منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    سيميائية الصـــورة

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    سيميائية الصـــورة Empty سيميائية الصـــورة

    مُساهمة   الإثنين يوليو 04, 2011 10:24 am

    [center]سيميائية الصـــورة المسرحيـــة

    د. جميل حمداوي
    توطئــــــة:

    تتطلب المقاربة السيميوطيقية في التعامل مع العرض المسرحي والدرامي أثناء عمليتي : التفكيك والتركيب البنيويين الانطلاق من مجموعة من النصوص المتداخلة والمتراكبة داخل العرض الميزانسيني، والتي يمكن حصرها في نص المؤلف، ونص الممثل، ونص المخرج، ونص السينوغراف، ونص الراصد. ومن ثم، يصعب الإحاطة سيميائيا بكل تلك النصوص الشائكة والمعقدة. كما يعد المسرح في تركيبته البنائية والجمالية فنا شاملا وأب الفنون . وبالتالي، فهذا يتطلب من السيميوطيقي الإلمام بمجموعة من العلوم والمعارف والفنون والصور، وذلك للاستهداء بها أثناء عملية التشريح والتحليل، كمعرفة تقنيات السينما والموسيقى والأدب والتشكيل والرقص والنحت، والإلمام أيضا بتقنيات الإضاءة والسينوغرافيا ودراسة المنظور…
    ولكن نحن في عملنا هذا سوف نركز فقط على مقاربة الصورة المسرحية أو ما يسمى أيضا بالصورة الدرامية ، وذلك من خلال التركيز على العرض الميزانسيني المرئي أو الفرجة الركحية البصرية الحية النابضة بالحركة. ومن المعروف أيضا أن المسرح على مستوى الخطاب يجمع بين خاصيتين: الخاصية اللفظية التي تحيلنا على لسانيات المنطوق، والخاصية غير اللفظية التي تحيلنا على السيميائيات البصرية. كما تحضر في المسرح جميع العلامات الإجرائية المعروفة لدى اللسانيين والسيميائيين من إشارة ورمز وأيقون وإماءة ومخطط ومجسم واستعارة وعلامة ومجاورة ومجاز…
    إذاً، ماهي أهم الدراسات السيميائية التي تعرضت للمسرح بصفة عامة والصورة المسرحية بصفة خاصة؟ وماهي المكونات السيميائية للصورة المسرحية على مستوى البنية والدلالة والوظيفة؟ هذا ما سنتناوله في هذه الدراسة التي بين أيديكم.

     مفهـــوم الصـــورة المسرحيـــة:

    الصورة في مفهومها العام تمثيل للواقع المرئي ذهنيا أو بصريا، أو إدراك مباشر للعالم الخارجي الموضوعي تجسيدا وحسا ورؤية . ويتسم هذا التمثيل من جهة بالتكثيف والاختزال والاختصار والتصغير والتخييل والتحويل ، ويتميز من جهة أخرى بالتضخيم والتهويل والتكبير والمبالغة. ومن ثم، تكون علاقة الصورة بالواقع التمثيلي علاقة محاكاة مباشرة، أو علاقة انعكاس جدلي، أو علاقة تماثل، أو علاقة مفارقة صارخة. وتكون الصورة تارة صورة لغوية وتارة أخرى صورة مرئية بصرية. وبتعبير آخر، تكون الصورة لفظية ولغوية وحوارية، كما تكون صورة بصرية غير لفظية. وللصورة أهمية كبيرة في نقل العالم الموضوعي بشكل كلي اختصارا وإيجازا، وتكثيفه في عدد قليل من الوحدات البصرية. وقد صدق الحكيم الصيني كونفشيوس الذي قال:”الصورة خير من ألف كلمة”.
    هذا، وتتألف الصورة عند فرديناند دوسوسير F.De Saussureمن الدال والمدلول والمرجع، لكن دوسوسير يستبعد المرجع، ويكتفي بالصورة السمعية(الدال) والصورة المفهومية(المدلول). وبتداخلهما بشكل اعتباطي واتفاقي يتشكل ما يسمى بالصورة أو العلامة بالمفهوم اللساني أو السيميائي.
    أما المقصود بالصورة المسرحية ، فهي تلك الصورة المشهدية المرئية التي يتخيلها المشاهد والراصد ذهنا وحسا وشعورا وحركة. وغالبا ما تكون هذه الصورة ركحية وميزانسينية تتكون من مجموعة من الصور البصرية التخييلية المجسمة وغير المجسمة فوق خشبة الركح. وتتكون هذه الصورة الميزانسينية من الصورة اللغوية ، وصورة الممثل، والصورة الكوريغرافية، والصورة الأيقونية، والصورة الحركية، والصورة الضوئية، والصورة السينوغرافية، والصورة التشكيلية والصورة اللونية، والصورة الفضائية، والصورة الموسيقية أو الإيقاعية، والصورة الرصدية.
    ومن هنا، فإن ” الصورة المسرحية ليست هي الشكل البصري فقط، بل هي العلاقات البصرية والحوارية البصرية؛ العلاقات البصرية فيما بين مكونات العمل أو العرض الفني المسرحي ذاته، والحوارية البصرية بين هذه المكونات والممثلين والمتفرجين.”
    زد على ذلك، فالصورة المسرحية هي تقليص لصورة الواقع على مستوى الحجم والمساحة واللون والزاوية. ويعني هذا أن المسرح صورة مصغرة للواقع أوالحياة، وتتداخل في هذه الصورة المكونات الصوتية/ السمعية والمكونات البصرية غير اللفظية.
    ومن المعلوم أن تاديوز كاوزان T.KOWZAN قد أثبت أن هناك ثلاثة عشر أنواع من الأنساق تعمل في العرض المسرحي:  كلام- نغم- تعبير- وجه- إيماءة- حركة- ماكياج- تسريحة شعر- لوازم- ملابس- ديكور- إضاءة- موسيقى- مؤثرات صوتية، إلا أنه وجد أن العلامات البصرية تشكل نسبة كبيرة بالمقارنة مع العلامات اللسانية واللغوية واللفظية. وللتوضيح أكثر، فالعلامات البصرية تحتل تسعة أنساق من أصل ثلاثة عشر، وتحتل العلامات السمعية ثلاثة أنساق، فيما عدا الكلام يشكل نسبة 1/13، وهو كل ما يقال في العرض من حوار ومونولوج وتعليق… وهي نسبة قليلة بين أنساق العرض…

    دراسات سيميائيـــة حول المسرح:

    يعتمد المنهج السيميائي على دراسة شكل الخطاب تفكيكا وبناء ، وذلك من خلال تحيين العمل الأدبي وصفيا ، وتحييثه بنيويا كنسق من العلاقات الداخلية ، ودراسته سانكرونيا قصد تحديد بناه الداخلية. ومن هنا، يتعامل هذا المنهج مع الخطاب الدرامي أو العرض السينوغرافي بنيويا من خلال المستويات الفونولوجية والمورفولوجية والدلالية والتركيبية والتداولية والبصرية، وذلك قصد الوصول إلى البنية العميقة التي تتحكم في إنتاج النص الدرامي أو توليد العرض المسرحي، أو البحث عن كيفية انبثاق المعنى والدلالة ، ورصد علاقة الدال بالمدلول، ودراسة أنظمة التواصل داخل العمل الدرامي، وتبيان القواعد البنيوية المجردة التي تتحكم في الفرجة المسرحية .
    كما يتسلح هذا المنهج بمجموعة من الآليات السوسيرية والمفاهيم البيرسية والمصطلحات التي وضعها رولان بارت وكريماس وجوزيف كورتيس وأمبرطو إيكو وآخرين، كالعلامة ، والنسق ، والشفرة، والدال، والمدلول، والإشارة، والرمز، والأيقون، والاستعارة، والمخطط، والبنية العاملية، والتعيين، والتضمين، والمحور الاستبدالي، والمحور التركيبي، والتشاكل، والسمات، …
    هذا، ويمكن الحديث عن دراسات سيميائية عامة حول المسرح والدراما، ودراسات سيميائية خاصة حول الصورة المسرحية. بيد أن الدراسات السيميائية في مجال المسرح والدراما لم تظهر إلا مع مدرسة براغ الشكلانية في بداية سنوات الثلاثين ، وكذا عبر امتداد سنوات الأربعين من القرن العشرين. وقبل ذلك، لم تكن هناك سوى دراسات نقدية أدبية معيارية أو دراسات بويطيقية وصفية تنطلق من مبادئ أرسطو المعروضة في كتابه: ” فن الشعر”. ومن أهم الكتب التي حاولت مقاربة المسرح سيميائيا، نذكر منها كتاب: ” علم جمال الفن والدراما” لأوتاكار زيش Otakar Zich، وكتاب:” محاولة تحليل بنيوي لظاهرة الممثل” ليان موكاروفسكي Jan Mukarovsky.
    وبعد ذلك، لم نجد من الدراسات القيمة في مجال سيميائيات المسرح إلا القليل، ومنها دراسة إتيان سوريو Etienne Souriau في سنة 1950م تحت عنوان :” مائتا ألف موقف درامي” ، وما كتبه رولان بارت R.Barthes في سنوات الستين من دراسات سيميائية ككتاب:” مبادئ في علم الأدلة” ، ودراسته القيمة:” مدخل إلى التحليل البنيوي للسرد”، ودراسته حول :” الأدب والدلالة ” ، حيث يورد فيها إشارات سيميائية تتعلق بالمسرح، والذي عده فنا مركبا موسوما بتعدد الأصوات السيميائية إعلاما وفعلا وتواصلا، ومتميزا كذلك بكثافة العلامات،. وهذه العلامات المسرحية قد تكون أيقونات تماثلية أو رموز اعتباطية أو إشارات معللة. كما أن دلالة رسالة المسرح قد تكون مبنية على التضمين أو التعيين. بيد أن رولان بارت عجز عن متابعة ما أثاره في مجال المسرح والدراما .
    هذا، وتتواصل الدراسات السيميائيات في سنوات الستين والسبعين إلى يومنا هذا . وهكذا، نجد تاديوز كاوزان T.KOWZAN في سنة 1968م ينشر كتابه السيميائي القيم :” العلامة في المسرح”، ويان كوت Jan Kott في كتابه:” الأيقون ومسرح العبث” سنة 1969م، وأندري هيلبو André Helbo في كتابه:” مداخل إلى السيميولوجيا المسرحية”(1974م)” ، وكتاب:” الشفرة المسرحية”(1975م) ، وإيلام كير في كتابه: “سيميوطيقا المسرح والدراما” (1980م) ، و آن أوبرسفيلد في كتابها :” قراءة المسرح” (1977م) ، وباتريس بافيس في كتابه:” لغات خشبة المسرح” ، وكتاب :” مشاكل سيميائية المسرح”(1976م)،و أمبرطو إيكو في دراسته التي أنجزها سنة 1977م تحت عنوان” سيميطويقا الإنجاز المسرحي” .، وفرانكو روفيني Franco Ruffini الذي حاول تطبيق نظرية الإعلام على المسرح في كتابه” سيميوطيقا المسرح” ، و الذي ألفه سنة 1974م .
    ومن جهة أخرى، فقد خصصت مجلات مختلفة أعدادا كثيرة أو أجزاء منها لسيميائية المسرح كمجلة ” الجوهر / substance “(1977م)، ومجلة ” درجات /Degrés ” (1978م)، ومجلة “المكتبة المسرحية/ biblioteca teatrale”(1978م)، ومجلة ” الشعري/ Versus” (1978-1979)، ومجلة ” الشعرية الراهنة/ poetics Today” (1980م)…
    أما الدارسون العرب فلم يهتموا بالسيميوطيقا المسرحية إلا بعد صدور كتاب :” أنظمة العلامات، مدخل إلى السيميوطيقا” عام1986م بإشراف سيزا قاسم ونصر حامد أبو زيد، وأيضا بعد ترجمة مجموعة من الكتب ذات التوجه السيميائي في مجال المسرح والدراما ( أوبرسفيلد، وباتريس بافيس، و كير إيلام، وإلين أستون، وجورج سافونا…
    ومن الدرسات السيميائية العربية التطبيقية في المجال المسرحي والدرامي نذكر دراسة حازم شحاتة تحت عنوان:” الفعل المسرحي في نصوص ميخائيل رومان” ، وقد طبق فيها صاحبها المنهج السيميوطيقي من خلال دراسة المنظر المسرحي والحوار والنص المرافق والبناء المسرحي خطابا وقالبا ، وذلك على ضوء تعاليم فرديناند دي سوسير وبيرس ونظريات الوظيفيين البنيويين والشكلانيين الروس، وكتاب رضا غالب:” المثلث البنائي لفن التمثيل: الشخصية الدرامية/ الممثل/ الدور” ، والذي كان نموذجا سيميائيا لتطبيق أنواع العلامات كالأيقون والرمز والإشارة والاستعارة وغيرها…
    أما الدراسات السيميائية المخصصة لدراسة الصورة المسرحية ، وتصنيف أنواعها، وتبيان علاماتها، ودراسة بناها ودلالاتها ومقاصدها، فهي في اعتقادنا دراسات نادرة وقليلة جدا، ولا نجد منها سوى الشذرات سواء أكان ذلك في الثقافة الغربية أم في الثقافة العربية. ومن أهم الدراسات العربية التي تناولت الصورة المسرحية نستحضر كتاب نوال بنبراهيم :” جمالية الافتراض من أجل نظرية جديدة للإبداع المسرحي” ، وكتاب:” مسرح الصورة بين النظرية والتطبيق” لصلاح القصب …

    أنواع الصور المسرحية في العرض الدرامي:

    1- الصورة اللغويـــة:

    تعتمد الصورة اللغوية – إذا استعرنا آراء أندري مارتيني – A.Martinet على التمفصل المزدوج القائم على ثنائية المونيم (الكلمات) والفونيم (الأصوات) ، وبهذين المقومين اللسانيين يتحقق ما يسمى بالإبلاغ والتواصل. كما ترتكن الصورة اللغوية- السمعية على السرد تارة وعلى الحوار المباشر تارة أخرى. ويعتبر الحوار أس الصورة اللغوية المسرحية، وذلك بمقاطعه القصيرة أو المتوسطة أو الطويلة ، حيث يرد الحوار في شكل أسئلة وأجوبة استلزامية أو في شكل تعقيبات متسلسلة أو متوالية سواء أكان ذلك الحوار صريحا أم صامتا، كما يعتمد هذا الحوار على المنولوج أو المناجاة أو الاستبطان الداخلي.
    هذا، وتكون الصورة اللغوية المسرحية إما صورة حرفية تقريرية مباشرة وإما صورة بلاغية قائمة على الإيحاء والاستعارة والترميز. وبتعبير آخر، تخضع الصورة اللغوية المسرحية لثنائية: التعيينDénotation والتضمين Connotation.وتخضع الصورة اللغوية كذلك لنظرية أفعال الكلام ومنطقها التداولي في شكل: تقريريات، ووعديات، وموجهات، وتصريحات، و بوحيات.
    بيد أن الصورة اللغوية المنطوقة حسب باتريس بافيس Patrice Pavice تحمل في طياتها تجليات الصورة البصرية، لأن لغة الممثل استعارة وأيقون تحيل على شيء ما:” إن لغة الممثل تعمل كأيقونة حالما يتلفظ بها الممثل. أي إن ما يتلفظ به الممثل يصبح تمثيلا لشيء ما مساوق له فرضا،” ، وذلك لوجود التشابه بين الدال والمدلول.
    هذا، وقد تتحول الصورة اللغوية إلى صورة أيقونية طبوغرافية كما في هذا المقطع الدرامي البصري من المسرح الإليزابتي:

    له حديقة يحيط بها سياج من اللبن
    تمتد في جانبها الغربي كرمة
    بوابتها من ألواح متراصة
    يلجها هذا المفتاح الكبير
    أما هذا فهو مفتاح باب صغير
    يصل ما بين الكرمة والحديقة…”

    تقوم هذه الصورة الطبوغرافية على أساس تشابه استعاري محض بين التمثيل اللفظي والمشهد الموصوف.
    وترصد الصورة اللغوية السمعية العوالم المرجعية والعوالم الممكنة المبنية على الافتراض والاحتمال والتخييل، ولا يمكن تحديدها إلا عبر التشخيص اللغوي المنولوجي (أحادية الصوت) أو البوليفوني (تعدد الأصوات). كما تتجاوز الصورة اللغوية نطاقها الحسي والحرفي وطابعها التقريري المباشر إلى نطاق إيحائي وبلاغي قائم على صورة المشابهة(التشبيه والاستعارة) وصورة المجاورة (المجاز المرسل والكناية) والصورة الرؤيا(الرمز والأسطورة).
    وغالبا ما تتكون الصورة اللغوية السمعية من محطات درامية في شكل لقطات ومشاهد حوارية عبر ثلاث مراحل: مرحلة البرولوج Prologue(الاستهلال أو الوضعية الافتتاحية) ، ومرحلة الديالوغDialogue ( مرحلة العرض والعقدة والصراع الدرامي)، ومرحلة الإيبليوغ Epilogue( مرحلة الاختتام والانفراج والحل النهائي).

    2- صـــورة الممثــــل:

    ترتكز سيميائية صورة الممثل على تحديد أدواره ووظائفه انطلاقا من البنية العاملية ، والتي بدورها تتألف من مرسل ومرسل إليه، وذات وموضوع ، ومساعد ومعاكس عبر المحاور الثلاثة: محور التواصل، ومحور الرغبة، ومحور الصراع:

    محور التواصل: المرسل←المرسل إليه
    محور الرغبة: الذات← الموضوع
    محور الصراع: المساعد← المعاكس

    (خطاطة رقم 1 : محاور البنية العاملية)

    كما ينبغي على المستوى التركيبي رصد مختلف الحالات والأفعال والتحولات التي يقوم بها عامل الحالة أو عامل الفاعل تجاه موضوع الرغبة اتصالا وانفصالا. ثم، يتم تبيان مختلف الأدوار التي يقوم بها الممثل الفاعل كالدور العاملي، والدورالتيماتيكي (المعجمي)، والدور التصويري ضمن ما يسمى بسيميائية الفعل أو العمل لدى كريماص Greimas، والدور الاستهوائي والأخلاقي كما في سيميائية الأهواء لدى كريماص وجاك فونتاني Greimas et Jacques Fontanille ، والدور التلفظي كما في سيميائية محمد الداهي ، والدور الإدراكي و التفكيري كما في سيميائية الذهن لدى جميل حمداوي .
    هذا، وبعد استخلاص هذه الأدوار، تحدد الحقول الدلالية والمعجمية والصور الموضوعاتية، وتربط بالبنية العميقة التي تتمثل في المربع السيميائي، وذلك بعلاقاته القائمة على التضاد والتناقض والتضمن:

    أدوار الفاعل
    الدور العاملي الدور التيماتيكي الدور التصويري الدور الاستهوائي الدور التلفظي الدور الإدراكي
    سيميائية العمل سيميائية العمل سيميائية العمل سيميائية الأهواء سيميائية الكلام الروائي سيميائية الذهنية
    كريماص كريماص كريماص كريماص وجاك فونتاني محمد الداهي جميل حمداوي

    (خطاطة رقم 2: أدوار الفاعل)

    وهكذا، فالممثل المسرحي ينجز عملا أو مشروعا سيميائيا أو ينفذ برنامجا سيميائيا كما يقول كريماص ، وقد يكون هذا الممثل عامل الذات أو بطلا معاكسا ، فيتصارعان حول موضوع القيمة رغبة وصراعا ، وكل ذلك من أجل تنفيذ المهمة التي تقترن بالمرسل أو المرسل إليه. ويخضع الممثل سيميائيا لاختبارات التحفيز والترشيح والإنجاز والتقويم أو التمجيد، بعد أن يمتلك الممثل أهلية المعرفة والفعل والإرادة والواجب. وبالتالي، يقوم الممثل بإنجاز مجموعة من أفعال الحالة أو أفعال الإنجاز اتصالا وانفصالا، وذلك حسب مجموعة من الوضعيات كوضعية الاستهلال (الاستفتاح) ، ووضعية الإنجاز، ووضعية الاختتام، وهذه الوضعيات تشكل ضمن التصور الدرامي ما يسمى بالتراتب الهرمي.
    هذا، وقد يحمل الممثل الحامل للعلامة دلالات تعيينية أو دلالات تقريرية مباشرة حرفية أو دلالات تضمينية موحية ورمزية. ومن هنا، فزي الممثل ومكياجه مثلا يحمل دلالات وعلامات مباشرة وغير مباشرة، فالسيف أو الدرع قد يدل على الشجاعة أو الرجولة . وإذا كان معلقا على الجدار ، فقد يدل على الثروة والغنى والأصالة. وتدل علامة التاج أيضا على السلطة والأبهة. ويعني هذا أن علامة التضمين متعددة الدلالات والعلامات، بينما علامة التعيين لها دلالة أحادية صرفة.
    وينتج الممثل مجموعة من الصور كالصورة الإيمائية عبر علامات الوجه والجسد والساقين، وصورة التواصل عبر عمليات التحفيز والتأهيل والاختيار والاختبار والترشيح، وصورة الرغبة اتصالا وانفصالا، وصورة الصراع هزيمة وظفرا. كما يمكن الحديث عن صورة التحرك فوق خشبة المسرح أفقيا وعموديا وتقاطعا وانحرافا ، وصورة التموقع فوق الخشبة سواء أكان تموقعا أساسيا ( التجذير في المنطقة الأمامية والمركزية أمام المتلقي)، أم تموقعا ثانويا (التجذير في المنطقة الخلفية العلوية أو التواجد على حوافي اليمين أو اليسار) ، وصورة الحركة (السكون- الديناميكية- التحول).

    وقد يكون الممثل هنا عاملا سيميائيا كشخص أو دمية أو آلة أو فكرة أو شيء . وقد يكون دور الممثل بمثابة علامة تابعة لعلامة الديكور أو غيرها من العناصر السينوغرافيبة الأخرى:” ويمكننا في النهاية أن نعفي العامل البشري كليا من القيام بالمبادرة السيميائية، ونعهد بها إلى الديكور واللوازم لتؤخذ آنذاك على أنها مواضيع تلقائية فاعلة مساوقة لصورة الممثل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من التجارب المسماة بالطليعية في مسرج القرن العشرين قام على أساس ترقية الديكور إلى مستوى فاعل على المستوى السيميائي، وتنازل الممثل في المقابل عن” قوة الفعل”: كان إدوارد كوردون كريغ E.G.Craig يرى المثال في العرض الذي تكون فيه الغلبة لجهاز دال بشكل تضمني عال ، ويكون فيه للممثل دور محدد تماما في الماريونيت. وتقوم مسرحيتا صمويل بيكيت الميميتان ” مشهد بدون كلام: الأولى والثانية / Act without words” على تبادل بين الممثل واللوازم( حاملات العلامة) السينوغرافية التي تحيط بالممثل ، والتي تحدد صورته الإنسانية. فيما أسند الدور الأول الوحيد في دراميتهSadنفس BREATH ) التي لا تتجاوز الثلاثين ثانية إلى الديكور.”
    ويعني هذا أن الصورة المسرحية قد ترتبط بالممثل تارة، وقد ترتبط بالديكور أو بأي عنصر آخر تارة أخرى. وبتعبير آخر، إن البطولة ليست دائما من احتكار البطل الشخوصي كما في المسرح الكلاسيكي، بل قد تكون من نصيب الأيقونات أو الديكور أو الأثاث أو غير ذلك من المستلزمات الدرامية والسينوغرافية كما في المسرح المعاصر.

    3- الصــورة الكوريغرافيــة:

    من المعلوم أن الممثل يعرف بصوته وجسده وفعله. لذا، يقوم الممثل بثلاثة أدوار كبرى متداخلة: الدور الصوتي / التلفظي، والدور الحركي/ الكوريغرافي، والدور الدلالي/ المعجمي والتصويري. ويعني هذا أن ثمة ثلاث صور مرتبطة بالممثل: الصورة الصوتية/ السمعية، والصورة الكوريغرافية، والصورة التصويرية المعجمية. بيد أن ما يهمنا هنا الصورة الكوريغرافية التي تنبني على مقومات الممثل الجسدية من حركات وإشارات وإيماءات وتحركات تموقعية. ومن هنا، يمكن الحديث عن مجموعة من الأنساق والأنظمة والشفرات والكودات التي تساهم في توليد الدلالة، وتفعيل آثار السيميوزيس على مستوى التمثيل والتشخيص. ومن بين هذه الأنظمة النسقية الكبرى نستحضر نسق الوجه، ونسق اليدين، ونسق الجسم، ونسق الرجلين. ولكل نسق معجم خاص من الحركات والإشارات والإيماءات. ففي نسق الوجه، يمكن الحديث عن شفرة حركية وإيمائية تتكون من إيماءات الرأس، وإيماءات الشعر، وإيماءات الجبهة، وإيماءات الحاجبين، وإيماءات العين، وإيماءات الأنف، وإيماءات الفم، وإيماءات الذقن، وإيماءات الوجنتين… وعلى مستوى اليدين، يمكن الحديث عن إيماءات الكتف، وإيماءات الساعد، وإيماءات الذراع، وإيماءات اليد، وإيماءات الكف، وإيماءات الأصابع…
    هذا، وقد حدد أمبرطو إيكو U.Ecoقواعد الكينيسية Kinésiques كمجموعة دالة على الإشارات والحركات والإيماءات المتفق عليها اجتماعيا. وتتكون الكينيسية من الكينيم Kinéme (الإيماءة) كوحدة دنيا دالة، ذلك أن الإشارة الإيمائية ذات أهمية كبرى في حياتنا اليومية. ولا ننسى أيضا نحو الإيماءة Grammaire du mime مع دكرو E.Decroux . بيد أن أهم معجم إيمائي في مجال المسرح هو الذي قام به ديل سارت Del Sarte ، حيث ألف معجما إشاريا يتعلق بحركات كوميدي على الخشبة .
    وهناك كتابات سابقة حول الحركات كدراسة لدار جرين:” تعبير الانفعالات عند الإنسان والحيوان” (1873م)، وكتاب راي بيرد فيستيل Ray Bird Whistell ، وهو عبارة عن دراسة منظمة للحركات الجسدية.
    وهكذا، فقوام الصورة الكوريغرافية هو جسد الممثل؛ لأن الممثل يوظف مجموعة من العلامات اللفظية والعلامات الإيمائية والعلامات التمثيلية. ويقوم الممثل بأفعال إرادية وغير إرادية. فالممثل حامل العلامة السيميائية، وقد تكون العلامة أساسية أو ثانوية، أو تكون علامة وظيفية أو غير وظيفية، أو علامة إرادية أو غير إرادية.
    ويمكن الحديث ضمن الصورة الحركية أو الكوريغرافية عن أنواع عدة من الصور الجسدية المسرحية:
    1- الصورة الجسدية العادية: نجد هذه الصورة غالبا في مجموعة من العروض المسرحية الكلاسيكية الباهتة أو العروض التجارية العادية، حيث يلاحظ غياب الجسد بشكل مطلق وكلي. وبالتالي، تنعدم الدلالات السيميائية، وتفتقد المقصدية الحقيقية من المسرح، والتي تتمثل في المتعة والفائدة.
    2- الصورة الجسدية العارية: تهيمن صورة الجسد العاري بالخصوص في المسرح الطبيعي الذي يقدم لنا الكتل في حالتها الطبيعية سواء أكانت في حالة عاطفية أم جنسية أم غريزية ، بدون استخدام الرتوش الجمالية الواهمة أو الزائفة، أو التصنع فيها فنا أو مبالغة.
    3- الصورة الجسدية المحجبة: نلفي هذه الصورة الجسدية في المسرح الإسلامي الملتزم، حيث يصبح الجسد هنا محجبا بلباس فضفاض ، ومقيدا برسالة الإسلام النيرة والهادفة ، بدون التسبب في الفتنة والغواية.
    4- الصورة الجسدية الموشومة: يكتسي هذا الجسد فوق خشبة المسرح أشكالا متنوعة من الوشم، وذلك للتعبير عن طقوس ثقافية وحضارية كما نجد ذلك في المسرح المعاصر.
    5- الصورة الجسدية الاحتفالية: يعتمد المسرح الاحتفالي على جسد طقوسي شعائري شعبي فلكلوري ، وذلك من خلال أداء رقصات وحركات مرجعية ، تحمل في طياتها عبق الأصالة والمعاصرة.
    6- الصورة الجسدية السيميائية: يتحول الجسد هنا إلى علامات ورموز وإشارات وأيقونات ومفردات بصرية كما في المسرح الميمي ومسرح الصورة عند صلاح القصب.
    7- الصورة الجسدية المقنعة: يكتسي الجسد هنا قناعا أو دمية أو خيال الظل أو كركوزا كما في مسرح الماريونيت عند كوردون كريك أو ماييرخولد أو مسرح الكروتيسك أو مسرح الخبز والدمى عند بيتر شومان…
    8- الصورة الجسدية الآلية: يتحول الجسد هنا إلى آلة حية نابضة بالحياة والحركة، حيث يقوم الجسد بحركات بلاستيكية تشبه الآلة أو الروبوت كما في مسرح البيوميكانيك لدى الروسي ماييرخولد أو مسرح كروتوفسكي…
    9- الصورة الجسدية الرياضية: يقوم الجسد هنا بألعاب رياضية وحركات بهلوانية وسيركية كما في المسرح الجسدي عند جاك ليكوك…
    10- الصورة الجسدية المكثفة نفسانيا: تحضر هذه الصورة في العروض المسرحية الرومانسية الحارة، والتي تتأجج فيها العواطف، وتتقد شوقا ولهفة وصبابة.
    أما من حيث التمثيل وتقمص الأدوار، فيمكن الحديث عن ثلاث صور تشخيصية:
    أولا : صورة الاندماج كما عند قسطنطين ستانسلافسكي الذي كان ينصح الممثل بمعايشة الدور المسرحي نفسيا وواقعيا.
    ثانيا: صورة اللاندماج أو التشخيص الخارجي كما عند الفرنسي كوكلان، و الذي كان ينصح الممثل بأداء الدور خارجيا، دون الاندماج في الدور إلى درجة الإيهام والمعايشة الصادقة.
    3- صورة التغريب والإبعاد كما لدى الألماني برتولد بريخت ، والذي كان يدعو الممثل إلى تقمص الدور نوعا ما، مع الابتعاد عنه في نفس الوقت .

    4- الصـــورة التواصليـــة:

    من الصعب الحديث عن التواصل بشكل دقيق في المسرح، بحيث يصبح المرسل متلقيا، والمتلقي يتحول إلى مرسل. فالممثل في المسرح يتواصل مع ذاته ومع ممثل آخر حاضر أو غائب أو مع المشاهدين الحاضرين. ومن ثم، يمكن الحديث عن أنواع عدة من الصور التواصلية: التواصل الفردي، والتواصل الجماعي، والتواصل اللفظي والتواصل غير اللفظي، والتواصل المباشر والتواصل غير المباشر، والتواصل الحواري والتواصل البصري، والتواصل الرسمي والتواصل غير الرسمي. وهناك التواصل الذاتي ( منولوج ذاتي) والتواصل الغيري(الحوار) ، وينقسم التواصل الغيري بدوره إلى تواصل حضوري (الحوار مع شخصية حاضرة فوق خشبة المسرح) ، وتواصل غيابي( الحوار مع شخصية غائبة فوق خشبة المسرح)، وتواصل التفاتي ( يستحضر الجمهور، ويستدعيه عن طريق التعريض والتلميح ).
    ويرى جورج مونان George Monin أن رسائل التواصل على العموم أحادية الاتجاه قائمة على نموذج الحافز والاستجابة:
    المرسل(المؤدي)← العرض (المثير / السنن) ← المتلقي / المشاهد (الاستجابة).
    بيد أن هذا النموذج التواصلي الأحادي لا يمكن الأخذ به في المسرح الشعبي أو الاحتفالي، لأننا نرى أن الراصدين يشاركون الممثلين في بناء العرض المسرحي ، والمساهمة في صنع فرجته الدرامية بطريقة احتفالية تشاركية جماعية . ويعني هذا أن الراصد قد يتحول إلى مرسل والممثل إلى متلق.
    هذا، وقد كان الجمهور في المسرح الايطالي أو مسرح العلبة منذ عصر النهضة لا يشارك في العرض، بيد أنه مع بريخت وظهور المسرح الاحتفالي والمسرح الشعبي، بدأ الراصدون يشاركون الممثلين في بناء الفرجة الدرامية الركحية. وأصبح اتجاه التواصل متعددا ومتنوعا. ومن هنا، يمكن الحديث عن صورة تواصلية أخرى في مجال المسرح:
    المصدر(المؤلف/ المخرج/ السينوغراف/ التلفزيون…) ← الناقل أو المرسل (جسد، ممثل، صوت، لوازم، ديكور، أضواء…) ←الإشارة (حركات، وإشارات، وإيماءات، وروائح ، وأصوات، ونبضات…) ← قناة (موجات صوتية، موجات ضوئية، قنوات لمس…) ← تشويش←متلق(عيون، آذان، أنف، لمس…) ←رسالة ( تصفيق، صفير، احتجاج ، همدرة…) ← مقصدية ←السنن أو الكود.
    ويمكن الحديث كذلك عن نظام تواصلي آخر في المسرح كما لدى رومان جاكبسون Roman Jackobson، فنقول: المرسل ووظيفته الانفعالية، والرسالة ووظيفتها الجمالية، والمرسل إليه ووظيفته التأثيرية، والقناة ووظيفتها الحفاظية، والمرجع ووظيفته المرجعية، والسنن ووظيفته الوصفية. ويمكن أن نضيف إلى هذه العناصر الست الأيقون ووظيفته الأيقونية.
    ويمكن أن نشير إلى نظام تواصلي آخر ساهم فيه كل من إتيان سوريو وكريماص Greimas، ويسمى بنظام العوامل Structure Actantielle، حيث أرسى إتيان سوريو E.Souriau نظريته في العوامل المسرحية ، وذلك من خلال منطق سيميائي فلكي في كتابه: “مائتا ألف موقف درامي “. وتتمثل العوامل الدرامية عند سوريو في هذه المفاهيم الفلكية:
    1- الأسد: لتمثيل القوة الموضوعية الموجهة.
    2- الشمس: لتمثيل الخير المرغوب فيه والقيمة الموجهة.
    3- الأرض: لتمثيل ما يحصل على الخير الذي يعمل من أجله الأسد.
    4- المريخ: لتمثيل المعارض أو العائق.
    5- الميزان: لتمثيل الحكم الذي يهب الخير.
    6- القمر: لتمثيل المساعد الذي يعزز إحدى القوى السابقة.
    ويمكن ترجمة هذه المصطلحات الفلكية المتعلقة بالأفلاك والأبراج السماوية بالعناصر العاملية الستة على الشكل التالي:
    البطل ← الموضوع
    المرسل← المرسل إليه
    المساعد← البطل المضاد.
    بيد أن البنية العاملية لم تكتسب بعدها المنهجي والإجرائي إلا مع كريماص Greimas، والذي عمق مفاهيمها في العديد من كتبه السيميائية النظرية والتطبيقية، وذلك من خلال تطبيقها على مجموعة من الأنشطة البشرية سواء أكانت حكايات أم قصصا أم روايات أم مشاريع سيميائية مختلفة عامة وخاصة.
    هذا، وتتحدد البنية العاملية عند كريماص في ثلاثة محاور وست عوامل. وهذه المحاور هي: محور التواصل، ومحور الرغبة، ومحور الصراع. أما العوامل الستة فهي: المرسل والمرسل إليه، والذات والموضوع، والمساعد والمعاكس.
    ويعني كل هذا أن العرض المسرحي يتألف على المستوى التواصلي من عناصر متنوعة (المصدر- الناقل- الإشارة- القناة- التشويش- المقصدية- السنن) ، ووظائف مختلفة: ( الانفعالية- التأثيرية- الحفاظية- المرجعية- اللغوية- الأيقونية …)، ويشتمل على رسائل مباشرة وغير مباشرة تفهم حسب السياق والمقام التواصليين تداولا وإنجازا وتخاطبا. بيد أن هذه العناصر يمكن تجميعها في هذا الثالوث التواصلي الدرامي المختصر:
    المرسل←العرض المسرحي←المشاهد أو المتلقي الراصد.
    ويمكن الحديث عن تواصل آخر على المستوى المكاني، ويسمى هذا التواصل بالتقريبية (Proxémique)، وقد نظر له هول E.T.Hall ، وذلك في كتابه: ” الكلام الصامت” The Silent Language ، حيث يقدم الكاتب فيه المسافات الدلالية الثمانية بين متحدثين أمريكيين :

    1- قريب جدا
    (من5 إلى 20 سنتم) همس خفيف سري جدا
    2- قريب
    (من 20 إلى 30 سنتم) همس مسموع حميمي
    3- مجاور
    (من30 إلى 50 سنتم) صوت منخفض في الداخل/ صوت مرتفع في الخارج حميمي
    4- حيادي
    (من 50 إلى 90 سنتم) صوت منخفض، حجم ضعيف موضوع شخصي
    5- حيادي
    (من1.30 إلى 1.50م) صوت مرتفع موضوع غير شخصي
    6- مسافة عمومية
    (من1.60 إلى 2.40م) صوت مرتفع مفخم قليلا أخبار عمومية موجهة لتكون مسموعة من أشخاص
    7- عبر الغرفة
    (من2.40 إلى 6م) صوت عال متكلما إلى مجموعة
    8- دون حدود
    (من6 إلى 30م) صوت عال تحيات من بعيد، رحيل، الخ

    نلاحظ هنا أن المسافة المكانية تتحدد انطلاقا من خاصية السمع. ومن ثم، فالمسافة اصطلاحية واعتباطية، لأنها تتغير من شعب إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى. ” فالأنكلوسكسونيون يحافظون على مسافة معينة بين المتحدثين. وعلى العكس من ذلك، يميل اللاتينيون إلى التقليل منها. وينتج عن هذا أن الأنكلوسكسون يشعرون بضيق وانزعاج من اللاتينيين، بينما يراهم هؤلاء باردين ومتحفظين. وهذا ماذكره هال:”إن المسافة في أمريكا اللاتينية أصغر منها في الولايات المتحدة. وإن الناس، في الواقع، لا يستطيعون الكلام براحة إلا عبر مسافة قريبة جدا، الشيء الذي يثير في أمريكا الشمالية مشاعر جنسية أو عدائية. والنتيجة أنهم كلما اقتربوا ابتعدنا. وبناء على هذا فإنهم يظنون أننا متعجرفون، وباردون، ومحافظون، وغير وديين. بينما نتهمهم نحن دائما بأنهم ينفخون في وجوهنا، ويحاصروننا، ويرشون من لعابهم على وجوهنا أثناء حديثهم.
    إن الأمريكيين الذين عاشوا بعضا من الوقت في أمريكا اللاتينية دون أن يدركوا معنى هذه المسافات يستخدمون حيلا أخرى. إنهم يتحصنون خلف مكاتبهم، ويستعملون الكراسي والطاولات لكي يبقوا الأمريكي اللاتيني واقفا على مسافة يعتبرونها مريحة.
    والنتيجة، فإن الأمريكي اللاتيني يستطيع أن يذهب إلى حد يصعد فيه الحاجز ليصل إلى مسافة حيث يتحدث براحة”.

    5- الصـــورة الميزانسينيــة:

    نعني بالصورة الميزانسينية أو الركحية تلك الصورة الإدراكية الكلية الشاملة التي تؤطر الفرجة الدرامية من جميع جوانبها وحوافيها ، ويسهر على تشكيلها المخرج بمعية المؤلف والسينوغراف والممثل. وتتسم هذه الصورة بالتأطير والحركية والشمولية والتصدير والإبانة ، وتنبني كذلك على تداخل مجموعة من الفنون والصور التي تساهم كلها في خلق صورة مشهدية مرئية وبصرية ذهنيا ووجدانيا وحركيا. ومن هنا، فالصورة الميزانسينية هي التي تقوم على اللغة والشعر والموسيقى والغناء والتشكيل والسينما. ويعني هذا أن الصورة الميزانسينية صورة مركبة وشاملة ، وتنبني على تقطيع المشاهد بطريقة جزئية في شكل لقطات ومتواليات سمعية وبصرية ، وتركيبها في شكل مونتاج كلاسيكي أو حداثي أو تجريبي. وبتعبير آخر، يتم تقديم هذه المشاهد المسرحية إيقاعيا إما بشكل تصاعدي وإما بشكل هابط وإما بشكل تقاطعي، أو عرض الأحداث المسرحية بمونتاج سريع أو بمونتاج بطيء.

    6- الصــورة السينوغرافيــة:

    ترتكز الصورة السينوغرافية على تأثيث الفضاء سيميائيا وأيقونيا، وتحويله إلى تحفة تشكيلية بصرية لونية وجسدية وضوئية وإيقاعية. ومن هنا، فالصورة السينوغرافية هي صورة مشهدية كبرى تشتمل على مجموعة منن الصور المسرحية الفرعية كالصورة اللونية( الأزياء، والماكياج، والتشكيل…)، والصورة الضوئية ( الإضاءة…)، والصورة الايقاعية الزمنية( الموسيقى…)، والصورة الجسدية( الرقص والكوريغرافيا، وحركات الجسد…)، والصورة الفضائية( تقسيم الخشبة وتوزيعها …).
    وهكذا، فالصورة السينوغرافية تعتمد على تحقيق:” رؤية متكاملة في عناصر الإضاءة والصوت( أو المؤثرات الموسيقية والغنائية) والديكور والملابس بالقدر نفسه ، لتكامل وتداخل جهود مصمميها مع المخرج والمؤلف( ومع الممثلين أحيانا)، لخلق فضاء خاص للعرض ينقله من مجرد تجسيد النص إلى إعادة خلقه من جديد داخل رؤية تتشابك فيها الفنون التشكيلية مع الفنون المسرحية.”

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 2:29 pm