[b]عرض كتاب(القرار السياسي في السودان) : د. عوض إبراهيم عوض
يحقق شمولية الرؤيا حول هذه الظاهرة فقد استعان بمناهج أخرى تفاوتت بين
المنهج التحليلي والمنهج الوصفي إلى جانب منهج دراسة الحالة الذي استصحب
فيه نماذج من القرارات وقام بتحليلها بغرض تعميم نتائجها على ما اختاره .
كما تطرق الكاتب لعدد من النماذج المختلفة التي استخدمها علماء السياسة
والقانون لدراسة القرار السياسي وكيفية اتخاذه. ولعل الكاتب قد وفق في
اختياره لنموذج صنع القرار من بين كل النماذج وذلك لملاءمته لواقع السودان
من خلال التركيز علي البيئة المحيطة والعوامل المؤثرة في اتخاذ القرار
بجانب استصحاب الجوانب الشخصية للقيادات ودروها في القرار المتخذ. وكما
أشار في متن حديثه فإن كثيراً من الدراسات الإمبريقية سواء في علم النفس
الاجتماعي أو في علم القرار السياسي قد أثبتت أن للفرد دوراً قد يفوق دور
القوي الهيكلية الأخرى في اتخاذ القرارات. وبالتالي فإنه أصبح من الممكن من
خلال الاهتمام بهذا الجانب تقديم تحليل وتفسير أفضل لاتخاذ القرار السياسي
في بلدان العالم الثالث التي منها السودان.
قد تناول الكاتب موضوعه من خلال تقسيم مؤلفه إلى أربعة فصول اشتمل أولها
على جانبين هما تناول مفهوم النظام السياسي وتصنيف النظم السياسية عبر
مختلف المراحل التاريخية استناداً إلي عدة معايير من قبيل الشكل الذي تمارس
من خلاله السيادة وتكتسب الشرعية، ومن نوعية النظام الاقتصادي وغيرها ،
لتتحدد في نهاية المطاف نوعية النظام ديمقراطياً كان أم شمولياً. حيث تمت
من خلال ذلك مناقشة عناصر النظامين وأسس التمايز بينهما. ويناءاً علي ذلك
تناول مكونات النظام السياسي علي مستويين أولهما المستوى الفرعي الذي تم
فيه تناول الأحزاب السياسية، والأيدولوجيا، والدستور، والقوانين الأساسية،
وجماعات الضغط. وذلك من زاوية الدور الذي تلعبه هذه المكونات في تسيير
النظام وبالتالي في اتخاذ القرار السياسي. أما المستوي الثاني فهو المستوي
المركزي الذي يتم فيه تناول النظام البرلماني، والنظام الرئاسي، والنظام
العسكري من حيث المفهوم والسمات العامة وطبيعة العلاقة بين السلطات في هذه
الأنظمة.
وفي الجانب الثاني من الشق النظري للكتاب تناول المؤلف المفهوم وأنواع
القرارات المتخذة، حيث وضح أسس التمييز بين القرار السياسي وغيره من
القرارات الأخرى. متناولا بعد ذلك المراحل المنهجية لصنع القرار والعوامل
التي تؤثر فيه مع الإشارة لأنواع الهياكل التي تتولي القيام باتخاذه فضلاً
عن النماذج التي سبق ذكرها. وجاءت بقية فصول الكتاب الثلاثة تطبيقية بغرض
تطوير الشق النظري من حيث مدي تطابق أو تعارض أسس النظم الثلاثة المذكورة
مع واقع تجربتها في السودان.
ومن خلال حديثه عن مفهوم النظام السياسي أشار الكاتب إلى تجربة أرسطو الذي
يعتبر الأب الشرعي لعلم السياسة خاصةً فيما يتعلق بتحليل النظم السياسية
ودوره في إرساء جملة تقاليد في التحليل السياسي. حيث إنه اتبع أسلوب
المنهجية المقارنة في دراسته لأكثر من مائة دستور وحكومة في المدن
الإغريقية القديمة. مما أعاد إليه الفضل في وضع السياسة في سياقها
الاجتماعي والتاريخي الأوسع. حيث نظر إلى أي نظام سياسي باعتباره محصلة
لتفاعل عدد كبير من العوامل التي منها الوضع الجغرافي, والقدرات
الاقتصادية, والتركيب الاجتماعي، والأفكار السياسية على عموميتها. وبما أن
أرسطو قد قدم نموذجاً تحليلاً لتصنيف النظم السياسية من خلال اعتماده على
معيارين هما: المشاركين في السلطة، ونوعية التوجه الذي يأخذون به فقد
استفاد الكاتب من ذلك الأسلوب في تحليل القرارات السياسية الثلاثة التي
جعلها محور كتابه. ولعل النتائج التي توصل إليها تتسق مع الفكرة التقليدية
التي فهمت النظام السياسي كمرادف لنظام الحكم. حيث كانت المدرسة الدستورية
التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية قد أخذت النظام السياسي باعتبار أنه
المؤسسات السياسية (السلطات الثلاثة). ورغم أن هذا الأمر قد تبدل تاريخياً
مع مجيئ رواد المدرسة السلوكية التي نظرت للنظام السياسي باعتباره مجموع
التفاعلات السياسية والعلاقات المتداخلة المتعلقة بالظاهرة السياسية. ثم
جاء بعد ذلك عدد من العلماء الذين عرفوا النظام السياسي ومن بينهم علي
الدين هلال الذي قال إن النظام السياسي نسق من العمليات والتفاعلات التي
تتضمن علاقات سلطة بين النخبة والطبقات الحاكمة من ناحية والمواطنين من
ناحية أخرى. ومن خلال هذا فإن مجالات ومهام النظم السياسية تتحدد في النظام
السياسي كآلية لحل الخلافات وإقرار القانون حيث تُعد هذه الوظيفة ذات طابع
قهري يمارسها النظام السياسي. ثم النظام السياسي كآلية لتوزيع الموارد,
وتسمى هذه بالوظيفة التوزيعية للنظم السياسية انطلاقاً من مبدأ الندرة
النسبية للموارد حيث تكون هناك مطالب واحتياجات إنسانية من ناحية, والقدر
المحدد من الموارد التي تحتاج لمن يقوم بتوزيعها بين المواطنين بشكل عادل
من ناحية أخرى. على أن هذه الوظيفة تتسق مع مفهوم السياسة الذي أتى به
هارولد لاسويل في كتابه (السياسة) من خلال عبارته (من يحصل على ماذا ولماذا
؟). أما الشكل الثالث فهو النظام السياسي كآلية للتغيير الاجتماعي. حيث
تلعب النظم السياسية دوراً كبيراً في عملية التغيير الاجتماعي من واقع
الإمكانيات المادية المتوفرة لديها.
وقد استفاض الكاتب في سرد التعريفات التي وضعها علماء السياسة مركزاً على
ما جاء في كتابات ديفيد استون الذي قارنه بهارولد لاسويل مشيراً إلى
اتفاقهما على جزئية النظام السياسي من النظام الاجتماعي واختلافهما في كون
لاسويل قد فرق بين النظام السياسي وغيره من النظم بتوافر النفوذ في النظام
السياسي. حيث أن أي قرار أو عمل اشتمل على ممارسة النفوذ يعده لاسويل من
مكونات النظام السياسي بينما يقتصر استون على القوة للتفرقة بين النظام
السياسي وغيره من النظم. وقد أفضى ذلك إلى أن القوة لا يمارسها إلا
الرسميون أو المتنفذون بينما يمكن ممارسة النفوذ خارج الأطر الرسمية. وهذا
ما بدا واضحاً من خلال تحليل القرارات الثلاثة التي اختارها الكاتب كمحور
للمقارنة. بعد ذلك أورد تعريف الموند للنظام السياسي الذي حصره في أنه
النظام الذي يتضمن التداخلات الموجودة في جميع المجتمعات المستقلة والتي
تضطلع بوظيفتي التكامل والتكيف داخلياً وخارجياً عن طريق الاستخدام أو
التهديد بالاستخدام للإرغام المادي المشروع. ويتضح من سياق التعريف اتفاقه
مع من يعتبر أن النظام الاجتماعي هو النظام الكلي، حيث ركز على الإكراه
المادي المشروع لتمييز النظام السياسي عن غيره , وذلك من واقع انتقاده
لمبدأ التخصيص السلطوي الذي اعتمده استون لتمييز النظام السياسي عن غيره من
النظم حيث اعتبره الموند غير كاف للتمييز بين النظام السياسي وبعض النظم
الاجتماعية كالعائلة. وتعرض الكاتب بعد ذلك لتعريف محمد بشير الكافي مجملاً
ملاحظته بأن جملة التعريفات التي أوردها تثير صعوبة حقيقية في التوصل إلى
تعريف شامل للنظام السياسي. وحتى المحاولات التي أشار إليها عادل مختار
الهواري , ومنها محاولات داهل وجورج كاتلن وموريس دوفرجيه وغيرهم أثبتت أن
هناك قاسماً مشتركا يجمع بينها متمثلاً في اتفاقها على جزئية النظام
السياسي من النظام الاجتماعي الكلي بجانب ربطها للنظام السياسي باستخدام
أدوات الإكراه المشروع في الجماعة.
وقد استصحب الكاتب أيضاً في تحليله لظاهرة اتخاذ القرار السياسي بالسودان
ما ذكره من تصنيف النظم السياسية التي تباينت بنفس القدر الذي تباين به
مفهوم النظام السياسي نفسه مما جعل الباحثين حتى نهاية القرن التاسع عشر
يهتدون بالتصنيف الإغريقي القديم الذي قام على معيارين هما معيار العدد
ومعيار المقارنة بين نظام الحكم في صورته السليمة وبين نظام الحكم في شكله
المنحرف. وقد استعان الكاتب في هذا الإطار بتصنيف أرسطو طاليس لأنواع الحكم
الثلاثة التي حدد من خلالها الحكومة السليمة من المنحرفة. حيث اعتمد تنيفه
على تقسيم الأنظمة لثلاثة أشكال هي: نظام الفرد الذي إذا عمل لمصلحة
الجميع يعتبر ملكياً, وإذا عمل لمصلحة نفسه يسمى طغياناً. ثم نظام القلة
الذي إذا عمل لمصلحة الجميع يصنف باعتباره ارستقراطياً, وإذا عمل لمصلحة
نفسه يسمى اوليجاركياً. ثم النظام الثالث وهو نظام الكثرة الذي إذا عمل
لمصلحة الجميع يسمى جمهورياً, وإذا عمل لمصلحة نفسه يسمى ديموقراطياً. ومما
يلاحظ على هذا التصنيف رغم أهميته أن الزمن قد تجاوزه بحكم أن الملكية
التي اعتبرها أرسطو تعمل لصالح الشعب قد تبدل حالها وأصبحت في كثير من
الأحيان أشبه بالطغيان. كما أن الديموقراطية باعتبارها نظاماً منحرفاً قد
تبدل حالها وصارت بضاعة رائجة في أسواق السياسة الحاضرة.
واستعرض الكاتب بعد ذلك مواقف المختصين الذين طرحوا نماذجهم بعد أرسطو
بدءاً ببودان الذي طور ما جاء به أرسطو استناداً على معيار طريقة استعمال
السيادة مروراً بهوبز الذي وقف موقف المعارض لفكرة الحكومة المختلطة التي
أمن عليها سيشرون. ثم تجربة لوك الذي أيد التقييم الذي أتى به أرسطو وفكرة
الحكومة المختلطة على خلاف بودان الذي رفضها. ثم مونتسكيو الذي قدم أشهر
التصنيفات في القرن الثامن عشر مميزاً بين ثلاثة أنواع من الحكومات هي:
الجمهورية، والملكية، والاستبدادية. فالديموقراطية والارستقراطية إذن تمثل
عنده جزءاً من الحكومة الجمهورية مخالفاً ما جاء به أرسطو.
وانتقالاً من كل هذه التعريفات انتقل المؤلف إلى مكونات النظام السياسي
التي وضعها في ثلاثة عناصر أو متغيرات هي: المتغيرات البنيوية التي تضم
المقومات المادية (الموارد وغيرها) والمقومات البشرية (أفراد وجماعات)
والمقومات المعنوية (القيم, الرموز, الأيدلوجيات, العقائد, والعادات) ثم
المقومات التنظيمية (الدساتير, والقوانين) والمقومات المركزية (القيادة
السياسية, والحكومة)، والمتغيرات الوظيفية التي تتعلق بطبيعة وظيفة النظام
السياسي، والمتغيرات العلائقية التي تشمل علاقات النظام الداخلية
والخارجية. ومن كل هذا ركز الكاتب في إطار معالجته لموضوع مكونات النظام
السياسي على جزئيتين ارتبطت أولاهما بالمتغيرات الفرعية للنظام والتي شملت
القوى السياسية والقانون والأيدلوجية. أما الجزئية الثانية فقد ارتبطت
بالمتغيرات المركزية الخاصة بالحكومات. والتي تناولها بصورة مفصلة في
الجزء المتعلق بتصنيف النظم السياسية .
وتطرق بعد ذلك للأحزاب والأيدلوجيا ، والدستور، والقوانين الأساسية،
وجماعات الضغط Lobbies، ثم جماعات الضغط شبه السياسية مثل نقابات العمال أو
اتحادات العمل التي تسعى لتحقيق أهدافها عبر النشاط السياسي رغم أن نشاطها
لا ينحصر في الجانب السياسي. ثم جماعات الضغط الإنسانية التي ليست لها
أنشطة سياسية واضحة إلا في الحالات التي يرتبط الأمر فيها بمناقشة مشاريع
قوانين تخصها أو عند طلب المعونات المالية. وتشمل جمعيات رعاية الطفولة
وجمعيات الرأفة بالحيوان. ثم تأتي جماعات الضغط ذات الهدف والتي تختلف
طبقاً لاختلاف أهدافها ومبادئها وبرامجها بحكم أنها تسعى لتحقيق أهداف
محددة وتأخذ أهدافها صبغة داخلية أو خارجية في بعض الأحيان. وقد وجد
الكاتب أن تباين مفهوم النظام أو تصنيفاته وسماته ومكوناته يرجع إلى تباين
البيئات الثقافية والاجتماعية لتلك النظم. ومن خلال المكون المركزي للنظام
السياسي الذي سبقت الإشارة إليه تناول النظام البرلماني والنظام الرئاسي
والنظام العسكري التي جعلها محوراً لدراسته.
أما عن علاقة الجيش بالسياسة فقد أبرز الكاتب أن الأسباب الخارجية تعد من
العوامل المهمة التي أسهمت في كثير من الأحيان في تحديد وإنجاح مسار التدخل
العسكري في الشأن السياسي وذلك من واقع الاعتمادية المتبادلة بين الأوضاع
الداخلية والخارجية.
وهناك عامل فرعي يتعلق بتدخل الجيش في السياسة فيرتبط بالمؤسسة العسكرية
حسب تقدير الكثير من الباحثين والعلماء وعلى رأسهم موسكا وبذلك يتضح أن
هناك نوع من المزاوجة قد تم بين رأي المدرستين مع إضافة بعض العوامل للعامل
السياسي الذي اقتصر عليه تحليل و تفسير المدرسة الثانية فيما يتعلق بتدخل
الجيش في السياسة . ونجد أن أهم العوامل الداخلية الخاصة بالقوات المسلحة
والتي تدفعها للاستيلاء على السلطة هي :
1/ مهمة القوات المسلحة : ترتبط هذه الناحية بتصور العسكريين لدورهم داخل
المجتمع , حيث أنهم إذا رأوا أن مهمتهم هي حماية الشعب من فساد السياسيين
كان ذلك مدعاة لتدخلهم في الشأن السياسي .
فالجيش مسئول عن حماية الدولة من الاعتداءات الخارجية , حيث يخضع تكوين
المؤسسة العسكرية والالتحاق بها للمعايير القومية , بجانب أن دخول الجيش
كطرف في نزاع سياسي داخلي يقوي من فرص تدخله في شئون المجتمع , خاصةً في
تلك الحالات التي يطلب فيها من الجيش قمع معارضة الحكومة , فتتخذ القوات
المسلحة من عدم الاستقرار السياسي ذريعةً للتدخل في الشأن السياسي .
2/ السمات التنظيمية للقوات المسلحة : وتتمثل في التماسك , الذاتية ,
الاختلاف البنائي والتخصص الوظيفي حيث تلعب كل سمة من هذه السمات دوراً في
تدخل القوات المسلحة في شئون المجتمع .
فالقوات المسلحة ذات التماسك الداخلي القوي أقدر على التدخل من تلك التي لا
تتمتع بتماسك داخلي قوي ومظاهر التماسك الداخلي للقوات المسلحة تتضح من
خلال وجود قيادة مركزية وانضباط وتدرج هرمي وروح معنوية واكتفاء ذاتي .
أما مظاهر الذاتية فتكون بارزة إذا شعرت القوات المسلحة بأن ذاتيتها
واستقلالها في خطر الأمر الذي يدفعها للتدخل , ومن الأمور التي ينظر
العسكريون بأنها تؤثر على ذاتيتهم هو اتجاه الحكومة لتخفيض الميزانية
الخاصة بهم أو إحجامها عن إدخال أسلحة جديدة تحتاج لها القوات المسلحة أو
إقامة الحكومة لمليشيات شعبية تضطلع بدور القوات المسلحة وتحاول أن تحل
محلها . ولذلك يجري تجنيد الضباط من طبقة تشترك مع السياسيين في خلفيتها
ونظراتها السياسية لتقليل احتمال التدخل العسكري في شئون المجتمع.
بعد ذلك تطرق الكاتب لأنواع القرارات حيث شكلت قضية التفرقة بين القرار
السياسي وغيره من القرارات موضوعاً أثار اهتمام العديد من الباحثين . ولقد
وضع بعضهم جملة معايير لتمييز القرار السياسي عن غيره من القرارات من
بينها: بنية القرار، والمشاركون في القرار، والمنظمة التي يتخذ القرار
فيها، وعملية صنع القرار، ثم نتيجة القرار.
مراحل عملية صنع القرار السياسي : -
ويعنى بعملية صنع القرار السياسي : مجموعة القواعد والأساليب التي يستعملها
المشاركون في هيكل القرار لتفضيل اختيار معين أو بدائل معينة لحل مشكلة
معينة (الأسس الرسمية والغير رسمية التي يتم عن طريقها تقييم البدائل
المتاحة والتوفيق بين مجموعة صنع القرار) . وتختلف إجراءات وأساليب صنع
القرار السياسي من نظام سياسي إلى آخر .
إن هناك مراحل عديدة تمر بها عملية صنع القرار تبدأ من نشأة الحافز وتنتهي
عند عملية الاختيار ذاتها . حيث تؤثر كل مرحلة من هذه المراحل سلباً أو
إيجاباً في عملية صنع القرار . ولقد حدد محمد السيد سليم ست مراحل هي :
نشأة الحافز : وإدراك صانع القرار وجمع المعلومات : ومرحلة تفسير المعلومات
: والبحث عن البدائل واتخاذ القرار : ثم مرحلة تنفيذ القرار : حيث لا
تنفصل مرحلة التنفيذ عن مرحلة الاختيار من الناحية العملية.
ولقد حدد محمد شلبي ثلاثة مراحل لعملية صنع القرار السياسي , وهي كالآتي :
مرحلة ما قبل اتخاذ القرار : وتشتمل على تعريف الموقف الذي أسماه محمد
سليم بالحافز - ومكوناته وخصائصه : ثم مرحلة اتخاذ القرار : وهي تعني
الاختيار من بين عدة بدائل , ثم مرحلة تنفيذ القرار التي تعد آخر المراحل
حيث تقع مسئولية تنفيذ القرار على الأجهزة التنفيذية.
العوامل المؤثرة على عملية صنع القرار السياسي هي: -
الارتباط بهدف سياسي :
الحدس السياسي :
المسئولية السياسية :
أما إبراهيم سعد الدين فقد حدد عدداً من العوامل المؤثرة على صنع القرار السياسي , وهي :
دور القائد المهيمن أو القائد السياسي :
دور الرأي العام وقوى الضغط :
التركيب الاجتماعي :
أمن النظام وأمن القيادة :
دور البيئة الخارجية :
وتلاحظ الدراسة أن تعاظم دور القائد السياسي أكثر وضوحاً في بلدان العالم
الثالث وذلك بسبب ظروف تلك البلدان نفسها , حيث لم تستطع عبر تجاربها
السياسية أن تفرز دولة مؤسسات يأخذ القرار فيها طابعه المؤسسي . كما أن دور
البيئة الخارجية قد تعاظم بشكل واضح عقب ظهور ما عرف بالنظام الدولي
الجديد وازداد الضغط على الدولة القطرية فيما تتخذه من قرارات .
أما هياكل ونماذج صنع القرار السياسي فهي: -
أولاً : هيكل صنع القرار :
ويعنى به ترتيب معين للعلاقات والأدوار بين الأفراد المسئولين عن اتخاذ
القرار , وبالذات نظام السلطة الرسمي وغير الرسمي داخل الوحدة المسئولة عن
اتخاذ القرار. حيث إن الهيكل يوضح الأنشطة التخصصية , كما يوضح الكيفية
التي ترتبط بها الوظائف المختلفة مع بعضها البعض.
ولقد قسم سويم العزي الأشخاص الذين يحق لهم اتخاذ القرارات داخل هياكل صنع القرار إلى نوعين هما :
1/ النوع الأول هم أصحاب القرار الرسميين : ويعنى بهم واحداً من فئتين إما :
أ- أناس يمتلكون السلطة حقيقةً ويعملون من خلال السلطات الثلاثة المعروفة .
ب- أناس يسمون بالجهات الممنوحة لصلاحية اتخاذ القرار وتضم الوحدات
القرارية التي يعتمد وجودها على وجود السلطات التي منحتها ذلك الحق .
2/ النوع الثاني هم المجموعة الغير رسمية : وتتكون من الأحزاب السياسية ,
والجماعات الضاغطة , والرأي العام ومختلف مؤسسات المجتمع المدني . وسميت
بالمجموعة الغير رسمية لأنها لا تملك السلطة في اتخاذ القرارات العامة
ولكنها تملك القدرة على التأثير على القرارات المتخذة.
ورغم تفاوت هياكل صنع القرار بين البساطة والتعقيد إلا أنه يمكن تقسيم هياكل صنع القرار بالاستناد على معيارين أساسيين هما :
1. توزيع السلطة داخل الهيكل 2. دور الأعضاء المشاركين في القرار
1/ توزيع السلطة داخل الهيكل : تختلف هياكل صنع القرار فيما يتعلق بتوزيع
السلطة , فتوجد مجموعة أو مجموعات يتحكم فيها قائد سلطوي ، والمعني بالقائد
السلطوي هو ذلك القائد الذي له القدرة على تمرير ما يريده على صانعي
القرارات حتى في ظل وجود معارضة من قبل أي فرد من أفراد مجموعة صنع القرار
أو من مجموع صانعي القرار . وفي المقابل توجد مجموعة صنع قرار يجمع بينها
التساوي النسبي فيما يتعلق بسلطات كل عضو من أعضاء فريق صنع القرار رغم
وجود قائد على رأس المجموعة .
2/ دور الأعضاء المشاركين في صنع القرار : والمعني بذلك ما إذا كان أعضاء
مجموعة صنع القرار لديها الحق في تبني أي وجهة نظر تريدها , أم هي ملتزمة
بوجهة نظر للمؤسسة المعنية والتي تصير موافقتها شيء أساسي لاتخاذ قرار
نهائي.
أنواع هياكل صنع القرار : -
يؤدي تفاعل توزيع السلطة ودور الأعضاء المشاركين في القرار إلى ظهور خمسة أشكال أو أنواع من هياكل صنع القرار , وهي كالآتي :
[1] مجموعة القائد المسيطر :
وهي مجموعة صغيرة من الأفراد يسيطر عليها شخص سلطوي يتصرف بشكل فردي دون
الاهتمام بعملية التشاور مع أفراد المجموعة الذين يكوّنون معه ما يعرف
بمجموعة صنع القرار وله القدرة - القائد السلطوي - على اتخاذ القرار المعين
حتى ولو انطوى ذلك على معارضة فرد من أفراد المجموعة أو كل المجموعة .
الأمر الذي يجعل القرار المتخذ يحمل في طياته طابع التسرع وعدم دقة
المعلومات مما ينعكس سلباً على إمكانية تحقيق القرار للهدف الذي اتخذ من
أجله .
[2] مجموعة القائد المستقلين :
وهذا النوع من الهياكل يأخذ شكل مقارب للشكل الأول وهو مبدأ وجود قائد
مسيطر , ولكن أفراد المجموعة مستقلون بشكل نسبي بحكم انتمائهم إلى مراكز
مستقلة للسلطة , وذلك من قبيل أن يكون هؤلاء المستقلون رؤساء أحزاب سياسية ,
أو رؤساء مجموعات برلمانية , أو من أولئك الذين لهم نفوذ وتأثير واضح على
المؤسسة العسكرية ، أو في الحزب السياسي الحاكم . ويقل في هذا النوع من
الهياكل حجم الضغوط الهيكلية ، حيث أن الفرد هنا لا يكون انعكاساً
ميكانيكياً لرغبة القائد أو الجهة التي ينتمي لها ، بل هناك مساحة للتعبير
عن وجهة نظر خاصة بالعضو بالقدر الذي يحفظ له وجوده المستقل داخل المجموعة .
ودور القائد هنا يكون للترجيح بعد استماعه لوجهات النظر المختلفة.
[3] مجموعة القائد المفوضين :
وتشترك مع مجموعة القائد المستقلين في كل الخصائص التي تم ذكرها باستثناء
دور الأعضاء المنضوين تحت الهيكل , وذلك من واقع أن الأعضاء لا يمثلون
أنفسهم بقدر ما أنهم يمثلون هيئات بعينها وهذا يملي عليهم ضرورة الرجوع
لهيئاتهم واستشارتها قبل البت في أي شيء , وذلك يشبه ما يعرف في فن التفاوض
بالتوقيع بالأحرف الأولى ، حيث أن هذا النوع من التوقيع يعني أن من وقع
عليه ليس مفوض للبت النهائي أو لديه تحفظ قبل التوقيع النهائي , ويتسم هذا
النوع من الهياكل بالبطء والجمود النسبي في عملية صنع القرار.
[4] المجموعة المستقلة :
يتضح أن الثلاث هياكل المذكورة أو السالفة تتميز في أن السلطة موزعة بشكل
غير متكافئ بين أفراد مجموعة صنع القرار . إلا أن المجموعة المستقلة تتوزع
السلطة فيما بينها بشكل متكافئ نسبياً , كما أن دور القائد لا يتجاوز رئاسة
الجلسات وتولي شرح وجهات النظر الخاصة بكل عضو من أعضاء المجموعة . ولا
يعتبر الأعضاء مفوضين بقدر ما أنهم مسئولون مسئولية جماعية عن اتخاذ القرار
.
[5] مجموعة المفوضين :
تشترك هذه المجموعة مع مجموعة المستقلين في كل الصفات بيد أن أعضائها
يمثلون هيئات أخرى . وكل عضو من أعضاء هذه المجموعة يلتزم بشكل كامل برأي
الهيئة التي يمثلها وأهم ملامح عملية صنع القرار هنا أنها تتميز بالبطء
وتمحيص المعلومات الخاصة بالقرار بشكل دقيق للغاية .
نماذج صنع القرار السياسي : -
لقد نالت عملية صنع القرار السياسي اهتمام الكثير من الباحثين الذين سعوا
لوضع نماذج واتجاهات تحليلية لتفسيرها , ومن بين تلك النماذج :
[1] النموذج الاستراتيجي الرشيد :
هذا النموذج يقوم على فرضية أساسية وهي أن صانع القرار شخص عقلاني رشيد ،
حيث يتحرى الدقة في الحصول على المعلومات التي يتم على أساسها تشخيص
المشكلة , واختيار حل أو بديل من بين البدائل يكون أكثرها عقلانية باعتباره
قليل التكلفة عظيم الفائدة.
[2] نموذج السياسة البيروقراطية :
يؤكد هذا النموذج على الدور الذي يلعبه العديد من البيروقراطيين من ذوي
العلاقة بالقرار السياسي . حيث يأتي تأثيرهم على القرارات السياسية نتيجة
للتغييرات المستمرة سواء بالنسبة للحكومات أو الأحزاب السياسية , وهذا يعني
عدم وجود خبرة طويلة لرجال الدولة مما يجعلهم يستعينون بالبيروقراطية
وموظفي الخدمة المدنية الدائمة للحصول على المعلومات والنصائح المطلوبة
لاتخاذ القرار المعين . [/b]