منتديات قلتة سيدي سعد :: منتديات الجامعة الجزائرية :: قسم الحوار الطلابي :: قسم الهندسة :: قسم العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير :: قسم العلوم الاجتماعية والانسانية
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر • المزيد!
المنهج النقدي السيميائي
من طرف المدير العام في الجمعة يوليو 15, 2011 12:31 pm
[center]"آلية تلقي النص الشعري العربي القديم في ضوء المنهج النقدي السيميائي " تقـديم الأستاذ: رضا عامر
تاريخ النشر : 2010-08-26
تقـديم الأستاذ: رضا عامر.
كلــية الآداب واللّــغات
قســم الأدب العـــربي. المركز الجـــامعي ميلة/ الجزائر.
*- الملّخــص:
شهد
الخطاب النقدي العربي تحولات كبرى في العقود الأخيرة من القرن
العشرين،وذلك لما أحدثه المنهج السيميائي الذي شكّل بعدا تثاقفيا بين الغرب
والشرق.
ومن هنا كان نقد "النصوص الشعرية القديمة" من القضايا
النقدية المهمّة التي خاض فيها النقاد المحدثون، وخاصة على ضوء المنهج
السيميائي الممارس على النصوص الشعرية العربية القديمة .
Résumé:
Le
discour critique arabe a connate des changements global dans les
dernières décennies du XXe siècle, et qui a créé la théorie sémiotique
pour lequel A former une dimension cultural entre l'Occident et
l'Orient.
Donc la critique du «ancient poets texts » est très
important dans les questions critiques moderns est principale dans la
théorie sémiotique l'accès aux caractéristiques du ancient arabe poets
texts.
*- تمهــيد:
شهد الخطاب
النقدي العربي المعاصر رجات وتحولات كبرى وعميقة في العقود الأخيرة من
القرن العشرين ،و ذلك بما أحدثته المناهج- السياقية والنصانية- الوافدة
إلينا من الغرب ، لينكب الدّارسون و النقاد لاستعمالها بمختلف قضاياها
وضمنياتها في مساءلة النصوص العربية القديمة والحديثة و قد كان "المنهج
السيميائي" من أهم المناهج التي شكلت بعدا تثاقفيا نقديا بين الغرب و
العرب،ومن ثم كانت النصوص الشعرية القديمة -خاصة- من القضايا النقدية
التحليلية التي خاض فيها نقادنا المحدثون وتأثروا بها بشكل أو بآخر،و ذلك
لما للنص الشعري القديم من أبعاد ثقافية تاريخية في الذاكرة الإبداعية
باعتباره أول محطة شعرية قديمة يقابلها المتلقي و الناقد على وجه
الخصوص،ومن هنا كان الاهتمام به أمرا حتميا من طرف النقد العربي المعاصر
لأنّه أوّل بدايات الأدب/ النص الشعري التي يمكن من خلالها الولوج إلى
معالم النص.
لهذا كان لابد من وجود أسس نقدية سليمة في تناول المنهج
السيميائي تسهل عملية الممارسة والتطبيق على النصوص الأدبية القديمة
الشعرية على وجه الخصوص، وتذكر لنا كتب النقد والدّراسات السّيميائية
العديد من المقالات التي نظرت وشخصت وطبقت آليات النقد السيميائي خاصة في
مجال تلقي النص الشعري القديم،وخلصت إلى نتائج هامة في كيفية تعاملنا
وتلقينا للنص القديم قي ضوء المنهج السيميائي الذي نهل منها نقادنا
المشارقة والمغاربة على السواء.
حيث الذين وظفوه فكلّ تطبيقاتهم
الشعرية والنثرية من النصوص الأدبية الجاهلية،حتى وقتنا الحالي، وصولا إلى
تأسيس رؤية نقدية سيميائية خاصة بسيمياء تلقي النص الإبداعي العربي القديم
موحدة بين النقاد ككل،وهذا من أجل توحيد عملية نقد واعي مؤسس على فنيات
ومصطلحات نقدية متعارف عليها سلفا بين الناقد والمتلقي في ضوء المنهج
السيميائي ونظرية التلقي.
المحور الأول:سيمياء الغرب و منهجها عند العرب
1-1.الإرهاصات التاريخية للمنهج السيميائي:
قبل
الحديث عن المنهج السيميائي يجدر بنا أولا أن نتطرق بإيجاز إلى السيمياء
عامة، ثم المنهج السيميائي، وهذا من خلال تناولنا آليات تحليله النصوص
الأدبية.
لا يختلف اثنان على أن المناهج النقدية الحديثة ومن بينها
المنهج السيميائي هي ثمرة ثقافة غربية (أوربيةأوأمريكية) وحصيلة حضارتها
المادية ،وأنها انتقلت إلى العالم العربي مثلها مثل باقي معالم الحضارة عن
طريق موجة التأثير الغربية التي هزت العالم العربي ،فلم يعد بوسعه إلا
التبني أو التقليد أو إعادة التصنيع – إن صح القول – بحسب ما يناسب الحضارة
العربية ،وهذا ما حدث عند ظهور علم السيمياء الذي عرفه الوطن العربي "منذ
منتصف السبعينيات".
إنّ العلاماتية أو » السيميائية، أو
السيميولوجيا أو السيميوطيقا، أوعلم الإشارة أو علم العلامات، أو علم
الأدلة« (1) كلها ترجمات لعلم واحد يُعْنَى بدراسة العلامات.
وليس
التفكير حول العلامات السيميائية ، ولادة معاصرة ، حيث توجد نظرية علاماتية
ضمنية في التأملات » اللسانية« (2) التقليدية في الصين والهند، واليونان،
ورومـا، كما أولى» السفسطائيون « (3) - مِنْ قَبْلُ - أهمية عظمى لهذه
القضية في بدايات التفكير حيث» نجد مصطلح سيميوطيقا Sémiotiké في اللغة
الأفلاطونية إلى جانب مصطلح Grammatiké الذي يعني تعلم القراءة والكتابة،
مندمجا مع الفلسفة أو فن التفكير« (4) .
ثم يأتي» أرسطو« (5) في كتابه
(العبارة) ليحدد العلاقة بين الألفاظ وبين العلامات ،وبين أشياء العالم
الخارجي إذ يقول: » إن الأصوات التي يخرجها الإنسان رموز لحالات نفسية،
والألفاظ المكتوبة هي رموز للألفاظ التي ينتجها الصوت وكما أن الكتابة ليست
واحدة عند البشر أجمعين ، فكذلك الألفاظ ليست واحدة هي الأخرى لكن حالات
النفس التي تعبر عنها هذه العلامات المباشرة متطابقة عند الجميع« (6) .
ويبدو
أن السيميوطيقا اليونانية لم يكن هدفها إلا تصنيف علامات الفكر لتوجيهها
في منطق فلسفي شامل ، كما أن القديس الجزائري" أوغستين 350م– 430م" ، قدم
تعريفات للعلامة ضمن أبحاثه في التأويل معتمدا على الفلاسفة اليونانيين كـ
"أرسطو" و» الرواقيين «(7) ، ثم يختفي مصطلح السيميوطيقا مدة طويلة ولا
يظهر إلا في دراسة الفيلسوف الإنجليزي" جون لوكJohn Loke (1632-1704) "
باسـم Sémiotiké» وبدلالة جدّ متشابهة لتلك التي قدمتها الفلسفة اليونانية
الأفلاطونية« ( .
وتعد
بداية الستينات من القرن العشرين البداية الفعلية لعلم العلامات في كل
أنحاء العالم، من خلال مصطلحين متداولين في الثقافة الغربية الفرنسية
والأمريكية، وهما مصطلحي (سيميولوجيا/ سيميوطيقا) إلى أن اتحدا باسم
السيميوطيقا بقرار اتخذته الجمعية العالمية للسيميوطيقا التي انعقدت في
باريس سنة 1969م، ومن الأعضاء النشطين في هذه الجمعية " يوري لوتمان
،أمبرتو إيكو والناقدة جوليا كريستيفا".
كما» انعقد بميلانو في إيطاليا
سنة 1973م ، أول مؤتمر عالمي للسيميوطيقا، وأثار هذا المؤتمر أهم مفاهيم
السيميولوجيا النظرية، والإجرائية« (9) ، حتى أن الجمعية الدولية التي
تأسست في فرنسا سنة 1974م ، اختارت لها اسم سيميوطيقا، ولم تختر اسم
سيميولوجيا، وإن كان المصطلحان متشابهين جدا سواء في سيميولوجيا دي سوسير
،أو سيميوطيقا بيرس ، فإنه لابد من الإشارة إلى ذلك الدور الذي لعبته في
حقل تطور هذا العلم، ومن ثم فقد عرف علماء الغرب (السيميولوجيا) تعريفات
متنوعة، لكنها تصب في منبع واحد فهي: "العلم الذي يدرس العلامات" ، وهذا ما
أشار إليه كل من " تزفيتان تودوروف، جوليان قريماس ، وكريستيان ميتز"،
وآخرون.
حيث إن السيميولوجيا تتكون » من الأصل اليوناني:"Sémeîon" الذي
يعني علامة، و " Logos " الذي يعني خطاب« (10) ،كما تعني أيضا ذلك » العلم
الذي يبحث في أنظمة العلامات لغوية كانت ، أو أيقونية ، أو حركية« (11) .
ويبدو
أن تعريف "جورج مونان" ، أوفى هذه التعريفات، إذ يحدد السيميولوجيا بأنها
»العلم العام الذي يدرس كل أنساق العلامات أو(الرموز) التي بفضلها يتحقق
التواصل بين الناس« (12) .
أمّا العلماء العرب ، ومن بينهم "صلاح فضل"
فقد عرفها بأنها » العلم الذي يدرس الأنظمة الرمزية في كل الإشارات الدالة،
وكيفية هذه الدلالة« (13) في حين ذهب " محمد السرغيني" بقوله: »
السيميولوجيا هي ذلك العلم الذي يبحث في أنظمة العلامات أيا كان مصدرها،
لغويًا، أو سننيًا، أو مؤشريًا« (14) ، ويبدو من خلال ما ذكر من تعاريف
سابقة، أن أصحابها يتفقون على أن السيميولوجيا أو السيميوطيقا علم يهتم
بالعلامة والأنظمة اللغوية،كما يشمل هذا العلم ميادين واسعة متباينة »
كعلامات الحيوانات ، علامات الشم، الاتصال بواسطة اللمس ، الاتصال البصري ،
أنماط الأصوات والتنغيم "intonation" ، والتشخيص الطبي حركات وأوضاع
الجسد، الموسيقى، اللّغات الصورية ، اللغات المكتوبة ، الأبجديات المجهولة ،
قواعد الأدب ، أنماط الأزياء«(15) .
وفي» نهاية القرن التاسع عشر،
وبداية القرن العشرين ارتبط ظهور علم العلامة بوجود عالمين يرجع الفضل
إليهما في ظهوره ، بالرغم من عدم معرفة كل منهما بالآخر« (16) حيث ينتهيان
إلى علم واحد بمصطلحين شائعين هما "Sémiologie" من "Sémion" اليونانية حسب
اللغوي فرديناند دي سوسير، "F. De Saussure" (1856-ت1913م)، ولقد حصر سوسير
هذا العلم في دراسة العلامات في دلالاتها الاجتماعية، أو"Sémiotics" حسب
"شارل ساندرس بيرس: "Ch. S. Pearce (1838-ت 1919م) الذي جعل العلامة تدرس
منطقيا.
وفي نهاية الأمر حدد غريماس الفارق بين المصطلحين في اللغة
الفرنسية، بأنْ جعل "السيميوطيقا" تحيل إلى الفروع؛ أي إلى الجانب العملي
والأبحاث المنجَزة حول العلامات اللفظية وغير اللفظية في حين استعمل
"السيميولوجيا" للدلالة على الأصول؛ أي على الإطار النظري العام لعلم
العلامات، وفرق آخرون بين المصطلحين على أساس أن "السيميولوجيا" تدرس
العلامات غير اللسانية كقانون السير، في حين تدرس "السيميوطيقا" الأنظمة
اللسانية كالنص الأدبي.
وينبغي الإشارة إلى أنّ السيميولوجيا السوسيرية
تعنى بعموم العلامات في نطاق المجتمع ،وهي بذلك ظاهرة سوسيولوجية والعلامة
اللغوية عند سوسير مركبة من طرفين متصلين يمثلان كيانا ثنائي المبنى ،الطرف
الأول هو إشارة مكتوبة ومنطوقة أي الصورة الصوتية للمسمى، والطرف الثاني
هو المدلول أو المفهوم الذي نعقله من الإشارة لها ويمكن تمثيل الفكرة
كالتالي :
أمّا سيميوطيقا بيرس فهي علم الإشارة الذي يضم جميع العلوم
الإنسانية ،الطبيعية وتبحث عن التأويلات المتتالية في أغوار النص ،بل
تتعداها إلى جميع العلامات الثانوية ومن هنا بدأ علم السيمياء علما مستقلا
بذاته على يد بيرس الذي جعل للعلامة أبعادا ثلاثا هي الممثل أو الدليل
والموضوع الذي يقابل المدلول ،في حين أن المؤول لا وجود له عند سوسير.
• والعلامة البيرسية مقسمة إلى ثلاث مستويات :
1/
الأيقونة:Icon وهي العلامة التي تحيل إلى الشيء الذي تشير إليه بفضل صفات
تمتلكها تتمثل في علاقة تشابه بين المصورة والمشار إليه، مثل الصور
الفوتوغرافية،والخرائط.
2/ المؤشر :Index وهو العلامة التي تدل على
الشيء الذي تشير إليه بفضل وقوع هذا الشيء عليها في الواقع حيث " تكون
العلاقة بين المصورة والمشار إليه سببية منطقية "(17) كدليل الدخان على
وجود النار.
3/ الرمزSymbole: وهو العلامة التي تحيل إلى الشيء الذي
تشير إليه بفضل القانون ،وغالبا ما يعتمد على التداعي بين الأفكار العامة
،ما يسميه بيرس باسم العادات ،أو القوانين أين تكون العلاقة بين الدال
والمدلول والمشار إليه محض علاقة عرفية غير معللة ،كدلالة البياض على
السلام .
وللسيمياء ثلاث اتجاهات :
أ- سيمياء التواصل: وأهم روادها جورج مونان وبريتو،وبويسنس ،ومارتينيه) ،ويقوم هذا الاتجاه على أن وظيفة اللسان الأساسية التواصل .
ب-
سيمياء الدلالة : يعدّ (رولان بارت ) زعيم هذا الاتجاه حيث يرى أن البحث
السيميائي هو دراسة الأنظمة الدالة وذلك من خلال التركيز على الثنائيات
اللسانية : اللغة/ الكلام ، الدال/ المدلول ،التقرير/ الإيحاء ،المركب /
النظام ...إلخ.
جـ- سيمياء الثقافة : يستفيد هذا الاتجاه من الفلسفة
الماركسية ،أهم روادها ( يوري لوتمان أمبرتوايكو، جوليا كريستيفا) ،يقوم
هذا الاتجاه على اعتبار الظواهر الثقافية موضوعات تواصلية ،وأنساقا دلالية .
وهكذا استوت السيمياء،وأصبح المنهج السيميائي الذي يعتمد العلامات السيميائية أهم عدة منهجية لطارق النصوص الأدبية .
1-2.المنهج السيميائي وآلية الممارسة الإجرائية :
شهد
الخطاب النقدي العربي القديم رجات ،وتحولات كبرى وعميقة في العقود الأخيرة
من القرن العشرين ،فتحولت عملية القراءة من قراءة أفقية معيارية إلى قراءة
عمودية متسائلة تحاول سبر أغوار النص .
ولا سبيل إلى هذا الفعل النقدي
إلا بالتسلح بالمنهج السيميائي الذي» يرفض التصورات النقدية التقليدية التي
تهتم بسيرة المؤلف« (18) ويعتبر النص بنية قابلة للتأويل فينظر إليه من
زاوية أنه » قطعة كتابية من إنتاج شخص أو أشخاص عند نقطة معينة من التاريخ
الإنساني وفي صورة معينة من الخطاب،ويستمد معانيه من الإيماءات التأويلية
لأفراد القراء الذين يستعملون الشفرات النحوية ،والدلالية ،والثقافية
المتاحة لهم« (19) .
فمن هذه النقطة بالذات اكتسب المنهج السيميائي في
خصوصية وأصبحت القراءة النقدية على ضوئه قراءة إنتاجية تحاول تقريب القراءة
من الكتابة ،فيصبح القارئ كاتبا ،ومنتجا ثانيا للنص،لأن القراءة
السيميولوجية تعتبر أن النص يحمل أسرارا كثيرة تستفز القارئ لفك رموزه
انطلاقا من فهم العلاقة الجدلية الموجودة بين الدال ،والمدلول ، وبين
الحاضر والغائب، فتبدأ عملية البحث عن المعنى الغائب انطلاقا من دراسة
الرموز التي تجعل الدلالة تنحرف باللغة الاصطلاحية إلى لغة ضمنية عميقة .
فـالمنهج
السيميائي في قراءة النص الأدبي » ينبثق من النص نفسه ويتموقع فيه بوصفه
شكلا من أشكال التواصل يربط علاقة تفاعل بين النص والقارئ لأن القارئ ينشط
على مستوى استنطاق الدال في النص مما يجعله يتفاعل مؤثرا في النص أو متأثرا
به « (20) ، والقراءة مصطلح متبدّل هو الآخر، فقد كان يعني شيئاً محدّداً
في القديم، ولكنه صار في عصر مابعد البنيوية، في عصر السيميولوجيا
والتفكيكية ونظرية التلقي، في عصر القراءة، صار يعني إقامة علاقة نقدية
مؤسسة بين القارئ والمقروء.
وعليه غدت المقروئية تأولية تفسيرية إلى حدّ
ما، وأصبحت القراءة بديلاً من النقد، فلكي تتمّ عملية القراءة الواعية
لابدّ من حضور طرفيها (النص- القارئ) حضوراً حواريّاً تفاعليّاً، ولايتمّ
هذا الحضور إلاّ إذا كان الطرف الأول (النّص) ثريّاً، وكان الطرف الثاني
(القارئ) في مستوى القراءة والتأويل، يحترم في المبدع قدرته على الحوار
والتواصل الفكري، كما يحترم في الوقت ذاته استقلالية عمله الأدبي وبهذا
تكون الأحكام النقدية التي يضعها في مضمار النص موضوعية ،وفق رؤية واعية
متمكنة من خوض آليات النقد دون تردد أو مبالغة نقدية،وهذا كلّه ضمن المنهج
النقدي المراد تطبيقه في عملية التحليل.
أمّا عن آلية التحليل
السيميائي فتختلف حسبا للجنس الأدبي المراد تحليله لكن هناك نقاط ربط
مشتركة بين جميع الأجناس والتي أشار إليها الناقد "على زغينه" في مقاله
"مناهج التحليل السيميائي" إذ جعل استعمال المنهج السيميائي على مرحلتين
هما كالآتي:
*المرحلة الأولى: هي مرحلة القراءة وهي قراءة تختلف عن
قراءة النقاد العادية بانفتاحها الدائم ويرجع هذا الانفتاح إلى عدة أسباب
أهمها أن النص يعني شيئا على مستويات عديدة في المكان وفي لحظات عديدة في
الزمان لذا تختلف كل قراءة عن أخرى.
*المرحلة الثانية: هي مرحلة
الانتقال من المادية إلى مرحلة المعنى وعلى هذا يمكن القول إن معنى الكلمات
التي نجدها في المعاجم ليس دائما نفس معنى الكلمات الذي نجده في التواصل
العقلي ، وعلم العلامات لا يهتم إلا بالمعنى الأخير»وهذا يعني أنه يمكن أن
يكون لـ: الدال الواحد مدلولات متعددة وأن كل قراءة جديدة يمكن أن تكون
تفسيرا مختلفا« (21) .
فالأصل في التحليل السيميولوجي هو تحليل
المقاطع والوحدات، و يتميز هذا التحليل» باعتماده على محور التوزيع فعندما
تجمع قطع التحليل المبعثرة يمكن إعادة بنائها (...) هكذا تتراكب القراءة
المقطعية(...) وتوجد داخل المقطع الواحد مقاطع صغرى،هي عبارة عن مجموعات
غير متحركة ،ولنقوم بتحليل أساسه المقاطع يجب أن نبدأ بقراءة النص كلمة ثم
نعيد بناءه (...) ونلاحظ عند التحليل أن بعض الأبنية تبرر أكثر من غيرها
،لذا يمكن ترتيبها وفقا لمجموعة من التيمات على محور التوزيع(...)، لكن يجب
أن يكون تحليل المقاطع تحليلا مفتوحا بمعنى ألا يكون منحازا وألا يصدر
أحكاما« (22).
كما أنّ هناك من يلجأ إلى آلية "التحليل اللساني" في
عملية تحليل النصوص ونقدها، من خلال تحليل الخطاب الأدبي الشعري أوالسردي
إلى مستويات أو بنيات هي كالآتيالصوتية،النحوية، الصرفية،التركيبية،الدلالية،) هذا ما نجده عند الناقدين"محمد الصغير بناني ورابح بوحوش"
إضافة إلى الناقد "بشير توريريت" الذي ينطلق في استنطاقه النص الأدبي من خلال عدة آليات إجرائية " فنية جمالية" مرتبة كالآتيسيمياء العنوان، سلم الاختيار والتأليف، سيمياء التضاد،سيمياء التركيب،سيمياء الإيقاع ).
وعموما
هذه ما هي إلا آليات اجتهادية،ورؤية نقدية حداثية في تحليل النصوص الأدبية
وفق المناهج النقدية النصانية، والمنهج السيميائي على وجه الخصوص وذلك من
خلال الآليات العديدة التي تسهم في تفكيك النص وبالتالي تأوليه شريطة أن
يتمتع المؤول بقدرة منهجية ومعرفية واصطلاحية معتبرة تغنيه في عملية
التأويل الموضوعي.
1-3. رواج المنهج السيميائي في الدّراسات النقدية العربية:
عرفت
الحركة النقدية المعاصرة رجة قوية بعد تسرب المنهج السيميائي إلى حدود
العالم العربي وتغلغله في الممارسات التحليلية النقدية للنصوص الشعرية
والروائية ،فانكب عدد من النقاد على التلقي النظري والإجرائي التطبيقي
لمعطيات هذا النهج الجديد .
وعلى هذا نجد أنّ الوطن العربي عرف
القراءات السيميائية منذ منتصف السبعينيات وأخذت تتأسس خلال ثمانينات-
القرن الماضي- من بوابة المغرب ،و من ثم المشرق العربي وهذا من خلال
الأقلام التي أسهمت في هدا الحقل ،نشير على وجه الخصوص لا التعميم لكل من »
محمد مفتاح ،وعبد الفتاح كليطو،ومحمد الماكري ،والسعيد بن كراد من المغرب
،وعلي العشي ،وسمير المرزوقي من تونس ،وإلى عبد المالك مرتاض وعبد القادر
فيدوح ، ،وعبد الحميد بورايو ،ورشيد بن مالك ،والطاهر روانية في الجزائر
وعبد الله الغذامي في السعودية ،ومحمد خير البقاعي من سوريا وهناك لبنانيون
،عراقيون ومصريون« (23) .
وبالرغم من الاهتمام البالغ من النقاد
العرب بهذا المنهج الجديد إذ وجدوا فيه ضالتهم في تحليل النصوص إلا أن
مشكلة غياب استراتجيات واضحة بأساسياته التي نشأ عليها في أوربا ظلت
المشكلة والعائق الأول في الاسترسال النقدي السيميولوجي نظرا لحداثة
الموضوع على الثقافة العربية النقدية المعاصرة فإننا نلاحظ الاختلاف في
ترجمة المصطلحات المتعلقة بحقل السيمياء ،بداية من مصطلح "السيميائية "
ذاته ،إذ تعددت الترجمات( كالعلاماتية ،الإشارتية ،علم العلامات) أو غيرها .
والسبب
في هذا الاختلاف هو أن » وضع المصطلحات السيميائية في العالم العربي يختلف
تماما عما عليه في أوربا ،إذ لم يرق بحكم التضارب الموجود في المصطلحات
المستعملة إلى بلورة نموذج مؤسس لخطاب علمي دقيق يضبط مفاهيمه ،وأدواته
الإجرائية الخاصة به سلفا « (24) .
وقد قام النقاد العرب أو
السيميائيون العرب بداية بترجمة بعض الكتب الغربية الخاصة بعلم السيمياء
وتأليف بعض الكتب اللسانية السيميائية ومن ثم تأليف بعض المعجمات للمصطلحات
الغربية وتعريبها ،ثم انتقلوا إلى التأليف النظري ،قبل أن يخصصوا مؤلفات
لتطبيق السيمياء على النصوص، وقد تناول "حفناوي بعلي" هذه الرحلة
السيميائية العربية في مقالته: (التجربة العربية في مجال السيمياء)» فذكر
ثلاثة أنواع من المصادر العربية الحديثة التي يمكن من خلالها دراسة واقع
مصطلح السيمياء« (25) .
أولا : ترجمات كتاب فرديناند دي سوسير "محاضرات في اللسانيات العامة"
فقد
عربه صالح القرمادي، محمد الشاوش، محمد عجينة من اللغة الفرنسية ونشر
بالدار العربية للكتاب بتونس سنة 1985م بعنوان " دروس في الألسنة العامة "
ثم عربه : أحمد نعيم الكرعين من جامعة (بيرزيت) بفلسطين نقلا عن اللّغة
الانجلزية ونشر بدار المعارف الجامعية بالإسكندرية سنة 1985م بعنوان "فصول
في علم اللغة " ثم تعريب يوسف غازي ومجيد النصر عن الفرنسية بعنوان محاضرات
في الألسنية العامة ،من نشر المؤسسة الجزائر للطباعة بالجزائر سنة1986م.
والملاحظ في الترجمات أنها لم تتفق في تعريب واحد لاسم الكتاب .
ثانيا : الكتب المؤلفة في اللسانيات والسيميائية والدلالة منها كالآتي:
* دروس في السيميائيات لـ : حنون مبارك ،المغرب1987م.
* الألسنية علم اللّغة الحديث – مبادؤها وأعلامها- لـ : ميشال زكرياء.
* المصطلحات اللغوية الحديثة في اللغة العربية لـ : محمد رشاد الحمزاوي 1977م .
ثالثا : معجمات المصطلحات
وهي تتخذ المصطلح الأجنبي منطلقا ومنها :
* » معجم المصطلحات علم اللغة الحديث ( عربي انجلزي / انجلزي عربي )« (26).
*» قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص (عربي/ انجلزي/ فرنسي ) للدكتور الجزائري رشيد بن مالك« (27)
* المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات (عربي/ انجلزي/ فرنسي) وضعه نخبة من الأساتذة العرب 1989م بتونس .
وسرعان
ما تطورت النظرة إلى المنهج السيميائي وازداد المثقفون العرب تعلقا به ما
جعل إصداراتهم الأدبية في حقل السيمياء ترتفع نوعا ما خاصة تلك التي يبدو
تأثرهم فيها واضحا برولان بارت الذي ترجموا كتابه "لذة النص " وتعددت
الترجمات : فصدرت أول ترجمة سنة 1986م في جريدة "المحور الثقافي " بالدار
البيضاء وقام بها محمد البكري ومحمد الهروشي ،ثم الترجمة الثانية سنة 1988
عن دار توبقال المغربية وقام بها فؤاد صفا والحسين سحبان .
وفي اتجاه
بارت السيميائي يقدم المغربي "محمد السرغيني "مجموعة من المحاضرات ويجمعها
في كتاب بعنوان "محاضرات في السيميولوجيا عام 1987م يبرز فيها نظرة بارت
السيميائية للقصيدة.
أما عن سيميوطيقا بيرس فنجد تأثر سيزا قاسم
ونصر حامد بها في كتابهما مدخل إلى السيميوطيقا 1986م ،وعن تطبيق
السيميولوجيا في الخطاب العربي يرى الناقد "حفناوي بعلي " أنّ الناقد "علي
العشي" يعد من» الرواد في تطبيقات السيميولوجيا الغربية على النص العربي من
خلال دراسته التي ظهرت عام 1976م بعنوان تحليل سيميائي للجزء الأول من
كتاب الأيام لطه حسين« (28) .
كما أنّ "عبد المالك مرتاض" طبق المنهج
السيميائي في كتابه "دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة "أنت ليلاي" وكتاب: "
ألف ليلة وليلة" – تحليل سيميائي تفكيكي- لحكاية "حمّال بغداد " وعبد
المالك مرتاض يستخدم السيميائية للكشف عن نظام العلامات في النص على أساس
أنها قائمة بذاتها فيه ،لا مجرد وسيط وذلك بتعريه البنية الفنية للنص
الأدبي » وصهرها في بوتقات التشاكل والتابين والتناص ،الإنزياح الذي يحرف
الدلالة عن موضعها«(29)،وغيرها من الدّراسات النقدية السيميائية التي مازال
البحث والكشف فيها قيد الدراسة بعد،أو تحتاج إلى إعادة قراءة كالنصوص
الشعرية القديمة التي مازالت تحتفظ في بنايتها العميقة بالكثير من القراءات
الواعدة ضمن مناهج النقد المعاصر وعلى الخصوص المنهج السيميائي.
-2- المحورالثاني: قراءة النص الشعري العربي القديم في ضوء المنهج السيميائي
تعدّ
المناهج النقديّة المعاصرة وسائل وأدوات مساعدة على سبر أغوار الظاهرة
الأدبيّة وليس غاية في حدِّ ذاتها، ففي البدء كان الخطاب الأدبي ثمّ كانت
الممارسة النقدية،التي لازمته وتطورت إلى مناهج النقد المتنوعة سياقية كانت
أونصانية من خلال البحث عن مقصدية الكاتب، واستقصاء تجليات الخطاب الأدبي،
واستقراء الظواهر الفنية، والفضاءات النصيّة داخل العمل الأدبي ، لهذا كان
فرض أي منهج على خطاب، أو عمل أدبي ما كفيل بتكريس عملية نقدية منحرفة،
ولغة واصفة عقيمة ومن هنا كان عمل الناقد السيميائي خصوصا تحرِّي الموضوعية
والروح العلمية في التعامل مع الظاهرة الأدبية لأنّه تعامل مع الذات
المنتجة وسط بيئة سياسية واجتماعية ،وتاريخية.
وعليه كان لازاما
على الناقد المعاصر يتحرى ويبحث وسط نظرية التلقي و المناهج النقدية
المعاصرة خاصة "الأسلوبـية أو البنيوية، أو التفكيكية ، أو السيميائية، أو
التداولية" وغيرها من المناهج التي تولي اهتماما بالنص على حساب الناص
"الكاتب"وذلك وفق آليات وأدوات إجرائية تتحقق مع النص الأدبي المراد
استنطاقه و تحديد القراءة النقدية المناسبة له، وهذا لن يتحقق إلاّ من خلال
الممارسات والتجارب النقدية المتواصلة التي يكتسبها الناقد من خلال تمرّسه
على مختلف النصوص الأدبية الشعرية أو السردية.
ومن هنا كان "المنهج
السيميائي" من بين مجموع المناهج النقدية المعاصرة التي تخصص فيها كثير من
الباحثين تنظيرا وتطبيقا، في العديد من الملتقيات والندوات واللّقاء
النقدية العلمية،التي نذكر منها:"الملتقى الدولي ،السيمياء والنص الأدبي،
بطبعاته الخمس المنعقد كلّ سنتين بكليّة الآداب واللّغات بقسم الأدب العربي
جامعة بسكرة – بداية من سنة 2000 إلى غاية سنة 2008-" المخصص للمقاربات
السيميائية الشعرية والسردية قديمها وحديثها من خلال فهم آلياته النقدية
،وخوض مجال النقد والتمرس في تحديد أدواته الإجرائية من أجل ممارسة نقدية
جادة، تبحث في تراثنا العربي الإبداعي بشكل يجعل منه محل الدّراسة
والتحليل،والتأصيل لبعض قضايا الإبداع والنقد الراهن من خلال مساءلة النصوص
التراثية التي كانت ومازالت تشكل عائقا في عملية الممارسة والتنظير النقدي
النصّاني.
2.1- قراءة نقدية في بعض دراسات الملتقى السيميائي للنصوص الشعرية القديمة:
يعدّ
المنهج السيميائي من بين المناهج النصانية التي رافقت النص الشعري العربي
القديم خاصة في عملية التحليل والتفكيك للرموز والإشارات الضمنية التي
يحملها النص المراد استنطاقه بها، وهذا وفق أسس إجرائية تبحث في معاني
ومغاليق الفواتح والخواتم النصية الشعرية لتفجر من خلالها دلالات النص
والبحث في كنهه وكشف البنى العميقة ،ومحولة تأسيس قراءة نصانية واعية
يتقبلها النص والمتلقي ،إذ ارتكز تحليل المداخلة على قراءة نقدية لجملة من
المقالات النقدية التي حللت النص الشعري القديم تحليلا سيميائيا.
إذ
تناول بعضهم مجال التحليل الجمالي الفني والبعض الآخر أخذ بالتحليل
اللّساني القائم على آلية التفكيك، وإعادة قراءة النص الأدبي ضمن المستويات
اللّسانية أو القراءة الجمالية للنص من خلال مرتكز التناص بأشكاله وأنواعه
ومستوياته أو الخوض في ظاهره خرق لغة النص، وذلك بتحليل جميع الإنزياحات
اللّغوية انطلاقا من الانزياح الصوتي وصولا إلى البلاغي والدلالي منه ،وكلّ
هذه الدراسات السالفة للذكر صنفت في الجدول الآتي للذكر:
عدد الملتقى السيميائي المقال المدرج في فعاليات الملتقى صاحــب المــقال الصفحة
الملتقى الوطني الثاني السيمياء والنص الأدبي:
15-16 أفريل2002 م
جامعة محمد خيضر بسكرة
في سيمياء الشعر العربي القديم التحليل النّصي لجزء من بائية ابن خفاجة الأندلسي د.سعد بوفلاقة.
بنية التشاكل والتقابل في مقدّمة معلقة عبيد بن الأبرص أ.منصوري مصطفى 333
الملتقى الوطني الثالث السيمياء والنص الأدبي:
19-20 أفريل2004 م
جامعة محمد خيضر بسكرة مقاربة سيميائية أنتربواوجية لنصوص الشعر الجاهلي
أ.لولاسي هوارية
الملتقى الوطني الرابع
السيمياء والنص الأدبي:
28- 29 نوفمبر2006م جامعة محمد خيضر بسكرة سيميائية الصراع في تائية الشنفرى
. عادل محلو
الملاحظ
عموما على بعض الدراسات السيميائية الموثقة في الملتقى السيميائي الدولي
المبينة في الجدول السالف للذكر أنها تميّزت بجملة من المحاسن، والمآخذ
النقدية التي بمكن حصرها فيما يأتي:
1- الدّراسات النقدية للنصوص
الشعرية القديمة تكاد تكون منعدمة تماما من الدراسة والنقد والتحليل ،وهذا
يعود في الأساس للتخوف من خوض هذا النوع من الدراسة وانعدام روح المبادرة
والتخصص من النقاد والبحثين وحتى المشرفين والقائمين على أعمال وفعاليات
هذا الملتقى من خلال إقحام النقاد والبحثين في تحليل ومساءلة النصوص القديم
علاماتيا مما ترك فراغا ابستومولوجيا في الذاكرة النقدية.
2- أغلب
الدّراسات التي تناولت النصوص الشعرية القديم على قلّتها تكاد تخلو من
منهجية نقدية مؤسسة على نظرية إجرائية للمارسة النقدية الجادة، فهي تارة
إمّا ممارسة نقدية لسانية تعالج النص الشعري القديم من ناحية المستويات
اللسانية أو هي معالجة فنيّة جمالية تترتكز على بؤرة العنوان وفاتحته
وخاتمته النصية ،وعموما تبقى محولات نقدية جريئة من قبل أصحابه فتحوا الباب
على لمن يأتي بعدهم للنقد والمعالجة والترجيح النقدي.
3- لقد كانت
جلّ هذه الدّراسات فاتحة نقدية تتسم بالعلمية والموضوعية إلاّ أنها تنعدم
فيها رؤية نقدية وآلية إجرائية متفق عليها سلفا في تناول هذا النوع من
النصوص القديم وخاصة الشعرية التراثية منها،إذ كان التخوف الذي لمستاه في
جلّ هذه الملتقيات السيميائية بداية من سنة: (2000م إلى غاية 2008م) يعود
في أساسه إلى عدم وجود منحى نقدي بارز يؤدي دورا فعالا في التنظير والتطبيق
للنص الشعري القديم وكيفية تذوقه نقديا ضمن المنهج السيميائي،ومن ثم بعث
قراءة تأولية لكل مقاطعه الشعرية قاطبة.
4- تبقى العملية النقدية
للملتقى السيميائي للنصوص الشعرية القديمة هي محولات نقدية مازالت بحاجة
للتأصيل ومن يأخذ بيدها من النقاد المتمرسين في نقد النصوص الشعرية العربية
النقدية في ظلّ المناهج النقدية النصانية ،ومن هنا كان لزاما على البحثين
خوض مفاتيح النقد السيميائي تدريجيا حتى تنبني رؤية ممنهجة للتحليل وكشف
جميع الشفرات والتأويلات النقدية وتفكيكها للمتلقي الذي يبحث في خفايا هذا
النوع من النصوص.
5- لابدّ من الاتفاق المسبق على آليات التحليل
النقدي للنصوص الشعرية القديم من خلال المزاوجة بينما هو لساني وما هو
جمالي فني أثناء عملية التحليل ،وذلك لأنّ النص القديم له خصوصيته الفكرية
التي تختلف شكلا ومضمونا عن النص الشعري الحداثي،ومن ثم عدم استنطاقه بما
لايحتمل من التأويلات النقدية والمضامين الفكرية والبلاغية،صحيح نجد النصوص
الشعرية التراثية لها سعة في الخيال ،ومتسع من الآلام النفسية التي تبحث
عن الذات المستقبلية ضمن استشرافات النص ،فهذا كلّه لايعطينا الحق في
التحامل عليه نقديا أو تحميله بما لاتقبله تلك النصوص لطابعها الجمالي
واللّساني.
وعليه لايتأسس العمل الإبداعي إلا من خلال المشاركة
التواصلية الفعالة بين المؤلف والنص والجمهور القارئ، ويدل هذا على أن
العمل الإبداعي يتكون من عنصرين أساسين: النص الذي قوامه المعنى وهو يشكل
أيضا تجربة الكاتب الواقعية والخيالية والقارئ الذي يتقبل آثار النص سواء
أكانت إيجابية أم سلبية في شكل استجابات شعورية ونفسية ( ارتياح - غضب -
متعة - تهييج - نقد - رضى...) ، وهذا يجعل النص الأدبي يرتكز على الملفوظ
اللغوي/ النص والتأثير الشعوري (القارئ) في شكل ردود تجاه حمولات النص.
وهذا
إن دل على شيء فإنما يدل على أن العمل الأدبي يتموقع في الوسط بين النص
والقراءة من خلال التفاعل الحميمي والوجداني الاتصالي بين الذات والموضوع
أي النص والقارئ، ومن ثم فالعمل الأدبي أكبر من النص وأكبر من القراءة، بل
هو ذلك الاتصال التفاعلي بينهما في بوتقة منصهرة واحدة، وإذا كانت المناهج
النصانية الأخرى تركز على اتجاه واحد في القراءة من النص إلى القارئ فإن
منهجية التقبل والقراءة تنطلق من خطين مزدوجين متبادلين: من النص إلى
القارئ ومن القارئ إلى النص على غرار القراءة الظاهراتية
(الفينومينولوجية)، ولا يحقق نص المؤلف مقصديته ووظيفته الجمالية إلا من
خلال فعل التحقق القرائي وتجسيده عبر عمليات ملء الفراغات والبياضات وتحديد
ماهو غير محدد، وإثبات ما هو منفي، والتأرجح بين الإخفاء والكشف على مستوى
استخلاص المعاني عن طريق الفهم والتأويل العلاماتي والتطبيق الفني
والجمالي اللساني لكل مستويات النص اللّغوية والجمالية.
كما أنّ
العلاماتية ونظرية التلقي تؤكّدان على المشاركة الفعالة بين النص الذي ألفه
المبدع والقارئ المتلقي، وهذا من خلال إعادة الاعتبار له (المبدع)
باعتباره هوالمرسل إليه والمستقبل للنص ومستهلكه وهو كذلك القارئ الحقيقي
له: تلذذا ونقدا وتفاعلا وحوارا، ويعني هذا أن العمل الأدبي لا تكتمل حياته
وحركته الإبداعية إلا عن طريق القراءة وإعادة الإنتاج من جديد؛ لأن المؤلف
ماهو إلا قارئ للأعمال السابقة وهذا ما يجعل التناص يلغي أبوة النصوص
ومالكيها الأصليين، ويرى 'إيزر' أن العمل الأدبي له قطبان: قطب فني وقطب
جمالي، فالقطب الفني يكمن في النص الذي يخلقه المؤلف من خلال البناء اللغوي
وتسييجه بالدلالات والتيمات المضمونية قصد تبليغ القارئ بحمولات النص
المعرفية والإيديولوجية، أي إن القطب الفني يحمل معنى ودلالة وبناء شكليا.
أمّا
القطب الجمالي، فيكمن في عملية القراءة التي تخرج النص من حالته المجردة
إلى حالته الملموسة، أي يتحقق بصريا وذهنيا عبر استيعاب النص وفهمه
وتأويله. ويقوم التأويل بدور مهم في استخلاص صورة المعنى المتخيل عبر سبر
أغوار النص واستكناه دلالاته والبحث عن المعاني الخفية والواضحة عبر ملء
البيضات والفراغات للحصول على مقصود النص وتأويله انطلاقا من تجربة القارئ
الخيالية والواقعية. ويجعل التأويل من القراءة فعلا حدثيا نسبيا لا يدعي
امتلاك الحقيقة المطلقة أو الوحيدة المتعالية عن الزمان والمكان. لأن
القراءة تختلف في الزمان والمكان حسب طبيعة القراء ونوعيتهم. لذلك يرى"
أمبرتو إيكو" U.ECO أنّ هناك أنماطا من القراءة والقراء في دراساته عن النص
المفتوح والنص الغائب.
2.2- آلية قراءة النصوص الشعرية القديمة في ظلّ المنهج السيميائي:
إنّ
تطبيق المستويات الإجرائية للمنهج السيميائي على النصوص الإبداعية الشعرية
تبقى عملية معرفية معقّدة تختلف في تقنياتها من باحث لآخر ،ومن المعلوم
أنّ النصوص الأدبية كلها تقبل عملية التحليل اللّساني الذي يصبّ في دائرة
النقد النصّاني ، ومع ذلك نجد جلّ النقاد مازالوا يخوضون في مسألة أدوات
الممارسة النقدية لأنّها لم تتأسس عند البعض منهم لاختلاف الرؤى والمشارب
المعرفية عند كل ناقد ومن كانت رؤيتنا لهذه الآليات النقدية تتمثل في الجمع
بين ماهو لساني، وماهو فنّي جمالي وهي مصنفة كالآتي:
أولا - بنية العنوان:"Structure du titre"
يُعَدّ
النص الشعري آلة للقراءة العنوان إذ تربطهما علاقة تكاملية، فالنص الشعري
يتكون من نصين يشيران إلى دلالة واحدة في تماثلهما مختلفة في قراءاتهما
هما: (النص وعنوانه)، أحدهما مقيد موجز مكثف ، والآخر طويل ولعل صفحة كل
غلاف تعطينا انطباعا يجعل من أغوار أي عمل إبداعي يعد نظاما سيميائيا ذا
أبعاد دلالية، وأخرى رمزية، تغري الباحث بتتبع دلالاته، ومحاولة فك شفراته
الرامزة.
لهذا يرى السيميولوجيون أن » العنوان والنص والإخراج
الطباعي والإشارات والصور«(28)، أجزاء لا تتجزأ من الخطاب الأدبي، وهذه
الرموز اللغوية المميزة لكل عمل إبداعي هي دلالات واضحة في سلم العمل
اللغوي لهذا نجد أن "الطباعة واللون والغلاف والعنوان كلها عتبات" لفك
شفرات العمل الأدبي،وتبقى عتبة العنوان النصي أهم منافذ النص المدروس وذلك
بتقسيمه إلى ثلاثة مفاتيح علاماتية هي كالآتي:
1- بؤرة العنوان:وذلك
من خلال استنطاق عنوان النص الشعري ،وفك شفراته العلاماتية، وربطها بمتن
النص ،وعموما كلّ عناوين النصوص الشعرية القديمة هي فواتح النصوص
الأدبية،إن لم نقل جلّها بداية بشعر الصعاليك والمعلقات.
2- الفاتحة
النصية: تتناول البيت الأوّل من القصيدة ،حيث يطرح فيها الشاعر العديد من
الأسئلة التي تبحث عن جواب،أوذكريات لم تندمل بعد أو حنين، وشوق محمّل
بالوصل والعتاب النفسي المشفّر بكلّ الدلالات ،والرموز المغلوقة التي تبحث
عن مفاتيح لتفجير هذه المعاني النصية وسط متاهات ذات الشاعرة ،ورؤيته
للعالم بعيون المستفهم الحاضر/ الغائب.
3- الخاتمة النصيّة:هذه
الأخيرة تبحث في خاتمة النص الشعري لتقدّم إجابات شافية لماطرحه الشاعر من
حيرة ،وأسئلة تبحث عن مخرج من هذا المأزق النفسي الذي يتجرع مرارته الشاعر
في كلّ ذكرى من مخياله الشعري المتأزم بمرارة الشوق والحنين والجفاء الذي
يعيشه في وسط تترمّز فيه كل المشاعر الإنسانية لتصبح كل معانيه علل،وزحفات
يتعثر فيها وسط الإخفقات العاطفية التي تبحث عنها السيمياء،وتعطيها
تفسيراتها وقراءتها وفق منهجية علمية ممنهجة على آليات متفق عليها سلفا بين
المتلقي والناقد.
ثانيا- البنية الصوتية " Structure Phonétique " :
تقتضي
طبيعة التحليل اللغوي للعنوان كنص مصغر البدء بأصغر وحدة صوتية في النظام
اللغوي إلى أعلى مراتب التركيب ،وهو الدافع للباحث عند تتبعه لمعاني
الألفاظ إلى الانطلاق من الصوت اللغوي الذي يعد أصغر وحدة صوتية عن طريقها
يمكن التفريق بين المعاني ،إضافة إلى كونه أساس اللغة،وعمود بنائها.
ومبحث
الأصوات هو المستوى الأول من المستويات التحليل إذ يعد الخطوة الأولى
للمحلل السيميائي لما للصوت من قيمة تعبيرية تنطلق منه ثم تطغى على اللفظة
التي تحويه وقد يتعداها ليعم التركيب ،فالأصوات تناسب معاني ألفاظها
والعلاقة بينهما متبادلة وجدلية.
ثالثا- البنية التركيبية "structure syntaxique" :
يعدّ
الحديث عن البنية التركيبية حديثا عن النحو- وخصوصا الجملة النحوية
وسياقاتها- الذي يعرفه الشريف الجرجاني بأنه "علم بقوانين يعرف بها أحوال
التراكيب العربية من الإعراب والبناء "(1).
والبحث في البنية
التركيبية لأي نص يحيلنا إلى دراسة جملة بوصفها الوحدة اللغوية الأساسية في
عملية التواصل ،فقيمتها في المستوى التركيبي كقيمة الصوت في المستوى
الصوتي ،وقيمة الكلمة في المستوى الصرفي، وعلى هذا التحليل التركيبي
للعناوين يعتمد على تصنيف الجمل اسمية، فعلية، شرطية وظرفية .
رابعا- البنية الصرفية"Structure Morphologique":
يتناول
فيها الباحث دراسة صيغ الأفعال ،وما تتعرض لها من تغييرات عند إسنادها
للضمائر،وتحديد أقسام الفعل من حيث الزيادة،والتجريد ودراسة خصائص الأسماء
من تنكير وتعريف، ومن تذكير وتأنيث، وبيان اللواحق الدالة على التأنيث،
ويبين أقسام الاسم من حيث العدد، فيبين طرق التثنية، والجموع التي منها ما
يكون بإلحاق لاحقة، وهو جمع السلامة، ومنها ما يكون بتغيير داخلي في لفظ
المفرد، وهو جمع التكسير.
وتناول الظواهر الصرفية مثل: ظاهرة
التصغير، فيبين التغييرات التي تطرأ على الاسم عند تصغيره، ودراسة ظاهرة
النسب، وتبيين التغييرات التي تجري على الاسم بسبب إلصاق لاحقة
النسب،والتركيز على المشتقات من"اسم الفاعل،اسم المفعول،الصفة المشبهة،اسما
الزمان والمكان،صيغ المبالغة،المصدر الميمي والصناعي،اسم المرة
والهيئة،اسم الآلة".
خامسا- البنية الدلالية "structure sémantique":
الحقل
الدلالي مجموعة من الوحدات المعجمية التي تشمل على مفاهيم تندرج تحت مفهوم
عام يحدد الحقل ،أي أنه مجموع الكلمات التي تترابط فيما بينها من حيث
التقارب الدلالي ويجمعها مفهوم عام تظل متصلة به ولا تفهم إلا في ضوئه
،فالدارس السيميائي عليه أن يصنف مجموع الكلمات في المتن ،أو المتون
الشعرية التي يصنفها إلى حقول دلالية خاصة بالمعنى الذي يجمع كل مجموعة
لتسهيل المقاربة النقدية ، والتقريب من مفاتيح التأويل .
سادسا- البنية الموسيقية "Structure Harmony
إذ
يكون الحديث فيها عن موسيقى النص الشعري من خلال ثنائية "الوزن
والقافية"،وعلاقتهما بالنص الشعري علامتيا،وكشف صورهما التأولية النصانية
تدريجيا،من خلال ظاهرتي "التنغيم والغنة"،كلّ هذا وعلاقته سيميائيا بالنص
الشعري وبنيته العميقة.
سابعا- جماليات النص الشعري:
أولا-التناص
: يشكل التناص بعدا جماليا للعنوان إذ يسبح في عدة مرجعيات و يشير إلى
الفاعلية المتبادلة بين النصوص ليؤكد عدم انغلاق النص على نفسه وانفتاحه
على غيره من النصوص ،وفكرة التناص كما يرى النقاد المحدثون تعتبر توسعا
لمعنى التأثير والتأثر ،لا كما ذهب القدماء إلى قضية الانتحال والسرقات
فهناك من العناوين ما يضرب صلته بأبعاد ومرجعيات (دينية –
فكرية-أدبية-أسطورية) فيصعب على القارئ الدخول إلى النص إلا إذا كان متسلحا
بقدر من الثقافة .
ثانيا-الانزياح : يعدّ الانزياح ظاهرة أسلوبية
جمالية ،وهو يعني الخروج عن الاستعمال العادي المألوف للغة النثرية ،والرقي
بها إلى المستوى قريب من اللغة الشعرية ،يعتمد على قوة الخيال في تحويل
الصور والمفاهيم بغية التأثير التجميلي للمتون الروائية والشعرية خاصة ،وهو
يقدم على المفاجأة والتغير وعدم الثبوت فيكسر أفق توقع القارئ .
*- خاتـــمة:
لقد
توصلت المداخلة إلى جملة من النقاط الهامة التي يجب أن يراعيها قارىء النص
الشعري القديم على وجه الخصوص لأنّ جلّ المناهج النقدية على اختلاف
مشاربها سعت» إلى التشبه بالعلم واستخدام أدواته والاستفادة من معادلاته
وأحكامه وأرقامه في مقابل مجافاة التأثيرات الذوقية وإنكار الرؤية
الذاتية«(29) وعلى العموم فإنّ معظم هذه الملاحظات النقدية كالآتي:
1-
ليس بمستطاع منهج نقدي واحد أن يستوعب الظاهرة الأدبية التراثية كلّها
سواء أكان ذلك المنهج نقدي قائما على معطيات معيارية أم على معطيات نصانية
جمالية لسانية .
2- يجب على الناقد السيميائي أن بجسّد رهافة الذوق
،وجمال الأداء النقدي وأصالته من خلال استنباط وتفحص العلاقات التأولية
التي تؤسس بنية النص التراثي خاصة الشعري منه.
3- يجب الإشارة إلى
عملية التكوين والتمرس على نقد النص الشعري العربي القديم التي يجب أن يقف
عليها صاحب العمل النقدي كثيرا وذلك من خلال الإكثار من العمليات النقدية
وعرضها على القرّاء الواعية ، والمؤسسة على عملية التفاعل النقدي بين
المبدع والناقد والمتلقي للنص ونقده .
4- وقوع نقدنا التراثي العربي
القديم تحت هيمنة المناهج النقدية الغربية، وكف حركته عن الإبداع لما هو
أصيل ومتفرّد ومنطلق من واقع همومنا الثقافية الخاصة ،وطبيعة النّص
الإبداعي ،وهذا كلّه من أجل إنهاء الغربة المنهجية التي يحياها نقدنا
العربي.
5- رغم تباين المناهج النقدية المعاصرة مرفولوجيا ،وتقنيا
إلاّ أنّها تتقاطع في العديد من القضايا التي أثارت فجوات نقدية يصعب
إغفالها منا رغم اختلاف العصر النقدي وتباين أدوات كل ناقد ،وتطور الأفاق
المعرفية واللّغوية للمبدع ،والناقد على الوجه الخاص لهذا كانت النصوص
الشعرية العربية القديمة المعروضة على الساحة النقدية تلقى ما تلقى من
أساليب التشريح ،والتعديل النقدي الذي إما يضيق من حلقة نقدها أو يوسعها أو
حتى يخرج بصاحب العمل الإبداعي عن المألوف من الأعمال،وهكذا تبقى عملية
النقد الأصيل في أخذ ورد بين الناقد والمبدع في ثنائية ضدية.
6-
عموما أنّ المناهج النقدية السياقية ،أو النصانية أو الأكاديمية أو
التأثرية كلّها متكاملة فيما بينها في حين تبقى الظاهرة الأدبية خاصة
القديمة منها صعبة المنال تتطلب مفهوما عاليا في الأصول النقدية وبناء
معرفي مركب يسمح للناقد بمسح كلّ حواشي النص الموضوع تحت العين الرقمية
للناقد الجاد» وفي
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر • المزيد!
المنهج النقدي السيميائي
من طرف المدير العام في الجمعة يوليو 15, 2011 12:31 pm
[center]"آلية تلقي النص الشعري العربي القديم في ضوء المنهج النقدي السيميائي " تقـديم الأستاذ: رضا عامر
تاريخ النشر : 2010-08-26
تقـديم الأستاذ: رضا عامر.
كلــية الآداب واللّــغات
قســم الأدب العـــربي. المركز الجـــامعي ميلة/ الجزائر.
*- الملّخــص:
شهد
الخطاب النقدي العربي تحولات كبرى في العقود الأخيرة من القرن
العشرين،وذلك لما أحدثه المنهج السيميائي الذي شكّل بعدا تثاقفيا بين الغرب
والشرق.
ومن هنا كان نقد "النصوص الشعرية القديمة" من القضايا
النقدية المهمّة التي خاض فيها النقاد المحدثون، وخاصة على ضوء المنهج
السيميائي الممارس على النصوص الشعرية العربية القديمة .
Résumé:
Le
discour critique arabe a connate des changements global dans les
dernières décennies du XXe siècle, et qui a créé la théorie sémiotique
pour lequel A former une dimension cultural entre l'Occident et
l'Orient.
Donc la critique du «ancient poets texts » est très
important dans les questions critiques moderns est principale dans la
théorie sémiotique l'accès aux caractéristiques du ancient arabe poets
texts.
*- تمهــيد:
شهد الخطاب
النقدي العربي المعاصر رجات وتحولات كبرى وعميقة في العقود الأخيرة من
القرن العشرين ،و ذلك بما أحدثته المناهج- السياقية والنصانية- الوافدة
إلينا من الغرب ، لينكب الدّارسون و النقاد لاستعمالها بمختلف قضاياها
وضمنياتها في مساءلة النصوص العربية القديمة والحديثة و قد كان "المنهج
السيميائي" من أهم المناهج التي شكلت بعدا تثاقفيا نقديا بين الغرب و
العرب،ومن ثم كانت النصوص الشعرية القديمة -خاصة- من القضايا النقدية
التحليلية التي خاض فيها نقادنا المحدثون وتأثروا بها بشكل أو بآخر،و ذلك
لما للنص الشعري القديم من أبعاد ثقافية تاريخية في الذاكرة الإبداعية
باعتباره أول محطة شعرية قديمة يقابلها المتلقي و الناقد على وجه
الخصوص،ومن هنا كان الاهتمام به أمرا حتميا من طرف النقد العربي المعاصر
لأنّه أوّل بدايات الأدب/ النص الشعري التي يمكن من خلالها الولوج إلى
معالم النص.
لهذا كان لابد من وجود أسس نقدية سليمة في تناول المنهج
السيميائي تسهل عملية الممارسة والتطبيق على النصوص الأدبية القديمة
الشعرية على وجه الخصوص، وتذكر لنا كتب النقد والدّراسات السّيميائية
العديد من المقالات التي نظرت وشخصت وطبقت آليات النقد السيميائي خاصة في
مجال تلقي النص الشعري القديم،وخلصت إلى نتائج هامة في كيفية تعاملنا
وتلقينا للنص القديم قي ضوء المنهج السيميائي الذي نهل منها نقادنا
المشارقة والمغاربة على السواء.
حيث الذين وظفوه فكلّ تطبيقاتهم
الشعرية والنثرية من النصوص الأدبية الجاهلية،حتى وقتنا الحالي، وصولا إلى
تأسيس رؤية نقدية سيميائية خاصة بسيمياء تلقي النص الإبداعي العربي القديم
موحدة بين النقاد ككل،وهذا من أجل توحيد عملية نقد واعي مؤسس على فنيات
ومصطلحات نقدية متعارف عليها سلفا بين الناقد والمتلقي في ضوء المنهج
السيميائي ونظرية التلقي.
المحور الأول:سيمياء الغرب و منهجها عند العرب
1-1.الإرهاصات التاريخية للمنهج السيميائي:
قبل
الحديث عن المنهج السيميائي يجدر بنا أولا أن نتطرق بإيجاز إلى السيمياء
عامة، ثم المنهج السيميائي، وهذا من خلال تناولنا آليات تحليله النصوص
الأدبية.
لا يختلف اثنان على أن المناهج النقدية الحديثة ومن بينها
المنهج السيميائي هي ثمرة ثقافة غربية (أوربيةأوأمريكية) وحصيلة حضارتها
المادية ،وأنها انتقلت إلى العالم العربي مثلها مثل باقي معالم الحضارة عن
طريق موجة التأثير الغربية التي هزت العالم العربي ،فلم يعد بوسعه إلا
التبني أو التقليد أو إعادة التصنيع – إن صح القول – بحسب ما يناسب الحضارة
العربية ،وهذا ما حدث عند ظهور علم السيمياء الذي عرفه الوطن العربي "منذ
منتصف السبعينيات".
إنّ العلاماتية أو » السيميائية، أو
السيميولوجيا أو السيميوطيقا، أوعلم الإشارة أو علم العلامات، أو علم
الأدلة« (1) كلها ترجمات لعلم واحد يُعْنَى بدراسة العلامات.
وليس
التفكير حول العلامات السيميائية ، ولادة معاصرة ، حيث توجد نظرية علاماتية
ضمنية في التأملات » اللسانية« (2) التقليدية في الصين والهند، واليونان،
ورومـا، كما أولى» السفسطائيون « (3) - مِنْ قَبْلُ - أهمية عظمى لهذه
القضية في بدايات التفكير حيث» نجد مصطلح سيميوطيقا Sémiotiké في اللغة
الأفلاطونية إلى جانب مصطلح Grammatiké الذي يعني تعلم القراءة والكتابة،
مندمجا مع الفلسفة أو فن التفكير« (4) .
ثم يأتي» أرسطو« (5) في كتابه
(العبارة) ليحدد العلاقة بين الألفاظ وبين العلامات ،وبين أشياء العالم
الخارجي إذ يقول: » إن الأصوات التي يخرجها الإنسان رموز لحالات نفسية،
والألفاظ المكتوبة هي رموز للألفاظ التي ينتجها الصوت وكما أن الكتابة ليست
واحدة عند البشر أجمعين ، فكذلك الألفاظ ليست واحدة هي الأخرى لكن حالات
النفس التي تعبر عنها هذه العلامات المباشرة متطابقة عند الجميع« (6) .
ويبدو
أن السيميوطيقا اليونانية لم يكن هدفها إلا تصنيف علامات الفكر لتوجيهها
في منطق فلسفي شامل ، كما أن القديس الجزائري" أوغستين 350م– 430م" ، قدم
تعريفات للعلامة ضمن أبحاثه في التأويل معتمدا على الفلاسفة اليونانيين كـ
"أرسطو" و» الرواقيين «(7) ، ثم يختفي مصطلح السيميوطيقا مدة طويلة ولا
يظهر إلا في دراسة الفيلسوف الإنجليزي" جون لوكJohn Loke (1632-1704) "
باسـم Sémiotiké» وبدلالة جدّ متشابهة لتلك التي قدمتها الفلسفة اليونانية
الأفلاطونية« ( .
وتعد
بداية الستينات من القرن العشرين البداية الفعلية لعلم العلامات في كل
أنحاء العالم، من خلال مصطلحين متداولين في الثقافة الغربية الفرنسية
والأمريكية، وهما مصطلحي (سيميولوجيا/ سيميوطيقا) إلى أن اتحدا باسم
السيميوطيقا بقرار اتخذته الجمعية العالمية للسيميوطيقا التي انعقدت في
باريس سنة 1969م، ومن الأعضاء النشطين في هذه الجمعية " يوري لوتمان
،أمبرتو إيكو والناقدة جوليا كريستيفا".
كما» انعقد بميلانو في إيطاليا
سنة 1973م ، أول مؤتمر عالمي للسيميوطيقا، وأثار هذا المؤتمر أهم مفاهيم
السيميولوجيا النظرية، والإجرائية« (9) ، حتى أن الجمعية الدولية التي
تأسست في فرنسا سنة 1974م ، اختارت لها اسم سيميوطيقا، ولم تختر اسم
سيميولوجيا، وإن كان المصطلحان متشابهين جدا سواء في سيميولوجيا دي سوسير
،أو سيميوطيقا بيرس ، فإنه لابد من الإشارة إلى ذلك الدور الذي لعبته في
حقل تطور هذا العلم، ومن ثم فقد عرف علماء الغرب (السيميولوجيا) تعريفات
متنوعة، لكنها تصب في منبع واحد فهي: "العلم الذي يدرس العلامات" ، وهذا ما
أشار إليه كل من " تزفيتان تودوروف، جوليان قريماس ، وكريستيان ميتز"،
وآخرون.
حيث إن السيميولوجيا تتكون » من الأصل اليوناني:"Sémeîon" الذي
يعني علامة، و " Logos " الذي يعني خطاب« (10) ،كما تعني أيضا ذلك » العلم
الذي يبحث في أنظمة العلامات لغوية كانت ، أو أيقونية ، أو حركية« (11) .
ويبدو
أن تعريف "جورج مونان" ، أوفى هذه التعريفات، إذ يحدد السيميولوجيا بأنها
»العلم العام الذي يدرس كل أنساق العلامات أو(الرموز) التي بفضلها يتحقق
التواصل بين الناس« (12) .
أمّا العلماء العرب ، ومن بينهم "صلاح فضل"
فقد عرفها بأنها » العلم الذي يدرس الأنظمة الرمزية في كل الإشارات الدالة،
وكيفية هذه الدلالة« (13) في حين ذهب " محمد السرغيني" بقوله: »
السيميولوجيا هي ذلك العلم الذي يبحث في أنظمة العلامات أيا كان مصدرها،
لغويًا، أو سننيًا، أو مؤشريًا« (14) ، ويبدو من خلال ما ذكر من تعاريف
سابقة، أن أصحابها يتفقون على أن السيميولوجيا أو السيميوطيقا علم يهتم
بالعلامة والأنظمة اللغوية،كما يشمل هذا العلم ميادين واسعة متباينة »
كعلامات الحيوانات ، علامات الشم، الاتصال بواسطة اللمس ، الاتصال البصري ،
أنماط الأصوات والتنغيم "intonation" ، والتشخيص الطبي حركات وأوضاع
الجسد، الموسيقى، اللّغات الصورية ، اللغات المكتوبة ، الأبجديات المجهولة ،
قواعد الأدب ، أنماط الأزياء«(15) .
وفي» نهاية القرن التاسع عشر،
وبداية القرن العشرين ارتبط ظهور علم العلامة بوجود عالمين يرجع الفضل
إليهما في ظهوره ، بالرغم من عدم معرفة كل منهما بالآخر« (16) حيث ينتهيان
إلى علم واحد بمصطلحين شائعين هما "Sémiologie" من "Sémion" اليونانية حسب
اللغوي فرديناند دي سوسير، "F. De Saussure" (1856-ت1913م)، ولقد حصر سوسير
هذا العلم في دراسة العلامات في دلالاتها الاجتماعية، أو"Sémiotics" حسب
"شارل ساندرس بيرس: "Ch. S. Pearce (1838-ت 1919م) الذي جعل العلامة تدرس
منطقيا.
وفي نهاية الأمر حدد غريماس الفارق بين المصطلحين في اللغة
الفرنسية، بأنْ جعل "السيميوطيقا" تحيل إلى الفروع؛ أي إلى الجانب العملي
والأبحاث المنجَزة حول العلامات اللفظية وغير اللفظية في حين استعمل
"السيميولوجيا" للدلالة على الأصول؛ أي على الإطار النظري العام لعلم
العلامات، وفرق آخرون بين المصطلحين على أساس أن "السيميولوجيا" تدرس
العلامات غير اللسانية كقانون السير، في حين تدرس "السيميوطيقا" الأنظمة
اللسانية كالنص الأدبي.
وينبغي الإشارة إلى أنّ السيميولوجيا السوسيرية
تعنى بعموم العلامات في نطاق المجتمع ،وهي بذلك ظاهرة سوسيولوجية والعلامة
اللغوية عند سوسير مركبة من طرفين متصلين يمثلان كيانا ثنائي المبنى ،الطرف
الأول هو إشارة مكتوبة ومنطوقة أي الصورة الصوتية للمسمى، والطرف الثاني
هو المدلول أو المفهوم الذي نعقله من الإشارة لها ويمكن تمثيل الفكرة
كالتالي :
أمّا سيميوطيقا بيرس فهي علم الإشارة الذي يضم جميع العلوم
الإنسانية ،الطبيعية وتبحث عن التأويلات المتتالية في أغوار النص ،بل
تتعداها إلى جميع العلامات الثانوية ومن هنا بدأ علم السيمياء علما مستقلا
بذاته على يد بيرس الذي جعل للعلامة أبعادا ثلاثا هي الممثل أو الدليل
والموضوع الذي يقابل المدلول ،في حين أن المؤول لا وجود له عند سوسير.
• والعلامة البيرسية مقسمة إلى ثلاث مستويات :
1/
الأيقونة:Icon وهي العلامة التي تحيل إلى الشيء الذي تشير إليه بفضل صفات
تمتلكها تتمثل في علاقة تشابه بين المصورة والمشار إليه، مثل الصور
الفوتوغرافية،والخرائط.
2/ المؤشر :Index وهو العلامة التي تدل على
الشيء الذي تشير إليه بفضل وقوع هذا الشيء عليها في الواقع حيث " تكون
العلاقة بين المصورة والمشار إليه سببية منطقية "(17) كدليل الدخان على
وجود النار.
3/ الرمزSymbole: وهو العلامة التي تحيل إلى الشيء الذي
تشير إليه بفضل القانون ،وغالبا ما يعتمد على التداعي بين الأفكار العامة
،ما يسميه بيرس باسم العادات ،أو القوانين أين تكون العلاقة بين الدال
والمدلول والمشار إليه محض علاقة عرفية غير معللة ،كدلالة البياض على
السلام .
وللسيمياء ثلاث اتجاهات :
أ- سيمياء التواصل: وأهم روادها جورج مونان وبريتو،وبويسنس ،ومارتينيه) ،ويقوم هذا الاتجاه على أن وظيفة اللسان الأساسية التواصل .
ب-
سيمياء الدلالة : يعدّ (رولان بارت ) زعيم هذا الاتجاه حيث يرى أن البحث
السيميائي هو دراسة الأنظمة الدالة وذلك من خلال التركيز على الثنائيات
اللسانية : اللغة/ الكلام ، الدال/ المدلول ،التقرير/ الإيحاء ،المركب /
النظام ...إلخ.
جـ- سيمياء الثقافة : يستفيد هذا الاتجاه من الفلسفة
الماركسية ،أهم روادها ( يوري لوتمان أمبرتوايكو، جوليا كريستيفا) ،يقوم
هذا الاتجاه على اعتبار الظواهر الثقافية موضوعات تواصلية ،وأنساقا دلالية .
وهكذا استوت السيمياء،وأصبح المنهج السيميائي الذي يعتمد العلامات السيميائية أهم عدة منهجية لطارق النصوص الأدبية .
1-2.المنهج السيميائي وآلية الممارسة الإجرائية :
شهد
الخطاب النقدي العربي القديم رجات ،وتحولات كبرى وعميقة في العقود الأخيرة
من القرن العشرين ،فتحولت عملية القراءة من قراءة أفقية معيارية إلى قراءة
عمودية متسائلة تحاول سبر أغوار النص .
ولا سبيل إلى هذا الفعل النقدي
إلا بالتسلح بالمنهج السيميائي الذي» يرفض التصورات النقدية التقليدية التي
تهتم بسيرة المؤلف« (18) ويعتبر النص بنية قابلة للتأويل فينظر إليه من
زاوية أنه » قطعة كتابية من إنتاج شخص أو أشخاص عند نقطة معينة من التاريخ
الإنساني وفي صورة معينة من الخطاب،ويستمد معانيه من الإيماءات التأويلية
لأفراد القراء الذين يستعملون الشفرات النحوية ،والدلالية ،والثقافية
المتاحة لهم« (19) .
فمن هذه النقطة بالذات اكتسب المنهج السيميائي في
خصوصية وأصبحت القراءة النقدية على ضوئه قراءة إنتاجية تحاول تقريب القراءة
من الكتابة ،فيصبح القارئ كاتبا ،ومنتجا ثانيا للنص،لأن القراءة
السيميولوجية تعتبر أن النص يحمل أسرارا كثيرة تستفز القارئ لفك رموزه
انطلاقا من فهم العلاقة الجدلية الموجودة بين الدال ،والمدلول ، وبين
الحاضر والغائب، فتبدأ عملية البحث عن المعنى الغائب انطلاقا من دراسة
الرموز التي تجعل الدلالة تنحرف باللغة الاصطلاحية إلى لغة ضمنية عميقة .
فـالمنهج
السيميائي في قراءة النص الأدبي » ينبثق من النص نفسه ويتموقع فيه بوصفه
شكلا من أشكال التواصل يربط علاقة تفاعل بين النص والقارئ لأن القارئ ينشط
على مستوى استنطاق الدال في النص مما يجعله يتفاعل مؤثرا في النص أو متأثرا
به « (20) ، والقراءة مصطلح متبدّل هو الآخر، فقد كان يعني شيئاً محدّداً
في القديم، ولكنه صار في عصر مابعد البنيوية، في عصر السيميولوجيا
والتفكيكية ونظرية التلقي، في عصر القراءة، صار يعني إقامة علاقة نقدية
مؤسسة بين القارئ والمقروء.
وعليه غدت المقروئية تأولية تفسيرية إلى حدّ
ما، وأصبحت القراءة بديلاً من النقد، فلكي تتمّ عملية القراءة الواعية
لابدّ من حضور طرفيها (النص- القارئ) حضوراً حواريّاً تفاعليّاً، ولايتمّ
هذا الحضور إلاّ إذا كان الطرف الأول (النّص) ثريّاً، وكان الطرف الثاني
(القارئ) في مستوى القراءة والتأويل، يحترم في المبدع قدرته على الحوار
والتواصل الفكري، كما يحترم في الوقت ذاته استقلالية عمله الأدبي وبهذا
تكون الأحكام النقدية التي يضعها في مضمار النص موضوعية ،وفق رؤية واعية
متمكنة من خوض آليات النقد دون تردد أو مبالغة نقدية،وهذا كلّه ضمن المنهج
النقدي المراد تطبيقه في عملية التحليل.
أمّا عن آلية التحليل
السيميائي فتختلف حسبا للجنس الأدبي المراد تحليله لكن هناك نقاط ربط
مشتركة بين جميع الأجناس والتي أشار إليها الناقد "على زغينه" في مقاله
"مناهج التحليل السيميائي" إذ جعل استعمال المنهج السيميائي على مرحلتين
هما كالآتي:
*المرحلة الأولى: هي مرحلة القراءة وهي قراءة تختلف عن
قراءة النقاد العادية بانفتاحها الدائم ويرجع هذا الانفتاح إلى عدة أسباب
أهمها أن النص يعني شيئا على مستويات عديدة في المكان وفي لحظات عديدة في
الزمان لذا تختلف كل قراءة عن أخرى.
*المرحلة الثانية: هي مرحلة
الانتقال من المادية إلى مرحلة المعنى وعلى هذا يمكن القول إن معنى الكلمات
التي نجدها في المعاجم ليس دائما نفس معنى الكلمات الذي نجده في التواصل
العقلي ، وعلم العلامات لا يهتم إلا بالمعنى الأخير»وهذا يعني أنه يمكن أن
يكون لـ: الدال الواحد مدلولات متعددة وأن كل قراءة جديدة يمكن أن تكون
تفسيرا مختلفا« (21) .
فالأصل في التحليل السيميولوجي هو تحليل
المقاطع والوحدات، و يتميز هذا التحليل» باعتماده على محور التوزيع فعندما
تجمع قطع التحليل المبعثرة يمكن إعادة بنائها (...) هكذا تتراكب القراءة
المقطعية(...) وتوجد داخل المقطع الواحد مقاطع صغرى،هي عبارة عن مجموعات
غير متحركة ،ولنقوم بتحليل أساسه المقاطع يجب أن نبدأ بقراءة النص كلمة ثم
نعيد بناءه (...) ونلاحظ عند التحليل أن بعض الأبنية تبرر أكثر من غيرها
،لذا يمكن ترتيبها وفقا لمجموعة من التيمات على محور التوزيع(...)، لكن يجب
أن يكون تحليل المقاطع تحليلا مفتوحا بمعنى ألا يكون منحازا وألا يصدر
أحكاما« (22).
كما أنّ هناك من يلجأ إلى آلية "التحليل اللساني" في
عملية تحليل النصوص ونقدها، من خلال تحليل الخطاب الأدبي الشعري أوالسردي
إلى مستويات أو بنيات هي كالآتيالصوتية،النحوية، الصرفية،التركيبية،الدلالية،) هذا ما نجده عند الناقدين"محمد الصغير بناني ورابح بوحوش"
إضافة إلى الناقد "بشير توريريت" الذي ينطلق في استنطاقه النص الأدبي من خلال عدة آليات إجرائية " فنية جمالية" مرتبة كالآتيسيمياء العنوان، سلم الاختيار والتأليف، سيمياء التضاد،سيمياء التركيب،سيمياء الإيقاع ).
وعموما
هذه ما هي إلا آليات اجتهادية،ورؤية نقدية حداثية في تحليل النصوص الأدبية
وفق المناهج النقدية النصانية، والمنهج السيميائي على وجه الخصوص وذلك من
خلال الآليات العديدة التي تسهم في تفكيك النص وبالتالي تأوليه شريطة أن
يتمتع المؤول بقدرة منهجية ومعرفية واصطلاحية معتبرة تغنيه في عملية
التأويل الموضوعي.
1-3. رواج المنهج السيميائي في الدّراسات النقدية العربية:
عرفت
الحركة النقدية المعاصرة رجة قوية بعد تسرب المنهج السيميائي إلى حدود
العالم العربي وتغلغله في الممارسات التحليلية النقدية للنصوص الشعرية
والروائية ،فانكب عدد من النقاد على التلقي النظري والإجرائي التطبيقي
لمعطيات هذا النهج الجديد .
وعلى هذا نجد أنّ الوطن العربي عرف
القراءات السيميائية منذ منتصف السبعينيات وأخذت تتأسس خلال ثمانينات-
القرن الماضي- من بوابة المغرب ،و من ثم المشرق العربي وهذا من خلال
الأقلام التي أسهمت في هدا الحقل ،نشير على وجه الخصوص لا التعميم لكل من »
محمد مفتاح ،وعبد الفتاح كليطو،ومحمد الماكري ،والسعيد بن كراد من المغرب
،وعلي العشي ،وسمير المرزوقي من تونس ،وإلى عبد المالك مرتاض وعبد القادر
فيدوح ، ،وعبد الحميد بورايو ،ورشيد بن مالك ،والطاهر روانية في الجزائر
وعبد الله الغذامي في السعودية ،ومحمد خير البقاعي من سوريا وهناك لبنانيون
،عراقيون ومصريون« (23) .
وبالرغم من الاهتمام البالغ من النقاد
العرب بهذا المنهج الجديد إذ وجدوا فيه ضالتهم في تحليل النصوص إلا أن
مشكلة غياب استراتجيات واضحة بأساسياته التي نشأ عليها في أوربا ظلت
المشكلة والعائق الأول في الاسترسال النقدي السيميولوجي نظرا لحداثة
الموضوع على الثقافة العربية النقدية المعاصرة فإننا نلاحظ الاختلاف في
ترجمة المصطلحات المتعلقة بحقل السيمياء ،بداية من مصطلح "السيميائية "
ذاته ،إذ تعددت الترجمات( كالعلاماتية ،الإشارتية ،علم العلامات) أو غيرها .
والسبب
في هذا الاختلاف هو أن » وضع المصطلحات السيميائية في العالم العربي يختلف
تماما عما عليه في أوربا ،إذ لم يرق بحكم التضارب الموجود في المصطلحات
المستعملة إلى بلورة نموذج مؤسس لخطاب علمي دقيق يضبط مفاهيمه ،وأدواته
الإجرائية الخاصة به سلفا « (24) .
وقد قام النقاد العرب أو
السيميائيون العرب بداية بترجمة بعض الكتب الغربية الخاصة بعلم السيمياء
وتأليف بعض الكتب اللسانية السيميائية ومن ثم تأليف بعض المعجمات للمصطلحات
الغربية وتعريبها ،ثم انتقلوا إلى التأليف النظري ،قبل أن يخصصوا مؤلفات
لتطبيق السيمياء على النصوص، وقد تناول "حفناوي بعلي" هذه الرحلة
السيميائية العربية في مقالته: (التجربة العربية في مجال السيمياء)» فذكر
ثلاثة أنواع من المصادر العربية الحديثة التي يمكن من خلالها دراسة واقع
مصطلح السيمياء« (25) .
أولا : ترجمات كتاب فرديناند دي سوسير "محاضرات في اللسانيات العامة"
فقد
عربه صالح القرمادي، محمد الشاوش، محمد عجينة من اللغة الفرنسية ونشر
بالدار العربية للكتاب بتونس سنة 1985م بعنوان " دروس في الألسنة العامة "
ثم عربه : أحمد نعيم الكرعين من جامعة (بيرزيت) بفلسطين نقلا عن اللّغة
الانجلزية ونشر بدار المعارف الجامعية بالإسكندرية سنة 1985م بعنوان "فصول
في علم اللغة " ثم تعريب يوسف غازي ومجيد النصر عن الفرنسية بعنوان محاضرات
في الألسنية العامة ،من نشر المؤسسة الجزائر للطباعة بالجزائر سنة1986م.
والملاحظ في الترجمات أنها لم تتفق في تعريب واحد لاسم الكتاب .
ثانيا : الكتب المؤلفة في اللسانيات والسيميائية والدلالة منها كالآتي:
* دروس في السيميائيات لـ : حنون مبارك ،المغرب1987م.
* الألسنية علم اللّغة الحديث – مبادؤها وأعلامها- لـ : ميشال زكرياء.
* المصطلحات اللغوية الحديثة في اللغة العربية لـ : محمد رشاد الحمزاوي 1977م .
ثالثا : معجمات المصطلحات
وهي تتخذ المصطلح الأجنبي منطلقا ومنها :
* » معجم المصطلحات علم اللغة الحديث ( عربي انجلزي / انجلزي عربي )« (26).
*» قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص (عربي/ انجلزي/ فرنسي ) للدكتور الجزائري رشيد بن مالك« (27)
* المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات (عربي/ انجلزي/ فرنسي) وضعه نخبة من الأساتذة العرب 1989م بتونس .
وسرعان
ما تطورت النظرة إلى المنهج السيميائي وازداد المثقفون العرب تعلقا به ما
جعل إصداراتهم الأدبية في حقل السيمياء ترتفع نوعا ما خاصة تلك التي يبدو
تأثرهم فيها واضحا برولان بارت الذي ترجموا كتابه "لذة النص " وتعددت
الترجمات : فصدرت أول ترجمة سنة 1986م في جريدة "المحور الثقافي " بالدار
البيضاء وقام بها محمد البكري ومحمد الهروشي ،ثم الترجمة الثانية سنة 1988
عن دار توبقال المغربية وقام بها فؤاد صفا والحسين سحبان .
وفي اتجاه
بارت السيميائي يقدم المغربي "محمد السرغيني "مجموعة من المحاضرات ويجمعها
في كتاب بعنوان "محاضرات في السيميولوجيا عام 1987م يبرز فيها نظرة بارت
السيميائية للقصيدة.
أما عن سيميوطيقا بيرس فنجد تأثر سيزا قاسم
ونصر حامد بها في كتابهما مدخل إلى السيميوطيقا 1986م ،وعن تطبيق
السيميولوجيا في الخطاب العربي يرى الناقد "حفناوي بعلي " أنّ الناقد "علي
العشي" يعد من» الرواد في تطبيقات السيميولوجيا الغربية على النص العربي من
خلال دراسته التي ظهرت عام 1976م بعنوان تحليل سيميائي للجزء الأول من
كتاب الأيام لطه حسين« (28) .
كما أنّ "عبد المالك مرتاض" طبق المنهج
السيميائي في كتابه "دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة "أنت ليلاي" وكتاب: "
ألف ليلة وليلة" – تحليل سيميائي تفكيكي- لحكاية "حمّال بغداد " وعبد
المالك مرتاض يستخدم السيميائية للكشف عن نظام العلامات في النص على أساس
أنها قائمة بذاتها فيه ،لا مجرد وسيط وذلك بتعريه البنية الفنية للنص
الأدبي » وصهرها في بوتقات التشاكل والتابين والتناص ،الإنزياح الذي يحرف
الدلالة عن موضعها«(29)،وغيرها من الدّراسات النقدية السيميائية التي مازال
البحث والكشف فيها قيد الدراسة بعد،أو تحتاج إلى إعادة قراءة كالنصوص
الشعرية القديمة التي مازالت تحتفظ في بنايتها العميقة بالكثير من القراءات
الواعدة ضمن مناهج النقد المعاصر وعلى الخصوص المنهج السيميائي.
-2- المحورالثاني: قراءة النص الشعري العربي القديم في ضوء المنهج السيميائي
تعدّ
المناهج النقديّة المعاصرة وسائل وأدوات مساعدة على سبر أغوار الظاهرة
الأدبيّة وليس غاية في حدِّ ذاتها، ففي البدء كان الخطاب الأدبي ثمّ كانت
الممارسة النقدية،التي لازمته وتطورت إلى مناهج النقد المتنوعة سياقية كانت
أونصانية من خلال البحث عن مقصدية الكاتب، واستقصاء تجليات الخطاب الأدبي،
واستقراء الظواهر الفنية، والفضاءات النصيّة داخل العمل الأدبي ، لهذا كان
فرض أي منهج على خطاب، أو عمل أدبي ما كفيل بتكريس عملية نقدية منحرفة،
ولغة واصفة عقيمة ومن هنا كان عمل الناقد السيميائي خصوصا تحرِّي الموضوعية
والروح العلمية في التعامل مع الظاهرة الأدبية لأنّه تعامل مع الذات
المنتجة وسط بيئة سياسية واجتماعية ،وتاريخية.
وعليه كان لازاما
على الناقد المعاصر يتحرى ويبحث وسط نظرية التلقي و المناهج النقدية
المعاصرة خاصة "الأسلوبـية أو البنيوية، أو التفكيكية ، أو السيميائية، أو
التداولية" وغيرها من المناهج التي تولي اهتماما بالنص على حساب الناص
"الكاتب"وذلك وفق آليات وأدوات إجرائية تتحقق مع النص الأدبي المراد
استنطاقه و تحديد القراءة النقدية المناسبة له، وهذا لن يتحقق إلاّ من خلال
الممارسات والتجارب النقدية المتواصلة التي يكتسبها الناقد من خلال تمرّسه
على مختلف النصوص الأدبية الشعرية أو السردية.
ومن هنا كان "المنهج
السيميائي" من بين مجموع المناهج النقدية المعاصرة التي تخصص فيها كثير من
الباحثين تنظيرا وتطبيقا، في العديد من الملتقيات والندوات واللّقاء
النقدية العلمية،التي نذكر منها:"الملتقى الدولي ،السيمياء والنص الأدبي،
بطبعاته الخمس المنعقد كلّ سنتين بكليّة الآداب واللّغات بقسم الأدب العربي
جامعة بسكرة – بداية من سنة 2000 إلى غاية سنة 2008-" المخصص للمقاربات
السيميائية الشعرية والسردية قديمها وحديثها من خلال فهم آلياته النقدية
،وخوض مجال النقد والتمرس في تحديد أدواته الإجرائية من أجل ممارسة نقدية
جادة، تبحث في تراثنا العربي الإبداعي بشكل يجعل منه محل الدّراسة
والتحليل،والتأصيل لبعض قضايا الإبداع والنقد الراهن من خلال مساءلة النصوص
التراثية التي كانت ومازالت تشكل عائقا في عملية الممارسة والتنظير النقدي
النصّاني.
2.1- قراءة نقدية في بعض دراسات الملتقى السيميائي للنصوص الشعرية القديمة:
يعدّ
المنهج السيميائي من بين المناهج النصانية التي رافقت النص الشعري العربي
القديم خاصة في عملية التحليل والتفكيك للرموز والإشارات الضمنية التي
يحملها النص المراد استنطاقه بها، وهذا وفق أسس إجرائية تبحث في معاني
ومغاليق الفواتح والخواتم النصية الشعرية لتفجر من خلالها دلالات النص
والبحث في كنهه وكشف البنى العميقة ،ومحولة تأسيس قراءة نصانية واعية
يتقبلها النص والمتلقي ،إذ ارتكز تحليل المداخلة على قراءة نقدية لجملة من
المقالات النقدية التي حللت النص الشعري القديم تحليلا سيميائيا.
إذ
تناول بعضهم مجال التحليل الجمالي الفني والبعض الآخر أخذ بالتحليل
اللّساني القائم على آلية التفكيك، وإعادة قراءة النص الأدبي ضمن المستويات
اللّسانية أو القراءة الجمالية للنص من خلال مرتكز التناص بأشكاله وأنواعه
ومستوياته أو الخوض في ظاهره خرق لغة النص، وذلك بتحليل جميع الإنزياحات
اللّغوية انطلاقا من الانزياح الصوتي وصولا إلى البلاغي والدلالي منه ،وكلّ
هذه الدراسات السالفة للذكر صنفت في الجدول الآتي للذكر:
عدد الملتقى السيميائي المقال المدرج في فعاليات الملتقى صاحــب المــقال الصفحة
الملتقى الوطني الثاني السيمياء والنص الأدبي:
15-16 أفريل2002 م
جامعة محمد خيضر بسكرة
في سيمياء الشعر العربي القديم التحليل النّصي لجزء من بائية ابن خفاجة الأندلسي د.سعد بوفلاقة.
بنية التشاكل والتقابل في مقدّمة معلقة عبيد بن الأبرص أ.منصوري مصطفى 333
الملتقى الوطني الثالث السيمياء والنص الأدبي:
19-20 أفريل2004 م
جامعة محمد خيضر بسكرة مقاربة سيميائية أنتربواوجية لنصوص الشعر الجاهلي
أ.لولاسي هوارية
الملتقى الوطني الرابع
السيمياء والنص الأدبي:
28- 29 نوفمبر2006م جامعة محمد خيضر بسكرة سيميائية الصراع في تائية الشنفرى
. عادل محلو
الملاحظ
عموما على بعض الدراسات السيميائية الموثقة في الملتقى السيميائي الدولي
المبينة في الجدول السالف للذكر أنها تميّزت بجملة من المحاسن، والمآخذ
النقدية التي بمكن حصرها فيما يأتي:
1- الدّراسات النقدية للنصوص
الشعرية القديمة تكاد تكون منعدمة تماما من الدراسة والنقد والتحليل ،وهذا
يعود في الأساس للتخوف من خوض هذا النوع من الدراسة وانعدام روح المبادرة
والتخصص من النقاد والبحثين وحتى المشرفين والقائمين على أعمال وفعاليات
هذا الملتقى من خلال إقحام النقاد والبحثين في تحليل ومساءلة النصوص القديم
علاماتيا مما ترك فراغا ابستومولوجيا في الذاكرة النقدية.
2- أغلب
الدّراسات التي تناولت النصوص الشعرية القديم على قلّتها تكاد تخلو من
منهجية نقدية مؤسسة على نظرية إجرائية للمارسة النقدية الجادة، فهي تارة
إمّا ممارسة نقدية لسانية تعالج النص الشعري القديم من ناحية المستويات
اللسانية أو هي معالجة فنيّة جمالية تترتكز على بؤرة العنوان وفاتحته
وخاتمته النصية ،وعموما تبقى محولات نقدية جريئة من قبل أصحابه فتحوا الباب
على لمن يأتي بعدهم للنقد والمعالجة والترجيح النقدي.
3- لقد كانت
جلّ هذه الدّراسات فاتحة نقدية تتسم بالعلمية والموضوعية إلاّ أنها تنعدم
فيها رؤية نقدية وآلية إجرائية متفق عليها سلفا في تناول هذا النوع من
النصوص القديم وخاصة الشعرية التراثية منها،إذ كان التخوف الذي لمستاه في
جلّ هذه الملتقيات السيميائية بداية من سنة: (2000م إلى غاية 2008م) يعود
في أساسه إلى عدم وجود منحى نقدي بارز يؤدي دورا فعالا في التنظير والتطبيق
للنص الشعري القديم وكيفية تذوقه نقديا ضمن المنهج السيميائي،ومن ثم بعث
قراءة تأولية لكل مقاطعه الشعرية قاطبة.
4- تبقى العملية النقدية
للملتقى السيميائي للنصوص الشعرية القديمة هي محولات نقدية مازالت بحاجة
للتأصيل ومن يأخذ بيدها من النقاد المتمرسين في نقد النصوص الشعرية العربية
النقدية في ظلّ المناهج النقدية النصانية ،ومن هنا كان لزاما على البحثين
خوض مفاتيح النقد السيميائي تدريجيا حتى تنبني رؤية ممنهجة للتحليل وكشف
جميع الشفرات والتأويلات النقدية وتفكيكها للمتلقي الذي يبحث في خفايا هذا
النوع من النصوص.
5- لابدّ من الاتفاق المسبق على آليات التحليل
النقدي للنصوص الشعرية القديم من خلال المزاوجة بينما هو لساني وما هو
جمالي فني أثناء عملية التحليل ،وذلك لأنّ النص القديم له خصوصيته الفكرية
التي تختلف شكلا ومضمونا عن النص الشعري الحداثي،ومن ثم عدم استنطاقه بما
لايحتمل من التأويلات النقدية والمضامين الفكرية والبلاغية،صحيح نجد النصوص
الشعرية التراثية لها سعة في الخيال ،ومتسع من الآلام النفسية التي تبحث
عن الذات المستقبلية ضمن استشرافات النص ،فهذا كلّه لايعطينا الحق في
التحامل عليه نقديا أو تحميله بما لاتقبله تلك النصوص لطابعها الجمالي
واللّساني.
وعليه لايتأسس العمل الإبداعي إلا من خلال المشاركة
التواصلية الفعالة بين المؤلف والنص والجمهور القارئ، ويدل هذا على أن
العمل الإبداعي يتكون من عنصرين أساسين: النص الذي قوامه المعنى وهو يشكل
أيضا تجربة الكاتب الواقعية والخيالية والقارئ الذي يتقبل آثار النص سواء
أكانت إيجابية أم سلبية في شكل استجابات شعورية ونفسية ( ارتياح - غضب -
متعة - تهييج - نقد - رضى...) ، وهذا يجعل النص الأدبي يرتكز على الملفوظ
اللغوي/ النص والتأثير الشعوري (القارئ) في شكل ردود تجاه حمولات النص.
وهذا
إن دل على شيء فإنما يدل على أن العمل الأدبي يتموقع في الوسط بين النص
والقراءة من خلال التفاعل الحميمي والوجداني الاتصالي بين الذات والموضوع
أي النص والقارئ، ومن ثم فالعمل الأدبي أكبر من النص وأكبر من القراءة، بل
هو ذلك الاتصال التفاعلي بينهما في بوتقة منصهرة واحدة، وإذا كانت المناهج
النصانية الأخرى تركز على اتجاه واحد في القراءة من النص إلى القارئ فإن
منهجية التقبل والقراءة تنطلق من خطين مزدوجين متبادلين: من النص إلى
القارئ ومن القارئ إلى النص على غرار القراءة الظاهراتية
(الفينومينولوجية)، ولا يحقق نص المؤلف مقصديته ووظيفته الجمالية إلا من
خلال فعل التحقق القرائي وتجسيده عبر عمليات ملء الفراغات والبياضات وتحديد
ماهو غير محدد، وإثبات ما هو منفي، والتأرجح بين الإخفاء والكشف على مستوى
استخلاص المعاني عن طريق الفهم والتأويل العلاماتي والتطبيق الفني
والجمالي اللساني لكل مستويات النص اللّغوية والجمالية.
كما أنّ
العلاماتية ونظرية التلقي تؤكّدان على المشاركة الفعالة بين النص الذي ألفه
المبدع والقارئ المتلقي، وهذا من خلال إعادة الاعتبار له (المبدع)
باعتباره هوالمرسل إليه والمستقبل للنص ومستهلكه وهو كذلك القارئ الحقيقي
له: تلذذا ونقدا وتفاعلا وحوارا، ويعني هذا أن العمل الأدبي لا تكتمل حياته
وحركته الإبداعية إلا عن طريق القراءة وإعادة الإنتاج من جديد؛ لأن المؤلف
ماهو إلا قارئ للأعمال السابقة وهذا ما يجعل التناص يلغي أبوة النصوص
ومالكيها الأصليين، ويرى 'إيزر' أن العمل الأدبي له قطبان: قطب فني وقطب
جمالي، فالقطب الفني يكمن في النص الذي يخلقه المؤلف من خلال البناء اللغوي
وتسييجه بالدلالات والتيمات المضمونية قصد تبليغ القارئ بحمولات النص
المعرفية والإيديولوجية، أي إن القطب الفني يحمل معنى ودلالة وبناء شكليا.
أمّا
القطب الجمالي، فيكمن في عملية القراءة التي تخرج النص من حالته المجردة
إلى حالته الملموسة، أي يتحقق بصريا وذهنيا عبر استيعاب النص وفهمه
وتأويله. ويقوم التأويل بدور مهم في استخلاص صورة المعنى المتخيل عبر سبر
أغوار النص واستكناه دلالاته والبحث عن المعاني الخفية والواضحة عبر ملء
البيضات والفراغات للحصول على مقصود النص وتأويله انطلاقا من تجربة القارئ
الخيالية والواقعية. ويجعل التأويل من القراءة فعلا حدثيا نسبيا لا يدعي
امتلاك الحقيقة المطلقة أو الوحيدة المتعالية عن الزمان والمكان. لأن
القراءة تختلف في الزمان والمكان حسب طبيعة القراء ونوعيتهم. لذلك يرى"
أمبرتو إيكو" U.ECO أنّ هناك أنماطا من القراءة والقراء في دراساته عن النص
المفتوح والنص الغائب.
2.2- آلية قراءة النصوص الشعرية القديمة في ظلّ المنهج السيميائي:
إنّ
تطبيق المستويات الإجرائية للمنهج السيميائي على النصوص الإبداعية الشعرية
تبقى عملية معرفية معقّدة تختلف في تقنياتها من باحث لآخر ،ومن المعلوم
أنّ النصوص الأدبية كلها تقبل عملية التحليل اللّساني الذي يصبّ في دائرة
النقد النصّاني ، ومع ذلك نجد جلّ النقاد مازالوا يخوضون في مسألة أدوات
الممارسة النقدية لأنّها لم تتأسس عند البعض منهم لاختلاف الرؤى والمشارب
المعرفية عند كل ناقد ومن كانت رؤيتنا لهذه الآليات النقدية تتمثل في الجمع
بين ماهو لساني، وماهو فنّي جمالي وهي مصنفة كالآتي:
أولا - بنية العنوان:"Structure du titre"
يُعَدّ
النص الشعري آلة للقراءة العنوان إذ تربطهما علاقة تكاملية، فالنص الشعري
يتكون من نصين يشيران إلى دلالة واحدة في تماثلهما مختلفة في قراءاتهما
هما: (النص وعنوانه)، أحدهما مقيد موجز مكثف ، والآخر طويل ولعل صفحة كل
غلاف تعطينا انطباعا يجعل من أغوار أي عمل إبداعي يعد نظاما سيميائيا ذا
أبعاد دلالية، وأخرى رمزية، تغري الباحث بتتبع دلالاته، ومحاولة فك شفراته
الرامزة.
لهذا يرى السيميولوجيون أن » العنوان والنص والإخراج
الطباعي والإشارات والصور«(28)، أجزاء لا تتجزأ من الخطاب الأدبي، وهذه
الرموز اللغوية المميزة لكل عمل إبداعي هي دلالات واضحة في سلم العمل
اللغوي لهذا نجد أن "الطباعة واللون والغلاف والعنوان كلها عتبات" لفك
شفرات العمل الأدبي،وتبقى عتبة العنوان النصي أهم منافذ النص المدروس وذلك
بتقسيمه إلى ثلاثة مفاتيح علاماتية هي كالآتي:
1- بؤرة العنوان:وذلك
من خلال استنطاق عنوان النص الشعري ،وفك شفراته العلاماتية، وربطها بمتن
النص ،وعموما كلّ عناوين النصوص الشعرية القديمة هي فواتح النصوص
الأدبية،إن لم نقل جلّها بداية بشعر الصعاليك والمعلقات.
2- الفاتحة
النصية: تتناول البيت الأوّل من القصيدة ،حيث يطرح فيها الشاعر العديد من
الأسئلة التي تبحث عن جواب،أوذكريات لم تندمل بعد أو حنين، وشوق محمّل
بالوصل والعتاب النفسي المشفّر بكلّ الدلالات ،والرموز المغلوقة التي تبحث
عن مفاتيح لتفجير هذه المعاني النصية وسط متاهات ذات الشاعرة ،ورؤيته
للعالم بعيون المستفهم الحاضر/ الغائب.
3- الخاتمة النصيّة:هذه
الأخيرة تبحث في خاتمة النص الشعري لتقدّم إجابات شافية لماطرحه الشاعر من
حيرة ،وأسئلة تبحث عن مخرج من هذا المأزق النفسي الذي يتجرع مرارته الشاعر
في كلّ ذكرى من مخياله الشعري المتأزم بمرارة الشوق والحنين والجفاء الذي
يعيشه في وسط تترمّز فيه كل المشاعر الإنسانية لتصبح كل معانيه علل،وزحفات
يتعثر فيها وسط الإخفقات العاطفية التي تبحث عنها السيمياء،وتعطيها
تفسيراتها وقراءتها وفق منهجية علمية ممنهجة على آليات متفق عليها سلفا بين
المتلقي والناقد.
ثانيا- البنية الصوتية " Structure Phonétique " :
تقتضي
طبيعة التحليل اللغوي للعنوان كنص مصغر البدء بأصغر وحدة صوتية في النظام
اللغوي إلى أعلى مراتب التركيب ،وهو الدافع للباحث عند تتبعه لمعاني
الألفاظ إلى الانطلاق من الصوت اللغوي الذي يعد أصغر وحدة صوتية عن طريقها
يمكن التفريق بين المعاني ،إضافة إلى كونه أساس اللغة،وعمود بنائها.
ومبحث
الأصوات هو المستوى الأول من المستويات التحليل إذ يعد الخطوة الأولى
للمحلل السيميائي لما للصوت من قيمة تعبيرية تنطلق منه ثم تطغى على اللفظة
التي تحويه وقد يتعداها ليعم التركيب ،فالأصوات تناسب معاني ألفاظها
والعلاقة بينهما متبادلة وجدلية.
ثالثا- البنية التركيبية "structure syntaxique" :
يعدّ
الحديث عن البنية التركيبية حديثا عن النحو- وخصوصا الجملة النحوية
وسياقاتها- الذي يعرفه الشريف الجرجاني بأنه "علم بقوانين يعرف بها أحوال
التراكيب العربية من الإعراب والبناء "(1).
والبحث في البنية
التركيبية لأي نص يحيلنا إلى دراسة جملة بوصفها الوحدة اللغوية الأساسية في
عملية التواصل ،فقيمتها في المستوى التركيبي كقيمة الصوت في المستوى
الصوتي ،وقيمة الكلمة في المستوى الصرفي، وعلى هذا التحليل التركيبي
للعناوين يعتمد على تصنيف الجمل اسمية، فعلية، شرطية وظرفية .
رابعا- البنية الصرفية"Structure Morphologique":
يتناول
فيها الباحث دراسة صيغ الأفعال ،وما تتعرض لها من تغييرات عند إسنادها
للضمائر،وتحديد أقسام الفعل من حيث الزيادة،والتجريد ودراسة خصائص الأسماء
من تنكير وتعريف، ومن تذكير وتأنيث، وبيان اللواحق الدالة على التأنيث،
ويبين أقسام الاسم من حيث العدد، فيبين طرق التثنية، والجموع التي منها ما
يكون بإلحاق لاحقة، وهو جمع السلامة، ومنها ما يكون بتغيير داخلي في لفظ
المفرد، وهو جمع التكسير.
وتناول الظواهر الصرفية مثل: ظاهرة
التصغير، فيبين التغييرات التي تطرأ على الاسم عند تصغيره، ودراسة ظاهرة
النسب، وتبيين التغييرات التي تجري على الاسم بسبب إلصاق لاحقة
النسب،والتركيز على المشتقات من"اسم الفاعل،اسم المفعول،الصفة المشبهة،اسما
الزمان والمكان،صيغ المبالغة،المصدر الميمي والصناعي،اسم المرة
والهيئة،اسم الآلة".
خامسا- البنية الدلالية "structure sémantique":
الحقل
الدلالي مجموعة من الوحدات المعجمية التي تشمل على مفاهيم تندرج تحت مفهوم
عام يحدد الحقل ،أي أنه مجموع الكلمات التي تترابط فيما بينها من حيث
التقارب الدلالي ويجمعها مفهوم عام تظل متصلة به ولا تفهم إلا في ضوئه
،فالدارس السيميائي عليه أن يصنف مجموع الكلمات في المتن ،أو المتون
الشعرية التي يصنفها إلى حقول دلالية خاصة بالمعنى الذي يجمع كل مجموعة
لتسهيل المقاربة النقدية ، والتقريب من مفاتيح التأويل .
سادسا- البنية الموسيقية "Structure Harmony
إذ
يكون الحديث فيها عن موسيقى النص الشعري من خلال ثنائية "الوزن
والقافية"،وعلاقتهما بالنص الشعري علامتيا،وكشف صورهما التأولية النصانية
تدريجيا،من خلال ظاهرتي "التنغيم والغنة"،كلّ هذا وعلاقته سيميائيا بالنص
الشعري وبنيته العميقة.
سابعا- جماليات النص الشعري:
أولا-التناص
: يشكل التناص بعدا جماليا للعنوان إذ يسبح في عدة مرجعيات و يشير إلى
الفاعلية المتبادلة بين النصوص ليؤكد عدم انغلاق النص على نفسه وانفتاحه
على غيره من النصوص ،وفكرة التناص كما يرى النقاد المحدثون تعتبر توسعا
لمعنى التأثير والتأثر ،لا كما ذهب القدماء إلى قضية الانتحال والسرقات
فهناك من العناوين ما يضرب صلته بأبعاد ومرجعيات (دينية –
فكرية-أدبية-أسطورية) فيصعب على القارئ الدخول إلى النص إلا إذا كان متسلحا
بقدر من الثقافة .
ثانيا-الانزياح : يعدّ الانزياح ظاهرة أسلوبية
جمالية ،وهو يعني الخروج عن الاستعمال العادي المألوف للغة النثرية ،والرقي
بها إلى المستوى قريب من اللغة الشعرية ،يعتمد على قوة الخيال في تحويل
الصور والمفاهيم بغية التأثير التجميلي للمتون الروائية والشعرية خاصة ،وهو
يقدم على المفاجأة والتغير وعدم الثبوت فيكسر أفق توقع القارئ .
*- خاتـــمة:
لقد
توصلت المداخلة إلى جملة من النقاط الهامة التي يجب أن يراعيها قارىء النص
الشعري القديم على وجه الخصوص لأنّ جلّ المناهج النقدية على اختلاف
مشاربها سعت» إلى التشبه بالعلم واستخدام أدواته والاستفادة من معادلاته
وأحكامه وأرقامه في مقابل مجافاة التأثيرات الذوقية وإنكار الرؤية
الذاتية«(29) وعلى العموم فإنّ معظم هذه الملاحظات النقدية كالآتي:
1-
ليس بمستطاع منهج نقدي واحد أن يستوعب الظاهرة الأدبية التراثية كلّها
سواء أكان ذلك المنهج نقدي قائما على معطيات معيارية أم على معطيات نصانية
جمالية لسانية .
2- يجب على الناقد السيميائي أن بجسّد رهافة الذوق
،وجمال الأداء النقدي وأصالته من خلال استنباط وتفحص العلاقات التأولية
التي تؤسس بنية النص التراثي خاصة الشعري منه.
3- يجب الإشارة إلى
عملية التكوين والتمرس على نقد النص الشعري العربي القديم التي يجب أن يقف
عليها صاحب العمل النقدي كثيرا وذلك من خلال الإكثار من العمليات النقدية
وعرضها على القرّاء الواعية ، والمؤسسة على عملية التفاعل النقدي بين
المبدع والناقد والمتلقي للنص ونقده .
4- وقوع نقدنا التراثي العربي
القديم تحت هيمنة المناهج النقدية الغربية، وكف حركته عن الإبداع لما هو
أصيل ومتفرّد ومنطلق من واقع همومنا الثقافية الخاصة ،وطبيعة النّص
الإبداعي ،وهذا كلّه من أجل إنهاء الغربة المنهجية التي يحياها نقدنا
العربي.
5- رغم تباين المناهج النقدية المعاصرة مرفولوجيا ،وتقنيا
إلاّ أنّها تتقاطع في العديد من القضايا التي أثارت فجوات نقدية يصعب
إغفالها منا رغم اختلاف العصر النقدي وتباين أدوات كل ناقد ،وتطور الأفاق
المعرفية واللّغوية للمبدع ،والناقد على الوجه الخاص لهذا كانت النصوص
الشعرية العربية القديمة المعروضة على الساحة النقدية تلقى ما تلقى من
أساليب التشريح ،والتعديل النقدي الذي إما يضيق من حلقة نقدها أو يوسعها أو
حتى يخرج بصاحب العمل الإبداعي عن المألوف من الأعمال،وهكذا تبقى عملية
النقد الأصيل في أخذ ورد بين الناقد والمبدع في ثنائية ضدية.
6-
عموما أنّ المناهج النقدية السياقية ،أو النصانية أو الأكاديمية أو
التأثرية كلّها متكاملة فيما بينها في حين تبقى الظاهرة الأدبية خاصة
القديمة منها صعبة المنال تتطلب مفهوما عاليا في الأصول النقدية وبناء
معرفي مركب يسمح للناقد بمسح كلّ حواشي النص الموضوع تحت العين الرقمية
للناقد الجاد» وفي