وتأتي قصيدة/قصة الدكتور
عبدالرحمن العشماوي "" حكاية فتاة لا تخذل عاشقها "" في هذا السياق فهي
قصيدة شعرية تتوسل مقومات الشعر العربي الأصيل في لغته وموسيقاه وجماليته
وتشكيله.. مع اعتماد آليات السرد واستغلال مكوناته ومقوماته بأصولها..
ان الشاعر عبدالرحمن العشماوي أنجز ملفوظه/مكتوبه الشعري بأدواته التي
صقلها منذ نعومة أظافره بالعطاء المستمر والنفس الطويل والتجربة الدائمة،
وغمرها برؤيته الإبداعية المستقاة من انتمائه للإسلامية والعربية، وأحاطها
بإشعاع من العطاء البلاغي والمكون المجازي والتنويعات الايقاعية
والموسيقية.. مما جعل النص يتوفر على مقومات عالية من درجات الإبلاغية التي
تشد إليها المتلقي بكل تلقائية..
وحين يتوسل نصه الشعري هذا كل تلك الأدوات الأدبية نجد الشاعر يتوغل من
خلاله في فضاء السردية ويجوب أركانها الفضائية، ويطوف دروبها الوصفية
والحوارية، متوشحا بمكوناتها الأساسية في رسم ملامح الشخصية والأحداث
الواقعية.. إن أصوله الفطرية وثقافته الشعرية ودرايته الإبداعية ولمساته
النفسية وكذلك صوره الفنية وإحساساته الموسيقية وتنامي إيقاعاته الدرامية
وسبحاته في الوصفية والحوارية.. كل ذلك خلق حصنا حصينا لدائرة النص وقاه من
الوقوع في السردية الصرفة التي تحيل القصيدة في ذهن المتلقي إلى حكاية
موزونة او تجعلها في عرفه الأدبي عبارة عن قصة مجازية ليس إلا..
إذن فالبناء المحكم والرؤية المتقنة للقصيدة يجعلانها محاطة بهالة شعرية
ممزوجة بإيقاعات موسيقية متنوعة تأخذ بتلابيب المتلقي ولبه فتدفعه إلى
التفاعل معها تفاعلا إيجابيا على الرغم من كونها استخدمت ادوات السرد ونهلت
من معطياته الشيء الكثير، ويلحظ أن هذا العمل من شاعر كبير في حجم الدكتوى
عبدالرحمن العشماوي إنما هو يخدم درامية القصيدة ويعزز بناءها الفني
والدلالي بخلاف ما يلحظه في أغلب ما ينتشر من هذا النوع من الإبداع على
الساحة العربية..
إن ميزة نص العشماوي "حكاية فتاة لا تخذل عاشقها" تتجلى في كونه يجعل
المتلقي لا يستطيع أن يتمكن من تحديد هوية هذا النص في إطار الجنس الأدبي
الصافي، فهل هو مجموعة أبيات شعرية أم هو مجرد قطعة قصصية..؟؟ وذلك لأن
الشاعر استطاع أن يوفر لنصه كل معالم الجودة الشعرية والسردية وأن يلعب على
الحبلين معا بكل فنية وإبداعية وتأثرية جعلت النص مضاعف الأدبية ينهل من
هنا (الشعرية) ومن هناك (السردية)، ويبدأ إشعاع تلك الجودة من العنوان نفسه
الذي تواطأ على صياغته فحلان اثنان هما الشاعر عبدالرحمن العشماوي وابنه
الشاعر أسامة العشماوي واتفقا بشكل أو بآخر على وضعه عتبة أولى لهذه
القصيدة السردية، فكانت في الحقيقة عتبة مثيرة تغري المتلقي على تناول النص
تناولا خاصا، ثم تأسره لقراءته قراءة متأنية ومتابعة سرد أحداثه بانتباه
تام لمعرفة الحدث من أوله إلى نهايته بعقدته وتجلياته وتطوراته..
لقد جمع النص بفضلحنكة صاحبه الذي تفاعل مع الحدث المسرود في الزمان
والمكان بروحانية عالية تركت بصماتها على إيقاعيته مما جعله يجمع بين
الشعرية في أعلى مستوياتها والقصصية في أعلى مستوياتها.. فالمقومات الشعرية
المعروفة واردة، والمشَكّلات السردية المشهورة معتمدة، والربط بينها حاصل
بتقنيات رائعة.. لقد استطاع الشاعر بكل ما أوتي من أدوات أدبية وإبداعية أن
يخلق في قصيدته السردية دينامية وحيوية تطال مجموع النص من الزمان إلى
المكان مرورا بالأحداث والأفعال والشخصيات في إطار وصف متكامل وحوارات
متجاذبة، بدأت سردا وانتهت شعرا وتفاعلا معا فيما بين البداية والنهاية..
من قوله في البداية:
في عصر يومٍ مُفعمٍ بالريح والغبارْ
بدأتْ رحلةُ النهار
منطلقاً في عملي مُرتَّبُ الأفكارْ
كؤوسُ شعري لم تكن تُدار
ولم تكنْ شموعُهُ في مهجتي تُنارْ
ولمْ يكنْ يُثيرني ولمْ يكنْ يُثارْ
لأنني في يومها لم ألثمِ الأزهارْ
وما سمعتُ يومها ترنُّم الأطيارْ
لكنَّني ..
سمعتُ في المذياعِ نشرة الأخبارْ
إلى قوله في النهاية:
لا تيأسي من فارسٍ أصيلْ
تُطربهُ سنابكُ الخيولِ و الصهيلْ
يسقيكِ من وفائِهِ ما ينعش النَّخيلْ
ينالُ فيكِ شرفاً ليسَ لهُ مثيل
**وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى**
عبدالرزاق المساوي
05-19-2009, 08:15 AM
شىء جميل ايها الناقد الكريم ونحن في انتظار اكمال دراستك النقدية بارك الله في جهدك
..شكرا جزيلا لك صاعد العلا ..
..على المرور وعلى الانتظار..
..وأهلا وسهلا بك في هذا البيت العامر بأمثالكم..
..وفق الله الجميع لما فيه الخير..
عبدالرزاق المساوي
05-21-2009, 05:26 AM
من قوله في البداية:
في عصر يومٍ مُفعمٍ بالريح والغبارْ
بدأتْ رحلةُ النهار
منطلقاً في عملي مُرتَّبُ الأفكارْ
كؤوسُ شعري لم تكن تُدار
ولم تكنْ شموعُهُ في مهجتي تُنارْ
ولمْ يكنْ يُثيرني ولمْ يكنْ يُثارْ
لأنني في يومها لم ألثمِ الأزهارْ
وما سمعتُ يومها ترنُّم الأطيارْ
لكنَّني ..
سمعتُ في المذياعِ نشرة الأخبارْ
إلى قوله في النهاية:
لا تيأسي من فارسٍ أصيلْ
تُطربهُ سنابكُ الخيولِ و الصهيلْ
يسقيكِ من وفائِهِ ما ينعش النَّخيلْ
ينالُ فيكِ شرفاً ليسَ لهُ مثيل
لقد كانت البداية سردية ترسم ملامح بداية الحكاية انطلاقا من وصف الزمان
"في عصر يوم" بأسلوب شعري "مفعم بالريح والغبار" وقع فيه حدث ما "بدأت رحلة
النهار".. فكأن هذه البداية إجابة عن سؤال مطروح سلفا من طرف المتلقي وذلك
في ذهن الشاعر الذي عايش الحدث بكل جوارحه وتأثرت نفسيته بوقائعه التي
زلزلت كيانه كما روى ابنه أسامة العشماوي، فجعلته يدخل في عزلة بين الحين
والحين فتوقع السؤال:
"ماذا وقع؟ ما الذي حدث؟
ثم كأني بها بداية أتت بعد بداية أخرى مسكوت عنها تحيلنا على موروث
حكائي/سردي قديم كان تفتتح به القصة للتشويق وشد الانتباه خصوصا عندما
تسردها الجدات للأبناء والأحفاد ليلا مبتدئة بصياغة مصكوكة:
"كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان كان حتى كان..."
وتبدأ الحكاية على إيقاع:
"في عصر يومٍ مُفعمٍ بالريح والغبارْ
بدأتْ رحلةُ النهار"
لتسجل علاقة المحسوس (عصر يوم) بالملموس (مفعم بالريح والغبار)، فالدال على
الزمان في السطر الأول مجرد إحساس غير ملموس يعيشه الشاعر ويشعر به لكن
هذا الأخير يشيئه حتى يصبح كائنا ملموسا يتسع للأشياء الأخرى، فيجعله قابلا
للملإ والإفعام (بالريح والغبار)، بما هو محسوس (بالريح) وملموس
(الغبار)..
والملأ جاءت دلالته أولا بصيغة حرف الجر "في" الدالة على الظرفية الزمانية
لمجيئها قبل التركيب الإضافي "عصر يوم" الدال على الزمان.. وسرعان ما تتحول
إلى الدلالة على الظرفية المكانية في الوقت نفسه الذي تحافظ فيه على
زمانيتها عندما تأتي في سياق يتربع فيه اسم المفعول "مُفعَم" من الفعل
"أفعم".. الدال على الملإ وزاد في دلالته هذه مجاورته لحرف الجر "الباء"..
مما يجعل المتلقي يشعر وكأن الملقي يصر على رسم هذه الصورة أمامه بالشكل
الذي يوحي بأن القضية حاصلة وواقعة فعلا، وليست مجازا..
في هذا الجو الملئ بالريح والغبار حقيقة أو مجازا وقعت الأحداث وجرت
الوقائع من طرف الحدث نفسه فالرحلة حدث أحدث حدث البدء وليس شخصية من
المعقول أن ينسب لها الإحداث، الرحلة حدث تقوم به شخصية معينة وبدأت فعل
تقوم به هو الآخر شخصية ما لكن الحدث يتماهى مع الشخصية.. فـ"بدأت رحلة
النهار" فعل وفاعل ومضاف إليه.. بدأت فعل ماض أغرقت ماضويته التركيب
الإضافي " عصر يومٍ" في النكرة.. فأصبح الزمان محاطا بكل ما يوحي بالدلالة
السلبية للفظتي (الريح والغبار)، مما سيعطي صورة قاتمة من أول وهلة للوضع
الذي ستوجد فيه الشخصية المتحدثة بضمير المتكلم فيما بعد.. البداية إذن
كانت سردية في قالب شعري..
في عصر يومٍ مُفعمٍ بالريح والغبارْ
بدأتْ رحلةُ النهار
منطلقاً في عملي مُرتَّب الأفكارْ
كؤوسُ شعري لم تكن تُدار
ولم تكنْ شموعُهُ في مهجتي تُنارْ
ولمْ يكنْ يُثيرني ولمْ يكنْ يُثارْ
لأنني في يومها لم ألثمِ الأزهارْ
وما سمعتُ يومها ترنُّم الأطيارْ
لكنَّني ..
سمعتُ في المذياعِ نشرة الأخبارْ
عبدالرحمن العشماوي "" حكاية فتاة لا تخذل عاشقها "" في هذا السياق فهي
قصيدة شعرية تتوسل مقومات الشعر العربي الأصيل في لغته وموسيقاه وجماليته
وتشكيله.. مع اعتماد آليات السرد واستغلال مكوناته ومقوماته بأصولها..
ان الشاعر عبدالرحمن العشماوي أنجز ملفوظه/مكتوبه الشعري بأدواته التي
صقلها منذ نعومة أظافره بالعطاء المستمر والنفس الطويل والتجربة الدائمة،
وغمرها برؤيته الإبداعية المستقاة من انتمائه للإسلامية والعربية، وأحاطها
بإشعاع من العطاء البلاغي والمكون المجازي والتنويعات الايقاعية
والموسيقية.. مما جعل النص يتوفر على مقومات عالية من درجات الإبلاغية التي
تشد إليها المتلقي بكل تلقائية..
وحين يتوسل نصه الشعري هذا كل تلك الأدوات الأدبية نجد الشاعر يتوغل من
خلاله في فضاء السردية ويجوب أركانها الفضائية، ويطوف دروبها الوصفية
والحوارية، متوشحا بمكوناتها الأساسية في رسم ملامح الشخصية والأحداث
الواقعية.. إن أصوله الفطرية وثقافته الشعرية ودرايته الإبداعية ولمساته
النفسية وكذلك صوره الفنية وإحساساته الموسيقية وتنامي إيقاعاته الدرامية
وسبحاته في الوصفية والحوارية.. كل ذلك خلق حصنا حصينا لدائرة النص وقاه من
الوقوع في السردية الصرفة التي تحيل القصيدة في ذهن المتلقي إلى حكاية
موزونة او تجعلها في عرفه الأدبي عبارة عن قصة مجازية ليس إلا..
إذن فالبناء المحكم والرؤية المتقنة للقصيدة يجعلانها محاطة بهالة شعرية
ممزوجة بإيقاعات موسيقية متنوعة تأخذ بتلابيب المتلقي ولبه فتدفعه إلى
التفاعل معها تفاعلا إيجابيا على الرغم من كونها استخدمت ادوات السرد ونهلت
من معطياته الشيء الكثير، ويلحظ أن هذا العمل من شاعر كبير في حجم الدكتوى
عبدالرحمن العشماوي إنما هو يخدم درامية القصيدة ويعزز بناءها الفني
والدلالي بخلاف ما يلحظه في أغلب ما ينتشر من هذا النوع من الإبداع على
الساحة العربية..
إن ميزة نص العشماوي "حكاية فتاة لا تخذل عاشقها" تتجلى في كونه يجعل
المتلقي لا يستطيع أن يتمكن من تحديد هوية هذا النص في إطار الجنس الأدبي
الصافي، فهل هو مجموعة أبيات شعرية أم هو مجرد قطعة قصصية..؟؟ وذلك لأن
الشاعر استطاع أن يوفر لنصه كل معالم الجودة الشعرية والسردية وأن يلعب على
الحبلين معا بكل فنية وإبداعية وتأثرية جعلت النص مضاعف الأدبية ينهل من
هنا (الشعرية) ومن هناك (السردية)، ويبدأ إشعاع تلك الجودة من العنوان نفسه
الذي تواطأ على صياغته فحلان اثنان هما الشاعر عبدالرحمن العشماوي وابنه
الشاعر أسامة العشماوي واتفقا بشكل أو بآخر على وضعه عتبة أولى لهذه
القصيدة السردية، فكانت في الحقيقة عتبة مثيرة تغري المتلقي على تناول النص
تناولا خاصا، ثم تأسره لقراءته قراءة متأنية ومتابعة سرد أحداثه بانتباه
تام لمعرفة الحدث من أوله إلى نهايته بعقدته وتجلياته وتطوراته..
لقد جمع النص بفضلحنكة صاحبه الذي تفاعل مع الحدث المسرود في الزمان
والمكان بروحانية عالية تركت بصماتها على إيقاعيته مما جعله يجمع بين
الشعرية في أعلى مستوياتها والقصصية في أعلى مستوياتها.. فالمقومات الشعرية
المعروفة واردة، والمشَكّلات السردية المشهورة معتمدة، والربط بينها حاصل
بتقنيات رائعة.. لقد استطاع الشاعر بكل ما أوتي من أدوات أدبية وإبداعية أن
يخلق في قصيدته السردية دينامية وحيوية تطال مجموع النص من الزمان إلى
المكان مرورا بالأحداث والأفعال والشخصيات في إطار وصف متكامل وحوارات
متجاذبة، بدأت سردا وانتهت شعرا وتفاعلا معا فيما بين البداية والنهاية..
من قوله في البداية:
في عصر يومٍ مُفعمٍ بالريح والغبارْ
بدأتْ رحلةُ النهار
منطلقاً في عملي مُرتَّبُ الأفكارْ
كؤوسُ شعري لم تكن تُدار
ولم تكنْ شموعُهُ في مهجتي تُنارْ
ولمْ يكنْ يُثيرني ولمْ يكنْ يُثارْ
لأنني في يومها لم ألثمِ الأزهارْ
وما سمعتُ يومها ترنُّم الأطيارْ
لكنَّني ..
سمعتُ في المذياعِ نشرة الأخبارْ
إلى قوله في النهاية:
لا تيأسي من فارسٍ أصيلْ
تُطربهُ سنابكُ الخيولِ و الصهيلْ
يسقيكِ من وفائِهِ ما ينعش النَّخيلْ
ينالُ فيكِ شرفاً ليسَ لهُ مثيل
**وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى**
عبدالرزاق المساوي
05-19-2009, 08:15 AM
شىء جميل ايها الناقد الكريم ونحن في انتظار اكمال دراستك النقدية بارك الله في جهدك
..شكرا جزيلا لك صاعد العلا ..
..على المرور وعلى الانتظار..
..وأهلا وسهلا بك في هذا البيت العامر بأمثالكم..
..وفق الله الجميع لما فيه الخير..
عبدالرزاق المساوي
05-21-2009, 05:26 AM
من قوله في البداية:
في عصر يومٍ مُفعمٍ بالريح والغبارْ
بدأتْ رحلةُ النهار
منطلقاً في عملي مُرتَّبُ الأفكارْ
كؤوسُ شعري لم تكن تُدار
ولم تكنْ شموعُهُ في مهجتي تُنارْ
ولمْ يكنْ يُثيرني ولمْ يكنْ يُثارْ
لأنني في يومها لم ألثمِ الأزهارْ
وما سمعتُ يومها ترنُّم الأطيارْ
لكنَّني ..
سمعتُ في المذياعِ نشرة الأخبارْ
إلى قوله في النهاية:
لا تيأسي من فارسٍ أصيلْ
تُطربهُ سنابكُ الخيولِ و الصهيلْ
يسقيكِ من وفائِهِ ما ينعش النَّخيلْ
ينالُ فيكِ شرفاً ليسَ لهُ مثيل
لقد كانت البداية سردية ترسم ملامح بداية الحكاية انطلاقا من وصف الزمان
"في عصر يوم" بأسلوب شعري "مفعم بالريح والغبار" وقع فيه حدث ما "بدأت رحلة
النهار".. فكأن هذه البداية إجابة عن سؤال مطروح سلفا من طرف المتلقي وذلك
في ذهن الشاعر الذي عايش الحدث بكل جوارحه وتأثرت نفسيته بوقائعه التي
زلزلت كيانه كما روى ابنه أسامة العشماوي، فجعلته يدخل في عزلة بين الحين
والحين فتوقع السؤال:
"ماذا وقع؟ ما الذي حدث؟
ثم كأني بها بداية أتت بعد بداية أخرى مسكوت عنها تحيلنا على موروث
حكائي/سردي قديم كان تفتتح به القصة للتشويق وشد الانتباه خصوصا عندما
تسردها الجدات للأبناء والأحفاد ليلا مبتدئة بصياغة مصكوكة:
"كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان كان حتى كان..."
وتبدأ الحكاية على إيقاع:
"في عصر يومٍ مُفعمٍ بالريح والغبارْ
بدأتْ رحلةُ النهار"
لتسجل علاقة المحسوس (عصر يوم) بالملموس (مفعم بالريح والغبار)، فالدال على
الزمان في السطر الأول مجرد إحساس غير ملموس يعيشه الشاعر ويشعر به لكن
هذا الأخير يشيئه حتى يصبح كائنا ملموسا يتسع للأشياء الأخرى، فيجعله قابلا
للملإ والإفعام (بالريح والغبار)، بما هو محسوس (بالريح) وملموس
(الغبار)..
والملأ جاءت دلالته أولا بصيغة حرف الجر "في" الدالة على الظرفية الزمانية
لمجيئها قبل التركيب الإضافي "عصر يوم" الدال على الزمان.. وسرعان ما تتحول
إلى الدلالة على الظرفية المكانية في الوقت نفسه الذي تحافظ فيه على
زمانيتها عندما تأتي في سياق يتربع فيه اسم المفعول "مُفعَم" من الفعل
"أفعم".. الدال على الملإ وزاد في دلالته هذه مجاورته لحرف الجر "الباء"..
مما يجعل المتلقي يشعر وكأن الملقي يصر على رسم هذه الصورة أمامه بالشكل
الذي يوحي بأن القضية حاصلة وواقعة فعلا، وليست مجازا..
في هذا الجو الملئ بالريح والغبار حقيقة أو مجازا وقعت الأحداث وجرت
الوقائع من طرف الحدث نفسه فالرحلة حدث أحدث حدث البدء وليس شخصية من
المعقول أن ينسب لها الإحداث، الرحلة حدث تقوم به شخصية معينة وبدأت فعل
تقوم به هو الآخر شخصية ما لكن الحدث يتماهى مع الشخصية.. فـ"بدأت رحلة
النهار" فعل وفاعل ومضاف إليه.. بدأت فعل ماض أغرقت ماضويته التركيب
الإضافي " عصر يومٍ" في النكرة.. فأصبح الزمان محاطا بكل ما يوحي بالدلالة
السلبية للفظتي (الريح والغبار)، مما سيعطي صورة قاتمة من أول وهلة للوضع
الذي ستوجد فيه الشخصية المتحدثة بضمير المتكلم فيما بعد.. البداية إذن
كانت سردية في قالب شعري..
في عصر يومٍ مُفعمٍ بالريح والغبارْ
بدأتْ رحلةُ النهار
منطلقاً في عملي مُرتَّب الأفكارْ
كؤوسُ شعري لم تكن تُدار
ولم تكنْ شموعُهُ في مهجتي تُنارْ
ولمْ يكنْ يُثيرني ولمْ يكنْ يُثارْ
لأنني في يومها لم ألثمِ الأزهارْ
وما سمعتُ يومها ترنُّم الأطيارْ
لكنَّني ..
سمعتُ في المذياعِ نشرة الأخبارْ