منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    المعاييـــر السيميائية لتقطيــــع النصوص والخطابات

    سامية الزمردة الخضراء
    سامية الزمردة الخضراء


    عدد المساهمات : 42
    تاريخ التسجيل : 23/12/2010

    المعاييـــر السيميائية لتقطيــــع النصوص والخطابات Empty المعاييـــر السيميائية لتقطيــــع النصوص والخطابات

    مُساهمة  سامية الزمردة الخضراء الجمعة سبتمبر 23, 2011 2:12 pm

    [center]
    « اعترافات الحاضر الغائب
    مدخل الى نصّ ( أنيتا ) لكمال العيادي »

    د. جميل حمداوي
    المعاييـــر السيميائية لتقطيــــع النصوص والخطابات
    إمدادات هذا الكاتب د. جميل حمداوي 06 نوفمبر 2010

    المعاييـــر السيميائية لتقطيــــع النصوص والخطابات

    د. جميل حمداوي

    توطئــــــة:

    يعتبر تقطيع النص أو الخطاب إلى مجموعة من المقاطع الصغرى أو الكبرى عملية منهجية ناجعة للإحاطة بدلالات النص الظاهرة أو العميقة. كما أن هذه العملية خطوة بيداغوجية أولية ضرورية لاستخلاص الوحدات المعنوية ، وحصر البنيات الصغرى والكبرى التي تتحكم في بناء النص، وتعمل على تمطيطه وتوسيعه إطنابا وتكثيفا وإسهابا.
    ومن المعلوم أن السيميوطيقا قد أولت عناية كبرى لعملية التقطيع؛ لما لهذه العملية من فوائد عملية وعلمية ومعرفية ومنهجية وبيداغوجية، حيث تساعد السيميائي بصفة خاصة، والدارس أو الباحث أو المحلل أو المؤول أو القارئ بصفة عامة، على تحليل النص تحليلا علميا دقيقا ومضبوطا، ومقاربة الخطاب تفكيكا وتركيبا، وذلك قصد استخلاص دلالاته التيماتيكية والغرضية ، واستكشاف وحداته المعنوية، وتحصيل آثار المعنى المباشرة وغير المباشرة.
    إذاً، ماهو مفهوم المقطع والتقطيع؟ وماهو النص والخطاب؟ وما هي المعايير السيميائية لتحديد المقاطع النصية والخطابية؟ وما هي أهمية التقطيع في مجال البنيوية والسيميائيات، وتحليل النصوص والخطابات؟ تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في هذه الورقة التي بين أيدكم.

    q مفهــــوم النــص والخطـــاب:

    من المعلوم أن النص le texte )) عبارة عن مجموعة من الكلمات والجمل التي تشكل في البداية ما يسمى عند أندريه مارتينيه بالتمفصل المزدوج (Double Articulation). ومن ثم، يتكون النص عبر التحام الجمل، واتساقها نسيجا وانتظاما، وترابطها عضويا وموضوعيا. وبالتالي، يلاحظ أنه عبر امتداد مساحة النص يتشكل ما يسمى بالفقرات ( paragraphes)، والمقاطع( strophes) والمتواليات (séquences )، والتي تؤلف بدورها في الأخير ما يسمى بالنص، والذي من بين أهم وظائفه الأساسية والبارزة: وظيفة التواصل والإبلاغ والتداول.
    هذا، ويتميز النص عن اللانص حسب الباحث المغربي الدكتور عبد الفتاح كليطو بمجموعة من الضوابط ، والتي تتمثل في كون النص يحمل ثقافة، ويعتمد على النظام، وهو قابل للتدوين والتعليم، وينسب إلى كاتب حجة، ويحتاج إلى تفسير وتأويل.
    ومن جهة أخرى، يعرف الخطاب(Discours) بأنه الإطار الشكلي للمتن أو المحتوى، أو التعبير والصياغة الفنية والجمالية للمضامين والمحتويات المعروضة ضمن القصة أو الحكاية ، إذا كان الحديث مثلا عن النص السردي. وغالبا ما يشمل الخطاب في هذا الصدد الوصف، والرؤية، والصوت، والزمن. في حين تحوي الحكاية الأحداث، والشخصيات، والفضاء السردي. ويتسم الخطاب كذلك بالكلية، والإيحاء، والتلميح، والتضمين، والانتظام، والاتساق، والانسجام، والشكلية، والاهتمام بجمالية اللغة، والانقطاع عن الإحالة المرجعية، والتنصيص على الأدبية القولية الداخلية، والارتكان إلى الوظيفة الإنشائية والقولية البنائية، والتي تخضع بدورها للتحديث والانزياح والتجريب. ومن ثم، فما “يميز الخطاب الأدبي- حسب الباحث التونسي عبد السلام المسدي- هو انقطاع وظيفته المرجعية ، لأنه لايرجعنا إلى شيء، ولا يبلغنا أمرا خارجيا، وإنما هو يبلغ ذاته، وذاته هي المرجع المنقول في الوقت نفسه. ولما كف الخطاب الأدبي، عن أن يقول شيئا عن شيء إثباتا أو نفيا، فإنه غدا هو نفسه قائلا ومقولا، وأصبح الخطاب الأدبي من منقولات الحداثة التي تدك تبويب أرسطو للمقولات مطلقا.”
    ويرى الباحث الجزائري نور الدين السد بأن الخطاب الأدبي يأخذ:”استقراره بعد إنجازه لغة، ويأخذ انسجامه وفق النظام الذي يضبط كيانه، ويحقق أدبيته بتحقيق انزياحه، ولا يؤتى له عدوله عن مألوف القول دون صنعة فنية، وهذا ما يحقق للخطاب الأدبي تأثيره، ويمكنه من إبلاغ رسالته الدلالية، غير أن دلالة الخطاب الأدبي ليست دلالة عارية، يمكن القبض عليها دون عناء، بل الذي يميز الخطاب هو التلميح وعدم التصريح.”
    ومن ثم، يخضع تقطيع النصوص السردية بصفة خاصة والخطابات بصفة عامة، سواء أكانت أدبية أم فنية أم علمية أم قانونية أم سياسية أم اجتماعية أم فلسفية أم إعلامية ، لعدة معايير سيميائية تساهم في تذليل الصعوبات التي قد يواجهها الباحث أو الدارس أو المحلل أو الناقد، وذلك أثناء الاحتكاك مع المعطى الإبداعي والثقافي المعروض. إذاً، ياترى ماهي أهم المعايير السيميائية لتقطيع النصوص والخطابات؟

    q المعاييـــر السيميائية لتقطيـــع النصوص:

    ثمة مجموعة من المعايير السيميائية التي يستند إليها الباحث أو الدارس أو المحلل السيميائي لتقطيع النصوص بنيويا أو دلاليا، أو تفكيك الخطابات سيميائيا، أو تشريحها بطريقة تفتيتية أو تجزيئية، وكل ذلك من أجل إعادة بنائها من جديد، بغية فهمها، وإزالة غموضها، والحد من التباسها الدلالي والمقاصدي. مع العلم أن المقطع عبارة عن وحدة دلالية وحكائية وخطابية مستقلة بنفسها دلاليا وتركيبيا وتداوليا، قابلة لأن تدمج في حكاية أكبر تضمينا وتوليدا.أي: إن:”كل مقطع سردي يكون قادرا على أن يكون لوحده حكاية مستقلة، وأن تكون له غايته الخاصة به، غير أنه يكون قادرا أيضا على الاندماج داخل حكاية أكبر توسعا مؤديا وظيفة خاصة داخلها.”
    أما عملية التقطيع النصي والخطابي le découpage، فتتمثل في تقسيم النص إلى مجموعة من المقاطع والوحدات والبنيات والمتواليات والفقرات، وذلك على ضوء مجموعة من المعايير الدلالية والشكلية والتداولية.
    هذا، ومن أهم الذين اهتموا بتقطيع النصوص والخطابات في مجال سيميائيات السرد، نلفي الشكلاني الروسي فلاديمير بروب V. Proop ، وذلك في كتابه:” مورفولوجية الخرافة”، والذي يقول فيه:”حين نحلل نصا، يجب أن نحدد بدءا عدد المقاطع التي يتألف منها. إن المقطع يمكن أن يتلو مقطعا آخر مباشرة، بيد أنهما يجوز أن يتشابكا، وذلك حينما يتوقف التطور المبدوء تاركا المكان لإدراج مقطع آخر.إلا أن عزل مقطع ليس بالأمر السهل دائما، لكنه ممكن وبدقة كبيرة.”
    ونستدعي كذلك في هذا النطاق السيميائي الفرنسي كريماص Greimas، والذي ألح كثيرا على تقطيع النصوص قبل بداية عملية التحليل السيميائي، وذلك في مجموعة من كتبه مثل:”في المعنى/ Du sens “، و” موباسان: سيميوطيقا النص/ Maupassant : la sémiotique du texte” ، وتبعهما في ذلك مجموعة من السيمائيين الغربيين، مثل: كلود بريمون، ورولان بارت، وتودوروف، وجوليا كريستيفا، وجوزيف كورتيس، وجماعة أنتروفيرن، وجاك فونتانيل… ، والسيميائيين العرب كمحمد مفتاح، وعبد المجيد نوسي، وسعيد بنكراد، وعبد الحميد بورايو، ومحمد الداهي، وعبد الرحيم جيران، وعبد اللطيف محفوظ، وطائع الحداوي، وسعيد بوطاجين، وجميل حمداوي، وعبد المجيد العابد…
    وعليه، فيمكن تحديد المعايير السيميائية لتقطيع النصوص والخطابات في الضوابط والمحددات التالية:

    1- المعيـــار البصـــري:

    يرتبط المعيار البصري بالجهاز الكتابي والطباعي الذي يظهر فوق الصفحة ،ويقترن أيضا بكل العلامات الطيبوغرافية التي يتضمنها النص أو الخطاب، كتقسيم المعطى المعروض إلى جمل مفصولة بعلامات الترقيم، وتقطيعه إلى فقرات ومقاطع وفصول ومشاهد ومناظر ولوحات وأبواب وعناوين أساسية وفرعية وداخلية ومقطعية، وتشغيل حروف رقيقة أو مشبعة بالسواد، وتنويع خطوط الكتابة، والتي قد تكون فوق الصفحة أفقية أو عمودية أو مائلة أو منحرفة. كما يحيل هذا المعيار على ثنائية البياض والسواد ، ولاسيما في النصوص الشعرية . ويحيل كذلك على عالم الأيقونات والمخططات والمؤشرات البصرية التي يزخر بها النص، والتي يمكن أن تصبح بشكل من الأشكال من معايير التقطيع، والتدليل، والتسوير، والتحديد، والتسييج الموضوعاتي.
    ويعني هذا أن وجود فراغ بصري ما، أو وجود بياض بجوار السواد، أو ووجود نجمات أو نقط أو دوائر ، أو أشكال أيقونية فاصلة بين النصوص الصغرى أو الكبرى، يمكن اعتمادها لتقطيع المتن إلى مقاطع نصية دالة ومعبرة.
    بيد أن المعيار البصري، والذي يعد معيارا طبيعيا ومؤشرا ابتدائيا أوليا في عملية التقطيع، يبقى في بعض الأحيان غير كاف وغير ضروري لتحديد مقاطع النص أو الخطاب . لذا، يلتجئ الدارس أو محلل النص أو الخطاب إلى معايير أخرى قد تكون فضائية أو صرفية أو نحوية أو تركيبية أو تداولية…. بغية مواجهة النص، وإخضاعه، بالتالي، لمنطق التشريح والتركيب.

    2- المعيـــار التركيـــبي:

    يستند المعيار التركيبي في تقطيع النصوص والخطابات إلى مجموعة من الروابط النحوية التي تساهم في تحقيق اتساق النص وانسجامه. ومن بين هذه الروابط، نذكر: لكن – على الرغم من– هذا، وإن- وعلى العموم- بيد أن- هذا من جهة، ومن جهة أخرى- ويعني هذا- أي – والمقصود بهذا- غير أن- وهكذا…
    تساهم هذه الروابط التركيبية – إذاً- في تبيان المقاطع النصية والخطابية، وتحديدها بشكل جلي وواضح، وتمييزها عن بعضها البعض، وهي تحقق بذلك ما يسمى بالاتصال الانفصالي (Conjonction disjonctive) ، ” والتي تستعمل على المستوى التركيبي لإبراز علاقة الاتصال بين مقطعين يوجد بينهما تعالق، لكن كل مقطع يتميز من الآخر، ويتحقق ذلك حين ابتداء المقطع اللاحق عن السابق برابط من هذه الروابط.”.
    ويعني هذا أن هناك مجموعة من المؤشرات والروابط والمحددات النحوية والتركيبية التي تفصل بين المقاطع اتصالا وانفصالا، وقد تكون هذه المقاطع التركيبية مقاطع إثبات، أو مقاطع تضاد وتعارض وتناقض ، أو مقاطع تضمن ، أو مقاطع استدلال وبرهنة وحجاج وإقناع ، أو مقاطع شرح وتفسير وتعليل، أو مقاطع إضافة وزيادة، أو مقاطع استنتاج، أو مقاطع شرط وافتراض، أو مقاطع مقارنة وموازنة، أو مقاطع تقويم وحكم، أو مقاطع تأكيد وتقرير، أو مقاطع استشهاد وتمثيل واستنساخ واقتباس وتضمين… بل يمكن القول: إن الروابط التركيبية المقطعية تضفي على النص والخطاب اتساقا وانسجاما ولحمة بنيوية تسمى بالوحدة العضوية والموضوعية.

    3- المعيـــار الفضائــي:

    يتمثل المعيار الفضائي في استعمال المؤشرات الزمانية والمكانية في تقطيع النصوص والخطابات تجذيرا وتموقعا واندماجا. وبالتالي، يمكن للزمان أو المكان أن يسهلا عملية القراءة والاستيعاب، وفهم النص فهما جيدا، وتأويل مقاصده ورسائله القريبة والبعيدة. ولا يتحدد ذلك بوضوح إلا بوجود أمكنة وأزمنة مختلفة على مستوى التحديد والتأشير؛ لأن الاختلاف عند السيميائيين هو أساس المعنى، وتكون الدلالة. فإذا استحضر النص مثلا حكاية وقعت أحداثها في النهار والليل، فيمكن تقطيعها إلى مقطعين سرديين: المقطع الأول محدد بالنهار، والمقطع الثاني محدد بالليل. وإذا استحضر النص نفسه حكايتين الأولى وقعت في مكان معين والأخرى في مكان آخر سواء أكان داخليا أم خارجيا، فيمكن تقطيع النص على ضوء المعيار المكاني إلى مقطعين متتالين اتصالا وتلاحقا وترابطا ، وذلك على الرغم من انفصالهما الظاهري.
    ويتمظهر المعيار الفضائي بكل جلاء ووضوح في النصوص والخطابات التي تتضمن في طياتها أحداثا سردية، أوتحوي أفعالا تنجزها الشخصيات العاملة أو الفاعلة ، وذلك عبر برامج سردية ديناميكية متعاكسة ومتناقضة أو متشاكلة.

    4- المعيار العاملي أو الفاعـلي:

    يعد المعيار العاملي (المرسل- المرسل إليه- الذات- الموضوع- المساعد- المعاكس)، أو المعيار الشخوصي (الشخصيات الرئيسة أو الثانوية) ، أو المعيار الفاعلي (الفاعل التيماتيكي أو المعجمي أو الكلامي) من أهم المعايير التي يعتمد عليها السيميائيون لتقطيع النصوص السردية؛ لأن ظهور فاعل أو عامل أو شخصية في ساحة الأحداث، أو غيابها ليحضر عامل أو فاعل آخر، فإن ذلك يساهم بلا شك في تحديد المقاطع النصية بشكل مضبوط ودقيق. كما أن الصراع بين العوامل لتحصيل الموضوع المرغوب فيه، بالإضافة إلى ربطها بالبرامج السردية تحفيزا وتأهيلا وإنجازا وتقويما، يمكن أن يشكل ذلك محددات أساسية في عملية تقطيع النصوص والخطابات. كما أن ربط الشخصيات والفواعل بالأغراض الدلالية والأدوار المعجمية قد يساعد المحلل السيميائي على ضبط عملية التقطيع والتقسيم. ويعني هذا أن هيمنة الشخصية داخل متوالية نصية أو خطابية يجعل من تلك المتوالية وحدة سردية مستقلة بنفسها، يمكن أن تتحول إلى مقطع نصي أو خطابي.

    5- المعيـــار الــدلالي أو التيماتيـــكي:

    يعتبر المعيار الدلالي sémantiqueأو التيماتيكي thématique المعيار المعتمد كثيرا في تحديد المقاطع النصية، وذلك بالتركيز على التيمات أو الموضوعات أو الأفكار الرئيسة كما فيالمقاربة الموضوعاتية ، أو يتم ذلك عن طريق استخلاص الحوافز والوظائف كما فعل فلاديمير بروب في كتابه: “مورفولوجية الحكاية” ، وذلك حينما استخلص إحدى وثلاثين وظيفة من مائة حكاية روسية خرافية عجيبة.
    ويعني هذا أن المعيار الذي كان يعتمد بكثرة في تقسيم النص أو الخطاب هو المعيار الدلالي، والذي كان يعنى بتقسيم المعطى إلى وحدات معنوية دلالية وصور معجمية وغرضية بارزة. وكان ذلك يتم بشكل من الأشكال عن طريق تحديد الأفكار العامة والأساسية والثانوية والفرعية، انطلاقا من المسح الاستقرائي الذي يشمل النص أو الخطاب من البداية حتى النهاية، مرورا بمحطة العقدة والبؤرة والوسط، وذلك بالتركيز على تحليل أفكار النص ومناقشتها، واستعراض بنياتها الدلالية في شكل تيمات وموضوعات وحقول دلالية جامعة، تجمع مفردات المعاجم، وتضم قواميس النص أو الخطاب. وبعد ذلك، يتم تجميع الوحدات الفكرية والمقاصد والحوافز في شكل بنيات ذهنية، ومقولات مجردة، وبنيات دالة معنوية، وذلك في هيئة عناوين مركزة، وتصورات مقتضبة، وأقوال مكثفة، وعبارات جامعة ومانعة، تلخص دلالات النص المسهبة والمنتشرة عبر صفحة الخطاب توسيعا وتمطيطا وتكرارا وإطنابا.

    6- معيـــار التشاكـــل :

    يعتبر معيار التشاكل من أهم المعايير التي تساهم في تقطيع النصوص على مستوى الوحدة المعنوية، وخلق آثار الدلالة. ويعني هذا أن التشاكل له علاقة وطيدة بالمعيار الدلالي والتيماتيكي. ومن المعروف أن التشاكل (Isotopie ) مصطلح فيزيائي وكيميائي يدل على الوحدة والموحد و التوازي والتجانس والتناظر والتشابه والتماثل، كما يدل على تساوي الخصائص في جميع الجهات ، ويعني أيضا الانتماء إلى حقل أو مجال أو مكان معين. وتشتق كلمة التشاكل ISOTOPIE اليونانية من ISO ، بمعنى متشابه ومتماثل. وتشتق كذلك من كلمة كلمة TOPOS ، بمعنى الفضاء والمكان. ومن ثم، تعني الإيزوتوبيا Isotopie نفس الموقع والمكان والمجال.
    هذا، وقد نقل كريماصA.J.Greimas هذا المصطلح من حقل الفيزياء والكيمياء ، فاستثمره في سيميوطيقا السرد ، وذلك باعتباره من أهم المفاهيم المركزية لتحليل الخطاب، وبناء المعنى، وتحقيق الاتساق والانسجام ، واستكناه الدلالة تجريدا وتقعيدا.
    ومن جهة أخرى، فقد يكون التشاكل على مستوى الجملة، كما يكون على مستوى الخطاب، ويكون أيضا على مستوى المضمون والدلالة، كما يكون على مستوى الشكل التعبيري ، ويتحقق كذلك على المستوى التداولي والمقاصدي. وبالتالي، فالتشاكل يتم واقعيا عن طريق تراكم المقومات المعجمية والمقومات السياقية. ومن ثم، يحقق هذا التشاكل انسجام الحكاية ، وسهولة مقروئيتها ، مادام التشاكل عنصرا أساسيا في إزالة الغموض والإبهام والالتباس أثناء عملية التقبل و التلقي.
    ويوظف التشاكل كما هو معروف في مجالات وميادين متنوعة ومختلفة مثل: السيميوطيقا والبلاغة والأسلوبية وعلم الدلالة ، وذلك لبناء معنى النص، وخلق انسجامه. ومن هنا، فالقارئ هو الذي يستطيع بشكل من الأشكال تحديد تشاكل النص ، وذلك برصد التكرار أو التوارد . ومن المعلوم أن تعاريف التشاكل متعددة ومتنوعة، وتختلف من دارس إلى آخر. وعلى الرغم من ذلك، فالتشاكل لا يتحقق في مقطع أو خطاب إلا بوجود مقوم واحد أو مقومات دلالية عدة مشتركة . ويعتبر التشاكل كذلك نتاج تكرار عناصر الدلالة لنفس المقولة . ويعني هذا أن التشاكل عبارة عن مجموعة من المقولات الدلالية التي تجعل قراءة سردية ممكنة منسجمة، والتي تتم قبل ذلك بواسطة قراءات جزئية للأقوال، وكل ذلك من أجل إزالة الغموض والإبهام عن النص المعطى.”
    ويعرف التشاكل كذلك بأنه تكرار لأي وحدة لسانية أو لغوية سواء أكان صوتا أم سمة أم بنية جملية. ويدل التشاكل الدلالي على تكرار السمات التي تؤمن الوحدة الدلالية للمتوالية النصية المتمظهرة، سواء أكانت تلك السمات تقريرية أم إيحائية، عامة أم خاصة.
    ويحضر التشاكل كذلك إذا كان هناك قاسم مشترك واحد على الأقل بين وحدتين دلاليتين تقعان في نفس المحور التركيبي .
    هذا، ويعتمد التشاكل على التحليل الدلالي ، وذلك من خلال التركيز على التحليل بالمقومات والمقومات السياقية ، بغية تحقيق وحدة النص ، وخلق اتساقه وانسجامه، وإزالة غموضه وإبهامه. ومن ثم، فهناك تشاكل دلالي وتشاكل سيميولوجي. كما يقع التشاكل على مستوى الدلالة(التمطيط الدلالي والتواتر المعجمي)، والبنية (الأصوات- الإيقاع- التركيب- الصرف- البلاغة) ، والتداول (الوظيفة- المقصدية). ويتحقق التشاكل أيضا عبر الجملة والخطاب معا. بل يمكن الحديث عن تشاكل بسيط يتعلق بتشاكل الوحدات الصوتية، وتشاكل الوحدات الصرفية، و تشاكل الوحدات المعجمية، و تشاكل الوحدات الدلالية. ومن جهة أخرى، نتحدث عن التشاكل المعقد الذي يتمثل في الجمع بين كل هذه التشاكلات الأربعة داخل مختلف التمظهرات النصية. كما يمكن الحديث عن أنواع من التشاكلات: التشاكل الصوتي، والتشاكل الإيقاعي، والتشاكل الدلالي، والتشاكل السردي، والتشاكل التلفظي، والتشاكل التركيبي. وهناك أيضا تشاكل حرفي تقريري، وتشاكل إيحائي مجازي.
    هذا، ويؤدي:” تحديد التشاكلات إلى إبراز آليات نمو الخطاب الروائي وتوالده، فالخطاب حينما يحدد إطارا متشاكلا، يعمل على تنمية مقاطعه الأخرى اعتمادا على هذا الإطار الأولي بمراكمة الوحدات المعجمية التي تنتشر داخل المسارات التصويرية.”
    وعليه، فالتشاكل مفهوم سيميائي إجرائي يسعف الباحث على تحليل الخطاب دلالة وصياغة ومقصدية، وذلك من خلال رصد المقومات المعجمية والمقومات السياقية، قصد توفير مقروئية منسجمة للنص.
    وهكذا، فالتشاكل من أهم المعايير السيميائية التي تساعد محلل الخطاب على استكناه دلالات النص، وتحديد مقاطعه دلاليا بسهولة ويسر، وتسعفه كذلك على تكوين قراءة تأويلية منسجمة ومتسقة تركيبيا ودلاليا وتداوليا.
    6- المعيــار المنـــاصي:

    نعني بالمعيار المناصي ( Paratextuelle) كل ما يتعلق بالنص الموازي من عناوين، وهوامش، وإهداءات،ومقتبسات، ومقدمات، وأيقونات، وصور، ومستنسخات، ولوحات، وأيقونات، وتعليقات، وملاحظات، وتفسيرات، وكلمات الغلاف الخارجي، وحيثيات النشر، وفهرسة، وببليوغرافيا…إلخ. ومن ثم، يمكن لنا أن نتخذ هذه العتبات الموازية معايير لتحديد المقاطع، ولاسيما العنوان الذي يعتبر معيارا بصريا إجرائيا في تحديد المقاطع النصية والفقرات الخطابية، ويعتبر أيضا آلية دلالية مهمة في تقطيع النصوص؛ لأن العنوان هو مفتاح القراءة، وأس بناء المعنى والدلالة. وضمن هذا السياق، يمكن الحديث عن العنوان الأساسي، والعنوان الفرعي، والعنوان المقطعي. ويعد العنوان في الحقيقة مؤشرا دلاليا مهما ، ومكونا بنيويا وظيفيا، وعنصرا سيميائيا بارزا في عملية تقسيم النص إلى مقاطع دلالية وتيماتيكية.

    7- معيار الاندماج واللاندماج:

    يعد معيار الاندماج(الاتصال) واللاندماج (الانفصال) من أهم المعايير السيميائية لتحديد المقاطع السردية والحكائية . ويحتكم هذا المعيار إلى مجموعة من المعينات الرابطية ، والتي تتمثل في المؤشرات الضمائرية والزمانية والمكانية التي يمكن بحال من الأحوال أن تضيء النص دلالة ومقصدية. ومن هذه المعينات:” ما يحيل على هيئة المقال وما يتصل بها من زمان – ومكانSadأنا، هنا، الآن)، وبتعبير آخر هي: الضمائر، والظروف، وأسماء الإشارة… وتمنح هذه المعينات مرجعية للخطاب بتصنعها له. على أن حياة الخطاب تحتوي على جهتين، وتتأرجح بغير نهاية بين استثمار هيئة المقال وعدمه، فهيئة المقال تقدم نفسها بإستراتيجية معينة ولكنها تتغيب أيضا…أي: إن حياة الخطاب هي تمثيل للذاتية، وللموضوعية في آن واحد. فالذات حينما لا تندمج في الخطاب تقدم نفسها على أنها موضوعية، ولكن عدم اندماجها ليس إلا وهما يخدع المتلقي ليقع تحت طائلته. وحينما تندمج تزيل عن انفعالاتها كل قناع. والاندماج L’Embrayageواللااندماج Le Débrayage يتعلقان بـ:
    - العامل: اندماج” أنا” في المقال أو لا اندماجه ليحل محله غيره من الضمائر الأخرى.
    - الزمان: اندماج ” الآن” في المقال أو لا اندماجها لتحل محلها ظروف زمانية أخرى.
    - المكان: اندماج” هنا” في المقال أو لا اندماجها ليحل محلها غيرها من الظروف المكانية” .
    و يوضح السيميوطيقون عملية الاندماج الاتصالي واللاندماج الانفصالي على الشكل التالي:

    الإنسان
    أنا // غير أنا أنت// هو
    المكان الزمان
    هنا// غير هنا الآن// غير الآن
    هناك//مكان ما البارحة- غدا// مرة

    ويتحقق المعيار الاندماجي واللاندماجي من خلال تناقض الضمائر ( ضمير التكلم يقابل ضمير الغياب)، وتقابل الشخوص على مستوى الزمان و المكان حضورا وغيابا. وفي هذا السياق، يختلف ضمير المتكلم الشخصي (أنا/أنت) عن ضمير الغياب غير الشخصي (هو بكل أنواعه: شخص/ شيء/ حيوان/جماد). ويقول إميل بنفينيست E.Benveniste في هذا النطاق مميزا بينهما بكل دقة ووضوح:”إننا بجمع الضمائر في نظام ثابت وفي مستوى موحد تكون محددة فيه بتواليها ومرتبطة بهذه العناصر:أنا، وأنت، وهو، لا نعمل إلا على التحويل، داخل نظرية شبه- لغوية، لمجموعة من الفروق ذات الطبيعة المعجمية. وهذه التسميات لا تقدم لنا عناصر حول ضرورة المقولة، أو حول المحتوى الذي تتضمنه ولاحول العلاقات التي تجمع بين مختلف الضمائر. يجب، إذاً، البحث في كيفية تعارض كل ضمير مع الضمائر الأخرى، وماهو المبدأ الذي يتبنى عليه تعارضها، لأننا لا نستطيع فهمها إلا من خلال ما يحدد الاختلاف والتعارض بينها.”
    يلاحظ بنيفنست أن الدراسات اللغوية التقليدية لا تميز بين الضمائر الثلاثة: أنا- أنت- هو، بل تجعلهم في مرتبة صرفية ونحوية واحدة. بينما يقتضي التصور الجديد تجاوز هذا التعامل، واستبداله بمنظور جديد يميز بين الضمائر دلاليا وأجناسيا وخطابيا، فيضع بينها تقابلات كالتقابل بين الضمير الشخصي ( أنا  أنت) ، والضمير غير الشخصي (هو/هي/ الضمير المحايد ( on /. ويقول بنيفينست على الضمير الشخصي:” إن “أنا” لا تعني الذي يتكلم، وتتضمن أيضا قولا على ذمة “أنا”: فبقولي “أنا”، لا يمكن لي أن أتكلم على نفسي. وفي المخاطب، “أنت” تتحدد ضرورة بـ”أنا”، ولا يمكن أن يتم التفكير خارج وضعية غير محددة انطلاقا من “أنا”".
    أما الضمير غير الشخصي، فهو ضمير موضوعي مرتبط بالغياب سواء أكان ذكوريا أم إناثيا أم محايدا:” إن الشكل المسمى بضمير الغائب، يشمل إشارة لقول حول شخص معين أو حول شيء معين، لكنه غير مرتبط بضمير شخصي خاص…ويمكن أن نصوغ النتيجة بشكل واضح: إن ضمير الغائب ليس بضمير شخصي، إنه صيغة الفعل التي تؤدي وظيفة التعبير عن مقولة الضمير اللا- شخصي.”
    ويعني كل هذا أن الاندماج أو اللاندماج ضميرا وزمانا ومكانا يمكن اتخاذه معيارا لتقطيع النصوص والخطابات لفهم محتوياتها ، واستكشاف مقاصدها، واحتواء رسائلها السطحية والعميقة.

    8- المعيار الأسلـــوبي:

    يتحدد المقطع النصي عبر المعيار الأسلوبي ، وذلك أثناء انتقال الكاتب أو المبدع من أسلوب إلى آخر، كأن يستعمل السرد أو الأسلوب غير المباشر في نصه، لينتقل بعد ذلك إلى الحوار أو ما يسمى بالأسلوب المباشر، أو ينتقل إلى الحوار الداخلي أو ما يسمى كذلك بالأسلوب غير المباشر الحر. كما يمكن أن ينتقل من الأسلوب الخبري إلى الأسلوب الإنشائي الطلبي وغير الطلبي، ومع كل انتقال أو تغيير أسلوبي يتحدد المقطع النصي، ولاسيما في مجال الشعر والسرد.
    كما أن تعاقب الوصف والسرد والحوار داخل خطاب معين يميز بين المقاطع النصية، ويحدد هويتها الدلالية والكلامية والتجنيسية. فالنص الروائي مثلا:” ينقسم إلى مقاطع وصفية ومقاطع سردية. وتتناول المقاطع السردية الأحداث وسريان الزمن. أما المقاطع الوصفية فتتناول تمثيل الأشياء الساكنة…
    هناك ولاشك نوع من التوتر بين الوصف الذي يتميز بالسكون والسرد الذي يجسد الحركة. فإن النص الروائي يتذبذب بين هذين القطبين. وهناك نوع من التداخل بين الوصف والسرد فيما يمكن أن نسميه بالصورة السردية وهي الصورة التي تعرض الأشياء متحركة، أما الصورة الوصفية فهي التي تعرض الأشياء في سكونها.” في حين تتكلف المقاطع الحوارية بنقل المشاهد الدرامية والمسرحية، ومعها يتوقف الزمن الحركي أيضا على غرار الوقفة الوصفية.
    ويعني كل هذا أن التلوين الأسلوبي من أهم الضوابط والمحددات السيميائية التي يمكن الاعتماد عليها لتقطيع النصوص والخطابات اتصالا وانفصالا.

    9- المعيـــار الإيقــاعي:

    يعتبر المعيار الإيقاعي (الوزن والقافية واللازمة الشعرية) من أهم المعايير السيميائية لتقطيع النصوص والخطابات الشعرية، إذ يساهم تغيير البحر العروضي والوزن الخليلي، وتنويع التفعيلات والقوافي، وتلوين الروي إطلاقا وتقييدا، في استقلالية المقطع الشعري، والانتقال من المقطع السابق إلى المقطع اللاحق كما في شعر التفعيلة والشعر الرومانسي بصفة خاصة.
    كما تعتبر اللازمة الشعرية من أهم المكونات الإيقاعية التي بها يتم تقسيم المقاطع الشعرية كما في ديوان” المواكب” لجبران خليل جبران، وشعر الموشحات (تكرار الأقفال)، ونصوص الشعر الرومانسي، وخاصة نصوص الشاعر علي محمود طه، وذلك إلى جانب مكونات أخرى كالتكرار المقطعي، وتشغيل الوقفة النظمية والعروضية والتركيبية والدلالية.

    9- معيـــار المنظــور السردي:

    من المعروف أن ثمة ثلاث رؤى في تقديم الأحداث والشخصيات في مجال السرديات. نتحدث أولا عن الرؤية من الخلف ، وذلك باعتبارها رؤية مهيمنة في الروايات والسرود الكلاسيكية الواقعية أو الرومانسية، و تعتمد هذه الرؤية على ضمير الغائب، والمعرفة المطلقة الكلية ، والتي مفادها أن الراوي يعرف أكثر من الشخصيات. وتنبني هذه الرؤية كذلك على رصد الشخصية من الداخل والخارج، والارتكان إلى حياد الراوي واستقلاليته، والذي غالبا ما ينزل إلى درجة الصفر من الموضوعية.
    أما الرؤية الثانية من تلك الرؤى السردية، فهي الرؤية ” مع” التي تستند إلى المنظور الداخلي، واستخدام ضمير المتكلم، ومشاركة الراوي للشخصية داخل مسار الأحداث. وبالتالي، تكون معرفة الراوي متساوية للشخصية، وفيها يتم التركيز كثيرا على الاستبطان الداخلي والتذويت، وتشغيل الضمير الشخصي والمعرفة الداخلية، وغالبا ما تكون هذه الرؤية مهيمنة في الروايات الأوطبيوغرافية،والروايات المنولوجية، وروايات تيار الوعي.
    أما الرؤية السردية الثالثة، فهي الرؤية من الخارج، وتكون معرفة الراوي فيها أقل من الشخصية، ويكون الراوي هنا مجرد ملاحظ أو شاهد خارجي، ويصبح الضمير هنا إما ضمير الغائب وإما ضمير المخاطب، وغالبا ماتهيمن هذه الرؤية على الروايات الجديدة أو الروايات التجريبية. ويعني كل هذا أن عند تغيير الرؤية السردية يتغير المقطع النصي. وبالتالي، ننتقل إلى فكرة محورية أو صيغة تعبيرية أخرى.

    10- معيـــار الالتفــات:

    يعد الالتفات من أهم الظواهر البلاغية التي عالجها البلاغيون القدامى في مصنفاتهم النحوية والبلاغية، ويقصد به الانتقال من ضمير إلى آخر، كالانتقال من ضمير المتكلم إلى ضمير المخاطب أو الغائب، أو الانتقال من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم والمخاطب، أو الانتقال من ضمير المخاطب إلى ضمير المتكلم والغائب. ومع كل انتقال ضمائري يتحدد المقطع النصي، وتبرز المتوالية بشكل دقيق وواضح. ويعرف حازم القرطاجني مفهوم الالتفات عند الشعراء القدامي بقوله:” وهم يسأمون الاستمرار على ضمير المتكلم أو ضمير المخاطب، فينتقلون من الخطاب إلى الغيبة، وكذلك أيضا يتلاعب المتكلم بضميره فتارة يجعله ياء على جهة الإخبار عن نفسه، وتارة يجعله كافا أو تاء فيجعل نفسه مخاطبا، وتارة يجعله هاء فيقيم نفسه مقام الغائب، فلذلك كان الكلام المتوالي فيه ضمير متكلم أو مخاطب لايستطاب، وإنما يحسن الانتقال من بعضها إلى بعض.”
    هذا، ويسمى الالتفات بالانصراف والاستدراك والتلوين وتغيير المواقع، وهو مرتبط أشد الارتباط بالبلاغة والبيان والأسلوبية وعلم السرد ولسانيات النص. وقد يدل الالتفات على:” نقل الكلام من أسلوب إلى أسلوب.”
    ويمكن توسيع دلالات مفهوم الالتفات لتنتقل من مجالها البلاغي إلى النص الأدبي كما يرى ذلك الباحث المصري الدكتور عزالدين إسماعيل الذي يقول بأن مقولة الالتفات:” قد تنبسط دلالتها حتى لتكون باتساع الخطاب الأدبي إطلاقا، لكنها عندئذ ربما فقدت دلالتها وخصوصيتها.”
    وقد يتجاوز الالتفات مقولة الضمائر إلى الصيغ الفعلية، وذلك بالانتقال من الماضي إلى المضارع ، أو من الماضي إلى الأمر، أو الانصراف من المضارع إلى الأمر والماضي، أو الانتقال من الأمر إلى الماضي والمضارع على حد سواء. كما يشمل الالتفات صيغ الأسماء، حيث يتم انتقال المتكلم من المفرد إلى المثنى والجمع، أومن المثنى إلى المفرد والجمع، أو من الجمع إلى المفرد والمثنى.
    ويشير الباحث المغربي الدكتور محمد مشبال إلى أن معيار الالتفات يساعد على تنوع المقاطع الدلالية ، وتغير المواضيع في القصيدة العربية القديمة، ولاسيما القصيدة العباسية منها:” يتخذ أسلوب الالتفات في قصيدة أبي تمام في مدح أحمد بن المعتصم صيغة الانتقال من المخاطب إلى المتكلم. وقد صاحب هذا التغير في الضمائر تحول في موضوع القصيدة؛ وهذه سمة من السمات الأسلوبية في هذا النص قلما تتواتر في نصوص أخرى. وأعني بذلك أنه لايوجد أي ارتباط ضروري بين تعدد الموضوعات وتغير الضمائر في النص الشعري القديم؛ فقد دأب الشعراء على تغيير الموضوعات في القصيدة الواحدة، مما أصبح مقوما ثابتا في نمط القصيدة النموذجية. غير أن صياغة أسلوب الالتفات بالصورة تطالعنا في هذه القصيدة، وهي الصورة التي تتناسب وتركيب النص من موضوعين: المقدمة الطلية الغزلية وغرض المدح، يفيد أن من بين وظائف هذا الأسلوب الإيحاء بتحول في المستوى الدلالي والنفسي للقصيدة.”
    وهكذا، نعتبر أن مقولة الالتفات من أهم المعايير البلاغية والأسلوبية والسردية ذات الطابع التراثي، والتي يمكن الالتجاء إليها لتقطيع النصوص والخطابات تقطيعا علميا دقيقا ومضبوطا.

    11- المعيــار التداولي:

    يعتبر المعيار التداولي والحجاجي من أهم المعايير التي تستعمل لتحديد المقاطع، ولاسيما في النصوص الإبداعية والفلسفية والحجاجية، فاختلاف الأطروحات والتوجهات الفكرية تأييدا ومعارضة يساهم في اختلاف المقاطع ، وبروز البعض منها، وارتباطها بالمقاطع السابقة اتساقا وانسجاما. كما تساعدنا بعض الأساليب والعمليات الحجاجية التداولية على تقسيم النص إلى مجموعة من المقاطع كالقياس الاستنباطي ( الانطلاق من الكل والعام إلى الجزء والخاص) ، والقياس الاستقرائي(الانطلاق من الجزء والخاص إلى الكل والعام)، وتمثل الشاهد (عبارة عن حجة جاهزة صناعية، أو بمثابة مستنسخات قرآنية أو نبوية أو أحكام وأمثال أو أقوال مأثورة، أو نصوص شعرية يؤتى بها لتقوية درجة التصديق، وتوضيح المعطى)، والتضاد( البرهنة على صحة القضية من خلال فساد نقيضها)، وإدماج الجزء في الكل( تتم فيه البرهنة على أن ما يصدق على الكل يصدق على الجزء)، والتضمن(تتضمن المقدمات نتيجة مسكوتا عنها)، والتناقض(ورود قضيتين متناقضتين داخل نظام نصي معين)، والتحديد ( تحديد الشيء وتعريفه، أو وصف خصائصه)، والتقسيم أو الاستقصاء (تقسيم الكل إلى أجزاء)،والمقارنة والموازنة(البحث عن أوجه الشبه والاختلاف)، والوصل السببي( يكون بين ظاهرة وبين نتائجها أو مسبباتها)، والاتجاه( تحذر من مغبة انتشار ظاهرة ما)، والتمثيل(الإتيان بالأمثلة)…
    كما تساعد الروابط الحجاجية والمنطقية الدارس السيميائي على تقطيع النصوص والخطابات تقطيعا علميا موضوعيا محكما إلى حد كبير ، وذلك بالانتقال بين روابط الشرط والافتراض(إذا- إن- لو- فإن…)، و روابط الاستنتاج(إذاً- وهكذا- نصل إلى أن- ولهذا- نتيجة لذلك- وعليه- وبناء على ماسبق- وبناء على ذلك- وتأسيسا على ماسبق…)، والتضمن( ضمن ….)، والاستتباع (وبالتالي…)، والتخصيص الاستثنائي (ولاسيما…)، والتعليل(لأن- بما أن- بسبب…)، والشرح والتفسير(أي-…)، والاستدراك والتعارض(لكن- ومع ذلك- وعلى الرغم من ذلك- غير أن- في حين- بينما- خلافا لذلك- بالمقابل…)، والتفصيل(إما…. وإما…)، والقصر والحصر( إنما- ما…إلا…)، والغاية ( لكي- لأجل- قصد- بغية…)،و روابط نظرية أفعال الكلام من إثبات ( التأكيدات الخبرية…)، ونفي(ليس…)، وتأكيد، وبوح، واعتراف، واستفهام، وأمر، ورجاء، ونهي، وتمن… علاوة على الاستعانة بالتكرار اللغوي بهدف تثبيت المعنى ، وضمان إذعان المتلقي لما يقال، والاستعانة كذلك بالصورة البلاغية الحجاجية. وتساهم كل هذه الروابط المنطقية والعقلية في تحديد المقاطع الفكرية، وتمييزها بشكل تصنيفي، وتبيان مضامينها وخصائصها الفنية والجمالية والأسلوبية.
    كما يتضمن النص أو الخطاب مجموعة من الرسائل والمقصديات المباشرة وغير المباشرة ، الظاهرة والمضمرة، الحرفية والإيحائية، والتي من خلالها تتحدد المقاطع النصية، وتبرز بشكل جلي وواضح للمحلل والدارس السيميائي تفكيكا وتركيبا.
    وهكذا، فالمحاجج يسعى إلى تقديم سلسلة من القضايا ينبثق بعضها منطقيا من بعض ، وذلك لتحقيق عمليات الاقتناع والإقناع والتأثير والتداول. وبالتالي، تساهم هذه العمليات والقضايا المنطقية في ظهور المقاطع النصية ، وبروزها بشكل واضح تشكلا ودلالة وانكتابا وبناء ومقصدية.

    q أهميــة عملية تقطيع النصوص:

    يلاحظ أن لعملية تقطيع النصوص والخطابات أهمية كبرى في مقاربة النصوص والخطابات، وتحليلها تحليلا منهجيا ناجعا. كما يلاحظ أن لهذه العملية التقطيعية وظائف أخرى يمكن حصرها في النقط التالية:
    1- تسهيل عملية تطويق النص الأدبي من جميع جوانبه.
    2- تفكيك النص إلى مقاطع جزئية ، وذلك بغية الإحاطة بالدلالات الكلية للنص.
    3- تقطيع النص إلى مقاطع وأقسام عملية بيداغوجية تسعف الباحث أو المحلل أو الدارس على الانتقال من الجزء والخاص إلى الكل والعام ، وذلك ضمن منهجية قياسية استقرائية.
    4- التحكم في تمفصلات النص الكبرى عن طريق تقطيعه، وتفصيله بطريقة تشريحية تجزيئية.
    5- التقطيع عملية منهجية إجرائية ضرورية في إطار المقاربات البنيوية والسيميائية تفكيكا وتركيبا.
    6- التقطيع خطوة منهجية أولية أساسية ، وذلك قبل الدخول مباشرة في تحليل النص، ومقاربته معنى وتأويلا.
    7- تساهم عملية التقطيع في تحقيق اتساق النص وانسجامه، وتسهيل عملية القراءة، وإزالة الغموض والالتباس عن النص والخطاب.
    8- معرفة البنيات العميقة الثاوية التي تولد تمظهرات النص، واستخلاص الحبكات والقواعد السردية والخطابية التي يخضع لها النص أو الخطاب.
    9- تقسيم النص إلى مجموعة من المقاطع الصغرى ضمن مقاطع نصية وخطابية كبرى ، وهي: الاستهلال والوسط والخاتمة .
    10- يسعف تقطيع النص أو الخطاب الباحث أو الدارس على استكشاف الدلالة، وتحصيل آثار المعنى استقراء واستنباطا. وبالتالي، فإن التقطيع :” لا يقتصر على تحديد المقاطع التي يتمفصل إليها الخطاب في تعالقها، ولكنه يحقق هدفا أساسيا هو إضاءة دلالة الخطاب بإنتاج مجموعة آثار معنى أولية وجزئية تسهم في تكون الدلالة العامة لخطاب الرواية.
    إن تقطيع خطاب الرواية وفق معايير محددة وملائمة مرتبطة بالخطاب هو الذي يؤدي إلى كشف دلالة الخطاب؛ لأن هذه المعايير تتعلق بمكونات خطابية مثل: توزيع الفضاء الذي يقترحه السارد، مثل: الزمن والفضاء المكاني والشخصيات. وارتباط هذه المكونات بالخطاب الروائي يجعل استثمارها على مستوى التقطيع إجراء تحليليا يولد آثار المعنى الأولية.”
    11- يبرز تقسيم النص أو الخطاب إلى مقاطع مدى تعالق النص ترابطا واتساقا ، وتلاحمه سببيا وزمنيا. كما تمكن ” هذه العملية من إبراز استقلالية كل مقطع من جهة، القائمة على خصوصيات محددة مثل هيمنة عنصر الزمن أو المكان أو هيمنة شخصية من الشخصيات حين مقارنته بمقطع آخر يهيمن فيه عنصرا آخر، وعلاقته بالمقاطع الأخرى المكونة للخطاب الروائي من جهة أخرى، لأن المقطع يندرج ضمن الخطاب الروائي بصفته كلا دالا إلى أهمية تحليل العلاقات بين المقاطع المكونة للخطاب، تكمن أيضا في إمكان الكشف عن توالد الخطاب وتناسله، انطلاقا من أن الخطاب ينمو من عقدة تمثل مركزا منظما هو الذي يحدد تناسل المسارات التصويرية الأخرى، ويبرز البعد الدينامي للخطاب، وستتضح هذه الخاصية بتحليل التشاكلات الدلالية.”
    وعليه، فللتقطيع النصي والخطابي وظائف كثيرة، وتنصب كلها في تسهيل عملية القراءة ، وتيسير علمية التحليل تفكيكا وتركيبا، فهما وتفسيرا، تشريحا وتأويلا.

    تركيــب واستنتــاج:

    تلكم ، إذاً، أهم المعايير والمحددات والضوابط السيميائية التي يمكن الالتجاء إليها لمقاربة النصوص والخطابات تفكيكا وتركيبا، وتحليلها معنى وتأويلا. كما أن عملية التقطيع ضرورية لفهم النصوص والخطابات وتفسيرها، بغية إزالة غموضها، وتطويق دلالاتها الملتبسة، وبناء معانيها الجزئية والكلية، والتأكد من تعالق المقاطع ، وترابطها عضويا وموضوعيا، لمعرفة تجليات الاستدلال والحجاج والاتساق والانسجام. وبالتالي، فالتقطيع عملية أولية وخطوة إجرائية هامة عند البنيويين والسيميائيين أثناء مواجهة النصوص والخطابات ، وتشريحها تفكيكا وتركيبا، معنى وتأويلا.

    الهوامش:

    – د. عبد الفتاح كليطو: الأدب والغرابة، دار الطليعة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1982، ص:12-20؛
    2 – عبد السلام المسدي: الأسلوبية والأسلوب، الدار العربية للكتاب، طبعة 1982م، ص:116؛
    3 – نقلا عن عبد القادر شرشار: تحليل الخطاب الأدبي وقضايا النص، منشورات مختبر الخطاب الأدبي في الجزائر، الطبعة الأولى 2006م، ص:46-47؛
    4 – Greimas, A.J : Du sens. Essais sémiotiques. Le Seuil, 1970,p :268 ;
    5 – فلاديمير بروب: مورفولوجية الخرافة، ترجمة: إبراهيم الخطيب، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1986م، ص:95؛
    6 – Greimas, A.J : Maupassant, la sémiotique du texte, Seuil, Paris, 1976, p : 19 ;
    7-Greimas, A.J : Maupassant, la sémiotique du texte, Seuil, Paris, 1976, p : 19 ;
    8 – عبد المجيد نوسي: التحليل السيميائي للخطاب الروائي، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2002م ، ص:15؛
    9 – فلاديمير بروب: مورفولوجية الخرافة، ص:95؛

    10 -A. J. Greimas: Sémantique structurale, p.53;
    11 – A. Hénault: Les enjeux de la sémiotique, PUF, 1993, p.81;

    12 – A. J. Greimas, Du sens. Essais sémiotiques. Le Seuil, 1970;
    13 – FROMILHAGUE, C. & SANCIER, A. : Introduction à l’analyse stylistique, Bordas, 1991, p. 63 ;
    14 – J. Courtés, La sémiotique du langage, Nathan, 2003, p. 103
    15 – عبد المجيد نوسي: التحليل السيميائي للخطاب الروائي، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2002م ، ص:108؛
    16- د.محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1985م، ص:152-153؛
    17- د.محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري، ص:152؛
    18 – Benveniste, E: (La nature des pronoms), in Problèmes de linguistique générale2, ED, Gallimard, Paris, 1974, p:226;
    19 – Benveniste, E: (La nature des pronoms), p:228;
    20 – Benveniste, E: (La nature des pronoms), p:228;
    21 – د.سيزا قاسم: بناء الرواية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، طبعة 2004م، ص:116-117؛
    22 – حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق: محمد الحبيب بن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثالثة، ص:348؛
    23 – الزركشي: البرهان في علوم القرآن، الجزء الثالث، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث، القاهرة، مصر، ص:314؛
    24 – د.عزالدين إسماعيل: (جماليات الالتفات)، ضمن أعمال الندوة التي أقامها النادي الثقافي بجدة ( السعودية)، سنة 1986-1987م حول قراءة التراث النقدي؛
    25 – د. محمد مشبال: مقولات بلاغية في تحليل الشعر، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط ،الطبعة الأولى سنة 1993م، ص:71؛
    26 – عبد المجيد نوسي: التحليل السيميائي للخطاب الروائي، ص:14؛
    27 – عبد المجيد نوسي: التحليل السيميائي للخطاب الروائي، ص:14.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 3:17 am