منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    «حرّاس الهواء» ..تأنيث السرد!

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    «حرّاس الهواء» ..تأنيث السرد! Empty «حرّاس الهواء» ..تأنيث السرد!

    مُساهمة   الجمعة يناير 01, 2010 7:00 am

    «حرّاس الهواء» ..تأنيث السرد!

    • نـذيـر جعفـر
    بعد روايتيها:«أبنوس ـ 2004», و«نيغاتيف ـ 2008 », تأتي رواية روزا ياسين حسن الثالثة: «حرّاس الهواءـ2009»(1) نقلةً نوعية في تأنيث السرد الروائي الذي تتجلّى ثيماته الرئيسة في الكشف الجريء عن خصوصية المرأة وهواجسها وردود فعلها حيال السلطات المقيّدة لها, سواء أكانت اجتماعية أم سياسية, أم دينية. وفي الخروج عن عمود الرواية النسوية الكلاسيكية المرتهنة لخطاب الذكورة, وتأسيس خطاب سردي يخلص لصوت الأنثى الداخلي أولا, ولرهان الحداثة والتجريب ثانيا. وبهذا المعنى نستخدم مفهوم تأنيث السرد بعيدا عن مصطلح الأدب النسوي وما يثيره من اعتراضات وجيهة.
    ويمكن للدارس معاينة خطاب التأنيث في رواية: «حرّاس الهواء» عبر علاقة المرأة بالمحظور الاجتماعي والسياسي والديني, ومستوى حضورها بوصفها راوية وشخصية مركزية في آن معا, ووجهة النظر التي تصوغ من خلالها خطابها الروائي.
    ـ المرأة/المحظور:
    تكسر رواية «حرّاس الهواء» الصمت, وتدخل عوالم جديدة, متناولة موضوعات, كان بعضها ـ إلى وقت قريب ـ محظورا على المرأة الكاتبة, وبعضها الآخر كان بعيدا عن دائرة اهتمامها! مثل: التصوير الفنّي الجريء للجسد وطقوس الحب, والمكاشفة بالرغبات الدفينة, والنزوات العابرة, وتفاصيل الحمل والمخاض والولادة, وتجربة السجن, وجرائم الشرف, والاغتصاب, وخطاب الأقليات الإثنية والدينية, والهجرة, واللجوء.
    إن اقتحام الساردة لهذه المحظورات لم يأت فجّا, أو بدافع الإثارة المجانيّة, والدعاوة الإيديولوجية المباشرة, أو حتّى بدافع الإدانة أو التبرئة. إنما جاء في سياق تصوير كائنات تواجه انفصاما حادا بين حلمها الجميل وشروط حياتها القاسية, بين وطأة ماضيها وعتمة حاضرها, بين توقها إلى الخلاص وخوفها من المجهول. ومن هنا يكتسب مشروعيته الفنيّة وأبعاده الدلالية.
    فلكل من عنات, وميّاسة, حكايتها وحلمها ونمط حياتها الخاص. لكن ما يجمعهما هو المعاناة المركّبة المتمثّلة في الحرمان الجسدي والعاطفي, وفي الوحدة, والانتظار المرّ, وفي الامتثال لمنظومة القيم والأعراف الاجتماعية أو الخروج عنها. فميّاسة التي انتظرت خمسة عشر عاما وفاء لزوجها إياد, ُتقابل في النهاية بجحوده ونكرانه وإهماله, لا لأنه سيئ ولكن لأن السجن شوّه روحه ولم ُيبق إلا على نزواته المريضة! لذلك تجد خلاصها في الانغماس ببرامج المايكروبيوتك الغذائية والرياضية! وعنات التي ضحّت وانتظرت طويلا حتى عاد إليها جواد, سرعان ما افتقدته بعدما هاجر إلى السويد تحت ضغط الظروف المادية ومساءلات الأجهزة, تاركا إياها تواجه مصيرها وجنينها بمفردها, ما سوّغ لها إقامة علاقة عابرة بكل من بيير الكندي, وسعيد مبارك العراقي! أما جميلة فقد قتلها السرطان قبل أن تروي ظمأ روحها وجسدها للحب, وصباح انتحرت بسمّ الفئران احتجاجا على إهمالها وتجاهل كيانها الأنثوي, ولمى تعيش نزواتها الجسدية غير عابئة بما ينتظرها, وفتحية زانا القادمة من شمال العراق بحثا عن اللجوء ما زالت تعيش كابوس الرعب والدم.
    إن هؤلاء النسوة ينسجن بمعاناتهن خيوط الحبكة الروائية في: «حرّاس الهواء», ويشكّلن المرجعية الواقعية والمتخيّلة في البرنامج السردي. فهنّ الحضور الذي يبحث عن خلاصه في الغياب, وما الغياب سوى ذلك الرجل المأزوم الذي يبحث عن خلاصه الفردي أيضا بعدما فقد الأمل بكل شيء! وهنّ حارسات الهواء/ الحياة, حياتهن التي تتوزّع بين الحلم والواقع, والوهم والحقيقة, مثل باقي الشخصيّات التي تحرس هواءها أيضا. ومن هنا ترتسم خطوط الصراع العميق الذي يعشنه.
    إن شفافية السرد الأنثوي تتمظهر على مستوى المضمون والدلالة في النظر إلى شخصيات الرواية نساء ورجالا, بوصفها ضحايا شرطها الإثني, أو العقائدي, أو الطبقي, لحظة تصادمها مع مؤسسات الاستبداد الشرقي: الاجتماعية, والسياسية والدينية. في إشارة خفية لتحميل هذه المؤسسات مسؤولية ما يجري لها, وما تواجهه من آلام وخراب روحي. كما تتمظهر على مستوى الشكل في توظيف الرسائل الحميمة, والأشعار, والبوح الداخلي المتحرّر من سلطة الوعي والرقابة عبر المونولوج وضمير المتكلّم.
    ـ المرأة/الراوية:
    يشكّل صوت عنات: الراوية/المشاركة, في صيغة ضمير المتكلمّ, الحامل الاستراتيجي للبرنامج السردي. فهي الراوية المحورية, والشخصيّة المركزية التي يبدأ السرد بها ومنها, وإليها ينتهي! وتتيح هذه الصيغة التي تلغي المسافة بين الراوية وقولها إمكانيات البوح الذاتي الحميم من جهة, والإيهام بتطابق صوت الراوية مع صوت الكاتبة من جهة ثانية, وتعزيز النزعة الواقعية التي تشي بصدقية الحدث والشخصية والتجربة من جهة ثالثة. وهذا ما يؤدي في مجمله إلى توليد عناصر التشويق وإثارة فضول المتلقي والتحفيز على متابعة القراءة.
    وتنتقل صيغة ضمير المتكلم ذاتها إلى كل من حسن إسماعيل الأب, وعشيقته إيزابيل الإسبانية التي تقمّصت روح سنية زوجته الأولى! وعمانوئل جمّو الكلداني, ومحمد عوّاد السوداني, وفتحية زانا الكردية, وزوجة السعودي مهاود. وتبدو هذه الصيغة متناغمة مع خطاب السيرة الذاتية لكل من هذه الشخصيّات المقهورة التي تكشف عن هواجسها ومعاناتها فتلتقي بشكل أو بآخر مع معاناة ميّاسة وعنات, وإن اختلفت الظروف والبلدان.
    وتنفرد جميلة الأم بصيغة ضمير المخاطب في فصل يتيم من الرواية, ولهذه الصيغة جماليتها الفنيّة بما تثيره من التباس وتطابق أو تنافر بين شخصية المخاطب والقارئ الضمني. وما تتيحه من إمكانيات للاستبطان الداخلي عبر المونولوج والتذكّر والتداعيات الحرة.
    وتحضر بعض الشخصيات عبر صوت الراوية عنات, مثل شخصية مدام صوفي التي سرعان ما تختفي دون مسوّغ فنّي أو دلالي! وجوناثان غرين المفوض بشؤون اللاجئين, والسوداني سالفا كواجي, وسهى الفاروسي, وأم أسامة, وسنيّة, ومسعود خادم المزار.
    أما صيغة الراوي/ كليّ المعرفة, على لسان ضمير الغائب, فتتناوب على السرد مع صيغة ضمير المتكلم بين فصل وآخر, أو بين مسافة وأخرى في الفصل الواحد, أو بين مشهد وآخر في الصفحة الواحدة. وتبدو هذه الصيغة الكلاسيكية ضرورية بما توهم به من حيادية, إذ تلتزم دور الشاهد الموضوعي على ما يحدث, فتصور الشخصيّات والأحداث وتنقل أقوالها دون تدخّل في سلوكها أو مصائرها.
    إن تناوب هذه الصيغ على النهوض بالبرنامج السردي, وما تبعها من توظيف للرسائل الشخصيّة, والأشعار, أضفى عليه التوتّر, والدينامية العالية, ونأى به عن الرتابة والترهّل والإملال. كما كشف عن تنوّع الأصوات والخطابات والرؤى, وعبّر عن وجهات نظر متعدّدة, وهو ما يصب أولا وأخيرا في مسار تأنيث السرد القائم على التنوّع, والاختلاف, والخصوصية, والجرأة, والشفافية, والإصغاء لدويّ الأعماق الرهيف.
    ـ وجهة النظر:
    إن وجهة النظرpoint of view تعني فيما تعنيه: الوضع المفهومي أو الإدراكي للمؤلف/ الراوي/ الرواة , الذين يُقدّم من خلالهم الخطاب السردي. وتتجلى ـ كما يرى أوسبنسكي ـ في أربعة مستويات: المستوى الإيديولوجي, والمستوى التعبيري, والمستوى الزماني/ المكاني, والمستوى السيكولوجي(2).
    فعلى المستوى الإيديولوجي تبدو شخصيّة الراوية المركزية عنات شخصية مشاركة داخل العالم الروائي عبر خطابها بصيغة ضمير المتكلّم, كما أنها في الوقت نفسه شخصية خارج هذا العالم عندما توهم بالتطابق مع شخصيّة المؤلّفة الفعلية من ناحية, وتفسح المجال لأصوات الرواة الآخرين في صيغتي الغائب والمخاطب للتعبير عن أنفسهم من ناحية ثانية. وهي بذلك تعزّز ديمقراطية السرد, المتناغمة مع ديمقراطية التوجه العام لمسار الشخصيّات. وعبر المواقع المتباينة التي يحتلها الرواة, تبدو وجهة النظر التي توجه معظمهم على المستوى الإيديولوجي وجهة تقدميّة تراهن على الأجمل, وتنتصر لقيم التحرّر والجمال والمواطنة, على الرغم من السواد الذي يلفّ حياة كل منهم.
    وعلى المستوى التعبيري فإن وجهة نظر الراوية المركزية في «حرّاس الهواء» لا تنشأ من منظور خارجي مسبق, بل عبر تشابكها مع خطاب الرواة الآخرين, ومجمل العلاقات والمواقف والأحداث الداخلية في البرنامج السردي. وهذا ما حرّرها من الإسقاطات الغائية المباشرة, وعزّز مصداقيتها الفنية, وكشف عن وعي بتباين المستويات والنبرات اللغوية واللهجية لكل راو, وهو ما نلمسه عبر تهجين السرد باللغة الإنكليزية في الحوار, وبمفردات عامية دارجة أو دخيلة: ديّاتي(يديّ), باشر(باكرـ غدا), الكاست, الكوريدور, الإيروتيك, المايكروبيوتك, تشات, puzzle.أو عبر تباين الخطابات الإثنية والدينية المضمرة والمعلنة لكل شخصيّة.
    أما على المستوى الزماني/ المكاني, فإن وجهة نظر الراوية جاءت محكومة بعلاقتها الداخلية بمكان وزمان الأحداث والشخصيات, كونها شخصية مشاركة لا شاهدة فحسب.
    فزمن المتن الحكائي الفعلي يمتد على مدى ستة أشهر تتحدّد ما بين الإعلان عن حمل عنات في الشهر الثالث وولادتها في الشهر التاسع. لكن هذا المتن ُيخترق بإرجاعات زمنية بعيدة وقريبة ما بين عامي(1958ـ 2003م) تتعلّق بماضي وحاضر كل شخصية. ولأن الحدث المركزي يبدأ في الزمن الراهن, فقد وظفت الراوية تقنيتي الاسترجاع والاستباق في اللعب على الزمن الذي لا يتوالى بشكل تتابعي بل بشكل بندولي ما بين الحاضر والماضي والمستقبل, وبتواليه تتوالى الأمكنة أيضا من دمشق التي تشكّل فضاء مركزيا بحاراتها وشوارعها مثل: الروضة والعابد والصالحية والمالكي وجسر الرئيس والدويلعة والربوة, إلى اللاذقية وحارة الشيخ ظاهر, وطرطوس, التي تشكل فضاء ثانويا, ثم إلى شمال العراق, والسودان, والسعودية, التي تشكّل فضاءات عابرة. ويبرز اللعب الزماني/ المكاني, في البدء من اللحظة الحاضرة في مبنى السفارة الكندية, ثم الارتداد إلى ماضي الشخصيات طالبة اللجوء, والانتقال إلى ماضي جواد وإياد وميّاسة في السجن, ثم إلى ماضي جميلة وحسن في اللاذقية, فالعودة إلى الحاضر واستباق ما سيحدث للشخصيّات أو ما ستفعله: «بعد دقائق سيأتي دوري لأقوم بمقابلتي المنتظرة ص 196», وهكذا دواليك.
    ولعبت تقنيتا الخلاصة والحذف دورا وظيفيا في تسريع الإيقاع الزمني, إذ بالتلخيص اختزلت أحداث طويلة من حياة جميلة علي وحسن إسماعيل دون إشارات زمنية معيّنة, وبالحذف أسقطت فترات زمنية برمّتها مع الإشارة إليها بتعبيرات مثل: بعد سنوات, بعد أشهر, بعد أيام: «كانت قد مضت عدة سنوات على خروج إياد الشالاتي ص196», «مع مرور الأيام هنا راحت ميّاسة تحسّ بأنها شفيفة ص291».
    أمّا تقنية الاستراحة(الوقفة) pass, فقد أسهمت في تعطيل/إبطاء إيقاع السرد, ولا سيّما في الوصف, وصف الأمكنة ومحتوياتها: «جدران غرفة الجلوس في بيت لمى تغص بالصور والملصقات والأوراق: صور منزوعة من مجلات, أوراق خط عليها مقاطع من قصائد شعر...ص 228», أو في وصف الشخصيّات وملامحها الفيزيقية:«بشّرتني بابتسامتها العريضة التي تظهر كامل أسنانها اللامعة..ابتسامة بيضاء كوجهها الذي لا يحمل أية قسمات عربية ص13». وتؤدي تقنية المشهدscene الوظيفة نفسها في إبطاء السرد, وبخاصة في الحوار, حيث يغيب الراوي ويحضر كلام الشخصيات. وقد جاءت معظم المشاهد الحوارية متناغمة مع منطوق الشخصيات المتحاورة, ومستوياتها الثقافية, ومهنها, وخطاباتها الإثنية والسياسية, ما أفسح المجال لتسلل العامية الصرف أحيانا تعزيزا لواقعية الخطاب ومصداقيته:«اللي عملناه في الجبهة الشعبية بتحتاجو سنين حتى تعملوه ..رفيق مصطفى إساكو صغار ص 41». لكن هذا الحوار يعاني في مواضع أخرى من الارتباك في خلطه غير المسوّغ بين العامية والفصحى للشخصية المتحدّثة نفسها:«من البارحة لليوم وزّعت الميّة وخمسين منشورا الذين جلبتهم لي ص41».
    وأسهم الحوار في رسم صورة الشخصيات على المستوى السيكولوجي وتقديمها تقديما استبطانيا حينا, وخارجيا حينا آخر, بحسب طبيعة العلاقة التي تربط الراوية بها.
    إن صوت الأنثى الراوية يؤسس في هذه الرواية لاتجاه جديد عبر تأنيث السرد الروائي, بعيدا عن الخطاب السائد الذي يتسيّده صوت الرجل, حتى فيما تكتبه النساء! وبذلك تفتح روزا ياسين حسن الباب واسعا في نهاية روايتها المشرعة على فضاء الاحتمالات المتعدّدة لمزيد من الحوار عن خطابها الروائي, وكأني بها تجيب عن أسئلة روايتها المعلّقة بسؤال معرفي ونقدي وفنيّ ما زال ينتظر إجابة النقّاد والقرّاء على حدّ سواء.

    ــــــــــــــــــــــ


    الهوامش:
    ـ حسن, روزا ياسين: حرّاس الهواء ـ رواية ـ ط1 ـ الكوكب ـ رياض الريس للكتب والنشرـ 2009.
    2ـ للتوسّع ينظر:
    ـ برنس, جيرالد: قاموس السرديات ـ ترجمة السيّد إمام ـ ميريت للنشرـ القاهرة ـ 2003ـ ص 151
    ـ يقطين, سعيد: تحليل الخطاب الروائي ـ ط1 ـ المركز الثقافي العربي بيروت ـ الدار البيضاء ـ 1989 ص 294.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 5:50 am