أثر الزمن في خلق البنية الدلالية في رواية "سابع ايام الخلق"
[size=25][b]موضوع جد ثري ودراسة تحليلية نقدية لأبعاد الزمن
أثر الزمن المفترض في خلق البنية الدلالية في رواية[/b]
[b](سابع أيام الخلق) للروائي (عبد الخالق الركابي)
للأستاذ كريم حسن عاتي
[/b] 1-المقدمة:
يمتاز المنجز الابداعي للروائي عبد الخالق الركابي بميزتين أساسيتين هما: التنوع والغزارة.
فهو منذ صدور مجموعته الشعرية الأولى (موت بين البحروالصحراء)،
تواصل في نتاجه الأدبي ورفد المكتبة العربية بالعديد من الاعمال الأدبية،
بل زاد في ذلك من خلال انتقاله في مختبره الابداعي بين الأنماط الأدبية من
قصة قصيرة ورواية ومسرحية. إضافة الى نصوص قصصية منفردة ولقاءات صحفية عبر
فيها عن رؤياه الجمالية في منجزه و في غيره.
غير ان ما يلفت النظر في ذلك المنجز على تنوعه. ان الركابي لم يكن به ميلاً
الى تكرار الانتاج في نمط واحد يقدم فيه عملاً سوى الرواية. فقد اصدر
مجموعة شعرية واحدة، آنفة الذكر، وهي البكر في إنتاجه الأدبي، ومجموعة
قصصية واحدة هي (حائط البنادق) . ومسرحية (البيزار) التي كرر في نمطها مسرحية (نهارات الليالي الالف). في حين اصدر روايات عدة هي على التوالي: (نافذة بسعة الحلم)، (من يفتح باب الطلسم)، (مكابدات عبد الله العاشق) (الراووق)، (قبل ان يحلق الباشق)، (سابع أيام الخلق), التي تعد من بين اعماله الروائيه الاكثر تميزا، و (اطراس الكلام) واخيرا (سفر السرمدية)
التي نشرت على حلقات في إحدى الصحف. مما يؤكد ميله الى استخدام الرواية
اداة تعبير يحقق من خلالها قدرة القول ويفصح عن رؤياه الجمالية عبر تقنيات
كتابتها.
وقد استثمر في ذلك التنوع بين الانماط، تنوع آخر في أساليب كتابتها، بين
المستل من عمق التراث، وبين المستحدث على وفق أخر التطورات التقنية في فن
الكتابات السردية.
اعتمد الركابي في تلك الاعمال جميعها التعبير عن البيئة العراقية على
المستويين المحلي والوطني. كانت من بينها الاعمال الروائية الثلاث
(الراووق)، (قبل ان يحلق الباشق)، (سابع أيام الخلق). التي اعتمدت ومثل ما
اعتمدت سابقاتها وفي إطارها الجغرافي على البيئة المحلية نفسها. وتحديداً
منطقة طفولته وصباه، غير انها إتصلت مع بعضها عبر وشائج تحاول بها ان تحيل
القارئ الى أماكن أكثر اتساعاً والى زمن اكبر مما استغرقه فعلا . فأصبحت
بذلك أعماله ترتبط بتاريخ واسع لجغرافية محددة قابلة للانفتاح.
إن المنجز الابداعي آنف الذكر للركابي على المستويين الكمي والنوعي. خلق له
حضورا في الواقع الثقافي العراقي تحديداً. وان لم يكن ذلك الحضور واضح على
المستوى العربي. لاسباب لا يمكن عدها ثقافية. فهو صوت مهم من بين الأصوات
العربية التي قدمت تجربتها الجمالية عبر الكتابة الروائية. وقد كانت روايته
(سابع أيام للخلق) إضافة نوعية مهمة للرواية العربية والعراقية معا. لما
تمتاز به من خصائص فنية على مستوى البناء والسرد فيها، والذي قال عنها في
حوار معه في مجلة الموقفالثقافي (العدد السادس لسنة 1998 ص 108): ((سبق لي ان كتبت روايات محدودة الطموح، لكن الأمر يختلف مع روايتي الأخيرة - سبع أيام للخلق - فهي تمثل النقطة الأساسية في نتاجي الروائي)).
وكذلك استثمارها جملة من المعارف لا تمت بصلة مباشرة الى هذا النمط
الابداعي من بينها الأسانيد التراثية والمعارف الصوفية، وتحديداً نظرية
وحدة الوجود، مما جعلها لا تُعد – من وجهة نظرنا – جزءاً من ثلاثية او
امتداداً لها، أصبحت نتيجة لتلك الخصائص نصاً مكتفياً بذاته من دون إحالات
الى ما سبقها من عملين روائيين (الراووق) و (قبل ان يحلق الباشق) وان تشابه
الموضوع بينهما.
فالرواية على الرغم مما تشيعه من فوضى ظاهرية أشار إليها المؤلف في المتن
الروائي، غير انها خضعت لبناء فني دقيق يكاد يضيع في تلك الفوضى الظاهرية
على القارئ غير المتمرس، وجعل من إمكانية الوصول الى معرفة تلك الدقة يتطلب
القراءة المتأنية لغرض الوصول الى معرفة ما تقوله وحاولت البوح به . وهو
ما حاولنا القيام به.
ان تفحص اثر الزمن في خلق البنية الدلالية في الرواية، لكي لا يكتفي بما
يوفره التنظير من إمكانية خلق رؤيا قد تقترب من رؤيا الخطاب الفلسفي في
موضوعة الزمن التي يشوبها التناقض والاضطراب فيه، جنح الى اختيار إنموذج
روائي يحقق لنا إمكانية تتبع ذلك الأثر، فكان اختيارنا لرواية (سابع أيام
الخلق) للروائي (عبد الخالق الركابي) لجملة أسباب من بينها: تنوع مستويات
السرد فيها، بين سرد سابق عل تشكل المتن الحكائي، وسرد لاحق عليه، وسرد
متزامن معه، كان لها الأثر الواضح في خلق قيم دلالية عبر تشكل البنى التي
توختها، معبرة بذلك عن رؤية المؤلف للوصول الى غايات تم تحديدها في محلها
من الدراسة.
كذلك استثمارها جملة معارف تراثية موغلة في القدم، كانت تؤدي في الأصل الذي
وجدت فيه وظائف معرفية مختلفة عن الوظائف التي أدتها في النمط الابداعي
الذي استثمرت فيه. من بينها أساليب الاسناد التراثية، ونظرية وحدة الوجود
الصوفية، كان استثمارها قد أدى بها الى خلق وظائف دلالية جديدة عبر البنى
التي شكلها السرد بأزمانه المتعددة في الرواية.
كذلك استثمار ما عرف بتاريخ التوثيق المعرفي العربي (بعلم الرجال) الذي
تطلبته فترة توثيق السنة النبوية الشريفة، والذي عد التوثق من صدق الرواة
يتطلب إخضاعهم الى ضوابط سلوكية دقيقة على ضوئها يمكن الاعتداد بروايتهم او
اهمالها. وهو معيار حاولنا استثمار بعض من خواصه، من بين وسائل عدة،
وإخضاع رواية السيرة المطلقية في الرواية اليه، للوصول الى قناعات بصحة
المروي، او الكشف عن أهداف أُخر عبر اصطناع تلك الصحة، حاول الروائي الوصول
إليها او إقناعنا بها .
ان معاينة اثر الزمن المفترض في خلق البنية الدلالية في رواية (سابع أيام
الخلق). فصل مجتزأ من مخطوطة أوسع نشر منها فصل واحد بعنوان (المخطوطة في
رواية سابع أيام الخلق) في العدد الثالث لسنة 2000 من مجلة الأقلام. تناول
الزمن التأريخي في الرواية، وهو على ارتباط مباشر بموضوعة السرد التي
يتناولها هذا البحث، لذا اقتضى التنويه للراغب في الاستزادة.
[/size]