يتضمنهذا البحث مدخلاً يُعالج قضية تعدد الاتجاهات، وتشعبها في تحديدالسيميائية وضبط مفاهيمها، حيث يستمد كل اتجاه مفاهيمه النقدية من مرجعياتومدارس لسانية مختلفة، ونظريات متبانية أحياناً، مما نتج عنه اختلاف فيتحديد مستويات التحليل.* قدتكون هذه الاختلافات مستساغة، ومقبولة إذا تعلق الأمر باختلاف الاتجاهات،إلا أن ذلك يستدعي الوقوف والتحري إذا كان الأمر يتعلق باتجاه واحد يشتغلتحت مظلة نظريات سيميائية واحدة، لكن إجراءات التحليل قد لا تتطابق، عدداً ومصبَّاً.* وإذا كان التحليل السيميائي ينطلق من آخر مرحلة وصل إليها التحليل اللساني على المستوى الأُفقي ليدخل في مرحلة تفسير المعطيات وتأويلالعلاقات الترابطية بين الدلالات، فإن عمله تجسد بصورة خاصة في محاولةتجاوز البنية اللغوية الداخلية إلى الأنظمة الخاصة بما فيها المرجعياتالثقافية والدينية والسياسية التي ينتمي إليها الخطاب، والملابساتالتأويلية المختلفة، وهو في محاولة تناول البنية الرأسية، واستثمار كلالأنظمة الدالة1.* وهكذا فقد أحصت الدراسات النقدية اتجاهات ثلاثة رئيسية:* أ-اتجاهيرى أن السيميائية هي دراسة الأنظمة الدالة من خلال الظواهر الاجتماعيةالملابسة للنص من منظور أنها جزء من اللسانيات، وقد مثل هذا الاتجاه رولانبارت، جيرو، غريماس، جوزيف كورتيس، محمد عزام ورشيد بن مالك2.* ب-بينمايرى الاتجاه الثاني أن السيميائية دراسة لأنظمة الاتصال عامة؛ اللغويةمنها وغير اللغوية، ويسعى أتباعه إلى تحديد الأنظمة المختلفة وفق عدد منالإشارات، وقد تبنى هذا الاتجاه مونان وغيره.* ت-أماالاتجاه الثالث فإنه حاول أن يوفق بين الرمز اللغوي والرمز غير اللغوي،باعتبارهما يتكاملان مع اللسانيات. وقد مثل هذا الاتجاه أ.إيكو الإيطالي،وجوليا كرستيفا، ومحمد مفتاح، وربما عبد الحميد بورايو3.* يتهيب الباحث الإقدام على تناول "مستويات التحليل السيميائي" لما يحف بهذا الموضوع من إشكال وتعقيد، يجعلان الخوض فيهبمثابة المجازفة، ولذلك بدا لي أن أطرح بعض الصعوبات التي يمكن أن تواجهكل باحث فيه ويتعلق الأمر بـ:* 1-تتكونالمادة المتصلة بمراجع الموضوع من قسمين رئيسيين: قسم نظري وآخر تطبيقي،مع تفاوت في حجم المادة المدرجة في كل قسم، واختلاف في الرؤى وتحديد مستويات الدراسة.* 2-لم تؤلف دراسة مستقلة تستوعب في نظرة جامعة تأليفية جهازاً نظرياً يتيح للدارس مرجعاً يعتمده، فنظريات وإجراءات مستويات التحليل السيميائي تتقاسمها مجموعة هامة من الدراسات، وخير مثال على ذلك دراسات غريماس الموزعة عبر مؤلفات مستقلة أو ضمن مجلات متخصصة4.* 3-تتسم هذه الدراسات في أغلبها بالثراء والعمق في التحليل والدراسة، مما يتطلب مجهوداً معتبراً لفك رموزها واستيعاب مضامينها، ومقاصدها العلمية.* 4-ومايلاحظ أن بعض هذه الدراسات التي تناولت الموضوع، وجاءت متبنية منهج غريماستنظيراً وتطبيقاً، فهي وإن اتفقت في منهج الدراسة ومبادئها الأساسية، فإنذلك لم يصل حد التطابق، إذ سجل بعض الدارسين جوانب اختلاف تخص في المقامالأول تحديد مستويات التحليل السيميائي، ففيما تجعلها جماعة "أنترفين" Groupe d’entre vemes قسمين يتمفصلان بدورهما إلى أربعة مكونات:* -مستوى سطحي يتشعب بدوره إلى مكونين يقومان بتنظيم العناصر.* أ-مكون سردي: ويقوم أساساً على تتبع سلسلة التغييرات الطارئة على حالة العوامل؛ أي ينظم تتابع وتسلسل الحالات والتحويلات.* ب-مكون تصويري: ومجاله استخراج الأنظمة الصورية المبثوثة على نسيج النص ومساحته، كما أنه يتتبع آثار المعنى.* أما المستوى العميق فيتشكل من:* آ-شبكة من العلاقات تقوم بترتيب قيم المعنى اعتماداً على العلاقات القائمة، والمتجلية عبر النص.* ب-نظام العمليات: ينظم الانتقال من قيمة إلى أخرى5.* بينما قسم ج- كورتيس هذه المستويات إلى ثلاثة مكونات6:* 1-المكون المورفولوجي Composante “Morphologique”* 2-المكون التركيبي Composante “syntaxique”* 3-الخطابي والسردي Discursif en narratif* وتجعلها آن إينو أربعة مستويات:* المستوى الأول: وهو المستوى السطحي، التابع إلى المعطى الأسلوبي للنص، أي: النص كما هو في صورته المظهرية.* المستوىالثاني: وهو المستوى الاستدلالي، مع أنه ما يزال سطحياً، يبني على الرغممن هذا وحدات، ويقيم مميزات بين أشكال وتشكلات استدلالية. وتعتبر آن إينوهذه الوحدات مكونات للمستوى السطحي.* المستوىالثالث:وهو المستوى الوسطي للمعنى، يقود إلى تعيين كليات جوهرية على الرغممن أنها ليست بالضرورة مرئية بالعين المجردة، ويفترض مع ذلك وجودها فيالنص. وتتموضع في هذا المستوى بالذات الظواهر القصصية.* المستوىالرابع: وهو مستوى وصف ذرات المعنى، ويسمى أيضاً بالمستوى العميق، أوالمستوى المنطقي باعتباره يقوم بشكل خاص بوصف العلاقات التي تؤلف هذهالذرات7.* إن تقسيم التحليل إلى مستويات لا يعني وضع جداول، وتوزيع الدلالة ضمنها، ويكفي العودة إلى ما قاله بنفنيست في مستويات التحليل اللغوي الذي يوضح فيه أن المستوى ليس شيئاً خارجياً بالنسبة للتحليل إنه فيه8.* لذلك ألفينا آن إينو تنطلق في تحديد مستويات تحليل المعنى إلى عناصر أولية أو دنيا من فرضيات من بينها أن صيغة المعنىكموضوع لدراسة علمية تخضع لتقسيمات، وقد مثلت فكرة تقطيع المعنى ثورةمعرفية بمعارضتها لفكرة إمكانية الفهم المدركة كمد مستمر وغير متميز9.* وهكذا قاد هذا التحليل من الدرجة الثانية "وهو ما تسميه إينو تحليلاً لتحليل المعنى الذي كانمحققاً في البدء، والذي يبرز أن كل لغة تجزّئ إدراكنا للكل" إلى وضع وحداتتجريدية لوصف صيغة المعنى، بينما أدى التحليل العفوي المحقق بواسطة اللغة إلى الوحدات الملموسة والظاهرة التي هيالدلالة، المعترف بها من مجموع المجتمع الذي تكوِّن فيه اللغة أدواتالاتصال اليومية10.* وتقترحآن إينو طرقاً متنوعة لمعالجة موضوعات نظرية دراسة الدلالات. والسيميائياتهي في المقام الأول نظرية في المعنى أو هي صيغة خاصة في تناول المعنى،وعلى حد تعبير سعيد بلكراد، "هي طريقة في تحديد السبل إلى إنتاج الدلالاتوتداولها"11.* أماالتصور الذي نملكه عن الدلالة وأنماط وجودها، أنها شكل وليس مادة، وما هومسؤول عن ظهور الدلالة هو العلاقات، وليس المادة المضمونية في ذاتها، وعلىهذا الأساس يمكن القول: إن الشرط المباشر للإمساك بالمعنى هو مفصلة هذاالمعنى بوحدات مرئية12.* وما مستويات التحليل السيميائي إلا طريقة توضيح وبناء وتنظيم للحس الداخلي اللغوي الذي يقربنا من المساحةالأسلوبية لرسالة لفظية على مستوى الكلمات، كما تسمح هذه المستويات بقياسالعمليات الذهنية على أساس من التقريبات والتمييزات التي نقوم بها عند فكالنصوص.13. ذلك أن الأصل في الفعل الإنساني هو التشخيص، فكل قيمة تمتلكبحكم منطق التمثيل وجهاً مشخصاً، بل يمكن القول إنه ليس بمقدورنا تصور أيةقيمة خارج سلوك إنساني محسوس14.* وقد أنجر عن هذا الاختلاف في تصور عدد مستويات التحليل السيميائي، ومكوناته الأساسية تباين في تنظيم المفاهيم وتبويبها، ويعتقد"محمد الناصر العجيمي" أن مرد هذا التباين في بعض وجوهه يعود إلى كثافةالمقولات النظرية والمصطلحات، بحيث يصعب إدراجها في هذا المستوى أو ذاك،ويعطي مثالاً على ذلك: "الفاعل" وهو أقل المفاهيم إشكالية وإثارة للجدل،فيلاحظ أنه يصنف عند جميع الدارسين ضمن محور السرد في المستوى السطحي،باعتباره وحدة تركيبية نحوية، غير أنه مع ذلك لا يكتسب صفته تلك إلابتحميله دلالة الفاعلية الكامنة في المستوى العميق15.* ويزدادالأمر تعقيداً مع باقي المفاهيم، ويكفي أن نمثل على ذلك بالمكوّن التصويري“Composante discursive”، مما يحمل على الاعتقاد أن تقسيم الدراسةالتحليلية مراتب يكتسي مدى إجرائياً وظيفياً أكثر من استجابته لحقائقموضوعية قارة16. ولعل ذلك ما أشارت إليه آن إينو، حين قالت: "ينبغيالتذكير بأن البناء المشهود للمستويات الدلالية ليس عقيدة بقدر ما هو أداةللتحليل، ولا يستقيم ثابتاً في موضعه إلا بصلاحيته وبمدى ما يقدمه منخدمات"17.* وإذاكانت السيميائية الفرنسية والأوربية عموماً قد تكونت في الخمسينياتوالستينيات من القرن الماضي، وذلك بالتقاء لسانيات (بارت وغريماس)وأنثروبولوجية (ليفي ستروس) ومختلف التيارات الشكلية والتي انحدر بعضها منالنقد الأدبي لا سيما (النقد الجديد)، والبعض الآخر من منطق الرياضيات.وقد تطورت بعض هذه الأبحاث نحو ما كان يدعى بـ: "السيميولوجيا" دراسةالعلامات، تحت تأثير نظرية التواصل، غير أن التيار الأكثر تمثيلاً بقيمخلصاً على الرغم من انقساماته الكبرى لسيميائية مؤسسة على مبدأ دلاليةالخطاب –النصوص- الصورة18.* ولذلك ألفينا التحليل السيميائي للنصوص السردية، وجهة نظر سيمياء الدلالة، ينطلق من مبدأ هام وهو أن كلخطاب ليس علامة كبرى أو تجميعاً لعلامات ولكنه تنظيم لدلالات في إطارتلفظه، وتتولى النظريات السيميائية الإفصاح عن تمفصلات الخطاب باعتبارهكلاً دلالياً. ومن بين المناهج الممكنة والتي تفترض التعرف في كل نص علىعدد من الوحدات الشكلية والتي يمكن تحديد إطارها وأبعادها بواسطةالانقطاعات المختلفة كالتي يعثر عليها أثناء القراءة: انقطاع زماني أومكاني، انقطاع عاملي، إلخ.. غير أن هذا التصور الكلي اعترضته مسألة"الوحدات المعنوية الصغرى" لتلحق بالتقطيع إلى علامات. ولذلك تبنت النظريةالسيميائية إجراء تقطيعياً آخر من أجل التحكم في موضوعها، دون أن تحولطبيعته، إنها وضعت قيد البحث مجموعة مستويات أساسها الانتقال من المجرد إلى المحسوس، وهذه المستويات، هي: البنياتالدلالية الأولية العاملية، الموجهات، البنيات السردية والموضوعاتية،والبنيات التصويرية، ويفترض في كل مستوى أنه ينطلق من المجرد إلى المحسوس،وأنه يتمفصل في المستوى الموالي له مباشرة، ولكن بشكل معقد19.* ويلاحظ أن هذا النوع من التحليل استخدم في مقاربة النصوص الأدبية مناهج شكلية، كانت مطبقة خصوصاً علىالأساطير والحكايات الخرافية، واقتربت بذلك السيميائية الأدبية منالأنثروبولوجية البنائية للخطاب السردي. ويبدو أن السيميائية الأدبية منوجهة نظر أتباع سيميائية التلقي، تكون قد تحولت إلى شكل من أشكال النشاطالأنثروبولوجي البنيوي للنص الأدبي20.* وقد اعتبر هذا التوجه الجديد تطوراً نحو آفاق لم يعرفها النقد الأدبي، غير أنها لم تكن كافية مقارنة بطموحات المشتغلين في حقل السيميائيات الأدبية. غير أن السيميائية تحولتبشكل تدريجي إلى سيميائية الخطاب Semiotique du discours لتشتغل في الحقلالذي كان مقرراً لها منذ البداية، ويتعلق الأمر بإنجاز نظرية لمجموعةدوال، لا نظرية للعلامات، ومن أجل تحقيق ذلك كان عليها أن تنجز أدواتإجرائية تمكنها من احتواء الخطاب وهو في عملية التكوين، الخطاب الذي ينتجأشكاله الخاصة، ولا يكتفي بالإمداد الذي يوفره التراث الذي ينتمي إليه منأشكال وموتيفات ووضعيات، أي على مرجعيات خارجية، مهما كان نوعها لتحديددلالته21.* المربع السيميائي –المسار التوليدي- السردية:* يرىجاك فانتانيل Jacques Fontanille في كتابه: Sémiotique et littérature.Essais de méthode (1999) "السيميائية والأدب. محاولات في المنهج" 1999 أندور ركائز النظرية السيميائية الكلاسيكية، ويتعلق الأمر بـ (المربع السيميائي –المسار التوليدي-السردية) في حاجة إلى إعادة تقويم.* المربع السيميائي Le carré sémiotique: فالمربع السيميائي هو ترسيمة لمقولات تفصح عن علاقات ضدية، تناقضية، اقتضائية، تنظم وتحددالمقولة الدلالية، وكما يقول بول ريكر. P. Ricoeur "إنها تجعل من وحدةمعنوية ما مكوناً دلالياً صغيراً، أي نسقاً علائقياً بسيطاً، فما يكون هوما ينظم أيضاً، وهو ما يسمح بالتحكم لاحقاً في المعنى أي العنصر الذي يحكمكل التحولات"22. وهي كيفية تحليلية تظهر من خلال نص سردي كيف تدخل عناصرفي تناقض مع عناصر أخرى، غير أن هذا التحليل لا يكشف عن العلاقة التي تميز العنصرين المتناقضين أو غيرها من العلاقات،وكذا وضعية هذا العنصر داخل مقولة العناصر الطبيعية، أي ما يفسر ويجليالعلاقات داخل الثقافة الطبيعية للمجتمع. فالمربع السيميائي يعتبر تأليفاً تقابلياً لمجموعة من القيم المضمونية، ويعتبره غريماس بنية دلالية منطقية سابقة للنص السردي ببعده التشخيصي التصويري ومؤكدة له، وهو يسعى من خلال هذا النموذج إلىتفسير كيف يتم التحول من المفاهيمي المجرد إلى المشخص المحسوس23.* وانطلاقاً من هذه الفرضيات أمكن التمييز بين مستويين للتحليل السيميائي:* -مستوى سطحي، وفيه يخضع السرد بكل تمظهراته لمقتضيات المواد اللغوية الحاملة له.* -مستوى عميق، ويشكل جذراً مشتركاً تكون السردية داخله منظمة بشكل سابق عن تمظهرها من خلال هذه المادة التعبيرية أو تلك.* ويعتقد غريماس أن التمييز بين مستويين للتنظيم السردي يعود إلى أساس تشكل الخطاب ونمط إنتاجه، فعوض التعامل معه باعتبارهتسلسلاً للملفوظات، يستحسن القول: إن الخطاب كل دال، أنتج أولاً على شكلتأليف تام يتفكك بعد ذلك تدريجياً، وعلى مراحل، لينفجر في النهاية على شكلملفوظات خاصة24.* إن هذه الكيفية من التحليل تعتبر الخطاب ملفوظاً: أي المعنى منتهياً، ويمكننا إعادة بنائه، اعتماداًعلى الميكانيزمات المهيمنة فيه، ومقولات المربع السيميائي، غير أنه يمكنالاهتمام بالطريقة التي يشتغل بها الخطاب نفسه في إنتاج تشكلاته الخاصة،وكيف تتبنى جزئيات المضمون وتقام العلاقات التي تمكن من التعرف علىالتوالد الدلالي، كما يمكن اختيار الكيفية التي يقحم بها الخطاب أو يفصلأشكاله من أجل فهم التناظر الذي يتكون أثناء حركة التلفظ، وهي وجهة نظرتدعو إلى تفعيل الخطاب، وامتداداً لهذه الرؤية الداعية إلى تفعيل الخطابالأدبي، يعتبر "فانتانيل" أن المربع السيميائي لا يمكنه أن يطال الكيفية التي تتشكل وفقها المقولة انطلاقاً من التلقي،كما لا يمكنه أن يفسر الطريقة التي تتعامل بها الخطابات كلها مع مقولاتهالخاصة الداخلية، من تنظيم وإعادة تركيب. إن إنشاء مربع سيميائي أثناءتحليل نص أدبي، يعني أننا أمام مقولة ثابتة، يكون تكوينها منتهياً، غير أنالبحث عن الكيفية التي تجري بها عملية التلقي من تجميع واختيار وترتيبلمجموعة الأشكال من أجل تنظيمها في مقولات تبقى مستعصية، ولا يمكن للتحليلالقائم على المربع السيميائي استيعابها، وينبغي البحث عن مناهج أخرى ونماذج جديدة للتحليل تدمج هذه الفرضيات الجديدة25.* المسارالتوليدي Le Parcours générautif: وهو نموذج ترتيب المقولات الموظفة فيخطاب؛ ابتداءً من المجردة: البنيات الأولية، وانتهاءً بالمحسوسة، أي:البنيات المشخصة للخطاب.* ومنشأن هذا المسار التوليدي التحويلي تمكين الدارس من التعرف على وضعيةمجموعة البنيات الممكنة أثناء عملية التلفظ. غير أنه في شكله التصاعدي أوالتنازلي لا يكشف عن الكيفية التي يجري بها التلفيظ، وكيف يتم الاختيار،والتنظيم، والامتزاج بين الوحدات من أجل إيداع مقولته. ومن أجل الوصول إلىالكشف، ينبغي التفكير في وسائل وأدوات إجرائية أخرى.* السردية La narratvité: مثلت السردية مبدأ تنظيمياً مركزياً في التحليل البنائي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ويعود ذلك لأسبابتاريخية، لأن العالم كان قد اكتشف مورفولوجية السرد لفلاديميربروب وأبحاثليفي ستروس، ولكن أيضاً لأسباب علمية مؤسسة، لأنها كانت توفر –حينها-جهازاً مفاهيمياً لكل الدوال التي كانت أكبر من الجملة، وفي حجم الجملةأيضاً.* ويقوممبدأ السردية على مفاهيم منها مفهوم العامل الذي اختلف كثيراً في تحديده،وتسميته: حالة دلالية (Fillmore فيلمور)، دور درامي (سوريو Souriau)، عاملسردي غريماس. ومن وجهة النظر هذه تحتوي كل الدراسات سواء التي اتخذتالجملة موضوعاً لها أم التي اتخذت النص الكامل، أم تلك التي اعتمدت على الفعل مباشرة، أو بشكل غير مباشر عن طريقمجموعة التحويلات السردية26؛ أقول تحتوي عدداً من الأماكن العاملية، التيتكون ما أسماه "تسنيار" و"فيلومور" (الخشبة La scéne).* مكّن هذا المبدأ التفسيري الوحيد حينها من تصور اختزال نص طويل إلى نص قصير جداً، وهو الإجراء الذي قام به (ج-جينيت) حيث أخذ النص حجم جملة: أصبح مرسال كاتباً. فهذه الجملة تلخص رواية: "البحث في الزمن المفقود" لمرسيل بروست27.* كمامكّن هذا الاختزال من التفكير في "نحو سردي للنصوص"، لأنه كان بالإمكانتبرير نوع من المعادلة بين البنية السردية البسيطة كالجملة، وتلك التيتبدو أكثر تعقيداً كالقصة، والحكاية الشعبية أو الرواية.* وهكذاأصبح بالإمكان تشكيل مبدأ يقوم على مفاهيم سردية لكل خطاب، اعتماداً علىالمعارف المكتسبة في تحليل الجملة، ويمكن تلخيص هذا المبدأ ضمن قاعدةتجريبية: "لا يدرك المعنى إلا من خلال التحويلات"28. غير أن هذا الإجراءتعقد كثيراً بعد أن كشفت التحليلات السردية أن الذي يمكن إمساكه هوالتحويل الفعلي من حالة ثابتة إلى حالة أخرى جديدة عبر صيرورة البرامجالسردية التي يخضع لها البناء السردي للخطاب.* فالتحليللا يُطال الدلالة الفاعلة التي تتشكل فور القراءة وإنما تلك الثابتةالمستقرة بعد التحويلات الناتجة عن البرامج السردية أثناء الحالاتوالتحويلات. ولذلك تبقى مقولة "السردية" غير كافية في تصور آفاق مستويات التحليل الخطاب في منظور سيميائية التلقي.* 1-حلام الجيلالي، المنهج السيميائي وتحليل البنية العميقة للنص، مجلة الموقف الأدبي، العدد 365 أيلول/ سبتمبر 2001 | |
مستويات التحليل السيميائي مقارنة النص
- تاريخ التسجيل : 31/12/1969
- مساهمة رقم 1