مدخل إلى الأسلوبية
بقلم السيد/ قليل يوسف (باحث جامعي.جامعة سيدي بلعباس
مدخل إلى الأسلوبية (1)
نبتغي أن نصنع من هذا المدخل النظري نبراسا نهتدي بنوره في مقاربتنا الأسلوبية للنصوص الأدبية، وأن نقدم للطلبة والباحثين وكل قارئ لهذا البحث حصيلة مركَّزة عن المنهج الأسلوبي وكل التيارات والمناهج التي انصهرت معه لتكوين رؤية نقدية، وكذا الإحاطة بالمصطلحات النقدية المستعملة فيه مثل الأسلوبية، البنية، وخصوصا الانزياح(2) الذي هو جوهر الدراسة الأسلوبية.
انتقل الأسلوب في النقد الحديث من كونه يعني الطريق أو الفن أو المذهب أو الوجه (3)، ومن كونه عاما مميعا يختص بالموضة والفن والسياسة وتدبير الحياة اليومية (4)، إلى علم ومنهج نقدي قائم بذاته يتكفل برصد الملامح المميزة للخطاب الأدبي. ويُعرّف الأسلوب في الاصطلاح الأدبي النقدي عادة بأنه: "طريقة يستعملها الكاتب في التعبير عن موقفه، والإبانة عن شخصيته الأدبية المتميزة عن سواها، لا سيما في اختيار المفردات، وصياغة العبارات، والتشابيه والإيقاع" (5).واتخذ اسما خاصا به هو: "الأسلوبية".
ويرجع الفضل الأول في ظهور الأسلوبية إلى العالم اللغوي السويسري فرديناند دي سوسير (1913-1857)Ferdinand De Saussure الذي أظهر علم اللسانيات حيث يعزى إليه التفريق بين اللغة والكلام من خلال معادلته الشهيرة:"اللسان في نظرنا هو اللغة ناقص الكلام" (6)، حيث أوضح أن اللسان:"نتاج اجتماعي لملكة اللغة، فهو مجموعة من الأعراف الضرورية التي يستخدمها المجتمع لمزاولة هذه الملكة عند الأفراد"(7)، وأن اللسان:"ما هو إلا راسب من عمليات عديدة للكلام عبر الزمن، أما الكلام فانه تطبيق أو استعمال للوسائل والأدوات الصوتية، والتركيبية والمعجمية، التي يوفرها اللسان"(.
لكن الفضل الأكبر ناله تلميذه شارل بالّي (1947-1865) Charles Bally وهو:"باحث لساني كان مختصا في السنسكريتية واليونانية، ولما استوعب المفاهيم التي جاء بها دي سوسير وتمثلها عكف على دراسة الأسلوب فأرسى قواعد الأسلوبية المعاصرة ابتداء من سنة 1902"(9).
لقد أحدثت معادلة دي سوسير المفرِّقة بين اللغة والكلام ثورة في ميدان النقد الأدبي الحديث، باعتبار أن اللغة تمثل الثابت والكلام يمثل المتحول، بمعنى أن اللغة المعيارية ذات القواعد النحوية والصرفية الثابتة التي أوجدها علماء النحو، لا لشيء سوى أن يتقيد بها الجميع ويتكلمون بحسب تلك القواعد، سرعان ما يتجاهلها المتكلم ويحيد عنها من خلال الانحراف والانزياح والعدول عنها، ومع كثرة هذه الانزياحات والانحرافات تتحدد احتمالات عديدة وممكنة للكلام، ويصير المتكلم في وضع مريح يسمح له بنحت اللغة على حسب ما يريد التعبير عنه، مما خلق نوعا من الحساسية تجاه النظام والمعيار النحوي تجلت في قول الشاعر:
ولست بنحويٍّ يلوك لسانه --- ولكن سليقيٌّ أقول فأُعربُ(10)
وهذه الحساسية وضَّحها بشكل أفضل عبد السلام المسدي حينما اعتبر أن:"النحو مجال للقيود والأسلوبية مجال للحريات"(11).
ومن هنا يعمد المتكلم إلى أن يختار من اللغة معجما خاصا يوظفه حسب غاياته التعبيرية، ويركِّبه في شكل جديد وفريد، ينزاح عن المألوف ويقدمه للقارئ في أبهى حلة فينفرد بأسلوبه الخاص.
ومن هنا تظهر عناصر ثلاث (الاختيار، التركيب، الانزياح) في تكوين العمل الفني والأدبي، وهي نفسها مقولات الأسلوبية الهامة في رصد الإبداع الأدبي وتتبع التميز فيه، وأن مقاربة أي نص أسلوبيا لا بد أن تطرق هذه العناصر الثلاث. ومن هنا تولدت الخصومة بين الباحثين من أنصار البلاغة، والمنادين بتجاوزها وتأسيس نحو مستقل عنها، حيث وصف جوليان غريماس A. J. Greimas وجوزيف كورتيس J. Courtés الأسلوبية بأنها:"مجال بحثي يندرج ضمن التقليد البلاغي،لم تفلح في تنظيم نفسها في علم مستقل"(12)، بينما وسم كل من تزفيتان تودوروف T. Todorov وأوسوالد دوكرو(ولد عام 1930) Oswald Ducrot الأسلوبية أنها:"الوريث المباشر جدا للبلاغة"(13).
وفي المقابل نجد ثلة ثارت على البلاغة إلى حد وصفها بالعجوز(14)، واعتبر ميكائيل ريفاتير Michael Riffaterre أن البلاغة المعيارية من عراقيل الأسلوبية(15).
ولعل هذا الخلاف ناتج من الحقيقة العملية التي أثبتت أن الأسلوبية حينما تحاول الإحاطة بالانحرافات الموجودة في النص الأدبي فهي تقارنها بالبلاغة المعيارية، ومن هنا أضحى حضور البلاغة في المقاربة الأسلوبية للنصوص دائما ومستمرا، وأمسى المرجع الأساسي في إثبات الانزياح الأسلوبي.
والأسلوبية كمنهج نقدي يصنفها جون دوبوا Jean Dubois على أنها:"فرع من فروع علم اللسان"(16)، وهذا ما يؤكده ميشال أريفي Michel arrivéبقوله:"الأسلوبية وصف للنص الأدبي حسب طرائق مستقاة من اللسانيات"(17)، وهو إثبات لدور اللسانيات في بلورة مفهوم الأسلوبية، حيث يقول الهادي الجطلاوي:"الأسلوبية موضوعها النظر في الإنتاج الأدبي وهو حدث لغوي لساني"(18)، الأمر الذي دفع بـ:رومان ياكبسون (1896-1982) Roman Jacobsonفي إحدى محاضراته الشهيرة إلى أن نادى :"بتوثيق العلاقة بين اللسانيات والأدب عموما"(19)، وتلاه عبد السلام المسدي أيضا حين:"نادى بمد الجسور بين النقد وعلم اللسان عن طريق علم الأسلوب"(20)، ومعترفا في الوقت ذاته أنه:" من الحقائق التي غدت مقررة في عصرنا أن المعرفة الإنسانية مدينة للسانيات بفضل كثير، سواء في مناهج بحثها أو في تقدير حصيلتها العلمية"(21)، وكذلك جون لويس كابانيس Jean-Louis Cabanes الذي:"حاول الدفاع عن قوة العلاقة بين علم اللسان والنقد الأدبي، من خلال بيان مظاهر التأثير اللساني (دروس سوسير، مبادئ الشكلانيين الروس، ...)في النقد"(22).
وترتبط الأسلوبية مع المدارس النقدية الأخرى ومنها الشعرية (أو ما يصطلح عليها بالإنشائية)، هذه الأخيرة التي يصنفها جون دوبوا أيضا على أنها:"جزء لا يتجزأ من اللسانيات، وهي العلم الشامل الذي يبحث في البنيات اللسانية "(23)، أما جون كوهين Jean Cohenفيقول:"دل مصطلح الشعر على كل موضوع خارج عن الأدب، أي كل ما من شأنه إثارة الإحساس، فاستخدمت في الفنون الأخرى:شعر الموسيقى، شعر الرسم، والأشياء الموجودة في الطبيعة"(24). فالشعرية هي ذلك الأثر الذي يلي إنتاج العمل الأدبي وتبقى بصماته باقية بعد ذلك، وهذا ما يقرره تودوروف بقوله:"ليس العمل الأدبي في حد ذاته هو موضوع الشعريات، إذ ما تستنطقه هو خصائص هذا الخطاب النوعي الذي هو الخطاب الأدبي"(25)، فالأثر أو توليد الإحساس في المتلقي أو كما خلص إلى ذلك كمال أبو ديب:"مسافة التوتر هي منبع الشعرية"(26)، ويَستخلص مفهوم الشعرية من شبكة العلاقات، القائمة في النّص، إذ يقول:"الشعرية خصيصة علائقية، أي أنها تجسد في النص لشبكة من العلاقات، التي تنمو بين مكونات أولية، سمتها الأساسية أن كلا منها يمكن أن يقع في سياق آخر دون أن يكون شعريا، لكنه في السياق التي تنشأ فيه هذه العلاقات، وفي حركته المتواشجة مع مكونات أخرى، لها السمة الأساسية ذاتها، يتحول إلى فاعلية خلق شعرية ومؤشر على وجودها"(27).
ومن هنا يستعين الكاتب أو الشاعر بمعجم خاص يُطَعِّمُه بالنحو المناسب لخلق لغة شعرية، حيث يساهم النحو في صياغة المعجم بطريقة خاصة تخرجه عن الكلام العادي، مثلما يوضِّح ذلك محمد عبد المطلب بقوله:"الشعرية منوطة بالمعجم من ناحية، والنحو من ناحية أخرى، حيث تكون السيطرة لخط النحو على خط المعجم، لتشكيله حسب مقولاته المحفوظة، بما يخرجه عن المألوف، أي: ينقل الصياغة من منطقة الحياد التعبيريّ إلى منطقة الأدبية "(28)، وهذا في حد ذاته مفهوم الانزياح حيث تتحول لغة الأدب من لغة الاستعمال اليومي إلى لغة شعرية تبعث بالإحساس والتوتر، كما يقول خليل الموسى:"الانزياح هو وسيلة الشاعر إلى خلق لغة شعرية داخل لغة النثر، ووظيفة خلق الإيحاء"(29).
ويعود فضل كبير إلى ياكبسون الذي:"بدأ الاهتمام بالشعريات معه ونظريته اللسانية التواصلية التي اهتدى فيها إلى مفهوم الرسالة، وما يمكن أن تولده من دلالات كالوظيفة الشعرية التي تكون فيها الرسالة غاية في ذاتها، لأنها العمل الفني المعني بالدراسة"(30)، والشعريات:"هي بخلاف تأويل الأعمال النوعية لا تسعى إلى تسمية المعنى، بل إلى معرفة القوانين العامة التي تنظم ولادة كل علم، ولكنها بخلاف هذه العلوم التي هي علم النفس، وعلم الاجتماع (..)تبحث عن هذه القوانين داخل الأدب ذاته، فالشعريات إذن مقاربة للأعمال مجردة وباطنية في الآن نفسه"(31)، وهي:"الكليات النظرية عن الأدب نابعة من الأدب نفسه إلى تأسيس مساره، فهي تناول تجريدي للأدب مثلما هي تحليل داخل له"(32).
ولأهمية اللغة ودورها في بعث هذا التوتر والإحساس من خلال انزياحها المقصود يرى الهادي الجطلاوي أن موضوع الأسلوبية:"هو النظر في الإنتاج الأدبي، وهو حدث لغوي لساني، أما منهجها في النفاذ إلى أسلوب النص فهو منهج لغوي يروم الوقوف على الخصائص اللغوية فيه وعلى العلاقة الرابطة بين هيكله اللغوي ووظيفته الشعرية"(33)، وتؤكد يمنى العيد ذلك بقولها:"لم يعد بإمكاننا اليوم أن نعالج المسألة الشعرية بمعزل عن المسألة اللغوية، ليس لأن الشعر نص مادته اللغة، بل لأن ما قدَّمته العلوم اللسانية الحديثة من مفاهيم تخص اللغة ترك أثره العميق والمباشر أحيانا على مفهوم الشعر"(34).
وهنا تبرز مسألة التداخل بين الأسلوبية والشعرية، وهو ما بيَّنه أحد الباحثين بقوله:"للأسلوبية علاقة بالشعرية، بحيث تشمل هذه الأخيرة الأسلوبية بوصفها مجالا من مجالاتها البارزة"(35)، لكن جون لويس كابانيس يبين ذلك بطريقته الخاصة، حيث يؤكد أن التداخل بين الشعريات والأسلوبيات راجع إلى اهتمامها-في الفترات الأخيرة- بالأسلوب، ومفهوم الانحراف، وفكرة الجنس، فهو على الرغم من انه حاول أن يفرق بين أسلوبيات شارل بالي التي كانت تهتم بالتعبير عن العواطف في اللسان دون الاعتناء بالآثار الأدبية، وأسلوبيات ليو سبيتزر (1887-1960) Léo Spitzer التي عمدت إلى دراسة أسلوب الكاتب، ونظرت إلى الأسلوب على انه انحراف نسبة القاعدة التي يكونها اللسان المعاصر، فتطورت الأسلوبيات حتى وجدت نفسها معنية بالأسلوب، ومفهوم الانحراف، والجنس الأدبي، والخطاب، فتقاطعت مع الشعريات التي كانت تقوم على دراسة هذه الموضوعات خصوصا ذلك المسمى بالأسلوب الشعري الرمزي، والأسلوب النثري، كما فعله جون كوهين"(36).
لكنه يعود ويحاول وضع الفرق بينهما في قوله:"الدرس اللساني يفرق بين الشعريات والأسلوبيات من حيث حدودهما العلمية وطبيعتهما، ذلك أن الاتجاه الشعري يظل مسوسا بمنظار منهجي لا يبحث عن الصفة المميزة للأسلوب، ولا يدرس الخصائص المميزة للعلامات إلا داخل منظومة الأثر، لأن الأعمال من مشمولات الأسلوبيات، وذلك هو الفرق بينهما"(37).
وتقر الأسلوبية بدور القارئ أو المتلقي، حيث يرى ميكائيل ريفاتير أن:"كل بنية نصية تثير رد فعل لدى القارئ تشكل موضوعا للأسلوب"(38)، كما اقترح فرانسوا راستيي François Rastier:"نظرية للقراءة عمدتها القارئ"(39)، وذلك إقرار بأهمية القارئ حين تلقيه للعمل الأدبي ودعوة صريحة لإشراكه في شرح وتفسير النص الأدبي، وهنا تبرز مسألة التأثير وتأثر الأعمال الأدبية بالنظرية التواصلية التي طرحها رامان سلدان الذي:"أبرز دور الرسالة، ودور القارئ الذي يفكك شفرة الرسالة في بناء الفعل التواصلي وإدراك الدلالات المختلفة"(40).
وأسهم نعوم تشومسكي (ولد عام 1928)Noam Chomsky من خلال نظريته التحويلية التي تُقَّدِم:"أداة للتحليل الأسلوبي يفسر العلاقة بين الإبداع عند الأديب والإبداع الذهني عند المتلقي"(41)، والحديث عن الإبداع عند المتلقي الذي يتواصل بالإبداع عند الأديب يطرح أهمية تزود المتلقي بالثقافة المطلوبة وإحاطته بالمجال الذي هو بصدد قراءته، كما يرى مصطفى ناصف أن:"النص الأدبي الرفيع لا يمكن أن يتفتح أمامنا دون ثقافة واسعة في المجال العقلي والروحي الذي ينتمي إليه هذا النص"(42) بمعنى أن هناك:"ظواهر أساسية في تركيب اللغة أو المعنى تحتاج إلى تنوير من خلال الربط بين الشعر واللغة والفلسفة والدين"(43)، وهنا يتأكد دور القراءة الواعية في تشكيل رؤية جديدة تتكشف لدى القارئ مع كل نص يقرأه، ومع تعدد القراءات يكتسب القارئ مجموعة من الطاقات التحليلية التي كانت غائبة عنه قبل ذلك في شتى مجالات إبداع الفكر البشري، مثلما يقول ليونارد بلومفيلد (1887-1949) Leonard Bloomfield:"لكي يتسنى لنا تحديد دلالة صيغة لغوية معينة تحديدا علميا دقيقا، لا بد لنا من معرفة علمية حقيقية بكل ما يشكل عالم المتكلم"(44)، وإذا كان هذا منطبقا على شتى أنواع الأدب، فإن الضرورة تقتضي ذلك خاصة في الشعر الذي يحفل بكثير من الإنزياحات ويطلق العنان للخيال والرمز، مما يحتِّم على القارئ الإبحار مع الشاعر والإمساك بالدلالة وإن تعددت أوجه التناص، ولعل هذا ما دفع هنري بير إلى أن يقول:"الحقيقة أظهرت لهاوي الشعر وللذي يقرأه لنفسه وينعم به دون الغوص فيه على تلميح مخفي أو رسالة فلسفية، أن الشعر الجيّد للقارئ الجيّد"(45) أو كما قال ملارميه في مقابلة أجراها معه جول هوريه عام 1891:"على الشعر دائما أن يحمل لغزا، وهو هذا هدف الأدب. أعتقد أن الشعر موجود للنخبة، في مجتمع يعرف ما الأبهة"(46)، هذه النخبة لا بد أن تكون المتلقي المتمكن والحصيف الذي يستطيع فك الألغاز وبالتالي الإحاطة بالدلالة.
يقول شكري عزيز الماضي:"يرى البنيويون بأن القارئ ليس ذاتا، إنه مجموعة من المواصفات التي تشكلت من خلال قراءاته السابقة، وبالتالي فإن قراءاته للنص وردّ فعله إزاءه تتحدد بتلك القراءات، وبما أن هناك قراء عديدين فإن هناك قراءات متعددة للنص الواحد"(47)، وهذا يعني أن قراءة جديدة تفيدنا بجانب من جوانب النص النابضة بالحياة، والتعدد في القراءة بقدر ما يستجلي إضاءات مختلفة حول النص، فهو يثري النص وقارئه معا، وكثرة القراءات بقدر ما تبيِّن لنا أهمية النص المقروء، فهي تطلعنا على الزوايا الممكنة والمحتملة التي يمكن النظر من خلالها إلى هذا النص، وبالتالي إمكانية القراءة والتأويل الذي يفرضه الانزياح في بنية النص الأدبي، وتحاول الأسلوبية الإمساك به.
والأسلوبية تهتم بالسياق للإحاطة بالدلالة، فالسياق وحده:"هو الذي يوضح لنا ما إذا كانت الكلمة ينبغي أن تؤخذ على أنها تعبير موضوعي صرف، أو أنها قصد بها أساسا التعبير عن العواطف، والانفعالات وإلى إثارة هذه العواطف والانفعالات، ويتضح هذا بخاصة في مجموعة معينة من الكلمات نحو:حرية، عدل، التي قد تشحن في كثير من الأحيان بمضامين عاطفية"(48)، أو كما يقول بلومفيلد:"إن دلالة صيغة لغوية ما إنما هي المقام الذي يفصح فيه المتكلم عن هذه الدلالة والرد اللغوي أو السلوكي الذي يصدر عن المخاطب"(49)، وهذا ما يوضحه أكثر أندري مارتيني (1908-1999) André Martinet بقوله:"خارج السياق لا تتوفر الكلمة على معنى"(50)، وأعطى بول جون أنطوان مييي (1866-1936) Paul Jules Antoine Meilletوجها إحصائيا للسياق حينما أكَّد أنه:"لا يتحدد معنى الكلمة إلا من خلال معدل استخداماتها"(51)، لهذا كان أشهر شعار لدى لودفيغ فيتغنشتاين (1889-1951) Ludwig Wittgenstein :"المعنى هو الاستعمال"(52)، وهو الشعار الذي تلقَّفه عبد السلام المسدي حينما وسم الأسلوب بالعبارة التالية:"الأسلوب هو الاستعمال ذاته، فكأن اللغة مجموعة شحنات معزولة. فالأسلوب هو إدخال بعضها في تفاعل مع البعض الآخر كما لو كان ذلك في مخبر كيماوي"(53)، فالكلمة لوحدها معزولة لا نستطيع الجزم بمدلولها، وتبقى الدلالة المعجمية لها مفتوحة على كل التأويلات، أما حين استخدامها في الجملة والنص فيمكن استبعاد بعض الدلالات والاقتراب من دلالات ممكنة أخرى، أو حصرها في دلالة واحدة لا غير.
وبناء على ما سبق يمكن أن نستخلص اتجاهات الأسلوبية ومقولاتها ومستويات التحليل فيها، وبالتالي الاستعانة بذلك في تحليلنا للنصوص الأدبية، وهي كما يلي:
1- الاتجاهات: وهي على تعددها فإنه يمكن حصرها في اتجاهين اثنين هما:
أ- أسلوبية التعبير:
أسلوبية التعبير أو الأسلوبية الوصفية تعنى بمعالجة تعبير اللغة بوصفه ترجمان أفكارنا. ويعد شارل بالّي رائدها بدون منازع ولا مدافع. وهو يحدد الأسلوبية بأنها: "دراسة أحداث التعبير اللغوي المنظم لمحتواه العاطفي، أي دراسة تعبير اللغة عن أحداث الحساسية، وفعل أحداث اللغة على الحساسية"(54). فهذه الأسلوبية – كما يؤكد بيير غيرو P.Guiraud -: "تعبيرية بحتة، ولا تعني إلا الإيصال المألوف والعفوي، وتستبعد كل اهتمام جمالي أو أدبي"(55). ومن أشياع هذا الاتجاه المتأثرين بمنهاج بالي ومفهومه للأسلوبية نلفي جول ماروزو (J. Marouzeau)، ومارسيل كروسو (M. Cressot).
ب- أسلوبية الفرد:
أسلوبية الفرد أو الأسلوبية التكوينية ظهرت على يد النمساوي ليو سبيتزر Léo Spitzer، كرد فعل على أسلوبية بالي، وبتأثير مباشر من أستاذه الألماني كارل فوسلير (1872-1949). ويرى سبيتزر أن الفرد مستعمِلَ اللغة غير ملزم بالتقيد بقواعد اللغة المتعارف عليها، بل بإمكانه أن يتملص منها، ويبدع تركيبا لغويا جديدا يميزه عن غيره، ويكون بمثابة أسلوب خاص به وحده. وتكمن مهمة الناقد الأسلوبي في دراسة تلك الخواص اللغوية المتفردة الدالة على شخصية الكاتب. ويبدو أن سبيتزر قد تأثر في رأيه هذا بآخرين سبقوه إلى توكيد صلة الأسلوب بصاحبه. بحيث يروى أن ( أفلاطون) قال: "كما تكون طباع الشخص يكون أسلوبه". واعتبر (سينيك) الأسلوب صورة الروح. وكان الكونت بوفون(1707-1788) Buffon قد ألقى في المجمع العلمي الفرنسي عام 1753 محاضرة نفيسة بعنوان "مقالات في الأسلوب"، مما جاء فيها: "الأسلوب هو الرجل عينه"؛ بمعنى أنه صورة لصاحبه، تبرز مزاجه وطريقته في التفكير ورؤيته إلى العالم. وبعبارة المسدي، فهو "فلسفة الذات في الوجود"(56). وقد أثَّر بوفون بنظريته هذه في كل الذين جاؤوا من بعده من نقاد الأدب ومنظّري الأسلوب (بول كلودال، شوبنهاور، فلوبير، ماكس جاكوب...). إن الأسلوب الفردي – كما يقول فريديريك دولوفر F. Deloffre - "حقيقة بما أنه يتسنى لمن كان له بعض الخبرة أن يميز عشرين بيتا من الشعر إن كانت لـ:راسين (Racine) أم لـ: كورناي (Corneille)، وأن يميز صفحة من النثر إن كانت لـ:بلزاك (Balzac) أم لـ:ستاندال (Stendhal)"(57). ويجرنا الإقرار بحقيقة الأسلوب الفردي إلى القول باختلاف الأساليب من كاتب إلى آخر. وقيل كذلك:" إن هنالك إلى جانب الأساليب الخاصة بواحد من أئمة الفن أسلوبا عاما مطلقا يصلح لكل زمان ومكان، وهذا الأسلوب العام هو الطريقة الكلية التي تعبر عن كيفية تأثير العقل في الطبيعة"(58).
وإلى جانب هاتين الأسلوبيتين يتحدث بعضهم عن أسلوبيات أخر، كالأسلوبية البنيوية التي وضع أسسها فرديناند دي سوسير. ومن أعلامها ريفاتير الذي يؤمن بوجود بنية في النص، وبوجوب البحث فيها. ويضيف إلى ذلك أهمية "المتلقي" في تحديد الأسلوب والأسلوبية. فهو يزعم أن هذه الأخيرة " تدرس في الملفوظ اللساني تلك العناصر التي تستعمل لإلزام المرسل إليه أو متلقي الشفرة ومفسرها بطريقة تفكير مرسل هذه الشفرة. بمعنى أنها تدرس فعل التواصل لا كإنتاج صرف لمتسلسلة لفظية، بل كأثر شخصية المتحاور وكانتباه المرسل إليه. باختصار، فهي تدرس الإيراد اللساني عندما يتعلق الأمر بنقل شحنة قوية من المعلومة"(59). ويرى أيضا أن كل بنية نصية تثير رد فعل لدى القارئ تشكل موضوعا للأسلوب. وكلما كان هذا الرد واعيا، كان الإحساس أقوى بميزة هذا الموضوع(60). واهتم ريفاتير كثيرا "بالسياق الأسلوبي"، وعرّفه على أنه نسق لغوي يقطعه عنصر غير متوقع (61)، أي مضاد للسياق، وغير متنبأ به، بحيث عقد له فصلا خاصا في كتابه الشهير(محاولات في الأسلوبية البنيوية)، وقسمه إلى "سياق أصغر" و"سياق أكبر". ونجد في هذا التيار كذلك ياكبسون، وإن كان جيرو يصنفه ضمن أسلوبية أخرى مستقلة، سماها" الأسلوبية الوظيفية".
وبالرغم من اختلاف الدارسين حول جدوى استخدام تقنية الإحصاء في دراسة الأسلوب بين معارض لها (غريماس مثلا) ومؤيد (مولر مثلا)، وكما وسم اولمان الطرق الإحصائية بافتقارها للحساسية الكافية لالتقاط الخبايا الدقيقة للنص، وعدم احتفالها بالسياق، وتقديمها الكم على الكيف، وحشدها لعناصر متباينة على صعيد واحد بناء على تشابه سطحي بينهما (62)، وذهاب تشومسكي إلى أن:"المصطلحات العلمية الفخمة والإحصاءات المؤثِّرة التي يكسو بها السلوكيون دراساتهم ما هي إلا لون من ألوان الخداع والتمويه يخفون به عجزهم عن تفسير الحقيقة البسيطة التي تقول أن اللغة ليست نمطا من العادات، وأنها تختلف جوهريا عن طرق الاتصال عند الحيوان"(63). إلا أن الفرنسي جيرو استطاع أن يؤسس لاتجاه أسلوبي بمؤازرة بعض رفاقه، وسمي "بالأسلوبية الإحصائية"، التي تتخذ من الأسلوب واقعة قابلة للقياس الكمي.
2- المقولات: وتتحدد مقولات الأسلوبية في ثلاثة عناصر: الاختيار-التركيب-الانزياح.
أ-الاختيار:
إن لغة النص الأدبي هي لغة مميزة، وهذا التميز يبين لنا أن الكاتب أو الشاعر قد اختار من المعجم اللغوي الضخم مجموعة من الكلمات حتى يستطيع تكوين رسالته وإحداث الأثر المرجو منها وبالتالي التواصل مع المتلقي، فلغة النص الإبداعي الأدبي هي لغة مختارة بعناية ودقة، ولهذا أجمع الباحثون على أن الكتابة أو النظم قوامها اختيار المعجم الخاص لإحداث الأثر الفني، ومن ذلك ما قاله جوزيف شريم:"إن الكتابة إجمالا والكتابة الشعرية خاصة هي نوع من =الاختيار=، يقوم به الشاعر على مستوى كل بيت من أبيات قصيدته"(64)، وأثبت تشومسكي ذلك بقوله:"الجُمل تولد عن طريق سلسلة من الاختيارات للكلمات داخل الجملة"(65)، وهو صاحب النحو التوليدي (أو التحويلي)، والذي يسمح بتوليد جملة من البدائل الأسلوبية والكلمات حتى تمكن الكاتب أو الشاعر من فرصة إيجاد خيارات واسعة في استعمال اللغة، وهذا أيضا ما كرره رجاء عيد بقوله:"كانت قناعة البنيويين أن المتكلم ينتقي خطابه على حسب اختياره من تلك الطاقة المختزنة في الذاكرة:اللغة، وفيها يكون انتقاءه لما يناسبه، وعليه فالأسلوب هو دراسة تلك الاختلافات، وتحليل أنماط التباينات"(66).
ب-التركيب:
إن تركيب النص الإبداعي خاصة حين ثورته على النمط النحوي المعتاد الذي يحترم قانون النحو، وتكوينه لتركيب جديد غير مألوف لدى المتلقي هو الذي يبعث الدهشة والتوتر، ومن هنا كانت الأسلوبية متتبعة له محاولة طرح السؤال "لماذا؟"، والإجابة عن هذا السؤال والتوصل إلى فهم التركيب الطارئ لهو بحق السبيل إلى فهم العمل الأدبي والوقوف على فنيته وإبداعيته، فـ:جون كوهين يرى بأنه:"لا يتحقق الشعر إلا بقدر تأمل اللغة وإعادة خلقها مع كل خطوة. وهذا يفترض تكسير الهياكل الثابتة للغة وقواعد النحو"(67)، لأن:"لكل أديب طريقة خاصة في استخدام الكلمة وتركيب الجملة من حيث النحو البلاغي...يجب أن ندرك أن التركيب=التشكيل=اللغوي هو المادة الحقيقية المشكلة لفن الأدب، لهذا ينبغي بذل جهد كبير في التعرف على كيفية استخدام الأديب للغة"(68)، خاصة إذا علمنا أن واحدا من الشعراء الكبار وهو ملارميه:"عرَّف نفسه بالعبارة العجيبة=أنا مركِّب="(69)، وقد اعتنى قدماء علماء العرب بفكرة أهمية التركيب فهذا عبد القاهر الجرجاني يقول:"الكلام لا يستقيم ولا تحصل منافعه التي هي الدلالات على المقاصد إلا بمراعاة أحكام النحو فيه من الإعراب والترتيب الخاص"(70)، الأمر الذي دفع بـ:مصطفى ناصف إلى التصريح بأنه( عبد القاهر):"حرّض الباحثين على أن يعيدوا قراءة الشعر العربي في ضوء فكرة تنظيم الكلمات"(71). ولا سبيل إذن من أجل الوقوف على أدبية الأدب إلا النظر في كيفية تشكيله وهندسته.
ج-الانزياح:
يشرح لنا انكفست الانزياح (أو الانحراف) بقوله:" سنستعمل مصطلح انحراف لنقصد به الخلاف بين النص والمعيار النحوي العام للغة، ولهذا فالانحراف يعني عدم النحوية وعدم القبول"(72)، ويحدد بول فاليري الأسلوب بأنه انحراف عن قاعدة أو معيار ما، أي انحراف عن قانون النحو، وبيّن مصطفى ناصف أن:"الاستعارة انحراف عن الأسلوب الواضح الدقيق"(73). فالانحراف إذن هو الخروج عن المألوف المعتاد في الكلام العادي بين الأفراد في المجتمع، والاتجاه نحو صيغة كلامية تبعث الإيحاء وتحث على التأويل، وبالتالي خلق التوتر والاستغراق في حالة التأثر ومحاولة الشرح، أو كما يسميه بعض الباحثين بـ:"مواطن الخروج على المستوى العام الذي عليه الاستعمال العادي للغة"(74).
ولإضاءة مفهومه للانحراف عن السياق يورد ريفاتير مصطلحين هامين وهما: الارتداد والتناص، ويعني بالأول تلك الوقائع الأسلوبية التي سبق للقارئ اكتشاف قيمها ثم لا تلبث أن تعدّل معانيها بأخرى بناء على ما يكتشفه القارئ وهو ماض في قراءته، كما يعني بالتناص ذلك الأثر الذي ينشأ عن تراكم عدد من المسالك الأسلوبية لتحدث قوة تعبيرية لافتة، والتي يعدها مثالا للوعي البالغ باستعمال اللغة(75).
وهنا يطرح برنرد شبلنرن بعض الأسئلة الوجيهة مثل: على أي مستوى لغوي ينبغي أن تكون الانحرافات ممكنة؟ كيف يتحدد مستوى المعيار الذي ينحرف عنه النص؟ أي: عن أي شيء بدقة ينحرف النص؟(76)
لا بد أنها أسئلة مهمة خاصة إذا أدرجنا الفعل التواصلي بين الأديب والمتلقي، فالأديب يهدف من رسالته إلى ملاقاة القارئ وإشراكه معه في الشرح والتحليل، فماذا يحدث إذا تعمق الانزياح كثيرا وأدى إلى غموض الرسالة؟، وهذا ممكن لأن القارئ قد لا يكون قادرا على فك الشفرة والإمساك بالدلالة، وهذا الإشكال يطرحه أحد الباحثين بقوله أن:"الانزياح يؤدي إلى غموض الرسالة، وإضعاف بنيتها، وهذا يعني أنه كلما عمد الشاعر إلى تعميق الانزياح ازداد انفصاله عن الجمهور"(77)، وقد حدث مثل هذا من قبل فـ:"الشاعر الانجليزي=كيتس= يوم كتب إلى أخيه رسالة في 18 شباط 1819، لام السذج الذين يأخذون الكلمة بمعناها الحرفي دون بعد في خلفياتها"(78)، ولعل هذا ما يسميه أتباع فيتغنشتاين:"التشنجات العقلية التي تنشأ عن المتاهات التي تخلقها اللغة"(79)، فالإنزياحات العميقة تخلق متاهات للعقل، وتجعله يسير في دوامة حلزونية لا متناهية تعيق فهمه للنص الأدبي.
إن:"الانزياح هو وسيلة الشاعر إلى خلق لغة شعرية داخل لغة النثر، ووظيفة خلق الإيحاء"(80)، لكن يبقى السؤال جوهريا: إلى أي حد يمكن أن يستمر الانزياح؟، وهل وظيفة خلق الإيحاء مبرر كاف لمراوغة القارئ والابتعاد عن شريحة كبيرة من القراء، ما دام أن هدف الأدب حسب البعض هو تبليغ الرسالة وبناء فعل التواصل؟ إنه سؤال نضعه هنا على أمل الإجابة عليه في المستقبل.
وتتخذ الأسلوبية من الخطاب الأدبي عامة مادة وغاية لها. يقول الباحث اللبناني بسّام بركة: "إن الأسلوبية تحليل لخطاب من نوع خاص، فهي وإن كانت تعتمد على قاعدة نظرية (لسانية أو سيميائية أو براغماتية)، فإنها أولا وأخيرا تطبيق يمارس على مادة هي الخطاب الأدبي"(81). وهي لا تقف عند حدود سطح النسج الأدبي، بل إنها" لا تلبث بعد ذلك أن تختلط بالنص ذاته عبر عمليات التفسير وشرح الوظيفة الجمالية للأسلوب لتجاوز السطح اللغوي ومحاولة تعمق دينامية الكتابة الإبداعية في تولدها من جانب وقيامها بوظائفها الجمالية من جانب آخر"(82).
3- المستويات:
تتحدد مستويات التحليل الأسلوبي من خلال التعريف الذي وضعه دي سوسير للكلام:"الكلام تطبيق أو استعمال للوسائل والأدوات الصوتية، والتركيبية والمعجمية، التي يوفرها اللسان" (83) فيما يلي:
أ- الصوت (أو الإيقاع): يرى أحد الباحثين أن الإيقاع:"هو تنظيم لأصوات اللغة بحيث تتوالى في نمط زمني محدد، ولا شك أن هذا التنظيم يشمل في إطاره خصائص هذه الأصوات كافة...فإن الصوائت التي هي أطول الأصوات في اللغة العربية، هي أكثرها جهرا وأقواها إسماعا، وأما التنغيم فهو نتاج توالي نغمات الأصوات الناتجة عن درجاتها"(84)، كما أن النبر هو:"ارتفاع في علو الصوت ينتج عن شدة ضغط الهواء المندفع من الرئتين، يطبع المقطع الذي يحمله ببروز أكثر وضوحا عن غيره من المقاطع المحيطة"(85).
ويعطي رجاء عيد لعلم الصوتيات أهمية بالغة في دراسة الأسلوب حيث يرى أن:" ...هناك بعض أنواع من الأدب لها إمكانية صوتية قوية، فالدراما والشعر يكتبان بكلمات مسموعة، والسمات اللغوية الخاصة التي تعرضها لا يمكن توضيحها إلا بألفاظ صوتية مصقولة، ولا بد أن يكون هذا اللفظ الصوتي قادرا على إلقاء الضوء على مثل هذه المظاهر كالجناس والسجع والقافية، واستخدام الكلمات التي تدل ألفاظها على معانيها والوزن والإيقاعات النغمية ومعرفة الطريقة التي تتباين فيها الحروف اللينة، وتتجمع الحروف الساكنة طبقا للموقع التي ترد فيه وكيفية النطق بها، فالحروف الساكنة تتجمع، والأماكن تتبدل في الوحدات الصوتية في تركيب المقاطع المتتالية، وكلها تمتزج وتتطابق لكي تعطي التأثير الشامل في النهاية"(86).
وعليه فما على الباحث الأسلوبي إلا دراسة الوزن والنبر والتنغيم والوقوف للإحاطة بما يحمله المقطع الشعري من مشاعر وعواطف وأحاسيس الشاعر والتي تتجسد في إيقاع الحرف والكلمة والعبارة، بالإضافة إلى البحر والقافية.
ب-التركيب: وهو عنصر مهم في بحث الخصائص الأسلوبية كدراسة طول الجملة وقصرها وعناصرها مثل المبتدأ والخبر، الفعل والفاعل، الصفة والموصوف وكذا ترتيبها، ودراسة الروابط مثل الواو، والفاء، وما، والتقديم والتأخير، والتذكير والتأنيث والتصريف، وبحث البنية العميقة للتركيب باستخدام النحو التوليدي لـ: تشومسكي في رصد الطاقة الكامنة في اللغة، ومعرفة التحويلات أو الصياغات الجديدة التي تتولد، والتي تعد أساسا من الأسس التي تكوِّن الأسلوب(87).
ج- الدلالة: يهتم علم الدلالة بـ:" الجانب المعجمي، وما تدل عليه الكلمات، مع تتبع لمستجدات المعنى الذي يلحق بتلك الدلالات، أو ما يدفع – بسبب التطور- إلى أن يتبدل ما تشير إليه تلك الكلمات أو سواها. ومن الممكن متابعة "الدلالة" من خلال النظام اللغوي الذي يتميز بخصائصه النحوية والصرفية، والتي تشكل لهذا النظام بنيته الخاصة به...وهذه البنية تتشكل منها ما يعرف بالحقول الدلالية، والتي تضم مجموعات تشكل مفهوما مشتركا، أو دلالة تدخل في نطاق واحد"(88).
وعليه فإن الباحث في الدلالة عليه أن يبحث في تلك العلاقة التي تربط الدال بمدلوله في النص من خلال السياق، وبالتالي فهم وتحديد الدلالة السياقية إن كانت دلالة مباشرة أو تحمل دلالات إيحائية أو تأويلية أخرى( الحقل الدلالي).
هوامش البحث:
1- هذا المدخل هو جزء من رسالتي للماجستير الموسومة ب:" بنية الخطاب الشعري الصوفي- التائية الكبرى لابن الفارض نموذجا- مقاربة أسلوبية"، والموجودة بمكتبة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسيدي بلعباس (غير منشورة).
2 - من بين المصطلحات المرادفة لمصطلح الانزياح لدى الباحثين العرب المعاصرين نجد: الانحراف، العدول، الشذوذ.
3 - ابن منظور، لسان العرب، مادة (سلب).
4- هنريش بليث، البلاغة والأسلوبية - نحو نموذج سيميائي لتحليل النص، تر. وتع: محمد العمري، (الدار البيضاء: إفريقيا الشرق، ط 2، 1999)، ص 51.
5 - جبور عبد النور، المعجم الأدبي، (بيروت: دار العلم للملايين، ط1 ،1979)، ص 20.
6- أحمد حساني، مباحث في اللسانيات، (الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 1994)، ص 38.
7- المرجع السابق، ص 38.
8- نفسه، ص 40.
9- نفسه، ص 51.
10- الزمخشري (جار الله أبي القاسم محمود بن عمر-)، أساس البلاغة، تح: عبد الرحيم محمود، (بيروت: دار المعرفة)، مادة"سلق"، ص217.
11- عبد السلام المسدي، الأسلوبية والأسلوب، (ليبيا – تونس: الدار العربية للكتاب، ط 2 ، 1982)، ص56.
12 - A. J. Greimas et J. Courtés: Sémiotique, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Ed Hachette, Paris, 1979, p366.
13- T. Todorov et O. Ducrot: Dictionnaire Encyclopédique des sciences du langage, Ed du seuil, Paris, 1972, p 101.
14- على حد تعبير صلاح فضل (ينظر: صلاح فضل، علم الأسلوب - مبادئه وإجراءاته، (بيروت: دار الآفاق الجديدة، ط1،1985)، ص5.
15- M. Riffaterre : Essais de stylistique structurale, Présentation et traduction de D. Delas, Flammarion, Paris, 1971, p27.
16- J. Dubois et Autres : Dictionnaire de linguistique, p458.
17- نقلا من كتاب المسدي: الأسلوبية والأسلوب، ص 48.
18- الهادي الجطلاوي، مدخل إلى الأسلوبية تنظيرا وتطبيقا، (الدار البيضاء: منشورات عيون، ط1، 1922)، ص 27.
19- في عام 1960، احتضنت جامعة أنديانا الأمريكية (Indiana University) ندوة دولية كبرى حول " الأسلوب"، شارك فيها صفوة من اللسانيين والنقاد وعلماء الاجتماع والنفس المعروفين عالميا. وفيها ألقى رومان ياكبسون (Roman Jacobson) محاضرة عنوانها "اللسانيات والشعرية" ، نادى فيها بتوثيق العلاقة بين اللسانيات والأدب عموما، وتمتين الروابط بينهما.( يمكن قراءة هذه المحاضرة في كتاب ياكبسون الشهير:" «Essais de linguistique générale »).
20- عبد السلام المسدي: النقد والحداثة، م.س، ص46.
21- المرجع السابق، ص 32.
22- جون لويس كابانيس: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، تر:عبد الجليل بن محمد الأزدي، تق: عبد العزيز جسوس، (الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، ط1، 2002)، ص 101 ← 143.
23 -Jean Dubois et Autres : Dictionnaire de linguistique (poétique), p «381 ».
24- جون كوهين، بنية اللغة الشعرية، تر. محمد الولي ومحمد العمري، (المغرب: دار توبقال للنشر، ط1، 1986)، ص9.
25- تزفيتان تودوروف، شعرية تودوروف، تر.شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، ، (المغرب: الدار البيضاء، دار توبقال، ط1، 1987)، ص27.
26- كمال أبو ديب، في الشعرية، (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ط1، 1987)، ص 136.
27 - المرجع السابق، ص 14. ( وانظر: حسن ناظم، مفاهيم الشعرية، دراسة مقارنة في الأصول والمنهج، ص 123).
28- محمد عبد المطلب، قراءات أسلوبية في الشعر العربي الحديث، ص 31.
29- خليل الموسى، الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر، (دمشق: مطبعة الجمهورية، ط1، 1991)، ص 100.
30- رومان ياكبسون، قضايا الشعرية، تر: محمد الولي(..)، (الدار البيضاء،1988)، ص27.
31- تزفيتان تودوروف، شعرية تودوروف، م.س، ص23.
32- عبد الله محمد الغذامي، الخطيئة والتكفير:من البنيوية إلى التشريحية، م.س، ص21.
33- الهادي الجطلاوي: مدخل إلى الأسلوبية تنظيرا وتطبيقا، م.س، ص 27.
34- يمنى العيد، في القول الشعري، (الدار البيضاء: 1988)، ص24.
35 - مقالة: علي كاظم علي: شعرية المجاز في البلاغة العربية، مجلة "جذور"، (جدة: ج 15، م 8، سبتمبر 2003)، ص 246.
36- جون لويس كابانيس: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، تر: فهد عكام، (سوريا، 1982)، ص108.
37- المرجع نفسه، ص111.
38- M. Riffaterre : Essais de stylistique structurale, p182.
39- François Rastier, Systématique des isotopies un essai de poétique, paris,1972, P35.
40- رامان سلدان، النظرية الأدبية المعاصرة، تر: جابر عصفور، ص181-182.
41 - في ميدان الأسلوبية أو علم الأسلوب stylistics أضافت نظرية تشومسكي بعدا جديدا وعميقا إلى الدراسات الأسلوبية. وهي تنطلق في التحليل الأسلوبي من مفهوم خاص للأسلوب وهو أن الشاعر أو الكاتب يستخدم أنواعا معينة من التحويلات في لغته وبخاصة التحويلات الاختيارية بحيث تصبح هذه التحويلات مميزا أسلوبيا عنده، لأن هذا الاختيار دون غيره وإلحاح الكاتب أو الشاعر على استخدامه من بين مجموع الطاقات التحويلية الكامنة في النظام اللغوي إنما هو أصلا استغلال لطاقات اللغة التي يستخدمها ولكن بتحولات معينة. ويشير "أوهمان" في مقال له عن=النحو التحويلي والأسلوب الأدبي= إلى ثلاث خصائص تمتاز بها النظرية التحويلية في دراسة الأسلوب وهي:
1- إن الكثير من التحويلات ذات طابع اختياري، أي أن التركيب المستعمل يمكن تحويله إلى عدة تراكيب على المستوى السطحي دون أن يحدث تغير هام في دلالة هذا التركيب، ومن هذه التحويلات تتكون مجموعة من البدائل التركيبية على المستوى الأسلوبي يمكن تتبعها.
2- العلاقة بين البنية السطحية والبنية العميقة فيما يتصل بالتراكيب التي يمكن استغلالها أسلوبيا وذلك في التراكيب المحولة عن بنية عميقة واحدة، حيث نجد أن هذه التراكيب تظل تحتفظ بعلاقتها بالتركيب العميق، ومن ثم نستطيع أن نفسر كيف تتحول عدة تراكيب سطحية إلى بدائل أسلوبية.
3- يختلف الكتّاب والشعراء في استخدام التراكيب المعقدة والغامضة كما وكيفا، وتستطيع النظرية التحويلية أن تكشف عن علاقة مثل هذه التراكيب بالتركيب العميق، لأن هذا الاختلاف في نوع التعقيد، أو درجة الغموض قائم على أساس من القواعد التحويلية التوليدية للغة.
ومعنى هذا أن النظرية التحويلية في مجال الدراسة الأسلوبية لا تقف عند حدود وصف العبارات المستخدمة، بل تقدم تفسيرا للقواعد اللغوية التي تتحكم في الصياغة وكذلك مدى فهم المتلقي لها، (ينظر: جون ليونز، نظرية تشومسكي اللغوية، تر. وتع: حلمي خليل، (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1995)، ص33-35 الهامش).
42- مصطفى ناصف، نظرية المعنى في النقد العربي، (بيروت: دار الأندلس)، ص167.
43- المرجع السابق، ص154.
44- سالم شاكر، مدخل إلى علم الدلالة، تر: محمد يحياتن، (الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية، 1992)، ص27.
45- هنري بير، الأدب الرمزي، تر: هنري زغيب، (بيروت- باريس: منشورات عويدات، ط1، 1981)، ص36.
46- هنري بير، الأدب الرمزي، ص39.
47- شكري عزيز الماضي، محاضرات في نظرية الأدب، (قسنطينة: دار البعث، ط1، 1984)، ص141-142.
48- أحمد حساني: مباحث في اللسانيات، م.س، ص 156.
49- سالم شاكر، مدخل إلى علم الدلالة، م.س، ص26.
50- المرجع السابق، ص31.
51- نفسه، نفس الصفحة.
52- مورتون وايت، عصر التحليل فلاسفة القرن العشرين، تر:أديب يوسف شيش، (دمشق:منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1975)، ص250-251.
53- عبد السلام المسدي، النقد والحداثة، م.س، ص 44.
54- Charles Bally : Traité de stylistique française, Paris, 3ème éd, 1951, Tome 1, p16.
55- بيير جيرو، الأسلوب والأسلوبية، تر: منذر عياشي، (بيروت: مركز الإنماء القومي)، ص 44.
56- عبد السلام المسدي: الأسلوبية والأسلوب، ص66.
57- نقلا من المرجع السابق، وأيضا من (النقد والحداثة)، ص 55.
58- جميل صليبا: المعجم الفلسفي، (بيروت: دار الكتاب اللبناني، ط 1، 1971)، 1/81.
59- M. Riffaterre: Essais de stylistique structurale, p 145.
60- المرجع السابق، ص182.
61- شكري عياد، اتجاهات البحث الأسلوبي، (الرياض: دار العلوم للطباعة، 1985)، ص 148.
62- ينظر مقال ستيفن اولمان، اتجاهات جديدة في علم الأسلوب في كتاب: شكري عياد، اتجاهات البحث الأسلوبي، م.س.
63- كان أول هجوم قام به تشومسكي على المذهب السلوكي حينما عرض كتاب ب.ف.سكينز B.F.Skinnes =السلوك اللغوي= عرضا مسهبا موثقا وكان ذلك في عام 1959.( ينظر: جون ليونز، نظرية تشومسكي اللغوية، م.س، ص36-37).
64- جوزيف شريم: الهندسة الصوتية في القصيدة المعاصرة، (عالم الفكر، مج 23، ع"3+4" يناير/ مارس/ إبريل ـ يونيو، 1994)، ص 117.
65- جون ليونز، نظرية تشومسكي اللغوية، م.س، ص17-18.
66- رجاء عيد، البحث الأسلوبي معاصرة وتراث، (الإسكندرية: منشأة دار المعارف جلال حزي وشركاه، 1993)، ص48.
67- جون كوهين، بنية اللغة الشعرية، م.س، ص 176.
68- طه وادي، جماليات القصيدة المعاصرة، (مصر: القاهرة، مطبعة دار المعارف، ط2، 1989)، ص 25.
69- جون كوهين، بنية اللغة الشعرية، م.س، ص 41.
70- عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة في علم البيان، تح: محمد الاسكندراني و م.مسعود،(بيروت: دار الكتاب العربي،ط2، 1998)، ص61.
71- مصطفى ناصف، نظرية المعنى في النقد العربي، ص18.
72- برنرد شبلنرن، علم اللغة والدراسات الأدبية، تر. وتع. محمود جاد الرب، (الدار الفنية، 1987)، ص 79.
73- مصطفى ناصف، نظرية المعنى في النقد العربي،م.س، ص85.
74- إبراهيم محمد، الضرورة الشعرية- دراسة أسلوبية، (لبنان: بيروت، دار الأندلس، ط3، 1983)، ص09.
75- شكري عياد، اتجاهات البحث الأسلوبي، م.س، ص 150 وما بعدها.
76- برنرد شبلنرن، علم اللغة والدراسات الأدبية، م.س، ص68.
77- خليل الموسى، الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر، م.س، ص 99.
78- هنري بير، الأدب الرمزي، م.س، ص08.
79- مورتون وايت، عصر التحليل فلاسفة القرن العشرين، م.س، ص107.
80- خليل الموسى، الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر، م.س، ص100.
81- بسام بركة: الخطاب الأدبي والنقد الأسلوبي الحديث عند جورج مولينيه، (مجلة" البحرين الثقافية"، ع 30، أكتوبر 2001)، ص 100. 82- صلاح فضل: مناهج النقد المعاصر، (الدار البيضاء: إفريقيا الشرق، ط1، 2002)، ص 88.
83- أحمد حساني، مباحث في اللسانيات، ص40.
84- سيد البحراوي، العروض وإيقاع الشعر العربي- محاولة لإنتاج معرفة علمية، (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993)، ص112.
85- المرجع السابق، ص116.
86- رجاء عيد، البحث الأسلوبي معاصرة وتراث، م.س، ص89.
87- مقالة:ابراهيم رماني، مدخل إلى الأسلوبية، (مجلة آمال، ع61، س14، 1985)، ص43.
88- رجاء عيد، البحث الأسلوبي معاصرة وتراث، م.س، ص65. الرسالة
youcef.kliel@laposte.net البريد Email :youcef.kliel@laposte.net
بقلم السيد/ قليل يوسف (باحث جامعي.جامعة سيدي بلعباس
مدخل إلى الأسلوبية (1)
نبتغي أن نصنع من هذا المدخل النظري نبراسا نهتدي بنوره في مقاربتنا الأسلوبية للنصوص الأدبية، وأن نقدم للطلبة والباحثين وكل قارئ لهذا البحث حصيلة مركَّزة عن المنهج الأسلوبي وكل التيارات والمناهج التي انصهرت معه لتكوين رؤية نقدية، وكذا الإحاطة بالمصطلحات النقدية المستعملة فيه مثل الأسلوبية، البنية، وخصوصا الانزياح(2) الذي هو جوهر الدراسة الأسلوبية.
انتقل الأسلوب في النقد الحديث من كونه يعني الطريق أو الفن أو المذهب أو الوجه (3)، ومن كونه عاما مميعا يختص بالموضة والفن والسياسة وتدبير الحياة اليومية (4)، إلى علم ومنهج نقدي قائم بذاته يتكفل برصد الملامح المميزة للخطاب الأدبي. ويُعرّف الأسلوب في الاصطلاح الأدبي النقدي عادة بأنه: "طريقة يستعملها الكاتب في التعبير عن موقفه، والإبانة عن شخصيته الأدبية المتميزة عن سواها، لا سيما في اختيار المفردات، وصياغة العبارات، والتشابيه والإيقاع" (5).واتخذ اسما خاصا به هو: "الأسلوبية".
ويرجع الفضل الأول في ظهور الأسلوبية إلى العالم اللغوي السويسري فرديناند دي سوسير (1913-1857)Ferdinand De Saussure الذي أظهر علم اللسانيات حيث يعزى إليه التفريق بين اللغة والكلام من خلال معادلته الشهيرة:"اللسان في نظرنا هو اللغة ناقص الكلام" (6)، حيث أوضح أن اللسان:"نتاج اجتماعي لملكة اللغة، فهو مجموعة من الأعراف الضرورية التي يستخدمها المجتمع لمزاولة هذه الملكة عند الأفراد"(7)، وأن اللسان:"ما هو إلا راسب من عمليات عديدة للكلام عبر الزمن، أما الكلام فانه تطبيق أو استعمال للوسائل والأدوات الصوتية، والتركيبية والمعجمية، التي يوفرها اللسان"(.
لكن الفضل الأكبر ناله تلميذه شارل بالّي (1947-1865) Charles Bally وهو:"باحث لساني كان مختصا في السنسكريتية واليونانية، ولما استوعب المفاهيم التي جاء بها دي سوسير وتمثلها عكف على دراسة الأسلوب فأرسى قواعد الأسلوبية المعاصرة ابتداء من سنة 1902"(9).
لقد أحدثت معادلة دي سوسير المفرِّقة بين اللغة والكلام ثورة في ميدان النقد الأدبي الحديث، باعتبار أن اللغة تمثل الثابت والكلام يمثل المتحول، بمعنى أن اللغة المعيارية ذات القواعد النحوية والصرفية الثابتة التي أوجدها علماء النحو، لا لشيء سوى أن يتقيد بها الجميع ويتكلمون بحسب تلك القواعد، سرعان ما يتجاهلها المتكلم ويحيد عنها من خلال الانحراف والانزياح والعدول عنها، ومع كثرة هذه الانزياحات والانحرافات تتحدد احتمالات عديدة وممكنة للكلام، ويصير المتكلم في وضع مريح يسمح له بنحت اللغة على حسب ما يريد التعبير عنه، مما خلق نوعا من الحساسية تجاه النظام والمعيار النحوي تجلت في قول الشاعر:
ولست بنحويٍّ يلوك لسانه --- ولكن سليقيٌّ أقول فأُعربُ(10)
وهذه الحساسية وضَّحها بشكل أفضل عبد السلام المسدي حينما اعتبر أن:"النحو مجال للقيود والأسلوبية مجال للحريات"(11).
ومن هنا يعمد المتكلم إلى أن يختار من اللغة معجما خاصا يوظفه حسب غاياته التعبيرية، ويركِّبه في شكل جديد وفريد، ينزاح عن المألوف ويقدمه للقارئ في أبهى حلة فينفرد بأسلوبه الخاص.
ومن هنا تظهر عناصر ثلاث (الاختيار، التركيب، الانزياح) في تكوين العمل الفني والأدبي، وهي نفسها مقولات الأسلوبية الهامة في رصد الإبداع الأدبي وتتبع التميز فيه، وأن مقاربة أي نص أسلوبيا لا بد أن تطرق هذه العناصر الثلاث. ومن هنا تولدت الخصومة بين الباحثين من أنصار البلاغة، والمنادين بتجاوزها وتأسيس نحو مستقل عنها، حيث وصف جوليان غريماس A. J. Greimas وجوزيف كورتيس J. Courtés الأسلوبية بأنها:"مجال بحثي يندرج ضمن التقليد البلاغي،لم تفلح في تنظيم نفسها في علم مستقل"(12)، بينما وسم كل من تزفيتان تودوروف T. Todorov وأوسوالد دوكرو(ولد عام 1930) Oswald Ducrot الأسلوبية أنها:"الوريث المباشر جدا للبلاغة"(13).
وفي المقابل نجد ثلة ثارت على البلاغة إلى حد وصفها بالعجوز(14)، واعتبر ميكائيل ريفاتير Michael Riffaterre أن البلاغة المعيارية من عراقيل الأسلوبية(15).
ولعل هذا الخلاف ناتج من الحقيقة العملية التي أثبتت أن الأسلوبية حينما تحاول الإحاطة بالانحرافات الموجودة في النص الأدبي فهي تقارنها بالبلاغة المعيارية، ومن هنا أضحى حضور البلاغة في المقاربة الأسلوبية للنصوص دائما ومستمرا، وأمسى المرجع الأساسي في إثبات الانزياح الأسلوبي.
والأسلوبية كمنهج نقدي يصنفها جون دوبوا Jean Dubois على أنها:"فرع من فروع علم اللسان"(16)، وهذا ما يؤكده ميشال أريفي Michel arrivéبقوله:"الأسلوبية وصف للنص الأدبي حسب طرائق مستقاة من اللسانيات"(17)، وهو إثبات لدور اللسانيات في بلورة مفهوم الأسلوبية، حيث يقول الهادي الجطلاوي:"الأسلوبية موضوعها النظر في الإنتاج الأدبي وهو حدث لغوي لساني"(18)، الأمر الذي دفع بـ:رومان ياكبسون (1896-1982) Roman Jacobsonفي إحدى محاضراته الشهيرة إلى أن نادى :"بتوثيق العلاقة بين اللسانيات والأدب عموما"(19)، وتلاه عبد السلام المسدي أيضا حين:"نادى بمد الجسور بين النقد وعلم اللسان عن طريق علم الأسلوب"(20)، ومعترفا في الوقت ذاته أنه:" من الحقائق التي غدت مقررة في عصرنا أن المعرفة الإنسانية مدينة للسانيات بفضل كثير، سواء في مناهج بحثها أو في تقدير حصيلتها العلمية"(21)، وكذلك جون لويس كابانيس Jean-Louis Cabanes الذي:"حاول الدفاع عن قوة العلاقة بين علم اللسان والنقد الأدبي، من خلال بيان مظاهر التأثير اللساني (دروس سوسير، مبادئ الشكلانيين الروس، ...)في النقد"(22).
وترتبط الأسلوبية مع المدارس النقدية الأخرى ومنها الشعرية (أو ما يصطلح عليها بالإنشائية)، هذه الأخيرة التي يصنفها جون دوبوا أيضا على أنها:"جزء لا يتجزأ من اللسانيات، وهي العلم الشامل الذي يبحث في البنيات اللسانية "(23)، أما جون كوهين Jean Cohenفيقول:"دل مصطلح الشعر على كل موضوع خارج عن الأدب، أي كل ما من شأنه إثارة الإحساس، فاستخدمت في الفنون الأخرى:شعر الموسيقى، شعر الرسم، والأشياء الموجودة في الطبيعة"(24). فالشعرية هي ذلك الأثر الذي يلي إنتاج العمل الأدبي وتبقى بصماته باقية بعد ذلك، وهذا ما يقرره تودوروف بقوله:"ليس العمل الأدبي في حد ذاته هو موضوع الشعريات، إذ ما تستنطقه هو خصائص هذا الخطاب النوعي الذي هو الخطاب الأدبي"(25)، فالأثر أو توليد الإحساس في المتلقي أو كما خلص إلى ذلك كمال أبو ديب:"مسافة التوتر هي منبع الشعرية"(26)، ويَستخلص مفهوم الشعرية من شبكة العلاقات، القائمة في النّص، إذ يقول:"الشعرية خصيصة علائقية، أي أنها تجسد في النص لشبكة من العلاقات، التي تنمو بين مكونات أولية، سمتها الأساسية أن كلا منها يمكن أن يقع في سياق آخر دون أن يكون شعريا، لكنه في السياق التي تنشأ فيه هذه العلاقات، وفي حركته المتواشجة مع مكونات أخرى، لها السمة الأساسية ذاتها، يتحول إلى فاعلية خلق شعرية ومؤشر على وجودها"(27).
ومن هنا يستعين الكاتب أو الشاعر بمعجم خاص يُطَعِّمُه بالنحو المناسب لخلق لغة شعرية، حيث يساهم النحو في صياغة المعجم بطريقة خاصة تخرجه عن الكلام العادي، مثلما يوضِّح ذلك محمد عبد المطلب بقوله:"الشعرية منوطة بالمعجم من ناحية، والنحو من ناحية أخرى، حيث تكون السيطرة لخط النحو على خط المعجم، لتشكيله حسب مقولاته المحفوظة، بما يخرجه عن المألوف، أي: ينقل الصياغة من منطقة الحياد التعبيريّ إلى منطقة الأدبية "(28)، وهذا في حد ذاته مفهوم الانزياح حيث تتحول لغة الأدب من لغة الاستعمال اليومي إلى لغة شعرية تبعث بالإحساس والتوتر، كما يقول خليل الموسى:"الانزياح هو وسيلة الشاعر إلى خلق لغة شعرية داخل لغة النثر، ووظيفة خلق الإيحاء"(29).
ويعود فضل كبير إلى ياكبسون الذي:"بدأ الاهتمام بالشعريات معه ونظريته اللسانية التواصلية التي اهتدى فيها إلى مفهوم الرسالة، وما يمكن أن تولده من دلالات كالوظيفة الشعرية التي تكون فيها الرسالة غاية في ذاتها، لأنها العمل الفني المعني بالدراسة"(30)، والشعريات:"هي بخلاف تأويل الأعمال النوعية لا تسعى إلى تسمية المعنى، بل إلى معرفة القوانين العامة التي تنظم ولادة كل علم، ولكنها بخلاف هذه العلوم التي هي علم النفس، وعلم الاجتماع (..)تبحث عن هذه القوانين داخل الأدب ذاته، فالشعريات إذن مقاربة للأعمال مجردة وباطنية في الآن نفسه"(31)، وهي:"الكليات النظرية عن الأدب نابعة من الأدب نفسه إلى تأسيس مساره، فهي تناول تجريدي للأدب مثلما هي تحليل داخل له"(32).
ولأهمية اللغة ودورها في بعث هذا التوتر والإحساس من خلال انزياحها المقصود يرى الهادي الجطلاوي أن موضوع الأسلوبية:"هو النظر في الإنتاج الأدبي، وهو حدث لغوي لساني، أما منهجها في النفاذ إلى أسلوب النص فهو منهج لغوي يروم الوقوف على الخصائص اللغوية فيه وعلى العلاقة الرابطة بين هيكله اللغوي ووظيفته الشعرية"(33)، وتؤكد يمنى العيد ذلك بقولها:"لم يعد بإمكاننا اليوم أن نعالج المسألة الشعرية بمعزل عن المسألة اللغوية، ليس لأن الشعر نص مادته اللغة، بل لأن ما قدَّمته العلوم اللسانية الحديثة من مفاهيم تخص اللغة ترك أثره العميق والمباشر أحيانا على مفهوم الشعر"(34).
وهنا تبرز مسألة التداخل بين الأسلوبية والشعرية، وهو ما بيَّنه أحد الباحثين بقوله:"للأسلوبية علاقة بالشعرية، بحيث تشمل هذه الأخيرة الأسلوبية بوصفها مجالا من مجالاتها البارزة"(35)، لكن جون لويس كابانيس يبين ذلك بطريقته الخاصة، حيث يؤكد أن التداخل بين الشعريات والأسلوبيات راجع إلى اهتمامها-في الفترات الأخيرة- بالأسلوب، ومفهوم الانحراف، وفكرة الجنس، فهو على الرغم من انه حاول أن يفرق بين أسلوبيات شارل بالي التي كانت تهتم بالتعبير عن العواطف في اللسان دون الاعتناء بالآثار الأدبية، وأسلوبيات ليو سبيتزر (1887-1960) Léo Spitzer التي عمدت إلى دراسة أسلوب الكاتب، ونظرت إلى الأسلوب على انه انحراف نسبة القاعدة التي يكونها اللسان المعاصر، فتطورت الأسلوبيات حتى وجدت نفسها معنية بالأسلوب، ومفهوم الانحراف، والجنس الأدبي، والخطاب، فتقاطعت مع الشعريات التي كانت تقوم على دراسة هذه الموضوعات خصوصا ذلك المسمى بالأسلوب الشعري الرمزي، والأسلوب النثري، كما فعله جون كوهين"(36).
لكنه يعود ويحاول وضع الفرق بينهما في قوله:"الدرس اللساني يفرق بين الشعريات والأسلوبيات من حيث حدودهما العلمية وطبيعتهما، ذلك أن الاتجاه الشعري يظل مسوسا بمنظار منهجي لا يبحث عن الصفة المميزة للأسلوب، ولا يدرس الخصائص المميزة للعلامات إلا داخل منظومة الأثر، لأن الأعمال من مشمولات الأسلوبيات، وذلك هو الفرق بينهما"(37).
وتقر الأسلوبية بدور القارئ أو المتلقي، حيث يرى ميكائيل ريفاتير أن:"كل بنية نصية تثير رد فعل لدى القارئ تشكل موضوعا للأسلوب"(38)، كما اقترح فرانسوا راستيي François Rastier:"نظرية للقراءة عمدتها القارئ"(39)، وذلك إقرار بأهمية القارئ حين تلقيه للعمل الأدبي ودعوة صريحة لإشراكه في شرح وتفسير النص الأدبي، وهنا تبرز مسألة التأثير وتأثر الأعمال الأدبية بالنظرية التواصلية التي طرحها رامان سلدان الذي:"أبرز دور الرسالة، ودور القارئ الذي يفكك شفرة الرسالة في بناء الفعل التواصلي وإدراك الدلالات المختلفة"(40).
وأسهم نعوم تشومسكي (ولد عام 1928)Noam Chomsky من خلال نظريته التحويلية التي تُقَّدِم:"أداة للتحليل الأسلوبي يفسر العلاقة بين الإبداع عند الأديب والإبداع الذهني عند المتلقي"(41)، والحديث عن الإبداع عند المتلقي الذي يتواصل بالإبداع عند الأديب يطرح أهمية تزود المتلقي بالثقافة المطلوبة وإحاطته بالمجال الذي هو بصدد قراءته، كما يرى مصطفى ناصف أن:"النص الأدبي الرفيع لا يمكن أن يتفتح أمامنا دون ثقافة واسعة في المجال العقلي والروحي الذي ينتمي إليه هذا النص"(42) بمعنى أن هناك:"ظواهر أساسية في تركيب اللغة أو المعنى تحتاج إلى تنوير من خلال الربط بين الشعر واللغة والفلسفة والدين"(43)، وهنا يتأكد دور القراءة الواعية في تشكيل رؤية جديدة تتكشف لدى القارئ مع كل نص يقرأه، ومع تعدد القراءات يكتسب القارئ مجموعة من الطاقات التحليلية التي كانت غائبة عنه قبل ذلك في شتى مجالات إبداع الفكر البشري، مثلما يقول ليونارد بلومفيلد (1887-1949) Leonard Bloomfield:"لكي يتسنى لنا تحديد دلالة صيغة لغوية معينة تحديدا علميا دقيقا، لا بد لنا من معرفة علمية حقيقية بكل ما يشكل عالم المتكلم"(44)، وإذا كان هذا منطبقا على شتى أنواع الأدب، فإن الضرورة تقتضي ذلك خاصة في الشعر الذي يحفل بكثير من الإنزياحات ويطلق العنان للخيال والرمز، مما يحتِّم على القارئ الإبحار مع الشاعر والإمساك بالدلالة وإن تعددت أوجه التناص، ولعل هذا ما دفع هنري بير إلى أن يقول:"الحقيقة أظهرت لهاوي الشعر وللذي يقرأه لنفسه وينعم به دون الغوص فيه على تلميح مخفي أو رسالة فلسفية، أن الشعر الجيّد للقارئ الجيّد"(45) أو كما قال ملارميه في مقابلة أجراها معه جول هوريه عام 1891:"على الشعر دائما أن يحمل لغزا، وهو هذا هدف الأدب. أعتقد أن الشعر موجود للنخبة، في مجتمع يعرف ما الأبهة"(46)، هذه النخبة لا بد أن تكون المتلقي المتمكن والحصيف الذي يستطيع فك الألغاز وبالتالي الإحاطة بالدلالة.
يقول شكري عزيز الماضي:"يرى البنيويون بأن القارئ ليس ذاتا، إنه مجموعة من المواصفات التي تشكلت من خلال قراءاته السابقة، وبالتالي فإن قراءاته للنص وردّ فعله إزاءه تتحدد بتلك القراءات، وبما أن هناك قراء عديدين فإن هناك قراءات متعددة للنص الواحد"(47)، وهذا يعني أن قراءة جديدة تفيدنا بجانب من جوانب النص النابضة بالحياة، والتعدد في القراءة بقدر ما يستجلي إضاءات مختلفة حول النص، فهو يثري النص وقارئه معا، وكثرة القراءات بقدر ما تبيِّن لنا أهمية النص المقروء، فهي تطلعنا على الزوايا الممكنة والمحتملة التي يمكن النظر من خلالها إلى هذا النص، وبالتالي إمكانية القراءة والتأويل الذي يفرضه الانزياح في بنية النص الأدبي، وتحاول الأسلوبية الإمساك به.
والأسلوبية تهتم بالسياق للإحاطة بالدلالة، فالسياق وحده:"هو الذي يوضح لنا ما إذا كانت الكلمة ينبغي أن تؤخذ على أنها تعبير موضوعي صرف، أو أنها قصد بها أساسا التعبير عن العواطف، والانفعالات وإلى إثارة هذه العواطف والانفعالات، ويتضح هذا بخاصة في مجموعة معينة من الكلمات نحو:حرية، عدل، التي قد تشحن في كثير من الأحيان بمضامين عاطفية"(48)، أو كما يقول بلومفيلد:"إن دلالة صيغة لغوية ما إنما هي المقام الذي يفصح فيه المتكلم عن هذه الدلالة والرد اللغوي أو السلوكي الذي يصدر عن المخاطب"(49)، وهذا ما يوضحه أكثر أندري مارتيني (1908-1999) André Martinet بقوله:"خارج السياق لا تتوفر الكلمة على معنى"(50)، وأعطى بول جون أنطوان مييي (1866-1936) Paul Jules Antoine Meilletوجها إحصائيا للسياق حينما أكَّد أنه:"لا يتحدد معنى الكلمة إلا من خلال معدل استخداماتها"(51)، لهذا كان أشهر شعار لدى لودفيغ فيتغنشتاين (1889-1951) Ludwig Wittgenstein :"المعنى هو الاستعمال"(52)، وهو الشعار الذي تلقَّفه عبد السلام المسدي حينما وسم الأسلوب بالعبارة التالية:"الأسلوب هو الاستعمال ذاته، فكأن اللغة مجموعة شحنات معزولة. فالأسلوب هو إدخال بعضها في تفاعل مع البعض الآخر كما لو كان ذلك في مخبر كيماوي"(53)، فالكلمة لوحدها معزولة لا نستطيع الجزم بمدلولها، وتبقى الدلالة المعجمية لها مفتوحة على كل التأويلات، أما حين استخدامها في الجملة والنص فيمكن استبعاد بعض الدلالات والاقتراب من دلالات ممكنة أخرى، أو حصرها في دلالة واحدة لا غير.
وبناء على ما سبق يمكن أن نستخلص اتجاهات الأسلوبية ومقولاتها ومستويات التحليل فيها، وبالتالي الاستعانة بذلك في تحليلنا للنصوص الأدبية، وهي كما يلي:
1- الاتجاهات: وهي على تعددها فإنه يمكن حصرها في اتجاهين اثنين هما:
أ- أسلوبية التعبير:
أسلوبية التعبير أو الأسلوبية الوصفية تعنى بمعالجة تعبير اللغة بوصفه ترجمان أفكارنا. ويعد شارل بالّي رائدها بدون منازع ولا مدافع. وهو يحدد الأسلوبية بأنها: "دراسة أحداث التعبير اللغوي المنظم لمحتواه العاطفي، أي دراسة تعبير اللغة عن أحداث الحساسية، وفعل أحداث اللغة على الحساسية"(54). فهذه الأسلوبية – كما يؤكد بيير غيرو P.Guiraud -: "تعبيرية بحتة، ولا تعني إلا الإيصال المألوف والعفوي، وتستبعد كل اهتمام جمالي أو أدبي"(55). ومن أشياع هذا الاتجاه المتأثرين بمنهاج بالي ومفهومه للأسلوبية نلفي جول ماروزو (J. Marouzeau)، ومارسيل كروسو (M. Cressot).
ب- أسلوبية الفرد:
أسلوبية الفرد أو الأسلوبية التكوينية ظهرت على يد النمساوي ليو سبيتزر Léo Spitzer، كرد فعل على أسلوبية بالي، وبتأثير مباشر من أستاذه الألماني كارل فوسلير (1872-1949). ويرى سبيتزر أن الفرد مستعمِلَ اللغة غير ملزم بالتقيد بقواعد اللغة المتعارف عليها، بل بإمكانه أن يتملص منها، ويبدع تركيبا لغويا جديدا يميزه عن غيره، ويكون بمثابة أسلوب خاص به وحده. وتكمن مهمة الناقد الأسلوبي في دراسة تلك الخواص اللغوية المتفردة الدالة على شخصية الكاتب. ويبدو أن سبيتزر قد تأثر في رأيه هذا بآخرين سبقوه إلى توكيد صلة الأسلوب بصاحبه. بحيث يروى أن ( أفلاطون) قال: "كما تكون طباع الشخص يكون أسلوبه". واعتبر (سينيك) الأسلوب صورة الروح. وكان الكونت بوفون(1707-1788) Buffon قد ألقى في المجمع العلمي الفرنسي عام 1753 محاضرة نفيسة بعنوان "مقالات في الأسلوب"، مما جاء فيها: "الأسلوب هو الرجل عينه"؛ بمعنى أنه صورة لصاحبه، تبرز مزاجه وطريقته في التفكير ورؤيته إلى العالم. وبعبارة المسدي، فهو "فلسفة الذات في الوجود"(56). وقد أثَّر بوفون بنظريته هذه في كل الذين جاؤوا من بعده من نقاد الأدب ومنظّري الأسلوب (بول كلودال، شوبنهاور، فلوبير، ماكس جاكوب...). إن الأسلوب الفردي – كما يقول فريديريك دولوفر F. Deloffre - "حقيقة بما أنه يتسنى لمن كان له بعض الخبرة أن يميز عشرين بيتا من الشعر إن كانت لـ:راسين (Racine) أم لـ: كورناي (Corneille)، وأن يميز صفحة من النثر إن كانت لـ:بلزاك (Balzac) أم لـ:ستاندال (Stendhal)"(57). ويجرنا الإقرار بحقيقة الأسلوب الفردي إلى القول باختلاف الأساليب من كاتب إلى آخر. وقيل كذلك:" إن هنالك إلى جانب الأساليب الخاصة بواحد من أئمة الفن أسلوبا عاما مطلقا يصلح لكل زمان ومكان، وهذا الأسلوب العام هو الطريقة الكلية التي تعبر عن كيفية تأثير العقل في الطبيعة"(58).
وإلى جانب هاتين الأسلوبيتين يتحدث بعضهم عن أسلوبيات أخر، كالأسلوبية البنيوية التي وضع أسسها فرديناند دي سوسير. ومن أعلامها ريفاتير الذي يؤمن بوجود بنية في النص، وبوجوب البحث فيها. ويضيف إلى ذلك أهمية "المتلقي" في تحديد الأسلوب والأسلوبية. فهو يزعم أن هذه الأخيرة " تدرس في الملفوظ اللساني تلك العناصر التي تستعمل لإلزام المرسل إليه أو متلقي الشفرة ومفسرها بطريقة تفكير مرسل هذه الشفرة. بمعنى أنها تدرس فعل التواصل لا كإنتاج صرف لمتسلسلة لفظية، بل كأثر شخصية المتحاور وكانتباه المرسل إليه. باختصار، فهي تدرس الإيراد اللساني عندما يتعلق الأمر بنقل شحنة قوية من المعلومة"(59). ويرى أيضا أن كل بنية نصية تثير رد فعل لدى القارئ تشكل موضوعا للأسلوب. وكلما كان هذا الرد واعيا، كان الإحساس أقوى بميزة هذا الموضوع(60). واهتم ريفاتير كثيرا "بالسياق الأسلوبي"، وعرّفه على أنه نسق لغوي يقطعه عنصر غير متوقع (61)، أي مضاد للسياق، وغير متنبأ به، بحيث عقد له فصلا خاصا في كتابه الشهير(محاولات في الأسلوبية البنيوية)، وقسمه إلى "سياق أصغر" و"سياق أكبر". ونجد في هذا التيار كذلك ياكبسون، وإن كان جيرو يصنفه ضمن أسلوبية أخرى مستقلة، سماها" الأسلوبية الوظيفية".
وبالرغم من اختلاف الدارسين حول جدوى استخدام تقنية الإحصاء في دراسة الأسلوب بين معارض لها (غريماس مثلا) ومؤيد (مولر مثلا)، وكما وسم اولمان الطرق الإحصائية بافتقارها للحساسية الكافية لالتقاط الخبايا الدقيقة للنص، وعدم احتفالها بالسياق، وتقديمها الكم على الكيف، وحشدها لعناصر متباينة على صعيد واحد بناء على تشابه سطحي بينهما (62)، وذهاب تشومسكي إلى أن:"المصطلحات العلمية الفخمة والإحصاءات المؤثِّرة التي يكسو بها السلوكيون دراساتهم ما هي إلا لون من ألوان الخداع والتمويه يخفون به عجزهم عن تفسير الحقيقة البسيطة التي تقول أن اللغة ليست نمطا من العادات، وأنها تختلف جوهريا عن طرق الاتصال عند الحيوان"(63). إلا أن الفرنسي جيرو استطاع أن يؤسس لاتجاه أسلوبي بمؤازرة بعض رفاقه، وسمي "بالأسلوبية الإحصائية"، التي تتخذ من الأسلوب واقعة قابلة للقياس الكمي.
2- المقولات: وتتحدد مقولات الأسلوبية في ثلاثة عناصر: الاختيار-التركيب-الانزياح.
أ-الاختيار:
إن لغة النص الأدبي هي لغة مميزة، وهذا التميز يبين لنا أن الكاتب أو الشاعر قد اختار من المعجم اللغوي الضخم مجموعة من الكلمات حتى يستطيع تكوين رسالته وإحداث الأثر المرجو منها وبالتالي التواصل مع المتلقي، فلغة النص الإبداعي الأدبي هي لغة مختارة بعناية ودقة، ولهذا أجمع الباحثون على أن الكتابة أو النظم قوامها اختيار المعجم الخاص لإحداث الأثر الفني، ومن ذلك ما قاله جوزيف شريم:"إن الكتابة إجمالا والكتابة الشعرية خاصة هي نوع من =الاختيار=، يقوم به الشاعر على مستوى كل بيت من أبيات قصيدته"(64)، وأثبت تشومسكي ذلك بقوله:"الجُمل تولد عن طريق سلسلة من الاختيارات للكلمات داخل الجملة"(65)، وهو صاحب النحو التوليدي (أو التحويلي)، والذي يسمح بتوليد جملة من البدائل الأسلوبية والكلمات حتى تمكن الكاتب أو الشاعر من فرصة إيجاد خيارات واسعة في استعمال اللغة، وهذا أيضا ما كرره رجاء عيد بقوله:"كانت قناعة البنيويين أن المتكلم ينتقي خطابه على حسب اختياره من تلك الطاقة المختزنة في الذاكرة:اللغة، وفيها يكون انتقاءه لما يناسبه، وعليه فالأسلوب هو دراسة تلك الاختلافات، وتحليل أنماط التباينات"(66).
ب-التركيب:
إن تركيب النص الإبداعي خاصة حين ثورته على النمط النحوي المعتاد الذي يحترم قانون النحو، وتكوينه لتركيب جديد غير مألوف لدى المتلقي هو الذي يبعث الدهشة والتوتر، ومن هنا كانت الأسلوبية متتبعة له محاولة طرح السؤال "لماذا؟"، والإجابة عن هذا السؤال والتوصل إلى فهم التركيب الطارئ لهو بحق السبيل إلى فهم العمل الأدبي والوقوف على فنيته وإبداعيته، فـ:جون كوهين يرى بأنه:"لا يتحقق الشعر إلا بقدر تأمل اللغة وإعادة خلقها مع كل خطوة. وهذا يفترض تكسير الهياكل الثابتة للغة وقواعد النحو"(67)، لأن:"لكل أديب طريقة خاصة في استخدام الكلمة وتركيب الجملة من حيث النحو البلاغي...يجب أن ندرك أن التركيب=التشكيل=اللغوي هو المادة الحقيقية المشكلة لفن الأدب، لهذا ينبغي بذل جهد كبير في التعرف على كيفية استخدام الأديب للغة"(68)، خاصة إذا علمنا أن واحدا من الشعراء الكبار وهو ملارميه:"عرَّف نفسه بالعبارة العجيبة=أنا مركِّب="(69)، وقد اعتنى قدماء علماء العرب بفكرة أهمية التركيب فهذا عبد القاهر الجرجاني يقول:"الكلام لا يستقيم ولا تحصل منافعه التي هي الدلالات على المقاصد إلا بمراعاة أحكام النحو فيه من الإعراب والترتيب الخاص"(70)، الأمر الذي دفع بـ:مصطفى ناصف إلى التصريح بأنه( عبد القاهر):"حرّض الباحثين على أن يعيدوا قراءة الشعر العربي في ضوء فكرة تنظيم الكلمات"(71). ولا سبيل إذن من أجل الوقوف على أدبية الأدب إلا النظر في كيفية تشكيله وهندسته.
ج-الانزياح:
يشرح لنا انكفست الانزياح (أو الانحراف) بقوله:" سنستعمل مصطلح انحراف لنقصد به الخلاف بين النص والمعيار النحوي العام للغة، ولهذا فالانحراف يعني عدم النحوية وعدم القبول"(72)، ويحدد بول فاليري الأسلوب بأنه انحراف عن قاعدة أو معيار ما، أي انحراف عن قانون النحو، وبيّن مصطفى ناصف أن:"الاستعارة انحراف عن الأسلوب الواضح الدقيق"(73). فالانحراف إذن هو الخروج عن المألوف المعتاد في الكلام العادي بين الأفراد في المجتمع، والاتجاه نحو صيغة كلامية تبعث الإيحاء وتحث على التأويل، وبالتالي خلق التوتر والاستغراق في حالة التأثر ومحاولة الشرح، أو كما يسميه بعض الباحثين بـ:"مواطن الخروج على المستوى العام الذي عليه الاستعمال العادي للغة"(74).
ولإضاءة مفهومه للانحراف عن السياق يورد ريفاتير مصطلحين هامين وهما: الارتداد والتناص، ويعني بالأول تلك الوقائع الأسلوبية التي سبق للقارئ اكتشاف قيمها ثم لا تلبث أن تعدّل معانيها بأخرى بناء على ما يكتشفه القارئ وهو ماض في قراءته، كما يعني بالتناص ذلك الأثر الذي ينشأ عن تراكم عدد من المسالك الأسلوبية لتحدث قوة تعبيرية لافتة، والتي يعدها مثالا للوعي البالغ باستعمال اللغة(75).
وهنا يطرح برنرد شبلنرن بعض الأسئلة الوجيهة مثل: على أي مستوى لغوي ينبغي أن تكون الانحرافات ممكنة؟ كيف يتحدد مستوى المعيار الذي ينحرف عنه النص؟ أي: عن أي شيء بدقة ينحرف النص؟(76)
لا بد أنها أسئلة مهمة خاصة إذا أدرجنا الفعل التواصلي بين الأديب والمتلقي، فالأديب يهدف من رسالته إلى ملاقاة القارئ وإشراكه معه في الشرح والتحليل، فماذا يحدث إذا تعمق الانزياح كثيرا وأدى إلى غموض الرسالة؟، وهذا ممكن لأن القارئ قد لا يكون قادرا على فك الشفرة والإمساك بالدلالة، وهذا الإشكال يطرحه أحد الباحثين بقوله أن:"الانزياح يؤدي إلى غموض الرسالة، وإضعاف بنيتها، وهذا يعني أنه كلما عمد الشاعر إلى تعميق الانزياح ازداد انفصاله عن الجمهور"(77)، وقد حدث مثل هذا من قبل فـ:"الشاعر الانجليزي=كيتس= يوم كتب إلى أخيه رسالة في 18 شباط 1819، لام السذج الذين يأخذون الكلمة بمعناها الحرفي دون بعد في خلفياتها"(78)، ولعل هذا ما يسميه أتباع فيتغنشتاين:"التشنجات العقلية التي تنشأ عن المتاهات التي تخلقها اللغة"(79)، فالإنزياحات العميقة تخلق متاهات للعقل، وتجعله يسير في دوامة حلزونية لا متناهية تعيق فهمه للنص الأدبي.
إن:"الانزياح هو وسيلة الشاعر إلى خلق لغة شعرية داخل لغة النثر، ووظيفة خلق الإيحاء"(80)، لكن يبقى السؤال جوهريا: إلى أي حد يمكن أن يستمر الانزياح؟، وهل وظيفة خلق الإيحاء مبرر كاف لمراوغة القارئ والابتعاد عن شريحة كبيرة من القراء، ما دام أن هدف الأدب حسب البعض هو تبليغ الرسالة وبناء فعل التواصل؟ إنه سؤال نضعه هنا على أمل الإجابة عليه في المستقبل.
وتتخذ الأسلوبية من الخطاب الأدبي عامة مادة وغاية لها. يقول الباحث اللبناني بسّام بركة: "إن الأسلوبية تحليل لخطاب من نوع خاص، فهي وإن كانت تعتمد على قاعدة نظرية (لسانية أو سيميائية أو براغماتية)، فإنها أولا وأخيرا تطبيق يمارس على مادة هي الخطاب الأدبي"(81). وهي لا تقف عند حدود سطح النسج الأدبي، بل إنها" لا تلبث بعد ذلك أن تختلط بالنص ذاته عبر عمليات التفسير وشرح الوظيفة الجمالية للأسلوب لتجاوز السطح اللغوي ومحاولة تعمق دينامية الكتابة الإبداعية في تولدها من جانب وقيامها بوظائفها الجمالية من جانب آخر"(82).
3- المستويات:
تتحدد مستويات التحليل الأسلوبي من خلال التعريف الذي وضعه دي سوسير للكلام:"الكلام تطبيق أو استعمال للوسائل والأدوات الصوتية، والتركيبية والمعجمية، التي يوفرها اللسان" (83) فيما يلي:
أ- الصوت (أو الإيقاع): يرى أحد الباحثين أن الإيقاع:"هو تنظيم لأصوات اللغة بحيث تتوالى في نمط زمني محدد، ولا شك أن هذا التنظيم يشمل في إطاره خصائص هذه الأصوات كافة...فإن الصوائت التي هي أطول الأصوات في اللغة العربية، هي أكثرها جهرا وأقواها إسماعا، وأما التنغيم فهو نتاج توالي نغمات الأصوات الناتجة عن درجاتها"(84)، كما أن النبر هو:"ارتفاع في علو الصوت ينتج عن شدة ضغط الهواء المندفع من الرئتين، يطبع المقطع الذي يحمله ببروز أكثر وضوحا عن غيره من المقاطع المحيطة"(85).
ويعطي رجاء عيد لعلم الصوتيات أهمية بالغة في دراسة الأسلوب حيث يرى أن:" ...هناك بعض أنواع من الأدب لها إمكانية صوتية قوية، فالدراما والشعر يكتبان بكلمات مسموعة، والسمات اللغوية الخاصة التي تعرضها لا يمكن توضيحها إلا بألفاظ صوتية مصقولة، ولا بد أن يكون هذا اللفظ الصوتي قادرا على إلقاء الضوء على مثل هذه المظاهر كالجناس والسجع والقافية، واستخدام الكلمات التي تدل ألفاظها على معانيها والوزن والإيقاعات النغمية ومعرفة الطريقة التي تتباين فيها الحروف اللينة، وتتجمع الحروف الساكنة طبقا للموقع التي ترد فيه وكيفية النطق بها، فالحروف الساكنة تتجمع، والأماكن تتبدل في الوحدات الصوتية في تركيب المقاطع المتتالية، وكلها تمتزج وتتطابق لكي تعطي التأثير الشامل في النهاية"(86).
وعليه فما على الباحث الأسلوبي إلا دراسة الوزن والنبر والتنغيم والوقوف للإحاطة بما يحمله المقطع الشعري من مشاعر وعواطف وأحاسيس الشاعر والتي تتجسد في إيقاع الحرف والكلمة والعبارة، بالإضافة إلى البحر والقافية.
ب-التركيب: وهو عنصر مهم في بحث الخصائص الأسلوبية كدراسة طول الجملة وقصرها وعناصرها مثل المبتدأ والخبر، الفعل والفاعل، الصفة والموصوف وكذا ترتيبها، ودراسة الروابط مثل الواو، والفاء، وما، والتقديم والتأخير، والتذكير والتأنيث والتصريف، وبحث البنية العميقة للتركيب باستخدام النحو التوليدي لـ: تشومسكي في رصد الطاقة الكامنة في اللغة، ومعرفة التحويلات أو الصياغات الجديدة التي تتولد، والتي تعد أساسا من الأسس التي تكوِّن الأسلوب(87).
ج- الدلالة: يهتم علم الدلالة بـ:" الجانب المعجمي، وما تدل عليه الكلمات، مع تتبع لمستجدات المعنى الذي يلحق بتلك الدلالات، أو ما يدفع – بسبب التطور- إلى أن يتبدل ما تشير إليه تلك الكلمات أو سواها. ومن الممكن متابعة "الدلالة" من خلال النظام اللغوي الذي يتميز بخصائصه النحوية والصرفية، والتي تشكل لهذا النظام بنيته الخاصة به...وهذه البنية تتشكل منها ما يعرف بالحقول الدلالية، والتي تضم مجموعات تشكل مفهوما مشتركا، أو دلالة تدخل في نطاق واحد"(88).
وعليه فإن الباحث في الدلالة عليه أن يبحث في تلك العلاقة التي تربط الدال بمدلوله في النص من خلال السياق، وبالتالي فهم وتحديد الدلالة السياقية إن كانت دلالة مباشرة أو تحمل دلالات إيحائية أو تأويلية أخرى( الحقل الدلالي).
هوامش البحث:
1- هذا المدخل هو جزء من رسالتي للماجستير الموسومة ب:" بنية الخطاب الشعري الصوفي- التائية الكبرى لابن الفارض نموذجا- مقاربة أسلوبية"، والموجودة بمكتبة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسيدي بلعباس (غير منشورة).
2 - من بين المصطلحات المرادفة لمصطلح الانزياح لدى الباحثين العرب المعاصرين نجد: الانحراف، العدول، الشذوذ.
3 - ابن منظور، لسان العرب، مادة (سلب).
4- هنريش بليث، البلاغة والأسلوبية - نحو نموذج سيميائي لتحليل النص، تر. وتع: محمد العمري، (الدار البيضاء: إفريقيا الشرق، ط 2، 1999)، ص 51.
5 - جبور عبد النور، المعجم الأدبي، (بيروت: دار العلم للملايين، ط1 ،1979)، ص 20.
6- أحمد حساني، مباحث في اللسانيات، (الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 1994)، ص 38.
7- المرجع السابق، ص 38.
8- نفسه، ص 40.
9- نفسه، ص 51.
10- الزمخشري (جار الله أبي القاسم محمود بن عمر-)، أساس البلاغة، تح: عبد الرحيم محمود، (بيروت: دار المعرفة)، مادة"سلق"، ص217.
11- عبد السلام المسدي، الأسلوبية والأسلوب، (ليبيا – تونس: الدار العربية للكتاب، ط 2 ، 1982)، ص56.
12 - A. J. Greimas et J. Courtés: Sémiotique, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Ed Hachette, Paris, 1979, p366.
13- T. Todorov et O. Ducrot: Dictionnaire Encyclopédique des sciences du langage, Ed du seuil, Paris, 1972, p 101.
14- على حد تعبير صلاح فضل (ينظر: صلاح فضل، علم الأسلوب - مبادئه وإجراءاته، (بيروت: دار الآفاق الجديدة، ط1،1985)، ص5.
15- M. Riffaterre : Essais de stylistique structurale, Présentation et traduction de D. Delas, Flammarion, Paris, 1971, p27.
16- J. Dubois et Autres : Dictionnaire de linguistique, p458.
17- نقلا من كتاب المسدي: الأسلوبية والأسلوب، ص 48.
18- الهادي الجطلاوي، مدخل إلى الأسلوبية تنظيرا وتطبيقا، (الدار البيضاء: منشورات عيون، ط1، 1922)، ص 27.
19- في عام 1960، احتضنت جامعة أنديانا الأمريكية (Indiana University) ندوة دولية كبرى حول " الأسلوب"، شارك فيها صفوة من اللسانيين والنقاد وعلماء الاجتماع والنفس المعروفين عالميا. وفيها ألقى رومان ياكبسون (Roman Jacobson) محاضرة عنوانها "اللسانيات والشعرية" ، نادى فيها بتوثيق العلاقة بين اللسانيات والأدب عموما، وتمتين الروابط بينهما.( يمكن قراءة هذه المحاضرة في كتاب ياكبسون الشهير:" «Essais de linguistique générale »).
20- عبد السلام المسدي: النقد والحداثة، م.س، ص46.
21- المرجع السابق، ص 32.
22- جون لويس كابانيس: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، تر:عبد الجليل بن محمد الأزدي، تق: عبد العزيز جسوس، (الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، ط1، 2002)، ص 101 ← 143.
23 -Jean Dubois et Autres : Dictionnaire de linguistique (poétique), p «381 ».
24- جون كوهين، بنية اللغة الشعرية، تر. محمد الولي ومحمد العمري، (المغرب: دار توبقال للنشر، ط1، 1986)، ص9.
25- تزفيتان تودوروف، شعرية تودوروف، تر.شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، ، (المغرب: الدار البيضاء، دار توبقال، ط1، 1987)، ص27.
26- كمال أبو ديب، في الشعرية، (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ط1، 1987)، ص 136.
27 - المرجع السابق، ص 14. ( وانظر: حسن ناظم، مفاهيم الشعرية، دراسة مقارنة في الأصول والمنهج، ص 123).
28- محمد عبد المطلب، قراءات أسلوبية في الشعر العربي الحديث، ص 31.
29- خليل الموسى، الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر، (دمشق: مطبعة الجمهورية، ط1، 1991)، ص 100.
30- رومان ياكبسون، قضايا الشعرية، تر: محمد الولي(..)، (الدار البيضاء،1988)، ص27.
31- تزفيتان تودوروف، شعرية تودوروف، م.س، ص23.
32- عبد الله محمد الغذامي، الخطيئة والتكفير:من البنيوية إلى التشريحية، م.س، ص21.
33- الهادي الجطلاوي: مدخل إلى الأسلوبية تنظيرا وتطبيقا، م.س، ص 27.
34- يمنى العيد، في القول الشعري، (الدار البيضاء: 1988)، ص24.
35 - مقالة: علي كاظم علي: شعرية المجاز في البلاغة العربية، مجلة "جذور"، (جدة: ج 15، م 8، سبتمبر 2003)، ص 246.
36- جون لويس كابانيس: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، تر: فهد عكام، (سوريا، 1982)، ص108.
37- المرجع نفسه، ص111.
38- M. Riffaterre : Essais de stylistique structurale, p182.
39- François Rastier, Systématique des isotopies un essai de poétique, paris,1972, P35.
40- رامان سلدان، النظرية الأدبية المعاصرة، تر: جابر عصفور، ص181-182.
41 - في ميدان الأسلوبية أو علم الأسلوب stylistics أضافت نظرية تشومسكي بعدا جديدا وعميقا إلى الدراسات الأسلوبية. وهي تنطلق في التحليل الأسلوبي من مفهوم خاص للأسلوب وهو أن الشاعر أو الكاتب يستخدم أنواعا معينة من التحويلات في لغته وبخاصة التحويلات الاختيارية بحيث تصبح هذه التحويلات مميزا أسلوبيا عنده، لأن هذا الاختيار دون غيره وإلحاح الكاتب أو الشاعر على استخدامه من بين مجموع الطاقات التحويلية الكامنة في النظام اللغوي إنما هو أصلا استغلال لطاقات اللغة التي يستخدمها ولكن بتحولات معينة. ويشير "أوهمان" في مقال له عن=النحو التحويلي والأسلوب الأدبي= إلى ثلاث خصائص تمتاز بها النظرية التحويلية في دراسة الأسلوب وهي:
1- إن الكثير من التحويلات ذات طابع اختياري، أي أن التركيب المستعمل يمكن تحويله إلى عدة تراكيب على المستوى السطحي دون أن يحدث تغير هام في دلالة هذا التركيب، ومن هذه التحويلات تتكون مجموعة من البدائل التركيبية على المستوى الأسلوبي يمكن تتبعها.
2- العلاقة بين البنية السطحية والبنية العميقة فيما يتصل بالتراكيب التي يمكن استغلالها أسلوبيا وذلك في التراكيب المحولة عن بنية عميقة واحدة، حيث نجد أن هذه التراكيب تظل تحتفظ بعلاقتها بالتركيب العميق، ومن ثم نستطيع أن نفسر كيف تتحول عدة تراكيب سطحية إلى بدائل أسلوبية.
3- يختلف الكتّاب والشعراء في استخدام التراكيب المعقدة والغامضة كما وكيفا، وتستطيع النظرية التحويلية أن تكشف عن علاقة مثل هذه التراكيب بالتركيب العميق، لأن هذا الاختلاف في نوع التعقيد، أو درجة الغموض قائم على أساس من القواعد التحويلية التوليدية للغة.
ومعنى هذا أن النظرية التحويلية في مجال الدراسة الأسلوبية لا تقف عند حدود وصف العبارات المستخدمة، بل تقدم تفسيرا للقواعد اللغوية التي تتحكم في الصياغة وكذلك مدى فهم المتلقي لها، (ينظر: جون ليونز، نظرية تشومسكي اللغوية، تر. وتع: حلمي خليل، (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1995)، ص33-35 الهامش).
42- مصطفى ناصف، نظرية المعنى في النقد العربي، (بيروت: دار الأندلس)، ص167.
43- المرجع السابق، ص154.
44- سالم شاكر، مدخل إلى علم الدلالة، تر: محمد يحياتن، (الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية، 1992)، ص27.
45- هنري بير، الأدب الرمزي، تر: هنري زغيب، (بيروت- باريس: منشورات عويدات، ط1، 1981)، ص36.
46- هنري بير، الأدب الرمزي، ص39.
47- شكري عزيز الماضي، محاضرات في نظرية الأدب، (قسنطينة: دار البعث، ط1، 1984)، ص141-142.
48- أحمد حساني: مباحث في اللسانيات، م.س، ص 156.
49- سالم شاكر، مدخل إلى علم الدلالة، م.س، ص26.
50- المرجع السابق، ص31.
51- نفسه، نفس الصفحة.
52- مورتون وايت، عصر التحليل فلاسفة القرن العشرين، تر:أديب يوسف شيش، (دمشق:منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1975)، ص250-251.
53- عبد السلام المسدي، النقد والحداثة، م.س، ص 44.
54- Charles Bally : Traité de stylistique française, Paris, 3ème éd, 1951, Tome 1, p16.
55- بيير جيرو، الأسلوب والأسلوبية، تر: منذر عياشي، (بيروت: مركز الإنماء القومي)، ص 44.
56- عبد السلام المسدي: الأسلوبية والأسلوب، ص66.
57- نقلا من المرجع السابق، وأيضا من (النقد والحداثة)، ص 55.
58- جميل صليبا: المعجم الفلسفي، (بيروت: دار الكتاب اللبناني، ط 1، 1971)، 1/81.
59- M. Riffaterre: Essais de stylistique structurale, p 145.
60- المرجع السابق، ص182.
61- شكري عياد، اتجاهات البحث الأسلوبي، (الرياض: دار العلوم للطباعة، 1985)، ص 148.
62- ينظر مقال ستيفن اولمان، اتجاهات جديدة في علم الأسلوب في كتاب: شكري عياد، اتجاهات البحث الأسلوبي، م.س.
63- كان أول هجوم قام به تشومسكي على المذهب السلوكي حينما عرض كتاب ب.ف.سكينز B.F.Skinnes =السلوك اللغوي= عرضا مسهبا موثقا وكان ذلك في عام 1959.( ينظر: جون ليونز، نظرية تشومسكي اللغوية، م.س، ص36-37).
64- جوزيف شريم: الهندسة الصوتية في القصيدة المعاصرة، (عالم الفكر، مج 23، ع"3+4" يناير/ مارس/ إبريل ـ يونيو، 1994)، ص 117.
65- جون ليونز، نظرية تشومسكي اللغوية، م.س، ص17-18.
66- رجاء عيد، البحث الأسلوبي معاصرة وتراث، (الإسكندرية: منشأة دار المعارف جلال حزي وشركاه، 1993)، ص48.
67- جون كوهين، بنية اللغة الشعرية، م.س، ص 176.
68- طه وادي، جماليات القصيدة المعاصرة، (مصر: القاهرة، مطبعة دار المعارف، ط2، 1989)، ص 25.
69- جون كوهين، بنية اللغة الشعرية، م.س، ص 41.
70- عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة في علم البيان، تح: محمد الاسكندراني و م.مسعود،(بيروت: دار الكتاب العربي،ط2، 1998)، ص61.
71- مصطفى ناصف، نظرية المعنى في النقد العربي، ص18.
72- برنرد شبلنرن، علم اللغة والدراسات الأدبية، تر. وتع. محمود جاد الرب، (الدار الفنية، 1987)، ص 79.
73- مصطفى ناصف، نظرية المعنى في النقد العربي،م.س، ص85.
74- إبراهيم محمد، الضرورة الشعرية- دراسة أسلوبية، (لبنان: بيروت، دار الأندلس، ط3، 1983)، ص09.
75- شكري عياد، اتجاهات البحث الأسلوبي، م.س، ص 150 وما بعدها.
76- برنرد شبلنرن، علم اللغة والدراسات الأدبية، م.س، ص68.
77- خليل الموسى، الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر، م.س، ص 99.
78- هنري بير، الأدب الرمزي، م.س، ص08.
79- مورتون وايت، عصر التحليل فلاسفة القرن العشرين، م.س، ص107.
80- خليل الموسى، الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر، م.س، ص100.
81- بسام بركة: الخطاب الأدبي والنقد الأسلوبي الحديث عند جورج مولينيه، (مجلة" البحرين الثقافية"، ع 30، أكتوبر 2001)، ص 100. 82- صلاح فضل: مناهج النقد المعاصر، (الدار البيضاء: إفريقيا الشرق، ط1، 2002)، ص 88.
83- أحمد حساني، مباحث في اللسانيات، ص40.
84- سيد البحراوي، العروض وإيقاع الشعر العربي- محاولة لإنتاج معرفة علمية، (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993)، ص112.
85- المرجع السابق، ص116.
86- رجاء عيد، البحث الأسلوبي معاصرة وتراث، م.س، ص89.
87- مقالة:ابراهيم رماني، مدخل إلى الأسلوبية، (مجلة آمال، ع61، س14، 1985)، ص43.
88- رجاء عيد، البحث الأسلوبي معاصرة وتراث، م.س، ص65. الرسالة
youcef.kliel@laposte.net البريد Email :youcef.kliel@laposte.net