منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    مقاربة بنيوية-أسلوبية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    مقاربة بنيوية-أسلوبية Empty مقاربة بنيوية-أسلوبية

    مُساهمة   الأربعاء ديسمبر 30, 2009 6:29 am

    باسم سليمان واللامباشرة الشعرية .. مقاربة بنيوية-أسلوبية (2)
    سعيد بودبوز

    أكيد إذا لم نحسن استنطاق السياق العام فسنختار أسهل التأويلات ونقول بأن القصيدة مفككة ولا شيء يربط شرقها بغربها، ولكن بمسؤولية وجدية نخلص إلى طرح السؤال التالي: لماذا يبني الفلك (السفينة)؟

    الجواب : لأن المطر الذي قال فيه قبل هذا المقطع" كنتِ تقطعين خسّ الضوء بسكاكين المطر" قد بدأ يشتد. وبما أن الأمر كذلك فهو يحاكي النبي نوح ( الذي أخذ في السفينة من كل زوج اثنين) إلا أن الشاعر لا تعنيه أجناس الحيوانات بل أجناس المقولات؛ السؤال والجواب. إذا قلنا بأن الشاعر قد استوحى هذا التصوير من قصة نوح فلننظر من أين وكيف استوحى عناصره الشعرية(الخاصة/الفردية) التي تجعلها استيحاء وليست اقتباسا. مثلا، لماذا يبني فلك الرمل؟ أو بالأحرى من أين جاء الرمل؟ لماذا لم يقل "الخشب"؟ الجواب أن الشاعر قد استوحى "الرمل" من قوله في المقطع السابق" أطبخ رمل الوقت" وهو استيحاء داخلي جاء نتيجة انطواء النص على داله ومدلوله المستقلين عن المرجع الخارجي نسبيا. كيف؟ عندما تحول الـ(عاشقون) إلى (جياع الريح) كان على الطعام أن يناسب هذه الريح ! ولهذا يجب أن نركز على كلمة"طبخ" فهي تدل على النار، وبالتالي الوقود. فعندما نشعل النار في الحطب، على سبيل المثال، نراها تتأجج بالريح. وإذا كانت كذلك فهذا يعني أن الريح تأكل الحطب(الخشب) من خلال النار. إذن يصح القول بأن تركيز ذات الشاعر على طبيعة الطعام، المناسب لجياع الريح، قد أوصله إلى الإحساس بأنه يطبخ الحطب(الخشب) الذي تأكله الريح. ومن هنا نقول بأن الـ(رمل) يساوي الـ(خشب) وفق البنية الدلالية الداخلية للنص.على أن الخشب كان مضمرا في عملية الـ(طبخ) من خلال صرف نظر القارئ إلى الـ(رمل) باعتباره وجبة مستقلة عن الحطب ! ولقد اتضح ذلك بعد أن وجدنا المتكلم يبني الفلك (السفينة) من هذا الرمل(الخشب) لندرك بأنه قد انتقل من الخشب(البنية البسيطة) إلى- استيحاء- الرمل(البنية المركبة) سيرا على التحويل الأول، أي أنه قد أخذ الخشب في طية الرمل. وبعد أن بنى السفينة قال:

    "وأنتظر زمن الورق"

    الورق يرمز إلى البر، فعندما بنى السفينة-وقد استعرض شريط قصة نوح في أذهاننا- كان لا بد أن يتوجه(يبحر) نحو البر، هنا يبقى سؤال لا بد من إيجاد الإجابة عليه، وهو التالي: لماذا لم يقل " أبحر نحو الورق أو شيء من هذا القبيل مادامت السفينه تبحر وليست في انتظار كما قال؟ الحقيقة أن تعبيره أدق وتصويره أجمل وأقوى بيانا لأن الأمر يتعلق بالطوفان وليس ببحر عادي. والطوفان لا يمكن عبوره- خصوصا كما جاء في قصة نوح- لأن الأرض ببساطة أصبحت كلها بحرا واحدا ولهذا كان عليه أن يقول"أنتظر زمن الورق=البر" وليس "أبحر نحو الورق=البر" . وبما أن الأمر لا يتعلق بالحيوانات بل بمقولات-سؤال وجواب- فقد أتقن التصوير أيضا لأن بر الكلمات هو الورق وليس اليابسة ! نأتي إلى المقطع الأخر، من هذه القصيدة، حيث يقول الشاعر:

    "أكسر النهارات

    وأجيب كبير الليل"

    عندما يقول "أكسر" النهارات يكون قد لمح إلى تجميدها، أي جعلها شيئا جامدا قابلا للتكسير. نقول بأن النهارات محذوفة المشبه به الذي هو قابل للتكسير، وتكون النتيجة أن ورود الشيء القابل للتكسير قد ورد بصورة جزئية وها هو يأتي بها بصورة كلية بقوله:

    "إن كنتَ.. …

    احجز الفجر في قمقم"

    إن ورود القمقم هنا ما هو إلا تكميلة التجلي للمشبه به، الذي هو قابل للتكسير، في حديثه عن تكسير النهارات. هناك جملة شرطية محذوفة وقد أبقى على جوابها فقط. وهناك نوع من التحدي لكبير الليل. عندما يقوم الشاعر بتكسير النهارات فهو يقول لكبير الليل ،على سبيل المثال "إن كنت تتحداني، فلتحجز الفجر في قمقم (القابل للتكسير)"=لكي ألحقه بالنهارات (القابلة للتكسير). بما أن الفجر جزء من النهار والليل معا فهو يعتبر محتوى لكل من النهار والليل معا. وكأن النهار لا يختلف عن القمقم في علاقته باحتواء الفجر. فالشاعر يبحث عن الفجر في قمقم=النهار الذي كسره ولم يجد شيئا، ثم قبل مواصلة التحليل نطرح هذا السؤال: إذا كان النهار يساوي القمقم في مفهوم الاحتواء وبالتالي صوره الشاعر قابلا للتكسير فلماذا لم يكن الليل هو الأخر كذلك، أي لماذا طلب من الليل متحديا أن يضع الفجر في قمقم؟ الجواب أن الشاعر لا يتحدى الليل العادي الذي يقابل النهار، بل يتحدى كبير الليل ! وبالتالي فإن حديثه يتضمن مقابلة بيانية سليمة وجميلة بين (صغار الليل=قماقم) و(النهارات العادية=قماقم) وكأنه يرى الليل قد خرج من جلدة الليالي العادية فقال له :"إن كنت كذا وكذا فلتحجز الفجر في القمقم=الليل العادي الذي يقابل النهارات العادية لترى كيف أكسره تكسيرا تماما كما كسرت النهارات=القماقم".

    في قصيدته "Sms "(7) يحاول الشاعر أن يوحي للقارئ، بقدر ما يستوحي، أحداث القصيدة من الرسائل الهاتفية المتبادلة بين القاصي والداني. إنه لم يبدأ كعادته الكتابة بطريقة مباشرة، إذن هناك استعارة هيكلية قوامها تحويل العرض الشعري إلى منطويات الرسائل الهاتفية. عندما نتأمل عرض القصيدة نجد أن هذه الاستعارة قد تسربت إلى التفاصيل تماما كما وجدنا وسنجد مع قصائده الأخرى. يقول:



    "لو كنتُ دالية

    لما

    شربتُ النبيذ

    ---

    ادلقي

    قهوة الشهوة

    سأرتكب طفولة الحليب في فنجان فخذيك

    حكماً مؤبّداً كطريق

    ---

    جسدك القمحيّ حلم الطيور"

    قد يبدو الأمر مجرد تشبيه عادي من خلال النظرة الأولى ولكن سوف تأتي التفاصيل ليتضح بأن الأمر أعمق من ذلك. لنضيف هذا المثل:

    "يامرأة

    تضاجع رصيف الكحل

    تحمل أيتام المفارق

    أنجبيني

    قبلة كشارع"

    إن مرونة تحول المتكلم إلى قبلة وبالتالي إقامة تشبيه بشارع لا تختلف، في عمقها، عن التحول العام المتمثل في الاستعارة الهيكلية لفضاء Sms . كما أن الجسد في المقطع الأول قمحي ونقول بأن كلمة قمح جاءت ثانوية لأن الرئيسي هو الجسد الذي صار وفق الوصف حلما للطيور. فهل سيعود الشاعر بعد هذا المقطع مباشرة ليجعلها رئيسية؟ الجواب نعم ! كيف؟ لنتأمل قوله:



    "ورغيف الخبز قمر يحصد نجومه

    ليرشّها حبة بركة"

    لننظر كيف تدرج رغيف الخبز ليدخل في علاقة مع النجوم، ولا شك أن هذا سيؤدي بالقارئ غير القادر على استنطاق السياق العام والخاص للقصيدة إلى الحكم بأن الشاعر يهذي ليس إلا، ولكن الذي يحدث أنه شاعر حقيقي لا يخضع لصورة العالم الواقعي، في تصاويره الشعرية الجمالية، بقدر ما يخضع لصورة عالمه النصي الداخلي. من هنا يحاكي المرجع الخارجي، أي عن طريق الخلق الذي يشمل الدال والمدلول معا في نطاق النص. على سبيل المثال: من المعلوم أن أصل الرغيف هو القمح. وبعد أن سجل تصويرا ثانويا هامشيا لهذا القمح عاد ليؤكده في الرغيف ليجعله موضوعا رئيسيا ! أكيد إذا لم نكلف أنفسنا عناء استخراج الصلة الضرورية بين الـ"قمح" والـ"رغيف" فلن نتوصل إلى شيء، لكن التحليل البنيوي(التقليدي) يجعل بالإمكان استغوار العلاقات القائمة بين عناصر النص إلا أنه يحتكم إلى نسقها الداخلي وليس الخارجي أما التحليل البنيوي (التكويني) فهو يعطينا إضافة إلى ذلك فرصة للكشف عن علاقة النسق الداخلي نفسه بالمرجع الخارجي. قبل الخروج من هذه النقطة أود القول بأن إيراد كلمة" رغيف" في المقطع الأخير ما هو إلا سد لقوس التعاقب البنيوي الأسلوبي الذي تخضع له آلية الإنتاج الشعري لدى باسم سليمان. ولكن لا بد من الكشف عن نقطة أخرى، ألا وهي أن الجمع بين الرغيف والقهوة والحليب هو عبارة عن مزج استيحائي وإيحائي بين وجبة غذائية والوجبة الشبقية إن لم نقل جنسية وكفى. وهذا ما يؤكده بقوله:

    "على غير العادة

    الطريق مستقيم حدّ الإيلاج

    ابعدي ما بين ساقيك للريح"



    الريح هنا ترمز إلى الجوع/الرغبة الجنسية كما رأينا في قصيدته السابقة " وأنا من أُضِلّ عن علم". ننتقل إلى المقطع الموالي استكمالا لاستخراج طبيعة البناء الشعري لدى باسم حيث يقول:



    "وبقي قلبي معلّقاً

    كقمر

    تطفئه غيمة

    لتشعله أخرى"

    القمر جاء مشبها به. وبالتالي فهو ثانوي لأن الرئيسي - دائما هو المشبه، أي القلب. وهذا الأخير، باعتباره مشبها، هو الموضوع الرئيسي في هذا المقطع. ترى هل سيخضع الشاعر لنفس الصيرورة الأسلوبية ليحول المشبه به إلى موضوع ؟ نعم هذا بالضبط ما فعله بعد المقطع المذكور مباشرة حيث يقول:



    "قشري

    موزة القمر"

    هناك تشابه واضح بين الموزة والقمر عندما يكون هلالا. هذه هي النظرة الفنية الخاطفة من الشاعر إلى السماء لحظة التكون الشعري في وجدانه، علما بأنه كان مشحونا بتشكيل صورة من عناصر الغذاء وعناصر الجنس كما ذكرت سالفا. وهو طبعا نفس الشيء في شأن تشبيه الرغيف بالقمر. فهذا الأخير عندما يكون بدرا يشبه الرغيف. الأمر يتعلق بموز القمر، وهذا الأخير قد أصبح موضوعا رئيسيا بعد أن كان ثانويا ! الملحوظ أن نفس الشيء هو الذي حدث مع النجوم حيث قال فيها قبل هذه العبارة :

    "ورغيف الخبز قمر يحصد نجومه"

    ليرشّها حبة بركة"

    لقد كانت هنا ثانوية من باب كونها محصودة من قبل المشبه به ="القمر" أي لم تكن(تلك النجوم) محصودة من طرف الرغيف مباشرة. ثم إن تشبيه الرغيف بالقمر كان ضروريا من أجل الكلام عن النجوم. هذا يعني أن الرغيف هنا لم يتم تشبيهه بشكل عادي بل نرى أنه عندما تم تشبيهه بالقمر أصبح بمقدوره التفاعل مع النجوم، لهذا صح القول بأن النجوم قد جاءت هنا ثانوية عن طريق كونها محصودة من طرف ما هو ثانوي. ولهذا نرى أن الشاعر قد حولها إلى موضوع رئيسي بعيد ذلك تماما كعادته مع كل العناصر الحاكمة لهذه القصائد، بل لكل ما قرأت له من شعر. إن الأكثر جمالا ودليلا على التناسب والتناسق النصي الرائع هو أن طريقة الشاعر في إيراد الثانوي تساوي طريقته في إيراد الرئيسي وهلم جرا. مثلا، إذا كانت النجوم في العبارة السابقة تستمد ثانويتها من كونها مفعولا بها لما هو ثانوي=مشبه به"القمر" فإن النجوم الواردة بعد ذلك تستمد رئيسيتها من نفس الشيء. لنتأمل كيف جاءت النجوم في صيغة موضوعية رئيسية:

    "أطعمي صغار النجوم

    لتطلع

    علّني أهتدي لشمالكِ"

    النجوم أصبحت رئيسية لكونها مفعولا مفترضا لشخص المرأة بشكل مباشر، أي دون تشبيه أو استعارة أو غير ذلك هذه المرة. ويكفي أن نقارن بين صيغتي؛ المفعولية اللتين جاءت فيهما النجوم فنجد أن هذه الأخيرة جاءت في الأولى مفعولا لما هو ثانوي" القمر المشبه به" في حين جاءت هنا مفعولا لما هو رئيسي "المرأة غير المشبهة" . والجمال البنائي يتجلى في كون كلتا الحالتين جاءتا في إطار المفعولية، وكأن الشاعر كان شديد الحرص على تسجيل هذا الجمال البلاغي/ الإيقوني رغم أنه لا يتحصل إلا في العمق.



    "لو كان لسوتيانك

    فنجان ثالث

    لاضطجعت معهما نهداً"

    التحول لدى الشاعر يعبر عن شدة الرغبة المكتوب عنها. أي أنه جعل للتعبير عن الرغبة مقياسا تتحدد درجاته بدرجات التحول الذي يأتي عن طريق التشبيه أو غيره. ولهذا فمن شدة الرغبة الدفينة في النهد نستطيع أن نفك شفرة هذه الأمنية (التحول إلى هذا النهد نفسه).

    إنها قوة بلاغية/بيانية موفقة، عندما نعود إلى السطر الرابع والخامس من هذه القصيدة نجد قوله" ادلقي قهوة الشهوة سأرتكب طفولة الحليب في فنجان فخذيك" وها هو يتحدث عن الفنجان في هذا المقطع دون المس بقيمته الرمزية التي اكتسبها نتيجة التفاعل الداخلي لعناصر النص. هناك تناسق بياني رائع يتجلى في وصف الشاعر لبؤر الشهوة بالفناجين، أعني أن وصفه لم يكن عابرا وذلك لأنه لم يطلقه على بؤرة ويصف أخرى بشيء آخر على سبيل المثال، بل كان وفيا لتصويره البلاغي الجمالي العميق وفق النسق النصي الداخلي طبعا. لنلاحظ أن ما بين الفخذين بؤرة للشهوة. ولقد وصفها بالفنجان. كذلك نرى كيسي "الستيان" يضمان الثديين وهما بؤرتين للشهوة. إذا كان كل من القهوة والحليب محتويين للفنجان فإن موافقة المخاطبة على إقامة العلاقة العاطفية يعني تفعيل تلك البؤر الشهوانية. وكذلك إقدامه يعني سكب شهوته=حليبه. ولكن لماذا لم يكن المحتوى منتميا إليه؟ لأن انشغال المتكلم الطبيعي بمحاسن الطرف الأخر قد صرف أدنى التفاتة منه إلى مفاتنه، هذا إذا كان للرجل مفاتن أصلا. الفنجان إذن متعلق بالمخاطبة فقط لأنها موضوع الرغبة. ويبقى على هذا الفنجان أن يجدي نفعا بأن يمتلئ. وبذلك يكون قد أتقن التشبيه بين ما يحصل من تفعيل البؤر الجنسية وسكب السائل في الفناجين. بوضوح: لا فائدة من الفنجان إذا لم نملأه بشيء قابل للشرب، كذلك لا فائدة من العضو الجنسي ما لم نسكب/نضخ فيه الشهوة مما يعني الموافقة على إقامة العلاقة، فتكون النتيجة أن كلتا العمليتين تؤديان إلى الإشباع. (امتلاء الفنجان بالسائل=امتلاء العضو بالشهوة)←(القابلية للشرب=القابلية للجماع)←الإشباع.



    "يا مرأة

    تضاجع رصيف الكحل

    تحمل أيتام المفارق

    أنجبيني

    قبلة كشارع"

    لا شك أن هذا يبدو تصويرا غريبا لاسيما لو بدأنا التأمل من كلمة" شارع" إذ لا يمكن أن يكون هناك مبرر مألوف لا لتشبيه القبلة بالشارع ولا تشبيه الذات المتكلمة/الشاعرة بهذا الشارع ولا إسناد إنجاب ما من شأنه أن يكون على شبه بالشارع إلى المرأة، خاصة إذا كانت هذه المرأة آدمية مثلنا ! ولكن هذا بالنسبة للقراءة التي تعتمد على الإسقاط المباشر لعناصر النص الشعري الداخلية على المرجع الخارجي، أعني القراءة التي تبحث في الأدب عن شيء آخر، أما القراءة التي تبحث عن الدال والمدلول داخل النص، أي التي تبحث عن الأدب داخل النص الأدبي فهي تؤدي إلى الكشف عن أن الشاعر باسم يجيد التصوير الإيقوني أيما إتقان. حتى نفكك كلمة "الشارع" لا بد أن نتأمل كلمة "الرصيف" وقبل التحليل أود القول بأننا عندما نتمكن من السيطرة على آلية/بوصلة الإنتاج لدى الشاعر يصبح بإمكاننا الذهاب بعيدا في استغوار مشعوراته على سبيل المثال لنستخرج الميكانيزمات التي تحدثت عنها في هذه القراءة ونستطيع أن نفسر هذا الإشكال كالتالي: إذا التقطنا صورة بانورامية للمدينة سنجد بأن الـ"رصيف" جزء من الـ"شارع"، وأن الفرق بين الأول والثاني هو الفرق بين الجزء والكل..إذن فمن خلال ورود هذا كله في العبارة أعلاه نجد أنه يتحدث، في البداية، عن افتراض امرأة تضاجع الرصيف=الجزء وينتهي بإنجاب شارع=الكل. وهذا امتداد للثنائية المفصل في شأنها أعلاه..أي لقد أورد الشارع في صيغة ثانوية=رصيف=جزء، ثم أورده في صيغة رئيسية=شارع=الكل. ويكون بهذا قد حقق التعاقب الأسلوبي بين الرئيسي والثانوي من باب التعاقب القائم بين الجزء والكل. لماذا تنجبه شارعا ؟ لأنها تحمل أيتام المفارق؛ أي مفارق الطرق. وإذا أنجبته شارعا يكون الأمر قد اتضح والإشكال قد انحل !

    في قصيدته" القافز بساقه"(Cool يلتقي التحول الإجمالي بالتفصيلي بشكل معقد، فعلى المستوى الهيكلي نرى أنها قصيدة لا تدور حول ذات المتكلم لأن القافز بساقه هو الضفدع. ثم يأتي الانتحال التفصيلي المركب كالتالي:

    " الضفدع الذي يغط في النوم كفراشة على زهرة

    يحلم بأنثى في متناول قفزة"

    الملحوظ أن الضفدع لم يعد ضفدعا (بعد أن كان وسيبقى كذلك) بل أصبح يحمل خصائص بشرية. إنه انتحال مركب لأن إضفاء الخاصية الآدمية على الضفدع جاء بعد الانتحال المضمر المفضي بذات المتكلم إلى ذات الضفدع. وتفسير هذه المسألة كالتالي:

    الشاعر يكتب بصيغة الغائب=استعارة الهيكل العام للقصيدة

    الضفدع يتحول إلى إنسان=استعارة تفصيلية للقصيدة

    وبما أن الهيكل العام يقوم على اللامباشرة الإجمالية( الكتابة بصيغة الغائب) كان على بوصلة الانتحال (الاستعارة التفصيلية) أن تنعطف بالضفدع نحو الإنسان (مجددا) من أجل تحقيق التحول التفصيلي المقابل للإجمالي. لقد أشار في هذا المقطع إلى علاقة الضفدع بالأنثى، ولكنها إشارة إجمالية وهي تشكل ركنا من أركان التعاقب البنيوي الأسلوبي المفصل فيه أعلاه، إلى جانب الركن المقابل، إذن فمن المفروض أن يأتي بعده الركن الثاني المقابل ولكن ليس على شكل المجاز لأن الأمر هنا لا يتعلق بركن الحقيقة، وإنما ينبغي أن يأتي به على شكل التفصيل وهذا بالضبط ما حصل بعد ذلك حيث يقول:



    "الضفدع

    عندما يعشق

    لا يقدم لضفدعته باقة من الورد

    أو عطرا فرنسيا

    ولا شوكولا باذخة الذوبان

    ولا يدخل في عراك مع ذكور القبيلة

    بل يصرخ بأعلى صوته

    حتى يصم أذنيها"

    بهذا يكون قد أكمل دورة التعاقب المتمثل في ثنائية الإجمال والتفصيل. وفي هذا المقطع نرى أنه انطلق من الإجمال ثم دخل في التفصيل. أي أنه في المقطع السابق تحدث عن الضفدع بشكل مجمل مقتضب ثم جاء المقطع الأخير لكي يسد قوس التعاقب القائم بدخوله في التفاصيل التي تخص هذا الضفدع. وبهذا نرى أن هذا التعاقب يشبه تماما التعاقب المتحدث عنه أعلاه بين الحقيقي والمجازي الخ . بعد هذا ندخل في لون آخر من التعاقب وهو تعاقب بين الطرح والاستدراك. فالأول جاء في قوله:



    "الضفدع فريسة سهلة لحيوانات الوادي"

    أي أنه يطرح الفكرة بشكل عادي ولكن بعيد ذلك يدخل في الاستدراك ليقول:

    "لكنه يطير في معدة طائر مهاجر"

    فبعد دخول العبارة الاستدراكية الأخيرة ينفي ما أثبت فرضيته في الطرح الأول (العبارة السابقة) ألا وهو أن هذا الضفدع رغم سهولة اصطياده إلا أنه قادر على استغلال معدة الطائر المفترس نفسه للتنقل من مكان إلى آخر جوا. وبهذا يصبح الضفدع متمتعا بثلاث قوى فيزيائية؛ السباحة في الماء، الزحف على البر والطيران في الجو، أي أنه بعد أن كان برمائيا أصبح جوبرمائيا.

    ننتقل إلى قصيدته "كرتون" (9) حيث ستعار(انتحلت القصيدة) إطار فيلم للكرتون على مستوى الهيكل العام وما يقابل هذه الاستعارة/الانتحال/اللامباشرة على المستوى التفصيلي نستشفه من خلال هذا المثال:

    " أنا

    قطّ في فئراني"



    أعتقد أن هذا يكفي، علما بأن القصيدة مليئة بالحلول والتناسخ وما يهم هو الكشف عن علاقة الانتحال/اللامباشرة الهيكلية بالانتحال/اللامباشرة التفصيلية، أي إذا كان الشاعر قد عنون قصيدته بـ"كرتون" فهذا يعني أنه يزج بها في نوع من اللامباشرة الشعرية من حيث ثنائية المتكلم والمخاطب. ثم إن هذا التحول الهيكلي نجده يتغلغل في القصيدة إلى مالا نهاية حيث ينعكس في التفاصيل تماما ككل أشعاره. لقد عنون القصيدة بـ "كرتون" لكي تأخذ الانسيابية التصويرية داخلها كامل مرونتها. لأن الزئبقية الشعرية التي تحولت فيها ذات المتكلم إلى ذات القط اقتضت منه تحويل الصورة الشعرية عموما، وليس صورة القط فحسب، إلى ما هو مسلم بقبول خارقيته الخيالية، ألا وهو عالم الكرتون..فعندما نقرأ هذه القصيدة نجدها تشبه استيحائيا ما نشاهده في بعض الأفلام من هذا النوع. والسبب البنيوي القائم وراء تحول الأحداث الشعرية، في هذه القصيدة، إلى خشبة الكرتون، يكمن في تسويغ زئبقية وخارقية ذلك التعبير/التصوير الشعري. وهذا امتداد لمظهر اللامباشرة الشعرية المتحدث عنها أعلاه، والتي يمكن الوصول عن طريقها إلى تحديد آليات التصويرالانزياحي لدى باسم سليمان. أكيد لا نستطيع القول بأن الانزياح الكامن داخل القصيدة هو نوع من اللامباشرة الشعرية إذا لم ينعكس ذلك في عمومية القصيدة وهيكلها كما رأينا أعلاه. ولكن عندما ينعكس ذلك في هيكل القصيدة العام يكون الربط بين اللامباشرة الإجمالية والتفصيلية سبيلا لتحديد آليات الإنتاج لدى الكاتب. فبعد أن يصرف نظرة القارئ العامة إلى خشبة الكرتون يسرع إلى نفخ روح شعره في هذا المشهد لكي يعبر عما يحس به تجاه الموضوع تعبيرا شعريا خالصا كم

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 10:52 pm