق الماء، يترتب على حصول الحقيقة من غير قيد، والمرتب على الماء المطلق، مرتب على الحقيقة بقيد الإطلاق (15). كما يضيف ابن السبكي في قوله عن التمييز بين الجمع المطلق، ومطلق الجمع حيث قال: وقد جرى البحث مع والدي رحمه الله في قاعدة مطلق الشيء، والشيء المطلق، ولا شك أنه إذا أخذ المطلق قيدا في الشيء، كان المراد بالأول حقيقة الماهية، وبالثاني هي تقييد الإطلاق، فالأول لا يقيد والثاني يقيد "(16).
وحينما نتأمل هذه القياسات الاصطلاحية التي أوردها ابن السبكي وكانت مرجعية تمييزية عند الأصوليين في إطلاق (الجمع المطلق) و(مطلق الجمع) نجد أن (مطلق الماء) يختلف عن (الماء المطلق). فمطلق الماء مقيد بالطاهر والطهور والنجس، وكل من الطاهر والنجس ينقسم بحسب ما يتغير به، ويخرجه ذلك عن أن يطلق عليه اسم الماء. أما (الماء المطلق) فلا ينقسم إلى هذه الأقسام، وإنما يصدق على أحدها، وهو الطهور، وذلك لأنه أخذ فيه قيد الإطلاق، وهو التجرد عن القيود اللازمة التي يمتنع بها لأن يقال له ماء إلا مقيدا كقولنا: ماء متغير بزعفران، أو أشنان أو نحوه، وماء اللحم وماء الباقلاء وما أشبه ذلك (17).
كما ميزوا بهذا الاعتبار بين إطلاقات أخرى منها (الرقبة المطلقة) و(مطلق الرقبة). حيث إن إطلاق الرقبة: يصدق على السليمة والمعيلة، والمطلقة لا يصدق إلا على السليمة. فلا يجزي في العتق عن الكفارة إلا رقبة سليمة، لإطلاق الشارع إياها. والرقبة المطلقة مقيدة بالإطلاق، بخلاف مطلق الرقبة (18). وكذلك الدرهم المذكور في العقود قيد بقيد الناقص والكامل، فإذا أطلق يتقيد بالكامل المتعارف عليه في المعاملات ونحوها في الرواج بين الناس. ومنها ثمن الأجرة، والصداق، وغيرها من الأعراض المجعولة في الذمة، ينقسم إلى الحال والمؤجل. وإذا أطلقت إنما تحمل الحال، فالإطلاق قيد اقتضى ذلك. وغيرها من الإطلاقات القياسية الاستطرادية التي اهتم بها الأصوليون في مسألة الجمع المطلق، ومطلق الجمع في معنى حرف العطف.
وقد ذكر ابن السبكي أن والده ألف مختصرا لطيفا في ذلك على وجه السؤال والجواب، وقد ذكر منه: " فإن قلت: اللفظ إنما وضع لمطلق الحقيقة لا الحقيقة المطلقة فتقييدكم قيدا في اللفظ. فإن قلت: من المعلوم أنه ليس في اللفظ فهل يقولون إن ذلك قرينة حالية، أو لفظية، وهي متوسطة بين القرائن الملفوظ بها، والقرائن الحالية وهي هيئة صادرة من المتكلم عند كلامه، وذلك أن الكلام قد يخرج عن كونه بالزيادة والنقصان وقد لا يخرج عن كونه كلاما ولكن يتغير معناه بالتقييد. فإنك إذا قلت: قام الناس، كان كلاما يقتضي إخبارك بقيام جميع الناس. فإذا قلت: إن قام الناس، خرج عن كونه كلاما بالكلية. فإذا قلت: قام الناس إلا زيدا لم يخرج عن كونه كلاما، ولكن خرج عن اقتضاء قيام جميعهم إلى قيام ماعدا زيدا" (19).
فالنص الذي اعتمده ابن السبكي في تأملات أصولية لغوية مركزة، يشير إلى مسألة الاصطلاح المعنوي الذي وضعه الواضع حيث جعله متهيئا لأن يفيد ذلك المعنى عند استعمال المتكلم له على الوجه المخصوص، والمقيد في الحقيقة إنما هو المتكلم، واللفظ آلة موضوعة لذلك. فكانت معاني الحروف معاني مخصوصة تدل على وضع اصطلاحي معين يرتبط بتركيب الكلام، فهي آلة موضوعة له. وقد تمم هذه الفاصلة الإمام السرخسي بقوله: "ثم إنهم وضعوا الفاء للوصل مع التعقيب، وثم: للتعقيب مع التراخي ومع: للقران، فلو قلنا بأن الواو توجب القران أو الترتيب كان تكراراً، باعتبار أصل الوضع، ولو قلنا إنه يوجب العطف مطلقا، لكان لفائدة جديدة باعتبار أصل الوضع. ثم يتنوع هذا العطف أنواعا؛ لكل نوع منه حرف خاص، ونظيره من الأسماء، الإنسان: فإنه للآدمي مطلقا، ثم يتنوع أنواعاً؛ لكل منه اسم خاص بأصل الوضع، والتمر كذلك وهو نظير في اسم الرقبة إنه للذات مطلقا من غير أن يكون دالا على معنى التقييد بوصف. فكذلك الواو للعطف مطلقا باعتبار أصل الوضع" (20).
2. الجمع في التركيبين
وهذه الظاهرة فهم منها أن معاني الحروف في العطف جامعة بين تركيبين، أي بين معطوف ومعطوف عليه. وهذه العلاقة تتميز بتميّز معاني الحروف في استعمالاتها. كأن يفهم من سياقها: المشاركة أو الترتيب أو التعقيب أو غيرها من المعاني التي أثارت أوجها استدلالية في فهمها المتبادر من استعمالات حروف العطف. لذلك نجد اللغوين والأصوليين حين يتحدثون عن ظاهرة الجمع في التركيبين في مسألة العطف، يصدرون في تعليلهم عن أسئلة جدلية مسبقة كقولهم:"القِران في اللفظ: هل يوجب القران في الحكم؟.
قال عامة أهل الأصول: لا يوجب.وقال بعض الفقهاء: إنه يوجب" (21).
وصورة هذه المسألة أن حرف الواو متى دخل بين الجملتين التامتين كل جملة مبتدأ وخبر، فالجملة المعطوفة هل تشارك الجملة المعطوف عليها في الحكم المنوط بها؟ فأجمعوا أن المعطوف إذا كان ناقصا بأن لم يذكر فيه الخبر، فإنه يشارك المعطوف عليه في خبره ويشاركه في حكمه كقوله: " زينب طالق وعمرة "، فإن قوله و(عمرة) يشارك زينب في وقوع الطلاق. وقد عللوا هذه المشاركة بكون الثاني (عمرة) ناقصا لا يفيد لنفسه دون المشاركة في خبر الأول، وقد نقلت هذه المشاركة بواسطة حرف (المعنى) (و). وعلى هذا الأصل تعلق بعض الفقهاء في نفي وجوب الزكاة على الصبي بقوله تعالى : وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ (22). لقد عطفت الزكاة على الصلاة لذلك يجب أن تشاركها، فلا تجب الصلاة عليه وكذا الزكاة، تحقيقا للمشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه. وقد تمسك الفقهاء في هذا التعليل بأن (الواو) للعطف لغة ولهذا تسمى واو العطف عند أهل اللغة، ومقتضى العطف هو الشركة في الخبر (23).
إلا أن هذا الاعتبار الذي ذهب إليه الأصوليون في إطلاق العطف على معنى المشاركة يحتاج إلى نظر في الكلام المستعمل لمعنى العطف. فإذا كان المعطوف متعريا عن الخبر أو ما يسمى بالمعطوف الناقص فإنه يشارك الأول في خبره فيجب القول بالشركة في الأصل. وإن كانا كلامين تامين كقولهم: "إن دخلت الدار فامرأتي طالق وعبدي حر" فإن غرضه هو تعليق عتق العبد بدخول الدار لا التنجيز، فكان العطف عليه دليلا على أنه أراد به المشاركة للأول في التعليق.
وعندما نمثل بالآية القرآنية: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ والَّذين مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ (24)، فالجملة الثانية وهي قوله تعالى: وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدَّاءِ عَلَى الْكُفَّارٍ ، معطوفة على الجملة التي قبلها ولا يوجب الشركة في الرسالة التي هي خبر للجملة الأولى، ولهذا نظائر كثيرة في القرآن. فالمعقول في هذه المسألة أن الأصل في كل كلام تام أن ينفرد بحكمه، ولا يشارك الكلام الأول فيه، وإن كان معطوفا عليه بحرف الواو. يقول السمرقندي: "إن واو العطف يقتضي الشركة في بعض الأحوال لا على الإطلاق، لكن لا نسلم . فما قولكم إنها تقتضي الشركة إذا دخلت على الجملة الناقصة أو على الجملة الكاملة؟ فإن قلتم في الجملة الناقصة فمسلم، وإن قلتم في الجملة الكاملة فهو موضع النزاع وفي المسألة إشكالات" (25).
فمعرفة معاني العطف لا يكفي فيها تحديد الأحكام العامة للعطف في علاقته بالمعطوف بأنه يفيد المشاركة، بل هناك ظواهر أخرى تقتضي النظر ومد التأمل في إدراك العلاقة الرابطة بين التركيبين وفق المعاني المحصلة. وتحديد هذه المعاني بطبيعة الحال كان محل نزاع لغوي أصولي. فعندما نبحث في دور معاني حروف العطف في التعلق داخل الجمل التامة، نجد هناك خلافا أصوليا مرده إلى تحديد معنى الحرف في التركيب بين الجزأين: ففي الجملة: " زينب طالق ثلاثا وعمرة طالق". (فعمرة) تطلق واحدة وكل واحد من الكلامين جملة تامة أي يتكون من تركيبين (مبتدأ + خبر)، والرابط بينهما وهو (الواو).
فذهب بعض الحنفية كما ذكر السرخسي، إلى أن معنى الربط في هذه الجملة هو (الابتداء)، حيث قال: " فالواو بينهما عند بعض مشايخنا لمعنى الابتداء حيث يحسن نظم الكلام" (26). وقد قاسوا على هذا المعنى قوله تعالى:
- وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ (27).
- وَ يَمْحُ اللَّهُ البَاطِلَ (28).
- وَ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ (29).
قال السرخسي في معنى الواو في هذه الأدلة:" إنه ابتداء عندنا" (30). فلا تقتضي مقارنة أو ترتيبا.
وذهب أصحاب الشافعية إلى أن الواو السابقة للترتيب(31). أي أن معنى الترتيب حصل من الواو باعتبار الأهم في التركيبين حيث احتجوا في ذلك بأن العرب من عادتها أن تبدأ بالأهم . ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: أبدأوا بما بدأ الله به (32). حين سئل عن البداية في قوله تعالى: إنَّ الصَّفَا والمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (33).
وقد جعل الشافعية معنى الترتيب المتبادر من معنى حرف العطف ركنا في الوضوء لأن في الآية عطف اليد على الوجه بحرف الواو فيجب الترتيب كما في قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمُ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَاَيْديكُمُ (34). كما أوجب ترتيب السجود على الركوع بالواو في قوله تعالى: ارْكَعُوا واسْجُدُوا فالترتيب مستحق في أفعال الوضوء عند الشافعي، بناء على النص السابق (35). وعلى هذا الترتيب قيست بعض الحالات التي يمكن أن يجري عليها معنى الترتيب في الواو كقول القائل:"أنت طالق وطالق وطالق"،فإنه حسب الشافعية لا يقع إلا طلقة واحدة،ولو كانت للجمع طلقت ثلاثا كما لو قال:"أنتق طالق ثلاثا أو طلقتين"(36).
إلا أن هذه المعاني التي فسرت بها مادة الحروف خصوصا في العطف عند الأصوليين أو اللغويين كانت مثار جدل في تعليق المعاني على الجمل المعطوفة، حيث كانت مناقشتهم في أغلبها استدلالية مبنية على القياس والاستعمال اللغوي وفق النصوص الموظفة في الظواهر الحجاجية. وهذه المناقشات الأصولية اللغوية كانت موجهة إلى الاصطلاحات المستعملة في معاني الحروف العاطفة من حيث ترتيب الأحكام وبناء القواعد عليها. فكانت عند الأصوليين بالوضع الاصطلاحي في معاني الحروف تنطلق من مراعاة حقيقة اللفظ التي تميز مجموعة من الدوال الحرفية في دلالاتها على المعنى المراد. فقد ميزوا بين (الجمع المطلق)، و (مطلق الجمع)،كما ميزوا بين (العطف) و (الاشتراك)، وبين (القران) و (الترتيب). وكان ضبطهم للاصطلاح المعنوي في الحروف ينطلق من الفهم العام لسياق الكلام مع الاعتماد على الوظائف النحوية المعينة على الوجه الاستقرائي للقواعد. لذلك كان هناك تواصل مصطلحي بين النحويين والأصوليين في إرساء التحديدات المتعلقة و بمعاني الحروف عموما. فعندما يتحدث النحاة عن معنى الاشتراك في واو العطف يقصدون بذلك: "اشتراك الثاني فيما دخل فيه الأول، وليس فيها دليل على أيهما كان أولا " (37) . وأشاروا إلى ذلك بصيغة أخرى: "إنما جئت بالواو لتضم الآخر إلى الأول وتجميعهما وليس فيه دليل على أن أحدهما قبل الآخر"(38) . ومثلوا لذلك بقولهم: "جاءني زيد وعرو"، و"مررت بالكوفة والبصرة". فجائز أن تكون البصرة أولا، كما قال الله عز وجل : وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعين والسجود بعد الركوع(38) .
كما ميزوا بين لفظ الاشتراك والترتيب عند تمييزهم بين حرفي (الواو) و (الفاء). فالأولى تدل على الاشتراك، والثانية توجب أن الثاني بعد الأول وأن الأمر بينهما قريب،كقولك رأيت زيدا فعمرا،ودخلت مكة فالمدينة (40).
إلا أن استعمال الاصطلاح المعنوي، سواء عند الأصوليين، أو اللغويين، لم يقنع في طرحه، حيث أثار اختلافا كبيرا في تأديته لمعاني الحروف، وذلك لتطرق الاحتمال في الدلالة الاصطلاحية إلى معانيه، رغم محاولتهم التمييزية. ومن مظاهر الاحتمال في الاصطلاح المعنوي عند الأصوليين مثلا قولهم في معنى الواو: " للجمع مطلقا في التعلق، أو التحقق وقيل للترتيب"(41). كما نقل عن بعضهم: " لا خلاف بين أصحابنا أن الواو للعطف مطلقا إلا أنهم يقولون إنها موجبة للاشتراك بين المعطوف عليه، في الخبر"(42) . وعندما يتحقق الاحتمال في المعاني تظهر المذاهب والمشاحاة الاصطلاحية، والأوجه الاستدلالية المعبرة عن اشتداد الحاجة إلى تحصيل المراد من وضع الألفاظ، كما يظهر الاهتمام بصياغة القواعد العامة المؤسسة للمنظور الترجيحي للمذهب.
- ظاهرة التقعيد في ترجيح معاني حرف العطف
يرتبط التقعيد في معاني الحروف بفهم النصوص ودلالتها على المعاني المقصودة، ولذلك نجد اللغويين والأصوليين يولون الاهتمام لصياغة القواعد في وضع الضوابط لترجيح المعاني التي يذهبون إليها. ونذكر من هذه القواعد:
القاعدة الأولى:
" يسبق إلى الأفهام في مخاطبات العباد أن البدائية تدل على زيادة العناية، فيظهر بها قوة صالحة للترجيح" (43) .
سياق هذه القاعدة وضع في إطار فهم نصوص تدل على الجمع أو الترتيب، أو المعية. وأن ما يبتدأ به في الكلام قصد به العناية والاهتمام أكثر مما يليه بواسطة رابط العطف. فهل يطلق على هذا الرابط وفق القاعدة السابقة معنى الترتيب، أو الجمع، أو غيره؟ نجد الاستدلال على هذه الحالات يرتبط باختلافات أصولية ولغوية. وترجع هذه الاختلافات إلى استعمال (الواو) للجمع، وهي لفظة تفيده في اللغة. كما ينظر إليها على أنها لفظة تقتضي الترتيب والمعية.
فالذين يرون أن العناية محصلة بالقاعدة السابقة اعتبروا معنى الحرف مستعملا للترتيب، أي الابتداء بالأهم فالأهم، وهو الذي اشتهر بين أصحاب الشافعي، حيث استشهدوا له بنصوص، منها قضية الخطيب، حيث قال بين يدي الرسول (صلى اله عليه وسلم): " من يتق الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى" (44). فقال له بئس الخطيب أنت قل "ومن يعص الله ورسوله"، حيث ساوى بين معصية الله ومعصية الرسول وجمع بينهما في آن واحد، وكان من اللازم أن يرتب الكلام حسب الأولى بالعناية، وهو الله ثم رسوله. وفي آن مسألة الحج والعمرة، والترتيب في آية الوضوء والغسل والمسح.
إلا أن فهم الترتيب على أنه العناية المقصودة من الفهم، لاقى اعتراضا من قبل الأصوليين. وذلك لأن إفراد اسم الله تعالى بالذكر بواسطة الواو للتعظيم لا للترتيب. ففي المثال السابق أن معصية الرسول هي عينها معصية الله. فلا وجه للترتيب، فالتقدم يجوز عقلا بين معصية الله ورسوله، باعتبار أن معصية الله ممنوعة بالذات، ومعصية الرسول لأجل كونها معصية الله(45). كما أن فهم الترتيب من معنى الواو في مسألة الحج والعمرة في قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لِلَّهِ (46) ، أن المقصود من تقديم الحج على العمرة هو أن (الواو) للأعم، أي للجمع المطلق فلو وضع مكانها (الفاء) لم يكن الكلام مستقلا، فالواو توجب، حيث إنه للتعقيب مع الوصل. فلو كان موجب الواو الترتيب لم يختل الكلام بذكر الفاء مكانه (47). كما استدلوا على أن (الواو) لا تفيد الترتيب، بأنها لو أفادته لدخلت في جواب الشرط كالفاء، ومعلوم أنه لا يحسن أن يقول قائل: " إذا دخل زيد الدار و أعطه درهما"(48) .كما أن النصوص التي تتعلق بالوضوء والغسل والمسح التي فهم منها الترتيب، تتعارض مع نصوص أخرى مخالفة لذلك الترتيب، كقوله تعالى: وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعين (49) . وفي مناقشة الأصوليين لترجيح المعاني التي يذهبون إليها يوردون قواعد ضابطة منها:
-(العطف على القريب أولى من العطف على البعيد) (50).
أي أن الواو تفيد معنى العطف وضعا مع مراعاة القريب فيه. فقوله تعالى: إنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (51) فإن مراعاة الترتيب بينهما ليس باعتبار هذا النص حيث إن فيه بيان أنهما من شعائر الله، بواسطة العطف ولا ترتيب في هذا، وإنما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): " ابدأوا بما بدأ الله تعالى" وذلك على وجه التقريب إلى الأفهام ، لا لبيان أن الواو توجب الترتيب (52).
فالذي عليه جمهور النحاة والفقهاء، أنها لا تدل على ترتيب ولا معية، وقد نقل عن صاحب التسهيل قوله: " لكن احتمال تأخر المعطوف كثير، وتقدمه قليل، والمعية احتمال راجع" (53).فتكون المذاهب المحصلة في أم الباب المتعلقة بمعاني حروف العطف وهي (الواو) ما يأتي:
1- أنها لمطلق الجمع، ومعناه أي جمع كان.
2- أنها تدل على المعية، ونقله إمام الحرمين عن الحنفية.
3- أنها تدل على الترتيب، وقد نقل عن الشافعي وطائفة من النحاة، منهم ابن درستويه وثعلب وأبو عمرو الزاهد وابن جني وابن برهان الربعي.وقد أنكر ابن الأنباري هذا النقل عن جميع من ذكر من النحاة،وزعم أن كتبهم تنطق بخلاف ذلك،حيث لم يرو هذا النقل عنهم إلا في بعض التعاليق الخلافية الفقهية،لافي كتب أهل اللغة العربية(54) .كما أنكر أبو إسحاق الشيرازي (ت476هـ)ما نقل عن الشافعي(ت204هـ)أن معنى الواو تفيد "الترتيب"حيث قال:أما نقل هذا القول عن الشافعي فخطأ. قال أبو منصور البغدادي:نعاد الله أن يصح عن الشافعي أنها للترتيب.وإنما هي عنده لمطلق الجمع" (55) .
وبذلك تكون القاعدة السابقةيسبق إلى الأفهام من خطابات العباد أن البدائية تدل على زيادة العناية). أن ايجاب الشافعي الترتيب في الوضوء ليس من معنى الواو، بل من جهة أن العبادات كلها مرتبة كالصلاة والحج والوضوء والواو لا تنفي الترتيب.
القاعدة الثانية:
(المجموع بحرف الواو كالمجموع بكنايــة الجمع) (56).
ومعناه؛ أن الواو للعطف والاشتراك على أن يصل واحد من المذكورين كأنه مذكور وحده على وجه الجمع بينهما ذكراً. وبيان صورة القاعدة: فيما إذا كان لرجل ثلاثة عبيد فقال: " هذا حر أو هذا وهذا" فإنه يخير في الأولين ويعتق الثالث عينا. كأنه قال: "هذا حر أو هذا حر". وعند الفراء: يخير فإن شاء أوقع العتق على الأول وإن شاء على الثاني والثالث: لأنه جمع بينهما بحرف الواو (57). "هذا حر وهذان". كما اختلفوا وفق هذه القاعدة في عطف الجملة التامة على الجملة التامة بحرف (الواو) كقولهم: "زينب طالق ثلاثا وعمرة طالق". فإن عمرة تطلق طلقة واحدة، وكل واحدة من الكلامين جملة تامة مكون من مبتدإ وخبر، ومجموع بالواو. فالأرجح في هذه الحالة أن الواو للعطف والاشتراك ولا تفيد الترتيب. كما أن العطف يستفاد من مجموع الكلام لا من بعضه كما ذهب إلى ذلك زفر في قوله: لو قال لغير المدخول بها: "أنت طالق واحدة وعشرين"، فإنها تطلق واحدة، وذلك لأن الواو للعطف، فتبين بالواحدة قبل ذكر العشرين.
فما ذهب إليه زفر اعتمد على الكلمة الواحدة، لا على مجموع الكلام الذي يقتضيه العطف في القاعدة. أي مجموع ما قبل الواو بما بعده. لذلك نجد السرخسي يعلق على ما ذهب إليه زفر بقوله:"ولكنا نقول: تلك كلمة واحدة حكما، لأنه لا يمكن أن يعبر عن هذا العدد بعبارة أوجز من هذا، وعطف البعض على البعض يتحقق من كلمتين لا في كلمة واحدة. فإنما يقع هنا عند تمام الكلام فتطلق ثلاثا كما لو قال واحدة ونصفا، تطلق اثنثين لأنه ليس لما صرح به عبارة أوجز من ذلك. فكانت كلمة واحدة حكما(58) . فعند زفر تطلق طلقة واحدة.
القاعدة الثالثة:
(ليس في آخر الكلام ما يغير موجب أوله فيتعين الجمع والاشتراك) (59) .
فهذه القاعدة أوردها الأصوليون لإثبات العطف للاشتراك في الخبر لا لإثبات خبر آخر. ومن صور هذه القاعدة: استعمال معنى حرف العطف في الصور الآتية:
- لو تزوج رجل أمتين بغير إذن مولاهما ثم أعتقهما مولاهما معا. جاز نكاحهما. لكن لو قال بواسطة حرف العطف.
- " أعتقت هذه وهذه" ، جاز نكاح الأولى، وبطل نكاح الثانية، وذلك لأنه ليس في آخر كلامه ما يغير موجب أوله. فنكاح الأولى صحيح اعتق الثانية أم لم يعتق. وبنفوذ العتق في الأولى تنعدم محلية النكاح في حق الثانية. والعلة: لأن الأمة ليست من المحللات مضمومة إلى الحرة. وبذلك يكون لمعنى الحرف الدال على العطف لطائف تدل على الجمع المطلق، بحيث لا يشعر في الإخبار بأن آخر الكلام بتغير أوله حكما أو معنى. وإذا حصل عكس ذلك انتفت وظيفة الجمع فيه التي هي الأصل عند اللغويين والأصوليين. ومن صور هذه القاعدة أيضاً:
- لو زُوج رجل رضيعتين في عقدين بغير رضاه فأرضعتهما امرأة ثم أجاز الزوج نكاحهما، فلو قال: "أجزت نكاح هذه وهذه" بطل نحاكهما أيضاً لأن في آخر كلامه ما يغير موجب كلامه. والعلة في ذلك: أن في آخر الكلام ما يثبت الجمع بين الأختين نكاحاً، وذلك مبطل لنكاحهما،فيتوقف الكلام على آخره (60) .
فدلت هذه القاعدة على أن الأصل في الكلام المعطوف أنه متى كان في آخره ما يغير موجب أوله توقف أوله على آخره.ولهذا لو ذكر الاستثناء في آخر الكلام بطل الكلام به،وكذلك إذا ذكر شرطان لـ (إن) بالتعليق بالشرط تبين أن المذكور أولا ليس بطلاق، وإذا توقف أوله علىآخره تعلق الكل بالشرط جملة،وإذا كان الشرك سابقا فليس في آخر الكلام ما يغير موجب أوله(61) .
فلو قال قائل:"أنت طالق وطالق إن دخلت الدار". فإنها تطلق ثلاثا عند الدخول جملة. فقد قاس مالك هذه الجملة على التنجيز في العطف كقوله:" أنت طالق وطالق وطالق"، فأعطى للواو معنى المقارنة.
القاعدة الرابعة:
(احتمال دلالة المعاوضة في الخلافات الثابت بأول الكلام لا يتغير بالعطف) (62). يقصد الأصوليون بالمعاوضة في معنى الحرف الدلالة على تعويض حرف المعنى الدال على العطف بحرف آخر على سبيل المجاز. فقد تستعمل (الواو) بمعنى الباء مجازا، وذلك معروف في القسم، إذ لا فرق بين قوله: والله وقوله بالله. فقد حمل الأصوليون دلالة المعاوضة مجازا، للدلالة على مجموعة من المواضيع كالمضاربة والخلع.
ففي المضاربة: كقولهم:" خذ هذه الألف، واعمل بها مضاربة في البز "، فإنه لا يتقيد بصرفه في البز، وله أن يتجر فيما بدا له من وجوه التجارات لأن "الواو" للعطف. فالإطلاق ثابت بأول الكلام لا يتغير بهذا العطف.
وفي الخلع: كقول المرأة لزوجها: " طلقني ولك ألف درهم" فإن طلقها تجب الألف عليها. وكذلك لو قال الزوج: "أنت طالق وعليك ألف درهم" فقبلت تجب الألف عليه". وفي التعبير عن الخلع بواسطة العاطف طريقان:
أ-أن يستعمل الواو بمعنى الباء مجازا في دلالته على القسم بدلالة المعاوضة لأن الخلع عقد معاوضة، فكان المعنى بمنزلة ما لو قال: "احمل هذا المتاع إلى بيتي ولك ألف درهم".
ب-أن تستعمل بمعنى واو الحال كما لو قالت له: " طلقني في حال ما يكون لك في ألف درهم". وقد ذهب الأصوليون إلى حمل هذا على دلالة المعاوضة كما في قوله: "أد إلي ألفا وأنت طالق" كما حددوا احتمال الواو للحال وذلك إذا كان بصيغة تحتمل ذلك كما في قولهم: " أد وأنت حر"، انزل وأنت آمن". فصيغة كلامه للحال، لأنه خاطبه بكلام معطوف أوله على آخره بصيغة واحدة تتحقق بحالة واحدة، وهي في المثالين حالة الأداء وحالة النزول.
أما قولهم في المتاجرة:"خذ هذه الألف وأعمل بها في البز" فليس في هذه الصيغة احتمال الحال،لأن البز لا يكون حالا لعمله.وفي قوله:" أنت طالق وأنت مريضة" فإن المثال يدل على العطف حقيقة ولكن فيه احتمال الحال، لأن الطلاق يتحقق في حال المرض. وقد بنوا على هذه المسألة قاعدة أصولية تقول:"فلاعتبار الظاهر لا يديم في القضاء،ولاحتمال كونه محتملا تعمل نيته" (63).
وحينما ننظر في مفهوم العوض عند الأصوليين في الخلع والإجارة نجد قصدهم في الأول ينصرف إلى أن الألف عوض عن الطلاق في قولهما: "طلقني ولك علي ألف"، لأن الطلاق في الغالب يكون بغير عوض. "ألا ترى أنه بذكر العوض يصير كلام الزوج بمعنى اليمين، حتى لا يمكن أن يرجع عنه قبل قبولها " (64) . بخلاف الإجارة فإنه عقد مشروع بالبدل لا يصح بدونه، فكأنه حمل اللفظ على المجاز باعتبار معنى المعاوضة فيه لأنه أصل. فيكون العوض مجازا في دلالة معاني حرف العطف، ولا يمكن ترك حقيقة العطف فيه باعتبارها دليلا زائداً على ما وضع له في الأصل.
نجد وسط التخريجات الأصولية والشواهد الاستدلالية أن موضوع العطف بمعاني حروفه يعتبر مادة أساسية في الأبحاث الأصولية واستدلالاتها، وتخريج أحكامها، وبناء قواعدها الأصولية التي تقرب أفهام المكلفين منها، وذلك في مواضيع متنوعة، تحتاج إلى دراسة مستقلة في تركيز النظر على البعد الأصولي في تقعيده لقضايا العطف، وأغراضه في النصوص الشرعية. وإذا كنا قد ركزنا على معنى (الواو) باعتباره أم الباب في معاني حروف العطف فإن ذلك راجع إلى اشتداد حاجة الفقيه إلى معرفة معاني هذا الحرف وتقييد النظر بدورانه في تعلق معانيه بأغراض الكلام المتنوعة حسب معانيه الواردة في الخطاب الشرعي وارتباطه بالمصطلحات الشرعية المستعملة في النصوص الواردة. فهو أكثر الحروف عناية من قبل الأصوليين واللغويين، أما معاني الحروف الأخرى فقد أولوها عناية التحصيل لمعانيها، مرتبة حسب اشتداد الحاجة في إثارة القضايا المعنوية.
هوامش المصادر والمراجع
1- الإبهاج في شرح منهاج البيضاوي للسبكي علي بن عبد الكافي وابنه تاج الدين: تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1981،1/ 338.
2- سورة البقرة: الآية 58.
3- سورة الأعراف: الآية 161.
4- الكتاب، سيبويه أبو البشر عمرو بن عثمان:، تحقيق: عبد السلام هارون، ط3، عالم الكتب، بيروت، 1403هـ، 1993م. 1/437-438، حيث مثل بقولهم مررت برجل وحمار قبل، لأن الواو أشركن بينهما في الباء فجريا عليه.
5- المفصل في علم العربية، للزمخشري جار الله أبو القاسم محمود، وبذيله كتاب المفضل في شرح، أبواب المفضل للسيد محمد بر الدين، أبو فراس النعساني الحلبي، ط2، دار الجيل للنشر والتوزيع والطباعة،بيروت/ لبنان، طبعة مصورة عن طبعة مطبعة التقدم بمصر 1323 هـ، ص.304.
6- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت/ لبنان، مصورة عن طبعة البابي الحلبي القاهرة، 1387هـ-1968م.، 2/125.
7- سورة العنكبوت: الآية 15.
8- سورة الحديد: الآية 26.
9- سورة الشورى: الاية 3.
10- سورة الأحزاب: الآية 7.
11- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام الأنصاري، تحيق: محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1407هـ-1987م.2/354.
12- سورة الحديد’ الآية3.
13- الكشاف 4/61.
14- مغني اللبيب 2/354.
15- الإبهاج، 1/340.
16- المصدر نفسه،1/340.
17- المصدر نفسه، ص.341
18- المصدر نفسه، ص. 341.
19- أصول السرخسي، محمد أحمد، تحقيق: أبو الوفا الأفغاني، مطالع دار الكتاب العربي، القاهرة 1372هـ/1/201.
21- انظر ميزان الأصول للسمر قندي علاء الدين أبو بكر ميزان الأصول في نتائج العقول، تحقيق: محمد زكي عبد البر، ط1 ، قطر 1404هـ- 1984م، ص.415.
22- البقرة الآية 43 و83 و 10.
23- ميزان الأصول، ص.416.
24- سورة الفتح: الآية 29.
25- ميزان الأصول ص.418.
26- أصول السرخسي، 1/205.
27- سورة النساء: الآية 162.
28- سورة الشورى: الآية 21.
29- سورة النور: الآية 4.
30- أصول السرخسي، 1/205.
31- يرجع في هذه المسألة إلى جمع الجوامع وشرحه للمحلى مع حاشية البناني، دار إحياء الكتب العربية، طبع مصطفى محمد، مصر ، 1388هـ، 1/361 وما بعدها.
32- رواه النسائي وذكره النووي في شرحه لمسلم والحافظ وابن حجر في الفتح كما رواه الدار قطني في السنن، انظر أصول السرخسي1/202.
33- سورة البقرة : الآية 158.
34- سورة المائدة: الآية 7.
35- أحكام القرآن للجصاص أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاصي الحنفي، ط1، المطبعة البهية، مصر،1397 هـ.2/439-440.
36- فتح القدير، لابن الهمام كمال الدين محمد البواسي، مطبعة 1،1389هـ 1970م،1/23.
37- تخريج الفروع على الأصول للزنجاني، شهاب الدين محمود بن أحمد: تخريج الفروع على الأصول، تحقيق: محمد أديب صالح، مؤسسة الرسالة، ط3،1399هـ-1979م، ص.52.
38- المقتضب للمبرد أبو العباس محمد بن زيد: تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1388هـ،1/10.
39- الكتاب لسيبويه،2/304،1/438.
40- انظر المقتضي، 1/10.
41- انظر المصدر نفسه.1/10.
42- فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوتاللكنوي الأنصاري عبد العلي محمد بن نظام الدين ط1، المطبعة الأميرية، بولاق، مصر، 1334هـ، 1/229.
43- أصول السرخسي 1/202.
44- أصول السرخسي 1/202. نهاية السؤل وبهامشه التقرير والتحبير للكمال بن الهمام، للأسنوي جمال الدين، المجلد 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403هـ-1983م،1/229.
45- رواه مسلم في كتاب الجمعة:6/158 بشرح النووي من حديث عدي بن حاتم منفردا به، كما رواه أبو داود والنسائي 6/71 شرح السيوطي.
46- انظر مسلم الثبوت ص.232.
47- سورة البقرة: الآية 195.
48- انظر أصول السرخسي 1/202.
49- المعتمد في الأصول، البصري أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب، دار الكتب العلمية، بيروت/ لبنان، 1403هـ-1983م، 1/35.
50- سورة آل عمران: الآية 43.
51- انظر القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام علاء الدين الحسن الحنبلي، تحقيق: محمد حامد النفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403هـ- 1983م، ص. 122، وأصول السرخسي1/200. وما بعدها.
52- سورة البقرة: الآية 158.
53- انظر أصول السرخسي1/202.
54- القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام، ص.122-123.
55- المصدر نفسه، ص.123.
56- التبصرة، ص.231.
57- أصول السرخسي 1/204.
58- انظر المصدر نفسه.1/200.
59-انظر أصول السرخسي 1/204.
60- انظر أصول السرخسي 1/203-205. والمعتمد لأبي الحسن البصري ص1/31-33.
61- انظر مسلم الثبوت 1/231، أصول السرخسي 1/204.
62- انظر أصول السرخسي 1/204.
63- انظر أصول السرخسي 1/206-207.
64- أصول السرخسي 1/207.
65- أصول السرخسي 1/207.
- مجلة اللسان العربي -