مفدي زكريا في أول حوار لصحيفة جزائريةبقلم : بلقاسم بن عبد الله
[ شوهد : 90 مرة ]
لأول مرة ينشر هذا الحوار الهام كاملا مع الشاعر الثوري العملاق مفديزكريا بموقع إلكتروني، وقد أجراه الكاتب الصحفي المتميز: بلقاسم بن عبدالله، خلال فترة ميلاد إلياذة الجزائر، في غمرة إحتفال بلادنا بالعيدالعاشر للإستقلال الوطني.• وهو أول حوار شامل لصحيفة جزائرية، حيث نشر بملحق الشعب الثقافي بتاريخ5 أوت 1972، واستأثر باهتمام الدارسين والمهتمين، قبل أن يظهر في كتاب:مفدي زكريا شاعر مجد ثورة، في الطبعتين الأولى والثانية.• ويسعد مجلة أصوات الشمال أن تكون سباقة لنشر هذا الحوار الوثيقة كاملا،تزامنا مع تخليد ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر التاريخية التي تجسد صرخة شعب أبييطالب بحقه المقدس في الحرية والسيادة والكرامة
••
شاعر الثورة أمام جمهوره
• هذا الشاعر الذي تعيش الجزائر وثورتها فيكل قصيدة من قصائده يحس في قرارة نفسه أنه مظلوم… كل كلمة يفوه بها، تشعركبذلك، وأنت جالس إليه، تفتح قلبك لحديثه الذي لا يخلو من متعة..
• أول مرة التقيت به – وجها لوجه – عندما سنحت له الفرصة بإقامة الأمسية"العكاظية" بقاعة "الموقار مطلع السنة الحالية، بعد غبية طالت واستطالتشعر" ببعد مسافتها" جمهوره الواسع العريض، هذا الجمهور الذي حفظ شعره عنطهر قلب. وتغني بأناشيده الخالدة، خلود الثورة " الملهمة" التي كان لسانهاالمعبر عنها في يوم من الأيام..وكيف لا..؟ وهو الذي تنشد معه الجزائر منأقصاها إلى أدناها " قسما بالنازلات الماحقات.."وغيره من" تسابيح الخلود"التي يضمها " اللهب المقدس."
• ومع أول قصيدة يفتتح بها أمسيته الشعرية، راودتني فكرة اجراء مقابلةأدبية معه، قد تكون نوعا من " السبق الصحفي" ..وبعد اختتام الأمسية، عرضت"المشروع" على شاعرنا: مفدى زكريا..فرحب بالفكرة، فكان موعد، وكان لقاءولكن الحديث لم يتم، والمشروع لم ير النور.
• وانتظرت أن تتاح الفرصة من جديد لعلها الذكرى العاشرة للإستقلال الوطني،وقد كانت فرصة سانحة لتكريم أدباء وفناني الثورة، ومرت هذه المناسبةالثمينة .. حتى اذا كان الملتقى السادس للتعرف على الفكر الاسلامي "فوجئت"ـ كغيري ـ بشاعرنا مفدى، وقد حمل في جعبته "إلياذة الجزائر" ليلقيها فياليوم الافتتاحي للملتقى، أمام قرابة ألفي طالب، زيادة عن عشرات الأساتذة.
• وتابعت " الإلياذة" طوال خمس ساعات .. أنها صفحات من تاريخ الجزائر "منظمة" في حوالي 600 بيتا من الشعر وهو في طريقه إلى النصاب الذي هو ألف،فتكون "ألفية الجزائر" ورددت ـ في كل مقطع ـ من الإلياذة ـ مع المرددين :
• "شغلنا الورى. وملأنا الدنا . بشعر. نرتله كالصلاة، تسابيحه من حناياالجزائر" وأنتهى الشاعر من الإلقاء، تحت عاصفة من تصفيق الحاضرين، وأبيت ـهذه المرة ـ إلا أن " أستأثر" لأكمل الحديث معه، وأخرج المشروع إلى النورفكان لي ما أردت ..
بلقاسم بن عبد الله: شاعرنا مفدي زكريا.. سعداء اليوم بلقائكم و محاورتكم..
بادئ ذي بدء، هل لك أن تقدم للقراء نبذة عن حياتك عامة، ونشاطاتك الأدبية والوطنية خاصة؟***
مفدي زكريا: ولدت في قرية بني يزقن بواحات الجنوب الجزائري، وقريتي هذه منقرى وادي ميزاب السبع، وهي معروفة عند المؤرخين الأجانب " بالمدينةالمقدسة" وذلك سنة 1913 فيما يقال والدي كان ـ رحمه الله ـ تاجرا بمدينةعنابة، وجدى الشيخ الحاج سليمان كان رئيسا للاتحاد الميزابي، أيام كانوادي ميزاب محافظا على استقلاله الذاتي، تربطه بالسلطة العثمانية المركزيةمعاهدة حماية، ظلت سارية المفعول، طوال عهد الاحتلال الفرنسي للجزائر، إلىحدود سنة 1880 وأسرتي تنحدر من بني رستم الذين أسسوا تيهرت (تيارت) فيالقرن الثاني من الهجرة، أول دولة جزائرية ذات سيادة كاملة غير مرتبطةبتبعية لا إلى الحفصيين، ولا إلى بني زيان، دامت زهاء قرنين، تحقق علىعهدها ـ لأول مرة في التاريخ ـ توحيد المغرب العربي الكبير ونظامالاشتراكية الإسلامية. زاولت دراستي الابتدائية والثانوية والعالية بحاضرةتونس، متنقلا بين مدرسة السلام، والمدرسة القرآنية الأهلية ثم الجامعالمعمور الزيتونة، والصادقية، والخلدونية، ومعهد الآداب العليا بالعطارين.
حياتي الأدبية متصلة اتصالا جذريا بنشاطي القومي وقد شرعت في قرض الشعرسنة 1925 أي في الثانية عشرة من عمري بقصيدة في رثاء "كبش الفداء" بعيدالأضحى، متأثرا بمذهب أبي العلاء المعري، وأتذكر طالعها وبيتا آخر:
لـهفي علـى شـاة لنا قد قيــدت
للـذبـح وهي نـقيــــة الأدران
استـضعفــوك، فلـذ لحمك عندهم
هلا استلذوا لـحـم ليـث قـانــي
وأضربت ستين يوما عن أكل اللحم حتى اذا ما "تبت من توبتي" أصبحت أحب اللحمبأصنافه الثلاثة، متبعا في ذلك توصية الجاحظ في ثلاثياته " ثلاثة لا ألذمنهن .. " أما القصيد الثاني، فكان في تمجيد جهاد الريف، بقيادة الزعيمالخالد الأمير عبد الكريم الخطابي، وقد نشرت بعدد (182) من جريدة (لسانالشعب) بتونس بتاريخ 8 سبتمبر 1925 كما نشرتها جريدة (الصوات) في نفسالشهر، ونشرتها جريدة(اللواء) وجريدة (الأخبار) القاهريتان ومما جاء فيتعليق جريدة اللواء قولها : "هذه القصيدة لشاعر لم يبلغ الحلم مفدي زكرياءوهي إن دلت على شيء فإنما تدل على تشبع الأمة الجزائرية بروح الإسلاموالوطنية الصادقة"، وقد ظللت أنشدها بنفسي على منبر نادي الحزب الحرالدستوري التونسي نهج انقلترا رقم 25 وأعتقلت من أجلها نصف شهر، كما كنتنظمت أناشيد حماسية كثيرة أخرى في النضال الدستوري وفي الحرب الطرابلسيةستنشر في ديوان" محاولات طفولة" وأغلبها يجسم الدعوة لوحدة الشمالالإفريقي.
• وكان المرحوم عمي الزعيم الشيخ صالح بن يحي أحد الأقطاب الثلاثة الذينأسسوا الحزب الحر الدستوري التونسي، وغذوا الحرب الطرابلسية بالأموالالمتجمعة من الجزائر – خاصة – تونس، واعتقل من أجل نشاطه الوطني، صحبةالزعيم الثعالبي والزعيم محمد الرياحي.
• وقد نشئت في بيئته تنشئة وطنية منذ نعومة أظافري، وتلقيت مبادئها علىالزعيم الثعالبي الذي كان لا يفارق بيتنا، فعدت بعد انقطاعي الجزئي منالتعليم سنة 1949 وأنا أحمل هذه الفكرة، وأفيض بهذه الروح، فعملت في صفوفجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وخلدت جهادها بملامح أعتز بها في جملةما أعتز به من إنتاجي في موكب الرعيل الأول من النضال، وستنشر في ديوان"انطلاقة" ثم دفعني حماسي الوطني الجارف فكاد يلفني الحزب الشيوعيبالجزائر، لولا أن الله سلم، إذا اكتشفت بعد جهد جهيد حركة استقلالية سريةتسمى " حزب نجم افريقيا الشمالية" وكنت قبلها أبحث عن حركة وطنية جزائريةتناهض الاستعمار وتتجاوب مع ما ألفته من ألوان النضال بتونس، فانخرطتبحماس في حزب النجمة الذي كان يعمل في نطاق سرية خافتة، مقتصرا على توزيعبعض المناشير، وترويج جريدة " الأمة" لسانه ولما لاحت بعض الشبهات عنجريدة الفكر والتعبير سنة 1936 خرج الحزب من الكتمان إلى الظهور وشرفنيباسنادي أمانته العامة وأنشأت تشيد الإنطلاقة الأولى الرسمي.
• فــداء الجزائــر روحـي ومالـي
o ألا فــي سـبيــل الحــريــة
• وفي النشيد تنديد بسياسة الاندماج والفرنسة التي كانت تعمل له الجبهةالفرنسية في نطاق مشروع " بلوم فيوليت " والتي تحمس في الدعوة إليها مايسمى " بجامعة النواب"، وقد بذلت هذه الجامعة قصارى جهدها للتغريربالعلماء عن طريق التغليط والتضليل واستغلال حسن النوايا.
• فـلسنـا نـرضـى الانـدمـاجــا
ولسـنـا نرضـى التـجـنيـــسا
• ولـسنـا نـرضـى الامــتـزاجـا
و لا نــريـد فـــرنـسيــسـا
• رضـيـنـا بالاســـلام تـاجــا
كـفـى الجـهـــال تـدنيـســا
• وبعد معارك طاحنة واشتباكات ذارية، زج بنا في السجن يوم 29 أوت سنة 1937بتهمة التآمر ضد أمن الدولة، وفي غياهبه نظمت نشيد الشهداء:
• نـحـــــن قـــوم أبـــاة
ليـــــس فيـنــا جـبـــان
• قــد سـئـمـنـــا الحـيــاة
فــي الشـقــاء و الـهـــوان
• ادخـــلونــا الـسـجـــون
o جــرعـونـا الـمـــنـــون
• لـيــس فـيـنـــا خــؤون
o يـنـثــنــــي أو يـهـــون
• ومن غياهب زنازن السجن أنشأنا جريدة " البرلمان الجزائري " الأسبوعيةالتي كان مديرها المسؤول المناضل المخلص: السيد أحمد بوده، وكنت متصرفهاوالمشرف على تحريرها بسجن الحراش.
• وفي يوم الإفراج عنا سنة 1939 والحرب العظمى الثانية على قدم وساق، لميفتر نشاطي في الحركات السرية التي تعاقبت والتي " كثرت في غرامهاالأسماء" إلى يوم كارثة الانشقاق المشؤومة، واحتفظت بحيادي، ولم أتورط فيالفتنة الهوجاء حفاظا على شرفي وضميري،وخشبة أن تتجاوزني الأحداث، ثم جاءالوعد الحق، واندلعت الثورة المباركة، وانتصبت جبهة التحرير الوطنيالجزائري، ارتميت في أحضانها، بكل إمكانيتي الروحية والمادية، وانشأتالنشيد الوطني الرسمي " قسما" ثم اعتقلت يوم 12 أفريل 1956 بتهم تعددتأسماؤها وألوانها، ومن أعماق بربروس والحراش والبرواقية أرسلت ملاحميالثورية بالفصحى والشعبي، تتخطى الآفاق، وتوقع خطوات ثوارنا الأبرار، فيأعالي جبالنا الماردة العملاقة وكان علينا ونحن بالسجن أن نقوم بمهمة أخرىفأسسنا بإذن من الجبهة، شبه وزارة للتعليم والثقافة، امتد شعاعها إلىأجنحة السجينات المناضلات بطريق المراسلة المحلية، وقد تخرج من هذهالمدارس عديد من المناضلين، كانوا أميين ,أصبح الكثير منهم الآن في سلكالتعليم.
***
• .. في القسم الثاني والأخير من هذا الحوار الشامل، يتحدث شاعرنا الثوريمفدي زكريا عن أهم إنتاجاته الأدبية المطبوعة والمخطوطة، وعن طريقتهالخاصة في نسج عمله الأدبي، وعن موقفه من الشعر القديم والجديد، وعن ظروفميلاد إلياذة الجزائر، وعن نظرته لواقع الحركة الأدبية في الجزائر.
[ شوهد : 90 مرة ]
لأول مرة ينشر هذا الحوار الهام كاملا مع الشاعر الثوري العملاق مفديزكريا بموقع إلكتروني، وقد أجراه الكاتب الصحفي المتميز: بلقاسم بن عبدالله، خلال فترة ميلاد إلياذة الجزائر، في غمرة إحتفال بلادنا بالعيدالعاشر للإستقلال الوطني.• وهو أول حوار شامل لصحيفة جزائرية، حيث نشر بملحق الشعب الثقافي بتاريخ5 أوت 1972، واستأثر باهتمام الدارسين والمهتمين، قبل أن يظهر في كتاب:مفدي زكريا شاعر مجد ثورة، في الطبعتين الأولى والثانية.• ويسعد مجلة أصوات الشمال أن تكون سباقة لنشر هذا الحوار الوثيقة كاملا،تزامنا مع تخليد ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر التاريخية التي تجسد صرخة شعب أبييطالب بحقه المقدس في الحرية والسيادة والكرامة
••
شاعر الثورة أمام جمهوره
• هذا الشاعر الذي تعيش الجزائر وثورتها فيكل قصيدة من قصائده يحس في قرارة نفسه أنه مظلوم… كل كلمة يفوه بها، تشعركبذلك، وأنت جالس إليه، تفتح قلبك لحديثه الذي لا يخلو من متعة..
• أول مرة التقيت به – وجها لوجه – عندما سنحت له الفرصة بإقامة الأمسية"العكاظية" بقاعة "الموقار مطلع السنة الحالية، بعد غبية طالت واستطالتشعر" ببعد مسافتها" جمهوره الواسع العريض، هذا الجمهور الذي حفظ شعره عنطهر قلب. وتغني بأناشيده الخالدة، خلود الثورة " الملهمة" التي كان لسانهاالمعبر عنها في يوم من الأيام..وكيف لا..؟ وهو الذي تنشد معه الجزائر منأقصاها إلى أدناها " قسما بالنازلات الماحقات.."وغيره من" تسابيح الخلود"التي يضمها " اللهب المقدس."
• ومع أول قصيدة يفتتح بها أمسيته الشعرية، راودتني فكرة اجراء مقابلةأدبية معه، قد تكون نوعا من " السبق الصحفي" ..وبعد اختتام الأمسية، عرضت"المشروع" على شاعرنا: مفدى زكريا..فرحب بالفكرة، فكان موعد، وكان لقاءولكن الحديث لم يتم، والمشروع لم ير النور.
• وانتظرت أن تتاح الفرصة من جديد لعلها الذكرى العاشرة للإستقلال الوطني،وقد كانت فرصة سانحة لتكريم أدباء وفناني الثورة، ومرت هذه المناسبةالثمينة .. حتى اذا كان الملتقى السادس للتعرف على الفكر الاسلامي "فوجئت"ـ كغيري ـ بشاعرنا مفدى، وقد حمل في جعبته "إلياذة الجزائر" ليلقيها فياليوم الافتتاحي للملتقى، أمام قرابة ألفي طالب، زيادة عن عشرات الأساتذة.
• وتابعت " الإلياذة" طوال خمس ساعات .. أنها صفحات من تاريخ الجزائر "منظمة" في حوالي 600 بيتا من الشعر وهو في طريقه إلى النصاب الذي هو ألف،فتكون "ألفية الجزائر" ورددت ـ في كل مقطع ـ من الإلياذة ـ مع المرددين :
• "شغلنا الورى. وملأنا الدنا . بشعر. نرتله كالصلاة، تسابيحه من حناياالجزائر" وأنتهى الشاعر من الإلقاء، تحت عاصفة من تصفيق الحاضرين، وأبيت ـهذه المرة ـ إلا أن " أستأثر" لأكمل الحديث معه، وأخرج المشروع إلى النورفكان لي ما أردت ..
بلقاسم بن عبد الله: شاعرنا مفدي زكريا.. سعداء اليوم بلقائكم و محاورتكم..
بادئ ذي بدء، هل لك أن تقدم للقراء نبذة عن حياتك عامة، ونشاطاتك الأدبية والوطنية خاصة؟***
مفدي زكريا: ولدت في قرية بني يزقن بواحات الجنوب الجزائري، وقريتي هذه منقرى وادي ميزاب السبع، وهي معروفة عند المؤرخين الأجانب " بالمدينةالمقدسة" وذلك سنة 1913 فيما يقال والدي كان ـ رحمه الله ـ تاجرا بمدينةعنابة، وجدى الشيخ الحاج سليمان كان رئيسا للاتحاد الميزابي، أيام كانوادي ميزاب محافظا على استقلاله الذاتي، تربطه بالسلطة العثمانية المركزيةمعاهدة حماية، ظلت سارية المفعول، طوال عهد الاحتلال الفرنسي للجزائر، إلىحدود سنة 1880 وأسرتي تنحدر من بني رستم الذين أسسوا تيهرت (تيارت) فيالقرن الثاني من الهجرة، أول دولة جزائرية ذات سيادة كاملة غير مرتبطةبتبعية لا إلى الحفصيين، ولا إلى بني زيان، دامت زهاء قرنين، تحقق علىعهدها ـ لأول مرة في التاريخ ـ توحيد المغرب العربي الكبير ونظامالاشتراكية الإسلامية. زاولت دراستي الابتدائية والثانوية والعالية بحاضرةتونس، متنقلا بين مدرسة السلام، والمدرسة القرآنية الأهلية ثم الجامعالمعمور الزيتونة، والصادقية، والخلدونية، ومعهد الآداب العليا بالعطارين.
حياتي الأدبية متصلة اتصالا جذريا بنشاطي القومي وقد شرعت في قرض الشعرسنة 1925 أي في الثانية عشرة من عمري بقصيدة في رثاء "كبش الفداء" بعيدالأضحى، متأثرا بمذهب أبي العلاء المعري، وأتذكر طالعها وبيتا آخر:
لـهفي علـى شـاة لنا قد قيــدت
للـذبـح وهي نـقيــــة الأدران
استـضعفــوك، فلـذ لحمك عندهم
هلا استلذوا لـحـم ليـث قـانــي
وأضربت ستين يوما عن أكل اللحم حتى اذا ما "تبت من توبتي" أصبحت أحب اللحمبأصنافه الثلاثة، متبعا في ذلك توصية الجاحظ في ثلاثياته " ثلاثة لا ألذمنهن .. " أما القصيد الثاني، فكان في تمجيد جهاد الريف، بقيادة الزعيمالخالد الأمير عبد الكريم الخطابي، وقد نشرت بعدد (182) من جريدة (لسانالشعب) بتونس بتاريخ 8 سبتمبر 1925 كما نشرتها جريدة (الصوات) في نفسالشهر، ونشرتها جريدة(اللواء) وجريدة (الأخبار) القاهريتان ومما جاء فيتعليق جريدة اللواء قولها : "هذه القصيدة لشاعر لم يبلغ الحلم مفدي زكرياءوهي إن دلت على شيء فإنما تدل على تشبع الأمة الجزائرية بروح الإسلاموالوطنية الصادقة"، وقد ظللت أنشدها بنفسي على منبر نادي الحزب الحرالدستوري التونسي نهج انقلترا رقم 25 وأعتقلت من أجلها نصف شهر، كما كنتنظمت أناشيد حماسية كثيرة أخرى في النضال الدستوري وفي الحرب الطرابلسيةستنشر في ديوان" محاولات طفولة" وأغلبها يجسم الدعوة لوحدة الشمالالإفريقي.
• وكان المرحوم عمي الزعيم الشيخ صالح بن يحي أحد الأقطاب الثلاثة الذينأسسوا الحزب الحر الدستوري التونسي، وغذوا الحرب الطرابلسية بالأموالالمتجمعة من الجزائر – خاصة – تونس، واعتقل من أجل نشاطه الوطني، صحبةالزعيم الثعالبي والزعيم محمد الرياحي.
• وقد نشئت في بيئته تنشئة وطنية منذ نعومة أظافري، وتلقيت مبادئها علىالزعيم الثعالبي الذي كان لا يفارق بيتنا، فعدت بعد انقطاعي الجزئي منالتعليم سنة 1949 وأنا أحمل هذه الفكرة، وأفيض بهذه الروح، فعملت في صفوفجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وخلدت جهادها بملامح أعتز بها في جملةما أعتز به من إنتاجي في موكب الرعيل الأول من النضال، وستنشر في ديوان"انطلاقة" ثم دفعني حماسي الوطني الجارف فكاد يلفني الحزب الشيوعيبالجزائر، لولا أن الله سلم، إذا اكتشفت بعد جهد جهيد حركة استقلالية سريةتسمى " حزب نجم افريقيا الشمالية" وكنت قبلها أبحث عن حركة وطنية جزائريةتناهض الاستعمار وتتجاوب مع ما ألفته من ألوان النضال بتونس، فانخرطتبحماس في حزب النجمة الذي كان يعمل في نطاق سرية خافتة، مقتصرا على توزيعبعض المناشير، وترويج جريدة " الأمة" لسانه ولما لاحت بعض الشبهات عنجريدة الفكر والتعبير سنة 1936 خرج الحزب من الكتمان إلى الظهور وشرفنيباسنادي أمانته العامة وأنشأت تشيد الإنطلاقة الأولى الرسمي.
• فــداء الجزائــر روحـي ومالـي
o ألا فــي سـبيــل الحــريــة
• وفي النشيد تنديد بسياسة الاندماج والفرنسة التي كانت تعمل له الجبهةالفرنسية في نطاق مشروع " بلوم فيوليت " والتي تحمس في الدعوة إليها مايسمى " بجامعة النواب"، وقد بذلت هذه الجامعة قصارى جهدها للتغريربالعلماء عن طريق التغليط والتضليل واستغلال حسن النوايا.
• فـلسنـا نـرضـى الانـدمـاجــا
ولسـنـا نرضـى التـجـنيـــسا
• ولـسنـا نـرضـى الامــتـزاجـا
و لا نــريـد فـــرنـسيــسـا
• رضـيـنـا بالاســـلام تـاجــا
كـفـى الجـهـــال تـدنيـســا
• وبعد معارك طاحنة واشتباكات ذارية، زج بنا في السجن يوم 29 أوت سنة 1937بتهمة التآمر ضد أمن الدولة، وفي غياهبه نظمت نشيد الشهداء:
• نـحـــــن قـــوم أبـــاة
ليـــــس فيـنــا جـبـــان
• قــد سـئـمـنـــا الحـيــاة
فــي الشـقــاء و الـهـــوان
• ادخـــلونــا الـسـجـــون
o جــرعـونـا الـمـــنـــون
• لـيــس فـيـنـــا خــؤون
o يـنـثــنــــي أو يـهـــون
• ومن غياهب زنازن السجن أنشأنا جريدة " البرلمان الجزائري " الأسبوعيةالتي كان مديرها المسؤول المناضل المخلص: السيد أحمد بوده، وكنت متصرفهاوالمشرف على تحريرها بسجن الحراش.
• وفي يوم الإفراج عنا سنة 1939 والحرب العظمى الثانية على قدم وساق، لميفتر نشاطي في الحركات السرية التي تعاقبت والتي " كثرت في غرامهاالأسماء" إلى يوم كارثة الانشقاق المشؤومة، واحتفظت بحيادي، ولم أتورط فيالفتنة الهوجاء حفاظا على شرفي وضميري،وخشبة أن تتجاوزني الأحداث، ثم جاءالوعد الحق، واندلعت الثورة المباركة، وانتصبت جبهة التحرير الوطنيالجزائري، ارتميت في أحضانها، بكل إمكانيتي الروحية والمادية، وانشأتالنشيد الوطني الرسمي " قسما" ثم اعتقلت يوم 12 أفريل 1956 بتهم تعددتأسماؤها وألوانها، ومن أعماق بربروس والحراش والبرواقية أرسلت ملاحميالثورية بالفصحى والشعبي، تتخطى الآفاق، وتوقع خطوات ثوارنا الأبرار، فيأعالي جبالنا الماردة العملاقة وكان علينا ونحن بالسجن أن نقوم بمهمة أخرىفأسسنا بإذن من الجبهة، شبه وزارة للتعليم والثقافة، امتد شعاعها إلىأجنحة السجينات المناضلات بطريق المراسلة المحلية، وقد تخرج من هذهالمدارس عديد من المناضلين، كانوا أميين ,أصبح الكثير منهم الآن في سلكالتعليم.
***
• .. في القسم الثاني والأخير من هذا الحوار الشامل، يتحدث شاعرنا الثوريمفدي زكريا عن أهم إنتاجاته الأدبية المطبوعة والمخطوطة، وعن طريقتهالخاصة في نسج عمله الأدبي، وعن موقفه من الشعر القديم والجديد، وعن ظروفميلاد إلياذة الجزائر، وعن نظرته لواقع الحركة الأدبية في الجزائر.