[center]
مذكرة تخرج حول النقد الأدبي جامعة الجزائر
الفصل الثاني
المبحث الأول : دراسة شكل الكتاب
المطب الأول : دراسة وصفية للكتاب
الأدب هو موضوع النقد وميدانه الذي يتحرك فيه , فهو يبحث في الأدب وصناعته وانواعه وفي الأدباء ونتاجهم , وفي مميزات الشعراء والكتاب , والسمات المميز للعصور الأدبية , كذلك يتصدى لرصد الظواهر الادبية وتعليلها وتفسيرها , كما يتصدى لتحليل عناصر الأدب تحليلا يعتمد على الذوق السليم .
وعلى هذا فتاريخ النقد الأدبي عند أي أمة هو في الواقع جزء من تاريخ أدبها العام إنه تاريخ التغيرات التي تطرأ من عصر إلى آخر وعلى فهم الناس للأدب وتذوقه ويدخل في ذلك تاريخ النظريات والمذاهب النقدية المختلفة , وتاريخ رجال النقد ومناهجهم وآثارهم العلمية - وكل ما ذكرناه سابقا - : هو موضوع هذا الكتاب الذي بين أيدينا وهو باقة منتقاة من مكتبة عبد العزيز عتيق إذ يكتسب الكتاب من الوهلة الأولى ثقة القارئ ويجذب اهتمامه بدا من الواجهة ذات اللون الآخضر كتب عليها بعض الحروف الأبجدية ورقم هذا الكتاب 1717 أما طوله 24 وعرضه 17 وصفحاته بلغت 403 صفحة فهو إذا من الحجم المتوسط اعتمد في جمع وتأليف كتابه على أمهات المراجع وذكرها حسب استخدامها في الفصول في الفصل الأول تاريخ النقد الأدبي لطه ابراهيم وفي الفصل الثاني تاريخ الكامل لابن الأثير وكتاب العمدة وديوان حسان والنقد الأدبي لأحمد أمين والأغاني لأبي فرج الاصبهاني ودلائل الاعجاز لعبد القاهر الجرجاني وفي الفصل الثاني كتاب العمدة وتاريخ النقد الأدبي لكارل بروكلمان وفي الفصل الرابع جمهرة أشعار العرب وطبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي والعقد الفريد والشعر والشعراء لابن قتيبة وفي الفصل الخامس كتاب الكامل للمبرد وفي الفصل السادس معجم الأدباء للياقوت وفي الفصل السابع مروج الذهب للمسعودي وفي الفصل الثامن العمدة والموشح لللمزربياني وفي الفصل التاسع كتاب البديع وضحى الإسلام أحمد أمين أما فهرس الكتاب فكان على النحو التالي :
- مقدمة
- الفصل الأول : النقد الأدبي
- الفصل الثاني : النقد في العصر الجاهلي
- الفصل الثالث : النقد في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم
- الفصل الرابع : النقد في عصر الخلفاء الراشدين
- الفصل الخامس : النقد في الحجاز
- الفصل السادس : النقد في العراق
- الفصل السابع : النقد في الشام
- الفصل الثامن : النقد في القرن الثاني
- الفصل التاسع : النقد في القرن الثالث
كما أنه وضع بعض الكلمات العويصة في التهميش فكان مزود بالشرح اما دار النشر : دار النهضة العربية – بيروت , لبينان –
المطلب الثاني : دراسة سيميائية للعناوين :
إن العقبة الأولى التي تواجه الدارس أثناء ولوجه في عالم هذا الكتاب وهو العنوان وهذا الأخير يغري الباحث ويستميله إلى تتبع دلالاته ومحاولة فك شفراته ورموزه واستنطاقها واستقرائها والعنوان هو من بين مجموعة الملفوظات التي آلت تحيط بالكتاب والتي أطلق عليها جينت لفظ النص المصاحب [1]
وقد حظي العنوان في الدراسات السيميائية الحديثة باهتمام كبير من طرف الباحثين , وتبدوا تلك الأهمية في كون ان النص عبارة عن شظايا موزعة يلملم أجزائها العنوان , وأن لهذا الأخير دورا بارزا في تحليل النص الأدبي , من خلال الكشف عن جوانب أساسية , ومجموعة من الدلالات المركزية , وللعناون في حد ذاته نصا وباق المقاطع ما هي إلى تعريفات نصية تنبع من العنوان الأم والعلاقة بين هذا الدفع التفريعي والعنوان بوصفه متخيلا شعريا أو سرديا , هي ليست اعتباطية إنها علاقة طبيعية منطقية وعلاقة انتماء دلالي , على هذا الأساس فإن الدارس لا يستطيع أن يسير في أغوار النص والخوض فيه إلا إذ أمكن فك رمزية العنوان الذي يشوف أفكار المتلقى ويلقي بها في فضاء تخيلي ويستفز قدراته الثقافية و الفكرية في مواجهته ويرمي بها في عتمات التأويل للنص [2]
ومن هنا فإن عبد العزيز اختار عنوان كتابه ويرى صلاح فضل أن المشروع في تحليل العنوان يصبح أساسيا عندما يتعلق الأمر باعتباره عنصرا بنيويا يقوم بوظيفة جمالية محددة مع النص أو في مواجهته أحيانا كما يمكن أن يقوم العنوان بدور الرمز الاستعماري المكثف لدلالات النص [3]
وبناء على ما تقدم سنحاول فيما يلي الولوج في فضاء الكتاب - موضوع الدراسة-
لاستنطاق مجموع العناوين التي شملت عليها على اعتبار أنها مجموعة عتبات وبوابات يجب المرور عليها ونستهل دراستنا بعنوان الكتاب ثم نتطرق فيما بعد إلى العناوين الفرعية أو الداخلية
أ-عنوان الكتاب : تاريخ النقد عند العرب
أول عبارة تستوقف القارئ هي كلمة تاريخ النقد يعني رصد ما أمكن رصده ابتداء من نشاته في العصر الجاهلي حتى نهاية القرن الثالث معتمدا في ذلك التعميم كلمة نقد تعني الحكم على الأعمال الأدبية في قالب فني جميل مع بيان الأصالة او الإنحراف هذا الأدب فيكون معنى العنوان : مراحل تغير النقد عبر العصور ومميزاته
ب-العناوين الفرعية (الثانوية)
القارئ لكتاب عبد العزيز عتيق وما اشتملت عليه من عناوين فرعية وبصورة واضحة تأثر عبد العزيز عتيق بالكتاب المقدس وقد مر- فيما مر علي – أنه صرف الكثير من وقته في مطالعته لتاريخ الأدب نفسه – فلا غرو إذا – أن نجد عبد العزيز قد قسم كتابه المطول إلى تسع أقسام سميت فصولا من الفصل الأول إلى الفصل الرابع : النقد عبر العصور ومن الفصل الخامس إلى الفصل السابع تحدث عن النقد في ربوع العالم
(الحجاز – الشام – العراق ) ومن الفصل الثامن إلى الفصل التاسع تحدث عن النقد في القرنين الثاني على الثالث .
ومن المتعارف عليه أن لكل بداية نهاية ونهاية الكتاب هي الخاتمة غير أن عبد العزيز عتيق يرى غير ذلك أن العلم لا حد له لذا ترك موضوعه مفتوح وهذا ما ميز جل كتبه
المبحث الثاني : دراسة محتوى الكتاب
المطلب الأول : تحليل الفصول وتلخيصها
بدأ الكتاب بمقدمة قصيرة نسبيا يدير المؤلف الحديث فيها حول الأفكار الرئيسية التي تتردد حول ثنايا الكتاب وقد صرح أنها عبارة عن محاضرات ألقاها على طلبة السنة الثالثة في قسم اللغة , ولا إعراض أن يجمعها كتاب , نظرا لتشتت النصوص النقدية هنا وهناك مما يسهل على الباحث الرجوع إليها .
فيدخل في ذلك تاريخ النظريات والمذاهب والاتجاهات النقدية وتاريخ رجال النقد ومناهجهم وآثارهم العلمية التي أسهموا بها في نهضة الأدب من العصر الجاهلي إلى القرن الثالث
تلخيص الفصول :
-بداية الفصل الأول وعنوانه النقد الأدبي لم يتجاوز المؤلف حد التلخيص حول تعريف النقد والأدب على اعتبار أنهما موضوع الدراسة إذ رصد ما أمكن رصده في النقاط التالية أن الأدب هو موضوع النقد فأدب أي أمة هو البليغ من شعرها ونثرها , أما النقد فهو الكاشف عن الأصالة أو عدمها في الأدب , مؤكدا أن النقد ليس قائم بذاته وإنما يستمد من الأدب وجودا ويسير في ظله فعبر هنا عن علاقة النقد الحتمية بالأدب ثم ابتع بشرح كلمة نقد لغة من عدة معاجم , ومن هذه التعاريف نقد : صير الدراهم و الدنانير أي ميز جيدها من رديئا [4]
وكما لم يهمل التفريق بين النقد والأدب فالأدب متصل بالطبيعة اتصالا مباشرة , أما النقد فيراها فقط من الأعمال الأدبية الأدب الذاتي أما النقد له جانبان ذاتي وموضوعي فهو ذاتي من حيث الذوق وموضوعي من حيث أنه مقيد بالأصول العلمية وهذه التفرقة تجر إلى التفريق بين تاريخ الأدب وتاريخ النقد فالأول هو تاريخ التغيرات التي طرات على الناس من عصر إلى آخر أما الثاني فهو تاريخ عقولها وبعد ذلك تكلم عن أدوات الناقد مثل الأسلوب والبلاغة وبقيت نقطة مهمة لايصح اغفالها ذكرها الأستاذ كل ما سيرد في ثنايا هذا الكتاب إذ قال فلما كان موضوع هذا البحث هو تاريخ النقد عند العرب فاننا في جولتنا التاريخية سنحاول الإلمام بـ :
- نشأة النقد عند العرب وتطوره وسماتها المميزة
- أراء العرب ونظرياتهم
- فنون الأدب
- مدى فطنتهم إلى تعليل الظواهر الأدبية ومبلغ قدرتهم على تغييرها
- أهم نقاد العرب وآثارها العلمية
كما صرح الكاتب بمنهجه المناسب بهذه الدراسة هذا وسوف يكون عرضا لنقد العرب على أساس العصور حتى تكون أكثر الماما وكان هذا الفصل أقصرهم حجما لما جاء فيه فقط لمصطلحات ومفاتيح حول الدراسة لذا اعتبرته مدخلا للكتاب
والفصل الثاني : تحت عنوان النقد في العصر الجاهلي بدأ المؤلف بإعطاء نبذة وجيزة عن نشأة الأدب الجاهلي قبل الولوج إلى النقد في هذا العصر وخلاصته : أنه من الحقائق المسلم بها أن أدب أي أمة هو ابن بيئتها وطبقا لذلك فالأدب الجاهلي وليد الصحراء فكان الجاهلي يكدح طلبا للرزق ومن أجل البقاء .
وأغلب الظن أن الشعر العربي قد بدأ أول ما بدأ بالكلام المقفى فأول ما وصل إلينا سجع الكهان نحو قول أحدهم : ( إذا طلع السلطان , واستوى الزمان وحظر الأوطان تهادت الجيران ) ومن الرجز انفتح الطريق أمام الأوزان الأخرى كموافقة الطويل للشعر الحماسي وكان أول ما قصد المهلل ومن هنا تأتي أهمية الشاعر , فربما فضلت القبائل نبوغ الشاعر على نبوغ القائد يقول ابن رشيق في باب إحتماء القبائل بشعرائها : كانت القبيلة من العرب إذ نبغ فيها شاعر أتت القبائل وهنئتها وصنعت الأطعمة . [5]
إذ يأخذ هذا الفصل مداه فالمؤلف يصف حركة النقد ونشاطه في أسواق العرب وارتحال الشعراء إلى ملوك الجيزة والغساسنة , فكان النقد مبني على الذوف الفطري فيطلق على الشاعر أشعر الناس لبيت واحد وبذلك يمثل العصر الجاهلي نشأة النقد فظهرت فيه المحاولات الأولى فكانت ملاحظاتهم وليدة فطرتهم التي تتأثر بالسمع فتصدر الحكم للشعر
تحرك النقد الجاهلي في ميدانه الأول منها الحكم على الشعراء وتفضيل بعضهم على البعض وفيه توجهوا إلى الألفاظ والمعاني وأما الثاني تغليب بعض القصائد الجيدة وفي كلا الميدانين فإن الناقد يصغي ويحكم غير معللا للحكم بل متأثرا بذوقه الفطري وقد كان الشاعر الجاهلي إحساسا أكثر منه عقلا فالعربي مرهف الحس بطبعه ويعبر عن كل ما يشعر به وقد ظهر عبد العزيز عدة صور للنقد الجاهلي وهي على النحو التالي
أولا : تناول اللفظ والصياغة : فيأخذ الناقد عدم تمكن الشاعر من دلالات الألفاظ ومثل ذلك ما أخذه طرفة على المسيب حين أعطى صفة الناقة الصيعارية للجمل فقال استونق الجمل
وقد أتى الناس الهم عند احتضاره
بناج عليه الصيعرية للكـــــــــــدم
ثانيا : تناول المعنى كقول الأعشى : حين أخطأ في مدح الحاكم
ثالثا : تناول الصورة الشعرية من حيث قدرة الشاعر على أدائها أو عدم قدرته ومن ذلك احتكام علقمة وامرؤ القيس إلى زوجة أم جندب في أيهما الأشعر لتحكم بينهما فقالت قولا شعرا تصفان فيه الخيل على روي واحد وقافية واحدة فقال
خليلي مرى على أم جنــــــــــــــدب
لنقضي حاجة الفؤاد المعـــــــــــــــــذب
وقال علقمة
ذهبت من المجران في كل مذهب
ولم يك حقا كل هنا التعجــــــــــــــــــــب
فقالت لامرؤ القيس : علقمة أشعر منك
فقال وكيف ذاك ؟ قالت لأنك قلت :
قلسوما ألهوب ولساـــــــــــق درة
زجر منه وقع أهـــــــــــــــــوج متــــعب
فجهدت فرسك بصوتك وقال علقمة
فأدركهن ثانيا من عنـــــــــــــانه
يـــــمر كمر الرائح المتحـــــــــــــــــلب
فأدركت طريدته فقال ما هو أشعر مني ولكنكي له وامقة فطلقها
رابعا : التطرق على الغلو في المبالغة وعدها من عيوب الشعر فقد عابت العرب على المهلهل الغلو في القول بالإدعاء كقوله
فلولا الريح أسمع من بحجــــــــر
صليل البيض تقرع بالذكــــــــــــــور [6]
فقد كانت النظرة الجاهلية إلى المبالغة على أنها تفسد المعنى وتغيره [7]
خامسا ً : الحكم على بعض القصائد بأنها بالغة منزلة عليا في الجودة بالقياس إلى غيرها فقد كانوا يتخيرون قصائد بأعيانها ويخلعون عليها ألقابا ومن هذا النوع روى أبو عمر الشيباني أن عمرو ابن الحارث أنشده علقمة ابن عبده قصيدته :
طحابك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عمر حان مشيب
وأنشده النابغة :
كليني لهم يا اميمة ناصب وليل أقاسيه بطئ الكواكب
وأنشده حسان قصيدته :
أسألت رسم دار أم لم تسأل بين الجوابي فالبضيع فحومل
ففضل حسان عليهما ودها قصيدته " البتارة " لأنها بترت غيرها من القصائد
سادسا ً : كان لقريش دور في رقي النقد ، وهذا من خلال بسط لغتها على القبائل الأخرى ووقوفها موقف الناقد المتخير في اختيارها أحسن الألفاظ والأساليب ، عند كل قبيلة يجاهد المؤلف جهادا عنيفا في الفصل الثالث : وعنوانه النقد في صدر الإسلام : إذ ينتقل من وصف الحياة الأدبية إلى حالة النقد المسيئة له دون أن نحس بالأمر أنه أصبح يسير في يديه ألخصها في الفقرة التالية : أولا النقد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم : كانت الحياة الأدبية في عصر الرسول ص ضيقة النطاق فانحصرت تقريبا في الهجاء والمدح والمفاخرات وتبعا لذلك فقد ضاق نطاق النقد أيضا ، لكنه اختلف عن العصر الجاهلي في كونه صار وفق معايير أخلاقية جديدة بحلية إسلامية وأول ما سار في هذا النهج كان الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يدور الحديث في مجلسه فقد أعجب بالشعر إعجاب أصحاب الذوق السليم وقد أثر عنه بكلمات تعبر عن مفهومه لشعر فيقول : الشعر كلام من كلام العرب ، بعزل تتكلم به في بواديها وتسل به الضغائن من بينها وقوله :إنما الشعر لكلام مؤلف فمن وافق الحق منه فهو حسن ومن لم يوافق الحق منه فلا خير فيه وقوله : إنما الشعر كلام فمن الكلام خبيث وطيب ، فقد دعا عليه اللام إلى العدول بالشعر عن طريقة الجاهلي بالصيغة الإسلامية الشعر عنه كلام من جنس كلام العرب يتميز بالنظم وتمتاز لغته وألفاظه بالجزالة وقوة الأسر وميزان الشعر عنده يتصل في مدى مطابقته للحق فالحسن ما وافقه والسيئ ما لم يوافقه لقد نثرت بواعث الشعر في تلك الفترة عندما اهتدوا إلى الإسلام وزاد في ذلك الفتور اشتراك بعضهم بالجهاد فقد خلقهم الإسلام خلقا جديدا وصبغهم صبغة جديدة حتى انقطعت الصلة بينهم وبين الجاهلية وقد صرف القرآن الكريم كذلك الشعراء عن الشعر خاصة عندما بهرهم بروعة أساليبه وبلاغته فآثروه على الشعر وعدلوا عنه خطابة للحاجة إليها في استنهاض الهم لنصرة الإسلام وتحريف النفوس والخواطر للجهاد ، لقد سار نقد الشعر في العصر في مبدأين الأول منهما بين الشعراء المسلمين والشعراء المشركين وفيه حكم القول حتى الخصوم للمسلمين على المشركين والثاني يتمثل فيما كان بين حسان بن ثابت وسائر شعراء المسلمين فقد دانا القوم بالتفوق لحسان لما كان له من قوة الشاعرية ، وقد فضله الرسول ص على غيره فانتدبه ليدافع عن أعراض المسلمين ويبني له منبرا في المسجد ينشر عليه أشعاره وذلك لأنه أول وأفضل من وافق الرسول عليه السلام لموقفه من الشعر وهو الذي يقول :
وإنما الشعر به المرء يعرضه
على المجالس إذ كيسا أن حمقا
وإن أشعر بيت أنت قائلـــــــــه
بيت يقال – إذا أنشدته – صدقا
وفي الفصل الرابع : قدم لنا المؤلف عدة عوامل هذه العوامل لم تكن في عصر الخلفاء الراشدين للشعر يتطور وينهض فما خلفته الفتوح الإسلامية ........... لا يعدوا أن يكون نماذج مشاكله لنموذج الجاهلي ، ولكن قد نلتقي أحيانا لبعض الألفاظ الإسلامية وبعض الأساليب التي تنحوا منحى الأساليب القرآنية وأحيانا نلتقي ببعض المقطوعات والقصائد التي تعالج موضوعات لم يطرقها الجاهليون من قبل كالموضوعات الدينية من جهاد وقتال وحث للنفس على الخلق القويم وأكثر ما يلمس في الحركة النقدية في عصر الخلفاء الراشدين موقفهم من الشعر والشعراء وأرائهم فيهم والملاحظات النقدية الصادرة من بعض معاصريهم من الصحابة وغيرهم كذلك فلم يقتصر اهتمامهم على النقد وحده ، بل شمل اللغة العربية عامة والغيرة على صحتها وسلامتها من اللحن وخاصة فيما يخص القرآن الكريم ، فالعرب عند ظهور الإسلام كانوا يعربون كلامهم على النحو ما في القرآن الكريم ، إلا من خالطهم من الموالي فقد كانوا يلحنون ويخطئون في الإعراب ، فكانوا يحرصون على تعليمهم وقد سار الخلفاء الراشدين على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته لنقد الشعر فميزوا بين شعر وأخر ، وحافظوا على هاهو أحسن ومفيد ، وعاقبوا على الشائن والضار ، وتمثلوا للشعر في أقوالهم ودعوا إلى روايته والاهتمام به وكان أولهم في هذا الميدان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الناقد الأول لحق في هذه الفترة وقد قيل عنه (كان من انقد أهل زمانه في شعره وانقده فيه معرفة ).[8]
وقد كان ذا ثقافة أدبية عالية ينشد الشعر في كل الموضوعات ويستمع إليه ويستروح به ويقوم بتوجيه النقد وتطويره فالشعر لديه هو الذي يحقق المتعة الأدبية ويسكن به الغيض وتطفأ به الثائرة ويعطي به السائل ، وينزع إلى الفضائل بصفة عامة وما يهدف إلى عكس ذلك فهو انتكاسة وردة إلى الجاهلية يأباها الإسلام ويقاومها ومن أقوال عمر المألوفة في هذا الموضوع قوله (( نعم ما تعلمته العرب الأبيات من الشعر يقدمها الرجل إمام حاجته وقوله خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته يستحيل بها الكريم ويستعطف اللئيم )) والشعر الخالد هو ما ينبعث من عاطفة قوية صادقة ويخدم الحق والغير وهذا الشعر نبذة ممثل في شعر زهير ابن سلمى فقد فضله على غيره من الشعراء بسبب جودته وّإتقانه ودعوته السلام والخير وإلا جانب زهير كاد النابغة الذبياني قد حضر بجزء من التفصيل وإن كان الإعجاب بزهير أشد وأعظم .
دخل النقد على عمر بن الخطاب طورا جديا لا عهدا لنا في العصر الجاهلي فكان حكمه أدبيا مفصلا يقضي فيه الناقد بتفضيل شاعر على أخر معليا حكمه بالأسباب الفنية التي دعته إلى هذا وقد اهتم عمر رضي الله عنه بالكلام البعيد عن الوحشية والغرابة والبعد عن المعاضلة والصور الشعرية القريبة والعبارات الدالة على صدق التجربة والتعبير عن القيم السليمة في المجتمع وأن لا يقول الشاعر إلا ما يعرف وأن لا يمدح الرجل إلا بما فيه وبالتالي يعنيه الصدق تأصل معهم من أصول النقد ، أما بالنسبة للخلفاء الراشدين ، فقد عرف بعضهم بالأحكام النقدية وتفضيل شاعر على أخر ومنه أبو بكر رضي الله عنه الذي قدم النابغة على غيره من الشعراء فقال : فإن أحسنهم شعرا وأعذبهم بحرا وأبعدهم قعرا ويعلل حكمه بأن النابغة يستقي معانيه من معين عذب صائغ فتتقبلها النفوس تقبلا حسنا كما أنه في معانيه بعيد العمق والغور وأنه يضل يروي في ما يغض منها حتى يستخرجها استخراجا واضحا .
وعثمان بن عفان رضي الله عنه كلمة نقدية تدل على الذوق الأدبي وتعبر عن رأيه في السابق من شعراء المتقدمين فقد حكيا عنه أنه قال (( لو أن الشعراء المتقدمين ضمهم زمان واحد ونصبت لهم راية واحدة فجروا مع علمنا من السابق منهم وإذا لم يكن فالذي لم يقل لرغبة ولا لرهبة فقيل : ومن هو ؟ فقال : الكندي ، ولما ؟ قال : لأني رأيته أحسنهم نادرا وأسبقهم ، ويروي كذلك ان الإمام على رضي الله عنه فضل أمروء ألقيس ولعلة أولى لتفضيله الكندي ، ومن هذا نلاحظ أن الغمام علي رضوان الله عليه لم يجري مجرى النقاد في عصره بحكم الغير معللا بل إن الأساس الحكمة عنه الموازنة بين الشعراء لمعرفة السابق منهم وأفضلهم هو الذي لم يقل الشعر لرغبة أو لرهبة كإمرء القيس وكندي.[9]
ويقصد الإمام علي رضي الله عن بذلك أن الشاعر الذي يبعث إلى القول بدافع الرغبة أو الرهبة قد ينزلق إلى الكذب لتحقيق رغبته أيا كانت أو درأ للخطأ المتوقع يرهبه ويخشاه وبالتالي فإن الشاعر المقدم عنده هو الذي تجرد عن الهوى والخوف وكان شعره وليد المشاعر السابقة وهنا يظهر مليا تأثر الإمام علي بالرسول صلى الله عليه وسلم .
إذا جارا بعض الخلفاء الراشدين عمر في تطوير الأحكام النقدية ولكنهم لم يتوسعوا فيها وبالنسبة لشعراء في هذا العصر المثقفين فقد اقتصر نشاطهم على أحكام التغذية مجملة فجهود عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعض ما قام به الخلفاء الراشدون آخرون ، وتوجيهات بن عباس لشعر وجهة إسلامية ، كلها جعلت هذا العصر يختلف عن الشعر في العصر الجاهلي وعصر الرسول صلى الله عليه وسلم وإن جاء هذا الفصل أي النقد في العصر الأموي : عمر بن أبي عتيق عاش بن أبي عتيق في العصر الأموي ، وقضى معظم حياته في الحجاج وكانت رياح التغير قد هبت على الحجاز فانتقلت الخلافة إلى الشام والمعارضة إلى العراق وشاق الفن والغناء وانتشرت حياة الضخ والترف كما ظهرت في مكة والمدينة مدرستان للقرآن والحديث والفقه والتشريع والأدب والتاريخ وكل هذا أتاح للحجاز أن تنتقل من البداوة إلى الحضارة وقد عرف هذا العصر الغزل الإباحية والذي كان عمر بن أبي ربيعة وتبعه الكثير من الشعراء وعرف كذلك الغزل العذري الذي عرف به أهل البادية الحجازية أمثال جميل بن معمر وعمر بن حزام .
عاصر بن أبي عتيق معظم أحداث هذا العصر وشهد الكثير مما طرأ على بيئة الحجاز من تقلبات سياسية وتطورات اجتماعية وحركات علمية وأدبية وشارك في بعضها فمن الناحية السياسية كان زبيري الهوى ومن الناحية الاجتماعية فقد تعمد كل العوامل التي أتيحي للحجاز وأخذ ت تتفاعل فيه وتعمل مجتمعة على ترقية ونهضته كما شهد تأثير الإسلام الذي بدأ يؤثر في نفوس الحجازيين وعقولهم وأخلاقهم وشهد مغانم الفتوح التي أصابها أهل الحجاز وتعمد كذلك ازدهار البناء العربي بل كان يغني أحيانا ويشجع عليه ويكرم أهله ويرعى ذوي المواهب فيه وشهد كذلك حركة علمية جادة ، تعني بالقرآن والحديث والفقه والتشريع وأخرى أدبية فنية تهتم بالجديد في شعر الغزل ويشجع عليه إنتاجا ونقدا ، فقد نهض الشعر الحجازي وتطور في العصر الأموي وغلب عليه الغزل الحضري الذي ّأخذ بفعل العوامل الجديدة التي طرأت على بيئته ومجتمعه ينزع من نفسها رداء شيئا فشيئا ويدخل في رداء الحضارة شيئا فشيئا وقد ظهرت نتيجة لهذه النهضة الشعرية نهضة نقدية تجاريها في روحها ، فالنقد الأدبي في هذا العصر قد أسهم فيه رجال ونساء وشعراء وغير شعراء ، كل منهم على قدر ذوقه ونوعي ثقافته ولعل هذا الاهتمام مرده الاهتمام بالشعر بذاته وقد بدّأ النقد الأدبي بشق الطريق الصحيح ولا يعدوا ما سبقه على أن يكون نوات أو محاولات لزيادة والكشف فنتيجة طريق النقد القديم .
تمثل النقد في بيئتا الحجاز في العصر الأموي بصور عدة تختلف من طبقة إلى أخرى ومن شاعر لآخر ، تبعا لعوامل الثقافة والمعرفة والمكانة وغيرها من العوامل وهي على النحو التالي :
1/- نقد الشعراء : هي أول صور النقد الموجودة في الحجاز يشبه لحد كبير ذلك النقد الذي كان موجودا في الجاهلية وصدر الّإسلام وتتمثل في نقد الشعراء بعضهم بعض سواء أكانوا حجازيين أولا وكان أوفى الشعراء نصيبا بن رباح إنه أبرعهم في وصف النساء ويقول جميل بن معمر إنه أحسنهم في مخاطبة النساء والحديث إليهم فقد حكم له بأحكام غير معللة أكثر من مرة وأبرزها أنه أنسب الناس وأنه وجد ما ضل عنه غيره ومن الأمثال الواضحة على هذا النوع من نقد إن سمع الفرزدق عمر بن أبي ربيعة ينشد قوله
فقمنا وقد افهنا ذا اللـــــــب أنما أين الذي ياتينا من ذاك من أجل
صاح الفرزدق هذا والله الذي أرادته الشعراء فأخطأته وبكت على الديار (1)
بالعودة إلى الأحكام من الشعراء الأربعة نجدها غير معللة لسبب تحتكم إلى الذوق ونسبته لحد كبير ذلك النقد الذي رأيناه في العصر الجاهلي وصدر الإسلام وقد كثر هذا النوع من الشعراء ، فما يكاد يسمع شاع شاعرا أخرا ينشد حتى يبدي رأيه فيما سمع دون تفكير وبحث بل الاعتماد على الذوق والفترة
2- المفاضلات بين الشعراء : كان المفاضلات والموازنات صورا من صور الذي شهده عصر ابن أبي عتيق وهو معظمها مفاضلات مأثورة .
على النقد الجاهلية وصدر الإسلام وهي المفاضلات عامة وغير معللة ومن هذه المفاضلات ما هو عام ،تكون فيه المفاضلة بين شاعر وأخر بشكل ، ومن ذلك سأل رجل نصيبا : أجميل "أنسب" أم كثير ؟ فقال : إنا سالت كثير عن ذلك فقال وهل وطئ لنا النسيب إلى جميل ؟ فكانوا يفضلون شاعرا على غيره من الشعراء في غرض معين أو عدة أغراض وربما في كل شيء .
أما النوع الثاني من المفاضلات ما كان جزئيا ، كالمفاضلة بين شاعر وأخر في قصيدة أو قصائد معينة ومن ذلك المفاضلة بين عمر بين أبي ربيعة وجميل بني معمر فكان عمر يعارض فصلا في قصائده فيفاضلون بينهما ، فقالوا إن عمرا أشعر من جميل في آراءه والعينية وجميلا أشعر من عمر في الأمية وكلاهما قالا بيتا نادرا ظريفا فقال جميل:
خليلي فيما عشتـــــــما هل رئيتما
قتيلا بك من حب قاتله قبلـــــــــي
وقال عمر :
فقلت : وأرخت جانب الستر :
إنما معي فتيلكم غير ذي رقبة أهلي
ومع هذه المفاضلات المعتمدة على الذوق نجد نفحات بسيطة من التطوير ، فبعض النقاد يتوجهون إلى تطوير المفاضلات، وبذلك إلى الالتفات إلى جوانب أخرى في الشعر حين الحكم عليها ومن ذلك حكم نوفل بني مساحق على عمر بن أبي ربيعة وعبيد الله بني قيس الرقيات وكان عمر – في حكمه- أشهر القول بالغزل وابن قيس أكثر أفانين للشعر ، ومعنى ذلك أن نقاد الحجاز في العصر الأموي أخذ ينضرون في المفاضلات والموازنات الشعرية إلى تنوع القول في الأغراض الشعرية كأحد المزايا التي تحسب للشاعر في ميزان النقد عند التفضيل وكذلك تطرق إلى الصدق الشعري في المعنى والعاطفة ، أو إلى الشعر الذي يوحيه العقل .[10]
والمنطق والشعر الذي يوحيه القلب والعاطفة وتفضيل الثاني عن الأول ومن ذلك :
استند كثيرا ابن أبي عتيقة كلمته التي يقول فيها
ولست براض من خليل بناء
قليل ولا أرضى له بالقليل
فقال له :هذا كلام مكافئ ليس بعاشق ! القرشيان أصدق ضك ابن ربيعة
حيث يقول :
ليت حضي كلحظة العين منها
وكثيرا منها القليل الأهنا
وقوله :
فغدا قائلا وإن لم تنبلي
إنه يقنع المحب الرجاء
وإن قيس الرقيات حيث يقول :
رقيا بعيشكم لا تهجرين ومنينا المنى ثم امطلينا
3- صور أخرى من النقد : تتمثل هذه الصور فيما أخذ الشعراء على بعضهم بعض وقد لمست هذه مأخذ جوانب مختلفة من الشعر ، جوانب تكشف عن اختلاف ذوق النقاد وهواهم كما تدل ، على اتساع مجال النقد وتطوره وأكثر من حظي بهذه المأخذ هو عمر بن أبي ربيعة ، فمن النقاد من عاب عليه أسلوبه الإباحي ومنه عبد الله بن الزبير وأبو المغرم الأنصاري
وهشام بن عروة فجميعهم أدرك خطورة شعره على أخلاق الفتيات ومن الأمور الأخرى التي أخذها عليه النقاد وبخاصة بصاحبه بن أبي عتيقة هو نسيبه نفسهن فقد أخذ عليه أن يحب نفسه ويتغزل بها ، ويتبعه في هذا الكثير عزة وبثينة صاحبة جميل ومما إلتفت إليه النقاد في هذا العصر أيضا عدم الجمع بين الشيء وما يناسبه من نوعه أو ما لا يلائمه من وجهه من الوجود وهو ما يسمى " مراعاة التعبير "
ومن هذا ما أنشده الكميت بن زيد في حضرة نصيب
وقدر أين بها حورا منعمة
بيضاء تكامل فيها الدلّ والشنب
فغاب عليه نصيب قومه
تكامل فيها الدلّ والشنب إذا استقبع هذا القول
وألتفت النقاد أيضا إلى شعر الوسط الذي لا بلغ غاية صاحبه ولكن يقع قريبا منها ، فلا تقول له أخطأت أو أصابت من ذلك ما أنشده الكميت في حضرة ذي الرمة :
فمن أنت عن طلب الإيقاع منقلب
أم كيف يحسن من ذي الشيبة اللعب ؟
فقال الرمة : ويحكى أنك تقول قول ما يقدر الإنسان أن يقول لك أصبت ولا أخطأت وذلك انك تصف الشيء فلا تجيء به ، ولا تقع بعيدا عنه بل تقع غريبا وفي هذه المرحلة أيضا بدأ الحديث بدور حول السرقات الشعرية ومن ذلك أن لقي الفرزدق كثيرا بقارعة البلاط فقال له : يا أبا سخر ، أنت أنسب العرب حيث يقول :
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلا بكل سبيل
يعرض لها بسرقته من جميل بثينة فقال له كثير :
وأنت يا أبا فراس أفخر الناس حين تقول:
ترى الناس إذا ما سرنا يسيرون خلفنا
وإن تحنت أمأنا على الناس وقفوا
مذكرة تخرج حول النقد الأدبي جامعة الجزائر
الفصل الثاني
المبحث الأول : دراسة شكل الكتاب
المطب الأول : دراسة وصفية للكتاب
الأدب هو موضوع النقد وميدانه الذي يتحرك فيه , فهو يبحث في الأدب وصناعته وانواعه وفي الأدباء ونتاجهم , وفي مميزات الشعراء والكتاب , والسمات المميز للعصور الأدبية , كذلك يتصدى لرصد الظواهر الادبية وتعليلها وتفسيرها , كما يتصدى لتحليل عناصر الأدب تحليلا يعتمد على الذوق السليم .
وعلى هذا فتاريخ النقد الأدبي عند أي أمة هو في الواقع جزء من تاريخ أدبها العام إنه تاريخ التغيرات التي تطرأ من عصر إلى آخر وعلى فهم الناس للأدب وتذوقه ويدخل في ذلك تاريخ النظريات والمذاهب النقدية المختلفة , وتاريخ رجال النقد ومناهجهم وآثارهم العلمية - وكل ما ذكرناه سابقا - : هو موضوع هذا الكتاب الذي بين أيدينا وهو باقة منتقاة من مكتبة عبد العزيز عتيق إذ يكتسب الكتاب من الوهلة الأولى ثقة القارئ ويجذب اهتمامه بدا من الواجهة ذات اللون الآخضر كتب عليها بعض الحروف الأبجدية ورقم هذا الكتاب 1717 أما طوله 24 وعرضه 17 وصفحاته بلغت 403 صفحة فهو إذا من الحجم المتوسط اعتمد في جمع وتأليف كتابه على أمهات المراجع وذكرها حسب استخدامها في الفصول في الفصل الأول تاريخ النقد الأدبي لطه ابراهيم وفي الفصل الثاني تاريخ الكامل لابن الأثير وكتاب العمدة وديوان حسان والنقد الأدبي لأحمد أمين والأغاني لأبي فرج الاصبهاني ودلائل الاعجاز لعبد القاهر الجرجاني وفي الفصل الثاني كتاب العمدة وتاريخ النقد الأدبي لكارل بروكلمان وفي الفصل الرابع جمهرة أشعار العرب وطبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي والعقد الفريد والشعر والشعراء لابن قتيبة وفي الفصل الخامس كتاب الكامل للمبرد وفي الفصل السادس معجم الأدباء للياقوت وفي الفصل السابع مروج الذهب للمسعودي وفي الفصل الثامن العمدة والموشح لللمزربياني وفي الفصل التاسع كتاب البديع وضحى الإسلام أحمد أمين أما فهرس الكتاب فكان على النحو التالي :
- مقدمة
- الفصل الأول : النقد الأدبي
- الفصل الثاني : النقد في العصر الجاهلي
- الفصل الثالث : النقد في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم
- الفصل الرابع : النقد في عصر الخلفاء الراشدين
- الفصل الخامس : النقد في الحجاز
- الفصل السادس : النقد في العراق
- الفصل السابع : النقد في الشام
- الفصل الثامن : النقد في القرن الثاني
- الفصل التاسع : النقد في القرن الثالث
كما أنه وضع بعض الكلمات العويصة في التهميش فكان مزود بالشرح اما دار النشر : دار النهضة العربية – بيروت , لبينان –
المطلب الثاني : دراسة سيميائية للعناوين :
إن العقبة الأولى التي تواجه الدارس أثناء ولوجه في عالم هذا الكتاب وهو العنوان وهذا الأخير يغري الباحث ويستميله إلى تتبع دلالاته ومحاولة فك شفراته ورموزه واستنطاقها واستقرائها والعنوان هو من بين مجموعة الملفوظات التي آلت تحيط بالكتاب والتي أطلق عليها جينت لفظ النص المصاحب [1]
وقد حظي العنوان في الدراسات السيميائية الحديثة باهتمام كبير من طرف الباحثين , وتبدوا تلك الأهمية في كون ان النص عبارة عن شظايا موزعة يلملم أجزائها العنوان , وأن لهذا الأخير دورا بارزا في تحليل النص الأدبي , من خلال الكشف عن جوانب أساسية , ومجموعة من الدلالات المركزية , وللعناون في حد ذاته نصا وباق المقاطع ما هي إلى تعريفات نصية تنبع من العنوان الأم والعلاقة بين هذا الدفع التفريعي والعنوان بوصفه متخيلا شعريا أو سرديا , هي ليست اعتباطية إنها علاقة طبيعية منطقية وعلاقة انتماء دلالي , على هذا الأساس فإن الدارس لا يستطيع أن يسير في أغوار النص والخوض فيه إلا إذ أمكن فك رمزية العنوان الذي يشوف أفكار المتلقى ويلقي بها في فضاء تخيلي ويستفز قدراته الثقافية و الفكرية في مواجهته ويرمي بها في عتمات التأويل للنص [2]
ومن هنا فإن عبد العزيز اختار عنوان كتابه ويرى صلاح فضل أن المشروع في تحليل العنوان يصبح أساسيا عندما يتعلق الأمر باعتباره عنصرا بنيويا يقوم بوظيفة جمالية محددة مع النص أو في مواجهته أحيانا كما يمكن أن يقوم العنوان بدور الرمز الاستعماري المكثف لدلالات النص [3]
وبناء على ما تقدم سنحاول فيما يلي الولوج في فضاء الكتاب - موضوع الدراسة-
لاستنطاق مجموع العناوين التي شملت عليها على اعتبار أنها مجموعة عتبات وبوابات يجب المرور عليها ونستهل دراستنا بعنوان الكتاب ثم نتطرق فيما بعد إلى العناوين الفرعية أو الداخلية
أ-عنوان الكتاب : تاريخ النقد عند العرب
أول عبارة تستوقف القارئ هي كلمة تاريخ النقد يعني رصد ما أمكن رصده ابتداء من نشاته في العصر الجاهلي حتى نهاية القرن الثالث معتمدا في ذلك التعميم كلمة نقد تعني الحكم على الأعمال الأدبية في قالب فني جميل مع بيان الأصالة او الإنحراف هذا الأدب فيكون معنى العنوان : مراحل تغير النقد عبر العصور ومميزاته
ب-العناوين الفرعية (الثانوية)
القارئ لكتاب عبد العزيز عتيق وما اشتملت عليه من عناوين فرعية وبصورة واضحة تأثر عبد العزيز عتيق بالكتاب المقدس وقد مر- فيما مر علي – أنه صرف الكثير من وقته في مطالعته لتاريخ الأدب نفسه – فلا غرو إذا – أن نجد عبد العزيز قد قسم كتابه المطول إلى تسع أقسام سميت فصولا من الفصل الأول إلى الفصل الرابع : النقد عبر العصور ومن الفصل الخامس إلى الفصل السابع تحدث عن النقد في ربوع العالم
(الحجاز – الشام – العراق ) ومن الفصل الثامن إلى الفصل التاسع تحدث عن النقد في القرنين الثاني على الثالث .
ومن المتعارف عليه أن لكل بداية نهاية ونهاية الكتاب هي الخاتمة غير أن عبد العزيز عتيق يرى غير ذلك أن العلم لا حد له لذا ترك موضوعه مفتوح وهذا ما ميز جل كتبه
المبحث الثاني : دراسة محتوى الكتاب
المطلب الأول : تحليل الفصول وتلخيصها
بدأ الكتاب بمقدمة قصيرة نسبيا يدير المؤلف الحديث فيها حول الأفكار الرئيسية التي تتردد حول ثنايا الكتاب وقد صرح أنها عبارة عن محاضرات ألقاها على طلبة السنة الثالثة في قسم اللغة , ولا إعراض أن يجمعها كتاب , نظرا لتشتت النصوص النقدية هنا وهناك مما يسهل على الباحث الرجوع إليها .
فيدخل في ذلك تاريخ النظريات والمذاهب والاتجاهات النقدية وتاريخ رجال النقد ومناهجهم وآثارهم العلمية التي أسهموا بها في نهضة الأدب من العصر الجاهلي إلى القرن الثالث
تلخيص الفصول :
-بداية الفصل الأول وعنوانه النقد الأدبي لم يتجاوز المؤلف حد التلخيص حول تعريف النقد والأدب على اعتبار أنهما موضوع الدراسة إذ رصد ما أمكن رصده في النقاط التالية أن الأدب هو موضوع النقد فأدب أي أمة هو البليغ من شعرها ونثرها , أما النقد فهو الكاشف عن الأصالة أو عدمها في الأدب , مؤكدا أن النقد ليس قائم بذاته وإنما يستمد من الأدب وجودا ويسير في ظله فعبر هنا عن علاقة النقد الحتمية بالأدب ثم ابتع بشرح كلمة نقد لغة من عدة معاجم , ومن هذه التعاريف نقد : صير الدراهم و الدنانير أي ميز جيدها من رديئا [4]
وكما لم يهمل التفريق بين النقد والأدب فالأدب متصل بالطبيعة اتصالا مباشرة , أما النقد فيراها فقط من الأعمال الأدبية الأدب الذاتي أما النقد له جانبان ذاتي وموضوعي فهو ذاتي من حيث الذوق وموضوعي من حيث أنه مقيد بالأصول العلمية وهذه التفرقة تجر إلى التفريق بين تاريخ الأدب وتاريخ النقد فالأول هو تاريخ التغيرات التي طرات على الناس من عصر إلى آخر أما الثاني فهو تاريخ عقولها وبعد ذلك تكلم عن أدوات الناقد مثل الأسلوب والبلاغة وبقيت نقطة مهمة لايصح اغفالها ذكرها الأستاذ كل ما سيرد في ثنايا هذا الكتاب إذ قال فلما كان موضوع هذا البحث هو تاريخ النقد عند العرب فاننا في جولتنا التاريخية سنحاول الإلمام بـ :
- نشأة النقد عند العرب وتطوره وسماتها المميزة
- أراء العرب ونظرياتهم
- فنون الأدب
- مدى فطنتهم إلى تعليل الظواهر الأدبية ومبلغ قدرتهم على تغييرها
- أهم نقاد العرب وآثارها العلمية
كما صرح الكاتب بمنهجه المناسب بهذه الدراسة هذا وسوف يكون عرضا لنقد العرب على أساس العصور حتى تكون أكثر الماما وكان هذا الفصل أقصرهم حجما لما جاء فيه فقط لمصطلحات ومفاتيح حول الدراسة لذا اعتبرته مدخلا للكتاب
والفصل الثاني : تحت عنوان النقد في العصر الجاهلي بدأ المؤلف بإعطاء نبذة وجيزة عن نشأة الأدب الجاهلي قبل الولوج إلى النقد في هذا العصر وخلاصته : أنه من الحقائق المسلم بها أن أدب أي أمة هو ابن بيئتها وطبقا لذلك فالأدب الجاهلي وليد الصحراء فكان الجاهلي يكدح طلبا للرزق ومن أجل البقاء .
وأغلب الظن أن الشعر العربي قد بدأ أول ما بدأ بالكلام المقفى فأول ما وصل إلينا سجع الكهان نحو قول أحدهم : ( إذا طلع السلطان , واستوى الزمان وحظر الأوطان تهادت الجيران ) ومن الرجز انفتح الطريق أمام الأوزان الأخرى كموافقة الطويل للشعر الحماسي وكان أول ما قصد المهلل ومن هنا تأتي أهمية الشاعر , فربما فضلت القبائل نبوغ الشاعر على نبوغ القائد يقول ابن رشيق في باب إحتماء القبائل بشعرائها : كانت القبيلة من العرب إذ نبغ فيها شاعر أتت القبائل وهنئتها وصنعت الأطعمة . [5]
إذ يأخذ هذا الفصل مداه فالمؤلف يصف حركة النقد ونشاطه في أسواق العرب وارتحال الشعراء إلى ملوك الجيزة والغساسنة , فكان النقد مبني على الذوف الفطري فيطلق على الشاعر أشعر الناس لبيت واحد وبذلك يمثل العصر الجاهلي نشأة النقد فظهرت فيه المحاولات الأولى فكانت ملاحظاتهم وليدة فطرتهم التي تتأثر بالسمع فتصدر الحكم للشعر
تحرك النقد الجاهلي في ميدانه الأول منها الحكم على الشعراء وتفضيل بعضهم على البعض وفيه توجهوا إلى الألفاظ والمعاني وأما الثاني تغليب بعض القصائد الجيدة وفي كلا الميدانين فإن الناقد يصغي ويحكم غير معللا للحكم بل متأثرا بذوقه الفطري وقد كان الشاعر الجاهلي إحساسا أكثر منه عقلا فالعربي مرهف الحس بطبعه ويعبر عن كل ما يشعر به وقد ظهر عبد العزيز عدة صور للنقد الجاهلي وهي على النحو التالي
أولا : تناول اللفظ والصياغة : فيأخذ الناقد عدم تمكن الشاعر من دلالات الألفاظ ومثل ذلك ما أخذه طرفة على المسيب حين أعطى صفة الناقة الصيعارية للجمل فقال استونق الجمل
وقد أتى الناس الهم عند احتضاره
بناج عليه الصيعرية للكـــــــــــدم
ثانيا : تناول المعنى كقول الأعشى : حين أخطأ في مدح الحاكم
ثالثا : تناول الصورة الشعرية من حيث قدرة الشاعر على أدائها أو عدم قدرته ومن ذلك احتكام علقمة وامرؤ القيس إلى زوجة أم جندب في أيهما الأشعر لتحكم بينهما فقالت قولا شعرا تصفان فيه الخيل على روي واحد وقافية واحدة فقال
خليلي مرى على أم جنــــــــــــــدب
لنقضي حاجة الفؤاد المعـــــــــــــــــذب
وقال علقمة
ذهبت من المجران في كل مذهب
ولم يك حقا كل هنا التعجــــــــــــــــــــب
فقالت لامرؤ القيس : علقمة أشعر منك
فقال وكيف ذاك ؟ قالت لأنك قلت :
قلسوما ألهوب ولساـــــــــــق درة
زجر منه وقع أهـــــــــــــــــوج متــــعب
فجهدت فرسك بصوتك وقال علقمة
فأدركهن ثانيا من عنـــــــــــــانه
يـــــمر كمر الرائح المتحـــــــــــــــــلب
فأدركت طريدته فقال ما هو أشعر مني ولكنكي له وامقة فطلقها
رابعا : التطرق على الغلو في المبالغة وعدها من عيوب الشعر فقد عابت العرب على المهلهل الغلو في القول بالإدعاء كقوله
فلولا الريح أسمع من بحجــــــــر
صليل البيض تقرع بالذكــــــــــــــور [6]
فقد كانت النظرة الجاهلية إلى المبالغة على أنها تفسد المعنى وتغيره [7]
خامسا ً : الحكم على بعض القصائد بأنها بالغة منزلة عليا في الجودة بالقياس إلى غيرها فقد كانوا يتخيرون قصائد بأعيانها ويخلعون عليها ألقابا ومن هذا النوع روى أبو عمر الشيباني أن عمرو ابن الحارث أنشده علقمة ابن عبده قصيدته :
طحابك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عمر حان مشيب
وأنشده النابغة :
كليني لهم يا اميمة ناصب وليل أقاسيه بطئ الكواكب
وأنشده حسان قصيدته :
أسألت رسم دار أم لم تسأل بين الجوابي فالبضيع فحومل
ففضل حسان عليهما ودها قصيدته " البتارة " لأنها بترت غيرها من القصائد
سادسا ً : كان لقريش دور في رقي النقد ، وهذا من خلال بسط لغتها على القبائل الأخرى ووقوفها موقف الناقد المتخير في اختيارها أحسن الألفاظ والأساليب ، عند كل قبيلة يجاهد المؤلف جهادا عنيفا في الفصل الثالث : وعنوانه النقد في صدر الإسلام : إذ ينتقل من وصف الحياة الأدبية إلى حالة النقد المسيئة له دون أن نحس بالأمر أنه أصبح يسير في يديه ألخصها في الفقرة التالية : أولا النقد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم : كانت الحياة الأدبية في عصر الرسول ص ضيقة النطاق فانحصرت تقريبا في الهجاء والمدح والمفاخرات وتبعا لذلك فقد ضاق نطاق النقد أيضا ، لكنه اختلف عن العصر الجاهلي في كونه صار وفق معايير أخلاقية جديدة بحلية إسلامية وأول ما سار في هذا النهج كان الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يدور الحديث في مجلسه فقد أعجب بالشعر إعجاب أصحاب الذوق السليم وقد أثر عنه بكلمات تعبر عن مفهومه لشعر فيقول : الشعر كلام من كلام العرب ، بعزل تتكلم به في بواديها وتسل به الضغائن من بينها وقوله :إنما الشعر لكلام مؤلف فمن وافق الحق منه فهو حسن ومن لم يوافق الحق منه فلا خير فيه وقوله : إنما الشعر كلام فمن الكلام خبيث وطيب ، فقد دعا عليه اللام إلى العدول بالشعر عن طريقة الجاهلي بالصيغة الإسلامية الشعر عنه كلام من جنس كلام العرب يتميز بالنظم وتمتاز لغته وألفاظه بالجزالة وقوة الأسر وميزان الشعر عنده يتصل في مدى مطابقته للحق فالحسن ما وافقه والسيئ ما لم يوافقه لقد نثرت بواعث الشعر في تلك الفترة عندما اهتدوا إلى الإسلام وزاد في ذلك الفتور اشتراك بعضهم بالجهاد فقد خلقهم الإسلام خلقا جديدا وصبغهم صبغة جديدة حتى انقطعت الصلة بينهم وبين الجاهلية وقد صرف القرآن الكريم كذلك الشعراء عن الشعر خاصة عندما بهرهم بروعة أساليبه وبلاغته فآثروه على الشعر وعدلوا عنه خطابة للحاجة إليها في استنهاض الهم لنصرة الإسلام وتحريف النفوس والخواطر للجهاد ، لقد سار نقد الشعر في العصر في مبدأين الأول منهما بين الشعراء المسلمين والشعراء المشركين وفيه حكم القول حتى الخصوم للمسلمين على المشركين والثاني يتمثل فيما كان بين حسان بن ثابت وسائر شعراء المسلمين فقد دانا القوم بالتفوق لحسان لما كان له من قوة الشاعرية ، وقد فضله الرسول ص على غيره فانتدبه ليدافع عن أعراض المسلمين ويبني له منبرا في المسجد ينشر عليه أشعاره وذلك لأنه أول وأفضل من وافق الرسول عليه السلام لموقفه من الشعر وهو الذي يقول :
وإنما الشعر به المرء يعرضه
على المجالس إذ كيسا أن حمقا
وإن أشعر بيت أنت قائلـــــــــه
بيت يقال – إذا أنشدته – صدقا
وفي الفصل الرابع : قدم لنا المؤلف عدة عوامل هذه العوامل لم تكن في عصر الخلفاء الراشدين للشعر يتطور وينهض فما خلفته الفتوح الإسلامية ........... لا يعدوا أن يكون نماذج مشاكله لنموذج الجاهلي ، ولكن قد نلتقي أحيانا لبعض الألفاظ الإسلامية وبعض الأساليب التي تنحوا منحى الأساليب القرآنية وأحيانا نلتقي ببعض المقطوعات والقصائد التي تعالج موضوعات لم يطرقها الجاهليون من قبل كالموضوعات الدينية من جهاد وقتال وحث للنفس على الخلق القويم وأكثر ما يلمس في الحركة النقدية في عصر الخلفاء الراشدين موقفهم من الشعر والشعراء وأرائهم فيهم والملاحظات النقدية الصادرة من بعض معاصريهم من الصحابة وغيرهم كذلك فلم يقتصر اهتمامهم على النقد وحده ، بل شمل اللغة العربية عامة والغيرة على صحتها وسلامتها من اللحن وخاصة فيما يخص القرآن الكريم ، فالعرب عند ظهور الإسلام كانوا يعربون كلامهم على النحو ما في القرآن الكريم ، إلا من خالطهم من الموالي فقد كانوا يلحنون ويخطئون في الإعراب ، فكانوا يحرصون على تعليمهم وقد سار الخلفاء الراشدين على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته لنقد الشعر فميزوا بين شعر وأخر ، وحافظوا على هاهو أحسن ومفيد ، وعاقبوا على الشائن والضار ، وتمثلوا للشعر في أقوالهم ودعوا إلى روايته والاهتمام به وكان أولهم في هذا الميدان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الناقد الأول لحق في هذه الفترة وقد قيل عنه (كان من انقد أهل زمانه في شعره وانقده فيه معرفة ).[8]
وقد كان ذا ثقافة أدبية عالية ينشد الشعر في كل الموضوعات ويستمع إليه ويستروح به ويقوم بتوجيه النقد وتطويره فالشعر لديه هو الذي يحقق المتعة الأدبية ويسكن به الغيض وتطفأ به الثائرة ويعطي به السائل ، وينزع إلى الفضائل بصفة عامة وما يهدف إلى عكس ذلك فهو انتكاسة وردة إلى الجاهلية يأباها الإسلام ويقاومها ومن أقوال عمر المألوفة في هذا الموضوع قوله (( نعم ما تعلمته العرب الأبيات من الشعر يقدمها الرجل إمام حاجته وقوله خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته يستحيل بها الكريم ويستعطف اللئيم )) والشعر الخالد هو ما ينبعث من عاطفة قوية صادقة ويخدم الحق والغير وهذا الشعر نبذة ممثل في شعر زهير ابن سلمى فقد فضله على غيره من الشعراء بسبب جودته وّإتقانه ودعوته السلام والخير وإلا جانب زهير كاد النابغة الذبياني قد حضر بجزء من التفصيل وإن كان الإعجاب بزهير أشد وأعظم .
دخل النقد على عمر بن الخطاب طورا جديا لا عهدا لنا في العصر الجاهلي فكان حكمه أدبيا مفصلا يقضي فيه الناقد بتفضيل شاعر على أخر معليا حكمه بالأسباب الفنية التي دعته إلى هذا وقد اهتم عمر رضي الله عنه بالكلام البعيد عن الوحشية والغرابة والبعد عن المعاضلة والصور الشعرية القريبة والعبارات الدالة على صدق التجربة والتعبير عن القيم السليمة في المجتمع وأن لا يقول الشاعر إلا ما يعرف وأن لا يمدح الرجل إلا بما فيه وبالتالي يعنيه الصدق تأصل معهم من أصول النقد ، أما بالنسبة للخلفاء الراشدين ، فقد عرف بعضهم بالأحكام النقدية وتفضيل شاعر على أخر ومنه أبو بكر رضي الله عنه الذي قدم النابغة على غيره من الشعراء فقال : فإن أحسنهم شعرا وأعذبهم بحرا وأبعدهم قعرا ويعلل حكمه بأن النابغة يستقي معانيه من معين عذب صائغ فتتقبلها النفوس تقبلا حسنا كما أنه في معانيه بعيد العمق والغور وأنه يضل يروي في ما يغض منها حتى يستخرجها استخراجا واضحا .
وعثمان بن عفان رضي الله عنه كلمة نقدية تدل على الذوق الأدبي وتعبر عن رأيه في السابق من شعراء المتقدمين فقد حكيا عنه أنه قال (( لو أن الشعراء المتقدمين ضمهم زمان واحد ونصبت لهم راية واحدة فجروا مع علمنا من السابق منهم وإذا لم يكن فالذي لم يقل لرغبة ولا لرهبة فقيل : ومن هو ؟ فقال : الكندي ، ولما ؟ قال : لأني رأيته أحسنهم نادرا وأسبقهم ، ويروي كذلك ان الإمام على رضي الله عنه فضل أمروء ألقيس ولعلة أولى لتفضيله الكندي ، ومن هذا نلاحظ أن الغمام علي رضوان الله عليه لم يجري مجرى النقاد في عصره بحكم الغير معللا بل إن الأساس الحكمة عنه الموازنة بين الشعراء لمعرفة السابق منهم وأفضلهم هو الذي لم يقل الشعر لرغبة أو لرهبة كإمرء القيس وكندي.[9]
ويقصد الإمام علي رضي الله عن بذلك أن الشاعر الذي يبعث إلى القول بدافع الرغبة أو الرهبة قد ينزلق إلى الكذب لتحقيق رغبته أيا كانت أو درأ للخطأ المتوقع يرهبه ويخشاه وبالتالي فإن الشاعر المقدم عنده هو الذي تجرد عن الهوى والخوف وكان شعره وليد المشاعر السابقة وهنا يظهر مليا تأثر الإمام علي بالرسول صلى الله عليه وسلم .
إذا جارا بعض الخلفاء الراشدين عمر في تطوير الأحكام النقدية ولكنهم لم يتوسعوا فيها وبالنسبة لشعراء في هذا العصر المثقفين فقد اقتصر نشاطهم على أحكام التغذية مجملة فجهود عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعض ما قام به الخلفاء الراشدون آخرون ، وتوجيهات بن عباس لشعر وجهة إسلامية ، كلها جعلت هذا العصر يختلف عن الشعر في العصر الجاهلي وعصر الرسول صلى الله عليه وسلم وإن جاء هذا الفصل أي النقد في العصر الأموي : عمر بن أبي عتيق عاش بن أبي عتيق في العصر الأموي ، وقضى معظم حياته في الحجاج وكانت رياح التغير قد هبت على الحجاز فانتقلت الخلافة إلى الشام والمعارضة إلى العراق وشاق الفن والغناء وانتشرت حياة الضخ والترف كما ظهرت في مكة والمدينة مدرستان للقرآن والحديث والفقه والتشريع والأدب والتاريخ وكل هذا أتاح للحجاز أن تنتقل من البداوة إلى الحضارة وقد عرف هذا العصر الغزل الإباحية والذي كان عمر بن أبي ربيعة وتبعه الكثير من الشعراء وعرف كذلك الغزل العذري الذي عرف به أهل البادية الحجازية أمثال جميل بن معمر وعمر بن حزام .
عاصر بن أبي عتيق معظم أحداث هذا العصر وشهد الكثير مما طرأ على بيئة الحجاز من تقلبات سياسية وتطورات اجتماعية وحركات علمية وأدبية وشارك في بعضها فمن الناحية السياسية كان زبيري الهوى ومن الناحية الاجتماعية فقد تعمد كل العوامل التي أتيحي للحجاز وأخذ ت تتفاعل فيه وتعمل مجتمعة على ترقية ونهضته كما شهد تأثير الإسلام الذي بدأ يؤثر في نفوس الحجازيين وعقولهم وأخلاقهم وشهد مغانم الفتوح التي أصابها أهل الحجاز وتعمد كذلك ازدهار البناء العربي بل كان يغني أحيانا ويشجع عليه ويكرم أهله ويرعى ذوي المواهب فيه وشهد كذلك حركة علمية جادة ، تعني بالقرآن والحديث والفقه والتشريع وأخرى أدبية فنية تهتم بالجديد في شعر الغزل ويشجع عليه إنتاجا ونقدا ، فقد نهض الشعر الحجازي وتطور في العصر الأموي وغلب عليه الغزل الحضري الذي ّأخذ بفعل العوامل الجديدة التي طرأت على بيئته ومجتمعه ينزع من نفسها رداء شيئا فشيئا ويدخل في رداء الحضارة شيئا فشيئا وقد ظهرت نتيجة لهذه النهضة الشعرية نهضة نقدية تجاريها في روحها ، فالنقد الأدبي في هذا العصر قد أسهم فيه رجال ونساء وشعراء وغير شعراء ، كل منهم على قدر ذوقه ونوعي ثقافته ولعل هذا الاهتمام مرده الاهتمام بالشعر بذاته وقد بدّأ النقد الأدبي بشق الطريق الصحيح ولا يعدوا ما سبقه على أن يكون نوات أو محاولات لزيادة والكشف فنتيجة طريق النقد القديم .
تمثل النقد في بيئتا الحجاز في العصر الأموي بصور عدة تختلف من طبقة إلى أخرى ومن شاعر لآخر ، تبعا لعوامل الثقافة والمعرفة والمكانة وغيرها من العوامل وهي على النحو التالي :
1/- نقد الشعراء : هي أول صور النقد الموجودة في الحجاز يشبه لحد كبير ذلك النقد الذي كان موجودا في الجاهلية وصدر الّإسلام وتتمثل في نقد الشعراء بعضهم بعض سواء أكانوا حجازيين أولا وكان أوفى الشعراء نصيبا بن رباح إنه أبرعهم في وصف النساء ويقول جميل بن معمر إنه أحسنهم في مخاطبة النساء والحديث إليهم فقد حكم له بأحكام غير معللة أكثر من مرة وأبرزها أنه أنسب الناس وأنه وجد ما ضل عنه غيره ومن الأمثال الواضحة على هذا النوع من نقد إن سمع الفرزدق عمر بن أبي ربيعة ينشد قوله
فقمنا وقد افهنا ذا اللـــــــب أنما أين الذي ياتينا من ذاك من أجل
صاح الفرزدق هذا والله الذي أرادته الشعراء فأخطأته وبكت على الديار (1)
بالعودة إلى الأحكام من الشعراء الأربعة نجدها غير معللة لسبب تحتكم إلى الذوق ونسبته لحد كبير ذلك النقد الذي رأيناه في العصر الجاهلي وصدر الإسلام وقد كثر هذا النوع من الشعراء ، فما يكاد يسمع شاع شاعرا أخرا ينشد حتى يبدي رأيه فيما سمع دون تفكير وبحث بل الاعتماد على الذوق والفترة
2- المفاضلات بين الشعراء : كان المفاضلات والموازنات صورا من صور الذي شهده عصر ابن أبي عتيق وهو معظمها مفاضلات مأثورة .
على النقد الجاهلية وصدر الإسلام وهي المفاضلات عامة وغير معللة ومن هذه المفاضلات ما هو عام ،تكون فيه المفاضلة بين شاعر وأخر بشكل ، ومن ذلك سأل رجل نصيبا : أجميل "أنسب" أم كثير ؟ فقال : إنا سالت كثير عن ذلك فقال وهل وطئ لنا النسيب إلى جميل ؟ فكانوا يفضلون شاعرا على غيره من الشعراء في غرض معين أو عدة أغراض وربما في كل شيء .
أما النوع الثاني من المفاضلات ما كان جزئيا ، كالمفاضلة بين شاعر وأخر في قصيدة أو قصائد معينة ومن ذلك المفاضلة بين عمر بين أبي ربيعة وجميل بني معمر فكان عمر يعارض فصلا في قصائده فيفاضلون بينهما ، فقالوا إن عمرا أشعر من جميل في آراءه والعينية وجميلا أشعر من عمر في الأمية وكلاهما قالا بيتا نادرا ظريفا فقال جميل:
خليلي فيما عشتـــــــما هل رئيتما
قتيلا بك من حب قاتله قبلـــــــــي
وقال عمر :
فقلت : وأرخت جانب الستر :
إنما معي فتيلكم غير ذي رقبة أهلي
ومع هذه المفاضلات المعتمدة على الذوق نجد نفحات بسيطة من التطوير ، فبعض النقاد يتوجهون إلى تطوير المفاضلات، وبذلك إلى الالتفات إلى جوانب أخرى في الشعر حين الحكم عليها ومن ذلك حكم نوفل بني مساحق على عمر بن أبي ربيعة وعبيد الله بني قيس الرقيات وكان عمر – في حكمه- أشهر القول بالغزل وابن قيس أكثر أفانين للشعر ، ومعنى ذلك أن نقاد الحجاز في العصر الأموي أخذ ينضرون في المفاضلات والموازنات الشعرية إلى تنوع القول في الأغراض الشعرية كأحد المزايا التي تحسب للشاعر في ميزان النقد عند التفضيل وكذلك تطرق إلى الصدق الشعري في المعنى والعاطفة ، أو إلى الشعر الذي يوحيه العقل .[10]
والمنطق والشعر الذي يوحيه القلب والعاطفة وتفضيل الثاني عن الأول ومن ذلك :
استند كثيرا ابن أبي عتيقة كلمته التي يقول فيها
ولست براض من خليل بناء
قليل ولا أرضى له بالقليل
فقال له :هذا كلام مكافئ ليس بعاشق ! القرشيان أصدق ضك ابن ربيعة
حيث يقول :
ليت حضي كلحظة العين منها
وكثيرا منها القليل الأهنا
وقوله :
فغدا قائلا وإن لم تنبلي
إنه يقنع المحب الرجاء
وإن قيس الرقيات حيث يقول :
رقيا بعيشكم لا تهجرين ومنينا المنى ثم امطلينا
3- صور أخرى من النقد : تتمثل هذه الصور فيما أخذ الشعراء على بعضهم بعض وقد لمست هذه مأخذ جوانب مختلفة من الشعر ، جوانب تكشف عن اختلاف ذوق النقاد وهواهم كما تدل ، على اتساع مجال النقد وتطوره وأكثر من حظي بهذه المأخذ هو عمر بن أبي ربيعة ، فمن النقاد من عاب عليه أسلوبه الإباحي ومنه عبد الله بن الزبير وأبو المغرم الأنصاري
وهشام بن عروة فجميعهم أدرك خطورة شعره على أخلاق الفتيات ومن الأمور الأخرى التي أخذها عليه النقاد وبخاصة بصاحبه بن أبي عتيقة هو نسيبه نفسهن فقد أخذ عليه أن يحب نفسه ويتغزل بها ، ويتبعه في هذا الكثير عزة وبثينة صاحبة جميل ومما إلتفت إليه النقاد في هذا العصر أيضا عدم الجمع بين الشيء وما يناسبه من نوعه أو ما لا يلائمه من وجهه من الوجود وهو ما يسمى " مراعاة التعبير "
ومن هذا ما أنشده الكميت بن زيد في حضرة نصيب
وقدر أين بها حورا منعمة
بيضاء تكامل فيها الدلّ والشنب
فغاب عليه نصيب قومه
تكامل فيها الدلّ والشنب إذا استقبع هذا القول
وألتفت النقاد أيضا إلى شعر الوسط الذي لا بلغ غاية صاحبه ولكن يقع قريبا منها ، فلا تقول له أخطأت أو أصابت من ذلك ما أنشده الكميت في حضرة ذي الرمة :
فمن أنت عن طلب الإيقاع منقلب
أم كيف يحسن من ذي الشيبة اللعب ؟
فقال الرمة : ويحكى أنك تقول قول ما يقدر الإنسان أن يقول لك أصبت ولا أخطأت وذلك انك تصف الشيء فلا تجيء به ، ولا تقع بعيدا عنه بل تقع غريبا وفي هذه المرحلة أيضا بدأ الحديث بدور حول السرقات الشعرية ومن ذلك أن لقي الفرزدق كثيرا بقارعة البلاط فقال له : يا أبا سخر ، أنت أنسب العرب حيث يقول :
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلا بكل سبيل
يعرض لها بسرقته من جميل بثينة فقال له كثير :
وأنت يا أبا فراس أفخر الناس حين تقول:
ترى الناس إذا ما سرنا يسيرون خلفنا
وإن تحنت أمأنا على الناس وقفوا