منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تدوين الحروب في الشعر الجاهلي - د.عبد الله محمود حسين

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تدوين الحروب في الشعر الجاهلي - د.عبد الله محمود حسين Empty تدوين الحروب في الشعر الجاهلي - د.عبد الله محمود حسين

    مُساهمة   الخميس فبراير 09, 2012 2:00 pm

    [center]تدوين الحروب في الشعر الجاهلي - د.عبد الله محمود حسين
    تمهيد:
    عرف العرب الكتابة منذ أقدم العصور، وما تزال
    الآثار العربية القديمة تقدم لنا كل يوم العديد من الأدلة والبراهين على
    الكتابة العربية واستخدامها، كما عرفتها العديد من الشعوب، والتي يعود فيها
    الفضل الأول والكبير لهم، لإسدائهم تلك المنة العظيمة للإنسانية
    والمجتمعات البشرية من خلال الأبجدية التي أوجدها أسلافنا السابقون، ومنها
    أخذت تتطور عبر العصور، حتى وصلت إلى الأبجدية الحالية التي نستخدمها في
    أيامنا هذه.

    كذلك عرف العرب الحرب، وخاضوا غمارها وبرعوا
    فيها، ونقلت لنا روايات كثيرة عنها عبر الشعر والخطابة لفترة ما قبل
    الإسلام إضافة لبعض المنحوتات التي وجدت في المقابر والآثار القديمة، وعبر
    المدونات الدينية والتاريخية والشعر وغيرها من فنون الكتابة التي عرفها
    العرب في الفترة التالية لظهور وانتشار الإسلام.

    *الفترة الجاهلية:
    انتشرت القبائل العربية فوق رقعة من الأرض لها
    خصائص معينة جغرافياً وبشرياً وعمرانياً، وكل واحدة من تلك أثرت بشتى الصور
    والأشكال مع غيرها في السياق الحياتي لعملية الوجود العربي في جزيرة العرب
    أولاً وغيرها من الأصقاع الأخرى، ومن ثم فرضت من خلال طابعها الجغرافي
    الاقتصادي ظروفاً قاسية على ساكنيها أو مرتاديها، وتطلبت شروطاً معينة
    للتأقلم مع هذه البيئة الأصلية أو الجديدة على تلك القبائل، التي هاجر
    الكثيرون منها وانساحوا فوق العديد من البقاع لتأمين أبسط المتطلبات
    الحياتية الضرورية لهم ولأنعامهم، والتي كان يقف على رأسها الماء والكلأ..

    أضحت تلك المناطق الوفيرة الماء ومن ثم الكلأ
    موئلاً يقصده كل طالب لهما، ونظراً لقلة أعدادها قياساً إلى تلك المساحات
    الشاسعة والمترامية الأطراف الممتدة من أقصى حدود اليمن إلى خليج عُمان،
    ومن أعالي الجزيرة السورية حتى أواسط الصحراء الأفريقية، فقد غدت هذه
    الواحات المخضوضرة في وسط ذلك الامتداد الصحراوي الكبير مطمحاً لشيوخ
    القبائل، كلٌ يروم الحصول على واحدة منها أو قسم منها، وعلى الأقل المشاركة
    في الاستفادة من خيراتها لصالح قبيلته، ومن هنا ازدادت عوامل التنافس
    والتي كانت في الكثير من الأعم تنقلب إلى قتال داهم، تطول فصوله بمأساوية
    لا حدود لها. وهكذا كانت تلك واحدة من بواعث ودواعي نشوب الحروب والقتال
    بين القبائل العربية أنى كانت ديارهم ومواطنهم سعياً وراء تحقيق أكبر قدر
    من الموارد المعاشية لهم ولعشائرهم وذراريها وأنعامها. كما أسهمت هذه البؤر
    الحياتية بدور حياتي كبير على صعيد القبائل العربية، كذلك فقد نجم عن هذا
    التجميع قيام تجمعات حضارية رائدة قامت حول هذه الغدران المائية أو الدلتات
    النهرية التي وفرت لمرتاديها أبسط متطلبات الحياة، فقامت هنا وهناك العديد
    من كبريات الحضارات والدول التي عرفتها الأمم عبر تاريخ البشرية الطويل،
    فعلى أراضي ما بين النهرين قامت الامبراطوريات والحضارات الكلدانية
    والبابلية والآشورية، وعلى دلتا النيل قامت الامبراطورية والحضارة
    الفرعونية، وفي الحيرة أقام المناذرة دولتهم، وتدمر عروس الصحراء عرفت
    واحدة من كبريات الدول، وذات الشيء في منطقة البتراء حيث أسس الأنباط دولة
    وحضارة، كما سبق أن ظهرت في دمشق وحماة وحمص وحلب وصيدا وصور وجبيل والقدس
    واللاذقية وماري وإيبلا وقرطاجة وغيرها العديد من الممالك والامبراطوريات
    التي تركت بصمات واضحة وهامة على صفحات التاريخ البشري والحضارة الإنسانية
    ومازالت الكثير من شواهدها المادية العمرانية منها والمكتوبة تشير إليها
    وإلى عراقتها ودورها في المسيرة الإنسانية وإسهاماتها الكبيرة في هذا
    الميدان.

    *تدوين الحرب العربية:
    كما سبق الإشارة إليه أعلاه، فإن قسماً كبيراً
    من الحروب القبلية التي دارت رحاها بين العرب أنفسهم أو مجاوريهم، كان
    الباعث إليها على وجه العموم هو العامل الاقتصادي، من أجل الماء والطعام،
    لذا كان طبيعياً أن يتمرس أبناء القبائل في بيئاتهم المختلفة والشديدة
    القسوة، على تحمل الظروف والتأقلم معها، وفي ذات الوقت الاستعداد للذود عن
    حمى الظعينة ورد غارات الطامعين في مواردها الحياتية، لهذا، كانت القبائل
    تعمل على تنشئة أولادها ومنذ سنوات مبكرة على ركوب الخيل واستخدام الأسلحة
    الفردية المعروفة وإتقان استعمالها، وكان يشرف على تلك التدريبات بعض من
    فرسان القبيلة المعدودين، أو كان الآباء يقومون بتعليم أولادهم فنون القتال
    وأساليب الطعن والطراد

    في ميادين التدريب المجاورة لحمى قبائلهم. تبارت
    القبائل في الإشادة بمآثر رجالها الشجعان من خلال وسائل الإعلام المتوفرة
    وقتذاك، والتي كان الشعراء والخطباء هم أبرز أدواتها، فعن طريقهم كانت تنقل
    أخبار القبائل عبر الفيافي والقفار، أو من خلال الأسواق التي كانت تعقد في
    أيام معلومة كسوق عكاظ وغيره حيث يتولى الشعراء والخطباء نقل تلك الأخبار
    عبر قصائد أو خطب تقال في هذه المناسبة أو تشيد بمناقب أحد رجالات القبيلة
    وبطولاته والأعمال التي قام بها في لقاء مع عدو ودوره في الذود عن حمى
    القبيلة ورد غارات المعتدين، ويُعرّج الشعراء أو الخطباء على الحديث عن
    وسائط القتال المستخدمة سواء كانت سيوفاً أم رماحاً ونبالاً وغيرها، وكذلك
    بالحديث عن الخيول وصفاتها وأسمائها وغير ذلك. ومن هنا، ولأهمية الشعراء
    وقتذاك، كانت القبائل تفخر وتتباهى عندما يبرز من بين أبنائها شاعر كبير
    يلقى شعره الذيوع والانتشار، حيث يمثل في حينه واحدة من أقوى وسائل الإعلام
    والنشر السريعة الانتشار والذائعة الشيوع والاستعمال. بل وأكثر من ذلك
    فكلما زاد عدد الشعراء في قبيلة من القبائل ازدادت تيهاً وتفاخراً بهم بين
    أقرانها من القبائل الأخرى. لذا فقد كان الشعر والخطابة، هما الوعاءان
    اللذان بهما ومن خلالهما وصلتنا الكثير من الأخبار والمعلومات عن أهم
    المعارك ونتائجها التي جرت في العصر الجاهلي وأماكن تلك المعارك وأبرز
    أبطالها، وفي ذات الوقت الحديث عن الأسلحة المستخدمة وأنواعها وأسمائها.
    لكن على وجه العموم، كان الشعر الوعاء الأكثر شيوعاً والذي ضم في قصائده
    تلك الأخبار، ونقلت إلينا كابراً عن كابر، ومازلنا نرددها حتى أيامنا هذه
    بل وحتى يرث الله الأرض ومن عليها. ومن هنا، لم تكن مقولة: الشعر ديوان
    العرب. مقولة هامشية وإنما هي حقيقة تدل على أهمية وضخامة المعلومات التي
    وصلت إلينا عبر القرون بالشعر ومن خلاله عن حياة وأيام وأخبار تلك القبائل
    والدول، بما يوفر قسطاً كبيراً من الدقة، وتغطية شبه شاملة لمعظم المعارك
    التي كانت تدور فيما بين تلك القبائل أو الدول.

    فالشعر هو المصدر الأول والرئيسي الذي حفظ به
    العرب الكثير من المعلومات المختزنة ضمن قصائده. ونقلت إلينا خلال هذه
    القرون الطويلة، هذا ولن ندخل هنا في مجالات سبق أن ولجها الكثير من
    الدارسين ذوي الاختصاص بالأدب الجاهلي، وناقشوا مدى أصالته وصدقه وغير ذلك
    من الأمور التي هي خارج بحثنا هذا. والمهم بالنسبة لنا، أن الشعر الجاهلي
    موجود ولا يمكن أن يأتي من عدم، وعالج العديد من الموضوعات الحياتية التي
    كان يألفها الإنسان العربي، فتطرق الشعراء لوصف مظاهر الطبيعة: المطر
    والنخيل والسحب، ومشاهد من فصول الشتاء، والغدران ومواضع المياه والسيول
    والنحل والعسل وبعض الصخور الغريبة والطيور ووصف بعض الحيوانات، فقد اشتهر
    البعض منهم بوصف الخيل مثل النابغة الجعدي، وأوس بن حجر بوصف الحُمر،
    وعلقمة بن عبدة بوصف النعامة وغيرهم، وعنوا بالمديح واستعاروا لذلك تشابيه
    مألوفة في حياتهم، وتفننوا في الغزل والهجاء والحكمة، ولم يَقِلَّ أثر
    الشاعر في السلم والحرب عن أثر الفارس، الشاعر يدافع عن قومه بلسانه يهاجم
    خصومهم ويهجو سادتهم، ويحث المحاربين على الاستماتة في القتال، ويبعث فيهم
    الشهامة والنخوة للإقدام على الموت حتى النصر، في حين كان الفارس يدافع عن
    قومه بسيفه، وكلاهما ذابٌّ عنهم محارب في النتيجة، بل قد يقدم الشاعر على
    الفارس، لما يتركه الشعر من أثر دائم في نفوس العرب، يبقى محفوظاً في
    الذاكرة ومتناقلاً على الألسنة، يرويه الخلف عن السلف بينما يذهب أثر السيف
    بذهاب فعله في المعركة. والشعر هو الذي حفظ لنا تلك المعارك والقصص
    والأخبار حلوها ومرها التي ما تزال تتردد أحداثها وحوادثها بين أسماعنا
    ونشنف آذاننا بسماع أخبارها وترداد قصصها كل حين، إضافة لوجود عدد كبير من
    الشعراء الفرسان.

    *الحرب والشعر:
    أفاد الشعر الجاهلي المؤرخين والباحثين في تأريخ الفترة الجاهلية، فائدة جلى لا تقدر بثمن.
    وربما زادت فائدة هذا الشعر من الوجهة التأريخية
    على فائدته من الوجهة الأدبية، لأنه حوى أموراً مهمة من أحداث العرب
    الجاهليين، لم يكن في وسعنا الحصول عليها لولا هذا الشعر. وكانت القبائل
    العربية تعتز وتتباهى كلما نبه فيها شاعر واشتهر وذاع صيته، لأنها بذلك
    تضمن المنافح عنها والكفيل بالتصدي لهجمات المعتدين وأقوال المغرضين.

    زخرت دواوين الشعراء الجاهليين بالعديد من
    القصائد أو الأبيات الشعرية التي تتحدث عن الحرب وويلاتها وآثارها
    وأخطارها، والتي تدل على خبرة عظيمة ومعرفة متعمقة بالحرب وفنونها وأشكالها
    التي كانت تجري في تلك الأيام، يقدم لنا الشعراء خبراتهم وتجاربهم من خلال
    الدروس المستفادة من تلك الحروب، إذ تشكل تلك القصائد نواقيس خطر تدق لمن
    يملك قليلاً من عقل ليتجنب خوض الحروب ويتحاشى ويلاتها ومخاطرها التي ذاقوا
    بعضاً منها أو تعرفوا على البعض الآخر خلال حياتهم الطويلة...

    من تلك النماذج والشواهد نسوق بعضاً من هاتيك
    الأبيات الشعرية التي تطرقت للحرب وتحدثت عنها وحذرت من مغبة إشعال فتيلها
    تناولها الكثير من الشعراء في أشعارهم، ولعل زهير بن أبي سلمى يعد واحداً
    من أبرز هؤلاء الذين ضرستهم التجارب والأعوام الطوال التي عاشها حيث نيف
    على الثمانين عاماً، فحفلت أيامه وأعوامه بالعديد من الخبرات والأخبار، نقل
    إلينا بعضاً منها عبر شعره الرائع، المليء بالحكم التي ما زالت وستبقى
    صالحة لكل عصر وأوان.

    يقول زهير في حديثه عن الحرب عبر معلقته الشهيرة:
    وما الحرب إلا ما علمتم وذقتهم

    وما هو عنها بالحديث المرجم
    متى تبعثوها تبعثوها ذميمة

    وتضرَ إذ ضريتموها فتضرم
    فتعرككُمْ عَرْكَ الرَّحى بثفالها

    وتلقح كِشافاً ثم تُنْتجْ فَتُتئِم
    إن
    حديثه عن الحرب ليس بالحديث الغفل أو الجديد، وإنما هو حديث عن أمر معاش،
    يعرفه الجميع، وخبروا نتائجه وذاقوا مرارته وويلاته، فليس الحديث إذن رجماً
    بالغيب، فهو ينقل في آلته التصويرية الدقيقة الرائعة مشهداً وصورة أكثر
    حيوية عندما يرسم صورة الحرب الذميمة، وآلية نشوبها ومن ثم تأجج سعيرها
    عندما تحتدم في ساحات القتال المعارك الطاحنة الضروس التي لا تبقي ولا تذر
    والتي إن هي إلا أشبه بالنار تبدأ صغيرة ثم ما تلبث بعد أن تضطرم نيرانها
    فتصبح كتلة هائلة مخيفة تأكل كل شيء حتى باعثوها ومنشبوها..

    إن هذه الصورة الرائعة والدقيقة للحرب وتحولاتها
    وأخطارها، ما كان لها أن تتأتى من خلال قريحة شاعر رومانسي عادي، لا خبرة
    له بالحروب ومضارها، وكيف لا؟ وزهير قد أربى على الثمانين عاماً وقد شهد
    وعاصر العديد منها طيلة هذه السنوات المديدة الزاخرة بالأيام والحروب وخاصة
    حرب داحس والغبراء التي دامت زمناً طويلاً، ابتلي الكثيرون بويلاتها وحاق
    بعدد أكبر الشيء ذاته من الخراب والدمار، ناهيك عن النفوس التي أزهقت
    والأموال التي أنفقت والبلايا التي حلت بالقبائل المتقاتلة طيلة هذه الحرب
    –المجزرة- المدمرة، والتي كان شاعرنا واحداً من معاصريها وشهودها. فنقل لنا
    بريشة الرسام المرهف تلك الصور الحسية الرقيقة، والمشاهد الواقعية الرائعة
    وعن ذات الموضوع يقول أحيحة بن الجُلاح الأوسي.

    أعصيم لا تجزع فإن الحرب ليست بالدُّعابة
    وأبو قيس بن الأسلت يذكر الحرب بقوله:
    قالت –ولم تقْصِد لقيل الخنا

    مهلاً فقد أبلغت أسماعي
    أنكرتِه حين توسمته

    والحرب غول ذات أوجاع
    من يذق الحرب يجد طعمها

    مراً وتحبسه بجعجاع
    في حين يصف جاس بن مرة الحرب (ت 534م).
    تأهب مثل أهبة ذي كِفَاح

    فان الأمر جلَّ عن التلاحي
    وإني قد جنيت عليك حرباً

    تُغِصُّ الشيخَ بالماء القَراح
    مُذَكَّرةً متى ما يَصْح منها
    [/center]

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 11:22 pm