منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التحليل السيميائي السردي لرواية “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التحليل السيميائي السردي لرواية “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ Empty التحليل السيميائي السردي لرواية “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ

    مُساهمة   الثلاثاء ديسمبر 07, 2010 2:07 pm

    التحليل السيميائي السردي لرواية “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ التحليل السيميائي السردي لرواية “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ

    بقلم: عبد المجيد العابد

    المحرر | أكاديميا, دراسات وأبحاث, للجامعيين خاصة | 2010.09.27 1tweetretweet


    التحليل السيميائي السردي لرواية “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ %D9%86%D8%AC%D9%8A%D8%A8
    أصبح من الشائع اعتبارالسيميائيات(Sémiotique)عند المهتمين بهذا الحقل المعرفي علما موضوعهدراسة العلامات، والعلامة، كما حددها بورس( CH.S.Peirce)، كل شيء يحل محلشيء آخر ويدل عليه، سواء كانت علامة لفظية أم علامة غير لفظية، طبيعية أماصطناعية؛ هذا بالرغم من أن أمبرطو إيكو(U.Eco) ذهب إلى أن موضوعالسيميائيات ليس العلامة، وإنما الوظيفة السيميائية، وهو في ذلك يستند إلىيلمسليف (Hjelmslev)في هذا التوجه.
    ارتبطت السيميائيات ابتداء بالعالمالأمريكي تشارلز سندرس بورس من خلال كتابه “كتابات حول العلامة”، وهوعبارة عن محاضرات لبورس جمعت بعد وفاته؛ فقد أرسى قواعدها منذ نهاية القرنالتاسع عشر وبداية القرن العشرين، جعلها مناط دراسة التجربة الإنسانيةعامة، منطلقا بالأساس من اعتبارها محرك باقي العلوم الأخرى، سواء كانتعلوما إنسانية أم غير ذلك، وبورس إذ يراها كذلك، ينطلق من إبدالات نظريةأملتها التخصصات المتعددة التي أقام عليها نموذجه النظريالسيميائي(الرياضيات والمنطق والفيزياء…). وفي الوقت نفسه الذي كان يبنيبورس فيه هذا النموذج النظري، افترض اللساني السويسري فردينانددوسوسور(F.De Saussure) وجود علم جديد سماه السيميولوجيا(Sémiologie)،سيكون جزءا من علم النفس العام، وسيدرس كل العلامات الدالة التي لا تدرساللسانيات إلا اللفظية منها، حيث تعنى أساسا باللسان، وستكون اللسانياتبذلك ضمن علم أشمل هو السيميولوجيا.
    وقد أدى الاختلاف في الإبدالات النظريةالتي يستند إليها كلاهما إلى اختلافهما في البناء التصوري لهذا العلمالجديد استقبالا، لأن كل واحد منهما ينطلق من أسس إبستيمولوجية مختلفة،فبورس منطقي رياضي فيزيائي، أما دوسوسور فلساني، كان اهتمامه الرئيس بلورةعلم للغة متأثرا بعلم الاجتماع خصوصا، وهذا ما يبرر اختلافهما في العلامةالموضوع نفسها، فهي ثلاثية عند بورس(مأثول يحيل إلى موضوع عبر مؤول)ثنائية عند دوسوسور(دال أو صورة سمعية، ومدلول أو صورة ذهنية). فلا ضيرإذا في نعت هذا العلم بالسيميولوجيا وفقا للتصور السوسوري، باعتباره منتجافرنسيا، أو وسمه بالسيميائيات استنادا إلى بورس؛ لكن يبقى هذا الاختلاف فيالتسمية اليوم شكليا.
    تعددت اتجاهات النظرية السيميائية،واختلفت نماذجها، وأطرها المرجعية بحسب التحاقل المعرفي الذي شهده هذاالعلم خصوصا في أواسط القرن الماضي، بموازاة تطور مجموعة من العلوم التيتفاعلت معها السيميائيات تأثيرا وتأثرا، إذ يمكن الحديث عن سيميائياتالتواصل(بويسنس Buyssens وبرييطو Prietoومونان Mounin)، وسيميولوجياالدلالة (رولان بارت Roland Barthes)، التي أخذت على عاتقها دراسة الأنساقالدالة غير اللفظية من خلال الاستثمار المتميز للمصطلحات اللسانية (الدال،والمدلول، والتقرير، والإيحاء، والشكل، والمحتوى…)، وسيميائيات الثقافة معالإيطالي أمبرطو إيكو (U.Eco)وغيره، ثم السيميائيات البصرية، وسيميولوجياالأشكال الرمزية، ومدرسة باريس السيميائية (السيميائيات السردية) معرائدها اللتواني الأصل ألجرداس جوليان غريماص (A.J.Greimas) وأتباعه:جوزيف كورتيس (J.Courtés) وجون ماري فلوش(J.M.Floch)وجاك فانطاني(J.Fantanille) وغيرهم.
    تبلورت نظرية السيميائياتالسردية(Sémiotique narrative) منذ كتاب مؤسسها الأول غريماص”الدلالةالبنيوية”(1966)، حيث أرسى أولى قواعدها، لكن توالت النماذج السميائية بعدذلك بدءا من: “في المعنى”(1970) وفي المعنى II(1982)، ثم المعجمينالسميائيين اللذين أنجزهما بالاشتراك مع تلميذه جوزيف كورتيس وغيرها.
    عرف هذا الاتجاه المعرفي بالمدرسةالفرنسية (مدرسة باريس السميائية)، أسست نموذجها النظري ابتداء علىالخرافة والحكاية الشعبية، مستثمرة العمل الهام لفلاديمير بروب(V.Propp)في”مورفولوجية الخرافة”، ثم استدراكات ليفي ستروس (C.Levistraus) وغيرهما،لتنفتح المدرسة بعد ذلك على حقول معرفية أخرى، مثل سميائيات الأهواء معجاك فونتاني، ونظرية الكوارث مع روني طوم (R.Thome) وجون بيتيتوكوكوردا،(J.P.Cocorda) ومفهوم التناظر(Isotopie) مع فرانسواراسيتي(F.Rastier) وغيرهم؛ وقد أغنت هذه الإبدالات النظرية السيميائيةالسردية، وجعلت منها إطارا حاضنا لنصوص ذات أبعاد مختلفة اجتماعية وسياسيةودينية.
    وهذا التوجه الأخير هو الذي نتبناه فيتحليل رواية “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ، لكن هذا لا يعفي من الاستفادة منتوجهات سيميائية أخرى في التحليل، وسنحاول استنادا إلى ذلك استثمارمقتضيات وإجراءات السيميائيات الغريماصية، التي تضع في صلب اهتمامهاالرئيس دراسة شكل الدلالة في كل الخطابات السردية بحثا عن المعنى، علما أنمؤسسها يرى أن السردية تحضر في كل الأفعال والخطابات الإنسانية بكاملتمفصلاتها، سواء تعلق الأمر بالرواية أم بالقصة أم بالصورة، وهلم جرا.وبناء على ذلك سيتخذ تحليلنا السلمية الإجرائية الآتية:
    1- في عتبات النص
    ينظر إلى الغلاف في النظرية السيميائية،خصوصا مع أعمال فانتاني الأخيرة، بوصفه لوحة (Tableau) ضمن معمار النص،تشتغل باعتبارها صفحة تتميز عن الصفحات المشكلة للنص المتن بطابعهاالدلالي الأيقوني، وبتنظيم العلامات البصرية بكيفية تجعلها ترسخ(Ancrage)المتن النصي بأكمله، وتبرز كيف يأتي المعنى إليه.
    يخضع معمار النص (Architecture de texte) من حيث تحديده، وطريقته في التدليل والاشتغال، إلى الجهاز النظري الذييروم دراسة النص، أي مختلف المفاهيم الإجرائية التي تحدد المنهج الذيتتبناه النظرية بوصفها جهازا واصفا، له كفاياته المخصوصة، وطريقته فيالاستدلال عموما؛ ويختلف المعمار من هذا المنظور باختلاف الإطار النظريالذي يستند إليه في التحديد، ومن تم فهو، منظورا إليه من وجهة سيميائيةسردية، يحدد باعتباره تركيبا للنص، أي بوصفه لوحة تنتظم فيها المعطياتالبصرية، والمعطيات اللسانية، بشكل يجعل من اندماج النسقين اللفظي والبصريأمرا واردا ومهما في بناء النسق الدلالي العام.
    إن التساؤل حول المعنى، عن طبيعته، وعنشروط إنتاجه في علاقته بالنص، هو تساؤل عن طبيعة التدليل نفسه، أي الكيفيةالتي يأتي بها المعنى، مادام النص يشتغل بوصفه تدلالا(Sémiosis)، ويقصد بهالسيرورة التي يحيل من خلالها المأثول على الموضوع عبر مؤول بحسب الطرحالبورسي(نسبة إلى تشارلز سندرس بورس).
    تنتظم الغلاف مجموعة من العلامات البصريةالأيقونية(Iconiques) والتشكيلية(Plastiques)، والعلاماتاللسانية(Linguistiques). يقع في أعلى اللوحة اسم كاتب الرواية نجيبمحفوظ، وفي وسطها يدان ممدودتان؛ في اليد اليمنى منهما مسدس مصوب، وأمامهذه العلامات كلبان بلون أسود، لكنهما يوجدان في خلفية الصورة أوعمقها(Fond)، وفي أسفل الصورة على اليمين امرأة تلبس لباسا شفافا يكشف عنأسارير جسدها، وتضع في فمها أحمر الشفاه، كما أنها تحمل علبة تحيل إلىالهدية، ويوجد في أسفل الغلاف على اليسار عنوان النص “اللص والكلاب” كتببلون أبيض، وبخط منحرف تماما، توجد اليدان في الأعلى، وكأنهما فوق عمارة،بينما ترزح المرأة بحركتها الملتوية تحت هاتين اليدين.
    هذا كل ما يقوله المؤول المباشر لهذهالعلامات البصرية واللسانية، وهذا ما لا يرتضيه الذهن السيميائي المحلل،إننا وقفنا فقط عند حدود ما تقوله هذه العلامات في صورتهاالتقريرية(Dénotatif)، لكنه لا يسعف في استكناه دلالات الغلاف إلاباستدعاء مؤول دينامي، ننتقل بوساطته من المعاني المباشرة إلى المعانيالإيحائية(Connotatives)، إذ نستدعي تجربة جانبية سابقة في الوجودوالاشتغال عن ما هو متحقق نصيا، وهي الكفيلة بتناسل المعنى وطرحه لمتاهاتالتأويل.
    فلا يمكن سبر أغوار دلالات الغلافالمائعة والدفع بمعانيها نحو ساحة التداول إلا باستدعاء هذا المؤول، بحسبالمفهوم البورسي للتأويل، هو بمثابة مؤول ثان غير مباشر كفيل بالانطلاق فيمتاهات التأويل إلى حدود الرسوخ عند مؤول نهائي باعتباره نهائيا داخلالتدلال.
    يرى رولان بارت(Roland Barthes) في هذاالصدد أن الصورة تقرأ على شكل z، وهي في ذلك تتبع سيرورة العلاماتاللسانية، وبارت في ذلك يقصد اللغة الفرنسية التي تتجه في كتابتها مناليسار إلى اليمين، لكن نحن في اللغة العربية نقرأها إذا بالعكس على شكل s.
    يوجد في الأعلى اسم الكاتب نجيب محفوظ،لماذا كتب بلون غير بارز، ومن دون أي حلية مثل “الدكتور”؟ إن الأمر يتعلقبنمط نموذجي(Prototype)، بتعبير روش(Rosch)، فمحفوظ أكبر من أن يحلى أويكتب بلون بارز، إذ هو أشهر من تضاف إليه اللغة الكرافية(Graphique)، لذلككتب بخط غير بارز مادام اسمه سابق لنصه.
    وتمتد في وسط اللوحة يدان، في اليمنىمنهما مسدس مصوب، فلماذا اختفى صاحب المسدس؟ ولماذا المسدس مصوب نحوالفراغ؟ وما علاقة الكلبين الموجودين خلف الصورة بتصويب المسدس؟
    تلك أسئلة تنقدح انقداحا على الذاتالسيميائية القارئة للصورة، وتجعل القارئ يربط الظاهر بالباطن والكائنبالممكن والمحال، إن غياب صاحب المسدس غياب للتبئير(Focalisation)، وغيابللتحديد أيضا، لأن الأمر مرتبط بشيء مشين ابتداء، فاللص يتخفى عن الأنظارلأنه يعي بما يفعل، وكان بإمكانه استبدال القناع بالتخفي، فغيابه رهينبغياب أهلية العامل الذات/اللص، غياب للتنظيم، وكأن هذا اللص لا يدري هدفهأو موضوع القيمة(Objet de valeur) بالنسبة إليه بوصفه عامل ذات(Sujet) ،يطلق رصاصه نحو الفراغ، كما أن الرصاصة لن تصل إلى الكلبين الموجودين أمامالمسدس، بقرينة أن المسدس مصوب إلى العدم.
    لماذا يحضر الكلب باللون الأسود؟ ولماذاهما اثنان وليس أكثر؟ إن الأسود في الثقافة المصرية مرتبط بالحدادوالخيانة والتشاؤم، وفي ذلك نستحضر أن دلالات الألوان تخضع للمعيارالأنتروبولوجي أكثر من غيره، كما وضحت ذلك دراسات سيميائية مهمة، كدراساتكاندنسكي(Kandinsky) وإيتن(Itten) وكوكيلا(Coucula) ومجموعة مو(Groupeµ)البلجيكية.
    إن الكلب، استنادا إلى هذه المعطيات،سينصرف عن مدلولاته الحيوانية المتعلقة بالألفة والوداعة والوفاء، ليفيدالكون القيمي المرتبط بالكلب الإنساني، الذي من سماته المميزة(Traitsdistinctives)، بالتعبير الياكوبسوني(Jakobson)، العربدة والخيانة والمكروالخديعة، فمن يكون هذان الكلبان الإنسانيان إذن؟
    إذا كان اللص الذي يرمي بالمسدس نحوالفراغ هو “سعيد مهران” العامل الذات بلا شك، فالكون القيمي للكلبالإنساني لا ينطبق إلا على شخصيتين اثنتين/عاملين اثنين في الرواية، هما“رؤف علوان”، و”عليش سدرة”، لأنهما خانا معا “سعيد مهران” مع زوجه“نبوية”، إنه إذن يصوب نحوهما لقتلهما انتقاما لشرفه، واعتدادا بكرامته،وإكبارا لمروءته؛ فغيابه عن الأنظار مرتبط إذا بعدم تحقيق الرغبة، ممايحيل تلقائيا إلى فشل البرنامج السردي(Programme narratif)، وعدم حصولالعامل الذات على موضوع القيمة نهاية: القتل.
    تدل صورة المرأة الموجودة أسفل الغلاف منخلال شكلها الخارجي (شفاه حمراء، قد ممشوق، لباس كاشف كلبسة المتفضل…)،وكذلك الشيء الذي تحمله، والزمان الليلي، تدل كل هذه البديهيات المزيفة،حسب بارت، على كون نسائي مخصوص مرتبط ببائعات الهوى، تمثله في النص “نور”خليلة “سعيد مهران”، وهي وإن كانت تمثل الرذيلة، فقد وجد فيها البطلالمأساوي سعيد ملاذه. فكيف يتغير مجتمع تختفي فيه المروءة حتى تغدو فيهالمومسات حاضنات، وكريمات، وصانعات للخير؟
    إن هذه التناقضات التي حبلت بها نتائجثورة يوليوز1952 في أم الدنيا، الثورة التي كانت أقوالها أقوى لهاوأفعالها أفعى لها، تختزلها الرواية في البناء الرمزي للنص، سواء من خلالالتداعيات أم من خلال علاقات العوامل(Actants) فيما بينها.
    فشل صاحب المسدس في درء الخيانة واسترجاعابنته، ومن ثم أصبح بطلا مأساويا بامتياز، لأنه اختار الحل الفردي في ذلك،وأصبح ينظر إلى الناس جميعهم بوصفهم خونة إلا ابنته “سناء”، وهذه سبيل غيرمجدية في مجتمع متناقض.
    يرزح في أسفل الغلاف على يسار اللوحة”اللص والكلاب” عنوان الرواية، والمشة التي تقدم للقارئ حتى يزدرد النص، هيعلامة بصرية تشكل النسق اللساني الذي يحد من تعدد دلالات (Polysémie)الصورة، وهذه العلامة اللغوية هي بمثابة ترسيخ(Encrage) للنص بأكمله.
    إن الأمر يتعلق إذا بلص “سعيد مهران”،وكلاب تدل أحيانا على الكون القيمي الإنساني فتحيل إلى الكلاب الإنسانيةالتي تحبل بها الرواية (رؤوف علوان، عليش سدرة، المخبر، بياظة….)، وأحياناتدل على الكلب الحيواني، فتتعلق بكلاب البوليس التي طاردت سعيد مهران بعدخروجه من السجن، وقتله لشخصين بالخطأ عندما أراد في الأولى قتل “عليش” وفيالثانية قتل “رؤوف”.

    2- تقطيع النص الروائي
    يعد تقطيع النص عملية إجرائية مهمة بحسبمقتضيات المنهج السيميائي السردي، فالتقطيع هو السبيل الوحيدة في فهم النصوالأخذ بتلابيب تشكل دلالاته، وكل مقطع سردي قادر أن يكون لوحده حكايةمستقلة بذاتها، كما يمكنه أن يدخل ضمن حكاية أوسع؛ يرتبط تقطيع النص، حسبغريماص، بمعايير أهمها: الفضاءات النصية، والثيمات المتتالية في تناسلخطاب النص، والمكونات الخطابية المختلفة مثل: التزمين، والتفضيء، وبنيةالممثلين، وكل ما من شأنه أن يضيء دلالة الخطاب، ويخلق آثار معنى يسهممتضافرا في بناء دلالة النص.
    نشير من خلال المحددات السالفة للمقطع إلى وجود ثلاثة مقاطع رئيسة في النص مناط التحليل، يمكن تقسيمها وفق ما يلي:
    - المقطع الاستهلالي: يرتبط بخروج “سعيدمهران” من السجن عفوا بمناسبة عيد الثورة الرابع إلى رجوعه من البيت ذيالأدوار الثلاثة بـ”عطفة الصيرفي”، حيث كان يريد استرجاع ابنته “سناء”وكتبه والانتقام من غريمه “عليش سدرة” وزوجه “نبوية” اللذين خاناه بعددخوله إلى السجن. وهو مقطع يتضمن برنامجا سرديا فاشلا، حيث لم يسترجعمهران ابنته التي نفرت منه، ونكرته وأوجست منه خيفة؛ وقد حاول سعيد تبديدفشله باستعادة كتبه رغم تفاهتها لكي يبين للحاضرين بأنه ليس، كما يحسبونه،لصا؛ إن هذا المقطع الاستهلالي يشكل بداية لإخفاقات سعيد مهران المتتالية.
    - المقطع الوسطي: تتخلل هذا المقطعمجموعة من تداعيات “سعيد مهران” كسرت الترتيب المنطقي للأحداث، كتذكره،وهو في مقام الشيخ “علي الجنيدي”، لطفولته وللطريقة التي مات بها والداه،وتذكره للأيام الخوالي مع “نبوية”، وتقديره السابق لـ”رؤوف علوان” الذيكان بمثابة أستاذ له”علي أن أبدأ الحياة يا أستاذ علوان” ص27.
    تعرف “سعيد” من خلال جريدة الزهرة أن“علوان” صحافي بها، لكن بعدما نكره أيضا أصبح يفكر في سرقته ثم قتله،مادام تخلى عن أستاذيته، وكل المبادئ التي كان يؤمن بها، ويشبعها سعيدمهران، فقد أصبح من المستفيدين من ثورة الضباط الأحرار” قمة النجاح أنيقتلا معا، نبوية وعليش. وما فوق ذلك يصفى الحساب مع رؤوف علوان، ثمالهرب، الهرب إلى الخارج إن أمكن” ص59.
    وبعد ذلك أصبح سعيد مهران متسللا في بيت“نور” المومس التي حضتنه، وأخفته، لا يخرج إلا ليلا لابسا بذلة بوليسية،كانت قد أخاطتها له بنفسها قناعا، وأصبح رهين مطاردة البوليس وكلابهم،بعدما فشل في قتل عليش سدرة وعلوان، ففي المرة الأولى أصاب “شعبان”(بالمسدس الذي اقتناه من “المهرب” بمقهى طرزان) الذي سكن بيت عليش بعدماغادره خوفا من اقتفاء سعيد مهران له، وفي المرة الثانية قتل حارسين لرؤوف.
    - المقطع النهائي: يرتبط باختفاء سعيدمهران في بيت “نور”، فبعد أن خرج يوما إلى مقهى “المعلم طرزان”، رجع لتوهولم يجد نورا، جاءت صاحبة البيت تطلب تسديد الإيجار، فاضطر سعيد إلىمغادرة البيت في منتصف الليل خائفا يترقب، قاصدا الشيخ “علي الجنيدي”،ليتبين له أنه نسي البذلة في بيت نور، فكر راجعا إليها، وإذا به يجد صاحبالبيت، ثم رجع هاربا إلى مقام “الشيخ علي الجنيدي، لا يعقب ولا يلوي علىشيء، كانت الليلة ليلة ذكر، وفجرا سمع بخبر حصار الحي، ليخرج هاربا نحوالمقابر، فتمت مطاردته، حاول المقاومة، لكنه انتهى إلى الاستسلام.

    3- المسار التوليدي للنص
    إن ضبط المسار التوليدي لكل نص بغيةالبحث في تشييد دلالاته، والكيفية التي يأتي بها المعنى إلى النص استناداإلى البناء النظري السيميائي الغريماصي يخضع ضرورة لتتبع المسار التوليدي السيميائيات السردية، بدءا بالبنية الخطابية التي تعد، كما يراها غريماصوأتباعه من المدرسة الفرنسية، بنية متجلية متمظهرة، وهي بذلك البنيةالأخيرة في سلمية المسار التوليدي عينه. ثم ننتقل إلى تحليل الروايةاستنادا إلى البنية البينية بين المحايثة والتجلي، يتعلق الأمر بالبنيةالعاملية، وهي أساسا تحليل للحالات والتحولات في المسار السردي عموما؛وأخيرا البنية الموغلة في التجريد المرتبطة ابتداء بالمربع السيميائي الذييعد بنية منطقية أولية للدلالة.
    إن هذه السلمية المنتقاة في التحليلإجرائية، تفرضها طبيعة النص، فنحن لا ننتقل إلى ما هو موغل في التجريد إلاقبل المرور أولا عبر ما هو متجل متمظهر مؤنسن(Anthropomorphe)، وثانيا إلى ما هو بين التمظهر من جهة، والتجريد من جهة ثانية وفق المسار الآتي:
    3-1- البنية الخطابية
    تقوم البنية الخطابية على مكونين اثنين:المكون التركيبي والمكون الدلالي، إذ تعد هذه البنية بالأساس تجل للبنيةالسيميائية السردية وتحويلها إلى بنية خطابية بوساطة عملية التخطيب(Discursivation)؛ إن الخطاب نتيجة تحويل للأشكال المجردة. وتستند عمليةالتخطيب، في الانتقال من المجرد إلى المحسوس، إلى ثلاثة مستويات: مستوىصوغ الممثلين، ومستوى التفضيء، ومستوى التزمين.
    3-1-1- بنية الممثلين
    إذا كان العامل يتميز ببنيته التركيبية،فإن الممثل يتميز ببنيته الدلالية بالأساس، بوصفه وحدة معجمية منتمية إلىالخطاب، وهو قادر أن يقوم بدور أومجموعة أدوار من خلال موقعه. إن الممثلعلى المستوى الخطابي هو بؤرة التحليل، لأن في برنامجه الخطابي2(الذي يزين البرنامج السردي) يؤثر في انتقاء الأفضية (السجن، والبيت ذوالأدوار الثلاث، وعطفة الصيرفي، ومقهى المعلم طرزان، وقصر رؤوف علوان،ومقام الشيخ علي الجنيدي، وبيت نور، والمستشفى، والقرافة…) والأزمنة (فترةالطفولة، والشباب، وثورة الضباط الأحرار في يوليوز1952 وما بعدها، وأربعسنوات في السجن، والخروج من السجن…). وعموما يقوم الممثلون، (سعيد مهران،ونبوية، وعليش، ورؤوف علوان، ونور، وسناء، والكتب، وعلي الجنيدي، والمخبر،وطرزان، والمهرب، والكلاب، والبوليس، والبذلة، والمسدس…) بدورين هامين علىالمستوى الخطابي:
    - دور ثيماتي (Thématique)
    - دور تصويري (Figuratif)
    وللتمييز يرى جوزيف كورتيس (J.Courtés)3أن البعد التصويري يعود إلى الحواس، أي إلى كل ما يدرك مباشرة من خلالالمدركات الخمس، وهو بذلك قابل للمعاينة في العالم الخارجي؛ ويتحدد البعدالثيمي بوصفه كونا مجردا، أي: بصفته مضمونا لا رابط بينه والعالم الخارجي،وبعبارة أخرى لا وجود للشيء إلا من خلال النسخ المتولدة عنه. وينظر إلىالبعد الثيمي بوصفه وجودا معايشا لقيم تولد ثيمات، لتتحول هذه الثيمات إلىسلوك، أي إلى معطى تصويري.
    أ- الدور التصويري: يقوم التصويري على سلمية محددة في التحليل:مسار سيمي صور مسارات تصويرية تشكلات خطابية


    - الصورة (Figure) : تعد الصورة وحدة قارة تعرف من قبل نواتها الدائمة، والتي من خلالها تحقق الإمكانات بطرق مختلفة بصدد السياقات عبر مسارات سيمية (Parcours sémique). والصورة هي المعنى الذي يقدمه المدخل المعجمي(4.نجد بين أيدينا في النص صورا متعددة يمكن أن نجملها في كل العناصر التيلعبت أدوارا عاملية مخصوصة (سنشير إليها لاحقا)، ويمكن النظر إلى الصورةمن خلال الذخيرة المتعلقة بحدود الإمكان، أي بمختلف الدلالات الممكنة لأيصورة قبل استعمالها، ثم من حيث الاستعمال، الذي يتعلق بتحقق هذه العوالم،أو بجزء منها؛ وعند تداخل هذه الكلمات، وارتباطها بعلاقات داخل تتابعالجمل، أمكننا دمجها في حقول:
    الحقل المعجمي: هوالمجموع المكون من خلال الكلمات (اللكسيمات)، تصنفها لغة معينة من أجلتعيين التمظهرات المختلفة لفكرة أو موضوع أو تقنية ما: يمكن للحقل أنيتطابق مع اختبار التمظهر المحتمل للصور؛ إن الحقل المهيمن هنا هوالانتقام والمطاردة.
    - الحقل الدلالي: وهومجموع استعمال كلمة في نص معطى، يقدم لهذه الكلمة حمولة دلالية: يمكنللحقل الدلالي أن يتعلق باختبار المسارات السيمية لصورة أو لتمظهر محققلصورة، مثل الانتقام الذي قد يفيد في حدود الإمكان كل المعاني الواردةالدالة عليه، وعلى المطاردة سواء كانت حقيقية أم متخيلة، وذلك ما تبررهالصورة (الكلاب) إذ تفيد حينا الكلاب الحيوانية البوليسية، وتفيد حينا آخرالكلاب الإنسانية وغير ذلك.
    نلاحظ إذا أن اختبار الصور في ذاتهاولذاتها يظل قاصرا في التحليل السيميائي، لأن أي نص لا يتضمن صورا منعزلة،بل يشمل تعالقا بينها، يسمح بالانتقال من المعجم إلى التركيب، أي من الصوربوصفها وحدات معجمية إلى المسارات التصويرية (Parcours figuratifs) باعتبارها علاقات تركيبية جامعة بين هذه الصور، ومن تم الانتقال من البسيط إلى المركب من خلال البعد التحليلي للمستوى التصويري.
    - المسار التصويري:إن ترابط هذه الصور فيما بينها بشكل منسجم، وديناميتها بصفة متناظرة5يولد مسارات تصويرية متجلية في المقاطع السردية التي أشرنا إليها سالفا.إننا هنا أمام برنامج منتظم ومنسجم، مما يخول لنا القول إن المساراتالتصويرية تلبس وتزين البرامج السردية على المستوى السطحي، وتبين كيفتتجلى البرامج السردية على مستوى الخطاب6.
    رأينا سالفا أن المسارات السيمية تولدالصور، والصور في تعالقها المتناظر تولد مسارات تصويرية، ومنه توجد عناصرربط واضحة داخل النص بين هذه المسارات، تبدأ بخروج سعيد مهران من السجنوتتوسط بالجرائم والمطاردة وتنتهي بالاستسلام.[b]- التشكلات الخطابية:نجد بين هذه المسارات الواردة في النص نقط التقاء مشتركة، يمكن أن نجمعهافي تشكلات خطابية، حيث تظهر التشكلات الخطابية(Configurationsdiscursives) بوصفها مجموع دلالات محتملة قابلة لأن تكون محققة عبرمسارات تصويرية متمثلة في الانتقام والمطاردة والاستسلام . نجمل إذا ماقلناه عن البعد التصويري في ما يلي:[/b]

    مستوى خطابيمستوى لكسيمي

    جهة الإمكانتشكلات خطابية واردة من قبل قاموس الخطابصور لكسيمية واردة من قبل قاموس جملي
    جهة التحققمسارات تصورية محققة في الخطابمسارات سيمية محققة في جمل
    يمكن من خلال الجدول تقسيم البعدالتصويري إلى مستويين اثنين: مستوى لكسيمي يقوم على الوحدات المعجمية التيتتكفل بها الحقول الدلالية والحقول المعجمية، نميز فيها بين جهة للإمكان،أي ما يمكن أن يتحقق، وجهة للتحقق، أي ما ندركه متحققا فعلا عبر المساراتالسيمية، والصور والمسارات التصويرية؛ ثم مستوى خطابي يتعلق بجماعالمسارات التصويرية الناظمة للتشكلات الخطابية، من خلال الإمكان أولا، ثممن خلال التحقق ثانيا.
    ب- الدور الثيماتي
    يقوم تحليل جماع ما هو محقق نصيا من خلالالمسارات التصويرية إلى أنواع من الأدوار الخطابية يمكن تسميتها بالأدوارالثيماتية، فإذا كنا نرى أن الأدوار العاملية التي يقوم بها عامل فيالمستوى السردي السطحي، تختزل إلى دور عاملي محدد، فإن المسارات التصويريةالتي يتفاعل معها الممثل يمكن أن تختزل وتستثمر دلاليا في أدوار ثيماتية.والثيمات الثلاث المهيمنة، كما أشير إلى ذلك، هي الانتقام والمطاردةوالاستسلام المرتبطة بالخيانة، والنكران، والحرية المسترجعة، وتطبيقالقانون الزجري.
    نلاحظ أنه إلى حد الآن نتحدث عن مساراتغير محددة بتخوم، مما يفرض علينا إجرائيا الحديث عن التفضية والتزمينالمرتبطين إلى جانب الممثل بالتركيب الخطابي.
    3-1-2- التفضية والتزمين في النص
    يرتبط التزمين التفضيء(Spatialisation et temporalisation)(Débrayage/Embrayage) في النص من خلال إجراءين أساسين هما: الاندماج واللااندماج
    يمكن النظر إلى اللاندماج بوصفه عملية تسند انطلاقا من انحلال محفل التلفظ، الذي يحدد في “الأنا والهنا والآن”.7 والاندماج هو العملية التي تعود بنا إلى محفل التلفظ. ومنه نتحدث عن لاندماج ممثلي (أنا، لا أنا)ويمكنأن نلاحظه عبر إشاريات حضور السارد أو غيابه عند تداعيات “سعيد مهران”،حيث ينحل محفل التلفظ، فنكون أمام لااندماج ممثلي، حيث يتكفل الساردبالحديث عن الشخصية، وهذا النوع هو المهيمن في النص، فالسارد ذو معرفةكلية، يسرد بضمير الغائب، مطلع على كل شيء، بما في ذلك بواطن الشخصيات مثلالبطل المأساوي “سعيد مهران”.
    أ- اللاندماج الفضائي – الزماني
    يبعد هذا اللاندماج الفضاء والزمان خارجمحفل التلفظ، ونعبر عنه بـ(هنا، لا هنا) حيث يتوارى، ويحل محله الزمان –الفضاء الآخر. ومفاد ذلك أن الذات المتلفظة، تتحين داخل فضاء وزمانمخصوصين، وتتحدث عن وقائع خارج محفل التلفظ، تمثل هذا الانحلال في محفلالتلفظ تداعيات سعيد، حيث إن زمن الحكاية يبدأ مع خروجه من السجن، لكنالسارد يستبطن الشخصية الرئيسة لسرد أحداث وقعت قبل السجن عن طريقالاسترجاع والتداعي، باعتماد الفعل الدال على المضي “وعقب شهرمن الحادثماتت الأم في قصر العيني. وطيلة احتضارها ظلت قابضة على يدك وتأبى أن تحولعنك عينيها. غير أنك في غضون شهر المرض سرقت…”ص90
    وداخل الفضاءات والأزمنة نتحدث عن المحلاتية(localisation)والتضمين (Emboîtement)، كما هو الحال في إدخال فضاءات جزئية في أخرى كلية.
    ب- توزيع الفضاءات والأزمنة
    إن المسار الذي يعتري تسلسل الأحداث التييقوم بها الممثل، والتي تحدد دينامية الخطاب عبر مسارات، توازيه سلمية فيتحديد الفضاءات والأزمنة، حيث يبتدئ بالزمان-الفضاء المنبع (Espacetempssource)، الذي يعد نقطة انطلاق البحث عن موضوع القيمة، وهو هنا السجن فيالسنة الرابعة من ذكرى عيد الثورة في مصر، ثم الزمان-الفضاء الهدف(Espace- temps cible)، أي الزمان- الفضاء الذي يحصل فيه البطل على موضوعالقيمة، أو لا يحصل عليها، وهو هنا في الرواية “القرافة” التي استسلم فيها“سعيد مهران” في مقابرها، فلم يحصل على موضوع القيمة نهاية.
    غير أن الانتقال من الأول إلى الثاني لا يتم إلا عبر فضاء-زمان وسيط (Espace tempsmédiateurوهوفضاء-زمان الفعل الإنجازي (بين السجن والقرافة 1956). ويشمل فضاءات وأزمنةمساعدة، فالفضاءات والأزمنة المساعدة كانت هي: بيت نور، ومقام الشيخ عليالجنيدي، والبيت ذو الأدوار الثلاثة، ومقهى المعلم طرزان، والليل… ثمفضاءات وأزمنة معاكسة كفضاء السجن، والقرافة، والمقابر، والفجر… ويمكنصورنتها وفق ما يلي:9
    فضاء مساعد
    فضاء منبع فضاء وسيط فضاء هدف
    ( الاستهلال) ( الإنجاز) ( النصر)فضاء معاكس




    3- 2- البنيات السيميائية السردية
    3 -2-1- المكون السردي السطحي
    إن الانتقال من البنية المتجلية خطابياإلى مابين المحايثة والتجلي يتطلب إجراء يحدد هذا التمفصل بين الخطابيوالسردي؛ وهذا الإجراء يمر عبر الدورين المختلفين اللذين يلعبهما الممثل،وهما: الدور العاملي بوصفه عاملا على المستوى السردي السطحي، والدورالثيماتي في علاقته بالبنية الخطابية، في الأولى ينظر إليه بوصفه عاملا،وفي الثانية ينظر إليه باعتباره ممثلا؛ إن موقعه إذا بين بين.
    يقدم النص على مستوى البنية العامليةبوصفه سلسلة من الحالات ((Etats والتحولات (Transformations)، جعلت غريماصيقر أن السردية (Narrativité) توجد في كل الأنساق الدالة؛ تتعلق الحالاتبالكينونة(Etre) وتعود التحولات إلى الفعل والظهور((Paraître.
    يفرض هذا الاختلاف وجود ملفوظين مختلفين:ملفوظ حالة (Enonce d’état) يتعلق بالعلاقة بين الذات(Sujet)والموضوع(Objet)، ونرمز له ب (ذ-م) وملفوظ الفعل (Enonce de faire)،يرتبط بالتحول في هذه العلاقة إما اتصالا أو انفصالا، يلزم من ذلكملفوظين للحالة:
    - ملفوظ حالة اتصال(Conjonction): يكون العامل الذات متصلا بالعامل الموضوع، نرمز للاتصال بالرمز ∩ حيث ع ذ ∩ ع م.
    - ملفوظ حالة انفصال (Disjonction): يكون العامل الذات منفصلا عن العامل الموضوع، نرمز للانفصال بالرمز U حيث ع ذ U ع م.
    أما ملفوظ الفعل أو التحول فيرتبط بالانتقال من حالة إلى حالة أخرى، حيث نجد شكلين من التحول:
    - تحول الاتصال: يتم الانتقال من حالة الانفصال إلى حالة الاتصال.
    ونرمز له بالصياغة الصورية الآتية:
    ع ذ U ع م ع ذ ∩ ع م
    يشير السهم إلى التحول من حالة انفصال إلى حالة اتصال.
    - تحول الانفصال: يتم الانتقال من حالة اتصال إلى حالة انفصال، نمثل له بـ:
    ع ذ ∩ ع م ع ذ U ع م
    يشير السهم إلى الانتقال من حالة اتصال إلى حالة انفصال.
    يسمي غريماص تتابع الحالات والتحولاتبرنامجا سردياnarratif) Programme (، يرتبط بالعلاقة (ع ذ-ع م)، وتحولاتهاالاتصالية أو الانفصالية، وهذا التحول، أي القيام بالبرنامج السردي، يتطلبفاعلا إجرائيا (Sujet opérateur) مؤنسنا (Anthropomorphe) ومادام هناكحالة وتحول، فالفاعل الإجرائي إما أن يكون:
    فاعل الحالة: يكون في علاقة اتصال أو انفصال بموضوع القيمة (Objet- valeur) فالعلاقة (ع ذ-ع م) تحدد ملفوظ الحالة، أو فاعل الحالة.
    فاعل الفعل: التحول في العلاقة إما بالاتصال أو بالانفصال، نرمز لفاعل الفعل بالترسيمة العامة (Schéma générale) الآتية:
    فا ف [( ع ذ U ع م ) (ع ذ ∩ ع م )]
    يرمز (فا ف) إلى فاعل الفعل و(ع ذ) إلى العامل الذات والسهم إلى التحول، و(∩) إلى الاتصال و( U) إلى الانفصال.
    يتطلب هذا التحول انجازا (Performance)،إن تحقيق التحول من قبل الفاعل الإجرائي يفترض أن يكون هذا الأخير محفزامن قبل عامل آخر مرسل (Destinateur) يقنعه فيقتنع بالإنجاز، نسمي هذهالعملية تحفيزا(Manipulation). ولابد بعد ذلك للعامل الذات/الفاعلالإجرائي أن يملك الشروط الضرورية لإنجاز الفعل، وفق قيم جيهية(Modalités)أجملها غريماص في أربع: وجوب الفعل(Devoir faire) والقدرة علىالفعل(Pouvoir faire) ومعرفة الفعل (Savoir faire وإرادة الفعل(Vouloirfaire)، نسمي هذه الشروط والقيم الجيهية القدرة.(Compétence)
    تعد القدرة موضوعا يمكن أن يكون الفاعلالإجرائي ممتلكا له أو لا، وهذا الموضوع بوصفه كذلك، ليس المطلوب الرئيسللإنجاز، لكنه شرط ضروري له، لذلك سمي موضوعا استعماليا أوموضوعا جيهيا(Objet modal) لأنه مرتبط بتحقيق للقيم الجيهية السالفة، أما الموضوعالرئيس فيسمى موضوع القيمة، لأنه مرتبط بالإنجاز وبالعلاقة (ع ذ- ع م)، أيبمجموع الحالات والتحولات (البرامج السردية) التي يقوم بها العامل الذاتفي بحثه عن موضوع القيمة.
    سنحاول في البدء تقديم النموذج العاملي بوصفه نسقا في البداية، ثم نجري إجراءه فيما بعد.
    أ- النموذج العاملي باعتياره نسقا(10

    المرسل الموضوع المرسل إليه
    (الحرية) (الانتقام) ( المروءة)
    المساعد الذات المعاكس
    (نور، طرزان،الجنيدي (سعيد مهران) (غياب التنظيم، عليش،علوان، المخبر،
    الليل، البذلة، المسدس… الكلاب، البوليس، البذلة…)
    ويمكن النظر إلى هذا النموذج باعتباره أزواجا:
    -المرسل / المرسل إليه(أو محور الإبلاغ): دور المرسل (الحرية) هو إقناع العامل الذات، أماالمرسل إليه (المروءة) فهو يشكل العامل المستفيد من الموضوع (الانتقام)،ولهذا فإن محفله يكون في النهاية.
    -الذات / الموضوع (أومحورالرغبة): يشكل هذا الزوج قطب الرحى في النموذج العاملي، فالذات (سعيدمهران) ترغب في موضوع القيمة (الانتقام)، ويكون هذا بعد إقناع العاملالذات من قبل العامل المرسل.
    -المساعد/ المعاكس(أو ما يشكل مقولة الصراع): نلاحظ أن العوامل المعاكسة أعظم من العواملالمساعدة في النص، فهي تقوم ببرامج مضادة للبرنامج السردي الأساس الذييقوم به العامل الذات(سعيد مهران)، تعرقل بذلك مسار بحثه عن موضوع القيمة،ومادام العامل الذات يحمل في نفسه عاملا معاكسا لنقصان أهليته (غيابالتنظيم)، فإن المسار السردي بأكمله سيكون فاشلا، ولن يحصل العامل الذاتعلى موضوع القيمة نهاية بالضرورة “أنا روحك التي ضحيت بها ولكن ينقصنيالتنظيم على حد تعبيرك..ومأساتي الحقيقية أنني رغم تأييد الملايين أجدنيملقى في وحدة بلا نصير، ضيع غير معقول”ص110.

    ب- النموذج العاملي بوصفه إجراء
    إن النموذج العاملي باعتباره نسقا بنيةساكنة، ولا يمكن تحريكها إلا عبر الانطلاق من النسق إلى الإجراء عبرترسيمة سردية من أربعة مواقع.
    - التحفيز: (Manipulation)(أوفعل الفعل): حيث قام المرسل (الحرية) بإقناع معنوي للعامل الذات(سعيدمهران) ب البحث عن موضوع القيمة (الانتقام)، غير أن الإقناع في هذاالنموذج معنوي، لأن العامل المرسل عامل معنوي أصلا(الحرية)، ومادام الأمرمرتبط بالأنفة والكرامة والمروءة فالعمل الذات محفز ابتداء.
    - القدرة : (Compétence)(أوكينونة الفعل): إن الإقناع والاقتناع ليسا كافيين لتحقيقالرغبة، بل لابد من تحقق القدرة التي تعني الشروط الضرورية لتحقيق الإنجاز، وتتلخص في:
    ü إرادة الفعل : العامل الذات طامعا إلى الانتقام لأن الأمر يتعلق به لذاته.
    ü القدرة على الفعل: العامل الذات ينقصه التنظيم، وهذا ما سينعكس على المسار السردي بالفشل استقبالا.
    ü معرفة الفعل: العامل الذات عارف بطرق، وكيفيات الانتقام نظرا لصوصيته السالفة فحدوده القيمية تجعله عارفا.
    ü وجوب الفعل: أساسه الفعل اعتداد بالكرامة والأنفة لأن الأمر مرتبط بالخيانة والنكران.
    هذه الشروط تتطلب برنامجا استعماليايتوخى منم خلاله العامل الذات الحصول على الموضوع الجيهي المشتمل للقيمالجيهية، إنه يرتبط بالبعد الذريعي، مادام هو أس البرنامج الأساس، غير أنسعيد مهران عجز ابتداء في الحصول على الموضوع الجهي، إذ تنقصه أهليةالقدرة على الفعل.
    - الإنجاز : (Performance)(أو فعل الكينونة): ويشكل المرحلة الثالثة في الترسيمة السردية؛ والإنجاز هو كل عملية تحقق تحولا لحالة، وهذه العملية تقتضي عاملا (Agent) هو الفاعل الإجرائي (Sujet opérateur). إننا ننتقل مما هو محين إلى ما هو محقق،11)والتحقيق يتطلب برنامجا أساسا هدفه الحصول على موضوع القيمة، غير أن تحقيقالرغبة ما يكون مفروشا بالورود، بل إنه خاضع للبنية الجدلية التي تحكمالنموذج العاملي، إذ نجد برنامجا مضادا يقوم به فاعل إجرائي مضاد. ولعلذلك ما جعل سعيد مهران يعيش المطاردة طيلة فصول الرواية، لأن العواملالمعاكسة أكبر من أن يضاهيها، وهو الذي يغيب عنه التنظيم منذ البداية،فرغم وجود بعض العوامل المساعدة، التي أشرنا إليها، إلا أن ذلك لم يجدنفعا، وبالتالي فمنذ الوهلة الأولى يمكن الحكم على البرنامج السردي بالفشل.
    - الجزاء (Sanction)(أوكينوناتالكينونة): إنه الحكم على الإنجاز، فإذا كان المرسل هو الذي يحكم على نجاحالبرنامج السردي أو فشله، فإنه هنا في النص مغيب، مادامت معرفة فشلالبرنامج السردي أمرا مفروغا منها، لأن الفاعل الإجرائي حين هم بالبحث عنالموضوع كان ناقص الأهلية؛ فكان الجزاء والتحفيز سيان. ومنه عاد البطلالمأساوي إلى نقطة الصفر، حيث ابتدأ منفصلا عن موضوع القيمة في المقطعالاستهلالي للرواية ليختم بالانفصال أيضا في مقطعها الختامي، بل انتهىسعيد مهران إلى الاستسلام؛ ويمكن التعبير عن ذلك صوريا بـ:
    فا ف [( ع ذ U ع م ) (ع ذ U ع م )]
    ويمكن التأشير إلى هذه المراحل من خلال الجدول الآتي:
    تحفيزقدرةإنجازجزاء
    فعل الفعلعلاقة مرسلفاعل إجرائي(إقناع-تأويل)كينونة الفعلعلاقة فاعل إجرائيبرنامج استعمال(مواضيع جيهية)فعل الكينونةعلاقة فاعلإجرائي-برنامج أساس(مواضيع قيمية)كينونات الكينونةعلاقة مرسلفاعل إجرائي(تقويم)

    3-2-2- المكون العميق
    إن الانتقال من العمليات إلى التركيبالسردي السطحي يتم عبر الفعل التركيبي، وهو يدمج مفهوم الفعل المؤنسن،مادام الفعل يتم من خلال انتقال من عمليات عميقة ذات حمولة دلالية بالأساسإلى فعل يفترض وجود فاعل من سماته (+ إنساني)، كما أن إدخال الفعلالتركيبي يفرض مفهوما آخر، هو الملفوظ السردي الذي أشرنا إليه سالفا.
    يفترض أن يفهم ما قلناه أعلاه بطريقةارتدادية، حيث تنسجم القراءة والبعد الإجرائي الذي حددناه ابتداء، إذ منهسنتحدث عن البنية الأولية للدلالة، حيث يشكل الخيط الناظم للكرامة, وهيبنية اختلافية تضادية، يمكن أن نجسدها بصريا عبر المربع السيميائي، الذييمثل الوحدات الدلالية من أجل توليد كون دلالي قابل للتجلي، ويمكن صورنتهكالآتي:
    المقاومة تضاد الاستسلام
    اقتضاء تناقض اقتضاء
    لا مقاومة شبه تضاد لا استسلام
    تعد البنية الدلالية عبارة عن علاقات،فانطلاقا من تحريك المربع السيميائي ننتقل من العلاقات الدلالية إلىالعمليات التركيبية، التي من خصائصها أنها موجهة، فلا يمكن الانتقال منالمقاومة إلى الاستسلام إلا عبر اللااستسلام من خلال الصورة الآتية:
    المقاومة الاستسلام
    نفي إثبات

    لااستسلام


    على سبيل الختام
    ينتظم هذا العمل ضمن إطار للتحليل يهمدراسة النص العربي، متخذا له نموذجا مخصوصا، نص”اللص والكلاب” للمؤلف»نجيبمحفوظ» الذي تعد نصوصه مختلفة باختلاف طرقها في التدليل، وأنماطها فيالاشتغال، وقد تم الاعتماد في تحليل هذا النموذج على مرجعية نظرية تمثلتفي نظرية السيميائيات السردية، بناء على جماع المفاهيم التي تستند إليهاهذه النظرية، سواء تلك المرتبطة بها ابتداء، أو تلك التي استعارتها مننظريات أخرى. تشكل هذه المفاهيم المنهج المتبنى في الدراسة، إلا أن هذا لميمنعنا من الاستفادة من كل المناهج الواردة (Pertinentes) في التحليل. وقدكان هدفنا استثمار المنهج السيميائي في التحليل آملين أن تحذو الدراساتالنقدية هذا الحذو لما تقدمه السيميائيات من فوائد جمة للدرس النقديالعربي الحديث.


    مرجع المتـن :
    محفوظ، نجيب: اللص والكلاب، مكتبة مصر، (د ت)
    بيبليوغرافيا
    1-CHADILI (EL.Mustapha), Le traitement de la spatialité dans le conte populaire,in Recherche Linguistique et Sémiotique Publication de la faculté de lettre, Rabat, série débats N 6 1981.
    2- COUTES (J), Introduction à la sémiotique narrative, et discursive, Ed Hachette, Paris 1976.
    3- COUTES (J), Analyse sémiotique de discours, de l’énoncer à l’énonciation, Ed Hachette, Paris 1991.
    4- GROUPE, D’ ENTREVENES, Analyse sémiotique des textes, Ed Toubkal 1987.
    5- GREIMAS (AJ), Du Sens, Ed Seuil, Paris 1970.
    6- GREIMAS (AJ), COUTES (J), Sémiotique dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Ed Hachette, Paris, T1 1979.
    7 –GREIMAS (AJ), Du Sens II, Ed Seuil, Paris 1983.8- GREIMAS (AJ), COUTES (J), Sémiotique dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Ed Hachette, Paris T2 1986.



    2 – GREIMAS (AJ), Du Sens, Ed Seuil, Paris 1970, p : 259
    3 – COUTES (J), Analyse sémiotique de discours, de l’énoncé à l’énonciation, Ed Hachette, Paris 1991 p : 163
    4 – GROUPE, D’ ENTREVENES, Analyse sémiotique des textes, Ed Toubkal 1987, p: 91
    5 GREIMAS (AJ), COUTES (J), Sémiotique dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Ed Hachette, Paris, T1 1979 p : 146
    6- GROUPE, D’ ENTREVENES, Analyse sémiotique des textes, op. cit. p:94.

    7 – GREIMAS (AJ), COUTES (J), Sémiotique dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Op. Cit. P : 71.
    9 – CHADILI (EL.Mustapha), Le traitement de la spatialité dans le conte populairein recherche linguistique et sémiotique, Publication de la Faculté des lettres, Rabat, 5, 1981 P: 441.et GREIMAS (AJ) Du Sens II, Ed Seuil, Paris 1983 P:142
    10 – COUTES (J), Introduction à la sémiotique narrative et discursive, Ed Hachette, Paris 1976 PP : 64-68.

    11 COUTES (J), Introduction à la sémiotique narrative et discursive, op.cit: P : 120

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 3:12 pm