[b] نظرية التناص .
التناص
<blockquote class="postcontent restore ">يعرف التناص –في النقد الغربي– كما نحتته
الباحثة جوليا كريستفيا عام 1969 استنباطا من دراسة عن دوستويفيسكي
لباختين، بأنه مجموع العلاقات القائمة بين نص أدبي ونصوص أخرى. ورغم أن
مفهوم التناص عرف في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا عند مجموع الداريسين
الغربيين، إلا أنه لم يدرس كفاية من لدن النقاد العرب المعاصرين، حتى أنهم
لم يتفقوا بعد على ترجمة موحدة لمصطلح Inter[/size]textualité،
فقد عربه البعض بالتناص، والبعض الآخر بالنصوصية، وفريق ثالث عربه بتداخل
النصوص أو تعالقها.. أما التراث النقدي العربي فقد عرف الظاهرة مبكرا
وأشبعها دراسة وتحليلا، وإن كان بوضوح أقل وتحت مسميات عدة، مثل: التضمين؛
السرقات الشعرية؛ الاقتباس؛ الاحتذاء.. إلخ.
(1)
أشار كثير من النقاد العرب القدامى وبعض الشعراء إلى ظاهرة التناص تحت مفاهيم الاقتباس والتلميح والإشارة…
فهذا امرؤ القيس يقول:
عوجا على الطلل المحيل لأننا / نبكي الديار كما بكى ابن حذام
وهي إشارة إلى أنه ليس أول من بكى على الأطلال، فما فعله غير تكرار واستعادة لفعل شاعر آخر هو ابن حذام.
وهنا أيضا بيت لابن زهير يقول:
ما أرانا نقول إلا رجيعا / ومعادا من قولنا مكرورا
و أيضا إشارة علي بن أبي طالب
لولا أن الكلام يعاد لنفذ!
وما قاله عنترة في معلقته:
هل غادر الشعراء من متردم / أم هل عرفت الدار بعد توهم
هو تساؤل بمعنى استنكاري حول أن الشعراء لم يتركوا شيئا يصاغ فيه الشعر إلا وصاغوه، أي أن الأول لم يترك للثاني شيئا، كما يتساءل أبو تمام: كم ترك الأول للآخر.
ويشير ابن رشيق في كتابه قراضة الذهب في
أشعار العرب، إلى أن مصدر كل كلام هو كلام قبله حتى وإن كان الكشف عن
التعالقات النصية ليست بالعملية اليسيرة، فالكلام من الكلام وإن خفيت طرقه
وبعدت مناسباته.
ويشير حازم القرطاجني في مصنفه منهج البلغاء
وسراج الأدباء إلى نوع من تعامل الكاتب مع النصوص السابقة إذ يدخلها في
نصوصه وذلك بإيراد ذلك الكلام أو بعضه بنوع من التصرف و التغيير أو
التضمين فيحيل على ذلك أو يضمنه أو يدمج الإشارة إليه أو يورد معناه في
عبارة أخرى على جهة قلب أو نقل.
وشيء عادي أن يستفيد اللاحق من السابق، حيث لا يمكن أن يستغني الأخير عن
الاستعارة من الأول –بقول ابن الأثير– فقد كان العرب ينصحون المبتدئ من
الشعراء بقراءة آلاف الأبيات الشعرية مع حفظها والتمعن فيها حتى تعلق
معانيها بفهمه وترسخ أصولها في قلبه، وبعد ذلك عليه أن ينساها، كما أكد
النقاد القدامى على ضرورة معرفة الشاعر لأيام العرب وأمثالهم مع الاطلاع
على كل ما يشحذ القريحة ويذكي الفطنة من كلام المتقدمين المنظوم والمنثور.
إذن، كما لاحظنا، فقد تنبه النقاد العرب القدماء إلى ظاهرة التداخلات بين
النصوص وبخاصة في الخطاب الشعري، حيث ظهرت مجموعة من المصطلحات تعالج
جزئيات الظاهرة. وهو مؤشر على تعرف العرب على ظاهرة التناص وإن لم يسموها
بهذا الوصف فقد ظهرت مصطلحات عديدة تقترب من معنى التناص من مثل: التلميح؛ التضمين؛ الاقتباس؛ والاحتذاء…إلخ.
فالتلميح يعتمد على صدور إشارات من النص الحاضر إلى النص الغائب.
والتضمين هو
أن يتضمن بيت شعري كلمات من بيت آخر وبتعريف البلاغيين هو استعارتك
الأنصاف والأبيات من غيرك وإدخالك إياه في أثناء أبيات قصيدتك.
مثل قول عنترة:
إذ يتقون بي الأسنة لم أخم / عنها ولكني تضايق مقدمي
ضمنه مسلم بن الوليد في قوله:
ولقد سما للخرمي فلم يقل / يوم الوغى أني تضايق مقدمي
وأما الاقتباس فهو أخذ بيت شعري بلفظه ومحتواه، وهو عند البلاغيين مرتبط بالقرآن الكريم، فالاقتباس كما
يقول فخر الدين الرازي هو إدراج كلمة من القرآن في الكلام تزيينا لنظامه
وتفخيما لشأنه، وأيضا لإضفاء نوع من القداسة على النص. والأمثلة بهذا
الخصوص كثيرة، منها قول ابن الرومي:
لقد أنزلت حاجتـي / بواد غيـر ذي زرع
وقول محمود درويش: “أنا يوسف يا أبي” و “رأيت أحد عشر كوكبا”.
وأما الاحتذاء فهو عملية فنية لها مواصفتها التي تبعدها عن المحاكاة وتقترب بها من الأخذ، كما يقول الباحث محمد عزام.
ومن مثال ذلك قول امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل / بسقط اللوى بين الدخول فحومل
احتذاه شاعر مغربي من القرن السابع عشر الميلادي هو ابن زاكور بقوله:
قفا حدثاني عن معان وأربع / بجزع النقا بين الهضاب فأنقع
كان هذا في الجانب البلاغي، أما في الجانب النقدي فقد عرف التناص تحت مسميات أخرى كالنقائض والمعارضات والسرقات.
</blockquote>
التناص
<blockquote class="postcontent restore ">يعرف التناص –في النقد الغربي– كما نحتته
الباحثة جوليا كريستفيا عام 1969 استنباطا من دراسة عن دوستويفيسكي
لباختين، بأنه مجموع العلاقات القائمة بين نص أدبي ونصوص أخرى. ورغم أن
مفهوم التناص عرف في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا عند مجموع الداريسين
الغربيين، إلا أنه لم يدرس كفاية من لدن النقاد العرب المعاصرين، حتى أنهم
لم يتفقوا بعد على ترجمة موحدة لمصطلح Inter[/size]textualité،
فقد عربه البعض بالتناص، والبعض الآخر بالنصوصية، وفريق ثالث عربه بتداخل
النصوص أو تعالقها.. أما التراث النقدي العربي فقد عرف الظاهرة مبكرا
وأشبعها دراسة وتحليلا، وإن كان بوضوح أقل وتحت مسميات عدة، مثل: التضمين؛
السرقات الشعرية؛ الاقتباس؛ الاحتذاء.. إلخ.
(1)
أشار كثير من النقاد العرب القدامى وبعض الشعراء إلى ظاهرة التناص تحت مفاهيم الاقتباس والتلميح والإشارة…
فهذا امرؤ القيس يقول:
عوجا على الطلل المحيل لأننا / نبكي الديار كما بكى ابن حذام
وهي إشارة إلى أنه ليس أول من بكى على الأطلال، فما فعله غير تكرار واستعادة لفعل شاعر آخر هو ابن حذام.
وهنا أيضا بيت لابن زهير يقول:
ما أرانا نقول إلا رجيعا / ومعادا من قولنا مكرورا
و أيضا إشارة علي بن أبي طالب
لولا أن الكلام يعاد لنفذ!
وما قاله عنترة في معلقته:
هل غادر الشعراء من متردم / أم هل عرفت الدار بعد توهم
هو تساؤل بمعنى استنكاري حول أن الشعراء لم يتركوا شيئا يصاغ فيه الشعر إلا وصاغوه، أي أن الأول لم يترك للثاني شيئا، كما يتساءل أبو تمام: كم ترك الأول للآخر.
ويشير ابن رشيق في كتابه قراضة الذهب في
أشعار العرب، إلى أن مصدر كل كلام هو كلام قبله حتى وإن كان الكشف عن
التعالقات النصية ليست بالعملية اليسيرة، فالكلام من الكلام وإن خفيت طرقه
وبعدت مناسباته.
ويشير حازم القرطاجني في مصنفه منهج البلغاء
وسراج الأدباء إلى نوع من تعامل الكاتب مع النصوص السابقة إذ يدخلها في
نصوصه وذلك بإيراد ذلك الكلام أو بعضه بنوع من التصرف و التغيير أو
التضمين فيحيل على ذلك أو يضمنه أو يدمج الإشارة إليه أو يورد معناه في
عبارة أخرى على جهة قلب أو نقل.
وشيء عادي أن يستفيد اللاحق من السابق، حيث لا يمكن أن يستغني الأخير عن
الاستعارة من الأول –بقول ابن الأثير– فقد كان العرب ينصحون المبتدئ من
الشعراء بقراءة آلاف الأبيات الشعرية مع حفظها والتمعن فيها حتى تعلق
معانيها بفهمه وترسخ أصولها في قلبه، وبعد ذلك عليه أن ينساها، كما أكد
النقاد القدامى على ضرورة معرفة الشاعر لأيام العرب وأمثالهم مع الاطلاع
على كل ما يشحذ القريحة ويذكي الفطنة من كلام المتقدمين المنظوم والمنثور.
إذن، كما لاحظنا، فقد تنبه النقاد العرب القدماء إلى ظاهرة التداخلات بين
النصوص وبخاصة في الخطاب الشعري، حيث ظهرت مجموعة من المصطلحات تعالج
جزئيات الظاهرة. وهو مؤشر على تعرف العرب على ظاهرة التناص وإن لم يسموها
بهذا الوصف فقد ظهرت مصطلحات عديدة تقترب من معنى التناص من مثل: التلميح؛ التضمين؛ الاقتباس؛ والاحتذاء…إلخ.
فالتلميح يعتمد على صدور إشارات من النص الحاضر إلى النص الغائب.
والتضمين هو
أن يتضمن بيت شعري كلمات من بيت آخر وبتعريف البلاغيين هو استعارتك
الأنصاف والأبيات من غيرك وإدخالك إياه في أثناء أبيات قصيدتك.
مثل قول عنترة:
إذ يتقون بي الأسنة لم أخم / عنها ولكني تضايق مقدمي
ضمنه مسلم بن الوليد في قوله:
ولقد سما للخرمي فلم يقل / يوم الوغى أني تضايق مقدمي
وأما الاقتباس فهو أخذ بيت شعري بلفظه ومحتواه، وهو عند البلاغيين مرتبط بالقرآن الكريم، فالاقتباس كما
يقول فخر الدين الرازي هو إدراج كلمة من القرآن في الكلام تزيينا لنظامه
وتفخيما لشأنه، وأيضا لإضفاء نوع من القداسة على النص. والأمثلة بهذا
الخصوص كثيرة، منها قول ابن الرومي:
لقد أنزلت حاجتـي / بواد غيـر ذي زرع
وقول محمود درويش: “أنا يوسف يا أبي” و “رأيت أحد عشر كوكبا”.
وأما الاحتذاء فهو عملية فنية لها مواصفتها التي تبعدها عن المحاكاة وتقترب بها من الأخذ، كما يقول الباحث محمد عزام.
ومن مثال ذلك قول امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل / بسقط اللوى بين الدخول فحومل
احتذاه شاعر مغربي من القرن السابع عشر الميلادي هو ابن زاكور بقوله:
قفا حدثاني عن معان وأربع / بجزع النقا بين الهضاب فأنقع
كان هذا في الجانب البلاغي، أما في الجانب النقدي فقد عرف التناص تحت مسميات أخرى كالنقائض والمعارضات والسرقات.
</blockquote>