ومدرسة باريس السيميائية
الدكتور جميل حمداوي
يعد جوزيڤ كورتيس J.Courtès من أهم أعضاء مدرسة باريس السيميوطيقية إلى جانب ثلة من الباحثين الذين كانوا يدرسون في جامعات العاصمة الفرنسية ومؤسساتها العليا وكانوا تلامذة ألجيرداس جوليان گريماس A.J.Gremas، ومن هؤلاء الدارسين : ميشيل أريفي M.Arrivé وشابرول C.Chabrol وجان كلود كوكي J.C.Coquet وآخرين.
ولعل مايؤكد نعت هذا الاتجاه بهذه التسمية "مدرسة باريس السيميوطيقية" ماصدر عن أصحابها من كتب تعتمد تسمية المدرسة بـ "Sémiotique:l'école de Paris" إشارة إلى تصوراتها النظرية والمنهجية والتطبيقية التي تصدر عن مرجعية تكاد تكون متطابقة.
فإذا نظرنا إلى جهود هؤلاء الدارسين ومنهم جوزيڤ كورتيس وجدناهم قد كرسوا كل جهودهم لدراسة منحى صعب في اللسانيات وهو المدلول أو جانب المعنى أو الدلالة أو التدليل La signification، واستكشاف جميع القوانين والقواعد الثاوية والثابتة التي تتحكم في توليد النصوص في تمظهراتها النصية واللامتناهية العدد والمختلفة على مستوى التنوع الأجناسي.وتطلعنا مكتبات هذه المدرسة بمؤلفات شتى معنونة بكلمة السيميوطيقا Sémiotique التي تحيل على الجانب التطبيقي على عكس السيميولوجياSémiologie التي تشير إلى التصورات النظرية لعلم العلامات.
هذا، وقد طبقت السميوطيقا النصية التطبيقية التحليلية على عدة نصوص مختلفة الأجناس: سردية وحكائية ودينية وقضائية وسياسية وفنية.....وكانت تنطلق هذه الدراسات السيميوطيقية من اللسانيات والأنتروبولوجيا حيث استلهمت أعمال ڤلاديمير بروب وكلود ليڤي شتروس ومنجزات الشكلانية الروسية.
وتستند مدرسة باريس السيميوطيقية ومنها أعمال كورتيس إلى تحليل خطاب النص بنيويا بطريقة محايثة تستهدف دراسة شكل المضمون للوصول إلى المعنى الذي يبنى من خلال لعبة الاختلافات والتضاد، وبهذا تتجاوز بنية الجملة إلى بنية الخطاب. وهنا لا أهمية للمؤلف وما قاله النص من محتويات مباشرة وأقوال ملفوظة وأبعاد خارجية ومرجعية، بل مايهم السيميوطيقي هو كيف قال النص ما قاله، أي البحث عن دال أو شكل المدلول أو المحتوى على طريقة تقسيم هلمسليف للدال والمدلول بطريقة رباعية: دال الدال ودال المدلول ومدلول الدال ومدلول المدلول.
ومن أهم الكتب التي ألفت ضمن مدرسة باريس هو كتاب جوزيف كورتيس" مدخل إلى السيميوطيقا السردية والخطابية Introduction à la sémiotique narrative et discursive: méthodologie et application" " الذي صدر عن دار هاشيتHachette للطبع بباريس سنة 1976م،وفيه يبسط صاحبه نظرية أستاذه گريماس السيميوطيقية في تحليل السرد والخطاب بصفة عامة. والكتاب عبارة عن مقاربة منهجية وتحليلية تطبيقية على غرار كتاب جماعة أنتروفيرنGroupe D'Entrouvernes" التحليل السيميوطيقي للنصوصAnalyse sémiotique des textes" يحلل فيه كورتيس قصة شعبية فانطاستيكية فرنسية وهي" سوندريون" من الناحيتين: السردية والخطابية. كما أن الكتاب عبارة عن محاضرات جامعية أسبوعية ألقيت على الطلبة فيما بين1974 و1975م. وتنصب هذه المحاضرات المنهجية على دراسة هذه القصة الشعبية من زاوية نحوية دلالية مثل كلود ليڤي شتروس في دراسته للأساطير البدائية . وقد امتح كورتيس تصوراته النظرية والمنهجية في تطبيقه التحليلي من اللسانيات التوليدية التحويلية التي أرسى دعائمها الأمريكي نوام شومسكي ، والتي تربط المستوى السطحي بالمستوى العميق، كما عمل على تجريب مصطلحات أستاذه گريماس للتأكد من نجاعتها وكفايتها الإجرائية والتطبيقية.
هذا، ويتجاوز كورتيس سيمياء التواصل التي نجدها عند فرديناند دوسوسير ورولان بارت وجورج مونان وبرييطو وآخرين نحو سيميائية الدلالة التي أسسها أندري جوليان گريماس في دراساته وأبحاثة السيميوطيقية العديدة و خاصة كتابه" في المعنى Du sens". ويعتمد كورتيس في منهجيته السيميوطيقية على المقاربة الوصفية العلمية الرصينة التي تتكئ على الاستقراء والاستنباط منتقلا من مستوى إلى آخر جامعا بين التصور المنهجي والتحليل التطبيقي بشكل تعليمي بيداغوجي.
وإذا كانت اللسانيات الوصفية تهتم بالدال من خلال رصد بنى التعبير والشكل اللغوي للمنطوق، فإن السيميوطيقا لدى كورتيس تهتم بدراسة المحتوى أو المدلول عن طريق شكلنته أي دراسة شكل محتواه. فعلى مستوى شكل المدلول يتم التركيز على النحو والصرف والتركيب وعلى مستوى الجوهر يدرس الجانب الدلالي.
وعليه، فإن التحليل السيميوطيقي لمدرسة باريس غالبا ما ينصب على تناول المعنى النصي من خلال زاويتين منهجيتين : الزاوية السطحية التي يتم فيها الاعتماد على المكون السردي الذي ينظم تتابع تسلسل حالات الشخصيات وتحولاتها، والمكون الخطابي الذي يتحكم في تسلسل الصور وآثار المعنى. وفي الزاوية العميقة ترصد شبكة العلاقات التي تنظم قيم المعنى حسب العلاقات التي تقيمها، وكذلك تبين نظام العمليات التي تنظم الانتقال من قيمة إلى أخرى. وللتبسيط أكثر، فإن السيميوطيقي في تعامله مع النص الحكائي أو السردي يدرس على المستوى السطحي البرنامج السردي ومكوناته الأساسية كالتحفيز والكفاءة والإنجاز والتقويم مع التركيز على صيغ الجهات ودراسة الصور باعتبارها وحدات دلالية وصور معجمية مع إبراز مساراتها والأدوار التيماتيكية مع ربطها بالبنية العاملية والإطار الوصفي. وعلى المستوى العميق يدرس المكون الدلالي والمكون المنطقي باستقراء التشاكلIsotopies والمربع السيميائي Carré Sémiotique الذي يولد التمظهرات النصية السطحية سردا وحكيا. ويقوم هذا المربع السيميائي على تشخيص علاقات التضاد والتناقض والاستلزام. ومن خلال الاختلاف والتناقض والتضاد يولد المعنى في أشكال تصويرية مختلفة ويتمظهر على مستوى السطح بصيغ تعبيرية مختلفة ومتنوعة.
وإذا عدنا إلى كورتيس في كتابه الذي ترجمه زميلنا الدكتور جمال حضري- الباحث الجزائري القدير- وقد توفق في ترجمته أيما توفيق بسبب عربيته السليمة ودقته في ترجمة المصطلحات وتمكنه من الأدوات السيميوطيقية تصورا وتطبيقا سنجد إشارات مهمة إلى عدة مستويات تحليلية منهجية وتطبيقية أثناء التعامل مع النص محايثة وتفكيكا و تركيبا . ويتمثل المستوى الأول في التمظهر النصي الذي يتجسد في النص بكلماته ولغته وتعابيره التي تواجهنا بشكل مباشر وهذا يخرج عن إطار التحليل السيميوطيقي، لكن ما يهم كورتيس هو دراسة المحتوى من خلال التركيز على مستواه الشكلي عبر استقراء المستوى السطحي بوصف وحداته وعلاقاته صرفا ونحوا وتركيبا، والانتقال بعد ذلك إلى تحليل المستوى العميق برصد السيمات Sèmes والبنى الدلالية العميقة التي تولد كل التمظهرات الدلالية السطحية.
ولا يسعنا في الأخير إلا أن نقول بأن كتاب" مدخل إلى السميوطيقا السردية والخطابية" لجوزيف كورتيس كتاب منهجي تطبيقي غني بالفوائد السيميوطيقية النظرية والتحليلية البيداغوجية والتعليمية التي تسعفنا في مقاربة النصوص والخطابات قصد تحديد المعنى بطريقة علمية وصفية مقننة بمجموعة من المستويات اللسانية المنظمة قصد البحث عن القواعد التي تولد النصوص اللامتناهية العدد من أجل معرفة آليات التوليد النصي والخطابي وميكانيزمات الإنتاج السردي والحكائي والقصصي . أي إنه من اللازم البحث علميا ومنطقيا وشكلانيا عن البنيات الثابتة التي تولد المتغيرات النصية بطريقة منطقية ودلالية. ويعد الكتاب الذي يترجمه الدكتور جمال حضري إضافة مهمة في مجال ترجمة النظريات النقدية الحديثة والمعاصرة يمكن أن تستفيد منها المكتبة النقدية العربية التي هي في حاجة إلى تجديد حمولاتها النقدية وأدواتها في المقاربة والتحليل والوصف والتفسير.
السيميائي للخطاب
إن التحليل السيميائي هو ذاته تحليل للخطاب ، وهو يميز بين "السيميوتيقا النصية " وبين اللسانيات البنيوية "الجملية 0. ذلك أن هذه الأخيرة حين تهتم بالجملة تركيبا وانتاجا _ وهو ما يسمى بالقدرة الجملية _ فإن السيميوتيقا تهتم ببناء نظام لانتاج الأقوال والنصوص . وهو ما يسمى بالقدرة الخطابية . ولذلك ، فمن المناسب الآن وضع القواعد والقوانين التي تتحكم في بناء هذه الأقوال وتلك النصوص "(26).
إن التحليل السيميائي للخطاب ينطلق مما انتهت اليه جهود اللسانيين حول النظرية العامة للغة ، وبمسائل التصورات التي أحيطت بالخطاب ويقتضي أن يكون متجانسا مع الثنائيات الأساسية : (اللغة / الكلام ) _ (النسق /العملية )( process) _ (الكفاية /الأداء الكلامي)، كما أنه لا يغفل العلاقة التي تربطه بمقوله التلفظ . فالمعجم السيميائي لجريماس وكور تيس وهو يناقش مصطلح الكفاية من وجهة نظر تشومسكي ينظر اليها على أنها مجموعة من الشروط الضرورية في عملية التلفظ ، كما أنه يتوافر على صورتين مستقلتين لهذه الكفاية :
أولا : كفاية السرد السيميائي
ثانيا : الكفاية القابلة للوصف أو التعبير بالكلام .
بالنسبة لكفاية السرد السيميائي حسب منظور يامسليف وتشو مسكي يمكن تصورها على أنها تمفصلات تصنيفية وتركيبية - في الآن ذاته - وليس بوصفها استبدالا بسيطا على منوال دي سوسير للغة فالتحليل السيميائي ينظر لهذه الأشكال السر دية نظرة كونية مستقلة عن كل مجموعة لسانية وغير لسانية لأنها مرتبطة بالعبقرية الانسانية . وهنا ينبغي الاشارة الى فضل مدرسة الشكلانيين الروس وعلى وجه الخصوص مؤلف "مورفولوجية الحكاية الخرافية" وتأثيره في المدرسة الفرنسية ذات التوجه البنيوي (كلود بريمون : منطق الحكاية ، جريماس : البنيوية الدلالية ، وكلود ليفي ستروس : البنيوية الانثروبولوجية ). ولا يستطيع أن ينكر أي باحث بأن عبقرية بروب وبحوثه العلمية كانت تمهيدا لظهور التركيب السردي وقواعده .
أما فيما يخص الكفاية القابلة للوصف ، فبدلا من أن تقام على ساقلة النهر، فإنها تتأسس وفق عملية التلفظ مسجلين صياغة الأشكال الملفوظة القابلة للتعبير عنها بالكلام ، ويرى مؤلفا المعجم السيميائي بأن الحديث عن الطبيعة المزدوجة للكفاية تعد ضرورة لانجاز تصور جديد ومضبوط للخطاب .
وفي كل الأحوال فإن الخطاب يطرح مسألة علاقته بالتلفظ وبالتواصل . ولكن المجال السيميائي يهتم بأطره المرجعية مثل الايحاء الاجتماعي ونسبته للسياق الثقافي المعطى المستقل داخل تحليله التركيبي أو الدلالي . إن نمطية الخطابات القابلة للتشكل داخل هذا المنظور ستكون إيمائية خالصة ، ومهما كانت التعريفات الايمائية للخطاب مجردة فإن مشكلة معرفة ماهية الخطاب تبقى مطروحة ، وحتى عندما يحدد الخطاب الأدبي بأدبيته(Litterarite ) كما نادى بها الشكلانيون الروس . فالأدب في تصورهم : "نظام من العلامات Signes دليل مماثل للنظم الدلالية الأخرى، شأن اللغة الطبيعية والفنون والميثولوجيا.. الخ . ومن جهة أخرى، وهذا ما يميزه عن بقية الفنون ، فإنه يبني بمساعدة بنية أي لغة ، إنه ، إذن ، نظام دلالي في الدرجة الشانية ، وبعبارة أخرى إنه نظام تعبيري خلاق Comrotatif وفي نفس الوقت ، فإن اللفة تستخدم كمادة لتكوين وحدات النظام الأدبي، والتي تنتمي إذن ، حسب الاصطلاح اليامسليفى(Hjelmslsvime) الى صعيد التعبير، لا تفقد الالتها الخاصه ، مضمونها "(28).
إن الشكلانية الروسية حددت المعطيات الخاصة التي يمكن أن نسمي بها خطابا ما أنه أدبي. إن رومان جاكبسون هو الذي أعطى لهذه الفكرة صيغتها النهائية حين قال "إن موضوع العلم الأدبي ليس هو الأدب ، وانما "الأدبية " Litteraritأي ما يجعل من عمل ما عملا أدبيا"(29).
لقد عرفت سيميائيات التواصل تقدما فعليا في مجال تحليل الرسالة ، وذلك بتحديد وظائفها الست . على الرغم من الاهمال الواضح لموضوع "الدلالة " ، الذي وجد حرصا كبيرا لدى رولان بارت في إبرازها ضمن توجهات سيميائيات الدلالة ، إن وصف اللغة بأنها نظام للتواصل يتضمن قدرا كبيرا من الانسجام سمح للدراسة اللسانية بالاهتمام بالنموذج الذي رسمه جاكبسون : "الباث _الرسالة _المتلقي _ سنن الرسالة - مرجعيتها). ذلك لأنه مكنها من تجاوز التطبيق اللساني المحصور عل جملة محدودة من الخصائص التي تشتمل على الظاهرة اللغوية الى القراءة اللسانية للنصوص ومظاهر التعبير الأخرى. واذا كان جاكبسون حصر الخطاب بين مرسل ومرسل اليه إلا أن لوتمان أشار الى نموذج آخر من التلقي لا يكون بين الباث والمتلقي، وانما هناك خطاب يتجل فيه الحوار الداخلي مثلما هو الشأن بالنسبة الى السيرة الذاتية فيكون بين الباث وذاته .. وهذا ما نلحظه في خطاب طه حسين في مذكراته "الأيام ".
إن علم الدلالة وهو يصنف أنواعها الى طبيعية وعقلية ووضعية لم تفته الاشارة الى مجالات الاتصال سواء أكانت صوتية أم سيميائية ، ويكون إسهام العرب جليا في هذا الميدان ولاسيما في احتكاكهم بالفلسفة اليونانية منها المشائية والميغارية - الرواتية . ويذهب عادل فاخوري الى الدرس المقارن بين علم الدلالة عند العرب والسيميائيات الحديثة . ويعطي مثلا مقارنا بين تقسيمات علم الدلالة وتصنيف بيرس الأمريكي للعلامة(30).
يمتد طموح الدرس السيميائي بوصفه علما يقارب الانساق الهلامية الى تخليص حقول المعرفة الانسانية من القيود الميتافيزيقية التي تكبلها، وتعوق أبحاثها من الوصول الى نتائج تجعل منها علوما ذات سلطان لها مكانتها المرموقة في وسط المعرفة الانسانية المعا هوة . وتمكنها من القراءة العلمية الدقيقة لكثير من الاشكاليات المطروحة ، والظواهر الانسانية التي لم تتعد إطار التأمل العابر، والتفسير الأفقي الساذج . ولكي يكتسب الدرس السيميائي مشروعية العلم القادر على فحص البنى العميقة للمادة التي يتناولها، ويقترب من عمقها والقوانين التي تركبها، كان لزاما عليه كأي علم أن يحدد منطلقاته المنهجية ومرتكزاته النظرية ويؤسس مقولاته ويمتحن أدواته الاجرائية ويستكشف الحدود التي تفصل بينه وبين العلوم الأخرى، أو التي تقربه منها.
يبدو أن التواصل البشري أعقد من أي تواصل آخر ، لأن استعمال العلامة في هذا المجال لا تتم كما قال فريدينا ند دي سوسير إلا داخل الحياة الاجتماعية ، لهذا يشترط التعاون قصد إيصال الرسالة الى المتلقي ولن يتحقق ذلك أيضا إلا بالتواضع المتبادل والتوافق حتى يتسنى لأي حوار يقوم بين الباث والمتلقي تقديم أفكار في شكل شيفرات متواضع عليها. لهذا فإن بعض علماء الدلالة انتهوا الى أن "عملية الاتصال لا تظهر بوضوح في العالم الحيواني، إلا عندما يكون هناك تعاون أو نشاط اجتماعي، إن أي اتصال مرتبط في أساسه بالتعاون ... وأن كل حوار اجتماعي مرتبط بالتعاون "(31).
إن التحليل السيميائي للنسق الاجتماعي يهدف الى استكشاف نظام العلاقات داخل المجتمع وعلى الخصوص علاقات الأفراد وحاجاتهم لهذا نلقى أن الأنظمة التي سادت في المجتمع البشري لها من العلامات والأنظمة الرمزية الثقافية ، ما تمكن للسيميائي من تحديد شريحة أو فئة أو طبقة اجتماعية ، ففي التنظيم العشائري نرى طقوسا وعادات تتجل في جملة من العلامات والرموز ما تتميز به عن نظام اجتماعي آخر في طر اثق الحفلات والأعراس والمأتم والأعياد وغير ذلك من المظاهر الثقافية .
إذا كنا قد أشرنا سابقا الى طبيعة التواصل باشكاله المتعددة فإن هناك شيفرات لكل شكل من هذه الأشكال التواصلية ، فالتواصل الحيواني له علامات خاصة به منها ما استكشفه البحث ومنها ما بقي مجهولا، وكذلك الشأن بالنسبة للشيفرات الطبيعية التي تحدد علامات الطبيعة أو إشاراتها، فيتمكن من تلقي رسالتها ، سواء عن طريق الادراك الحسي أو العقلي .
فإذا كان الطقس باردا فوق العادة في منطقة يمتاز مناخها بالاعتدال يدرك الانسان أن مصدر قسوة البرد آتية من سقوط الثلج . أو العكس بالنسبة لاشتداد الحرارة غير العادية والتي تفوق معدلها الفصلي فيدرك بأن مصدرها قد يعود الى وجود حريق . وهذا كله ينتج من وجود علائق قد تكون معقدة بين الشيفرات الطبيعية والتكوين البيولوجي، والحساسية الفسيولوجية للانسان . ومهما يكن من أمر تبقى- كما أكدنا آنفا - الشيفرات الاجتماعية ، أكثر تعقيدا، وتتطلب جهدا عمليا، وذكاء فطنا لفهم العلامات الاجتماعية ومحاولة تفسيرها، وفهمها فهما عميقا، فالعلامة كما يعرفها أو لمان هي " نتاج اجتماعي واع يتكون من دال ومدلول يمثلان بوجه عام شيئا أومفهوما غير العلامة - ذاتها"(32).
إن التحليل السيميولوجي يمتد ليشمل جميع الأنظمة السيميوطيقية سواء تمثلة في العلوم الطبيعية أم الاجتماعية أم الثقافية إن هذا العلم كما تنبأ به دي سوسير وتصوره تشارلز سندرس بيرس يطمح الى أن يكون علما لجميع أنساق العلامات لغوية كانت أو غير لغوية ، وما زال المشروع السيميائي يبحث عن معالم تحدد أطره المرجعية ، وموضوعاته وممارساته الاجرائية وعلاقاته بالعلوم الأخرى لرسم منهجه ، وتوضيح مقولاته بدقة . وهو ما حدا بر ولان بارت في كتاباته (ميثولوجيات وامبراطورية العلامات عناصر السيميولوجية ) الى إثارة هذه القضايا التي تتعلق بنضج هذا المشروع ، فيقون إن "السيميولوجيا ما تزال بحاجة الى تصميم ونعتقد أنه لا يمكن أن يوجد أي كتاب وجيز لمنهج التحليل هذا، وذلك على الأكثر بسبب سمته المتسعة (لأن السيميولوجيا ستكون علم كل أنساق العلامات ). وان السيميولوجيا لن تعالج مباشرة إلا عندما تصمم هذه الأنساق على نحو تجريبي" . وأمام هذا التراكم السيميائي وما أحدثه من ثورة حقيقية في مناهج العلوم بعامة والانسانية بخاصة ، يجد الباحث تنوعا في الطرح وتباينا في التصور، وتعددا في الممارسة التطبيقية ، تلتبس فيها السيميائيات - في بعض الحالات ~ بالنظرية التأويلية ، ولكن علم العلامات لم يعد حديثا الا بتحديد معالمه وبناء مقولاته ، وتبيان أدبياته ، واختبار نظرياته وأدواته الاجرائية . والا فإننا نصادف في تاريخ التفكير الفلسفي على كثير من تصوراته عند الشعوب القديمة التي أسهمت في بناء الحضارة الانسانية كالفراعنة والبابليين والا غريق والعرب والمسلمين والرومان .. الخ ، إن ميلاد هذا العلم اقترن بثورة التفكير اللساني المعاصر نتيجة ارتباطه الوثيق بالمنجزات والاستكشافات التي حققها العلم الحديث .
الهوامش
1-ماريو باي : أسس علم اللغة _ ترجمة : أحمد مختار عمر _ ص 112
2-المرجع السابق : 113.
3- ابن جني : الخصائص : 1/18
4- ابن هشآم : مغني اللبيب - ص 490.
5- ينظر : تمام حسان اللغة العربية معناها ومبناها _ ص 189 ، 204
6- الزمخشري : المفصل _ ص 6.
7- الرضي : شرح الرضي على الكافية _ ص 52.
8- رولان بارت : التحليل البنيوي للسرد _ ترجمة : مجموعة من المؤلفين _ مجلة آفاق المغربية _ ع : 8, 9_ 1988_ ص 9.
9- المرجع السابق : 9.
0 ا - نفسه : 9
11 - دي سوسير : دروس في الألسنية العامة _ ترجمة : مجموعة من المؤلفين التونسيين . ص : 29.
12 – حنون مبارك : مدخل للسانيات سوسير _ ص : 36.
13 - ينظر يوسف الطعاني : اللغة كأيديولوجية _ مجلة الفكر العربي المعاصر لبنان _ ص : 75.
14- Hymsler , Prolerrnines a ume therie du - langage ed. Minuit -Paris pp. 9.
15- Hymsier: esrais linginstigues- ed: Minuit –
Paris pp. 29.
16- Andre Mastinet : elements de lin guistique -
generate ed Almand Qlin pp:109.
17- Jean Dubois e1 outs : Dictionnanes de - linguistique - ed: larousx pp. 158.
18- ريمون طحان ودنيز بيطار طحان: فنون التعقيد وعلوم الألسنة – لبنان- ص 292.
19- Jean Aulois autres: Aictionsire de linguistique -pp.158.
20- ميخائيل باختين: الماركسية وفلسفة اللغة- ترجمة: محمد البكري ريمني العيد- ص 150.
21- المرجع السابق :155.
22- نفسه:157.
23- نفسه: 157.
24- T. Trdorov Mileal , le principe dialogigue - pp.
95-95.
25- Julia Vristera ) Le Langage cet inconnue - ed Scuit-Paris-pp.: 198.
26- جماعة انتروفيرن: التحليل السيميوطيقي للنصوص – ترجمة: محمد السرغيني – مجلة دراسات أدبية ولسانية- ع2 –1986 – ص 26.
27- Greiruas et constes: senuiotiique - Dictionnaine- laisonne de la theorie du langage ed - Hachelte -Paris- 1979-pp. 103.
28- تزيفطان تودروف وآخرون: في أصول الخطاب النقدي الجديد – ترجمة: أحمد المديني – ص 13.
29- بوريس إيخنباوم وخرون: نظرية المنهج الشكلي- ترجمة: ابراهيم الخطيب – ص 36.
30- ينظر: عادل فاخوري: علم الدلالة عند العرب دراسة مقارنة مع السيمياء الحديثة – ص 29.
31- Adam Senaf: Introduction a la semamtique - Paris ed : Hutropos 1974 - pp: 194.
32- Voti – S. UiSman : Precis de semantique - Fhamcaise - ed Framcke 1975.
السيميولوجيا.. السيموتيك (السيميوطيقا) السيميائية
بقلم: د. رضوان قضماني
مسميات معرّبة ثلاثة لعلم واحد، هو علم عن الخصائص العامة لمنظومات العلامات (جاء من اليونانية، Semeiotikon من Semeion = علامة).
وهو علم يدرس العلامة ومنظوماتها (أي اللغات الطبيعية والاصطناعية)، ويدرس أيضاً الخصائص التي تمتاز بها علاقة العلامة بمدلولها. وهذا يعني أن السيميائية ـ وهو الاصطلاح الذي سنعتمده من بين التسميات الثلاث السالفة ـ تدرس علاقات العلامات والقواعد التي تربطها أيضاً (ويمكن أن يندرج تحت هذا الفهم علم الجبر والمنطق والعروض..). وكان لايبنتز يرى أن لكل العلوم أصولاً جوهرية مشتركة، وعندما يتمكن الإنسان من تشكيل علامات تدل على هذه الأصول يكون بذلك قد أتم موسوعة العلوم. وقد استعان لايبنتز بالرياضيات والجبر اللذين كشفا له عن دور العلامات في المنهج العلمي. وكان الفيلسوف الفرنسي إيتيان ده كوندياك (1715 ـ 1780) ينظر إلى الجبر ولغته الرمزية بوصفه النموذج الأعظم، ولكن كوندياك لم يخضع كل العلوم للغة واحدة كمافعل لايبنتز، وإنما كان يعتقد أن لكل علم لغته، وإن كان لجميعها منهج واحد في التحليل. وقام تشارلز سوندرز بيرس (1839 ـ 1914) بنقل الاهتمام بالمنهج الكلي ودور الجبر المميز في تشكيله إلى مجال المعاني، فقد كان بيرس موسوعياً، إذ كان رياضياً وفلكياً وكيميائياً ومولعاً باللغة والأدب. وتتكون الدلالة في فلسفة بيرس عبر معلومات أمبريقية (تجريبية) وقواعد تشكيلية.
ثم جاء بعدخ فرديناد ده سوسير (1857 ـ 1914)، وكان متخصصاً في علم اللغات المقارن، واهتم بالعلامة من منطلق لغوي، ودعا إلى ما سماه بعلم السيميولوجيا، أو علم منظومات العلامات. وهكذا تطورت السيميائية في القرن العشرين وأصبحت حقلاً معرفياً مستقلاً.
تسعى السيميائية إلى تحويل العلوم الإنسانية (خصوصاً اللغة والأدب والفن) من مجرد تأملات وانطباعات إلى علوم بالمعنى الدقيق للكلمة، ويتم لها ذلك عند التوصل إلى مستوى من التجريد يسهل معه تصنيف مادة الظاهرة ووصفها، من خلال أنساق من العلاقات تكشف عن الأبنية العميقة التي تنطوي عليها، ويمكنها هذا التجريد من استخلاص القوانين التي تتحكم في هذه المادة.
العلامة هي الاصطلاح المركزي في السيميائية. وتُعنى السيميائية بالعلامة على مستوييين. المستوى الأول أنطولوجي، أي يعني بماهية العلامة، أي بوجودها وطبيعتها وعلاقتها بالموجودات الأخرى التي تشبهها والتي تختلف عنها. أما المستوى الثاني فهو مستوى تداولي (براغماتي)، يعنى بفاعلية العلامة وبتوظيفها في الحياة العملية. ومن منطلق هذا التقسيم نجد أن السيميائية اتجهت اتجاهين لا يناقض أحدهما الآخر، الاتجاه الأول يحاول تحديد ماهية العلامة ودرس مقوماتها، وقد مهد لهذا المنحى تشارلز بيرس، أما الاتجاه الثاني فيركز على توظيف العلامة في عملية التواصل ونقل المعلومات، وقد اعتمد هذا الاتجاه على مقولات فرديناند ده سوسير.
تدرس السيميائية ـ وفقاً لـ (بيرس) العلامة ومنظومة العلامات (أي مجموعة العلامات التي انتظمت انتظاماً محدداً) وفقاً لأبعاد ثلاثة:
1ـ بعد نظمي سياقي تركيبي يدرس الخصائص الداخلية في منظومة العلامات من دون أن ينظر في تفسيرها، أي ينظر في بنية العلامات داخل المنظومة).
2ـ بعد دلالي يدرس علاقة العلامات بمدلولاتها (أي يدرس محتوى العلامات) والعلاقة القائمة بين العلامة وتفسيرها وتأويلها من دون النظر إلى من يتداولها.
3ـ بعد تداولي (براغماتي) يدرس الصلة بين العلامة ومن يتداولها ويحدد قيمة هذه العلامة من خلال مصلحة من يتداولها.
وهكذا نجد أن كلاً من البعد الدلالي والسياقي ذو صلة بحيز محدد من المسائل السيميائية، أما البعد التداولي فهو ذو صلة بدراسة المسائل السيميائية التي تحتاجها علوم بعينها (مثل سيكولوجيا اللغة، وعلم النفس الاجتماعي).
ويقوم البعد السياقي بتشكيل نظرية تحدد علاقات تركيبية وفرضيات، أي يقوم بالكشف عن العلاقات التي تربط بين النص بوصفه نسقاً في منظومة، وبين غيره من المنظومات، من خلال تصور عامٍ مجرد للبنى الكامنة في النص ثم تطبيق هذا التصوُّر على مجموع النصوص انطلاقاً من أن نسق (class) نص في منظومة سيميائية محددة هو نسق ينطبق على جميع أنماط هذه النظرية، وبذلك تتمكن فرضيات النظرية من أن تصف وصفاً شاملاً كل النصوص المحتملة.
أما البعد الدلالي فيميز في منظومات العلامات تمعني العلامة (مُسمَّاها denotat) ـ أي: علامة تدل العلامة في منظومة بعينها؟ ومفهوم هذه العلامة (تعيينها)، أي التصور الذي تحمله والمعلومة التي تنقلها.
ثم تأتي التداولية لتحدد رتب القيمة والمفهومية في العلامة والمعلومة التي يتلقاها من يتداولها.
يُعرَّف فرديناند ده سوسير العلامة بأنها اتحاد لا ينفصم بين دال ومدلول، أي إنها وحدة ثنائية المبنى، ذات طرفين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. الدال يحدده سوسير بأنه تصور صوتي سمعي يتشكل من سلسلة صوتية يتلقاها المستمع وتستدعي إلى ذهنه تصوراً ذهنياً مفهومياً هو المدلول، وبذلك تكون العلامة عند سوسير نتاج عملية نفسية. إلا أن أكثر السيميائيين الذي طوّروا أفكار سوسير يرون أن الدال حقيقة مادية محسوسة لا تقتصر بالضرورة على الأصوات ويمكن للمرء أن يختبرها بالحواس، وهذا المحسوس المادي يستدعي في ذهن المتلقي حقيقة أخرى غير محسوسة هي المدلول. وبهذا تكون العلامة بدالها ومدلولها حقيقة مادية محسوسة تثير في العقل صورة ذهنية، ولكن هذه الصورة هي صورة ذهنية لشيء موجود في الواقع. لكن السيميائية لا تهتم بقضية الحقيقة والبطلان، أي بمسألة مطابقة العلامة للواقع، وإنما تكمن القيمة السيميائية في العلاقة القائمة بين الدال والمدلول، دون التجاوز إلى العلاقة بين الدال والمدلول والشيء الذي تشير إليه العلامة، إذ إن هذه العلاقة الثلاثية تخرج من السيميائية إلى الدلالة.
العلامة خاصتان أساسيتان. أولاهما اعتباطية العلامة، وتعني أن الدال والمدلول لا تربط بينهما علة من العلل سواء كانت منطقية أم طبيعية. وثانيتهما قيمة العلامة، وهي قيمة تنشأ من سببين: الأول وظيفة العلامة (الكامنة في تداوليتها) والثانية أشكال التشابه والاختلاف بينها وبين العلامات الأخرى (وهي قيمة مرتبطة بماهيتها).
إن العلاقة يبن الدال والمدلول علاقة اصطلاحية، علاقة تواضع هي حاصل اتفاق بين المستعملين، وبضمن ذلك العلامات المعللة، أو العلامات الطبيعية. ويمكن للتواضع أن يكون ضمنياً أو ظاهرياً، ويبقى التواضع مفهوماً نسبياً خصوصاً عندما يتعلق بالتواضع الضمني. وللتواضع درجات، إذ يمكنه أن يكون قوياً، وجماعياً، ومُرغِماً، ومطلقاً كما في إشارات المرور، وفي الترقيم الكيميائي والجبري، وقوياً كما في قواعد الآداب العامة.
تتآلف العلامات فيما بينها وفقاً لنوعين من العلاقات: أولهما العلاقات النظمية السياقية، وهي التي تقوم بين العلامات على المحور السياقي. وتنبع العلاقة النظمية السياسية من قدرة العلامات على التآلف على محور ذي بعد واحد يجعل العلامة ترتبط بأخرى في متتالية من علامات تنمي إلى المستوى السياقي نفسه.وثانيهما العلاقات الاستبدالية، وهي علاقة تقوم على المحور الاستبدالي، وتنبع من قدرة العلامات على تشكيل فئات وجداول، ترتبط وحدات كل جدول فيما بينها، ويمكن للواحدة منها أن تحل محل الأخرى إذا تبدل السياق.
اتجهت سيميائية سوسير منذ البداية نحو اللغات الطبيعية، فقد رأى أن اللغة الطبيعية هي أكثر المنظومات تطابقاً مع السيميائية، ويرجع هذا إلى طبيعة العلاقة اللغوية الاعتباطية، وإلى أن اللغة يمكن أن تختزل في عدد محدود من العلامات المستقلة والمختلفة، وقد ترتب على ذلك أن اللغة تصلح أن تكون نموذجاً لكل الأنظمة الدالة غير اللغوية.
يرى السيميائيون أن اللغة هي أهم منظومة من منظومات التواصل ذات فعالية في حقل المعرفة ـ وتدرس السيميائية اللغة من حيث علاقتها العامة مع غيرها من منظومات العلامات، وترى أن اللغة هي المنظومة الأمثل لأن العلامة فيها متميزة بوضوح تام، وتتشكل في منظومة عالية التنظيم، وتحتفظ بعناصر بنيتها الثلاثة التي تتميز بها كل منظومة علامات (السياقي والدلالي والتداولي). برزت سيميائية اللغة في أعمال ي. بنفينيست ول. بريتو في فرنسا، وأعمال كوريلوفيتش وي. بيلتس في بولندا، وف. مارتينوف ويو.ستيبانوف في روسيا.
شغلت السيميائية حيزاً واسعاً في علوم الأدب خصوصاً في نظرية السرد، وقد برزت هذه السيميائية في أعمال يوري لوتمان في روسيا، وإيمبرتو إيكو في إيطاليا، ورولان بارت وجوليا كريستينا وتزيفيتان تودوروف في فرنسا، وغيرهم. وهي سيميائية تدرس النص الأدبي (وقد تمتد إلى النص الصحفي والقانوني والديني والفني والسينمائي والمسرحي..) لتبحث فيه على غرار بحثها في اللغة، فتحدد فيه علاماته وأنساق هذه العلامات وانتظامها في منظومة، وتنظر في طرفي العلامة (الدال والمدلول) انطلاقاً من أنهما طرفا العملية الإبداعية: التعبير والمحتوى (الظاهرة والجوهر)، ومن أهم أعلام السيميائية السردية رولان بارت وجوليا كريستينا.
د. رضوان قضماني
هذه محاضرات ثلاث عسى ان تنفعك بما لديك وتضيف رصيدا لمخزونك التقافي.
مع التقدير
د.ايسر الدبو
dr_aldbow@yahoo.com
__________________
د.ايسرالدبو
العراق/الانبار
جامعة الانبار-كلية الاداب
قسم اللغة العربية-dr_aldbow@yahoo.com
الدكتور جميل حمداوي
يعد جوزيڤ كورتيس J.Courtès من أهم أعضاء مدرسة باريس السيميوطيقية إلى جانب ثلة من الباحثين الذين كانوا يدرسون في جامعات العاصمة الفرنسية ومؤسساتها العليا وكانوا تلامذة ألجيرداس جوليان گريماس A.J.Gremas، ومن هؤلاء الدارسين : ميشيل أريفي M.Arrivé وشابرول C.Chabrol وجان كلود كوكي J.C.Coquet وآخرين.
ولعل مايؤكد نعت هذا الاتجاه بهذه التسمية "مدرسة باريس السيميوطيقية" ماصدر عن أصحابها من كتب تعتمد تسمية المدرسة بـ "Sémiotique:l'école de Paris" إشارة إلى تصوراتها النظرية والمنهجية والتطبيقية التي تصدر عن مرجعية تكاد تكون متطابقة.
فإذا نظرنا إلى جهود هؤلاء الدارسين ومنهم جوزيڤ كورتيس وجدناهم قد كرسوا كل جهودهم لدراسة منحى صعب في اللسانيات وهو المدلول أو جانب المعنى أو الدلالة أو التدليل La signification، واستكشاف جميع القوانين والقواعد الثاوية والثابتة التي تتحكم في توليد النصوص في تمظهراتها النصية واللامتناهية العدد والمختلفة على مستوى التنوع الأجناسي.وتطلعنا مكتبات هذه المدرسة بمؤلفات شتى معنونة بكلمة السيميوطيقا Sémiotique التي تحيل على الجانب التطبيقي على عكس السيميولوجياSémiologie التي تشير إلى التصورات النظرية لعلم العلامات.
هذا، وقد طبقت السميوطيقا النصية التطبيقية التحليلية على عدة نصوص مختلفة الأجناس: سردية وحكائية ودينية وقضائية وسياسية وفنية.....وكانت تنطلق هذه الدراسات السيميوطيقية من اللسانيات والأنتروبولوجيا حيث استلهمت أعمال ڤلاديمير بروب وكلود ليڤي شتروس ومنجزات الشكلانية الروسية.
وتستند مدرسة باريس السيميوطيقية ومنها أعمال كورتيس إلى تحليل خطاب النص بنيويا بطريقة محايثة تستهدف دراسة شكل المضمون للوصول إلى المعنى الذي يبنى من خلال لعبة الاختلافات والتضاد، وبهذا تتجاوز بنية الجملة إلى بنية الخطاب. وهنا لا أهمية للمؤلف وما قاله النص من محتويات مباشرة وأقوال ملفوظة وأبعاد خارجية ومرجعية، بل مايهم السيميوطيقي هو كيف قال النص ما قاله، أي البحث عن دال أو شكل المدلول أو المحتوى على طريقة تقسيم هلمسليف للدال والمدلول بطريقة رباعية: دال الدال ودال المدلول ومدلول الدال ومدلول المدلول.
ومن أهم الكتب التي ألفت ضمن مدرسة باريس هو كتاب جوزيف كورتيس" مدخل إلى السيميوطيقا السردية والخطابية Introduction à la sémiotique narrative et discursive: méthodologie et application" " الذي صدر عن دار هاشيتHachette للطبع بباريس سنة 1976م،وفيه يبسط صاحبه نظرية أستاذه گريماس السيميوطيقية في تحليل السرد والخطاب بصفة عامة. والكتاب عبارة عن مقاربة منهجية وتحليلية تطبيقية على غرار كتاب جماعة أنتروفيرنGroupe D'Entrouvernes" التحليل السيميوطيقي للنصوصAnalyse sémiotique des textes" يحلل فيه كورتيس قصة شعبية فانطاستيكية فرنسية وهي" سوندريون" من الناحيتين: السردية والخطابية. كما أن الكتاب عبارة عن محاضرات جامعية أسبوعية ألقيت على الطلبة فيما بين1974 و1975م. وتنصب هذه المحاضرات المنهجية على دراسة هذه القصة الشعبية من زاوية نحوية دلالية مثل كلود ليڤي شتروس في دراسته للأساطير البدائية . وقد امتح كورتيس تصوراته النظرية والمنهجية في تطبيقه التحليلي من اللسانيات التوليدية التحويلية التي أرسى دعائمها الأمريكي نوام شومسكي ، والتي تربط المستوى السطحي بالمستوى العميق، كما عمل على تجريب مصطلحات أستاذه گريماس للتأكد من نجاعتها وكفايتها الإجرائية والتطبيقية.
هذا، ويتجاوز كورتيس سيمياء التواصل التي نجدها عند فرديناند دوسوسير ورولان بارت وجورج مونان وبرييطو وآخرين نحو سيميائية الدلالة التي أسسها أندري جوليان گريماس في دراساته وأبحاثة السيميوطيقية العديدة و خاصة كتابه" في المعنى Du sens". ويعتمد كورتيس في منهجيته السيميوطيقية على المقاربة الوصفية العلمية الرصينة التي تتكئ على الاستقراء والاستنباط منتقلا من مستوى إلى آخر جامعا بين التصور المنهجي والتحليل التطبيقي بشكل تعليمي بيداغوجي.
وإذا كانت اللسانيات الوصفية تهتم بالدال من خلال رصد بنى التعبير والشكل اللغوي للمنطوق، فإن السيميوطيقا لدى كورتيس تهتم بدراسة المحتوى أو المدلول عن طريق شكلنته أي دراسة شكل محتواه. فعلى مستوى شكل المدلول يتم التركيز على النحو والصرف والتركيب وعلى مستوى الجوهر يدرس الجانب الدلالي.
وعليه، فإن التحليل السيميوطيقي لمدرسة باريس غالبا ما ينصب على تناول المعنى النصي من خلال زاويتين منهجيتين : الزاوية السطحية التي يتم فيها الاعتماد على المكون السردي الذي ينظم تتابع تسلسل حالات الشخصيات وتحولاتها، والمكون الخطابي الذي يتحكم في تسلسل الصور وآثار المعنى. وفي الزاوية العميقة ترصد شبكة العلاقات التي تنظم قيم المعنى حسب العلاقات التي تقيمها، وكذلك تبين نظام العمليات التي تنظم الانتقال من قيمة إلى أخرى. وللتبسيط أكثر، فإن السيميوطيقي في تعامله مع النص الحكائي أو السردي يدرس على المستوى السطحي البرنامج السردي ومكوناته الأساسية كالتحفيز والكفاءة والإنجاز والتقويم مع التركيز على صيغ الجهات ودراسة الصور باعتبارها وحدات دلالية وصور معجمية مع إبراز مساراتها والأدوار التيماتيكية مع ربطها بالبنية العاملية والإطار الوصفي. وعلى المستوى العميق يدرس المكون الدلالي والمكون المنطقي باستقراء التشاكلIsotopies والمربع السيميائي Carré Sémiotique الذي يولد التمظهرات النصية السطحية سردا وحكيا. ويقوم هذا المربع السيميائي على تشخيص علاقات التضاد والتناقض والاستلزام. ومن خلال الاختلاف والتناقض والتضاد يولد المعنى في أشكال تصويرية مختلفة ويتمظهر على مستوى السطح بصيغ تعبيرية مختلفة ومتنوعة.
وإذا عدنا إلى كورتيس في كتابه الذي ترجمه زميلنا الدكتور جمال حضري- الباحث الجزائري القدير- وقد توفق في ترجمته أيما توفيق بسبب عربيته السليمة ودقته في ترجمة المصطلحات وتمكنه من الأدوات السيميوطيقية تصورا وتطبيقا سنجد إشارات مهمة إلى عدة مستويات تحليلية منهجية وتطبيقية أثناء التعامل مع النص محايثة وتفكيكا و تركيبا . ويتمثل المستوى الأول في التمظهر النصي الذي يتجسد في النص بكلماته ولغته وتعابيره التي تواجهنا بشكل مباشر وهذا يخرج عن إطار التحليل السيميوطيقي، لكن ما يهم كورتيس هو دراسة المحتوى من خلال التركيز على مستواه الشكلي عبر استقراء المستوى السطحي بوصف وحداته وعلاقاته صرفا ونحوا وتركيبا، والانتقال بعد ذلك إلى تحليل المستوى العميق برصد السيمات Sèmes والبنى الدلالية العميقة التي تولد كل التمظهرات الدلالية السطحية.
ولا يسعنا في الأخير إلا أن نقول بأن كتاب" مدخل إلى السميوطيقا السردية والخطابية" لجوزيف كورتيس كتاب منهجي تطبيقي غني بالفوائد السيميوطيقية النظرية والتحليلية البيداغوجية والتعليمية التي تسعفنا في مقاربة النصوص والخطابات قصد تحديد المعنى بطريقة علمية وصفية مقننة بمجموعة من المستويات اللسانية المنظمة قصد البحث عن القواعد التي تولد النصوص اللامتناهية العدد من أجل معرفة آليات التوليد النصي والخطابي وميكانيزمات الإنتاج السردي والحكائي والقصصي . أي إنه من اللازم البحث علميا ومنطقيا وشكلانيا عن البنيات الثابتة التي تولد المتغيرات النصية بطريقة منطقية ودلالية. ويعد الكتاب الذي يترجمه الدكتور جمال حضري إضافة مهمة في مجال ترجمة النظريات النقدية الحديثة والمعاصرة يمكن أن تستفيد منها المكتبة النقدية العربية التي هي في حاجة إلى تجديد حمولاتها النقدية وأدواتها في المقاربة والتحليل والوصف والتفسير.
السيميائي للخطاب
إن التحليل السيميائي هو ذاته تحليل للخطاب ، وهو يميز بين "السيميوتيقا النصية " وبين اللسانيات البنيوية "الجملية 0. ذلك أن هذه الأخيرة حين تهتم بالجملة تركيبا وانتاجا _ وهو ما يسمى بالقدرة الجملية _ فإن السيميوتيقا تهتم ببناء نظام لانتاج الأقوال والنصوص . وهو ما يسمى بالقدرة الخطابية . ولذلك ، فمن المناسب الآن وضع القواعد والقوانين التي تتحكم في بناء هذه الأقوال وتلك النصوص "(26).
إن التحليل السيميائي للخطاب ينطلق مما انتهت اليه جهود اللسانيين حول النظرية العامة للغة ، وبمسائل التصورات التي أحيطت بالخطاب ويقتضي أن يكون متجانسا مع الثنائيات الأساسية : (اللغة / الكلام ) _ (النسق /العملية )( process) _ (الكفاية /الأداء الكلامي)، كما أنه لا يغفل العلاقة التي تربطه بمقوله التلفظ . فالمعجم السيميائي لجريماس وكور تيس وهو يناقش مصطلح الكفاية من وجهة نظر تشومسكي ينظر اليها على أنها مجموعة من الشروط الضرورية في عملية التلفظ ، كما أنه يتوافر على صورتين مستقلتين لهذه الكفاية :
أولا : كفاية السرد السيميائي
ثانيا : الكفاية القابلة للوصف أو التعبير بالكلام .
بالنسبة لكفاية السرد السيميائي حسب منظور يامسليف وتشو مسكي يمكن تصورها على أنها تمفصلات تصنيفية وتركيبية - في الآن ذاته - وليس بوصفها استبدالا بسيطا على منوال دي سوسير للغة فالتحليل السيميائي ينظر لهذه الأشكال السر دية نظرة كونية مستقلة عن كل مجموعة لسانية وغير لسانية لأنها مرتبطة بالعبقرية الانسانية . وهنا ينبغي الاشارة الى فضل مدرسة الشكلانيين الروس وعلى وجه الخصوص مؤلف "مورفولوجية الحكاية الخرافية" وتأثيره في المدرسة الفرنسية ذات التوجه البنيوي (كلود بريمون : منطق الحكاية ، جريماس : البنيوية الدلالية ، وكلود ليفي ستروس : البنيوية الانثروبولوجية ). ولا يستطيع أن ينكر أي باحث بأن عبقرية بروب وبحوثه العلمية كانت تمهيدا لظهور التركيب السردي وقواعده .
أما فيما يخص الكفاية القابلة للوصف ، فبدلا من أن تقام على ساقلة النهر، فإنها تتأسس وفق عملية التلفظ مسجلين صياغة الأشكال الملفوظة القابلة للتعبير عنها بالكلام ، ويرى مؤلفا المعجم السيميائي بأن الحديث عن الطبيعة المزدوجة للكفاية تعد ضرورة لانجاز تصور جديد ومضبوط للخطاب .
وفي كل الأحوال فإن الخطاب يطرح مسألة علاقته بالتلفظ وبالتواصل . ولكن المجال السيميائي يهتم بأطره المرجعية مثل الايحاء الاجتماعي ونسبته للسياق الثقافي المعطى المستقل داخل تحليله التركيبي أو الدلالي . إن نمطية الخطابات القابلة للتشكل داخل هذا المنظور ستكون إيمائية خالصة ، ومهما كانت التعريفات الايمائية للخطاب مجردة فإن مشكلة معرفة ماهية الخطاب تبقى مطروحة ، وحتى عندما يحدد الخطاب الأدبي بأدبيته(Litterarite ) كما نادى بها الشكلانيون الروس . فالأدب في تصورهم : "نظام من العلامات Signes دليل مماثل للنظم الدلالية الأخرى، شأن اللغة الطبيعية والفنون والميثولوجيا.. الخ . ومن جهة أخرى، وهذا ما يميزه عن بقية الفنون ، فإنه يبني بمساعدة بنية أي لغة ، إنه ، إذن ، نظام دلالي في الدرجة الشانية ، وبعبارة أخرى إنه نظام تعبيري خلاق Comrotatif وفي نفس الوقت ، فإن اللفة تستخدم كمادة لتكوين وحدات النظام الأدبي، والتي تنتمي إذن ، حسب الاصطلاح اليامسليفى(Hjelmslsvime) الى صعيد التعبير، لا تفقد الالتها الخاصه ، مضمونها "(28).
إن الشكلانية الروسية حددت المعطيات الخاصة التي يمكن أن نسمي بها خطابا ما أنه أدبي. إن رومان جاكبسون هو الذي أعطى لهذه الفكرة صيغتها النهائية حين قال "إن موضوع العلم الأدبي ليس هو الأدب ، وانما "الأدبية " Litteraritأي ما يجعل من عمل ما عملا أدبيا"(29).
لقد عرفت سيميائيات التواصل تقدما فعليا في مجال تحليل الرسالة ، وذلك بتحديد وظائفها الست . على الرغم من الاهمال الواضح لموضوع "الدلالة " ، الذي وجد حرصا كبيرا لدى رولان بارت في إبرازها ضمن توجهات سيميائيات الدلالة ، إن وصف اللغة بأنها نظام للتواصل يتضمن قدرا كبيرا من الانسجام سمح للدراسة اللسانية بالاهتمام بالنموذج الذي رسمه جاكبسون : "الباث _الرسالة _المتلقي _ سنن الرسالة - مرجعيتها). ذلك لأنه مكنها من تجاوز التطبيق اللساني المحصور عل جملة محدودة من الخصائص التي تشتمل على الظاهرة اللغوية الى القراءة اللسانية للنصوص ومظاهر التعبير الأخرى. واذا كان جاكبسون حصر الخطاب بين مرسل ومرسل اليه إلا أن لوتمان أشار الى نموذج آخر من التلقي لا يكون بين الباث والمتلقي، وانما هناك خطاب يتجل فيه الحوار الداخلي مثلما هو الشأن بالنسبة الى السيرة الذاتية فيكون بين الباث وذاته .. وهذا ما نلحظه في خطاب طه حسين في مذكراته "الأيام ".
إن علم الدلالة وهو يصنف أنواعها الى طبيعية وعقلية ووضعية لم تفته الاشارة الى مجالات الاتصال سواء أكانت صوتية أم سيميائية ، ويكون إسهام العرب جليا في هذا الميدان ولاسيما في احتكاكهم بالفلسفة اليونانية منها المشائية والميغارية - الرواتية . ويذهب عادل فاخوري الى الدرس المقارن بين علم الدلالة عند العرب والسيميائيات الحديثة . ويعطي مثلا مقارنا بين تقسيمات علم الدلالة وتصنيف بيرس الأمريكي للعلامة(30).
يمتد طموح الدرس السيميائي بوصفه علما يقارب الانساق الهلامية الى تخليص حقول المعرفة الانسانية من القيود الميتافيزيقية التي تكبلها، وتعوق أبحاثها من الوصول الى نتائج تجعل منها علوما ذات سلطان لها مكانتها المرموقة في وسط المعرفة الانسانية المعا هوة . وتمكنها من القراءة العلمية الدقيقة لكثير من الاشكاليات المطروحة ، والظواهر الانسانية التي لم تتعد إطار التأمل العابر، والتفسير الأفقي الساذج . ولكي يكتسب الدرس السيميائي مشروعية العلم القادر على فحص البنى العميقة للمادة التي يتناولها، ويقترب من عمقها والقوانين التي تركبها، كان لزاما عليه كأي علم أن يحدد منطلقاته المنهجية ومرتكزاته النظرية ويؤسس مقولاته ويمتحن أدواته الاجرائية ويستكشف الحدود التي تفصل بينه وبين العلوم الأخرى، أو التي تقربه منها.
يبدو أن التواصل البشري أعقد من أي تواصل آخر ، لأن استعمال العلامة في هذا المجال لا تتم كما قال فريدينا ند دي سوسير إلا داخل الحياة الاجتماعية ، لهذا يشترط التعاون قصد إيصال الرسالة الى المتلقي ولن يتحقق ذلك أيضا إلا بالتواضع المتبادل والتوافق حتى يتسنى لأي حوار يقوم بين الباث والمتلقي تقديم أفكار في شكل شيفرات متواضع عليها. لهذا فإن بعض علماء الدلالة انتهوا الى أن "عملية الاتصال لا تظهر بوضوح في العالم الحيواني، إلا عندما يكون هناك تعاون أو نشاط اجتماعي، إن أي اتصال مرتبط في أساسه بالتعاون ... وأن كل حوار اجتماعي مرتبط بالتعاون "(31).
إن التحليل السيميائي للنسق الاجتماعي يهدف الى استكشاف نظام العلاقات داخل المجتمع وعلى الخصوص علاقات الأفراد وحاجاتهم لهذا نلقى أن الأنظمة التي سادت في المجتمع البشري لها من العلامات والأنظمة الرمزية الثقافية ، ما تمكن للسيميائي من تحديد شريحة أو فئة أو طبقة اجتماعية ، ففي التنظيم العشائري نرى طقوسا وعادات تتجل في جملة من العلامات والرموز ما تتميز به عن نظام اجتماعي آخر في طر اثق الحفلات والأعراس والمأتم والأعياد وغير ذلك من المظاهر الثقافية .
إذا كنا قد أشرنا سابقا الى طبيعة التواصل باشكاله المتعددة فإن هناك شيفرات لكل شكل من هذه الأشكال التواصلية ، فالتواصل الحيواني له علامات خاصة به منها ما استكشفه البحث ومنها ما بقي مجهولا، وكذلك الشأن بالنسبة للشيفرات الطبيعية التي تحدد علامات الطبيعة أو إشاراتها، فيتمكن من تلقي رسالتها ، سواء عن طريق الادراك الحسي أو العقلي .
فإذا كان الطقس باردا فوق العادة في منطقة يمتاز مناخها بالاعتدال يدرك الانسان أن مصدر قسوة البرد آتية من سقوط الثلج . أو العكس بالنسبة لاشتداد الحرارة غير العادية والتي تفوق معدلها الفصلي فيدرك بأن مصدرها قد يعود الى وجود حريق . وهذا كله ينتج من وجود علائق قد تكون معقدة بين الشيفرات الطبيعية والتكوين البيولوجي، والحساسية الفسيولوجية للانسان . ومهما يكن من أمر تبقى- كما أكدنا آنفا - الشيفرات الاجتماعية ، أكثر تعقيدا، وتتطلب جهدا عمليا، وذكاء فطنا لفهم العلامات الاجتماعية ومحاولة تفسيرها، وفهمها فهما عميقا، فالعلامة كما يعرفها أو لمان هي " نتاج اجتماعي واع يتكون من دال ومدلول يمثلان بوجه عام شيئا أومفهوما غير العلامة - ذاتها"(32).
إن التحليل السيميولوجي يمتد ليشمل جميع الأنظمة السيميوطيقية سواء تمثلة في العلوم الطبيعية أم الاجتماعية أم الثقافية إن هذا العلم كما تنبأ به دي سوسير وتصوره تشارلز سندرس بيرس يطمح الى أن يكون علما لجميع أنساق العلامات لغوية كانت أو غير لغوية ، وما زال المشروع السيميائي يبحث عن معالم تحدد أطره المرجعية ، وموضوعاته وممارساته الاجرائية وعلاقاته بالعلوم الأخرى لرسم منهجه ، وتوضيح مقولاته بدقة . وهو ما حدا بر ولان بارت في كتاباته (ميثولوجيات وامبراطورية العلامات عناصر السيميولوجية ) الى إثارة هذه القضايا التي تتعلق بنضج هذا المشروع ، فيقون إن "السيميولوجيا ما تزال بحاجة الى تصميم ونعتقد أنه لا يمكن أن يوجد أي كتاب وجيز لمنهج التحليل هذا، وذلك على الأكثر بسبب سمته المتسعة (لأن السيميولوجيا ستكون علم كل أنساق العلامات ). وان السيميولوجيا لن تعالج مباشرة إلا عندما تصمم هذه الأنساق على نحو تجريبي" . وأمام هذا التراكم السيميائي وما أحدثه من ثورة حقيقية في مناهج العلوم بعامة والانسانية بخاصة ، يجد الباحث تنوعا في الطرح وتباينا في التصور، وتعددا في الممارسة التطبيقية ، تلتبس فيها السيميائيات - في بعض الحالات ~ بالنظرية التأويلية ، ولكن علم العلامات لم يعد حديثا الا بتحديد معالمه وبناء مقولاته ، وتبيان أدبياته ، واختبار نظرياته وأدواته الاجرائية . والا فإننا نصادف في تاريخ التفكير الفلسفي على كثير من تصوراته عند الشعوب القديمة التي أسهمت في بناء الحضارة الانسانية كالفراعنة والبابليين والا غريق والعرب والمسلمين والرومان .. الخ ، إن ميلاد هذا العلم اقترن بثورة التفكير اللساني المعاصر نتيجة ارتباطه الوثيق بالمنجزات والاستكشافات التي حققها العلم الحديث .
الهوامش
1-ماريو باي : أسس علم اللغة _ ترجمة : أحمد مختار عمر _ ص 112
2-المرجع السابق : 113.
3- ابن جني : الخصائص : 1/18
4- ابن هشآم : مغني اللبيب - ص 490.
5- ينظر : تمام حسان اللغة العربية معناها ومبناها _ ص 189 ، 204
6- الزمخشري : المفصل _ ص 6.
7- الرضي : شرح الرضي على الكافية _ ص 52.
8- رولان بارت : التحليل البنيوي للسرد _ ترجمة : مجموعة من المؤلفين _ مجلة آفاق المغربية _ ع : 8, 9_ 1988_ ص 9.
9- المرجع السابق : 9.
0 ا - نفسه : 9
11 - دي سوسير : دروس في الألسنية العامة _ ترجمة : مجموعة من المؤلفين التونسيين . ص : 29.
12 – حنون مبارك : مدخل للسانيات سوسير _ ص : 36.
13 - ينظر يوسف الطعاني : اللغة كأيديولوجية _ مجلة الفكر العربي المعاصر لبنان _ ص : 75.
14- Hymsler , Prolerrnines a ume therie du - langage ed. Minuit -Paris pp. 9.
15- Hymsier: esrais linginstigues- ed: Minuit –
Paris pp. 29.
16- Andre Mastinet : elements de lin guistique -
generate ed Almand Qlin pp:109.
17- Jean Dubois e1 outs : Dictionnanes de - linguistique - ed: larousx pp. 158.
18- ريمون طحان ودنيز بيطار طحان: فنون التعقيد وعلوم الألسنة – لبنان- ص 292.
19- Jean Aulois autres: Aictionsire de linguistique -pp.158.
20- ميخائيل باختين: الماركسية وفلسفة اللغة- ترجمة: محمد البكري ريمني العيد- ص 150.
21- المرجع السابق :155.
22- نفسه:157.
23- نفسه: 157.
24- T. Trdorov Mileal , le principe dialogigue - pp.
95-95.
25- Julia Vristera ) Le Langage cet inconnue - ed Scuit-Paris-pp.: 198.
26- جماعة انتروفيرن: التحليل السيميوطيقي للنصوص – ترجمة: محمد السرغيني – مجلة دراسات أدبية ولسانية- ع2 –1986 – ص 26.
27- Greiruas et constes: senuiotiique - Dictionnaine- laisonne de la theorie du langage ed - Hachelte -Paris- 1979-pp. 103.
28- تزيفطان تودروف وآخرون: في أصول الخطاب النقدي الجديد – ترجمة: أحمد المديني – ص 13.
29- بوريس إيخنباوم وخرون: نظرية المنهج الشكلي- ترجمة: ابراهيم الخطيب – ص 36.
30- ينظر: عادل فاخوري: علم الدلالة عند العرب دراسة مقارنة مع السيمياء الحديثة – ص 29.
31- Adam Senaf: Introduction a la semamtique - Paris ed : Hutropos 1974 - pp: 194.
32- Voti – S. UiSman : Precis de semantique - Fhamcaise - ed Framcke 1975.
السيميولوجيا.. السيموتيك (السيميوطيقا) السيميائية
بقلم: د. رضوان قضماني
مسميات معرّبة ثلاثة لعلم واحد، هو علم عن الخصائص العامة لمنظومات العلامات (جاء من اليونانية، Semeiotikon من Semeion = علامة).
وهو علم يدرس العلامة ومنظوماتها (أي اللغات الطبيعية والاصطناعية)، ويدرس أيضاً الخصائص التي تمتاز بها علاقة العلامة بمدلولها. وهذا يعني أن السيميائية ـ وهو الاصطلاح الذي سنعتمده من بين التسميات الثلاث السالفة ـ تدرس علاقات العلامات والقواعد التي تربطها أيضاً (ويمكن أن يندرج تحت هذا الفهم علم الجبر والمنطق والعروض..). وكان لايبنتز يرى أن لكل العلوم أصولاً جوهرية مشتركة، وعندما يتمكن الإنسان من تشكيل علامات تدل على هذه الأصول يكون بذلك قد أتم موسوعة العلوم. وقد استعان لايبنتز بالرياضيات والجبر اللذين كشفا له عن دور العلامات في المنهج العلمي. وكان الفيلسوف الفرنسي إيتيان ده كوندياك (1715 ـ 1780) ينظر إلى الجبر ولغته الرمزية بوصفه النموذج الأعظم، ولكن كوندياك لم يخضع كل العلوم للغة واحدة كمافعل لايبنتز، وإنما كان يعتقد أن لكل علم لغته، وإن كان لجميعها منهج واحد في التحليل. وقام تشارلز سوندرز بيرس (1839 ـ 1914) بنقل الاهتمام بالمنهج الكلي ودور الجبر المميز في تشكيله إلى مجال المعاني، فقد كان بيرس موسوعياً، إذ كان رياضياً وفلكياً وكيميائياً ومولعاً باللغة والأدب. وتتكون الدلالة في فلسفة بيرس عبر معلومات أمبريقية (تجريبية) وقواعد تشكيلية.
ثم جاء بعدخ فرديناد ده سوسير (1857 ـ 1914)، وكان متخصصاً في علم اللغات المقارن، واهتم بالعلامة من منطلق لغوي، ودعا إلى ما سماه بعلم السيميولوجيا، أو علم منظومات العلامات. وهكذا تطورت السيميائية في القرن العشرين وأصبحت حقلاً معرفياً مستقلاً.
تسعى السيميائية إلى تحويل العلوم الإنسانية (خصوصاً اللغة والأدب والفن) من مجرد تأملات وانطباعات إلى علوم بالمعنى الدقيق للكلمة، ويتم لها ذلك عند التوصل إلى مستوى من التجريد يسهل معه تصنيف مادة الظاهرة ووصفها، من خلال أنساق من العلاقات تكشف عن الأبنية العميقة التي تنطوي عليها، ويمكنها هذا التجريد من استخلاص القوانين التي تتحكم في هذه المادة.
العلامة هي الاصطلاح المركزي في السيميائية. وتُعنى السيميائية بالعلامة على مستوييين. المستوى الأول أنطولوجي، أي يعني بماهية العلامة، أي بوجودها وطبيعتها وعلاقتها بالموجودات الأخرى التي تشبهها والتي تختلف عنها. أما المستوى الثاني فهو مستوى تداولي (براغماتي)، يعنى بفاعلية العلامة وبتوظيفها في الحياة العملية. ومن منطلق هذا التقسيم نجد أن السيميائية اتجهت اتجاهين لا يناقض أحدهما الآخر، الاتجاه الأول يحاول تحديد ماهية العلامة ودرس مقوماتها، وقد مهد لهذا المنحى تشارلز بيرس، أما الاتجاه الثاني فيركز على توظيف العلامة في عملية التواصل ونقل المعلومات، وقد اعتمد هذا الاتجاه على مقولات فرديناند ده سوسير.
تدرس السيميائية ـ وفقاً لـ (بيرس) العلامة ومنظومة العلامات (أي مجموعة العلامات التي انتظمت انتظاماً محدداً) وفقاً لأبعاد ثلاثة:
1ـ بعد نظمي سياقي تركيبي يدرس الخصائص الداخلية في منظومة العلامات من دون أن ينظر في تفسيرها، أي ينظر في بنية العلامات داخل المنظومة).
2ـ بعد دلالي يدرس علاقة العلامات بمدلولاتها (أي يدرس محتوى العلامات) والعلاقة القائمة بين العلامة وتفسيرها وتأويلها من دون النظر إلى من يتداولها.
3ـ بعد تداولي (براغماتي) يدرس الصلة بين العلامة ومن يتداولها ويحدد قيمة هذه العلامة من خلال مصلحة من يتداولها.
وهكذا نجد أن كلاً من البعد الدلالي والسياقي ذو صلة بحيز محدد من المسائل السيميائية، أما البعد التداولي فهو ذو صلة بدراسة المسائل السيميائية التي تحتاجها علوم بعينها (مثل سيكولوجيا اللغة، وعلم النفس الاجتماعي).
ويقوم البعد السياقي بتشكيل نظرية تحدد علاقات تركيبية وفرضيات، أي يقوم بالكشف عن العلاقات التي تربط بين النص بوصفه نسقاً في منظومة، وبين غيره من المنظومات، من خلال تصور عامٍ مجرد للبنى الكامنة في النص ثم تطبيق هذا التصوُّر على مجموع النصوص انطلاقاً من أن نسق (class) نص في منظومة سيميائية محددة هو نسق ينطبق على جميع أنماط هذه النظرية، وبذلك تتمكن فرضيات النظرية من أن تصف وصفاً شاملاً كل النصوص المحتملة.
أما البعد الدلالي فيميز في منظومات العلامات تمعني العلامة (مُسمَّاها denotat) ـ أي: علامة تدل العلامة في منظومة بعينها؟ ومفهوم هذه العلامة (تعيينها)، أي التصور الذي تحمله والمعلومة التي تنقلها.
ثم تأتي التداولية لتحدد رتب القيمة والمفهومية في العلامة والمعلومة التي يتلقاها من يتداولها.
يُعرَّف فرديناند ده سوسير العلامة بأنها اتحاد لا ينفصم بين دال ومدلول، أي إنها وحدة ثنائية المبنى، ذات طرفين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. الدال يحدده سوسير بأنه تصور صوتي سمعي يتشكل من سلسلة صوتية يتلقاها المستمع وتستدعي إلى ذهنه تصوراً ذهنياً مفهومياً هو المدلول، وبذلك تكون العلامة عند سوسير نتاج عملية نفسية. إلا أن أكثر السيميائيين الذي طوّروا أفكار سوسير يرون أن الدال حقيقة مادية محسوسة لا تقتصر بالضرورة على الأصوات ويمكن للمرء أن يختبرها بالحواس، وهذا المحسوس المادي يستدعي في ذهن المتلقي حقيقة أخرى غير محسوسة هي المدلول. وبهذا تكون العلامة بدالها ومدلولها حقيقة مادية محسوسة تثير في العقل صورة ذهنية، ولكن هذه الصورة هي صورة ذهنية لشيء موجود في الواقع. لكن السيميائية لا تهتم بقضية الحقيقة والبطلان، أي بمسألة مطابقة العلامة للواقع، وإنما تكمن القيمة السيميائية في العلاقة القائمة بين الدال والمدلول، دون التجاوز إلى العلاقة بين الدال والمدلول والشيء الذي تشير إليه العلامة، إذ إن هذه العلاقة الثلاثية تخرج من السيميائية إلى الدلالة.
العلامة خاصتان أساسيتان. أولاهما اعتباطية العلامة، وتعني أن الدال والمدلول لا تربط بينهما علة من العلل سواء كانت منطقية أم طبيعية. وثانيتهما قيمة العلامة، وهي قيمة تنشأ من سببين: الأول وظيفة العلامة (الكامنة في تداوليتها) والثانية أشكال التشابه والاختلاف بينها وبين العلامات الأخرى (وهي قيمة مرتبطة بماهيتها).
إن العلاقة يبن الدال والمدلول علاقة اصطلاحية، علاقة تواضع هي حاصل اتفاق بين المستعملين، وبضمن ذلك العلامات المعللة، أو العلامات الطبيعية. ويمكن للتواضع أن يكون ضمنياً أو ظاهرياً، ويبقى التواضع مفهوماً نسبياً خصوصاً عندما يتعلق بالتواضع الضمني. وللتواضع درجات، إذ يمكنه أن يكون قوياً، وجماعياً، ومُرغِماً، ومطلقاً كما في إشارات المرور، وفي الترقيم الكيميائي والجبري، وقوياً كما في قواعد الآداب العامة.
تتآلف العلامات فيما بينها وفقاً لنوعين من العلاقات: أولهما العلاقات النظمية السياقية، وهي التي تقوم بين العلامات على المحور السياقي. وتنبع العلاقة النظمية السياسية من قدرة العلامات على التآلف على محور ذي بعد واحد يجعل العلامة ترتبط بأخرى في متتالية من علامات تنمي إلى المستوى السياقي نفسه.وثانيهما العلاقات الاستبدالية، وهي علاقة تقوم على المحور الاستبدالي، وتنبع من قدرة العلامات على تشكيل فئات وجداول، ترتبط وحدات كل جدول فيما بينها، ويمكن للواحدة منها أن تحل محل الأخرى إذا تبدل السياق.
اتجهت سيميائية سوسير منذ البداية نحو اللغات الطبيعية، فقد رأى أن اللغة الطبيعية هي أكثر المنظومات تطابقاً مع السيميائية، ويرجع هذا إلى طبيعة العلاقة اللغوية الاعتباطية، وإلى أن اللغة يمكن أن تختزل في عدد محدود من العلامات المستقلة والمختلفة، وقد ترتب على ذلك أن اللغة تصلح أن تكون نموذجاً لكل الأنظمة الدالة غير اللغوية.
يرى السيميائيون أن اللغة هي أهم منظومة من منظومات التواصل ذات فعالية في حقل المعرفة ـ وتدرس السيميائية اللغة من حيث علاقتها العامة مع غيرها من منظومات العلامات، وترى أن اللغة هي المنظومة الأمثل لأن العلامة فيها متميزة بوضوح تام، وتتشكل في منظومة عالية التنظيم، وتحتفظ بعناصر بنيتها الثلاثة التي تتميز بها كل منظومة علامات (السياقي والدلالي والتداولي). برزت سيميائية اللغة في أعمال ي. بنفينيست ول. بريتو في فرنسا، وأعمال كوريلوفيتش وي. بيلتس في بولندا، وف. مارتينوف ويو.ستيبانوف في روسيا.
شغلت السيميائية حيزاً واسعاً في علوم الأدب خصوصاً في نظرية السرد، وقد برزت هذه السيميائية في أعمال يوري لوتمان في روسيا، وإيمبرتو إيكو في إيطاليا، ورولان بارت وجوليا كريستينا وتزيفيتان تودوروف في فرنسا، وغيرهم. وهي سيميائية تدرس النص الأدبي (وقد تمتد إلى النص الصحفي والقانوني والديني والفني والسينمائي والمسرحي..) لتبحث فيه على غرار بحثها في اللغة، فتحدد فيه علاماته وأنساق هذه العلامات وانتظامها في منظومة، وتنظر في طرفي العلامة (الدال والمدلول) انطلاقاً من أنهما طرفا العملية الإبداعية: التعبير والمحتوى (الظاهرة والجوهر)، ومن أهم أعلام السيميائية السردية رولان بارت وجوليا كريستينا.
د. رضوان قضماني
هذه محاضرات ثلاث عسى ان تنفعك بما لديك وتضيف رصيدا لمخزونك التقافي.
مع التقدير
د.ايسر الدبو
dr_aldbow@yahoo.com
__________________
د.ايسرالدبو
العراق/الانبار
جامعة الانبار-كلية الاداب
قسم اللغة العربية-dr_aldbow@yahoo.com