[center]شعرية المتخيل /المتحول في ديوان مرايا الماء لعبد الحميد شكيل
بقلم : الاستاذة حسناء بروش
[ شوهد : 708 مرة ]
ان الحديث عن شعرية المتخيل/المتحول في ديوان مراياالماء" هو حديث من دون شك على المسافة الفارقة بين عالمين، عالم الكتابة وعالم التجربة اللذين يشكلان بدورهما عالما شعريا خاصا هو عالم الرؤيا، والسؤال المطروح في هذا المستوى: كيف تتشكل هذه العوالم الشعرية الثابتة في ظل هذه التحولات المتخيلة اللغة الوعي؟ وهل ثمة مسافة فارقة بين المتخيل والمتحول في آن؟ أو بعبارة أخرى كيف يحضر هذا المتخيل في المتحول الذي يتحول باستمرار؟ وهل ثمة فرضية أخرى تمكننا من الإمساك بهذه القوى المتحولة التي تضمن للمتخيل وجوده الخاص.
من هذا المنطلق إذن وقع اختيارنا في هذه المداخلة العلمية على محوري المتخيل/ المتحول، انتقالا من مشروعية الكتابة وواقع التجربة انتهاء بأولية التخييل/ الرؤيا باعتباره القوة الرؤياوية التي تستشف ماوراء الواقع فيما تحتضن الواقع كما يقول أدونيس، وهو بحث في الوقت نفسه عن كيفية تجذر الوعي في المتخيل الكتابي، انطلاقا من فعالية الكتابة ذاتها في الوعي التخييلي الذي يضمن لهذا المتحول مشروعيته الحقة والممكنة في آن.
1- المتخيل و مشروعية التحويل:
ينفتح الخيال ا نفتاحا كليا وشموليا، بوصفه وجودا ميتافزيقيا، على عوالم الوجود نفسه
ا نطلاقا من مبدأ السريان(1)، ومن نظرية ابن عر بي تحد يدا التي ترى بأن (الو جود خيال في خيال) ،وقدرة فعل الخيال على إنتاج المعرفة، إنما تتأتى من برز خيته أي من جمعه بين الحس والعقل(2) .
يقول ابن عر بي: "فالخيال لا موجود ولامعد وم ولامعلوم ولامجهول ولامنفي ولامثبت ،كما يدرك الإنسان صورته في المرآة، يعلم قطعا أنه أدرك صورته بوجه، ويعلم قطعا أنه ما أدرك صورته بوجه"(3).
فالخيال إذن برزخ بين المدرك واللامدرك، والحد الجامع بين عالمين أو حالين أو مرتبتين أوصفتين، وقد اقترن تعريف المتخيل أساسا بمصطلح الإدراك، لذلك فقد اعتبر التخييل(4) قديما أداة إدراك فاسدة، لارتباطه بالحس أولا ومن ثم فهو مهدد بأخطاء هذا الأخير، الذي يعتريه الكثير من اللبس والنقصان أثناء تحقيق المعرفة أو إثباتها.
ويرجع اهتمام الفلاسفة العرب بالمخيلة "ضمن انشغالهم بقوى الإدراك، التي ميزوا فيها بين قوى الإدراك من الخارج والقوى الباطنية "،(5) مدرجين إياها ضمن الصراع بين النفس والعقل، لينتهوا في الأخير إلى ضرورة إلجام المخيلة بالعقل لأن تعقلها يكبح جموحها وانسياقها وراء النفس. (6 )
بينماينحى مصطلح الخيال منحى آخر مهما لدى الصوفية، مستمدا قيمته من وضعية العقل لديهم باعتباره عا جزا أمام معرفة حقائق الوجود، لذلك"فقد استبعد ته في معرفة الله وأولت أهمية مخصوصة للخيال في معرفة الوجود والمطلق ".(7)
والرؤيا بوصفها خيالا( بتعبير ابن عربي "طاقة ابتكار للأشياء والصور لا تتجلى أبعاد الباطن إلا بها".(9)
من هنا كان لزاما على الرائي المستكشف لأبعاد هذا الواقع المتخيل/الرؤيا (بما أننا لاندرك الرؤيا إلا بالرؤيا)، أن يميز بين رؤيتين(10) "الرؤية البصرية الاعتيادية عند أدباء العامة وعلماء الظاهر، والرؤيا الاستبصارية التي يغدو من خلالها العالم وجودا حركيا ناطقا "(11) ،أي بمعنى رؤيا عبورية تحولية تكشف بوساطتها مغالق الوجود المتخيل/ المتحول في آن، مرورا بعين الخيال(12) أوعين القلب لا بعين الحس، لما فيهما من تغير وحركية" فالتغير هو مقياس الكشف، ومن هنا يظل العالم في نظر الرائي الكاشف في حركة مستمرة وتغير مستمر،" (13)إضافة إلى ذلك كله فهي "تدعو إلى تكسيرالجمود في الرؤية ذاتها ،وتوظيف الكفاءة التخييلية التي تستكشف أبعاد العالم الحي بتعبير ريكورأو الوجود الناطق بتعبير باشلار وابن عربي أيضا. (14)
ولحصول هذه الرؤية المتجددة لابد أولا من أن نحررالصورمن رتابتها، لأن الصورة المعتادة كمايقول باشلار تقتل القوة المخيلة، علىاعتبارأن العادة هي نقيض الخيال المبدع(15)
وأن الألفة تقتل الملا حظة كما في عرف ابن خلدون أيضا، والخيال المبدع هوذلك الشعورالمتفرد بالجمال الذي لاتكتمل صورته حتى وإن امتزجت بصورالجمال الأخرى.
فشعريةالجمال(16) أو علم جمال الشعر "ليس علم جمال الثابت و إنماهوعلم جمال المتغير" (17) الذي يحتكم إلىالديناميكية بمعناها الوا سع "والديناميكية في رأي باشلار هي وليدة اللغة نفسها وليست وليدة واقع استحالةا لتعبير (...) ومن ثم فما يسميه باشلار ب l indicible تعذر التعبير،هوعائق ابستمولوجي يدعونا إلى تكسيره"(18) معارضا بذلك رأي برغسون الذي يرى بأن الكلمات هي مقبرة الطا قات الشعورية للذوات ككل.
ولتشغيل هذه الديناميكية الشعرية لابد أولا من" ترك الصور التقليدية التي فقدت سلطاتها التخييلية، بفعل تداولها المتكرر وعدم قدرتها على الإيحاء الدال على التجدد" مع ضرورة"الإلتفات إلى صور جديدة بالكامل، تحيا بحياة اللغة الحية"مع اعتبارية التخلي عن"الصور الساكنة ،الصورالمكونة تلك التي أصبحت كلمات ثابتة بشكل عام".(19)
فالشعرالمزود بمثل هذه الصفات كمايقول باشلارفي كتابه الخيال والحركية ،أي ذلك الذي" يشتمل علىهذه الصور الأدبية يصير فجأة رسالة حميمية بالنسبةإلينا، رسالة تلعب دورا أساسيا في حياتنا فتعيد إليها الحيوية، فعن طريقه يرقى القول ،الكلمة ،الأدب ،إلى صف الخيال المبدع بلجوء الفكرإلى صور جديدة للتعبير يثري نفسه ويثري اللغة"(20)
فإبداعية المتخيل إذن تكمن في إخراج اللغة من الوجود المخزون إلى الوجود المرئي، عبر تشغيل آلية الخيال، من هنا فقط "تظهر قوة حركية الخيال ودوره في تحويل المتعذر الإفصاح عنه إلى إمكانية مفتوحة الأبعاد ،على البوح على قول الجديد وإنتاج الصور المتوقدة التي تصدمنا ".(21)
وهذا لا يتأتى كما يقول باشلار في كتابه السابق إلا بالبحث "في جميع الكلمات عن تحرقات الغيرية ،عن تحرقات المعنى الازدواجي ،عن تحرقات المجاز، بصفة عامة يدعو باشلار إلى إحصاء جميع التحرقات التي تتطلع إلى مغادرة مانراه ومانقوله لصالح ما نتخيله، وبهذه الطريقة سنعيد إلى الخيال دوره الإغرائي وبواسطته سنغادر السير العادي للأشياء "،(22) وذلك بحثا عن طبيعة هذا المتخيل الذي تحركه فينا هذه الصور، خاصة إذا جاز في اعتبارنا أن الخيال هو قانون التعبير بامتياز، "فالشعر بماهو لغة هو حركة صوتية يتجسد فيها الخيال، يتشخصن في كينونته، وفي الشعر ينفتح الوجود فيتخد حالة الظهور الكاشف للكينونة الأصلية "،(23)، وهو الشيء نفسه الذي دفع باشلار في كتابه شاعرية أحلام اليقظة إلى التأكيد على تلك التواشجات الرابطة بين الأنيما ،(24)لحظة الإبداع، واللحظة الشعرية عبر منهج ظاهراتي لدراسة موضوع التخيل الشاعري كونه وعي مستقل، وهذا يعني أن هدف علم الظاهرتية هو جعل عملية الوعي حاضرة، وهذا الهدف لا يختلف كثيرا عن الظاهراتية التي أوجدها هوسرل edmont husserl والمحددة إجماعا في قصدية الوعي الذي يتجه إلى موضوع ما، ويعتقد باشلار" بأن كل وعي بشيء ماهو إلا نمو للوعي وإضافة جديدة لتقوية التماسك الإنساني ،إذن في كل وعي بالشيء يوجد تراكم نمو لكينونة الإنسان، وإن هذا الوعي هو عمل يظهر في اللغة الشعرية، فإضافة كلمات جديدة على اللغة هو نشاط ينمو فيه وعي المتكلم "(25) والوعي المتخيل على السواء
"فالتأملات الشاردة وبالذات الشعرية منها يجب أن تكتب ولا تسرد كالحلم، ولا يمكن أن تكتب إذا لم نعد تخيلها ونعيشها من جديد بنفس بكوريتها وحرارتها وبنفس الاندهاش والانفعال الأول "(26)
وهذا ما يدل على المشاركة العميقة للذات في سيرورة التخيل الخلاق ،يقول باشلار" وكأن القصيدة بغزارتها وغناها توقظ أعماق جديدة في دواخلنا ،إن الترددات تخلق يقظة حقيقية للإبداع الشعري حتى في روح القارئ عندما يحاول ترجيع صورة شعرية واحدة ،ومن خلا ل تفردها وبكوريتها تدفع الصورة الشعرية آلية اللغة والحركة ،إن الصورة الشعرية تضعنا على باب مصدر الوجود الناطق"(27)
ولاكتمال هذه الحركية الصورية واللغوية في آن، لابد من توافر آليات عدة من بينها: "أن تكون الصور أصلية originale غير مكررة تحمل براءتها وتفردها ولم تتحول إلى كليشة مملة " مع ضرورة "إدراك كينونة الصورة الشاعرية باعتبارها تمتلك كينونتها الأصلية والخاصة"وذلك بغية "مضاعفة غبطة (لذة) الاندهاش والإثارة ،ومايضفيه باشلارعلىالغبطة هذه هو أن الشعر إضافة إلى كونه يثير الاندهاش، فإن هناك غبطة الكلام ومتعة القراءة التي تجعل الإنسان متأملا في وجود لا متناهي "
وهذه المتعة من شأنها أن تجعل تفاعلنا ومشاركتنا في صيرورة التخيل الخلاق عميقة، شرط "ألا يكون انبهارنا بالصور الشعرية التي لم ندركها ولم نتخيلها سابقا ذات طبيعة استسلامية، لذلك فإن ظاهرية الصورة تتطلب منا تكثيف ووضوح المشاركة في التحليل الخلاق ".(28)
والاستسلام هنا يعني أن يكون المتلقي سلبيا مقابل ايجابية هذه الصور التأملية الشعرية الشاردة، وهذا ماتطرق إليه غاستون باشلار في كتابه جماليات المكان في حديث آخر عن جماليات الصورة حيث يقول "إنسان آخر منحني هذه الصورة، ولكنني أشعر أنه كان بإمكاني أن أخلقها أنا بل كان علي أن أخلقها بالفعل ،إن الصورة تصبح وجودا جديدا في لغتي وتعبر عني بإحالتي إلى ما تعبر عنه هنا يخلق مثل هذا التعبير الوجود "(29) كما يتجلى للخيال الذي من شأنه "التبدل في كل حال والظهور في كل صورة "(30)
بحثا عن لغة أخرى تستمد شعريتها من لغة الخيال ذاته وهو ماكشف عنه كولريدج (Samuel taylor-coleridge)في نظريته التي تقوم على المبدأ العام الذي يربط الحقيقة بالخيال، وذلك من خلال تقسيمه الخيال إلى خيال أولي وخيال ثانوي شعري (31)
وهذا النوع الشعري من الخيال ليس مجرد نسخ reproduction لعالم المدركات الحسية، وإنما هو تصور لما ترمز إليه هذه المدركات مما يرتفع به إلى عالم المثل الأفلاطوني، باعتباره (الخيال) "قوة حيوية خلاقة في تركيب الصور وتفكيكها وكذا إبداعها، محولا الواقع إلى مثال على اعتبار اْن ميدان الخيال عنده هو المتغير المطلق، (32)
وهو ما يقودنا إلى الحديث عن وظيفة الخيال عند بودلير الذي لا يختلف كثيرا عما ذهب إليه كولريدج ،ويتجلى بوضوح أكثر من خلا ل قدرة الخيال على خلط وظائف الأشياء، مع ضرورة تفكيكها لإعادة خلقها وتجميعها من جديد بوساطة نسق من الصور.
أما ما يصطلح عليه باسم تراسل الحواس التي يتم فيها خلع مدركات كل حاسة على حاسة أخرى، فمن شأنه أن يجعل الشاعر على استعداد دائم للإبصار كما يقول رامبو، وهو ما أسماه
( بكيمياء الفعل) "أي تحرير الخيال من العقل والمادة عن طريق استغلال القيم الانفعالية والصوتية الماثلة في الحروف "(33).
هذه إذن باختصار بوادر رؤية شعرية للخيال ،كما نظر لذلك باشلار وابن عربي خصوصا في نظرية الخيال "وما أنتجته من معارف لها أن تفيد شعرية المتخيل راهنا إذا أعيد بناؤها في ضوء التصورات الحديثة "(34)،التي تتراءى من خلالها صيرورة الكينونة الإبداعية التواقة إلى الشعرية والخلق.
2-المتخيل ومشروعية الانتظام :
يشغل المتخيل حيزا معرفيا عميقا في بناء الوعي المتخيل ،الذي يستلزم بدوره ِِإنتاج معرفة متخلخلة باستمرار حتى يضمن فعاليته المتحولة والمنتجة في آن ،على أن التخيل كفعل كما يقول باشلار ليس ملكة تكوين الصور بل هو ملكة تغيير الصور التي يقدمها الإدراك، حيث تتفاعل من خلاله الموجودات، وتتباين الأمزجة، وتتغاير العوالم والتصورات ،حتى تخوم التحولات الضاربة في امتدادات هذا الوعي .
والمتأمل في ديوان "مرايا الماء" لعبد الحميد شكيل يلاحظ تلازم كلا من المتخيل والمتحول في كتابته بشكل عام، على اعتبار أن الشعر "هو الأبعاد في تحولاتها وأحوالها المرئية والفزيقية "،(35)والمنتظمة بدورها من خلال اعتماده على مرجعيات الانعكاس والتذويت والتأثيث.
2-1-الانعكاس/ الامرتداد/ شهوة الزوغان:
يتموضع مصطلح الانعكاس بمعناه الافتراضي في الدائرة الثالثة للوجود أي (عالم الظلال) (36) بتعبير أفلاطون، فيما يأخد منحى ِآخر مهما عند حديثنا عن الكهف الأفلاطوني الشهير(37) باعتباره تشويشا لمدركات المعرفة والوعي.
كما يعد أفلاطون "أول من ربط بين الشعر والمرآة، لأن هذا الربط كان يخدم غرضه في تصور الشعر نوعا من الظل أو الانعكاس "(38) لأنه يحاكي أشياء الطبيعة الناقصة المقلدة لعالم المثل.
ويذهب ليوناردو أبعد من ذلك حين يقول:"إن عقل الفنان لابد أن يكون كالمرآة التي تتلبس لونا ما، تعكس وتمتلئ بالصور بمقدار ما يكون أمامها من أجسام "،(39) وهذا ما يجعل للمتخيل/ الفن بعدا تحوليا مرآويا عاكسا يتأرجح بين الحقيقة والمثال.
والحديث عن مرجعية الانعكاس/ الا مرتداد في ديوان "مرايا الماء" يتحتم علينا الوقوف على دلالة الماء، ذلك أنه "أصل الأركان والعناصر والطبيعة بشكل عام وهو الجوهر الذي عده طاليس أساسا للكون "(40) إضافة إلى أن "الماء وجه مرآوي قديم (41)
وهيمنة عنصر الماء في ديوان "مرايا الماء"يدل على مركزية الذات العارفة المتوحدة في مقاماتها العلوية: ومادرى بأن الماء سيد المقام(42) حيث تشغل الكينونة عبر آلية الامتداد والارتداد (البسط وإعادة التجميع ):
جسدي ياأبي ماء أجاج. (43) البسط/ الامتداد الامتداد الذات
أتوارى خلف جسد الماء(44.) إعادة التجميع /الارتداد الماء الارتداد
دخولا في عوالم التوحد/المناجزة ، حيث يبتدئ التكوين (تكوين الذات ) ، والاشتغال (اشتغال الصيرورة الخالقة) ، عبر خاصية التفجر (نزوعا نحو خاصية الماء):
من مساحة يدي الامتدا د
تنبع الأ نهار والجداول. (45)
وصولا إلى لحظة الخلق/ المجاوزة "حيث مرحلة الخلق هي مرحلة مرآة تعي فيها الذات نفسها كموضوع ،وتعي ذاتها كذات خالقة فاعلة"(46). في صيرورة الوعي المتحول :
أسوي الماء بفتنته الارتدا د
وأسوق الريح إلى الأوجار(47)
وحيث يأخذ الماء أبعاد الذات وخصوصياتها المستديمة: الغواية/ العذابات /الشبقية/ الخطيئة/ الطهر:
سدرة الذي حرض الماء على الغواية (48) / تدفعني كرها صوب عذابات الماء(49)/ تطلع من شبق الماء المسوم برذاذ الأقحوان(50)/ من يغسل المرايا من رفث الماء(51) . الامتداد
تأخد الذات وجهة الماء الرابض خلف أكمة الرغبات:
عندما يقرع النرجس أجراس رغبته
أتوارى خلف أكمة الماء الارتداد
وأسمي المكامن السرية: بداية عصر الرغبات (52).
والرغبة في التخفي (خلف أكمة الماء)، يعادل الرغبة في الظهور مادام"الماء أول المرايا قبل أن يصنع الإنسان المرآة"(53) ،وهو مايدفع بالذات إلى الثورة على سكونية الذات نفسها :أخرجني من ملكوت الماء(54). الارتدا د
وعنصر الذات /الماء عنصر إفراغ وملء كما يعبر باشلار "فإن قبل الماء لم يكن يوجد شيء وفوق الماء لايوجد شيء ، الماء هو كل العالم هو كينونة النشاط"(55)الذي تستمد منه الذات وجودها:
كيما تطلع رملية الأعطاف
بيضاء بيضاء بيضاء
مسومة بزيت الزنجبيل
ورؤى الأغاني التي شحبت في التحول الامتدا د
وانتهت إلى شجر الماء الذي يصاعد عاليا
كيما يغمر وهج التويج(56).
وبارتواء الباطن/الذات ينفتح الظاهر/الجسد على عوالم الإشراق /الوهج:
ياجسدي المعنى
أشرق بينابيع الفتوح(57). الامتدا د
حيث تركن فواتح المطلق/الرؤيا في امتدادات الأنا وفيوضات المعنى :
هو الآن يناجز ألق الرؤيا (58)/بهجة المرايا التي أبدعت غيث الفراغ(59).
ومن ثم تستباح الذات على مشارف المعنى/القصيدة : وتشربني الجموع(60) / وقالوا إن القصائد لا تنتهي سوى إلى وفرة الماء الذي ألبسوه شهوة الزوغان(61). أقصى درجات الامتدا د
حيث تلوح القصائد المائية مترعة بفيض الذات وتحولاتها : ياقصيدتي المائية(62)، ممدودة في عوالم القصيدة /المرآة: أتهجى مراياي(63) . الامتدا د
"والقصيدة /المرآة تضاعف الذات وتكثرها ومن هنا فهي أيضا تعيد إنتاج الذات "(64) .
وإعادة إنتاج الذات يعبر عن ارتجاجات الذات المقيمة على عرش التحولات/ الماء: أغيثيني كي لا أسقط في ارتجاج الماء (65) بوصفها مرآة الوجود التي يتأمل فيها الشاعر ذاته ويتحول من خلالها إلى موضوع ، إنها الماء الخاص ، المرآة الأولى القديمة، وبوح النفس إذ تتجلى وتتراءى ، إنها الرؤية والرؤيا معا إذ تلوح في فضاء الروح والفكر فيسكبها الشاعر وينعكس معها وبها وفيها(66).
مرايا الماء إذن رؤى الذات العالقة بأشرعة التحول :
العدم/ الوجود
الوجود/ العدم ارتدا د
مرايا الخيل الطالعة من طفح الذات(67) .
زوغان الذات داخل ذاتها ، حيث خيالات الأشياء/ مرايا التحول/ تعالقات الرؤى/احتمالات الخلق/ امتدادات الوجود /ارتدادات المعنى :
حمأ القيظ الذي حاصر الماء
وتمدد في اتساع العروة ارتداد
كلها لم تعد تتسع لانبهاق الجسد(68).
وسرعان ما يكشف التولي إلى( وحشة الظل) الهروب من المواجهة، حيث تتجلى من خلالها صورة الذات المتشظية بتشظي الواقع/ الحلم/ الرغبة/ الكتابة ، نزوعا إلى عالم المثال /الظل الذي تحتضن فيه الذات ذاتها المشروخة: أرتدي جسدي(69).
في الشتاء ألبس بردة ذاتي
في الربيع أتحلى بخرير المياه(70). أقصى درجات الارتدا د
وعبرهذه التشكلات/ التشظيات تتشكل متاهات الرؤية إلى الآخر/ الذات / العالم /الواقع ، التي تتكشف من خلال آلية التلامح/ المواجهة/ الارتداد/ الامتداد، على مرايا الذات/ الماء حيث تنبثق فيوضات الفراغ/ الكتابة من فراغية الذات ذاتها، ذلك أن" المواجهة مع المرآة هي مواجهة مع الآخر مثلما هي مواجهة مع الذات"(71)، والآخر ليس إلا الأنا في أوضح معانيها .
ومن ثم العودة إلى مركزية الذات، مرايا الماء/ صورة الصورة على تعدد مراياها واختلافيتها،وتجادبها وتنافرها، لكن انعكاسها هذه المرة يبدأ من جهة الريح / الارتداد، وقبل أن( نجيء امتدادا) : نعتلي صهوة الريح(72) حتى يتحقق الانتظام( انتظام الذات /الآخر) على السواء.
2-2-انتظامية ا لتأ نيث/ مقام الزمن المذوت:
يحتكم عبد الحميد شكيل في ديوانه" مرايا الماء" إلى آلية ا لترميز (ترميزالكينونة) سعيا منه إلى ربط معطيات الوجود/ الواقع بالوجود المتخيل، الذي ينفتح على عوالم التأسيس/ الرؤيا، حيث" يخرج مفهوم ا لشعر من خلالها عن مهمة حراسة المعنى المكرس، إلى مهمة ا لتأسيس لمعنى يقود المسيرة الحضارية للإنسان"(73)،
والمتمثلة إجماعا في قدرة فعل الشعر على تمديد أبعاد هذه الصيرورة الكينونية المتخيلة في ا نتظامات الوعي الحاضر، وا لخروج من الزمن المؤسس/ الذات/ الواقع، إلى زمن تتلاشى فيه الأبعاد/ الوقت/ المتخيل/ ا لعماء بلفظ ابن عربي عبرانتظامية ا لتذويت:
هوالآن منهمك في توشية كتاب الذات(74)، والذي يتضمن بدوره( فاتحة لكتاب الوقت) حيث تتغاير إسقاطات الذات على كينونة العوالم والاشياء والزمن:
وأنحني لقامة المساء(75)/ والصباح يتمدد في الدروب المتربة(76)/ كيما لا ألج الهزيع الأخير(77)/ الوقت ماء الماء وقت (78) / يعتلي جسدي مساء ا لصباح الأخير(79).
"هذه الإسقاطات تمنح صدمتها للتخطي المعكوس من المجرد إلى المجسد ومن المجسد إلى المجرد"(80) بفعل مبدأ الانتظام المتمثل في الخروج من زمن الذات /الصمت إلى الزمن المطلق( الوجود الناطق) بتعبير ابن عربي، إيمانا منه أن سر الحياة في جميع الموجودات
فالدخول في الزمن إذن( زمن الوجود المطلق) كعنصر وجودي ، دخول في زمنيه الذات المتحولة باستمرار وهو ما يكشف عن حركيتها الدائمة في ا لعثور على وجودها، وهو ما يعني بشكل أو بآخر افتقاد الآخر/ الذات .
ولأن الذات مركزية هذا الوجود، فقد وجب التأسيس لانتظامية الذات عبر خلخلة الثابت، وتفعيل الحركة في كل الموجودات/ عناصر الذات( بما فيها الزمان والمكان) ، وذلك من خلال الالتجاء إلى التذويت كعنصر تفعيل وإسقاط في خلق مسافة الذات، مادام البحث في ذات الشيء هو بحث في مطلق الوجود " وا لشعر بما هو لغة جديدة تمد جسورا إلىاللامرئي من أجل تأسيس علاقات جديدة مع الوجود والحقيقة"(81).
وحيث يصير التذويت فعلا جامعا في كليته لمعنيي التجسيد و الأنسنة(82) القائم على مبدأ التداخل المستمر واللامنتاهي بمستويات الترميز و الوعي، يصير الواقع المتخيل ذاتا ناطقة بكل أحول الذات وأبعادها وتحولاتها حسا ومعنى :
يخرج الطفل نوفمبروت
يبدع المدن الجديدة
يشرع للماء بابا من فتون (83)
والبحث في حقيقة الواقع المتخيل( نوفمبروت) لايتأتى لنا إلا من خلال النبش في حفريات الواقع/ الرمز والواقع/ الأسطورة "من هنا كان الإبداع الإنساني في أعمق صوره إبداعا مستمرا وخلاقا لللأساطير ، التي تضيء كهف العالم وترسم الطريق ، هذا يشير إلى أن الكينونة التاريخية في حاجة دوما إلى الشعر بمفهومه الواسع، بما هو علامة على الطريق وإشارة في العتمة "(84)
وتحويل المتخيل إلى رمز إنما هو ترسيخ لمبدأ الكينونة وإثباتها، ليس من جانب التذويت فحسب وإنما من خلال خاصية التأنيث ، احتكاما إلى قول ابن عربي (كل مكان لا يؤنث لايعول عليه)
أي أن" كل معنى لا يحمل صفة المؤنث لايعول عليه في تحقيق المعنى و مقارباته"(85).
حيث يكتسب المتخيل (نوفمبروت) شرعيته وقدسيته الخاصة عبر تاء التذويت، قياسا إلى تمارت ، أفروديت ، عشتروت، إلهة الحب والجمال فكذلك (نوفمبروت ) إله الثورة والحرية والجبروت باعتباره سيد الأزمنة والزمن الفاصل بين العبودية والحرية، وبالتالى تتجسد مقامات العروج من الزمن/ الواقع نوفمبر إلى الذات المتخيلة ( نوفمبروت )كما يلي :
نوفمبروت المثال/المطلق/الرمز
الثابت
المتخيل
الامتداد
نوفمبروت الواقع المتخيل/الأسطورة
الواقع المتحول
نوفمبر الواقع /الثورة
أي انتقالا من زمن الأسطورة/ نوفمبر إلى أسطورة الزمن/ نوفمبروت الطفل الذي لا يشيخ ( ولا يهرم و لا يموت)، نوفمبروت الذاكرة/ المثال/ الخلق/ الرمز والالتجاء إلى الأسطورة إنما يدل على رغبة الشاعر في الإبقاء على قدسية الزمن المتحول نوفمبروت ، بغية تثبيتها في عوالم المثل خروجا بها من عالم الحس والظلال :
ويجيء الوطن المرتجى
سماء صافية
نبع ماء من حليب
نساء كزهو البروق
حدائق من ياقوت
جنات من سطوع .(86)
ففعل التذويت إذن ليس فعلا اعتباطيا ، وإنما هو فعل واع بغرض البحث عن معنى أوسع وأشمل بغية تمديد هذا الواقع المتخيل ، والخروج بالزمن إلى أفق المطلق وعالم الأسطورة/ المثال، حيث يضمن خصوصيته المقدسة التي لاينالها التغيير والتحويل، وهذا يقتضي من الشاعر تحولا في ا لقول تماما كما أحدث الزمن نوفمبر تحولا في أزمنة الواقع، وثورة" في توليد المعنى من التجربة التاريخية والحضارية "(87) والذي يغدو بشكل أو بآخر رمز التحول : مطلع الشمس الجديدة(88).
وهو الشيء نفسه الذي يخرج بالزمن نوفمبروت من دائرة الذات إلى أفق الإنسان، ومن كونيه الواحد إلى عوالم المتعدد/ الرمز/ الأسطورة باعتباره المحول والمتحول في آن .
3-2- انتظامية التأثيث/مقام التناغم بالفوضى:
يعتمد المتخيل أساسا على قوى تحولية انتظامية ، لالإرتباطه بطريقة ما بنظام فوق الطبيعة فحسب ، وإنما لا حتكامه إلى مبدأ الوعي حيث يتجذر الخلق وتتنامى كينونة الذات" والوعي بالشيء يعني إعادة ترتيبه ضمن مجال الإدراك ، أي تغيير الرؤية إليه مما يكون دافعا إلى تحولية في مستويات غير مألوفة." (89)
وهذه التحولية اللامألوفة هي التي تخرج بالمتخيل من جاهزيته ، إلى نطاق تأسيسي واع معتمدا على رؤية الذات المتفردة للعوالم المحسوسة والمجردة ، باعتبارها موضوعة مركزية في إشتغال المتخيل من الأساس.
ولأن "العالم يحتوي على أكوان منتظمة ،مترتبة ،مترابطة بمبادىء متعددة "،(90) فإن الشاعر بوصفه نسخة الأكوان (91)، أو كونا صغيرا يحاكي الكون الكبير، أي بفعل هذا الانتظام " ليس له اعتراض على الكون الموجود لكنه معترض على طريقة تنظيمه، إنه يقبل الخلق لكنه يرفض الهندسة ، ولهذا فهو عادة مايعيد ترتيب الجزئيات، وهو في إعادته لهذا الترتيب يمنح الأشياء معنى جديدا هو معناه ،وفي هذا المعنى الجديد يمكن تحديه هو للعالم المخلوق من قبله"(92).
وما من شك في أن هذه الإعادة التي تفرضها الذات المرتبة ، تحتكم إلى واسطة التناغم بالفوضى : أتحسس فوضاي التي افترعت في الزحام (93).
بغية تشويش النظام المؤسس عن طريق السريان(94) (سريان الذات) في الوعي المتخيل بحثا عن مفتتح الفوضى الجزافي /الريح :
لا أحد يفتح شهوته هذا الصباح
ويسرع باتجاه ريح الوقت،(95) .
ولتحقيق هذه الفوضوية المنتظمة لابد من تكسير مرايا الانتظام ، حيث تسرج فوضى الوجود ريثما ترتب الذات وجودها ترتيبا يليق بفوضاها ( فوضى الانتظام ):
ألا أحد
اليوم يسرج صهوة هذا الريح
ويطلقني مهرا أصهل في غابات الشيح،(96) .
مولية إياها شطر الترتيب /التأثيت /الانتظام /إعادة تجميع :
أرتب فوضى الأحلام(97) / كيما نؤثث القيظ الوالغ في ردأ الجوهرة (98)
لملمت ما تبقى من دمي المتناثر على رمل الطريق،(99) .
عندما ألملم متع المرايا وأرتبها في خانة المقتتنيات السرية (100).
وهذا الترتيب المشوش يجسد بصورة أكثر ديناميكية ،بحث المرتب/ الشاعر عن يوتوبيا الذات هروبا من تراجيديا الترتيب الوجودي :
المدى المتوازي في رتيب العنكبوت(101) /وبيننا مناهج من الأنوثة المعطلة(102) .
وقوفا على أبعاد المكان المتخيل الذي تقصى فيه خرائب الترتيب، ويولد فيه المكان الطالع من رماد الأسطورة :
راس الحمراء أيها الطائر الناري
الناهض أفواجا من رماد الوقت (103)
متجاوزا بذلك أبعاد المكان/ الذات إلى المكان /الإنسان :الصوت المفتوح على الأزمان (104).
يا صوت من مروا ومن عبروا
ومن بالحب خطوا أغنية الإنسان(105).
وخلخلة الانتظام في هذا المستوى يعود إلى رغبة الشاعر في تشكيل المكان البديل :
يامدينة الوقت الآخر(106) / كيما نمرق من جحيم الوقت (107)/ من المدن المرصودة في كتب الخوف (108)/فالرعب الأسود في كل مكان(109).
وذلك من خلال" تكسيرالمكان، جمود المكان وبعده المتشيء ، وجعله ذاتا حوارية ناطقة تجيب نداءات الكائن الشعري وتحفزه على المساءلة الجوهرية للوجود"(110)
والخروج بالمكان إلى أفق المتخيل حيث الوجود المنتظم والفوضى المؤسسة، "مادام الشاعر في اعتراض دائم على كل ماهو ثابت وإن كان هذا الثابت ذاته في الأساس،ولذلك أيضا فهو كائن تحولي خالق لوجوده الذاتي "(111)والإنساني، مستعينا في تحوليته تلك بتيمات (الماء/الوقت/الريح )، ومتخدا في الوقت نفسه سبيل اللغة بوصفها برزخا بين الحقيقة والخيال وبين العالم المرئي والعالم المتخفي، التي تتجادبها ثنائيات الامتداد والارتداد عن طريق النحت والترميز وتشويش النظام .
الهوامش والإحالات:
1-السريان: مبدأ من مبادىء فلسفة انتظام الكون، وفحواه أن النفس الكلية سارية في جميع أجزاء العالم وأشخاصه بالتدبير والصنعة والإحكام، ينظر في مبدأ السريان، ابن عربي: فصوص الحكم، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ص: 155-177 .
2- خالد بلقاسم :أدونيس والخطاب الصوفي، دار توبقال للنشر، المغرب، ط1، 2000 ، ص 108 .
3-محي الدين ابن عربي: الفتوحات المكية، المجلد 1 ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ص: 304
4-مصطلح التخييل مصطلح فلسفي تعرض له أرسطو في كتابه النفس، ومنه انتقل إلى تنظيرات الفلاسفة العرب القدماء كالفارابي وابن سينا، قبل أن يشهد عبوره إلى النقد والبلاغة على يد الناقدين البلاغيين :حازم القرطاجني وعبد القاهر الجرجاني هذا الأخير الذي شغله بحمولاته الفلسفية.
5-جابرعصفور:الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، المركز الثقافي العربي، البيضاء، ط3 ،1992 ،ص27 .
6-خالد بلقاسم اْدونيس والخطاب الصوفي ص: 108
7-المرجع نفسه، ص:108
8-يتداخل مفهوم الرؤيا بالخيال لدى ابن عربي من خلال تعليقه على الآية"هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا "والتي يقول في شرحها: أظهرها في الحس بعدما كانت في صورة الخيال، ينظر محي الدين ابن عربي: فصوص الحكم، ص: 104
9-أدونيس: النص القرآني وآفاق الكتابة، دار الآداب، بيروت ، ط 2، 1993، ص: 273 .
10- تماما كما ميز باشلار في كتابه الخيال والحركية بين الحركة المنقولة عن طريق البصر والحركة المنقولة بواسطة الخيال الدينامي فيقول: يجب علينا الانتباه إلى أن الحركة المنقولة عن طريق البصر ليست منشطة، الحركية البصرية هي حركة سينماتية خالصة (... ) فالمشاركة الوجدانية العرفانية لمادة، هي وحدها التي يمكنها أن تحدد مشاركة نشيطة فعلا، من الممكن تسميتها استقراء ،ينظر عبد العزيز بومسهولي: الشعر الوجود الزمان، افريقيا الشرق، المغرب، ط 1 ،2002 ،ص:31 .
11-المرجع نفسه ، ص: 30
12-الفرق بين رؤية الشيء بعين الحس ورؤيته بعين القلب،هو أن الرائي بالرؤية الأولى إذا نظر إلى الشيء الخارجي يراه ثابتا على صورة واحدة لاتتغير ،أما الرائي بالرؤية الثانية، فإذا نظر إليه لا يستقر على حال ،وإنما يتغير مظهره وإن بقي جوهره ثابتا فتغير الشيء تغيرا مستمرا في نظر الرائي، يدل على أن هذا الرائي يرى بعين القلب لا بعين الحس، ويعني أن رؤياه إنما هي كشف ،ينظرأدونيس:صدمة الحداثة ،دار العودة ،بيروت،ط4 ،1983 ،ص:168 .
13-المرجع نفسه،ص:168
14-عبد العزيز بومسهولي:الشعر الوجود الزمان ،ص:34
15-المرجع نفسه،ص:32
16-وقد تسمى كذلك شعرية الخيال أو شعرية المجاز أو شعرية الحالة أو شعرية التلقي، وهي من الشساعة بما يتيح لها أن تتجاوز النص الأدبي إلى مواطن جمالية في الطبيعة والكون والحياة، ويقترب هذا الإتجاه من شعرية غاستون باشلار التي تشتغل على المتخيل الشعري حيثما وجد في الفضاء أو في أحلام اليقظة ، لكنه يقترن أكثر باسم ميكال دوفران في أثره الشعري الرائد(الشعرية) الذي يسعى إلى تكريس الشعرية بماهي مقولة جمالية
lapoetique comme categorie esthetique
بصفة شمولية عامة تستمد مقوماتها من الشعر والشاعر والطبيعة والأشياء على السواء ، ينظر يوسف وغليسي :الشعريات والسرديات ،قراءة اصطلاحية في الحدود والمفاهيم ،منشورات مخبر السرد العربي ،جامعة منتوري ،قسنطينة،2007 ،ص:138 .
17-أدونيس :صدمة الحداثة ،ص:315.
18-عبد العزيز بومسهولي:الشعر الوجود الزمان ،ص:28.
19-المرجع نفسه،ص:28
20-المرجع نفسه،ص:28
21-المرجع نفسه،ص:29
22-المرجع نفسه، ص:29
23- المرجع نفسه، ص:28
24-أطلق يونج مصطلح الأ نيما animaعلى العنصر المؤنث والأنيموسanimus على العنصر المذكر في النفس الإنسانية سواء كانت رجلا أم امرأة ، فالأنيما أو الأنيموس يمثلان الشخصية الباطنة وهي الشخصية المكملة للشخصية الخارجية، وحيث إن صيغة المذكر الأنيموس تعني مبدأ التفكير والجانب العقلاني ، فان الأنيما تعني مبدأ الحياة ومقر الو جدانات ، ومكان الذات المبدعة حال الإبداع والخلق الفني خاصة، ينظر فاطمة الوهيبي : المكان والجسد والقصيدة /المواجهة وتجليات الذات، المركز الثقافي العربي ، المغرب،ط 1 ،2005 ،ص:24 .
25-فاضل سوداني:التباس التأملات الشاردة في ظاهراتية الصورة الشعرية،الموقع www ahenar org/debat show artسحبت في 09/02/2009 /14:59 .
26-الموقع نفسه.
27-الموقع نفسه .
28-الموقع نفسه .
29-الموقع نفسه.
30-أدونيس : النص القرآني وآفاق الكتابة، ص: 78
31-الخيال الأولي: هو القوة الحيوية والعامل الأول في كل إدراك إنساني، أما الخيال الثانوي فإنه يصطحب دائما بالوعي الإرادي، وهو يتفق مع الخيال الأولي في نوع عمله ولكنه يختلف عنه في درجته وطريقة عمله، لأنه يحلل الأشياء ويؤلف بينها ليخرج من كل ذلك بخلق جديد.
32-ينظر ساعد خميسي : نظرية المعرفة عند ابن عربي، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة ، ط 1 ، 2001 ، ص: 164 .
33-بشير تاوريريت : رحيق الشعرية الحداثية في كتابات النقاد المحترفين والشعراء والنقاد المعاصرين، مطبعة مزوار، الجزائر، ط 1 ، 2006 ، ص: 83 .
34-خالد بلقاسم : أدونيس والخطاب الصوفي ،ص :108
35-حوار خاص مع الشاعر حاورته أ. نهاد مسعي ، بجريدة الجزائر نيوز، العدد:1387 / 29 جويلية 2008 .
36-الوجود ينقسم إلى ثلاث دوائر الأولى عالم المثل والثانية عالم الحس وهو صورة للعالم الأول ، والثالثة عالم الظلال والصور والأعمال الفنية، وبهذا الوضع يكون الفنان بعيدا عن الحقيقة ثلاث خطوات .
37-في عتمة كهف يقع تحت الأرض، جلس أناس مكبلون بالأصفاد قد أداروا ظهورهم إلى مصدر النور، وهم يرون أمام أعينهم على جدار الكهف ظلال أشياء تمر وراء هم فيعكسها النور، فيخيل لهم أن هذه الظلال الواهمة المزيفة هي حقيقة الأشياء ، وتصور هذه القصة الرمزية واقع الإنسان الذي يجول في عالم المحسوسات وتعوقه الحواس عن معرفة الحقيقة برأي أفلاطون، ينظر أحمد ذيب شعبو: في نقد الفكر االأسطوري والرمزي ، المؤسسةالحديثة للكتاب طرابلس ، لبنان ،ط 1، 2006 ، ص: 199
38-إحسان عباس : فن الشعر، دار الشروق للنشر والتوزيع ، الأردن، ط 1،1996 ، ص:22
39-المرجع نفسه ، ص: 22
40-عاطف جودت نصر : الرمز الشعري عند الصوفية ، دار الاندلس، بيروت ، لبنان , ط 3 ،1982 ، ص: 274
41-فاطمة الوهيبي : المكان والجسد والقصيدة ،المركز الثقافي العربي ،المغرب، ط 1، 2005، ص: 156
42-ديوان مرايا الماء ،منشورات وزارة الثقافة، مديرية الفنون والآداب، الجزائر، ط 1،2005 ص:52 .
43-المصدرنفسه , ص: 120
44-المصدر نفسه ,ص: 119
45-المصدر نفسه : ص: 62
46--فاطمة الوهيبي:المكان والجسد والقصيدة، ص :163 .
47-المصدر نفسه: ص:22
48-المصدر نفسه ،ص:86 .
49-المصدر نفسه: ص :132 .
50- المصدر نفسه: ص :121 .
51-المصدر نفسه، ص:87 .
52-المصدر نفسه،ص:78 .
53-فاطمة الوهيبي: المكان والجسد والقصيدة، ص :156
54-ديوان مرايا الماء ، ص:90
55-نقلا عن ملاس مختار: دلالة الأشياء في الشعر العربي الحديث، إصدارات رابطة االإبداع الثقافية ،الجزائر، ط 1 ، 2002، ص:32 .
56-ديوان مرايا الماء، ص:29 .
57-المصدر نفسه، ص:76 .
58- المصدر نفسه، ص:97 .
59- المصدر نفسه، ص:100 .
60- المصدر نفسه، ص:38 .
61- المصدر نفسه، ص:162 .
62- المصدر نفسه، ص:80.
63- المصدر نفسه، ص:67 .
64-فاطمة الوهيبي: المكان والجسد والقصيدة، ص : 166 .
65- ديوان مرايا الماء، ص:109 .
66-فاطمة الوهيبي: المكان والجسد والقصيدة، ص : 162 .
67- ديوان مرايا الماء، ص:114 .
68- المصدر نفسه، ص:114 .
69- المصدر نفسه، ص:67 .
70- المصدر نفسه، ص:68 .
71- فاطمة الوهيبي: المكان والجسد والقصيدة، ص :147 .
72-- ديوان مرايا الماء، ص:15 .
73-أحمد الدلباني:مقام التحول،دار التكوين للنشر والتوزيع ،دمشق،ط1، 2009،ص:173 .
74- ديوان مرايا الماء، ص:100 .
75- المصدر نفسه، ص:58 .
76- المصدر نفسه، ص:74 .
77- المصدر نفسه، ص:31 .
78- المصدر نفسه، ص:109 .
79- المصدر نفسه، ص:121 .
80-غالية خوجة:قلق النص محارق الحداثة،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت، ط1 ، 2003 ،ص:73 .
81- أحمد الدلباني:مقام التحول، ص:176 .
82-التجسيد تشبيه الأشياء المطلقة والمجردة والمشاهدة بجسد الإنسان بكل مايضمه جسده من أعضاء وأحشاء ،بينما يعني مصطلح الأنسنة إضفاء بعض الصفات الخاصة بالإنسان على بعض العوالم المطلقة أو المجردة مثل الصفات الإلهية والأخلاق والشمائل،ينظر محمد مفتاح:رؤيا التماثل ،ص:35 .
83- ديوان مرايا الماء، ص:37 .
84- أحمد الدلباني:مقام التحول، ص:172 .
85-الحوار السابق مع الشاعر بجريدة الجزائر نيوز ،حوارأ نهاد مسعي.
86- ديوان مرايا الماء، ص:37 .
87- أحمد الدلباني:مقام التحول، ص:176 .
88- ديوان مرايا الماء، ص:39 .
-89-عبد الحفيظ جلولي :شاعرية الذات في تحولات فاجعة الماء،مجلة عمان ،الأردن،العدد 145 /تموز 2007 ، ص : 65 .
90-محمد مفتاح : رؤيا التماثل ،المركز الثقافي العربي، المغرب ،ط 1، 2005 ، ص: 05 .
91- تمثيلا بقول الشاعر : أنا نسخة الأكوان أدمج خطها فسر ذوي التحقيق في طي أوراقي
92- مجاهد عبد المنعم مجاهد : جماليات الشعر المعاصر ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، القاهر ط1 ، 1997، ص: 41
93- ديوان مرايا الماء ، ص : 70
94-إن الجامع بين المتضادات (في فلسفة انتظام الكون) هو التناغم بالسريان ،سريان المحبة أو الجمال أو الجلال أو الكمال ،والسريان يكون في كل مخلوق بحسب استعداده ،السريان إذن هو الواسطة بين المخلوقات ،المحبة واسطة بين المحب والمحبوب ،كما أن الظل واسطة بين الظل والشيء. ينظر محمد مفتاح :رؤيا التماثل، ص:235 .
95- المصد ر نفسه ، ص: 25 .
96- المصدر نفسه ،ص:22
97- المصدر نفسه ، ص: 67
98- المصدر نفسه ، ص: 15
99- المصدر نفسه ، ص: 28
100- المصدر نفسه ،ص: 77
101-المصدر نفسه ،ص:138 .
102-المصدر نفسه،ص:59 .
103-المصدر نفسه،ص:47 .
104-المصدر نفسه،ص:47 .
105-المصدر نفسه،ص:49 .
106-المصدر نفسه،ص:48 .
107-المصدر نفسه،ص:43 .
108-المصدر نفسه،ص:41 .
109-المصدر نفسه،ص:49 .
110-عبد العزيز بومسهولي:الشعر الوجود الزمان ،ص:25 .
111-ينظر حسناء بروش: الشعرية في ديوان مفرد بصيغة الجمع لأدونيس،رسالة ماجستير،إشراف الدكتوربشير تاوريريت ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة،2007/2008 ،ص:88 .
بقلم : الاستاذة حسناء بروش
[ شوهد : 708 مرة ]
ان الحديث عن شعرية المتخيل/المتحول في ديوان مراياالماء" هو حديث من دون شك على المسافة الفارقة بين عالمين، عالم الكتابة وعالم التجربة اللذين يشكلان بدورهما عالما شعريا خاصا هو عالم الرؤيا، والسؤال المطروح في هذا المستوى: كيف تتشكل هذه العوالم الشعرية الثابتة في ظل هذه التحولات المتخيلة اللغة الوعي؟ وهل ثمة مسافة فارقة بين المتخيل والمتحول في آن؟ أو بعبارة أخرى كيف يحضر هذا المتخيل في المتحول الذي يتحول باستمرار؟ وهل ثمة فرضية أخرى تمكننا من الإمساك بهذه القوى المتحولة التي تضمن للمتخيل وجوده الخاص.
من هذا المنطلق إذن وقع اختيارنا في هذه المداخلة العلمية على محوري المتخيل/ المتحول، انتقالا من مشروعية الكتابة وواقع التجربة انتهاء بأولية التخييل/ الرؤيا باعتباره القوة الرؤياوية التي تستشف ماوراء الواقع فيما تحتضن الواقع كما يقول أدونيس، وهو بحث في الوقت نفسه عن كيفية تجذر الوعي في المتخيل الكتابي، انطلاقا من فعالية الكتابة ذاتها في الوعي التخييلي الذي يضمن لهذا المتحول مشروعيته الحقة والممكنة في آن.
1- المتخيل و مشروعية التحويل:
ينفتح الخيال ا نفتاحا كليا وشموليا، بوصفه وجودا ميتافزيقيا، على عوالم الوجود نفسه
ا نطلاقا من مبدأ السريان(1)، ومن نظرية ابن عر بي تحد يدا التي ترى بأن (الو جود خيال في خيال) ،وقدرة فعل الخيال على إنتاج المعرفة، إنما تتأتى من برز خيته أي من جمعه بين الحس والعقل(2) .
يقول ابن عر بي: "فالخيال لا موجود ولامعد وم ولامعلوم ولامجهول ولامنفي ولامثبت ،كما يدرك الإنسان صورته في المرآة، يعلم قطعا أنه أدرك صورته بوجه، ويعلم قطعا أنه ما أدرك صورته بوجه"(3).
فالخيال إذن برزخ بين المدرك واللامدرك، والحد الجامع بين عالمين أو حالين أو مرتبتين أوصفتين، وقد اقترن تعريف المتخيل أساسا بمصطلح الإدراك، لذلك فقد اعتبر التخييل(4) قديما أداة إدراك فاسدة، لارتباطه بالحس أولا ومن ثم فهو مهدد بأخطاء هذا الأخير، الذي يعتريه الكثير من اللبس والنقصان أثناء تحقيق المعرفة أو إثباتها.
ويرجع اهتمام الفلاسفة العرب بالمخيلة "ضمن انشغالهم بقوى الإدراك، التي ميزوا فيها بين قوى الإدراك من الخارج والقوى الباطنية "،(5) مدرجين إياها ضمن الصراع بين النفس والعقل، لينتهوا في الأخير إلى ضرورة إلجام المخيلة بالعقل لأن تعقلها يكبح جموحها وانسياقها وراء النفس. (6 )
بينماينحى مصطلح الخيال منحى آخر مهما لدى الصوفية، مستمدا قيمته من وضعية العقل لديهم باعتباره عا جزا أمام معرفة حقائق الوجود، لذلك"فقد استبعد ته في معرفة الله وأولت أهمية مخصوصة للخيال في معرفة الوجود والمطلق ".(7)
والرؤيا بوصفها خيالا( بتعبير ابن عربي "طاقة ابتكار للأشياء والصور لا تتجلى أبعاد الباطن إلا بها".(9)
من هنا كان لزاما على الرائي المستكشف لأبعاد هذا الواقع المتخيل/الرؤيا (بما أننا لاندرك الرؤيا إلا بالرؤيا)، أن يميز بين رؤيتين(10) "الرؤية البصرية الاعتيادية عند أدباء العامة وعلماء الظاهر، والرؤيا الاستبصارية التي يغدو من خلالها العالم وجودا حركيا ناطقا "(11) ،أي بمعنى رؤيا عبورية تحولية تكشف بوساطتها مغالق الوجود المتخيل/ المتحول في آن، مرورا بعين الخيال(12) أوعين القلب لا بعين الحس، لما فيهما من تغير وحركية" فالتغير هو مقياس الكشف، ومن هنا يظل العالم في نظر الرائي الكاشف في حركة مستمرة وتغير مستمر،" (13)إضافة إلى ذلك كله فهي "تدعو إلى تكسيرالجمود في الرؤية ذاتها ،وتوظيف الكفاءة التخييلية التي تستكشف أبعاد العالم الحي بتعبير ريكورأو الوجود الناطق بتعبير باشلار وابن عربي أيضا. (14)
ولحصول هذه الرؤية المتجددة لابد أولا من أن نحررالصورمن رتابتها، لأن الصورة المعتادة كمايقول باشلار تقتل القوة المخيلة، علىاعتبارأن العادة هي نقيض الخيال المبدع(15)
وأن الألفة تقتل الملا حظة كما في عرف ابن خلدون أيضا، والخيال المبدع هوذلك الشعورالمتفرد بالجمال الذي لاتكتمل صورته حتى وإن امتزجت بصورالجمال الأخرى.
فشعريةالجمال(16) أو علم جمال الشعر "ليس علم جمال الثابت و إنماهوعلم جمال المتغير" (17) الذي يحتكم إلىالديناميكية بمعناها الوا سع "والديناميكية في رأي باشلار هي وليدة اللغة نفسها وليست وليدة واقع استحالةا لتعبير (...) ومن ثم فما يسميه باشلار ب l indicible تعذر التعبير،هوعائق ابستمولوجي يدعونا إلى تكسيره"(18) معارضا بذلك رأي برغسون الذي يرى بأن الكلمات هي مقبرة الطا قات الشعورية للذوات ككل.
ولتشغيل هذه الديناميكية الشعرية لابد أولا من" ترك الصور التقليدية التي فقدت سلطاتها التخييلية، بفعل تداولها المتكرر وعدم قدرتها على الإيحاء الدال على التجدد" مع ضرورة"الإلتفات إلى صور جديدة بالكامل، تحيا بحياة اللغة الحية"مع اعتبارية التخلي عن"الصور الساكنة ،الصورالمكونة تلك التي أصبحت كلمات ثابتة بشكل عام".(19)
فالشعرالمزود بمثل هذه الصفات كمايقول باشلارفي كتابه الخيال والحركية ،أي ذلك الذي" يشتمل علىهذه الصور الأدبية يصير فجأة رسالة حميمية بالنسبةإلينا، رسالة تلعب دورا أساسيا في حياتنا فتعيد إليها الحيوية، فعن طريقه يرقى القول ،الكلمة ،الأدب ،إلى صف الخيال المبدع بلجوء الفكرإلى صور جديدة للتعبير يثري نفسه ويثري اللغة"(20)
فإبداعية المتخيل إذن تكمن في إخراج اللغة من الوجود المخزون إلى الوجود المرئي، عبر تشغيل آلية الخيال، من هنا فقط "تظهر قوة حركية الخيال ودوره في تحويل المتعذر الإفصاح عنه إلى إمكانية مفتوحة الأبعاد ،على البوح على قول الجديد وإنتاج الصور المتوقدة التي تصدمنا ".(21)
وهذا لا يتأتى كما يقول باشلار في كتابه السابق إلا بالبحث "في جميع الكلمات عن تحرقات الغيرية ،عن تحرقات المعنى الازدواجي ،عن تحرقات المجاز، بصفة عامة يدعو باشلار إلى إحصاء جميع التحرقات التي تتطلع إلى مغادرة مانراه ومانقوله لصالح ما نتخيله، وبهذه الطريقة سنعيد إلى الخيال دوره الإغرائي وبواسطته سنغادر السير العادي للأشياء "،(22) وذلك بحثا عن طبيعة هذا المتخيل الذي تحركه فينا هذه الصور، خاصة إذا جاز في اعتبارنا أن الخيال هو قانون التعبير بامتياز، "فالشعر بماهو لغة هو حركة صوتية يتجسد فيها الخيال، يتشخصن في كينونته، وفي الشعر ينفتح الوجود فيتخد حالة الظهور الكاشف للكينونة الأصلية "،(23)، وهو الشيء نفسه الذي دفع باشلار في كتابه شاعرية أحلام اليقظة إلى التأكيد على تلك التواشجات الرابطة بين الأنيما ،(24)لحظة الإبداع، واللحظة الشعرية عبر منهج ظاهراتي لدراسة موضوع التخيل الشاعري كونه وعي مستقل، وهذا يعني أن هدف علم الظاهرتية هو جعل عملية الوعي حاضرة، وهذا الهدف لا يختلف كثيرا عن الظاهراتية التي أوجدها هوسرل edmont husserl والمحددة إجماعا في قصدية الوعي الذي يتجه إلى موضوع ما، ويعتقد باشلار" بأن كل وعي بشيء ماهو إلا نمو للوعي وإضافة جديدة لتقوية التماسك الإنساني ،إذن في كل وعي بالشيء يوجد تراكم نمو لكينونة الإنسان، وإن هذا الوعي هو عمل يظهر في اللغة الشعرية، فإضافة كلمات جديدة على اللغة هو نشاط ينمو فيه وعي المتكلم "(25) والوعي المتخيل على السواء
"فالتأملات الشاردة وبالذات الشعرية منها يجب أن تكتب ولا تسرد كالحلم، ولا يمكن أن تكتب إذا لم نعد تخيلها ونعيشها من جديد بنفس بكوريتها وحرارتها وبنفس الاندهاش والانفعال الأول "(26)
وهذا ما يدل على المشاركة العميقة للذات في سيرورة التخيل الخلاق ،يقول باشلار" وكأن القصيدة بغزارتها وغناها توقظ أعماق جديدة في دواخلنا ،إن الترددات تخلق يقظة حقيقية للإبداع الشعري حتى في روح القارئ عندما يحاول ترجيع صورة شعرية واحدة ،ومن خلا ل تفردها وبكوريتها تدفع الصورة الشعرية آلية اللغة والحركة ،إن الصورة الشعرية تضعنا على باب مصدر الوجود الناطق"(27)
ولاكتمال هذه الحركية الصورية واللغوية في آن، لابد من توافر آليات عدة من بينها: "أن تكون الصور أصلية originale غير مكررة تحمل براءتها وتفردها ولم تتحول إلى كليشة مملة " مع ضرورة "إدراك كينونة الصورة الشاعرية باعتبارها تمتلك كينونتها الأصلية والخاصة"وذلك بغية "مضاعفة غبطة (لذة) الاندهاش والإثارة ،ومايضفيه باشلارعلىالغبطة هذه هو أن الشعر إضافة إلى كونه يثير الاندهاش، فإن هناك غبطة الكلام ومتعة القراءة التي تجعل الإنسان متأملا في وجود لا متناهي "
وهذه المتعة من شأنها أن تجعل تفاعلنا ومشاركتنا في صيرورة التخيل الخلاق عميقة، شرط "ألا يكون انبهارنا بالصور الشعرية التي لم ندركها ولم نتخيلها سابقا ذات طبيعة استسلامية، لذلك فإن ظاهرية الصورة تتطلب منا تكثيف ووضوح المشاركة في التحليل الخلاق ".(28)
والاستسلام هنا يعني أن يكون المتلقي سلبيا مقابل ايجابية هذه الصور التأملية الشعرية الشاردة، وهذا ماتطرق إليه غاستون باشلار في كتابه جماليات المكان في حديث آخر عن جماليات الصورة حيث يقول "إنسان آخر منحني هذه الصورة، ولكنني أشعر أنه كان بإمكاني أن أخلقها أنا بل كان علي أن أخلقها بالفعل ،إن الصورة تصبح وجودا جديدا في لغتي وتعبر عني بإحالتي إلى ما تعبر عنه هنا يخلق مثل هذا التعبير الوجود "(29) كما يتجلى للخيال الذي من شأنه "التبدل في كل حال والظهور في كل صورة "(30)
بحثا عن لغة أخرى تستمد شعريتها من لغة الخيال ذاته وهو ماكشف عنه كولريدج (Samuel taylor-coleridge)في نظريته التي تقوم على المبدأ العام الذي يربط الحقيقة بالخيال، وذلك من خلال تقسيمه الخيال إلى خيال أولي وخيال ثانوي شعري (31)
وهذا النوع الشعري من الخيال ليس مجرد نسخ reproduction لعالم المدركات الحسية، وإنما هو تصور لما ترمز إليه هذه المدركات مما يرتفع به إلى عالم المثل الأفلاطوني، باعتباره (الخيال) "قوة حيوية خلاقة في تركيب الصور وتفكيكها وكذا إبداعها، محولا الواقع إلى مثال على اعتبار اْن ميدان الخيال عنده هو المتغير المطلق، (32)
وهو ما يقودنا إلى الحديث عن وظيفة الخيال عند بودلير الذي لا يختلف كثيرا عما ذهب إليه كولريدج ،ويتجلى بوضوح أكثر من خلا ل قدرة الخيال على خلط وظائف الأشياء، مع ضرورة تفكيكها لإعادة خلقها وتجميعها من جديد بوساطة نسق من الصور.
أما ما يصطلح عليه باسم تراسل الحواس التي يتم فيها خلع مدركات كل حاسة على حاسة أخرى، فمن شأنه أن يجعل الشاعر على استعداد دائم للإبصار كما يقول رامبو، وهو ما أسماه
( بكيمياء الفعل) "أي تحرير الخيال من العقل والمادة عن طريق استغلال القيم الانفعالية والصوتية الماثلة في الحروف "(33).
هذه إذن باختصار بوادر رؤية شعرية للخيال ،كما نظر لذلك باشلار وابن عربي خصوصا في نظرية الخيال "وما أنتجته من معارف لها أن تفيد شعرية المتخيل راهنا إذا أعيد بناؤها في ضوء التصورات الحديثة "(34)،التي تتراءى من خلالها صيرورة الكينونة الإبداعية التواقة إلى الشعرية والخلق.
2-المتخيل ومشروعية الانتظام :
يشغل المتخيل حيزا معرفيا عميقا في بناء الوعي المتخيل ،الذي يستلزم بدوره ِِإنتاج معرفة متخلخلة باستمرار حتى يضمن فعاليته المتحولة والمنتجة في آن ،على أن التخيل كفعل كما يقول باشلار ليس ملكة تكوين الصور بل هو ملكة تغيير الصور التي يقدمها الإدراك، حيث تتفاعل من خلاله الموجودات، وتتباين الأمزجة، وتتغاير العوالم والتصورات ،حتى تخوم التحولات الضاربة في امتدادات هذا الوعي .
والمتأمل في ديوان "مرايا الماء" لعبد الحميد شكيل يلاحظ تلازم كلا من المتخيل والمتحول في كتابته بشكل عام، على اعتبار أن الشعر "هو الأبعاد في تحولاتها وأحوالها المرئية والفزيقية "،(35)والمنتظمة بدورها من خلال اعتماده على مرجعيات الانعكاس والتذويت والتأثيث.
2-1-الانعكاس/ الامرتداد/ شهوة الزوغان:
يتموضع مصطلح الانعكاس بمعناه الافتراضي في الدائرة الثالثة للوجود أي (عالم الظلال) (36) بتعبير أفلاطون، فيما يأخد منحى ِآخر مهما عند حديثنا عن الكهف الأفلاطوني الشهير(37) باعتباره تشويشا لمدركات المعرفة والوعي.
كما يعد أفلاطون "أول من ربط بين الشعر والمرآة، لأن هذا الربط كان يخدم غرضه في تصور الشعر نوعا من الظل أو الانعكاس "(38) لأنه يحاكي أشياء الطبيعة الناقصة المقلدة لعالم المثل.
ويذهب ليوناردو أبعد من ذلك حين يقول:"إن عقل الفنان لابد أن يكون كالمرآة التي تتلبس لونا ما، تعكس وتمتلئ بالصور بمقدار ما يكون أمامها من أجسام "،(39) وهذا ما يجعل للمتخيل/ الفن بعدا تحوليا مرآويا عاكسا يتأرجح بين الحقيقة والمثال.
والحديث عن مرجعية الانعكاس/ الا مرتداد في ديوان "مرايا الماء" يتحتم علينا الوقوف على دلالة الماء، ذلك أنه "أصل الأركان والعناصر والطبيعة بشكل عام وهو الجوهر الذي عده طاليس أساسا للكون "(40) إضافة إلى أن "الماء وجه مرآوي قديم (41)
وهيمنة عنصر الماء في ديوان "مرايا الماء"يدل على مركزية الذات العارفة المتوحدة في مقاماتها العلوية: ومادرى بأن الماء سيد المقام(42) حيث تشغل الكينونة عبر آلية الامتداد والارتداد (البسط وإعادة التجميع ):
جسدي ياأبي ماء أجاج. (43) البسط/ الامتداد الامتداد الذات
أتوارى خلف جسد الماء(44.) إعادة التجميع /الارتداد الماء الارتداد
دخولا في عوالم التوحد/المناجزة ، حيث يبتدئ التكوين (تكوين الذات ) ، والاشتغال (اشتغال الصيرورة الخالقة) ، عبر خاصية التفجر (نزوعا نحو خاصية الماء):
من مساحة يدي الامتدا د
تنبع الأ نهار والجداول. (45)
وصولا إلى لحظة الخلق/ المجاوزة "حيث مرحلة الخلق هي مرحلة مرآة تعي فيها الذات نفسها كموضوع ،وتعي ذاتها كذات خالقة فاعلة"(46). في صيرورة الوعي المتحول :
أسوي الماء بفتنته الارتدا د
وأسوق الريح إلى الأوجار(47)
وحيث يأخذ الماء أبعاد الذات وخصوصياتها المستديمة: الغواية/ العذابات /الشبقية/ الخطيئة/ الطهر:
سدرة الذي حرض الماء على الغواية (48) / تدفعني كرها صوب عذابات الماء(49)/ تطلع من شبق الماء المسوم برذاذ الأقحوان(50)/ من يغسل المرايا من رفث الماء(51) . الامتداد
تأخد الذات وجهة الماء الرابض خلف أكمة الرغبات:
عندما يقرع النرجس أجراس رغبته
أتوارى خلف أكمة الماء الارتداد
وأسمي المكامن السرية: بداية عصر الرغبات (52).
والرغبة في التخفي (خلف أكمة الماء)، يعادل الرغبة في الظهور مادام"الماء أول المرايا قبل أن يصنع الإنسان المرآة"(53) ،وهو مايدفع بالذات إلى الثورة على سكونية الذات نفسها :أخرجني من ملكوت الماء(54). الارتدا د
وعنصر الذات /الماء عنصر إفراغ وملء كما يعبر باشلار "فإن قبل الماء لم يكن يوجد شيء وفوق الماء لايوجد شيء ، الماء هو كل العالم هو كينونة النشاط"(55)الذي تستمد منه الذات وجودها:
كيما تطلع رملية الأعطاف
بيضاء بيضاء بيضاء
مسومة بزيت الزنجبيل
ورؤى الأغاني التي شحبت في التحول الامتدا د
وانتهت إلى شجر الماء الذي يصاعد عاليا
كيما يغمر وهج التويج(56).
وبارتواء الباطن/الذات ينفتح الظاهر/الجسد على عوالم الإشراق /الوهج:
ياجسدي المعنى
أشرق بينابيع الفتوح(57). الامتدا د
حيث تركن فواتح المطلق/الرؤيا في امتدادات الأنا وفيوضات المعنى :
هو الآن يناجز ألق الرؤيا (58)/بهجة المرايا التي أبدعت غيث الفراغ(59).
ومن ثم تستباح الذات على مشارف المعنى/القصيدة : وتشربني الجموع(60) / وقالوا إن القصائد لا تنتهي سوى إلى وفرة الماء الذي ألبسوه شهوة الزوغان(61). أقصى درجات الامتدا د
حيث تلوح القصائد المائية مترعة بفيض الذات وتحولاتها : ياقصيدتي المائية(62)، ممدودة في عوالم القصيدة /المرآة: أتهجى مراياي(63) . الامتدا د
"والقصيدة /المرآة تضاعف الذات وتكثرها ومن هنا فهي أيضا تعيد إنتاج الذات "(64) .
وإعادة إنتاج الذات يعبر عن ارتجاجات الذات المقيمة على عرش التحولات/ الماء: أغيثيني كي لا أسقط في ارتجاج الماء (65) بوصفها مرآة الوجود التي يتأمل فيها الشاعر ذاته ويتحول من خلالها إلى موضوع ، إنها الماء الخاص ، المرآة الأولى القديمة، وبوح النفس إذ تتجلى وتتراءى ، إنها الرؤية والرؤيا معا إذ تلوح في فضاء الروح والفكر فيسكبها الشاعر وينعكس معها وبها وفيها(66).
مرايا الماء إذن رؤى الذات العالقة بأشرعة التحول :
العدم/ الوجود
الوجود/ العدم ارتدا د
مرايا الخيل الطالعة من طفح الذات(67) .
زوغان الذات داخل ذاتها ، حيث خيالات الأشياء/ مرايا التحول/ تعالقات الرؤى/احتمالات الخلق/ امتدادات الوجود /ارتدادات المعنى :
حمأ القيظ الذي حاصر الماء
وتمدد في اتساع العروة ارتداد
كلها لم تعد تتسع لانبهاق الجسد(68).
وسرعان ما يكشف التولي إلى( وحشة الظل) الهروب من المواجهة، حيث تتجلى من خلالها صورة الذات المتشظية بتشظي الواقع/ الحلم/ الرغبة/ الكتابة ، نزوعا إلى عالم المثال /الظل الذي تحتضن فيه الذات ذاتها المشروخة: أرتدي جسدي(69).
في الشتاء ألبس بردة ذاتي
في الربيع أتحلى بخرير المياه(70). أقصى درجات الارتدا د
وعبرهذه التشكلات/ التشظيات تتشكل متاهات الرؤية إلى الآخر/ الذات / العالم /الواقع ، التي تتكشف من خلال آلية التلامح/ المواجهة/ الارتداد/ الامتداد، على مرايا الذات/ الماء حيث تنبثق فيوضات الفراغ/ الكتابة من فراغية الذات ذاتها، ذلك أن" المواجهة مع المرآة هي مواجهة مع الآخر مثلما هي مواجهة مع الذات"(71)، والآخر ليس إلا الأنا في أوضح معانيها .
ومن ثم العودة إلى مركزية الذات، مرايا الماء/ صورة الصورة على تعدد مراياها واختلافيتها،وتجادبها وتنافرها، لكن انعكاسها هذه المرة يبدأ من جهة الريح / الارتداد، وقبل أن( نجيء امتدادا) : نعتلي صهوة الريح(72) حتى يتحقق الانتظام( انتظام الذات /الآخر) على السواء.
2-2-انتظامية ا لتأ نيث/ مقام الزمن المذوت:
يحتكم عبد الحميد شكيل في ديوانه" مرايا الماء" إلى آلية ا لترميز (ترميزالكينونة) سعيا منه إلى ربط معطيات الوجود/ الواقع بالوجود المتخيل، الذي ينفتح على عوالم التأسيس/ الرؤيا، حيث" يخرج مفهوم ا لشعر من خلالها عن مهمة حراسة المعنى المكرس، إلى مهمة ا لتأسيس لمعنى يقود المسيرة الحضارية للإنسان"(73)،
والمتمثلة إجماعا في قدرة فعل الشعر على تمديد أبعاد هذه الصيرورة الكينونية المتخيلة في ا نتظامات الوعي الحاضر، وا لخروج من الزمن المؤسس/ الذات/ الواقع، إلى زمن تتلاشى فيه الأبعاد/ الوقت/ المتخيل/ ا لعماء بلفظ ابن عربي عبرانتظامية ا لتذويت:
هوالآن منهمك في توشية كتاب الذات(74)، والذي يتضمن بدوره( فاتحة لكتاب الوقت) حيث تتغاير إسقاطات الذات على كينونة العوالم والاشياء والزمن:
وأنحني لقامة المساء(75)/ والصباح يتمدد في الدروب المتربة(76)/ كيما لا ألج الهزيع الأخير(77)/ الوقت ماء الماء وقت (78) / يعتلي جسدي مساء ا لصباح الأخير(79).
"هذه الإسقاطات تمنح صدمتها للتخطي المعكوس من المجرد إلى المجسد ومن المجسد إلى المجرد"(80) بفعل مبدأ الانتظام المتمثل في الخروج من زمن الذات /الصمت إلى الزمن المطلق( الوجود الناطق) بتعبير ابن عربي، إيمانا منه أن سر الحياة في جميع الموجودات
فالدخول في الزمن إذن( زمن الوجود المطلق) كعنصر وجودي ، دخول في زمنيه الذات المتحولة باستمرار وهو ما يكشف عن حركيتها الدائمة في ا لعثور على وجودها، وهو ما يعني بشكل أو بآخر افتقاد الآخر/ الذات .
ولأن الذات مركزية هذا الوجود، فقد وجب التأسيس لانتظامية الذات عبر خلخلة الثابت، وتفعيل الحركة في كل الموجودات/ عناصر الذات( بما فيها الزمان والمكان) ، وذلك من خلال الالتجاء إلى التذويت كعنصر تفعيل وإسقاط في خلق مسافة الذات، مادام البحث في ذات الشيء هو بحث في مطلق الوجود " وا لشعر بما هو لغة جديدة تمد جسورا إلىاللامرئي من أجل تأسيس علاقات جديدة مع الوجود والحقيقة"(81).
وحيث يصير التذويت فعلا جامعا في كليته لمعنيي التجسيد و الأنسنة(82) القائم على مبدأ التداخل المستمر واللامنتاهي بمستويات الترميز و الوعي، يصير الواقع المتخيل ذاتا ناطقة بكل أحول الذات وأبعادها وتحولاتها حسا ومعنى :
يخرج الطفل نوفمبروت
يبدع المدن الجديدة
يشرع للماء بابا من فتون (83)
والبحث في حقيقة الواقع المتخيل( نوفمبروت) لايتأتى لنا إلا من خلال النبش في حفريات الواقع/ الرمز والواقع/ الأسطورة "من هنا كان الإبداع الإنساني في أعمق صوره إبداعا مستمرا وخلاقا لللأساطير ، التي تضيء كهف العالم وترسم الطريق ، هذا يشير إلى أن الكينونة التاريخية في حاجة دوما إلى الشعر بمفهومه الواسع، بما هو علامة على الطريق وإشارة في العتمة "(84)
وتحويل المتخيل إلى رمز إنما هو ترسيخ لمبدأ الكينونة وإثباتها، ليس من جانب التذويت فحسب وإنما من خلال خاصية التأنيث ، احتكاما إلى قول ابن عربي (كل مكان لا يؤنث لايعول عليه)
أي أن" كل معنى لا يحمل صفة المؤنث لايعول عليه في تحقيق المعنى و مقارباته"(85).
حيث يكتسب المتخيل (نوفمبروت) شرعيته وقدسيته الخاصة عبر تاء التذويت، قياسا إلى تمارت ، أفروديت ، عشتروت، إلهة الحب والجمال فكذلك (نوفمبروت ) إله الثورة والحرية والجبروت باعتباره سيد الأزمنة والزمن الفاصل بين العبودية والحرية، وبالتالى تتجسد مقامات العروج من الزمن/ الواقع نوفمبر إلى الذات المتخيلة ( نوفمبروت )كما يلي :
نوفمبروت المثال/المطلق/الرمز
الثابت
المتخيل
الامتداد
نوفمبروت الواقع المتخيل/الأسطورة
الواقع المتحول
نوفمبر الواقع /الثورة
أي انتقالا من زمن الأسطورة/ نوفمبر إلى أسطورة الزمن/ نوفمبروت الطفل الذي لا يشيخ ( ولا يهرم و لا يموت)، نوفمبروت الذاكرة/ المثال/ الخلق/ الرمز والالتجاء إلى الأسطورة إنما يدل على رغبة الشاعر في الإبقاء على قدسية الزمن المتحول نوفمبروت ، بغية تثبيتها في عوالم المثل خروجا بها من عالم الحس والظلال :
ويجيء الوطن المرتجى
سماء صافية
نبع ماء من حليب
نساء كزهو البروق
حدائق من ياقوت
جنات من سطوع .(86)
ففعل التذويت إذن ليس فعلا اعتباطيا ، وإنما هو فعل واع بغرض البحث عن معنى أوسع وأشمل بغية تمديد هذا الواقع المتخيل ، والخروج بالزمن إلى أفق المطلق وعالم الأسطورة/ المثال، حيث يضمن خصوصيته المقدسة التي لاينالها التغيير والتحويل، وهذا يقتضي من الشاعر تحولا في ا لقول تماما كما أحدث الزمن نوفمبر تحولا في أزمنة الواقع، وثورة" في توليد المعنى من التجربة التاريخية والحضارية "(87) والذي يغدو بشكل أو بآخر رمز التحول : مطلع الشمس الجديدة(88).
وهو الشيء نفسه الذي يخرج بالزمن نوفمبروت من دائرة الذات إلى أفق الإنسان، ومن كونيه الواحد إلى عوالم المتعدد/ الرمز/ الأسطورة باعتباره المحول والمتحول في آن .
3-2- انتظامية التأثيث/مقام التناغم بالفوضى:
يعتمد المتخيل أساسا على قوى تحولية انتظامية ، لالإرتباطه بطريقة ما بنظام فوق الطبيعة فحسب ، وإنما لا حتكامه إلى مبدأ الوعي حيث يتجذر الخلق وتتنامى كينونة الذات" والوعي بالشيء يعني إعادة ترتيبه ضمن مجال الإدراك ، أي تغيير الرؤية إليه مما يكون دافعا إلى تحولية في مستويات غير مألوفة." (89)
وهذه التحولية اللامألوفة هي التي تخرج بالمتخيل من جاهزيته ، إلى نطاق تأسيسي واع معتمدا على رؤية الذات المتفردة للعوالم المحسوسة والمجردة ، باعتبارها موضوعة مركزية في إشتغال المتخيل من الأساس.
ولأن "العالم يحتوي على أكوان منتظمة ،مترتبة ،مترابطة بمبادىء متعددة "،(90) فإن الشاعر بوصفه نسخة الأكوان (91)، أو كونا صغيرا يحاكي الكون الكبير، أي بفعل هذا الانتظام " ليس له اعتراض على الكون الموجود لكنه معترض على طريقة تنظيمه، إنه يقبل الخلق لكنه يرفض الهندسة ، ولهذا فهو عادة مايعيد ترتيب الجزئيات، وهو في إعادته لهذا الترتيب يمنح الأشياء معنى جديدا هو معناه ،وفي هذا المعنى الجديد يمكن تحديه هو للعالم المخلوق من قبله"(92).
وما من شك في أن هذه الإعادة التي تفرضها الذات المرتبة ، تحتكم إلى واسطة التناغم بالفوضى : أتحسس فوضاي التي افترعت في الزحام (93).
بغية تشويش النظام المؤسس عن طريق السريان(94) (سريان الذات) في الوعي المتخيل بحثا عن مفتتح الفوضى الجزافي /الريح :
لا أحد يفتح شهوته هذا الصباح
ويسرع باتجاه ريح الوقت،(95) .
ولتحقيق هذه الفوضوية المنتظمة لابد من تكسير مرايا الانتظام ، حيث تسرج فوضى الوجود ريثما ترتب الذات وجودها ترتيبا يليق بفوضاها ( فوضى الانتظام ):
ألا أحد
اليوم يسرج صهوة هذا الريح
ويطلقني مهرا أصهل في غابات الشيح،(96) .
مولية إياها شطر الترتيب /التأثيت /الانتظام /إعادة تجميع :
أرتب فوضى الأحلام(97) / كيما نؤثث القيظ الوالغ في ردأ الجوهرة (98)
لملمت ما تبقى من دمي المتناثر على رمل الطريق،(99) .
عندما ألملم متع المرايا وأرتبها في خانة المقتتنيات السرية (100).
وهذا الترتيب المشوش يجسد بصورة أكثر ديناميكية ،بحث المرتب/ الشاعر عن يوتوبيا الذات هروبا من تراجيديا الترتيب الوجودي :
المدى المتوازي في رتيب العنكبوت(101) /وبيننا مناهج من الأنوثة المعطلة(102) .
وقوفا على أبعاد المكان المتخيل الذي تقصى فيه خرائب الترتيب، ويولد فيه المكان الطالع من رماد الأسطورة :
راس الحمراء أيها الطائر الناري
الناهض أفواجا من رماد الوقت (103)
متجاوزا بذلك أبعاد المكان/ الذات إلى المكان /الإنسان :الصوت المفتوح على الأزمان (104).
يا صوت من مروا ومن عبروا
ومن بالحب خطوا أغنية الإنسان(105).
وخلخلة الانتظام في هذا المستوى يعود إلى رغبة الشاعر في تشكيل المكان البديل :
يامدينة الوقت الآخر(106) / كيما نمرق من جحيم الوقت (107)/ من المدن المرصودة في كتب الخوف (108)/فالرعب الأسود في كل مكان(109).
وذلك من خلال" تكسيرالمكان، جمود المكان وبعده المتشيء ، وجعله ذاتا حوارية ناطقة تجيب نداءات الكائن الشعري وتحفزه على المساءلة الجوهرية للوجود"(110)
والخروج بالمكان إلى أفق المتخيل حيث الوجود المنتظم والفوضى المؤسسة، "مادام الشاعر في اعتراض دائم على كل ماهو ثابت وإن كان هذا الثابت ذاته في الأساس،ولذلك أيضا فهو كائن تحولي خالق لوجوده الذاتي "(111)والإنساني، مستعينا في تحوليته تلك بتيمات (الماء/الوقت/الريح )، ومتخدا في الوقت نفسه سبيل اللغة بوصفها برزخا بين الحقيقة والخيال وبين العالم المرئي والعالم المتخفي، التي تتجادبها ثنائيات الامتداد والارتداد عن طريق النحت والترميز وتشويش النظام .
الهوامش والإحالات:
1-السريان: مبدأ من مبادىء فلسفة انتظام الكون، وفحواه أن النفس الكلية سارية في جميع أجزاء العالم وأشخاصه بالتدبير والصنعة والإحكام، ينظر في مبدأ السريان، ابن عربي: فصوص الحكم، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ص: 155-177 .
2- خالد بلقاسم :أدونيس والخطاب الصوفي، دار توبقال للنشر، المغرب، ط1، 2000 ، ص 108 .
3-محي الدين ابن عربي: الفتوحات المكية، المجلد 1 ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ص: 304
4-مصطلح التخييل مصطلح فلسفي تعرض له أرسطو في كتابه النفس، ومنه انتقل إلى تنظيرات الفلاسفة العرب القدماء كالفارابي وابن سينا، قبل أن يشهد عبوره إلى النقد والبلاغة على يد الناقدين البلاغيين :حازم القرطاجني وعبد القاهر الجرجاني هذا الأخير الذي شغله بحمولاته الفلسفية.
5-جابرعصفور:الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، المركز الثقافي العربي، البيضاء، ط3 ،1992 ،ص27 .
6-خالد بلقاسم اْدونيس والخطاب الصوفي ص: 108
7-المرجع نفسه، ص:108
8-يتداخل مفهوم الرؤيا بالخيال لدى ابن عربي من خلال تعليقه على الآية"هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا "والتي يقول في شرحها: أظهرها في الحس بعدما كانت في صورة الخيال، ينظر محي الدين ابن عربي: فصوص الحكم، ص: 104
9-أدونيس: النص القرآني وآفاق الكتابة، دار الآداب، بيروت ، ط 2، 1993، ص: 273 .
10- تماما كما ميز باشلار في كتابه الخيال والحركية بين الحركة المنقولة عن طريق البصر والحركة المنقولة بواسطة الخيال الدينامي فيقول: يجب علينا الانتباه إلى أن الحركة المنقولة عن طريق البصر ليست منشطة، الحركية البصرية هي حركة سينماتية خالصة (... ) فالمشاركة الوجدانية العرفانية لمادة، هي وحدها التي يمكنها أن تحدد مشاركة نشيطة فعلا، من الممكن تسميتها استقراء ،ينظر عبد العزيز بومسهولي: الشعر الوجود الزمان، افريقيا الشرق، المغرب، ط 1 ،2002 ،ص:31 .
11-المرجع نفسه ، ص: 30
12-الفرق بين رؤية الشيء بعين الحس ورؤيته بعين القلب،هو أن الرائي بالرؤية الأولى إذا نظر إلى الشيء الخارجي يراه ثابتا على صورة واحدة لاتتغير ،أما الرائي بالرؤية الثانية، فإذا نظر إليه لا يستقر على حال ،وإنما يتغير مظهره وإن بقي جوهره ثابتا فتغير الشيء تغيرا مستمرا في نظر الرائي، يدل على أن هذا الرائي يرى بعين القلب لا بعين الحس، ويعني أن رؤياه إنما هي كشف ،ينظرأدونيس:صدمة الحداثة ،دار العودة ،بيروت،ط4 ،1983 ،ص:168 .
13-المرجع نفسه،ص:168
14-عبد العزيز بومسهولي:الشعر الوجود الزمان ،ص:34
15-المرجع نفسه،ص:32
16-وقد تسمى كذلك شعرية الخيال أو شعرية المجاز أو شعرية الحالة أو شعرية التلقي، وهي من الشساعة بما يتيح لها أن تتجاوز النص الأدبي إلى مواطن جمالية في الطبيعة والكون والحياة، ويقترب هذا الإتجاه من شعرية غاستون باشلار التي تشتغل على المتخيل الشعري حيثما وجد في الفضاء أو في أحلام اليقظة ، لكنه يقترن أكثر باسم ميكال دوفران في أثره الشعري الرائد(الشعرية) الذي يسعى إلى تكريس الشعرية بماهي مقولة جمالية
lapoetique comme categorie esthetique
بصفة شمولية عامة تستمد مقوماتها من الشعر والشاعر والطبيعة والأشياء على السواء ، ينظر يوسف وغليسي :الشعريات والسرديات ،قراءة اصطلاحية في الحدود والمفاهيم ،منشورات مخبر السرد العربي ،جامعة منتوري ،قسنطينة،2007 ،ص:138 .
17-أدونيس :صدمة الحداثة ،ص:315.
18-عبد العزيز بومسهولي:الشعر الوجود الزمان ،ص:28.
19-المرجع نفسه،ص:28
20-المرجع نفسه،ص:28
21-المرجع نفسه،ص:29
22-المرجع نفسه، ص:29
23- المرجع نفسه، ص:28
24-أطلق يونج مصطلح الأ نيما animaعلى العنصر المؤنث والأنيموسanimus على العنصر المذكر في النفس الإنسانية سواء كانت رجلا أم امرأة ، فالأنيما أو الأنيموس يمثلان الشخصية الباطنة وهي الشخصية المكملة للشخصية الخارجية، وحيث إن صيغة المذكر الأنيموس تعني مبدأ التفكير والجانب العقلاني ، فان الأنيما تعني مبدأ الحياة ومقر الو جدانات ، ومكان الذات المبدعة حال الإبداع والخلق الفني خاصة، ينظر فاطمة الوهيبي : المكان والجسد والقصيدة /المواجهة وتجليات الذات، المركز الثقافي العربي ، المغرب،ط 1 ،2005 ،ص:24 .
25-فاضل سوداني:التباس التأملات الشاردة في ظاهراتية الصورة الشعرية،الموقع www ahenar org/debat show artسحبت في 09/02/2009 /14:59 .
26-الموقع نفسه.
27-الموقع نفسه .
28-الموقع نفسه .
29-الموقع نفسه.
30-أدونيس : النص القرآني وآفاق الكتابة، ص: 78
31-الخيال الأولي: هو القوة الحيوية والعامل الأول في كل إدراك إنساني، أما الخيال الثانوي فإنه يصطحب دائما بالوعي الإرادي، وهو يتفق مع الخيال الأولي في نوع عمله ولكنه يختلف عنه في درجته وطريقة عمله، لأنه يحلل الأشياء ويؤلف بينها ليخرج من كل ذلك بخلق جديد.
32-ينظر ساعد خميسي : نظرية المعرفة عند ابن عربي، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة ، ط 1 ، 2001 ، ص: 164 .
33-بشير تاوريريت : رحيق الشعرية الحداثية في كتابات النقاد المحترفين والشعراء والنقاد المعاصرين، مطبعة مزوار، الجزائر، ط 1 ، 2006 ، ص: 83 .
34-خالد بلقاسم : أدونيس والخطاب الصوفي ،ص :108
35-حوار خاص مع الشاعر حاورته أ. نهاد مسعي ، بجريدة الجزائر نيوز، العدد:1387 / 29 جويلية 2008 .
36-الوجود ينقسم إلى ثلاث دوائر الأولى عالم المثل والثانية عالم الحس وهو صورة للعالم الأول ، والثالثة عالم الظلال والصور والأعمال الفنية، وبهذا الوضع يكون الفنان بعيدا عن الحقيقة ثلاث خطوات .
37-في عتمة كهف يقع تحت الأرض، جلس أناس مكبلون بالأصفاد قد أداروا ظهورهم إلى مصدر النور، وهم يرون أمام أعينهم على جدار الكهف ظلال أشياء تمر وراء هم فيعكسها النور، فيخيل لهم أن هذه الظلال الواهمة المزيفة هي حقيقة الأشياء ، وتصور هذه القصة الرمزية واقع الإنسان الذي يجول في عالم المحسوسات وتعوقه الحواس عن معرفة الحقيقة برأي أفلاطون، ينظر أحمد ذيب شعبو: في نقد الفكر االأسطوري والرمزي ، المؤسسةالحديثة للكتاب طرابلس ، لبنان ،ط 1، 2006 ، ص: 199
38-إحسان عباس : فن الشعر، دار الشروق للنشر والتوزيع ، الأردن، ط 1،1996 ، ص:22
39-المرجع نفسه ، ص: 22
40-عاطف جودت نصر : الرمز الشعري عند الصوفية ، دار الاندلس، بيروت ، لبنان , ط 3 ،1982 ، ص: 274
41-فاطمة الوهيبي : المكان والجسد والقصيدة ،المركز الثقافي العربي ،المغرب، ط 1، 2005، ص: 156
42-ديوان مرايا الماء ،منشورات وزارة الثقافة، مديرية الفنون والآداب، الجزائر، ط 1،2005 ص:52 .
43-المصدرنفسه , ص: 120
44-المصدر نفسه ,ص: 119
45-المصدر نفسه : ص: 62
46--فاطمة الوهيبي:المكان والجسد والقصيدة، ص :163 .
47-المصدر نفسه: ص:22
48-المصدر نفسه ،ص:86 .
49-المصدر نفسه: ص :132 .
50- المصدر نفسه: ص :121 .
51-المصدر نفسه، ص:87 .
52-المصدر نفسه،ص:78 .
53-فاطمة الوهيبي: المكان والجسد والقصيدة، ص :156
54-ديوان مرايا الماء ، ص:90
55-نقلا عن ملاس مختار: دلالة الأشياء في الشعر العربي الحديث، إصدارات رابطة االإبداع الثقافية ،الجزائر، ط 1 ، 2002، ص:32 .
56-ديوان مرايا الماء، ص:29 .
57-المصدر نفسه، ص:76 .
58- المصدر نفسه، ص:97 .
59- المصدر نفسه، ص:100 .
60- المصدر نفسه، ص:38 .
61- المصدر نفسه، ص:162 .
62- المصدر نفسه، ص:80.
63- المصدر نفسه، ص:67 .
64-فاطمة الوهيبي: المكان والجسد والقصيدة، ص : 166 .
65- ديوان مرايا الماء، ص:109 .
66-فاطمة الوهيبي: المكان والجسد والقصيدة، ص : 162 .
67- ديوان مرايا الماء، ص:114 .
68- المصدر نفسه، ص:114 .
69- المصدر نفسه، ص:67 .
70- المصدر نفسه، ص:68 .
71- فاطمة الوهيبي: المكان والجسد والقصيدة، ص :147 .
72-- ديوان مرايا الماء، ص:15 .
73-أحمد الدلباني:مقام التحول،دار التكوين للنشر والتوزيع ،دمشق،ط1، 2009،ص:173 .
74- ديوان مرايا الماء، ص:100 .
75- المصدر نفسه، ص:58 .
76- المصدر نفسه، ص:74 .
77- المصدر نفسه، ص:31 .
78- المصدر نفسه، ص:109 .
79- المصدر نفسه، ص:121 .
80-غالية خوجة:قلق النص محارق الحداثة،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت، ط1 ، 2003 ،ص:73 .
81- أحمد الدلباني:مقام التحول، ص:176 .
82-التجسيد تشبيه الأشياء المطلقة والمجردة والمشاهدة بجسد الإنسان بكل مايضمه جسده من أعضاء وأحشاء ،بينما يعني مصطلح الأنسنة إضفاء بعض الصفات الخاصة بالإنسان على بعض العوالم المطلقة أو المجردة مثل الصفات الإلهية والأخلاق والشمائل،ينظر محمد مفتاح:رؤيا التماثل ،ص:35 .
83- ديوان مرايا الماء، ص:37 .
84- أحمد الدلباني:مقام التحول، ص:172 .
85-الحوار السابق مع الشاعر بجريدة الجزائر نيوز ،حوارأ نهاد مسعي.
86- ديوان مرايا الماء، ص:37 .
87- أحمد الدلباني:مقام التحول، ص:176 .
88- ديوان مرايا الماء، ص:39 .
-89-عبد الحفيظ جلولي :شاعرية الذات في تحولات فاجعة الماء،مجلة عمان ،الأردن،العدد 145 /تموز 2007 ، ص : 65 .
90-محمد مفتاح : رؤيا التماثل ،المركز الثقافي العربي، المغرب ،ط 1، 2005 ، ص: 05 .
91- تمثيلا بقول الشاعر : أنا نسخة الأكوان أدمج خطها فسر ذوي التحقيق في طي أوراقي
92- مجاهد عبد المنعم مجاهد : جماليات الشعر المعاصر ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، القاهر ط1 ، 1997، ص: 41
93- ديوان مرايا الماء ، ص : 70
94-إن الجامع بين المتضادات (في فلسفة انتظام الكون) هو التناغم بالسريان ،سريان المحبة أو الجمال أو الجلال أو الكمال ،والسريان يكون في كل مخلوق بحسب استعداده ،السريان إذن هو الواسطة بين المخلوقات ،المحبة واسطة بين المحب والمحبوب ،كما أن الظل واسطة بين الظل والشيء. ينظر محمد مفتاح :رؤيا التماثل، ص:235 .
95- المصد ر نفسه ، ص: 25 .
96- المصدر نفسه ،ص:22
97- المصدر نفسه ، ص: 67
98- المصدر نفسه ، ص: 15
99- المصدر نفسه ، ص: 28
100- المصدر نفسه ،ص: 77
101-المصدر نفسه ،ص:138 .
102-المصدر نفسه،ص:59 .
103-المصدر نفسه،ص:47 .
104-المصدر نفسه،ص:47 .
105-المصدر نفسه،ص:49 .
106-المصدر نفسه،ص:48 .
107-المصدر نفسه،ص:43 .
108-المصدر نفسه،ص:41 .
109-المصدر نفسه،ص:49 .
110-عبد العزيز بومسهولي:الشعر الوجود الزمان ،ص:25 .
111-ينظر حسناء بروش: الشعرية في ديوان مفرد بصيغة الجمع لأدونيس،رسالة ماجستير،إشراف الدكتوربشير تاوريريت ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة،2007/2008 ،ص:88 .