[center]ص1 الفهرس 31-40
البنية الإيقاعية في ديوان الفروسية
لأحمد المجاطي
المهدي لعرج
إن جمالية الإيقاع في هذا الديوان تؤكد للقارئ المتمعن، والمتلقي الحصيف، أن الإيقاع هو بالفعل العنصر الذي يميز الشعر عما سواه، كما يرى لوتمان[1].وأنه لذلك سيبقى مطلبا ملحا ومحكا أساسيا لكل تجربة شعرية
لا شك أن البنية الإيقاعية تشكل مستوى أساسيا من مستويات النص الشعري إبداعا وتلقيا. ولأهمية عنصر الإيقاع نجد علماء الشعر منذ القديم يعتبرونه أحد أركان حد الشعر. وفي هذا السياق نفهم جهود الخليل والأخفش وقدامة بن جعفر وابن رشيق القيرواني وغيرهم.
وفي العصر الحاضر ازداد الوعي بأهمية الإيقاع، فقد أصبح من أبرز القضايا التي تناولها الباحثون بالدرس والتمحيص، وتصدى المجددون منهم إلى الخوض فيها. وربما كان عمل أو.بريك الإيقاع والنظم الذي ظهر ضمن حلقة جماعة الأبوياز سنة 1920، فاتحة للحديث عن أهمية الإيقاع في الشعر، وهو الحديث الذي لم يتوقف بعد ذلك، ولم يعرف الكلل. تغيرت النظرة إلى الإيقاع الذي أصبح لا يعتبر كملحق خارجي على سطح الخطاب، فقد أخذت نظرية الشعر في دراسة الإيقاع باعتباره أساسا بنائيا للشعر[2]. وقد ظل الشكلانيون الروس يضيفون إلى نظرية الإيقاع عبر امتداداتهم المتنوعة والخصبة حتى انتهى ياكبسون إلى مفهوم التوازي الذي اعتبره من أهم مقومات الخطاب الشعري. صحيح أن الإيقاع أشمل من الوزن، ولكن ياكبسون يقول: "ففي الشعر يكون الوزن بالضبط هو الذي يفرض بنية التوازي: البنية التطريزية للبيت في عمومه، الوحدة النغمية وتكرار البيت والأجزاء العروضية التي تكونه تقتضي من عناصر الدلالة النحوية والمعجمية توزيعا متوازيا"[3].
واعتبر هنري ميشونيك أن الإيقاع في النص الشعري مستوى متميز لا يقل أهمية عن مستوى الدلالة أو مستوى التركيب أو الصرف أو غيره[4]. وانطلق يوري لوتمان من قناعة مفادها أن التكرار الإيقاعي ينظر إليه منذ أقدم العصور باعتباره أحد المعالم الأساسية للشعر[5]. وبلغ من تأكيد لوتمان على أهمية الإيقاع أن استشهد بإنشاد الأطفال، بحيث اعتبر أن مجرد التمييز بين "الشعري" وبين "ما ليس شعرا" يعد في حد ذاته شيئا ذا دلالة، بل يعتبر أهم من محتوى الشعر ذاته[6]. وقد تساءل لوتمان ليس فقط عن كيفية تنظيم إيقاع النص الشعري، ولكن أيضا عن وظيفة التقطيع الإيقاعي، منتهيا إلى أن البنية الإيقاعية تمارس على النص تأثيرا خاصا بها[7]. إن العروض عنصر من عناصر الإيقاع، وهذا معناه أن العروض دال يتفاعل مع دوال أخرى لبناء الإيقاع في نسق ينتج دلالية الخطاب[8].
ومما لا شك فيه أن الشعر العربي المعاصر شكّل مشروعا للتجديد من خلال خرق قانون إيقاع الشعر القديم بشكل أساسي. ومن يراجع ما كتبه في هذا الإطار كل من نازك الملائكة وعز الدين إسماعيل ومحمد النويهي وإحسان عباس وإبراهيم أنيس ومحمد شكري عياد وسلمى الخضراء الجيوسي وخالدة سعيد ومحمد بنيس وغيرهم، يتأكد من أن قضية الإيقاع ظلت في دائرة اهتمام الباحثين، وذلك لما لها من أهمية في الكشف عن جمالية النص الشعري، وتحفيز القارئ إلى التفاعل معه.
ونود –في سياق التأكيد على أهمية الجانب الإيقاعي في الشعر- أن نشير إلى تجربة الشاعر أحمد المجاطي في ديوان الفروسية[9]. فما هي خصوصية بنيته الإيقاعية وابعادها الدلالية؟
المعطى العروضي:
يشتمل ديوان الفروسية على ثمان عشرة قصيدة، نظمها الشاعر على ستة بحور هي: الرجز، الكامل، المتقارب، المتدارك، الوافر والرمل. هذا المعطى العروضي يمكن أن نلاحظه بشكل أفضل في الجدول التالي:
القصيدة
البحر
القصيدة
البحر
1-الخوف
الرجز
9-السقوط
الرجز
2-عودة المرجفين
1-الكامل
2-الرمل
3-الرمل
4-الرجز
5-الرمل
10-كتابة على شاطئ طنجة
11-سبتة
الرمل
المتقارب
3-كبوة الريح
الرجز
12-الدار البيضاء
المتقارب
4-الفروسية
الرجز
13-وراء أسوار دمشق
المتقارب
5-دار لقمان عام 1965
الرجز
14-مشاهد من سقوط الحكمة في دار لقمان
الرجز
6-قراءة في مرآة النهر المتجمد
الرجز
15-الخمارة
المتدارك
7-ملصقات على ظهر المهراز
1-المتدارك
2-المتقارب
3-المتدارك
16-من كلام الأموات
17-خف حنين
الوافر
الوافر
8-القدس
الوافر
18-الحروف
الكامل
يتيح لنا هذا المعطى أن نسجل الملاحظات التالية:
ـ أن الشاعر اعتمد تفاعيل البحور الصافية، وهو ما يكاد يكون من بديهيات الشعر الحر، قبل أن يدخل غمار تجارب أخرى أكثر تعقيدا.
ـ اعتماد مبدأ المقاطع[10] لا سيما في قصيدتي: (عودة المرجفين) و(ملصقات على ظهر المهراز).
ـ أن بحر الرجز يأتي في مقدمة الأوزان التي اعتمدها الشاعر، يليه الوافر والمتقارب ثم الكامل والرمل والمتدارك.
البنية الإيقاعية في قصائد الديوان:
إن معطيات الوزن السابقة عبارة عن محددات خارجية قبلية تنتمي للمقيس ولما يقبل العد كما يقول محمد بنيس[11]، وهي لذلك عاجزة عن خلق التحفيز الضروري للتفاعل مع النص الشعري، إنها أطر عامة وقواعد معيارية، تتجلى أهميتها في طريقة توظيف الشاعر لها. من هذا المنطلق سنحاول أن ننظر في قصائد ديوان المجاطي، وهي قصائد تكتسب جماليتها الإيقاعية من مبدأ التميز والاختلاف، ذلك أن كل قصيدة تقريبا تحمل تجربة خاصة ومتميزة من حيث الإيقاع، وهذه بعض الأمثلة:
قصيدة (عودة المرجفين):
تتكون هذه القصيدة من خمسة مقاطع مختلفة الأوزان:
المقطع الأول: من الكامل
المقطع الثاني: من الرمل
المقطع الثالث: من الرمل
المقطع الرابع: من الرجز
المقطع الخامس: من الرمل.
فكيف نفسر ورود مجموعة من الأوزان على مستوى قصيدة واحدة يفترض أنها تصدر عن وحدة الشعور ووحدة الخيال وتجانس الإيقاع؟
هذه القضية تعيد إلى الأذهان محاولة السياب النظم على البحور الممتزجة وفق معادلة تجعل الفرضية التي يقوم عليها الإطار الموسيقي للقصيدة صحيحة[12]. فنحن عندما نقرأ هذه القصيدة في وحدتها، عندما نستلذ بقراءتها إلى آخرها، إنما نكون قد فعلنا ذلك في إطار تشكيلة موسيقية صورتها العروضية هي: متفاعلن فاعلاتن فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن.
وغني عن البيان أن تفعيلة الكامل تصير بزحاف الإضمار مثل تفعيلة الرجز، مما يخلق تجانسا أكبر في سياق التشكيلة السابقة.
والذي لا مرية فيه، أن الشاعر استطاع أن يضفي على قصيدته نوعا من الهرمونية، مما أكسبها إيقاعا متميزا، فكيف تحقق ذلك؟ لماذا لجأ الشاعر أصلا إلى مبدإ تنويع الوزن في كل مقطع؟ هل لذلك علاقة بأوجه الدلالة؟
للإجابة عن هذه الأسئلة سنعتمد مفهوم التوازي المقطعي، كما حدده د.محمد مفتاح[13]، لنرى من خلاله ما إذا كان التوازي الإيقاعي يرتبط بالتوازي المقطعي الذي هو تواز يحقق تناظرا وتناغما وتناسبا، إنه حجة جمالية إقناعية[14]. ونحن نعتقد أن الإيقاع يسير في ركاب هذا التناظر وهذا التناسب، وأنه لا يقل أهمية عن هذا التوازي من حيث كونه هو أيضا حجة جمالية إقناعية.
تتكون قصيدة: "عودة المرجفين" من خمسة مقاطع، في البنية المكتوبة لهذا النص الشعري، مقاطع حددت على أساس اختلاف الوزن، كما رأينا، ولكن إذا نظرنا إلى المقطع من منظور التوازي كما أشرنا، وأردنا في نفس الوقت أن نحدد نوعه، ونوع الوزن، وعدد الأسطر الشعرية، في كل مقطع فإننا سنحصل على صور التوازي التالية:
المقطع
نوعه
عدد الأسطر
البحر
1
سرد
33
الكامل
2
اندماج في الخطاب
12
الرمل
3
سرد
10
الرمل
4
خطاب
03
الرمل
5
خطاب
03
الرجز
6
اندماج في الخطاب
11
الرجز
7
سرد
14
الرمل
8
اندماج في الخطاب
07
الرمل
9
خطاب
08
الرمل
يتيح لنا هذا الجدول أن نلاحظ عدة توازيات:
إذ نجد "الاندماج في الخطاب" يتوسط بين "السردين"، ويتوالى "خطابان"، ثم إن "السرد" يقع بين "اندماجين في الخطاب"، وكل من السرد والاندماجين يقعان بين "خطابين". إن هذا التوازي المقطعي يناظره أيضا تواز على مستوى الإيقاع، وهذا هو الأهم بالنسبة لما نحن بصدده. "فالرجز" يوجد بين "الرملين"، و"الرمل" يوجد بين "الكامل" و"الرجز"، وهما قريبان من بعضهما عند كثير من دارسي إيقاع الشعري العربي[15].
والشاعر يستخدم في مقاطع "السرد" الكامل والرمل، وفي مقاطع "الخطاب" الرجز والرمل، وفي مقاطع "الاندماج في الخطاب" الرجز والرمل. فنحن بإزاء ثلاثة أنواع من المقاطع، وكل نوع يتكرر ثلاث مرات، وفي كل مرة يستخدم الشاعر أحد الإيقاعات التي اختارها وهي الكامل والرمل والرجز، علما بأن الرمل حاضر في كل نوع من أنواع هذه المقاطع. إن مجمل هذه الاستخدامات هي في حقيقة أمرها نوع من التوازي، يتجاوز البنية الإيقاعية في انعزالها ليمس جانب الدلالة، كما ألمحنا إلى ذلك منذ قليل، عندما نبهنا على نوع الإيقاع الذي يستخدمه الشاعر في كل مقطع.
وتكملة للحديث عن إيقاع هذه القصيدة نشير إلى الصور التي تأتي عليها التفعيلة، وإلى بنية الوقفة في كل مقطع من مقاطعها الخمسة التي حددها الشاعر:
1 ـ متفاعلن متفاعلن في المقطع الأول، مع العلم أن الشاعر يلتزم الترفيل في تفعيلة القافية أو الوقفة:
...أقبية السكينه : متفاعلاتن
...الغصص الدفينه : متفاعلاتن
...القمم الحصينه : متفاعلاتن
2 ـ فاعلاتن فعلاتن: في المقطع الثاني، والجدير بالملاحظة هنا أن بنية الضرب أو ما نشير إليه بالوقفة لم تتغير كثيرا:
...الدهر اللعينه : فاعلاتن
...للخلد يقينه : فاعلاتن.
إن الأمر يتعلق في إيقاع هذه القصيدة، لا سيما من حيث بنية القافية في مقاطعها، بنوع من التشابه في إطار الاختلاف، أو لنقل نوعا من الاختلاف الذي يتجسد في صور من التشابه[16].
3 ـ في المقطع الثالث يستمر نفس النسق:
..الصمت جفونه : فعلاتن
..ليل المدينه : فاعلاتن
..الكأس الحزينه : فاعلاتن
فعلى الرغم من أن الشاعر خرج من وزن الكامل إلى وزن الرمل، فإن القافية ظلت متتابعة متشابهة، وظل حرف الروي هو النون، وظلت الهاء الساكنة كحرف وصل
هي هي.
4 ـ في المقطع الرابع اعتمد الشاعر تفعيلة بحر الرجز "مستفعلن"، وقد أتت سالمة في وقفتي هذا المقطع:
..لغير المقبره : مستفعلن
..باضت قبَّره : مستفعلن
ويلاحظ دائما التزام الشاعر بهاء الوصل الساكنة، التي تصل بين أجزاء ومقاطع هذه التجربة الإيقاعية المتميزة.
5 ـ في المقطع الخامس انعطف الشاعر مرة أخرى لتفعيلة بحر الرمل، والجديد هنا هو أن حرف الروي أصبح هو الهمزة خلاف ما كان عليه الأمر في المقاطع السابقة لا سيما 1 و2 و3. فيما حافظت هاء الوصل الساكنة على وجودها:
..عين الخطيئه : فاعلاتن
..الأسارير القميئه : فاعلاتن
..للريح الجريئه : فاعلاتن
..رؤيا بريئه : فاعلاتن.
قصيدة "ملصقات على ظهر المهراز":
وقد أعطى الشاعر في هذه القصيدة مفهوم "الملصقة"، وهو مفهوم يتحدد مدلوله في ضوء الالتزام بالموقف الثوري، ويعود في حياة الشاعر إلى مرحلة النضال الطلابي بفاس، وقد جاءت هذه القصيدة في ثلاثة مقاطع/ملصقات:
ـ الملصقة الأولى: من وزن المتدارك، مع التزام الشاعر بالقافية المقيدة الموصولة بهاء، تماما مثلما رأينا في القصيدة السابقة.
ـ الملصقة الثانية: على وزن المتقارب، ويكثر الشاعر فيها من التدوير، لذلك لا تناسب القافية انسيابها في المقطع السابق. ويزاوج الشاعر في هذا المقطع بين صيغتين للوقفة، هما: فعولُ وفعولْ، وإن كانت هذه المزاوجة غير متكافئة.
ـ الملصقة الثالثة: وهي على وزن المتدارك، وكأنها استمرار للمقطع الأول، ليس فقط من حيث اشتراكهما في الوزن، بل أيضا من حيث اشتراكهما في بنية القافية والوقفة:
*يقف الشاعر في المقطع الأول على الكلمات التالية: المارده، النافذه، بارده، واحده، المائده.
*وفي المقطع الثالث نجد ما يلي: الوافده، بارده.
ونحن نعيد بصدد هذه القصيدة ما قلناه سابقا من أن الشاعر، من خلال تنويعه هذا، كأنه كان يتوق لاستخدام البحور الممتزجة على صعيد القصيدة الواحدة. فالقصيدة دفقة شعورية واحدة، ونفس شعري متجانس، يتحقق فيه التشابه والانتظام أحيانا من خلال الاختلاف. وكأن الشاعر كرر إيقاعا وفق الصورة التالية: فاعلن فعولن فاعلن، وهو ما نجده عند بعض الشعراء من أبرزهم أدونيس[17]، يتحقق بالفعل ليس على هذا الشكل، بل على مستوى نسيج النص الشعري، حيث يخرج الشاعر بكل حرية، وبتلقائية من فاعلن إلى فعولن، ومن فعولن إلى فاعلن، دون أن يحوج نفسه إلى إفراد كل إيقاع بحيز مستقل ومقطع خاص.
ويدعو الأمر في ثلاث قصائد أخرى هي: "الخوف" و"الفروسية" و"قراءة في مرآة النهر المتجمد" إلى نوع من التوقف لاستجلاء الالتباس الذي قد يحصل بين إيقاع بحرين هما: الرجز والسريع. فمما لا شك فيه أن لإيقاع الرجز أهمية بالغة في الشعر المعاصر، وهو ما كانت قد نبهت عليه سلمى الخضراء الجيوسي في مقال لها يعود إلى نهاية الخمسينات، تقول فيه: "ولعل اكتشاف إمكانيات بحر الرجز كان من أهم ما حدث للشعر العربي في حركته التحررية الجديدة"[18]. والإشارة إلى الخلط بين عروض الرجز وعروض السريع هو التنبيه على ما قد يعتري الإيقاع من نشاز غير مرغوب فيه، إذ كان الإيقاع متوقفا على التكرار، وعلى توقع التكرار، وذلك حتى لا يحدث لنا صدمة في الإحساس الموسيقي الذي يتوقع دائما أنغاما إيقاعية منسجمة[19].
قصيدة "الخوف":
في هذه القصيدة يتأتى لنا أن نحدد أشكال النهاية التالية:
ـ فعولنْ
ـ فَعْلنْ
ـ فَعُولْ
تتكرر النهاية الأولى ثلاث مرات، والنهاية الثانية أربع مرات، والثالثة مرتين. وببعض التصرف، يمكن أن نمثل لها جميعا من قصيدة الشاعر[20]:
الكلمة الصغيره --< فعولن
تقال
أو تخط
فوق الماء --< فَعْلُنْ
ما بالها تكبر
في الهواء --< فَعُولْ.
فهل يتعلق الأمر هنا بالرجز أم بالسريع؟ لاستيضاح ذلك، نشير إلى أن إمكانيات وبدائل تفعيلة الرجز: "مستفعلن" كثيرة، وأن مما يأتي منها "ضربا" في الشعر، أي مما يمكن أن يشكل قرار النهاية والوقفة ما يلي:
ـ مفاعلن: بالخبن
ـ مفعولن: بالقطع
ـ فعولن: بالخبن والقطع
ـ مفاعلان: بالخبن والتذييل
ـ مستفعلان: بالتذييل
ـ مستعلان: بالطي والتذييل
ـ فعول: بالخبن والقطع والقصر.
وأن بدائل تفعيلة السريع الأخيرة: "مفعولاتُ" هي:
ـ مفعولن: بالكشف
ـ فاعلن: بالطي والكشف
ـ فاعلان: بالطي والوقف
ـ فَعِلُنْ: بالخبل والكشف
ـ فَعْلُنْ: بالصلم
ـ فعولن: بالخبن والكشف.
إن هناك كما نلاحظ تشابها كبيرا بين الصور العروضية للبحرين، وبالنسبة للقصيدة التي نحن بصددها فإن "فَعْلُنْ" ليست ضمن بدائل الرجز، بل ضمن إمكانيات السريع، ونحن نلاحظ أن علماء العروض التقليديين لا يذكرون "فعولْ" ضمن السريع، ومرة أخرى نتساءل: هل ترى يتعلق الأمر في هذه القصيدة بإيقاع الرجز أم بإيقاع السريع؟ ليس الجواب المحدد هو ما نبحث عنه، وإن طرح مثل هذا التساؤل في حد ذاته مهم، وذلك لاعتبارات منها:
*أن هذا الالتباس ظاهرة لافتة للنظر في هذا الديوان، كما أشرنا إلى ذلك، وأنها ظاهرة في الشعر العربي المعاصر برمته، فلها نظائر وأشباه في أشعار كثيرة.
*أنها مناسبة كي نشير إلى أن الشعر لا يكون شعرا بالمقوم العروضي، وأن الشاعر الأصيل قد يضحي بقواعد الوزن من أجل جمالية الإيقاع. وما حصل في هذه القصيدة يؤكد ذلك، فنحن لا نظن أن الشاعر كان يجهل هذا "التداخل" الذي تحقق في قصيدته، وإنما قصد إلى خلق إيقاع هرموني تتحطم فيه قيود الوزن الصارمة. ونحن نرجح أن يكون هذا الإيقاع الذي اختاره الشاعر من بدائل الرجز. وإذا كان بعض علماء العروض المجددين[21] يعتبرون السريع نمطا من أنماط الرجز، انطلاقا من تصورات نظرية، فإن الشعراء المعاصرين قد حسموا الأمر من خلال النصوص الإبداعية، حيث يتجلى أن لا فائدة من التفريق بين هذين البحرين في كثير من الأحيان، وأن هذا الإيقاع الذي يجمع بين بدائل الرجز والسريع هو صورة معدلة ومتطورة للرجز الذي يعد إيقاعا جميلا، نظمت في إطاره كثير من روائع الشعر العربي المعاصر[22].
إن الجمع بين "فعلن" و"فعولن" و"فعولْ" في نهايات الأسطر أو الأبيات في قصيدة "الحروف" للمجاطي، لم يحدث إذن عن سوء تقدير وجهل بالأساس العروضي وموسيقى الشعر، وكيف يكون شيء من هذا مقصودا مرادا، والشاعر لو أراد لالتزم تفعيلة الرجز "مستفعلن" التي لا إشكال فيها، كما فعل مثلا في المقطع الرابع من قصيدة: "عودة المرجفين"! وبهذا يكون الشاعر قد قصد قصدا إلى إحداث هذا التداخل الإيقاعي، ربما ليكون في مستوى التعبير عن تداخل الحروف في تأليف الكلام!
وإذا أعطينا لـ"فعولن" رقم 1 و"فعلن" رقم 2 و"فعول" رقم 3، فإن صورة هذا التداخل تأخذ التشكيلة التالية: 323112221. وهو ما يحدث نوعا من التشاكل الإيقاعي المقبول والمؤثر، والذي ابتعد فيه الشاعر عن الرتابة التي كانت تميز إيقاع الشعر التقليدي، بل وميزت كثيرا من نماذج الشعر المعاصر. ونحن لا نظن أن تشكيلة موسيقية من مثل 111111111 أو 222222222 أو 333333333 ستكون أكثر دينامية في خلق إيقاع جميل ومؤثر. فلا شك إذن أن المجاطي اختار سبيلا يعتمد على مبدإ المفاجأة ومباغتة القارئ في إطار نوع من الانتظام الذي ينأى عن النشاز. وبذلك تجاوز الشاعر حاجز التوقع الإيقاعي الساذج، ذاك الذي يحول القصيدة إلى لعب وزني مكشوف، بدون سحر ولا أسرار، وأحلَّ بدلا من ذلك بنية إيقاعية قوامها التوتر واللاتوقع.
قصيدة الفروسية:
في هذه القصيدة يظهر بجلاء أن الشاعر لا يقيم أية حدود بين الرجز والسريع، وأنه يستغل بدائلهما العروضية معا من أجل بناء إيقاع قصيدته. التدوير يحطم الوقفة العروضية والدلالية أحيانا، ولكن الشاعر يعلن صراحة عن القافية، سواء انتهت الجملة الشعرية أم لم تنته. ولقد اتخذت الوقفة التي لها أهمية كبيرة في الإيقاع الصور التي نبرزها في الجدول التالي:
نوع الوقفة
عددها
فعول
18
فعلن
08
مفعولن
06
مفاعلن
04
فعولن
02
مفعول
02
فعول
01
فعل
01
لكن هذه اللائحة قابلة للتعديل، فإن مفعول بالإشباع هي مفعولن، وفعول هي فعولن، وفعل هي فعلن، وبالتالي فإننا نحصل في النهاية على الإحصاء التالي:
ـ فعول: 18
ـ فعلن: 9
ـ مفعولن: 8
ـ مفاعلن: 4
ـ فعولن: 3.
وإذا أردنا أن ننظر إلى متواليات الإيقاع في هذه القصيدة، فإنه يتحتم علينا أن نعطي لكل وحدة من هذه الوحدات الإيقاعية التي تشكل الوقفة والقافية رقما، وذلك حسب توالي ظهورها في القصيدة، ولعل استبدال الأرقام بتلك الوحدات أبلغ في البيان والتوضيح، في البداية نحصل على المعطى التالي:
ـ فعلن: 1
ـ فعول: 2
ـ مفعولن: 3
ـ فعولن: 4
ـ مفاعلن: 5.
وتتوالى هذه الوحدات في القصيدة وفق النسق التالي:
223225342455351331322222422222123122131211.
وهو نسق يمكن أن نحدد فيه مجموعة من أشكال التوازي الإيقاعي، ومن أشكال الانتظام مثل: 11/22/22222/222222/33/55/22/22.
كما أن هناك بعض التشاكلات من قبيل:
131/242/313/424/535.
والملاحظ أن "فعول" تسري في أغلب متواليات القصيدة، وقد تتابعت خمس مرات في مناسبتين. ويبدو أن ربط مختلف هذه الاستعمالات بوجوه الدلالة المتغيرة في القصيدة، قد يفضي بنا إلى ضرب من التعسف. فاختيار البحر لا يعني أن له علاقة مباشرة وحاسمة بالمعنى والغرض، ولكن السياق هو الذي يجعل للإيقاع دلالة ورمزية مثله في ذلك مثل باقي المستويات[23]. ولا شك أن معنى الفروسية كموضوع يتطلب السرعة والحركية استدعى من الشاعر أن يتجاوز واقع النغم إلى أفق من التناغم استثمر فيه معطيات الرجز والسريع، كما رأينا، بكل ما يتيحه هذان البحران من مظاهر الاتساع، وهذا ما يتجسد أيضا في القصيدة التالية:
قصيدة قراءة في مرآة النهر المتجمد:
وهذه القصيدة أقرب إلى السريع منها إلى الرجز –في المنظور التقليدي-، وذلك عكس القصيدتين السابقتين، وللتأكد من ذلك، نقدم فيما يلي أنواع الوقفة، أي أشكال الأضرب التي يختم بها الشاعر الأسطر الشعرية، أو الجمل الشعرية، ومعدل تكرارها على طول القصيدة:
ـ فعلن: 11
ـ فعلان: 10
ـ فعولن: 7
ـ فاعلن: 2
ـ فعول: 2
ـ فعول: 2
ـ فعل: 3.
فباستثناء "فعول" التي لا تقع إلا في الرجز –وقد تكررت مرتين- فإن سائر الوحدات الإيقاعية الأخرى، مما لا خلاف بين العروضيين أنها بدائل للسريع. ومع ذلك، فنحن نعتقد أن الأمر يتعلق هنا بإيقاع رجزي، لأن السريع نفسه ما هو إلا نمط من الرجز كما يرى جلال الحنفي[24]. وقد أشرنا سابقا أن: "فعل" بالإشباع تصبح مثل "فعلن"، لكن هناك مع ذلك فروقا صوتية بين كل من "فعل" و"فعلن" و"فعلان"، وهذا بيان ذلك:
ـ فعل: تتكون من مقطع متوسط "فع" ومقطع قصير هو "ل" الذي هو عبارة عن صوت ساكن + صوت لين قصير.
ـ فعلن: تتكون من مقطعين متوسطين، وكل مقطع من هذين المقطعين يتكون من: صوت ساكن + صوت لين قصير + صوت ساكن.
ـ فعلان: تتكون من مقطعين أحدهما متوسط هو: "فع" والآخر طويل هو "لان" ويتكون من صوت ساكن + صوت لين طويل + صوت ساكن.
وهذه الفروق الصوتية، عندما تتراكم تصبح فروقا محسوسة ناتئة في الإيقاع، تغنيه، بل تغني المعنى نفسه، وذلك من خلال قدرتها على التفاعل مع مختلف مستويات التعبير الأخرى في القصيدة.
ولو شئنا أن نحتفظ لكل صورة من صور القافية أو الوقفة السابقة بكيانها كما ورد في القصيدة، ثم أردنا أن نعرف كيفية تواليها، من الأول إلى الآخر، لوجدنا أنها اتبعت في ذلك النسق التالي:
ـ فعلان ونرمز لها بـ: 1
ـ فعولن ونرمز لها بـ: 2
ـ فاعلن ونرمز لها بـ: 3
ـ فعول ونرمز لها بـ: 4
ـ فعل ونرمز لها بـ: 5
ـ فعلن ونرمز لها بـ: 6.
وبطريقة رقمية سنلاحظ مرة أخرى هرمونية هذه القصيدة، ومدى امتزاج نهاياتها المتنوعة، مما نحصل معه على التشكيلة الإيقاعية التالية:
66641122636666665511621151241213221.
إن صور التشابه في هذا التشكيل هي: 22/11/11/55/666666/22/11/666/.
أما صور الاختلاف فهي: 1/3/121/24/51/62/63/4.
والواقع أن هناك تناسبا تاما بين حالات التشابه وحالات الاختلاف، وأن تفاعل وتناغم هذه المتواليات هو الذي يعطي لهذه القصيدة نغمتها الموسيقية الجميلة وإيقاعها الراقص، الذي يتغير كلما أحس الشاعر أن الرتابة تهدده وتكاد تقضي على توثبه الذي يستفز القارئ ويباغته ليظل مشدودا إلى القراءة في (مرآة النهر المتجمد)!
وتكملة للحديث عن البنية الإيقاعية في ديوان الفروسية يجدر بنا أن نشير إلى مجموعة من الظواهر الإيقاعية الأخرى مثل: السطر الشعري، والبيت، والتدوير والقافية والروي.
التدوير:
للتدوير أهمية كبيرة في الشعر العربي المعاصر، لا سيما شعر التفعيلة الذي حافظ على مبدأ الوزن كثابت أساسي من ثوابت الإيقاع، ومن ذلك شعر أحمد المجاطي. وللتدوير علاقة وطيدة بالقافية والوقفة والبيت، وبغيرها من الظواهر الإيقاعية الأخرى، ولذلك، فإن استخدام التدوير لا يكون عبثا، وأن الشاعر لا يقطع كلامه في السطر إلا لغاية ترتبط بالإيقاع، ومن ثم ترتبط بالمعنى. والشاعر الجيد هو الذي يحسن توظيف تقنية التدوير، وإلا تحول إلى سبيل توزع الألفاظ من خلاله على الأسطر بشكل عشوائي.
وقد استغرق التدوير أجزاء مهمة في بعض قصائد ديوان الفروسية، كما يتجلى ذلك من خلال المقطع الأول من قصيدة: "الحروف"[25].
وأنا أراود كل شاردة
لأسكن
في حماها
وأطوف سبعا
حول دانية القطوف
تمط ألسنها الحروف
بما تشابه
حيث الرؤية
اكتملت
وحصحصت البدائل
في مداها
وأنا أراود
كل آبدة
أطوف ما أطوف
فيا صليل ملاحم
التفتيش
في زمن التفاعيل
الـمدورة
استفق
إلخ.
ومن الشيق أن يكون الشاعر نفسه واعيا بفاعلية هذا التدوير، كما يصرح بذلك في نهاية هذا المثال. فقد قصد الشاعر قصدا إلى التدوير الذي لا شك في ارتباطه بالمعنى العام الذي يود التعبير عنه في القصيدة، وتفاعله في سياق القول الشعري مع غيره من مستويات التعبير. فما معنى زمن التفاعيل المدورة في كلام الشاعر؟ ولماذا هذه التفاعيل المدورة؟ أظن أن لذلك علاقة بموقفه من الإبداع الشعري، وكأن الشاعر اقتنع أخيرا أن اللهاث وراء التفاعيل/الشعر، لا يجدي في زمن يفرض على الإنسان/الشاعر أن يعانق الفعل.
السطر الشعري:
عندما أبدل الشاعر المعاصر السطر الشعري بالشطرين المتناظرين اللذين كانا أساس البيت الشعري التقليدي، كان ذلك إيذانا بتحرر الشعراء من قيد عسير، وكان علامة على انطلاق الشعر العربي ليرتاد آفاق المعاصرة والتحديث. وتتجلى أهمية السطر الشعري في خدمة الإيقاع من حيث قدرته على التحكم فيه والحد من تدفقه وانسيابه، أو بالعكس المساعدة على تسريعه والرفع من وتيرة تردده. وتكمن أهمية السطر الشعري أيضا، باعتباره متوالية إيقاعية في تنظيمه فضاء الصفحة، ومعلوم أن الفضاء في الشعر على جانب كبير من الخطورة، لقدرته على توضيح الخفي وتجسيم المعنويات[26]. السطر الشعري وسيلة مهمة للشاعر، يمارس عبرها حريته في الكتابة، لا سيما أنه ليس من شرطه الوصول إلى قرار المعنى وتمام الإفادة. ومع ذلك فقد يمتع السطر الشعري ويفيد. والذي لا شك فيه أنه معرض لجوهر الألفاظ، ومضمار لفتنة الكلمات، تتبارى فيه، وتتجلى من خلاله، لذلك لا يشتمل السطر أحيانا سوى على كلمة واحدة. في السطر الشعري تكتسب الألفاظ قيمتها وجدارتها، ومن خلال حسن استغلاله يستطيع الشاعر أن يستوقف القارئ ويؤثر فيه. من خلاله قد يبرز الشاعر كلمة كانت تبدو تافهة، ويعيد الاعتبار للفظة كانت مهملة. والسطر الشعري لهذا الغرض ليس من شأنه أن يطول أو يقصر وفق تصور مسبق، بل إنه لكل مقام مقال، كل سطر تجربة إيقاعية دلالية رمزية، تكاد تكون مستقلة بذاتها. وقد يكون السطر الشعري عبارة عن تفعيلة واحدة أو جزء من التفعيلة، وقد يصل مداه إلى أكثر من ذلك[27]. ومن هنا كان السطر أكثر أهمية للإيقاع من البيت في أحيان كثيرة.
وقد اعتمد المجاطي أسطرا شعرية قصيرة في أغلب قصائد ديوانه، وأظن أن لهذا الاعتماد علاقة برهان الشاعر على تحقيق دفق إيقاعي كفيل بأن يحدث لدى المتلقي التأثير المنشود. فبفضل التدوير الذي أشرنا إلى أهميته فيما قبل، يصبح السطر الشعري في بعض الأحيان كلمة هي بدورها تفعيلة ناقصة، كما في السطر الثالث من قول الشاعر في قصيدة "الدار البيضاء":
يسقط النهر فيك[28]
وتسقط كل البنادق
قتلى.
فهذا السطر، كما نلاحظ هو كلمة واحدة، أراد الشاعر أن يجليها، وإن كان إيقاعها يرتبط بالسطر الذي قبلها حيث تجد فيه تفعيلة المتقارب اكتمالها، ومثل هذا كثير عند المجاطي، في قصائد ديوانه، وهو مرتبط كما أشرنا بإرادة تبئير بعض الكلمات، أو التأكيد على رمزية بعض الدوال، من ذلك ما يظهر في المقطع التالي من قصيدة: "كتاب على شاطئ طنجة:
كأن الله لم يصدع به[29]
سيفا
شمسا
ورجاءا
ليته مال على مراكش الشمطاء
نخلا
وعلى كثبان ورزازات
ماءا
حيث تتمزق أوصال تفعيلة الرمل "فاعلاتن" في الوقفة التي يجعلها الشاعر في سطر مستقل، وذلك مراعاة للإيقاع الذي يريده الشاعر لقصيدته. فلا شك أن الزمن الذي تستغرقه قراءة هذا النص، وفق التوزيع الذي ارتضاه له الشاعر أطول. لم يرد الشاعر أن يبرز كلمات: سيفا، شمسا، رجاء، نخلا، ماء، فقط، بل أراد أيضا أن تقرأ على نحو خاص، أن تقرأ في مدة زمنية تليق بها، مدة زمنية أكبر من تلك التي ستخصص لها لو أنها كتبت بشكل أفقي.
إن شعر أحمد المجاطي ليس من قبيل الشعر المجسم، لكن الشاعر في هذا الديوان استثمر الفضاء والبعد الأيقوني ما أمكنه ذلك، وما يدل على أن الشاعر أولى السطر الشعري عناية خاصة. إننا نجده مثلا يعيد توزيع بعض قصائده. فقد نشر الشاعر قصيدة "السقوط" أول الأمر، في مجلة آفاق، وفق نسق يتخذ فيه السطر الشعري شكل البيت، فكل سطر ينتهي بوقفة نظمية ودلالية، بل وينتهي بقافية يغذيها حرف الروي الذي يتغير من حيث لآخر، هكذا:
تلبسني الأشياء حين يقبل النهار[30]
تلبسني شوارع المدينه
أسكن في قرارة الكأس، أحيل شبحي مرايا
أرقص في مملكة العرايا
أعشق كل هاجس غفل وكل نزوة أميره
أبحر في الهنيهة الفقيره
أصالح الكائن والممكن والمحال
أخرج من دائرة الرفض ومن دائرة السؤال.
هناك إذن التزام واضح بالوصول إلى قرار المعنى، وقرار الوزن، تماما كما لو كان الأمر يتعلق ببيت الشعر التقليدي. لكن هذه القصيدة، عندما أعاد الشاعر نشرها في ديوان الفروسية اتخذت الأسطر فيها نسقا آخر، حيث جاءت وفق ما يلي:
تلبسني الأشياء[31]
حين يرحل النهار
تلبسني شوارع المدينه
أسكن في قرارة الكأس
أحيل شبحي
مرايا
أرقص في مملكة العرايا
أعشق كل هاجس غفل
وكل نزوة
أميره
أبحر في الهنيهة الفقيره
أصالح الكائن
والممكن
والمحال
أخرج من دائرة الرفض
ومن دائرة السؤال.
وعلى العموم، فالقصيدة كانت في الأصل في خمسة وعشرين سطرا، وأصبحت في نشرة الديوان في واحد وخمسين سطرا، أي عدد الأسطر تضاعف بنسبة تجاوزت مائة بالمائة، وهو ما يعني أن الشاعر قد أدرك ما لاستثمار الفضاء، عبر توزيع الأسطر، من فضل ومزية، لا سيما في ضبط إيقاع النص، والتحكم في نفسه الموسيقي.
بنية البيت في ديوان "الفروسية":
يرى عز الدين إسماعيل أن لا وجود للبيت في الإطار الجديد للقصيدة، وأن السطر الشعري أصبح هو البديل الذي ارتاح له الشاعر[32]. وهذا صحيح من بعض الوجوه، ذلك أن البيت التقليدي ذا الشطرين المتناظرين، المتكافئين إيقاعيا، لم يعد مقوما من مقومات القصيدة الحديثة، وأن هذا البيت كان من أول ما أطاح به رواد الشعر الحر. لكن مع ذلك، يمكن أن نتحدث عن مفهوم للبيت، دون أن نسقط من اعتبارنا وجود السطر. والحقيقة أن عنصر الوقفة عامل أساسي في بناء بيت القصيدة المعاصرة[33]. فعندما يعلن الشاعر عن الوقفة، فإنه إنما يعلن عن نهاية البيت، وقد يكون ذلك في نفس السطر، وقد يستغرق البيت مجموعة من الأسطر. وعلى الرغم من اعترافنا بوجود كيان للبيت في قصائد ديوان الفروسية، فإن ذلك لا يعني أن له استقلالا ذاتيا، أو أنه يتلقى بمعزل عن التجربة الإيقاعية للقصيدة ككل، وقد رأينا سابقا كيف أن الشاعر يمزج بين البحور، ويخالف بين الأبيات، في سبيل بناء إيقاع هرموني، تعتبر القصيدة –في تمامها- صورته المكتملة.
ومن أمثلة البيت الذي اكتمل داخل السطر الواحد، ما جاء في قصيدة "سبتة":
وبين الربابه[34]
وبين لهاث الغصون وسمع السحابه
أنا النهر أسرج همس الثواني
وأركب نسغ الأغاني
وأترك للريح والضيف صيفي
ومجدول سيفي.
فكل سطر من هذه الأسطر الستة بيت متميز شكليا وإيقاعيا، ففي الأول والسادس تفعيلتان من المتقارب وفي الثاني خمس وفي الثالث والخامس أربع وفي الرابع ثلاث، كل ذلك في إطار موسيقي محدد مضبوط، لكن كل سطر مفتقر إلى ما بعده، غير مستقل عما قبله. ولكي ندرك كيف تتحكم الوقفة، في تحديد البيت، نتأمل المقطع التالي من قصيدة: "مشاهد من سقوط الحكمة في دار لقمان":
سألته عن زمن الحكمة[35] --< (جزء من بيت)
حتى رنق النعاس --< بيت
جفونه --< بيت
سألته عن زمن الافلاس --< بيت
رأيته يسقط بين القدر --< جزء من بيت
والتنور --< بيت
لم تمت النسور --< بيت
لكن لقمان الحكيم --< جزء من بيت
مات --< نهاية البيت.
فإن اكتمال الأبيات هنا يوافق ما يصح أن يكون ضربا في وزن الرجز، فهناك:
ـ فعول: في السطرين: 2، 7.
ـ فعلان: في الأسطر: 4، 6، 10.
ـ مفاعلن: في السطر: 3.
ولم نعتبر الأسطر الأخرى أبياتا لأن الشاعر لم يقف فيها وقوفا إيقاعيا، بل اعتبرها جسورا نحو قرار البيت.
لكن الأبيات الشعرية يتباعد ما بينها أحيانا، كما في المقطع الخامس من قصيدة: "عودة المرجفين":[36]
1 ـ عتمة الأدغال في الغابات
تدري أيهم عاد
وتدري
كيف فاض الماء في التنور
حتى نغلت بالدود
عين الشمس
حتى أورق الإنجيل
في عين الخطيئه
2 ـ عاد منهم جسد لا يرتوي
حماءة طين
شبق
عادوا
وفي ألسنهم من ذنب الضب
حبال
أبدا ما نفذت عيني
لما خلف البطون الصفر
ما خلف الأسارير القميئه
3 ـ أبدا بيني وبين الشمع
في نشوتهم
عمق البحار السود
يا قلبا رمى المرساة
للريح الجريئه.
فنحن نلاحظ أن البيت الأول يتكون من ثمانية أسطر والبيت الثاني من عشرة والثالث من خمسة.
بنية القافية في ديوان "الفروسية":
لا يمكن الحديث في هذا السياق عن القافية، في غياب الإشارة إلى الروي، لأنهما متلازمان. ولا شك أن القافية في الشعر الحديث تختلف اختلافا كبيرا عن القافية كما كانت ترد في قصائد الشعر التقليدي. فالقافية في الشعر الحديث حاولت أن تشاكل بين القافية ودور حرف الروي، أو بعبارة أخرى حاولت أن تجعل حرف الروي صوتا متنقلا، قد يختلف من سطر إلى آخر، وقد يتفق، وفقا لما يحتاجه الإطار الموسيقي العام للسطر وللأسطر[37].
والملاحظ أن أحمد المجاطي في قصائد هذا الديوان يولي القافية أهمية قصوى، فلا توجد في ديوانه قصيدة ليست مقفاة. ويمكن الحديث في شعر المجاطي عن ثلاثة أنواع من القافية:
ـ القافية المتتابعة
ـ القافية المتناوبة
ـ القافية المركبة.
فقد تتابعت القوافي مثلا في المقطع الثالث من قصيدة: "خف حنين"، والمقطع الأول من قصيدة: "ملصقات على ظهر المهراز"[38]، حيث يقول الشاعر:
كان حين يزور المدينة
يطرق بابي
أعد له قهوة العصر
يكتم سعلته
أتسور بالنظر الشزر
قامته المارده
كان يمنحني بسمة
ويرامق منعطف الدرب
من كوة النافذة
كنت أترك مفتاح بيتي
له
تحت آنية الزهر
أنصحه عند ما يستوي الكأس
ما بيننا بالنبيذ
ويؤثرها جعة
بارده.
وفي المقطع التالي من قصيدة "سبتة" تتناوب ثلاثة أحرف للروي، مما يجعل القافية متناوبة:
أمتهن الوصل بين الحنين[39]
وبين الربابه
وبين لهاث الغصون وسمع السحابه
أنا النهر أسرج همس الثواني
وأركب نسغ الأغاني
وأترك للريح والضيف صيفي
ومجدول سيفي.
لكن القافية عند المجاطي تنحو في أغلب قصائد الديوان منحى أكثر تركيبا وتشابكا، كما في هذا المقطع من قصيدة: "قراءة في مرآة النهر المتجمد"[40]:
يحمل في غثائه الأشجار
والكتب الصفراء
والموائد
والصمت والقصائد
ودار لقمان
وأطلالها
والمدن الأسوار
حتى إذا أتى رحاب القبة السعيده
ألقى نثار الغضبة الحمراء
وصار خيط ماء
يضحك سور القصر
في مرآته العنيده.
ونحن نلاحظ من خلال هذه الأمثلة مدى الانسجام بين الوقفة والقافية، فالوقفة عند الشاعر في كل قصائده هي مناسبة للإعلان عن القافية، والشاعر يجسد هذه الوقفة في أشكال متعددة، منها:
ـ علامة السكون، حيث تكون القافية مقيدة
ـ وجود حرف روي، يظهر ويختفي.
ـ وجود ما يمكن أن ينعت بالضرب، الذي يظل متوقعا من قبل المتلقي في كثير من الأحيان، كما في المثال السابق:
الأشجار = الأسوار -< فعلان
الموائد = القصائد -< فعولن
السعيده = العنيده -< فعولن.
والواقع أن مبدأ التنويع في القافية، وما استتبعه وترتب عنه قد أغنى موسيقى الشعر، وجعل كل قصيدة من قصائد هذا الديوان تجربة إيقاعية متميزة، وبذلك أفلت الشاعر من عيب الرتابة التي تشين كثيرا من قصائد الشعر الحديث.
وهذه الظواهر الإيقاعية التي وقفنا عليها، تعمل على صعيد واحد. فإن التدوير يكسر أفقية السطر الشعري، ويطيل نفس البيت، بل إن السطر قد يحتضن البيت في كثير من الأحيان، فلا يراعي الشاعر في ذلك سوى قيد الانسجام الإيقاعي. والقافية ليست من هذه القضايا ببعيدة، فلوتمان يعتبرها حد البيت[41]. وهو متأثر في ذلك برأي جيرمونسكي الذي لا تعني القافية عنده مجرد التطابق بين الأصوات، بل ظاهرة من الظواهر الإيقاعية[42].
التكرار في ديوان "الفروسية":
إن القافية التي أشرنا إليها فيما سبق هي أيضا شكل من أشكال التكرار، ولعلها الشكل الظاهر، اللافت للانتباه فقط، ذلك أن هناك مستويات أخرى من التكرار أقل بروزا، لكنها أكثر فاعلية في الشعر الذي تعتبر بنيته أصلا ذات طبيعة تكرارية[43]، لأنها بنية قائمة على التوازي[44]، والتوازي نفسه يمكن النظر إليه كضرب من التكرار كما يرى أوستر ليتز[45]. إن أهمية الإيقاع في الشعر هو قدرته على تنظيم النص في إطار تكرار دوري لعناصر مختلفة في ذاتها، متشابهة في مواقعها ومواضعها من العمل بغية التسوية بين ما ليس بمتساو، أو بهدف الكشف عن الوحدة من خلال التنوع[46]. وهذا الكشف أخيرا لا تكمن أهميته في مجرد الإحصاء والتصنيف، بل أيضا على المستوى الوظيفي، فليس المهم كما يرى لوتمان هو معرفة كيف نظم النص إيقاعيا، بل أيضا لماذا هو منظم كذلك[47].
ويمكن أن نشير في قصائد ديوان الفروسية إلى مظاهر التكرار التالية:
أ ـ التكرار الصوتي: وهو يشمل تكرار أصوات القافية مثل الروي والوصل[48]، وغيرهما مما يرتبط بذلك من أصوات تنجذب إلى بعضها، وتتفاعل في السياق مساهمة منها في التعبير عن جزء من المعنى، سواء تجسد ذلك في ظواهر مثل الجناس أو تجسد في مجرد تراكم يظل ناتئا في السياق، وهو ما يمكن أن نطلق عليه مفهوم: الموازنات الصوتية[49].
ب ـ التكرار المعجمي: وهو يحمل بعدا تأكيديا في السياق. إن الشعر في مجمله يتكون من كلمات، والقصيدة هي تجميع لألفاظ على نحو ما، لكن الأفضلية تظل في السياق لما يروم الشاعر أن يبرهن على أهميته.
في قصيدة "الحروف" مثلا نجد المجاطي يكرر لفظة "حرف" أو ما يقاربها في الاشتقاق: (حروف، أحرف) تسع مرات، وفي قصيدة: "وراء أسوار دمشق" تكررت كلمة "دمشق" ست مرات والفعل: "أمشي" أربع مرات.
وقد تتكرر الكلمة أحيانا في إطار نوع من الاختلاف. ففي قصيدة: "الخوف" تكررت لفظة "كلمة" بذاتها ثلاث مرات، لكن حروف هذه الكلمة تتكرر خفية في كلمة أخرى مرتين، يتعلق الأمر بـ"مملكتي" و"مملكة"، فإننا يمكن أن نستخرج من هاتين اللفظتين لفظة "كلمة" في يسر. ولكن الأهم في كل هذا، هو أن الكلمة أصبحت شبيهة بالمملكة، فإن هذا التعادل الصوتي يفيد من بين ما يفيده تعادلا على مستوى الدلالة، وهذا سر من أسرار الشعر، ومكمن من مكامن جماله.
ج ـ تكرار الجملة: وهذا النوع من التكرار في الشعر أكثر أهمية، لأن قدرته على ضبط الإيقاع قدرة كبيرة، ولأنه ليس مفترضا أن يغفل عنه المتلقي، وذلك لقرب تأتيه وسهولة استقباله.
وليس في ديوان الفروسية ظواهر لافتة للنظر من هذا القبيل، فإن الشاعر لا يكاد يكرر جملة إن كررها في قصيدة من قصائده، أكثر من مرتين، كما هو الشأن بالنسبة للجمل التالية:
ـ فأين نموت يا عمه --< في قصيدة "القدس"
ـ أنا النهر --< في قصيدة "سبتة"
ـ حين أذكر أحباب قلبي --< في قصيدة: "الدار البيضاء"
ـ أنا المنسي عند مقالع الأحجار --< في قصيدة: "من كلام الأموات".
ولكن، حَسْبُ هذه الظاهرة أنها موجودة، وحسب هذا المستوى من التكرار أنه ظفر بهذا القدر من عناية الشاعر، فإن ذلك عندما يضاف إلى ما أشرنا إليه سابقا من أشكال التكرار ومصادر الإيقاع يصبح علامة بارزة على أن البنية الإيقاعية في ديوان الفروسية غنية بمكوناتها وبدلالاتها.
إن جمالية الإيقاع في هذا الديوان تؤكد للقارئ المتمعن، والمتلقي الحصيف، أن الإيقاع هو بالفعل العنصر الذي يميز الشعر عما سواه، كما يرى لوتمان[50]. وأنه لذلك سيبقى مطلبا ملحا ومحكا أساسيا لكل تجربة شعرية g
[1] - تحليل النص الشعري، ي.لوتمان، ص71.
[2] - نظرية المنهج الشكلي، نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة إبراهيم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط1، 1982، ص53.
[3] - قضايا الشعرية، رومان ياكبسون، ترجمة محمد الولي ومبارك حنون، دار توبقال، الدار البيضاء، ط1، 1988، ص108.
[4] - Critique du rythme, Henri Meschonnic, édition Verdier, 1982, p38.
[5] - تحليل النص الشعري، بنية القصيدة، يوري لوتمان، ترجمة محمد فتوح أحمد، دار المعارف، القاهرة، 1995، ص73.
[6] - نفسه، ص83.
[7] - La structure du texte artistique, Iouri Lotman, Gallimard, p173-174.
[8] - الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها 3، الشعر المعاصر، محمد بنيس، دار توبقال، ط1، 1990، ص107-147.
[9] - الفروسية، أحمد المجاطي، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، الدار البيضاء، ط1، 1987.
[10] - اعتمد الشاعر مبدأ المقاطع في أغلب قصائد الديوان، فباستثناء قصائد: (الخوف)، (الدار البيضاء)، (الخمارة) و(من كلام الأموات)، نجد الشاعر يقسم قصائده إلى مقطعين أو أكثر، وذلك ما يفسره وجود الأرقام والعناوين الفرعية والنجيمات. وقد بلغ هذا التقسيم حده الأقصى لدى الشاعر من خلال تنويع الوزن في كل مقطع، كما يتجلى ذلك في قصيدتي: (عودة المرجفين)، و(ملصقات على ظهر المهراز).
[11] - محمد بنيس، م.س، ص107.
[12] - الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، عز الدين إسماعيل، دار العودة، بيروت، ط3، 1981، ص90.
[13] - التلقي والتأويل، محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، ط1، 1994، ص150.
[14] - نفسه، ص151.
[15] - (تداخل بحور الشعر العربي)، محمد الباتل، مجلة الدارة، ع3/1411هـ، الرياض، ص233. وانظر: الرجز في الأندلس، المهدي لعرج، بحث د.د.ع. مرقون في مكتبة كلية الآداب بالرباط، ص35.
[16] - ودلالة النص الشعري عامة تتبلور في إطار من التشابه والاختلاف، انظر بهذا الصدد مثلا: المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها عند العرب، إدريس بلمليح، منشورات كلية الآداب بالرباط، ط1/1995، ص120.
[17] - انظر مناقشة هذه المسألة في: جدلية الخفاء والتجلي لكمال أبي ديب، ص94-95.
[18] - (بحر الرجز في شعرنا المعاصر)، سلمى الخضراء الجيوسي، مجلة الآداب، ع4/1959، ص13.
[19] - نفسه، ص63.
[20] - ديوان الفروسية، ص9.
[21] - يتعلق الأمر خصوصا بالشيخ جلال الحنفي في كتابه القيم: العروض: تهذيبه وإعادة تدوينه، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1991، ص649.
[22] - مثال ذلك: "أنشودة المطر" للسياب، "الناس في بلادي" لصلاح عبد الصبور، "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" لأمل دنقل، وغيرها كثير.
[23] - التشابه والاختلاف، محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، ط1/1996، ص108.
[24] العروض، جلال الحنفي، ص649 و766.
[25] - الفروسية، لأحمد المجاطي، ص121.
[26] - التشابه والاختلاف، ص110-111.
[27] - انظر:: قضايا الشعر المعاصر لنازك الملائكة، ص97، والشعر العربي المعاصر لعز الدين إسماعيل، ص80، وقد أصبح هذا التحديد متجاوزا لا سيما فيما يدعى بقصيدة النثر.
[28] - الفروسية، ص86.
[29] - نفسه، ص70.
[30] - مجلة آفاق، (اتحاد كتاب المغرب)، شتاء 1969، ص1.
[31] - الفروسية، ص63.
[32] - الشعر العربي المعاصر، عز الدين إسماعيل، ص83.
[33] - محمد بنيس، م.س.، ص109.
[34] - الفروسية، ص73.
[35] - نفسه، ص95.
[36] - نفسه، ص13.
[37] - عز الدين إسماعيل، م.س، ص114.
[38] - الفروسية، ص45.
[39] - نفسه، ص73.
[40] - نفسه، ص39.
[41] - تحليل النص الشعري، لوتمان، م.س، ص133.
[42] - نفسه، ص91.
[43] - نفسه، ص63.
[44] - قضايا الشعرية، ياكبسون، م.س، ص105.
[45] - يوري لوتمان، تحليل النص الشعري، م.س، ص129.
[46] - نفسه، ص70.
[47] - S.T.A. Iouri Lotman, p173.
[48] - من اللافت للنظر أن الشاعر يكاد يلتزم هاء الوصل في قوافي جل قصائد الديوان.
[49] - تحليل الخطاب الشعري – البنية الصوتية في الشعر، محمد العمري، الدار العالمية للكتاب، الدار البيضاء، ط1/1990، ص11.
[50] - تحليل النص الشعري، ي.لوتمان، ص71.
البنية الإيقاعية في ديوان الفروسية
لأحمد المجاطي
المهدي لعرج
إن جمالية الإيقاع في هذا الديوان تؤكد للقارئ المتمعن، والمتلقي الحصيف، أن الإيقاع هو بالفعل العنصر الذي يميز الشعر عما سواه، كما يرى لوتمان[1].وأنه لذلك سيبقى مطلبا ملحا ومحكا أساسيا لكل تجربة شعرية
لا شك أن البنية الإيقاعية تشكل مستوى أساسيا من مستويات النص الشعري إبداعا وتلقيا. ولأهمية عنصر الإيقاع نجد علماء الشعر منذ القديم يعتبرونه أحد أركان حد الشعر. وفي هذا السياق نفهم جهود الخليل والأخفش وقدامة بن جعفر وابن رشيق القيرواني وغيرهم.
وفي العصر الحاضر ازداد الوعي بأهمية الإيقاع، فقد أصبح من أبرز القضايا التي تناولها الباحثون بالدرس والتمحيص، وتصدى المجددون منهم إلى الخوض فيها. وربما كان عمل أو.بريك الإيقاع والنظم الذي ظهر ضمن حلقة جماعة الأبوياز سنة 1920، فاتحة للحديث عن أهمية الإيقاع في الشعر، وهو الحديث الذي لم يتوقف بعد ذلك، ولم يعرف الكلل. تغيرت النظرة إلى الإيقاع الذي أصبح لا يعتبر كملحق خارجي على سطح الخطاب، فقد أخذت نظرية الشعر في دراسة الإيقاع باعتباره أساسا بنائيا للشعر[2]. وقد ظل الشكلانيون الروس يضيفون إلى نظرية الإيقاع عبر امتداداتهم المتنوعة والخصبة حتى انتهى ياكبسون إلى مفهوم التوازي الذي اعتبره من أهم مقومات الخطاب الشعري. صحيح أن الإيقاع أشمل من الوزن، ولكن ياكبسون يقول: "ففي الشعر يكون الوزن بالضبط هو الذي يفرض بنية التوازي: البنية التطريزية للبيت في عمومه، الوحدة النغمية وتكرار البيت والأجزاء العروضية التي تكونه تقتضي من عناصر الدلالة النحوية والمعجمية توزيعا متوازيا"[3].
واعتبر هنري ميشونيك أن الإيقاع في النص الشعري مستوى متميز لا يقل أهمية عن مستوى الدلالة أو مستوى التركيب أو الصرف أو غيره[4]. وانطلق يوري لوتمان من قناعة مفادها أن التكرار الإيقاعي ينظر إليه منذ أقدم العصور باعتباره أحد المعالم الأساسية للشعر[5]. وبلغ من تأكيد لوتمان على أهمية الإيقاع أن استشهد بإنشاد الأطفال، بحيث اعتبر أن مجرد التمييز بين "الشعري" وبين "ما ليس شعرا" يعد في حد ذاته شيئا ذا دلالة، بل يعتبر أهم من محتوى الشعر ذاته[6]. وقد تساءل لوتمان ليس فقط عن كيفية تنظيم إيقاع النص الشعري، ولكن أيضا عن وظيفة التقطيع الإيقاعي، منتهيا إلى أن البنية الإيقاعية تمارس على النص تأثيرا خاصا بها[7]. إن العروض عنصر من عناصر الإيقاع، وهذا معناه أن العروض دال يتفاعل مع دوال أخرى لبناء الإيقاع في نسق ينتج دلالية الخطاب[8].
ومما لا شك فيه أن الشعر العربي المعاصر شكّل مشروعا للتجديد من خلال خرق قانون إيقاع الشعر القديم بشكل أساسي. ومن يراجع ما كتبه في هذا الإطار كل من نازك الملائكة وعز الدين إسماعيل ومحمد النويهي وإحسان عباس وإبراهيم أنيس ومحمد شكري عياد وسلمى الخضراء الجيوسي وخالدة سعيد ومحمد بنيس وغيرهم، يتأكد من أن قضية الإيقاع ظلت في دائرة اهتمام الباحثين، وذلك لما لها من أهمية في الكشف عن جمالية النص الشعري، وتحفيز القارئ إلى التفاعل معه.
ونود –في سياق التأكيد على أهمية الجانب الإيقاعي في الشعر- أن نشير إلى تجربة الشاعر أحمد المجاطي في ديوان الفروسية[9]. فما هي خصوصية بنيته الإيقاعية وابعادها الدلالية؟
المعطى العروضي:
يشتمل ديوان الفروسية على ثمان عشرة قصيدة، نظمها الشاعر على ستة بحور هي: الرجز، الكامل، المتقارب، المتدارك، الوافر والرمل. هذا المعطى العروضي يمكن أن نلاحظه بشكل أفضل في الجدول التالي:
القصيدة
البحر
القصيدة
البحر
1-الخوف
الرجز
9-السقوط
الرجز
2-عودة المرجفين
1-الكامل
2-الرمل
3-الرمل
4-الرجز
5-الرمل
10-كتابة على شاطئ طنجة
11-سبتة
الرمل
المتقارب
3-كبوة الريح
الرجز
12-الدار البيضاء
المتقارب
4-الفروسية
الرجز
13-وراء أسوار دمشق
المتقارب
5-دار لقمان عام 1965
الرجز
14-مشاهد من سقوط الحكمة في دار لقمان
الرجز
6-قراءة في مرآة النهر المتجمد
الرجز
15-الخمارة
المتدارك
7-ملصقات على ظهر المهراز
1-المتدارك
2-المتقارب
3-المتدارك
16-من كلام الأموات
17-خف حنين
الوافر
الوافر
8-القدس
الوافر
18-الحروف
الكامل
يتيح لنا هذا المعطى أن نسجل الملاحظات التالية:
ـ أن الشاعر اعتمد تفاعيل البحور الصافية، وهو ما يكاد يكون من بديهيات الشعر الحر، قبل أن يدخل غمار تجارب أخرى أكثر تعقيدا.
ـ اعتماد مبدأ المقاطع[10] لا سيما في قصيدتي: (عودة المرجفين) و(ملصقات على ظهر المهراز).
ـ أن بحر الرجز يأتي في مقدمة الأوزان التي اعتمدها الشاعر، يليه الوافر والمتقارب ثم الكامل والرمل والمتدارك.
البنية الإيقاعية في قصائد الديوان:
إن معطيات الوزن السابقة عبارة عن محددات خارجية قبلية تنتمي للمقيس ولما يقبل العد كما يقول محمد بنيس[11]، وهي لذلك عاجزة عن خلق التحفيز الضروري للتفاعل مع النص الشعري، إنها أطر عامة وقواعد معيارية، تتجلى أهميتها في طريقة توظيف الشاعر لها. من هذا المنطلق سنحاول أن ننظر في قصائد ديوان المجاطي، وهي قصائد تكتسب جماليتها الإيقاعية من مبدأ التميز والاختلاف، ذلك أن كل قصيدة تقريبا تحمل تجربة خاصة ومتميزة من حيث الإيقاع، وهذه بعض الأمثلة:
قصيدة (عودة المرجفين):
تتكون هذه القصيدة من خمسة مقاطع مختلفة الأوزان:
المقطع الأول: من الكامل
المقطع الثاني: من الرمل
المقطع الثالث: من الرمل
المقطع الرابع: من الرجز
المقطع الخامس: من الرمل.
فكيف نفسر ورود مجموعة من الأوزان على مستوى قصيدة واحدة يفترض أنها تصدر عن وحدة الشعور ووحدة الخيال وتجانس الإيقاع؟
هذه القضية تعيد إلى الأذهان محاولة السياب النظم على البحور الممتزجة وفق معادلة تجعل الفرضية التي يقوم عليها الإطار الموسيقي للقصيدة صحيحة[12]. فنحن عندما نقرأ هذه القصيدة في وحدتها، عندما نستلذ بقراءتها إلى آخرها، إنما نكون قد فعلنا ذلك في إطار تشكيلة موسيقية صورتها العروضية هي: متفاعلن فاعلاتن فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن.
وغني عن البيان أن تفعيلة الكامل تصير بزحاف الإضمار مثل تفعيلة الرجز، مما يخلق تجانسا أكبر في سياق التشكيلة السابقة.
والذي لا مرية فيه، أن الشاعر استطاع أن يضفي على قصيدته نوعا من الهرمونية، مما أكسبها إيقاعا متميزا، فكيف تحقق ذلك؟ لماذا لجأ الشاعر أصلا إلى مبدإ تنويع الوزن في كل مقطع؟ هل لذلك علاقة بأوجه الدلالة؟
للإجابة عن هذه الأسئلة سنعتمد مفهوم التوازي المقطعي، كما حدده د.محمد مفتاح[13]، لنرى من خلاله ما إذا كان التوازي الإيقاعي يرتبط بالتوازي المقطعي الذي هو تواز يحقق تناظرا وتناغما وتناسبا، إنه حجة جمالية إقناعية[14]. ونحن نعتقد أن الإيقاع يسير في ركاب هذا التناظر وهذا التناسب، وأنه لا يقل أهمية عن هذا التوازي من حيث كونه هو أيضا حجة جمالية إقناعية.
تتكون قصيدة: "عودة المرجفين" من خمسة مقاطع، في البنية المكتوبة لهذا النص الشعري، مقاطع حددت على أساس اختلاف الوزن، كما رأينا، ولكن إذا نظرنا إلى المقطع من منظور التوازي كما أشرنا، وأردنا في نفس الوقت أن نحدد نوعه، ونوع الوزن، وعدد الأسطر الشعرية، في كل مقطع فإننا سنحصل على صور التوازي التالية:
المقطع
نوعه
عدد الأسطر
البحر
1
سرد
33
الكامل
2
اندماج في الخطاب
12
الرمل
3
سرد
10
الرمل
4
خطاب
03
الرمل
5
خطاب
03
الرجز
6
اندماج في الخطاب
11
الرجز
7
سرد
14
الرمل
8
اندماج في الخطاب
07
الرمل
9
خطاب
08
الرمل
يتيح لنا هذا الجدول أن نلاحظ عدة توازيات:
إذ نجد "الاندماج في الخطاب" يتوسط بين "السردين"، ويتوالى "خطابان"، ثم إن "السرد" يقع بين "اندماجين في الخطاب"، وكل من السرد والاندماجين يقعان بين "خطابين". إن هذا التوازي المقطعي يناظره أيضا تواز على مستوى الإيقاع، وهذا هو الأهم بالنسبة لما نحن بصدده. "فالرجز" يوجد بين "الرملين"، و"الرمل" يوجد بين "الكامل" و"الرجز"، وهما قريبان من بعضهما عند كثير من دارسي إيقاع الشعري العربي[15].
والشاعر يستخدم في مقاطع "السرد" الكامل والرمل، وفي مقاطع "الخطاب" الرجز والرمل، وفي مقاطع "الاندماج في الخطاب" الرجز والرمل. فنحن بإزاء ثلاثة أنواع من المقاطع، وكل نوع يتكرر ثلاث مرات، وفي كل مرة يستخدم الشاعر أحد الإيقاعات التي اختارها وهي الكامل والرمل والرجز، علما بأن الرمل حاضر في كل نوع من أنواع هذه المقاطع. إن مجمل هذه الاستخدامات هي في حقيقة أمرها نوع من التوازي، يتجاوز البنية الإيقاعية في انعزالها ليمس جانب الدلالة، كما ألمحنا إلى ذلك منذ قليل، عندما نبهنا على نوع الإيقاع الذي يستخدمه الشاعر في كل مقطع.
وتكملة للحديث عن إيقاع هذه القصيدة نشير إلى الصور التي تأتي عليها التفعيلة، وإلى بنية الوقفة في كل مقطع من مقاطعها الخمسة التي حددها الشاعر:
1 ـ متفاعلن متفاعلن في المقطع الأول، مع العلم أن الشاعر يلتزم الترفيل في تفعيلة القافية أو الوقفة:
...أقبية السكينه : متفاعلاتن
...الغصص الدفينه : متفاعلاتن
...القمم الحصينه : متفاعلاتن
2 ـ فاعلاتن فعلاتن: في المقطع الثاني، والجدير بالملاحظة هنا أن بنية الضرب أو ما نشير إليه بالوقفة لم تتغير كثيرا:
...الدهر اللعينه : فاعلاتن
...للخلد يقينه : فاعلاتن.
إن الأمر يتعلق في إيقاع هذه القصيدة، لا سيما من حيث بنية القافية في مقاطعها، بنوع من التشابه في إطار الاختلاف، أو لنقل نوعا من الاختلاف الذي يتجسد في صور من التشابه[16].
3 ـ في المقطع الثالث يستمر نفس النسق:
..الصمت جفونه : فعلاتن
..ليل المدينه : فاعلاتن
..الكأس الحزينه : فاعلاتن
فعلى الرغم من أن الشاعر خرج من وزن الكامل إلى وزن الرمل، فإن القافية ظلت متتابعة متشابهة، وظل حرف الروي هو النون، وظلت الهاء الساكنة كحرف وصل
هي هي.
4 ـ في المقطع الرابع اعتمد الشاعر تفعيلة بحر الرجز "مستفعلن"، وقد أتت سالمة في وقفتي هذا المقطع:
..لغير المقبره : مستفعلن
..باضت قبَّره : مستفعلن
ويلاحظ دائما التزام الشاعر بهاء الوصل الساكنة، التي تصل بين أجزاء ومقاطع هذه التجربة الإيقاعية المتميزة.
5 ـ في المقطع الخامس انعطف الشاعر مرة أخرى لتفعيلة بحر الرمل، والجديد هنا هو أن حرف الروي أصبح هو الهمزة خلاف ما كان عليه الأمر في المقاطع السابقة لا سيما 1 و2 و3. فيما حافظت هاء الوصل الساكنة على وجودها:
..عين الخطيئه : فاعلاتن
..الأسارير القميئه : فاعلاتن
..للريح الجريئه : فاعلاتن
..رؤيا بريئه : فاعلاتن.
قصيدة "ملصقات على ظهر المهراز":
وقد أعطى الشاعر في هذه القصيدة مفهوم "الملصقة"، وهو مفهوم يتحدد مدلوله في ضوء الالتزام بالموقف الثوري، ويعود في حياة الشاعر إلى مرحلة النضال الطلابي بفاس، وقد جاءت هذه القصيدة في ثلاثة مقاطع/ملصقات:
ـ الملصقة الأولى: من وزن المتدارك، مع التزام الشاعر بالقافية المقيدة الموصولة بهاء، تماما مثلما رأينا في القصيدة السابقة.
ـ الملصقة الثانية: على وزن المتقارب، ويكثر الشاعر فيها من التدوير، لذلك لا تناسب القافية انسيابها في المقطع السابق. ويزاوج الشاعر في هذا المقطع بين صيغتين للوقفة، هما: فعولُ وفعولْ، وإن كانت هذه المزاوجة غير متكافئة.
ـ الملصقة الثالثة: وهي على وزن المتدارك، وكأنها استمرار للمقطع الأول، ليس فقط من حيث اشتراكهما في الوزن، بل أيضا من حيث اشتراكهما في بنية القافية والوقفة:
*يقف الشاعر في المقطع الأول على الكلمات التالية: المارده، النافذه، بارده، واحده، المائده.
*وفي المقطع الثالث نجد ما يلي: الوافده، بارده.
ونحن نعيد بصدد هذه القصيدة ما قلناه سابقا من أن الشاعر، من خلال تنويعه هذا، كأنه كان يتوق لاستخدام البحور الممتزجة على صعيد القصيدة الواحدة. فالقصيدة دفقة شعورية واحدة، ونفس شعري متجانس، يتحقق فيه التشابه والانتظام أحيانا من خلال الاختلاف. وكأن الشاعر كرر إيقاعا وفق الصورة التالية: فاعلن فعولن فاعلن، وهو ما نجده عند بعض الشعراء من أبرزهم أدونيس[17]، يتحقق بالفعل ليس على هذا الشكل، بل على مستوى نسيج النص الشعري، حيث يخرج الشاعر بكل حرية، وبتلقائية من فاعلن إلى فعولن، ومن فعولن إلى فاعلن، دون أن يحوج نفسه إلى إفراد كل إيقاع بحيز مستقل ومقطع خاص.
ويدعو الأمر في ثلاث قصائد أخرى هي: "الخوف" و"الفروسية" و"قراءة في مرآة النهر المتجمد" إلى نوع من التوقف لاستجلاء الالتباس الذي قد يحصل بين إيقاع بحرين هما: الرجز والسريع. فمما لا شك فيه أن لإيقاع الرجز أهمية بالغة في الشعر المعاصر، وهو ما كانت قد نبهت عليه سلمى الخضراء الجيوسي في مقال لها يعود إلى نهاية الخمسينات، تقول فيه: "ولعل اكتشاف إمكانيات بحر الرجز كان من أهم ما حدث للشعر العربي في حركته التحررية الجديدة"[18]. والإشارة إلى الخلط بين عروض الرجز وعروض السريع هو التنبيه على ما قد يعتري الإيقاع من نشاز غير مرغوب فيه، إذ كان الإيقاع متوقفا على التكرار، وعلى توقع التكرار، وذلك حتى لا يحدث لنا صدمة في الإحساس الموسيقي الذي يتوقع دائما أنغاما إيقاعية منسجمة[19].
قصيدة "الخوف":
في هذه القصيدة يتأتى لنا أن نحدد أشكال النهاية التالية:
ـ فعولنْ
ـ فَعْلنْ
ـ فَعُولْ
تتكرر النهاية الأولى ثلاث مرات، والنهاية الثانية أربع مرات، والثالثة مرتين. وببعض التصرف، يمكن أن نمثل لها جميعا من قصيدة الشاعر[20]:
الكلمة الصغيره --< فعولن
تقال
أو تخط
فوق الماء --< فَعْلُنْ
ما بالها تكبر
في الهواء --< فَعُولْ.
فهل يتعلق الأمر هنا بالرجز أم بالسريع؟ لاستيضاح ذلك، نشير إلى أن إمكانيات وبدائل تفعيلة الرجز: "مستفعلن" كثيرة، وأن مما يأتي منها "ضربا" في الشعر، أي مما يمكن أن يشكل قرار النهاية والوقفة ما يلي:
ـ مفاعلن: بالخبن
ـ مفعولن: بالقطع
ـ فعولن: بالخبن والقطع
ـ مفاعلان: بالخبن والتذييل
ـ مستفعلان: بالتذييل
ـ مستعلان: بالطي والتذييل
ـ فعول: بالخبن والقطع والقصر.
وأن بدائل تفعيلة السريع الأخيرة: "مفعولاتُ" هي:
ـ مفعولن: بالكشف
ـ فاعلن: بالطي والكشف
ـ فاعلان: بالطي والوقف
ـ فَعِلُنْ: بالخبل والكشف
ـ فَعْلُنْ: بالصلم
ـ فعولن: بالخبن والكشف.
إن هناك كما نلاحظ تشابها كبيرا بين الصور العروضية للبحرين، وبالنسبة للقصيدة التي نحن بصددها فإن "فَعْلُنْ" ليست ضمن بدائل الرجز، بل ضمن إمكانيات السريع، ونحن نلاحظ أن علماء العروض التقليديين لا يذكرون "فعولْ" ضمن السريع، ومرة أخرى نتساءل: هل ترى يتعلق الأمر في هذه القصيدة بإيقاع الرجز أم بإيقاع السريع؟ ليس الجواب المحدد هو ما نبحث عنه، وإن طرح مثل هذا التساؤل في حد ذاته مهم، وذلك لاعتبارات منها:
*أن هذا الالتباس ظاهرة لافتة للنظر في هذا الديوان، كما أشرنا إلى ذلك، وأنها ظاهرة في الشعر العربي المعاصر برمته، فلها نظائر وأشباه في أشعار كثيرة.
*أنها مناسبة كي نشير إلى أن الشعر لا يكون شعرا بالمقوم العروضي، وأن الشاعر الأصيل قد يضحي بقواعد الوزن من أجل جمالية الإيقاع. وما حصل في هذه القصيدة يؤكد ذلك، فنحن لا نظن أن الشاعر كان يجهل هذا "التداخل" الذي تحقق في قصيدته، وإنما قصد إلى خلق إيقاع هرموني تتحطم فيه قيود الوزن الصارمة. ونحن نرجح أن يكون هذا الإيقاع الذي اختاره الشاعر من بدائل الرجز. وإذا كان بعض علماء العروض المجددين[21] يعتبرون السريع نمطا من أنماط الرجز، انطلاقا من تصورات نظرية، فإن الشعراء المعاصرين قد حسموا الأمر من خلال النصوص الإبداعية، حيث يتجلى أن لا فائدة من التفريق بين هذين البحرين في كثير من الأحيان، وأن هذا الإيقاع الذي يجمع بين بدائل الرجز والسريع هو صورة معدلة ومتطورة للرجز الذي يعد إيقاعا جميلا، نظمت في إطاره كثير من روائع الشعر العربي المعاصر[22].
إن الجمع بين "فعلن" و"فعولن" و"فعولْ" في نهايات الأسطر أو الأبيات في قصيدة "الحروف" للمجاطي، لم يحدث إذن عن سوء تقدير وجهل بالأساس العروضي وموسيقى الشعر، وكيف يكون شيء من هذا مقصودا مرادا، والشاعر لو أراد لالتزم تفعيلة الرجز "مستفعلن" التي لا إشكال فيها، كما فعل مثلا في المقطع الرابع من قصيدة: "عودة المرجفين"! وبهذا يكون الشاعر قد قصد قصدا إلى إحداث هذا التداخل الإيقاعي، ربما ليكون في مستوى التعبير عن تداخل الحروف في تأليف الكلام!
وإذا أعطينا لـ"فعولن" رقم 1 و"فعلن" رقم 2 و"فعول" رقم 3، فإن صورة هذا التداخل تأخذ التشكيلة التالية: 323112221. وهو ما يحدث نوعا من التشاكل الإيقاعي المقبول والمؤثر، والذي ابتعد فيه الشاعر عن الرتابة التي كانت تميز إيقاع الشعر التقليدي، بل وميزت كثيرا من نماذج الشعر المعاصر. ونحن لا نظن أن تشكيلة موسيقية من مثل 111111111 أو 222222222 أو 333333333 ستكون أكثر دينامية في خلق إيقاع جميل ومؤثر. فلا شك إذن أن المجاطي اختار سبيلا يعتمد على مبدإ المفاجأة ومباغتة القارئ في إطار نوع من الانتظام الذي ينأى عن النشاز. وبذلك تجاوز الشاعر حاجز التوقع الإيقاعي الساذج، ذاك الذي يحول القصيدة إلى لعب وزني مكشوف، بدون سحر ولا أسرار، وأحلَّ بدلا من ذلك بنية إيقاعية قوامها التوتر واللاتوقع.
قصيدة الفروسية:
في هذه القصيدة يظهر بجلاء أن الشاعر لا يقيم أية حدود بين الرجز والسريع، وأنه يستغل بدائلهما العروضية معا من أجل بناء إيقاع قصيدته. التدوير يحطم الوقفة العروضية والدلالية أحيانا، ولكن الشاعر يعلن صراحة عن القافية، سواء انتهت الجملة الشعرية أم لم تنته. ولقد اتخذت الوقفة التي لها أهمية كبيرة في الإيقاع الصور التي نبرزها في الجدول التالي:
نوع الوقفة
عددها
فعول
18
فعلن
08
مفعولن
06
مفاعلن
04
فعولن
02
مفعول
02
فعول
01
فعل
01
لكن هذه اللائحة قابلة للتعديل، فإن مفعول بالإشباع هي مفعولن، وفعول هي فعولن، وفعل هي فعلن، وبالتالي فإننا نحصل في النهاية على الإحصاء التالي:
ـ فعول: 18
ـ فعلن: 9
ـ مفعولن: 8
ـ مفاعلن: 4
ـ فعولن: 3.
وإذا أردنا أن ننظر إلى متواليات الإيقاع في هذه القصيدة، فإنه يتحتم علينا أن نعطي لكل وحدة من هذه الوحدات الإيقاعية التي تشكل الوقفة والقافية رقما، وذلك حسب توالي ظهورها في القصيدة، ولعل استبدال الأرقام بتلك الوحدات أبلغ في البيان والتوضيح، في البداية نحصل على المعطى التالي:
ـ فعلن: 1
ـ فعول: 2
ـ مفعولن: 3
ـ فعولن: 4
ـ مفاعلن: 5.
وتتوالى هذه الوحدات في القصيدة وفق النسق التالي:
223225342455351331322222422222123122131211.
وهو نسق يمكن أن نحدد فيه مجموعة من أشكال التوازي الإيقاعي، ومن أشكال الانتظام مثل: 11/22/22222/222222/33/55/22/22.
كما أن هناك بعض التشاكلات من قبيل:
131/242/313/424/535.
والملاحظ أن "فعول" تسري في أغلب متواليات القصيدة، وقد تتابعت خمس مرات في مناسبتين. ويبدو أن ربط مختلف هذه الاستعمالات بوجوه الدلالة المتغيرة في القصيدة، قد يفضي بنا إلى ضرب من التعسف. فاختيار البحر لا يعني أن له علاقة مباشرة وحاسمة بالمعنى والغرض، ولكن السياق هو الذي يجعل للإيقاع دلالة ورمزية مثله في ذلك مثل باقي المستويات[23]. ولا شك أن معنى الفروسية كموضوع يتطلب السرعة والحركية استدعى من الشاعر أن يتجاوز واقع النغم إلى أفق من التناغم استثمر فيه معطيات الرجز والسريع، كما رأينا، بكل ما يتيحه هذان البحران من مظاهر الاتساع، وهذا ما يتجسد أيضا في القصيدة التالية:
قصيدة قراءة في مرآة النهر المتجمد:
وهذه القصيدة أقرب إلى السريع منها إلى الرجز –في المنظور التقليدي-، وذلك عكس القصيدتين السابقتين، وللتأكد من ذلك، نقدم فيما يلي أنواع الوقفة، أي أشكال الأضرب التي يختم بها الشاعر الأسطر الشعرية، أو الجمل الشعرية، ومعدل تكرارها على طول القصيدة:
ـ فعلن: 11
ـ فعلان: 10
ـ فعولن: 7
ـ فاعلن: 2
ـ فعول: 2
ـ فعول: 2
ـ فعل: 3.
فباستثناء "فعول" التي لا تقع إلا في الرجز –وقد تكررت مرتين- فإن سائر الوحدات الإيقاعية الأخرى، مما لا خلاف بين العروضيين أنها بدائل للسريع. ومع ذلك، فنحن نعتقد أن الأمر يتعلق هنا بإيقاع رجزي، لأن السريع نفسه ما هو إلا نمط من الرجز كما يرى جلال الحنفي[24]. وقد أشرنا سابقا أن: "فعل" بالإشباع تصبح مثل "فعلن"، لكن هناك مع ذلك فروقا صوتية بين كل من "فعل" و"فعلن" و"فعلان"، وهذا بيان ذلك:
ـ فعل: تتكون من مقطع متوسط "فع" ومقطع قصير هو "ل" الذي هو عبارة عن صوت ساكن + صوت لين قصير.
ـ فعلن: تتكون من مقطعين متوسطين، وكل مقطع من هذين المقطعين يتكون من: صوت ساكن + صوت لين قصير + صوت ساكن.
ـ فعلان: تتكون من مقطعين أحدهما متوسط هو: "فع" والآخر طويل هو "لان" ويتكون من صوت ساكن + صوت لين طويل + صوت ساكن.
وهذه الفروق الصوتية، عندما تتراكم تصبح فروقا محسوسة ناتئة في الإيقاع، تغنيه، بل تغني المعنى نفسه، وذلك من خلال قدرتها على التفاعل مع مختلف مستويات التعبير الأخرى في القصيدة.
ولو شئنا أن نحتفظ لكل صورة من صور القافية أو الوقفة السابقة بكيانها كما ورد في القصيدة، ثم أردنا أن نعرف كيفية تواليها، من الأول إلى الآخر، لوجدنا أنها اتبعت في ذلك النسق التالي:
ـ فعلان ونرمز لها بـ: 1
ـ فعولن ونرمز لها بـ: 2
ـ فاعلن ونرمز لها بـ: 3
ـ فعول ونرمز لها بـ: 4
ـ فعل ونرمز لها بـ: 5
ـ فعلن ونرمز لها بـ: 6.
وبطريقة رقمية سنلاحظ مرة أخرى هرمونية هذه القصيدة، ومدى امتزاج نهاياتها المتنوعة، مما نحصل معه على التشكيلة الإيقاعية التالية:
66641122636666665511621151241213221.
إن صور التشابه في هذا التشكيل هي: 22/11/11/55/666666/22/11/666/.
أما صور الاختلاف فهي: 1/3/121/24/51/62/63/4.
والواقع أن هناك تناسبا تاما بين حالات التشابه وحالات الاختلاف، وأن تفاعل وتناغم هذه المتواليات هو الذي يعطي لهذه القصيدة نغمتها الموسيقية الجميلة وإيقاعها الراقص، الذي يتغير كلما أحس الشاعر أن الرتابة تهدده وتكاد تقضي على توثبه الذي يستفز القارئ ويباغته ليظل مشدودا إلى القراءة في (مرآة النهر المتجمد)!
وتكملة للحديث عن البنية الإيقاعية في ديوان الفروسية يجدر بنا أن نشير إلى مجموعة من الظواهر الإيقاعية الأخرى مثل: السطر الشعري، والبيت، والتدوير والقافية والروي.
التدوير:
للتدوير أهمية كبيرة في الشعر العربي المعاصر، لا سيما شعر التفعيلة الذي حافظ على مبدأ الوزن كثابت أساسي من ثوابت الإيقاع، ومن ذلك شعر أحمد المجاطي. وللتدوير علاقة وطيدة بالقافية والوقفة والبيت، وبغيرها من الظواهر الإيقاعية الأخرى، ولذلك، فإن استخدام التدوير لا يكون عبثا، وأن الشاعر لا يقطع كلامه في السطر إلا لغاية ترتبط بالإيقاع، ومن ثم ترتبط بالمعنى. والشاعر الجيد هو الذي يحسن توظيف تقنية التدوير، وإلا تحول إلى سبيل توزع الألفاظ من خلاله على الأسطر بشكل عشوائي.
وقد استغرق التدوير أجزاء مهمة في بعض قصائد ديوان الفروسية، كما يتجلى ذلك من خلال المقطع الأول من قصيدة: "الحروف"[25].
وأنا أراود كل شاردة
لأسكن
في حماها
وأطوف سبعا
حول دانية القطوف
تمط ألسنها الحروف
بما تشابه
حيث الرؤية
اكتملت
وحصحصت البدائل
في مداها
وأنا أراود
كل آبدة
أطوف ما أطوف
فيا صليل ملاحم
التفتيش
في زمن التفاعيل
الـمدورة
استفق
إلخ.
ومن الشيق أن يكون الشاعر نفسه واعيا بفاعلية هذا التدوير، كما يصرح بذلك في نهاية هذا المثال. فقد قصد الشاعر قصدا إلى التدوير الذي لا شك في ارتباطه بالمعنى العام الذي يود التعبير عنه في القصيدة، وتفاعله في سياق القول الشعري مع غيره من مستويات التعبير. فما معنى زمن التفاعيل المدورة في كلام الشاعر؟ ولماذا هذه التفاعيل المدورة؟ أظن أن لذلك علاقة بموقفه من الإبداع الشعري، وكأن الشاعر اقتنع أخيرا أن اللهاث وراء التفاعيل/الشعر، لا يجدي في زمن يفرض على الإنسان/الشاعر أن يعانق الفعل.
السطر الشعري:
عندما أبدل الشاعر المعاصر السطر الشعري بالشطرين المتناظرين اللذين كانا أساس البيت الشعري التقليدي، كان ذلك إيذانا بتحرر الشعراء من قيد عسير، وكان علامة على انطلاق الشعر العربي ليرتاد آفاق المعاصرة والتحديث. وتتجلى أهمية السطر الشعري في خدمة الإيقاع من حيث قدرته على التحكم فيه والحد من تدفقه وانسيابه، أو بالعكس المساعدة على تسريعه والرفع من وتيرة تردده. وتكمن أهمية السطر الشعري أيضا، باعتباره متوالية إيقاعية في تنظيمه فضاء الصفحة، ومعلوم أن الفضاء في الشعر على جانب كبير من الخطورة، لقدرته على توضيح الخفي وتجسيم المعنويات[26]. السطر الشعري وسيلة مهمة للشاعر، يمارس عبرها حريته في الكتابة، لا سيما أنه ليس من شرطه الوصول إلى قرار المعنى وتمام الإفادة. ومع ذلك فقد يمتع السطر الشعري ويفيد. والذي لا شك فيه أنه معرض لجوهر الألفاظ، ومضمار لفتنة الكلمات، تتبارى فيه، وتتجلى من خلاله، لذلك لا يشتمل السطر أحيانا سوى على كلمة واحدة. في السطر الشعري تكتسب الألفاظ قيمتها وجدارتها، ومن خلال حسن استغلاله يستطيع الشاعر أن يستوقف القارئ ويؤثر فيه. من خلاله قد يبرز الشاعر كلمة كانت تبدو تافهة، ويعيد الاعتبار للفظة كانت مهملة. والسطر الشعري لهذا الغرض ليس من شأنه أن يطول أو يقصر وفق تصور مسبق، بل إنه لكل مقام مقال، كل سطر تجربة إيقاعية دلالية رمزية، تكاد تكون مستقلة بذاتها. وقد يكون السطر الشعري عبارة عن تفعيلة واحدة أو جزء من التفعيلة، وقد يصل مداه إلى أكثر من ذلك[27]. ومن هنا كان السطر أكثر أهمية للإيقاع من البيت في أحيان كثيرة.
وقد اعتمد المجاطي أسطرا شعرية قصيرة في أغلب قصائد ديوانه، وأظن أن لهذا الاعتماد علاقة برهان الشاعر على تحقيق دفق إيقاعي كفيل بأن يحدث لدى المتلقي التأثير المنشود. فبفضل التدوير الذي أشرنا إلى أهميته فيما قبل، يصبح السطر الشعري في بعض الأحيان كلمة هي بدورها تفعيلة ناقصة، كما في السطر الثالث من قول الشاعر في قصيدة "الدار البيضاء":
يسقط النهر فيك[28]
وتسقط كل البنادق
قتلى.
فهذا السطر، كما نلاحظ هو كلمة واحدة، أراد الشاعر أن يجليها، وإن كان إيقاعها يرتبط بالسطر الذي قبلها حيث تجد فيه تفعيلة المتقارب اكتمالها، ومثل هذا كثير عند المجاطي، في قصائد ديوانه، وهو مرتبط كما أشرنا بإرادة تبئير بعض الكلمات، أو التأكيد على رمزية بعض الدوال، من ذلك ما يظهر في المقطع التالي من قصيدة: "كتاب على شاطئ طنجة:
كأن الله لم يصدع به[29]
سيفا
شمسا
ورجاءا
ليته مال على مراكش الشمطاء
نخلا
وعلى كثبان ورزازات
ماءا
حيث تتمزق أوصال تفعيلة الرمل "فاعلاتن" في الوقفة التي يجعلها الشاعر في سطر مستقل، وذلك مراعاة للإيقاع الذي يريده الشاعر لقصيدته. فلا شك أن الزمن الذي تستغرقه قراءة هذا النص، وفق التوزيع الذي ارتضاه له الشاعر أطول. لم يرد الشاعر أن يبرز كلمات: سيفا، شمسا، رجاء، نخلا، ماء، فقط، بل أراد أيضا أن تقرأ على نحو خاص، أن تقرأ في مدة زمنية تليق بها، مدة زمنية أكبر من تلك التي ستخصص لها لو أنها كتبت بشكل أفقي.
إن شعر أحمد المجاطي ليس من قبيل الشعر المجسم، لكن الشاعر في هذا الديوان استثمر الفضاء والبعد الأيقوني ما أمكنه ذلك، وما يدل على أن الشاعر أولى السطر الشعري عناية خاصة. إننا نجده مثلا يعيد توزيع بعض قصائده. فقد نشر الشاعر قصيدة "السقوط" أول الأمر، في مجلة آفاق، وفق نسق يتخذ فيه السطر الشعري شكل البيت، فكل سطر ينتهي بوقفة نظمية ودلالية، بل وينتهي بقافية يغذيها حرف الروي الذي يتغير من حيث لآخر، هكذا:
تلبسني الأشياء حين يقبل النهار[30]
تلبسني شوارع المدينه
أسكن في قرارة الكأس، أحيل شبحي مرايا
أرقص في مملكة العرايا
أعشق كل هاجس غفل وكل نزوة أميره
أبحر في الهنيهة الفقيره
أصالح الكائن والممكن والمحال
أخرج من دائرة الرفض ومن دائرة السؤال.
هناك إذن التزام واضح بالوصول إلى قرار المعنى، وقرار الوزن، تماما كما لو كان الأمر يتعلق ببيت الشعر التقليدي. لكن هذه القصيدة، عندما أعاد الشاعر نشرها في ديوان الفروسية اتخذت الأسطر فيها نسقا آخر، حيث جاءت وفق ما يلي:
تلبسني الأشياء[31]
حين يرحل النهار
تلبسني شوارع المدينه
أسكن في قرارة الكأس
أحيل شبحي
مرايا
أرقص في مملكة العرايا
أعشق كل هاجس غفل
وكل نزوة
أميره
أبحر في الهنيهة الفقيره
أصالح الكائن
والممكن
والمحال
أخرج من دائرة الرفض
ومن دائرة السؤال.
وعلى العموم، فالقصيدة كانت في الأصل في خمسة وعشرين سطرا، وأصبحت في نشرة الديوان في واحد وخمسين سطرا، أي عدد الأسطر تضاعف بنسبة تجاوزت مائة بالمائة، وهو ما يعني أن الشاعر قد أدرك ما لاستثمار الفضاء، عبر توزيع الأسطر، من فضل ومزية، لا سيما في ضبط إيقاع النص، والتحكم في نفسه الموسيقي.
بنية البيت في ديوان "الفروسية":
يرى عز الدين إسماعيل أن لا وجود للبيت في الإطار الجديد للقصيدة، وأن السطر الشعري أصبح هو البديل الذي ارتاح له الشاعر[32]. وهذا صحيح من بعض الوجوه، ذلك أن البيت التقليدي ذا الشطرين المتناظرين، المتكافئين إيقاعيا، لم يعد مقوما من مقومات القصيدة الحديثة، وأن هذا البيت كان من أول ما أطاح به رواد الشعر الحر. لكن مع ذلك، يمكن أن نتحدث عن مفهوم للبيت، دون أن نسقط من اعتبارنا وجود السطر. والحقيقة أن عنصر الوقفة عامل أساسي في بناء بيت القصيدة المعاصرة[33]. فعندما يعلن الشاعر عن الوقفة، فإنه إنما يعلن عن نهاية البيت، وقد يكون ذلك في نفس السطر، وقد يستغرق البيت مجموعة من الأسطر. وعلى الرغم من اعترافنا بوجود كيان للبيت في قصائد ديوان الفروسية، فإن ذلك لا يعني أن له استقلالا ذاتيا، أو أنه يتلقى بمعزل عن التجربة الإيقاعية للقصيدة ككل، وقد رأينا سابقا كيف أن الشاعر يمزج بين البحور، ويخالف بين الأبيات، في سبيل بناء إيقاع هرموني، تعتبر القصيدة –في تمامها- صورته المكتملة.
ومن أمثلة البيت الذي اكتمل داخل السطر الواحد، ما جاء في قصيدة "سبتة":
وبين الربابه[34]
وبين لهاث الغصون وسمع السحابه
أنا النهر أسرج همس الثواني
وأركب نسغ الأغاني
وأترك للريح والضيف صيفي
ومجدول سيفي.
فكل سطر من هذه الأسطر الستة بيت متميز شكليا وإيقاعيا، ففي الأول والسادس تفعيلتان من المتقارب وفي الثاني خمس وفي الثالث والخامس أربع وفي الرابع ثلاث، كل ذلك في إطار موسيقي محدد مضبوط، لكن كل سطر مفتقر إلى ما بعده، غير مستقل عما قبله. ولكي ندرك كيف تتحكم الوقفة، في تحديد البيت، نتأمل المقطع التالي من قصيدة: "مشاهد من سقوط الحكمة في دار لقمان":
سألته عن زمن الحكمة[35] --< (جزء من بيت)
حتى رنق النعاس --< بيت
جفونه --< بيت
سألته عن زمن الافلاس --< بيت
رأيته يسقط بين القدر --< جزء من بيت
والتنور --< بيت
لم تمت النسور --< بيت
لكن لقمان الحكيم --< جزء من بيت
مات --< نهاية البيت.
فإن اكتمال الأبيات هنا يوافق ما يصح أن يكون ضربا في وزن الرجز، فهناك:
ـ فعول: في السطرين: 2، 7.
ـ فعلان: في الأسطر: 4، 6، 10.
ـ مفاعلن: في السطر: 3.
ولم نعتبر الأسطر الأخرى أبياتا لأن الشاعر لم يقف فيها وقوفا إيقاعيا، بل اعتبرها جسورا نحو قرار البيت.
لكن الأبيات الشعرية يتباعد ما بينها أحيانا، كما في المقطع الخامس من قصيدة: "عودة المرجفين":[36]
1 ـ عتمة الأدغال في الغابات
تدري أيهم عاد
وتدري
كيف فاض الماء في التنور
حتى نغلت بالدود
عين الشمس
حتى أورق الإنجيل
في عين الخطيئه
2 ـ عاد منهم جسد لا يرتوي
حماءة طين
شبق
عادوا
وفي ألسنهم من ذنب الضب
حبال
أبدا ما نفذت عيني
لما خلف البطون الصفر
ما خلف الأسارير القميئه
3 ـ أبدا بيني وبين الشمع
في نشوتهم
عمق البحار السود
يا قلبا رمى المرساة
للريح الجريئه.
فنحن نلاحظ أن البيت الأول يتكون من ثمانية أسطر والبيت الثاني من عشرة والثالث من خمسة.
بنية القافية في ديوان "الفروسية":
لا يمكن الحديث في هذا السياق عن القافية، في غياب الإشارة إلى الروي، لأنهما متلازمان. ولا شك أن القافية في الشعر الحديث تختلف اختلافا كبيرا عن القافية كما كانت ترد في قصائد الشعر التقليدي. فالقافية في الشعر الحديث حاولت أن تشاكل بين القافية ودور حرف الروي، أو بعبارة أخرى حاولت أن تجعل حرف الروي صوتا متنقلا، قد يختلف من سطر إلى آخر، وقد يتفق، وفقا لما يحتاجه الإطار الموسيقي العام للسطر وللأسطر[37].
والملاحظ أن أحمد المجاطي في قصائد هذا الديوان يولي القافية أهمية قصوى، فلا توجد في ديوانه قصيدة ليست مقفاة. ويمكن الحديث في شعر المجاطي عن ثلاثة أنواع من القافية:
ـ القافية المتتابعة
ـ القافية المتناوبة
ـ القافية المركبة.
فقد تتابعت القوافي مثلا في المقطع الثالث من قصيدة: "خف حنين"، والمقطع الأول من قصيدة: "ملصقات على ظهر المهراز"[38]، حيث يقول الشاعر:
كان حين يزور المدينة
يطرق بابي
أعد له قهوة العصر
يكتم سعلته
أتسور بالنظر الشزر
قامته المارده
كان يمنحني بسمة
ويرامق منعطف الدرب
من كوة النافذة
كنت أترك مفتاح بيتي
له
تحت آنية الزهر
أنصحه عند ما يستوي الكأس
ما بيننا بالنبيذ
ويؤثرها جعة
بارده.
وفي المقطع التالي من قصيدة "سبتة" تتناوب ثلاثة أحرف للروي، مما يجعل القافية متناوبة:
أمتهن الوصل بين الحنين[39]
وبين الربابه
وبين لهاث الغصون وسمع السحابه
أنا النهر أسرج همس الثواني
وأركب نسغ الأغاني
وأترك للريح والضيف صيفي
ومجدول سيفي.
لكن القافية عند المجاطي تنحو في أغلب قصائد الديوان منحى أكثر تركيبا وتشابكا، كما في هذا المقطع من قصيدة: "قراءة في مرآة النهر المتجمد"[40]:
يحمل في غثائه الأشجار
والكتب الصفراء
والموائد
والصمت والقصائد
ودار لقمان
وأطلالها
والمدن الأسوار
حتى إذا أتى رحاب القبة السعيده
ألقى نثار الغضبة الحمراء
وصار خيط ماء
يضحك سور القصر
في مرآته العنيده.
ونحن نلاحظ من خلال هذه الأمثلة مدى الانسجام بين الوقفة والقافية، فالوقفة عند الشاعر في كل قصائده هي مناسبة للإعلان عن القافية، والشاعر يجسد هذه الوقفة في أشكال متعددة، منها:
ـ علامة السكون، حيث تكون القافية مقيدة
ـ وجود حرف روي، يظهر ويختفي.
ـ وجود ما يمكن أن ينعت بالضرب، الذي يظل متوقعا من قبل المتلقي في كثير من الأحيان، كما في المثال السابق:
الأشجار = الأسوار -< فعلان
الموائد = القصائد -< فعولن
السعيده = العنيده -< فعولن.
والواقع أن مبدأ التنويع في القافية، وما استتبعه وترتب عنه قد أغنى موسيقى الشعر، وجعل كل قصيدة من قصائد هذا الديوان تجربة إيقاعية متميزة، وبذلك أفلت الشاعر من عيب الرتابة التي تشين كثيرا من قصائد الشعر الحديث.
وهذه الظواهر الإيقاعية التي وقفنا عليها، تعمل على صعيد واحد. فإن التدوير يكسر أفقية السطر الشعري، ويطيل نفس البيت، بل إن السطر قد يحتضن البيت في كثير من الأحيان، فلا يراعي الشاعر في ذلك سوى قيد الانسجام الإيقاعي. والقافية ليست من هذه القضايا ببعيدة، فلوتمان يعتبرها حد البيت[41]. وهو متأثر في ذلك برأي جيرمونسكي الذي لا تعني القافية عنده مجرد التطابق بين الأصوات، بل ظاهرة من الظواهر الإيقاعية[42].
التكرار في ديوان "الفروسية":
إن القافية التي أشرنا إليها فيما سبق هي أيضا شكل من أشكال التكرار، ولعلها الشكل الظاهر، اللافت للانتباه فقط، ذلك أن هناك مستويات أخرى من التكرار أقل بروزا، لكنها أكثر فاعلية في الشعر الذي تعتبر بنيته أصلا ذات طبيعة تكرارية[43]، لأنها بنية قائمة على التوازي[44]، والتوازي نفسه يمكن النظر إليه كضرب من التكرار كما يرى أوستر ليتز[45]. إن أهمية الإيقاع في الشعر هو قدرته على تنظيم النص في إطار تكرار دوري لعناصر مختلفة في ذاتها، متشابهة في مواقعها ومواضعها من العمل بغية التسوية بين ما ليس بمتساو، أو بهدف الكشف عن الوحدة من خلال التنوع[46]. وهذا الكشف أخيرا لا تكمن أهميته في مجرد الإحصاء والتصنيف، بل أيضا على المستوى الوظيفي، فليس المهم كما يرى لوتمان هو معرفة كيف نظم النص إيقاعيا، بل أيضا لماذا هو منظم كذلك[47].
ويمكن أن نشير في قصائد ديوان الفروسية إلى مظاهر التكرار التالية:
أ ـ التكرار الصوتي: وهو يشمل تكرار أصوات القافية مثل الروي والوصل[48]، وغيرهما مما يرتبط بذلك من أصوات تنجذب إلى بعضها، وتتفاعل في السياق مساهمة منها في التعبير عن جزء من المعنى، سواء تجسد ذلك في ظواهر مثل الجناس أو تجسد في مجرد تراكم يظل ناتئا في السياق، وهو ما يمكن أن نطلق عليه مفهوم: الموازنات الصوتية[49].
ب ـ التكرار المعجمي: وهو يحمل بعدا تأكيديا في السياق. إن الشعر في مجمله يتكون من كلمات، والقصيدة هي تجميع لألفاظ على نحو ما، لكن الأفضلية تظل في السياق لما يروم الشاعر أن يبرهن على أهميته.
في قصيدة "الحروف" مثلا نجد المجاطي يكرر لفظة "حرف" أو ما يقاربها في الاشتقاق: (حروف، أحرف) تسع مرات، وفي قصيدة: "وراء أسوار دمشق" تكررت كلمة "دمشق" ست مرات والفعل: "أمشي" أربع مرات.
وقد تتكرر الكلمة أحيانا في إطار نوع من الاختلاف. ففي قصيدة: "الخوف" تكررت لفظة "كلمة" بذاتها ثلاث مرات، لكن حروف هذه الكلمة تتكرر خفية في كلمة أخرى مرتين، يتعلق الأمر بـ"مملكتي" و"مملكة"، فإننا يمكن أن نستخرج من هاتين اللفظتين لفظة "كلمة" في يسر. ولكن الأهم في كل هذا، هو أن الكلمة أصبحت شبيهة بالمملكة، فإن هذا التعادل الصوتي يفيد من بين ما يفيده تعادلا على مستوى الدلالة، وهذا سر من أسرار الشعر، ومكمن من مكامن جماله.
ج ـ تكرار الجملة: وهذا النوع من التكرار في الشعر أكثر أهمية، لأن قدرته على ضبط الإيقاع قدرة كبيرة، ولأنه ليس مفترضا أن يغفل عنه المتلقي، وذلك لقرب تأتيه وسهولة استقباله.
وليس في ديوان الفروسية ظواهر لافتة للنظر من هذا القبيل، فإن الشاعر لا يكاد يكرر جملة إن كررها في قصيدة من قصائده، أكثر من مرتين، كما هو الشأن بالنسبة للجمل التالية:
ـ فأين نموت يا عمه --< في قصيدة "القدس"
ـ أنا النهر --< في قصيدة "سبتة"
ـ حين أذكر أحباب قلبي --< في قصيدة: "الدار البيضاء"
ـ أنا المنسي عند مقالع الأحجار --< في قصيدة: "من كلام الأموات".
ولكن، حَسْبُ هذه الظاهرة أنها موجودة، وحسب هذا المستوى من التكرار أنه ظفر بهذا القدر من عناية الشاعر، فإن ذلك عندما يضاف إلى ما أشرنا إليه سابقا من أشكال التكرار ومصادر الإيقاع يصبح علامة بارزة على أن البنية الإيقاعية في ديوان الفروسية غنية بمكوناتها وبدلالاتها.
إن جمالية الإيقاع في هذا الديوان تؤكد للقارئ المتمعن، والمتلقي الحصيف، أن الإيقاع هو بالفعل العنصر الذي يميز الشعر عما سواه، كما يرى لوتمان[50]. وأنه لذلك سيبقى مطلبا ملحا ومحكا أساسيا لكل تجربة شعرية g
[1] - تحليل النص الشعري، ي.لوتمان، ص71.
[2] - نظرية المنهج الشكلي، نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة إبراهيم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط1، 1982، ص53.
[3] - قضايا الشعرية، رومان ياكبسون، ترجمة محمد الولي ومبارك حنون، دار توبقال، الدار البيضاء، ط1، 1988، ص108.
[4] - Critique du rythme, Henri Meschonnic, édition Verdier, 1982, p38.
[5] - تحليل النص الشعري، بنية القصيدة، يوري لوتمان، ترجمة محمد فتوح أحمد، دار المعارف، القاهرة، 1995، ص73.
[6] - نفسه، ص83.
[7] - La structure du texte artistique, Iouri Lotman, Gallimard, p173-174.
[8] - الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها 3، الشعر المعاصر، محمد بنيس، دار توبقال، ط1، 1990، ص107-147.
[9] - الفروسية، أحمد المجاطي، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، الدار البيضاء، ط1، 1987.
[10] - اعتمد الشاعر مبدأ المقاطع في أغلب قصائد الديوان، فباستثناء قصائد: (الخوف)، (الدار البيضاء)، (الخمارة) و(من كلام الأموات)، نجد الشاعر يقسم قصائده إلى مقطعين أو أكثر، وذلك ما يفسره وجود الأرقام والعناوين الفرعية والنجيمات. وقد بلغ هذا التقسيم حده الأقصى لدى الشاعر من خلال تنويع الوزن في كل مقطع، كما يتجلى ذلك في قصيدتي: (عودة المرجفين)، و(ملصقات على ظهر المهراز).
[11] - محمد بنيس، م.س، ص107.
[12] - الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، عز الدين إسماعيل، دار العودة، بيروت، ط3، 1981، ص90.
[13] - التلقي والتأويل، محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، ط1، 1994، ص150.
[14] - نفسه، ص151.
[15] - (تداخل بحور الشعر العربي)، محمد الباتل، مجلة الدارة، ع3/1411هـ، الرياض، ص233. وانظر: الرجز في الأندلس، المهدي لعرج، بحث د.د.ع. مرقون في مكتبة كلية الآداب بالرباط، ص35.
[16] - ودلالة النص الشعري عامة تتبلور في إطار من التشابه والاختلاف، انظر بهذا الصدد مثلا: المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها عند العرب، إدريس بلمليح، منشورات كلية الآداب بالرباط، ط1/1995، ص120.
[17] - انظر مناقشة هذه المسألة في: جدلية الخفاء والتجلي لكمال أبي ديب، ص94-95.
[18] - (بحر الرجز في شعرنا المعاصر)، سلمى الخضراء الجيوسي، مجلة الآداب، ع4/1959، ص13.
[19] - نفسه، ص63.
[20] - ديوان الفروسية، ص9.
[21] - يتعلق الأمر خصوصا بالشيخ جلال الحنفي في كتابه القيم: العروض: تهذيبه وإعادة تدوينه، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1991، ص649.
[22] - مثال ذلك: "أنشودة المطر" للسياب، "الناس في بلادي" لصلاح عبد الصبور، "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" لأمل دنقل، وغيرها كثير.
[23] - التشابه والاختلاف، محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، ط1/1996، ص108.
[24] العروض، جلال الحنفي، ص649 و766.
[25] - الفروسية، لأحمد المجاطي، ص121.
[26] - التشابه والاختلاف، ص110-111.
[27] - انظر:: قضايا الشعر المعاصر لنازك الملائكة، ص97، والشعر العربي المعاصر لعز الدين إسماعيل، ص80، وقد أصبح هذا التحديد متجاوزا لا سيما فيما يدعى بقصيدة النثر.
[28] - الفروسية، ص86.
[29] - نفسه، ص70.
[30] - مجلة آفاق، (اتحاد كتاب المغرب)، شتاء 1969، ص1.
[31] - الفروسية، ص63.
[32] - الشعر العربي المعاصر، عز الدين إسماعيل، ص83.
[33] - محمد بنيس، م.س.، ص109.
[34] - الفروسية، ص73.
[35] - نفسه، ص95.
[36] - نفسه، ص13.
[37] - عز الدين إسماعيل، م.س، ص114.
[38] - الفروسية، ص45.
[39] - نفسه، ص73.
[40] - نفسه، ص39.
[41] - تحليل النص الشعري، لوتمان، م.س، ص133.
[42] - نفسه، ص91.
[43] - نفسه، ص63.
[44] - قضايا الشعرية، ياكبسون، م.س، ص105.
[45] - يوري لوتمان، تحليل النص الشعري، م.س، ص129.
[46] - نفسه، ص70.
[47] - S.T.A. Iouri Lotman, p173.
[48] - من اللافت للنظر أن الشاعر يكاد يلتزم هاء الوصل في قوافي جل قصائد الديوان.
[49] - تحليل الخطاب الشعري – البنية الصوتية في الشعر، محمد العمري، الدار العالمية للكتاب، الدار البيضاء، ط1/1990، ص11.
[50] - تحليل النص الشعري، ي.لوتمان، ص71.