منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    مستويات تحليل الخطاب الشعري

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    مستويات تحليل الخطاب الشعري Empty مستويات تحليل الخطاب الشعري

    مُساهمة   الأربعاء ديسمبر 30, 2009 6:04 am

    مستويات تحليل الخطاب الشعري: (عبدئيل) موفق محمد إنموذجا
    المصدر: الزوراء
    02 / 09 / 06
    باقر جاسم محمد

    1 -
    إذا كان الشعر مما يدرك و لا يعرف فأن هذا يعني أننا نحتكم، في معرفة الشعر، إلى تجربة القراءة و التلقي لأن الإدراك و المعرفة إنما يحدثان في نطاق صيرورة عملية القراءة نفسها. بيد أن هذا الفهم لن يعفينا من محاولة البدء بتعريف ما للشعر على جسامة الخطورة التي تنطوي عليها مثل هذه المحاولة. ولسوف نسعى أن يكون هذا التعريف جامعا ً لمزايا الشعر الفنية البنيوية من جهة، ومزاياه الدلالية والتأويلية من جهة أخرى. أي أنه تعريف يصف البنية والمكونات ويصف ووظيفة الشعر في آن واحد. كما سنحرص على أن يتسم التعريف بالمرونة الإجرائية الضرورية التي تنأى به عن أن يكون تعريفا ً لاتجاه بعينه في إنشاء الشعر قولا ً أو كتابة. و انطلاقا ً من كل هذا، فسيكون التعريف هو ما يحتوي ضمنا ً على بعض المنطلقات الفلسفية في فهم التجربة الشعرية التي تعد جزءا ً أصيلا ً من التعريف. ونردف بالقول أن الشعر يمكن أن يعرف بأنه (رؤيا ذاتية مجازية للعالم مصوغة بلغة الاستعارة و المجاز و الرمز بحيث تكون قادرة على إنتاج أثر جمالي كنائي شامل عند التلقي). وهذا يعني أيضا ً أن المزايا النصية البنيوية من استعارة ومجاز ورمز وخصائص أسلوبية أخرى ستكون موضع عناية عند القراءة النقدية التي هي قراءة مختلفة بالضرورة عن قراءة القارئ العادي. وهذه المزايا النصية سينظر إليها على أنها " مولدة " للأثر الجمالي الكنائي ؛ ذلك الأثر الذي يجمع بين الخصائص النصية وفعالية الذات القارئة و المؤولة للنص في وحدة متفردة نسميها تجربة القراءة الجمالية. وننبه هنا إلى أن هذا التسلسل( رؤيا ذاتية مجازية للعالم، ثم مزايا فنية ونصية، ثم أثر جمالي و كنائي ) لا يعبر عن تعاقب أو تسلسل منهجي عند التحليل النقدي؛ فلسوف نعتمد المرونة في الانتقال من مستوى تحليل المزايا الفنية إلى محاولة استخلاص الرؤيا الذاتية للعالم ومن ثم سنسعى إلى تحديد معالم القراءة التأويلية لمجموعة موفق محمد " عبدئيل " على نحو من الحرية دون أن نلزم أنفسنا باقتفاء هذا التسلسل المنهجي.
    2.
    من الخصائص التي تكررت حتى غدت سمة أسلوبية مميزة لأغلب نصوص المجموعة هي تلك الإهداءات التي تعقب العنوانات. فمثلا كانت " ثلاث قصائد" مهداة إلى ناجح المعموري، و كان نص " النهر والمقصلة " إلى كريم الموسوي؛ وهكذا تتوالى أسماء رياض محمد وعلي النداف وسلمان داود محمد و حسن عمران و أحمد خلف. ونود القول أن هذه الإهداءات تمثل موجهات خارجية للقراءة، ذلك إن قراء المجموعة يمكن أن يكونوا ممن يعرفون الشخصيات التي أهديت لها القصائد، وبعضها شخصيات أدبية مرموقة ولها مواقف فكرية واضحة. كما يمكن أن يكونوا ممن لا يعرف شيئا عن هذه الشخصيات أو يعرفون بعضها ويجهلون بعضها الآخر. وفي كل الأحوال فأن القارئ سيسعى جاهدا في إستكناه العلاقة بين دلالة النص وما تبثه شخصية من أهديت لهم النصوص وما يرتبط بذلك من معان ٍ ومواقف في الحياة والفكر . أما الذين لا يعرفون من أهديت إليهم النصوص فأنهم سيجدون أنفسهم أمام حقيقة أن العتمة تحيط بمنطقة خاصة من النص لأننا نعتقد أن كل ما يكتبه الشاعر في النص، والإهداء جزء منه،إنما يكون لغاية فنية و فكرية في آن واحد، وهو ينتج دلالة من نوع ما تؤثر في التأويل النهائي للنص.
    ففي نص "بيوض العمى " وهو أول نصوص المجموعة وقد أهداه الشاعر إلى ناجح المعموري، نقرأ:
    في عيني تفتض الغيوم بكارتها لتبدأ البكاء
    و في عيني يضع العمى بيوضه و ينام
    فلا غرابة
    من هذا المطر المتشح بالسواد
    حزنا على رجولته التي يلوط بها اليباب
    فلم تعد الأرض أنثى
    بل هي الذكر الوحيد الذي يلقح السماء
    بناطحات السحاب
    لتلد لنا المقابر.
    و ليلحظ القارئ كيف أن نسيج هذا النص يحفل بالمجاز وبما يفضي إلى تشكيل صورة كنائية شاملة. وفضلا عن ذلك فأن النص يستمد طاقته التعبيرية من تعاضد ألفاظه التي تمتاح من نفس يهيمن عليها الإحساس بالفجيعة . فالعمى هو السيد الذي يضع بيوضه كناية عن التكاثر، والمطر يتشح بالسواد متخليا عن الوعد بالخصوبة مما يذكرنا بقول السياب " أتعلمين أي حزن يبعث المطر"، كما أن الرجولة قد ارتدت إلى حالة الاستلاب . وينتهي النص بلفظة لها مغزاها الكئيب وهي لفظة المقابر لتكون ملمحا ً دلاليا ً بارزا ً في هذا النص. وهذه اللفظة ليست الوحيدة في هذا الإيحاء السوداوي، فنحن نجد ألفاظا ً من قبيل التوابيت والموت تشيع في نصوص المجموعة لتشكل مهيمنات دلالية تفصح عن حدود الرؤيا الذاتية المجازية المأساوية للعالم. ففي النص المركزي " عبدئيل " الذي يحمل سمة خاصة جعلت من عنوانه عنوانا ً شاملا ً للمجموعة يضيف الشاعر عناصر أخرى إذ نقرأ:
    مرٌّ طعم الروح
    و طازجة فاكهة الموت
    و الخمر جميل و صديق
    الخمر طريق
    ديناصور أعمى يزحف فوق الروح
    الخمر خيول و جروح.
    و هنا نلاحظ تكرار لفظة مرتبطة بالعمى، و لكن ما يفتتحه هذا النص هو ذكر الخمر التي تمثل مهيمنة أخرى، و لسوف يرد ذكرها في نصوص أخرى على نحو مباشر أو غير مباشر لتمثل عنصرا فاعلا في توليد المغزى الشامل للنص الشعري عند موفق محمد حين يورد لها تعريفا ً شعريا ًطريفا ً آخر إذ يقول في " الثلج المقلي ":
    فالثورة.... .. ..... .. .. ..
    لا يمكن أن توجد إلا بالخمر
    الخمر.. ..
    الخمر.. ..
    وطن للزاني
    و السافل
    و القديس .
    هكذا تغدو الخمرة رمزا ً للخلاص النفسي بعد أن صار الخلاص الفعلي مستحيلا ً. والواقع أن الخمرة ترمز إلى الروح الديونيزي الذي يسكن قلب النص الشعري، وهي بذلك تكون العنصر الثاني بعد عنصر الموت الذي يسهم في تكوين الثنائية الضدية المولدة لجدلية النص الشعري . وتتضمن المجموعة إشارات لمسكوت عنه هو فكرة الفداء والثورة . ففي نص " النهر والمقصلة " يتحول هذا المسكوت عنه إلى عنصر مهيمن آخر إذ نقرأ:
    إنا ابتكرنا لغة للموت تفهم بالإشارة
    هل كان آدم قبل آدم
    من يا ترى لف الجريمة بالجريمة و استراح
    من الداء؟
    الموت قبل الناي يعزف في عروق الأرض
    يبتكر السلالم للصعود إلى السماء
    الريح تعوي في الجماجم
    و المصاحف في الرماح.
    ها هنا نرى الموت رمزا للسكوت الأبدي والصمت عن ذكر الحقيقة الذي هو بداية الثورة والفداء. ويتضمن النص إشارة إلى واقعة رفع المصاحف التاريخية المعروفة في إعادة إنتاج لها بغية توكيد فكرة تواصل الخديعة مما يفرض ضرورة الثورة . أما التساؤل عن آدم الذي قبل آدم فهو إشارة إلى إمكانات التأويل للتصور الديني للتأريخ، ونتذكر هنا أن الدكتور عبد الصبور شاهين قد قال بمثل هذا الرأي لكن غرض الشاعر من هذه الإشارة ليس إثباتها أو نفيها وإنما التذكير باحتمال وجود دور تأريخي متكرر قد يعني الأمل بنهاية الليل . بيد أن هذا الاستثمار الديني والتاريخي يمتد ليشمل اللغة أو الأداء اللغوي في القرآن الكريم .ويعود النص الشعري إلى الارتباط بالجذر المجازي المعبر عن التوق إلى الحرية، فنقرأ :
    النهر قيد بالسلاسل
    و الموج يحلم بالخلاص
    إن فر أو قصد السواقي
    مات رميا بالرصاص.
    ولسوف تكون نبوءة الثورة أكثر وضوحا حين نقرأ:
    لا تبتئس يا صاح
    إن دما سيغلي في جذور الأرض، في
    الأشجار في قمم الجبال
    و لسوف تنهمر الدما
    حمما تطوح بالطغاة
    لا فلك ينفع إن موجا كالجبال
    سيفور من عين السماء .
    هكذا يدمج الديني بالتاريخي بالواقعي لتكون رؤيا النص منطوية على الأمثولة التي تشتق من الماضي عبرة للمستقبل . و لكي يعضد النص هذا الإحساس بالزمن الآتي فإنه يمتاح من الموروث مرة أخرى حين يورد رمزا للثورة هو الحسين (ع) . فالحسين هو الثائر الحلم الذي يقترن أسمه بالظمأ بمعنى العطش، والظمأ إلى العدالة بمعنى التعطش لها . لذلك فأن نهر الفرات سيكون رمزا لوعد لم يتحقق فنقرأ:
    يا أيها النهر الذي ما ذاق من ظمأ
    الحسين
    لو ذقت منه
    لسار موجك بالضياء و بالحياة الى الأبد
    ولصرت قبلة كل ماء في السماء
    وتوضأت فيك البحار
    ورتلت:
    يا أيها النهر الصمد
    يا أيها النهر الصمد.
    هكذا تتكشف الرؤيا المأساوية للثورة المتكررة دون أمل بالنصر . فقوله " لو ذقت من " يعني امتناع الامتناع مما يعني التعذر المطلق . لذلك فأن كل الأحلام المرتبطة بالنهر، و نتساءل هنا: أهو نهر أم رمز للشعب الذي خذل الحسين؟، نقول أن كل هذه الأحلام ستظل مجهضة لأن النهر لم يرتق إلى مصاف التفاعل مع عطش الحسين لذلك فهو سيظل ملاحقا بلعنة " الموج الذي يقتل بعضه بعضا " كما جاء في موضع آخر من النص نفسه .
    وهكذا، ومرة أخرى، تتكامل عناصر الخلق الشعري لتؤدي أثرها الشامل منجزة فعلها عند المتلقي، مؤكدة على أن الشعر يمكن أن يتناول أكثر عناصر الواقع سخونة دون أن يتنازل عن شروط الأداء الرفيع، وأن الرسالة الفكرية في الشعر يمكن أن تؤدي غرضها دون أن تخمد جمرة الفعل الجمالي، وهو أمر حققته مجموعة " عبدئيل " بامتياز.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 3:40 am