المصاحبات النصية
اهتمت الدراسات والأبحاث السردية في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا
بالعتبات -Seuils- (كما عند جنيت Genette)، أو هوامش النص(عند هنري ميتران
H. Mitterand) ، أو العنوان بصفة عامة (عند شارل كريفل Ch. Grivel) ، أو ما
يسمى اختصارا بالنص الموازي (Le Paratexte).
وقد أثار مصطلح (Le paratexte) أو (La paratextualité) في استعمالات
وتوظيفات جيرار جنيت G.Genette اضطرابا في الترجمة داخل الساحة الثقافية
العربية بين المغاربة والمشارقة. والسبب في ذلك، الاعتماد على الترجمة
القاموسية الحرفية، أو اعتماد المعنى وروح السياق الذي وظف فيه في اللغة
الأصلية.
فسعيد يقطين يترجم مصطلح (Paratextes) بالمناصصات. وهي عنده في كتابه
(القراءة والتجربة) تلك “التي تأتي على شكل هوامش نصية للنص الأصل بهدف
التوضيح أو التعليق أو إثارة الالتباس الوارد. وتبدو لنا -يقول الباحث- هذه
المناصصات خارجية (ويمكن أن تكون داخلية) غالبا»( ).
وفي كتابه (انفتاح النص الروائي)، يستعمل المناص بعد عملية الإدغام
الصرفية، ويجمعها على صيغة المناصات. فالمناص اسم فاعل من الفعل ناص مناصة،
معللا اختياره بما يجد في هذا الفعل من دلالة على المشاركة والجوار. ومنه
أخذ المناصة للدلالة على اسم الفاعل( ). وبعد ذلك يوظف هذا الباحث المغربي
«المناص» في كتبه اللاحقة، ولا سيما في (الرواية والتراث السردي) منها( ).
وعند محمد بنيس، نجد مصطلحا آخر هو (النص الموازي). ويقصد به الطريقة التي
بها “يصنع به من نفسه كتابا ويقترح ذاته بهذه الصفة على قرائه، وعموما على
الجمهور” ( ).
فالنص الموازي عند بنيس عبارة عن عتبات تربط علاقة جدلية مع النص بطريقة
مباشرة أو غير مباشرة. يقول بنيس عن النص الموازي بأنه تلك “العناصر
الموجودة على حدود النص، داخله وخارجه في آن، تتصل به اتصالا يجعلها تتداخل
معه إلى حد تبلغ فيه درجة من تعيين استقلاليته، وتنفصل عنه انفصالا يسمح
للداخل النصي، كبنية وبناء، أن يشتغل وينتج دلاليته”( ).
وقد أثبت محمد بنيس أن الشعرية اليونانية الأرسطية، والشعرية العربية لم
تهتما “بقراءة ما يحيط بالنص من عناصر أو بنيتها أو وظيفتها”( )، وقد قادته
عملية الملاحظة والاستقراء إلى العثور “فيما بعد على دراسات نصية حديثة في
حقل الفلسفة والشعرية خصوصا، تنصت بطريقتها إلى هذه العناصر كما لعناصر
أخرى تشكل معها عائلة واحدة”( ).
ولكن إذا تصفحنا كتب النقد العربي القديم في المشرق والأندلس سنجد مصنفات
كثيرة تهتم بعتبات النص الموازي، لاسيما عند الكتاب الذين عالجوا موضوع
الكتابة والكتاب، كالصولي وابن قتيبة والكلاعي وابن وهب الكاتب وابن الاثير
ومحمد علي التهانوي وغيرهم. فالصولي مثلا ركز كثيرا في كتابه “أدب الكاتب”
على العنونة وفضاء الكتابة، وأدوات التحبير والترقيش، وكيفية التصدير،
والتقديم والتختيم( ).
ويتــرجم فــريد الزاهي مصطلـح(Le paratexte) بالمحيط الخارجي أو محيط النص
الخارجي( )، أما عبد العالي بوطيب، فيستعمل المناص على غرار ترجمة سعيد
يقطين( ). ولكن عبد الفتاح الحجمري يختار (النص الموازي) مثل محمد بنيس( )،
ويستعمل عبد الرحيم العلام مصطلح (الموازيات)( ).
ويترجم الباحث التونسي محمد الهادي المطوي مصطلح (La paratextualité)
بالموازية النصية أو الموازي النصي بعكس ترجمة محمد بنيس. وهذه الترجمة
حرفية وقاموسية. و Para ترجمة للموازي، بمعنى المحاذاة والتفاعل معا و “في
اللغة توازى الشيئان: تحاذيا وتقابلا. وذلك حتى يشمل المصطلح الصنفين
السابقين من الموازي النصي [أي النص الداخلي والنص الفوقي الخارجي] وفيهما
ما لا يجاور المتن في نفس الأثر كأن يكون شهادة أو تعليقا أو توضيحا، إذا
جاء متأخرا عن طبعه ونشره”( ).
وقد ترجم الباحث اللبناني عبد الوهاب ترو مجموعة من المصطلحات التي أوردها جنيت على النحو التالي:
1. المتعاليات النصية: transtextualité
2. النصوصية المرادفة: paratextualité
3. النصوصية الشمولية :architextualité
4. النصوصية الشاملة : hypertextualité
5. ما وراء النصوصية : métatextualité
يقول عبد الوهاب ترو” كما أنه (جنيت) قد أضاف أشكالا جديدة علىالمتعاليات
النصية: “فالتناص او النصوصية المرادفةParatextualité “. تقيم علاقة بين
النص الأدبي وكل ما يحيط به من عناوين ومقدمات وملاحق. أما “وراء النصوصية
Métatextualité. فتربط النص بنص آخر يتكلم عنه دون أن يسميه أو ينقل عبارات
منه”( ).
ونجد عند السوري محمد خير البقاعي مصطلح الملحقات النصية، وهي ترجمة جيدة
ودقيقة؛ لأن النص الموازي عبارة عن عتبات وملحقات تحيط بالنص من الداخل أو
من الخارج( )، أما ترجمات عبد الوهاب ترو، فترجمات حرفية وغامضة وكثيرة
الاضطراب، وإلا فما الفرق بين النصوصية الشمولية والنصوصية الشاملة؟!!
واستعمل المختار حسني مصطلح النصية الموازية( ). واستعمل المقداد قاسم
مصطلح الترافق( ). وعليه، فإذا عدنا إلى قواميس اللغة الأجنبية لتحديد
مفهوم مصطلح (La paratextualité، وجدنا السابقة اليونانية-Para- الأصل،
توظف بمعنى: بجانب. وهي في اللغة الفرنسية تسبق عدة كلمات كما ورد في معجم
روبير الكبير. ولها معان أخرى مختلفة نذكر منها: المجاورة، والقرابة
والمصاحبة والمشابهة والوقاية من… إلى آخره. و textualité تعني النصية، و
texte تعني النص.
لذا أفضل مصطلحي النص الموازي لترجمة(Le paratexte)، أو الملحقات النصية
على غرار ترجمتي محمد بنيس، ومحمد خير البقاعي، وإن كان النص الموازي أفضل.
فالنص الموازي عبارة عن عتبات مباشرة، وملحقات وعناصر تحيط بالنص سواء من
الداخل أم الخارج. وهي تتحدث مباشرة أو غير مباشرة عن النص، إذ تفسره وتضيء
جوانبه الغامضة، وتبعد عنه التباساته وما أشكل على القارئ. وتشكل العناصر
الموازية في الحقيقة نصوصا مستقلة. فالخطاب المقدماتي ما هو في الحقيقة إلا
نص مستقل بذاته له بنيته الخاصة ودلالات متعددة ووظائف.
كما يرد العنوان في شكل صغير، ويختزل نصا كبيرا عبر التكثيف والإيحاء
والترميز والتلخيص. وهكذا تشكل الملحقات المجاورة للنص
(المؤلف-الجنس-المقدمات-العناوين-الحوارات إلخ…) نصوصا مستقلة مجاورة
وموازية للنص. ولهذا فضلنا استعمال مصطلح (النص الموازي) في أطروحتي، مع
توظيف مفاهيم أخرى كالعتبات وهوامش النص والملحقات النصية لتعضيد هذا
المصطلح الأساسي.
ويعتبر النص الموازي من أهم عناصر المتعاليات النصية-Transtextualité- إلى
جانب التناص، والتعلق النصي، ومعمارية النص، والنص الواصف. ويتكون النص
الموازي من ملحقات وعتبات داخلية وخارجية تتحدث عن النص بالشرح والتفسير
والتوضيح، كعتبة المؤلف وعتبة الإهداء…إلخ.
ويعني هذا أن ما يهم جنيت ليس هو النص؛ ولكن التعالي النصي، والتفاعلات
الموجودة بين النصوص عبر عمليات: الوصف وتداخل النصوص والمجاورة النصية
والتعلق النصي من خلال جدلية السابق واللاحق، إلى جانب مكونات تداخل
الأجناس الأدبية( ).
وفي سياق طروحات جنيت؛ أشار جان ماري شافر Chaeffer إلى خاصية التعددية
النصية (hypertextualité). فهي عنده تعني العلاقات القائمة بين نص معين
وعدة نصوص أخرى مثلث بالنسبة إليه نماذج أجناس، كما يتضح من فحص ما سماه
الباحث بالإشارات والسمات وآثار الأجناس( ).
ويعرف جنيت النص الموازي في كتابه (الأطراس (Palimpsestes بأنه نمط ثان
من التعالي النصي. “ويتكون من علاقة هي عموما أقل وضوحا وأكثر اتساعا.
ويقيمها النص في الكل الذي يشكله العمل الأدبي، مع ما يمكن أن نسميه بالنص
الـموازي، أو الملحـقات النصية Les Paratextes، كالعنوان، والعنوان الفردي،
والعناوين الداخلية، والمقدمات، والملحقات، والتنبيهات، والتمهيد،
والهوامش في أسفل الصفحة أو في النهاية، والمقتبسات والتزيينات، والرسوم،
وعبارات الإهداء والتنويه والشكر، والشريط، والقميص، وأنواع أخرى من
العلامات الثانوية والإشارات الكتابية أو غيرها مما توفر للنص وسطا متنوعا.
وقد يكون في بعض الأحيان شرحا أو تعليقا رسميا أو شبه رسمي”( ). وفي كتابه
(عتباتseuils )، يضيف جنيت أن النص الموازي هو الذي ” يجعل النص كتابا
ليقدم إلى القراء بصفة خاصة، والجمهور بصفة عامة.”( ) أي أنه عبارة عن
ملحقات نصية وعتبات نطؤها قبل ولوج أي فضاء داخلي، كالعتبة بالنسبة إلى
الباب، أو كما يقول المثل المغربي: “أخبار الدار على باب الدار!”. أو كما
قال جنيت نفسه في شكل حكمة: “احذروا العتبات!”.( )
إن النص الموازي ” بأنماطه المتعددة ووظائفه المختلفة هو كل نصية شعرية أو
نثرية تكون فيها العلاقة، مهما كانت خفية أو ظاهرة، بعيدة أو قريبة بين نص
أصلي هو المتن ونص آخر يقدم له أو يتخلله مثل العنوان المزيف والعنوان
والمقدمة، والإهداء، والتنبيهات، والفاتحة، والملاحق والذيول، والخلاصة،
والهوامش، والصور، والنقوش، وغيرها من توابع نص المتن والمتممات له مما
ألحقه المؤلف أو الناشر أو الطابع داخل الكتاب أو خارجه مثل الشهادات
والمحاورات والإعلانات وغيرها، سواء لبيان بواعث إبداعه وغاياته، أو لإرشاد
القارئ وتوجيهه حتى يضمن له القراءة المنتجة”( ).
وعليه، فالنص الموازي عبارة عن نصوص مجاورة ترافق النص في شكل عتبات
وملحقات قد تكون داخلية أو خارجية. ولها عدة وظائف دلالية، وجمالية،
وتداولية. ويعرفه سعيد يقطين بأنه عبارة عن تلك “البنية النصية التي تشترك
وبنية نصية أصلية في مقام وسياق معينين، وتجاورها محافظة على بنيتها كاملة
ومستقلة، وهذه البنية النصية قد تكون شعرا أو نثرا، وقد تنتمي إلى خطابات
عديدة، كما أنها قد تأتي هامشا أو تعليقا على مقطع سردي أو حوار وما شابه”(
).
ولا يمكن أن يكون النص الموازي كليا، فهو بنية نصية جزئية يتم توظيفها داخل
النص بغض النظر عن سياقاتها الأصلية. ويشمل هذا النص عتبات وملحقات
تساعدنا على فهم خصوصية النص الأدبي، وتحديد مقاصده الدلالية والتداولية
ودراسة العلاقة الموجودة بينها وبين العمل. وهي محفل نصي قادر على إنتاج
المعنى وتشكيل الدلالة من خلال عملية التفاعل النصي. لذا فللعتبات ” الدور
التواصلي الهام الذي تلعبه في توجيه القراءة، ورسم خطوطها الكبرى، لدرجة
يمكن معها اعتبار كل قراءة للرواية بدونها بمثابة دراسة قيصرية اختزالية من
شأنها إلحاق ضرر كبير بالنص، وتشويه أبعاده ومراميه”( ).
وللنص الموازي وطيفتان وظيفة جمالية تتمثل في تزيين الكتاب وتنميقه، ووظيفة
تداولية تكمن في استقطاب القارئ واستغوائه. بل إن المظهر الوظيفي لهذا
النص المجاور يتلخص أساسا -كما أشار جنيت- في كونه “خطابا أساسيا، ومساعدا،
مسخرا لخدمة شيء آخر يثبت وجوده الحقيقي، وهو النص”( )، وهذا ما يكسبه
–تداوليا- قوة إنجازية وإخبارية باعتباره إرسالية موجهة إلى القراء أو
الجمهور ( ).
إذن، فللعتبات أهمية كبرى في فهم النص، وتفسيره، وتأويله من جميع الجوانب
والإحاطة به إحاطة كلية، وذلك بالإلمام بجميع تمفصلاته البنيوية المجاورة،
من الداخل والخارج التي تشكل عمومية النص ومدلوليته الإنتاجية والتقابلية.
ويمكن تقسيم النص الموازي إلى قسمين:
1. النـص المــوازي الداخــلي (Péritexte):
وتعني السابقة اليونانية (Péri) حول، أو كل نص مواز يحيط بالنص أو المتن
(النص المحيط)، أو النص الموازي الداخلي أو المصاحب أو المجاور.
والنص الموازي الداخلي عبارة عن ملحقات نصية، وعتبات تتصل بالنص مباشرة.
ويشمل كل ما ورد محيطا بالكتاب من الغلاف، والمؤلف، والعنوان، والإهداء،
والمقتبسات، والمقدمات، والهوامش، وغير ذلك مما حلله جنيت في الأحد عشر
فصلا الأولى من كتابه “عتبات”( ).
2. 2.النص المــوازي الخارجي (Epitexte):
وتعني السابقة اليونانية (Epi) “على”، أي النص الموازي الخارجي أو الرديف
أو النص العمومي المصاحب. “وهو كل نص من غير النوع الأول مما يكون بينه
وبين الكتاب بعد فضائي وفي أحيان كثيرة زماني أيضا، ويحمل صبغة إعلامية مثل
الاستجوابات والمذكرات، والشهادات، والإعلانات، ويشمل الفصلين الأخيرين من
كتاب جنيت السابق ذكره”( ).
إذن، فالنص الموازي الخارجي هو كل نص مواز لا يوجد ماديا ملحقا بالنص ضمن
نفس الكتاب، ولكن ينتشر في فضاء فيزيائي واجتماعي غير محدد بالقوة، وبذلك
يكون موضع (النص العمومي المصاحب) في أي مكان خارج الكتاب: كأن يكون منشورا
بالجرائد والمجلات وبرامج إذاعية، ولقاءات وندوات… إلخ
فهذان النصان (الداخلي والخارجي للنص الموازي) يحيطان بنص مركزي بؤري هو
النص الإبداعي الرئيس. ولا يمكن فهم هذا النص أو تفسيره إلا بالمرور عبر
العتبات المحيطة ومساءلة ملحقاته النصية والخارجية.
إن العلاقة بين النصين: الموازي والرئيس، علاقة جدلية قائمة على التبنين
والمساعدة في إضاءة النص الداخلي قصد استيعابه وتأويله والإحاطة به من جميع
الجوانب. ولقد أهمل النقد الروائي الغربي والعربي النص الموازي مدة طويلة،
واكتفى الباحثون والدارسون بالانكباب على النص الإبداعي الداخلي، وأهملوا
ما يحيط بهذا النص من هوامش وفهارس وعناوين وإهداءات وصور أيقونية وما إلى
ذلك؛ على الرغم من أن رولان بارت R. Barthes ، يصرح بأن «كل ما في الرواية
له دلالة»( ).
وقد أعادت الشعرية (Poétique) -بنيوية كانت أم سيموطيقية- الاعتبار لهذا
النص الموازي المهمش، بل اعتبرته المدخل الأساسي إلى أعماق النص الإبداعي.
وكل إقصاء لما هو خارجي، يجعل من هذا العمل ناقصا مليئا بالثغرات المنهجية
والنواقص السلبية.
ويضم النص الموازي أو هوامش النص -كما يعبر هنري ميتران H. Mitterand-
مجموعة من العتبات والملحقات النصية الداخلية والخارجية. وأهمية النص
الموازي تتمثل في تحليل ما يصنع به النص من نفسه كتابا، ويقترح ذاته بهذه
الصفة على قرائه وعموما على الجمهور. ويعني هذا أن النص الموازي ما هو إلا
إطار مادي فيزيائي، ودال معنوي تداولي يربط علاقات مباشرة وغير مباشرة
بالنص لجذب القارئ، والتأثير عليه على مستوى الاستهلاك والتقبل الجمالي.
هذا وإن عتبات النص الموازي عبارة عن ملحقات تحيط بالنص من الناحية
الداخلية أو الخارجية. وهي تنسج خطابا ميتا روائيا عن النص الإبداعي، وترسل
حديثا عن النص والمجتمع والعالم.
ومهما بدت مستقلة أو محايدة، فإنها شديدة الارتباط بالنص الروائي الذي تقف في بوابته ومداخله.
وعليه، لم يول النقد الروائي العربي النص الموازي أهمية كبرى إلى يومنا
هذا، على الرغم من بعض الدراسات التي تعد على الأصابع في شكل مقالات أو
أبحاث جزئية في حدود علمنا( ).
وقد أصبح الآن من الضروري الاهتمام بعتبات النص الروائي، فهي أساسية لولوج
عالم النص الأدبي وفتح مغالقه واستكناه أعماقه، لكي نسبر أغوار النص
الداخلية، علينا أن نضع أقدامنا الثابتة على مداخل النصوص وعتباتها، بما
فيها العنوان، والتقديم، والتصنيف، والإهداء، ومعمارية النصوص، والفضاء
النصي بصفة عامة…
فالنص الموازي يهدف إلى “تقديم تصور أولي يسعف النظرية النقدية في التحليل،
وإرساء قواعد جديدة لدراسة الخطاب الروائي”( )، وهو كذلك “البهو vestibule
– بتعبير لوي بورخيس- الذي منه ندلف إلى دهاليز نتحاور فيها مع المؤلف
الحقيقي والمتخيل”( ). كما أنه “يسعى إلى تقشير جيولوجيا المعنى بوعي يحفر
في التفاصيل وفي النص الأدبي الذي يحمل في نسيجه تعددية وظلالا لنصوص
أخرى”( ).
فقراءة العتبات وتحليلها في علاقتها بالنص الروائي ومراعاة السياقين: النص
والتجنيسي، عملية ناجحة وهادفة؛ لأنها تحيط بالعمل الروائي من جميع جوانبه
بدءا بكونه مخطوطا مرورا بطبعه وصولا إلى تلقيه.
وتبدو العتبات “موضوعا جديرا بالاحتفال ومادة خصبة للنقد عموما والنقد
الإيديولوجي بكيفية حصرية، وذلك لسببين: أولهما، يرتبط بأهميتها المحددة
بمواقعها الاستراتيجية وبوظائفها وأدوارها، وثانيهما، يعود إلى علاقتها
النوعية بالعالم وبالنص الذي تنكتب على مشارفه وتشكل تخومه”( ).
وما زال موضوع العتبات في الثقافة العربية القديمة في حاجة ماسة إلى من يسبر أغواره، ويعيد النظر في دراسته ويصفه.
وحين متابعة الثقافة الأجنبية الغربية في تطورها، يلاحظ أن ما خصت به موضوع
العتبات يمثل كما معتبرا على حد علمي( )، خصوصا وأنه بدا يتضح بشكل نظري
أكثر مع جيرارجنيت في
كتابه (عتبات Seuils) حيث قاربه نظريا وتطبيقيا( ).
لذا بدأ الاهتمام بعتبات النص وصار درسها يندرج “ضمن سياق نظري وتحليلي عام
يعتني بإبراز ما للعتبات من وظيفة في فهم خصوصية النص وتحديد جانب أساسي
من مقاصده الدلالية، وهو اهتمام أضحى، في الوقت الراهن، مصدرا لصياغة أسئلة
دقيقة تعيد الاعتبار لهذه المحافل النصية المتنوعة الأنساق وقوفا عند ما
يميزها ويعين طرائق اشتغالها”( ).