منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    دراسات نقدية: أجيال الحداثة الشعرية في العراق

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    دراسات نقدية: أجيال الحداثة الشعرية في العراق Empty دراسات نقدية: أجيال الحداثة الشعرية في العراق

    مُساهمة   الإثنين يناير 04, 2010 1:01 pm

    دراسات نقدية: أجيال الحداثة الشعرية في العراق




    فاضل ثامر
    كان انبثاق حركة الحداثة الشعرية في العراق في أواخر أربعينات و مطلع خمسينات القرن الماضي بمثابة " قطيعة معرفية " حادّة على حد تعبير ميشيل فوكو ، نظراً للتراث الشعري الضخم الذي كان يشكله الشعر العربي الكلاسيكي الذي استمر مهيمناً على الذائقة العربية ، و على الإبداع الثقافي ، بوصفه فعالية أساسية تتقدم على بقية الفعاليات الإبداعية الأخرى .

    و لذا فقد كان الخروج على السائد و المألوف في الممارسة الشعرية متمثلاً في الخروج على النظام العروضي و الموسيقى الداخلية للقصيدة الكلاسيكية ، و الشروع بتأسيس شعرية حداثية جديدة أمراً يصطدم بالكثير من العقبات الذوقية و العرفية و بمعايير تراثية يصعب تجاوزها بسهولة . إلا إن الوضع الاجتماعي و الثقافي في العراق ، و ربما في معظم البلدان العربية الأخرى ، و بالذات بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، كان مساعداً على تحقيق مثل هذه النقلة . فالمجتمع العراقي كان يتطلع بقوة لتحديث بنيته الداخلية و الالتحاق بالعصر . و لذا فقد نشطت الكثير من مظاهر الإبداع الفكري و الثقافي فظهرت حركة متطورة للفن التشكيلي قادها رسامون بارزون منهم جواد سليم و فائق حسن و شاكر حسن آل سعيد ، كما راحت تتطور أساليب السرد القصصي و الروائي على أيدي قصاصين مجددين أمثال عبد الملك نوري و فؤاد التكرلي و مهدي عيسى الصقر و غائب طعمة فرمان و غيرهم . و لذا فقد كانت حركة الحداثة الشعرية التي قادها الثلاثي العراقي بدر شاكر السياب و نازك الملائكة و عبد الوهاب البياتي قوية و رصينة و مؤثرة ، إذ سرعان ما راح إشعاعها ينتقل بسرعة إلى بقية البلدان العربية التي تلقفت حركة الحداثة الشعرية ، و قفزت بها إلى الأمام نحو مواقع حداثية متقدمة ، كما هو الحال في تجربة الشعر الستيني في لبنان على أيدي شعراء مجلة " شعر" اللبنانية التي بشرت بمرحلة جديدة من مراحل الحداثة الشعرية العربية و دعت إلى كسر النظام العروضي لقصيدة " الشعر الحر" التي أطلقها جيل الرواد في العراق خلال خمسينات القرن العشرين و تأسيس " قصيدة نثر" عربية كان أبرز ممثليها محمد الماغوط و أودنيس و أنسي الحاج و شوقي أبي شقرا و توفيق صايغ و يوسف الخال .
    إلا ان الساحة العراقية ظلت هي الأخرى مركز جذب مهم في حركة الحداثة الشعرية العربية ، إذ ظهر جيل جديد هو جيل الستينات الذي حاول تجاوز المنجز الإبداعي لحركة الحداثة الشعرية العربية في الخمسينات ، و اتهم حركة الرواد بالجمود و التخلف و السقوط في الرومانسية ، و رفض فتح الباب نحو مزيد من التجريب و الابتكار و التجاوز . و لذا فقد تميزت التجربة الستينية بالمزيد من التجريب و الانفتاح على مستويات تعبيرية جديدة تفيد من بقية الأجناس الأدبية و أفادت من تجربة الشعر الأوربي و بشكل خاص الشعر السريالي و الرمزي و الدادي و المستقبلي . و قد إقترنت هذه الموجة الحداثية في الستينات بمنظور فلسفي و رؤيوي جديد و مغاير جذرياً عن منظور الحداثة الشعرية في الخمسينات . فقد كان الشاعر الخمسيني - بصورة عامة - متصالحاً مع واقعه ، و إيجابياً في التعامل معه ، حتى في نزوعه الثوري لتغيير بنية المجتمع المادية و السياسية و الاقتصادية . و كان الشاعر الخمسيني يعد نفسه - إلى حد ما- صوت المجتمع و المعبر عن همومه و أشواقه .
    و لذا فقد حظيت القصيدة السياسية بأبعادها الوطنية و القومية و الإنسانية بمكانة خاصة في رصيد الحداثة الشعرية الخمسينية . ففي الوقت الذي كان شعراء الخمسينات يفيدون من تقنيات ت. س . إليوت و ازرا باوند و ايديث ستويل فقد كانوا يتطلعون أيضاً إلى النزعة الإنسانية و الفكرية في تجارب شعراء أمثال مايكو فسكي و بابلو نيرودا و لويس آراغون و ناظم حكمت . كما ظل عدد غير قليل من شعراء الخمسينات ( منهم الشاعرة نازك الملائكة ) قريبين إلى حد كبير من الهاجس الشعري الرومانسي . أما الشاعر الستيني ، فقد كان - من الجانب الآخر- في خصام مع الواقع الخارجي ، و يعد نفسه متمرداً و فردياً إلى أقصى حد .
    لقد مرت بالعراق ، و بعدد من البلدان العربية ظروف موضوعية و ذاتية قاسية هزت يقين الشاعر الستيني و جعلته ينكفئ نحو الذات و يرفض التصالح مع المجتمع . و يمكن القول إن مشروعه لإصلاح هذا المجتمع كان مشروعاً فردياً ، و كان هم الخلاص الفردي - و ربما بوسائل صوفية أو من خلال إسقاطات سايكولوجية - هو المهيمن على الرؤيا الشعرية الشابة في الستينات . لقد أغنت التجربة الشعرية الستينية القصيدة العربية الحداثية و نقلتها إلى آفاق جديدة و فتحت الطريق أمام ظهور قصيدة النثر ، و أمام أشكال تعبيرية و تجريبية متنوعة . لقد برز في الستينات شعراء مهمون واصلوا الكتابة خلال العقود التالية و منهم الشعراء : فاضل العزاوي و فوزي كريم و سامي مهدي و حسب الشيخ جعفر و حميد سعيد و سركون بولص و جان دمو و علي جعفر العلاق و ياسين طه حافظ و صلاح فائق و علي الطائي و موفق محمد و عبد الكريم كَاصد و أرشد توفيق و شوقي عبد الأمير و جليل حيدر و عبد الرحمن طهمازي و نبيل ياسين و صادق الصائغ و آمال الزهاوي و خالد علي مصطفى و غيرهم . و نلمس مع النزعة الستينية ميلاً خاصاً لدى الشعراء للإنتماء إلى جيل أدبي جديد لتأكيد الخصوصية و التفرد و تأكيد الرغبة لتجاوز الجيل السابق . و هذا ما نجده في ظهور جيل حداثي جديد هو جيل السبعينات ، أو فيما بعد جيل الثمانينات و من ثم جيل التسعينات . فعلى الرغم من امتلاك الأجيال أو الموجات الشعرية المختلفة ملامح و قواسم أسلوبية و رؤيوية و تعبيرية مشتركة ، إلا ان كل جيل كان يسعى للتميز عن الأجيال التي سبقته بخصائص و سمات خاصة به . و يبدو لنا ان هذا الهاجس العميــق
    - أي الرغبة في التحقيب و الإنتماء إلى جيل جديد - قد أصبح أحد القوى الدينامية الدافعة في حركة الحداثة الشعرية في العراق منذ الخمسينات .
    فقد حاول جيل السبعينات أن يشق طريقه بصعوبة و هو يواجه تجربة متميزة هي تجربة الجيل الستيني التي ترتكز بدورها إلى خبرة الجيل الخمسيني ، فحاول أن يقدم بعض التنويعات التي تميزه عن الجيل الذي سبقه ، كما نجح في أن يطرح منظوراً حياتياً مغايراً . فقد كان الشاعر الستيني في خصام دائم مع المؤسسة الاجتماعية و كان يحمل راية التمرد و الفردية . فجاء الشاعر السبعيني ليعيد تدريجياً الصلة المقطوعة مع المؤسسة الاجتماعية و أن يعمق حسه الاجتماعي و يحقق نوعاً من التوازن بين الذاتي و الموضوعي على مستوى التجربة الشعرية . و برز عدد غير قليل من شعراء السبعينات منهم : خزعل الماجدي و زاهر الجيزاني و كمال سبتي و صاحب الشاهر و عبد الزهرة زكي و معد الجبوري و جواد الحطاب و شاكر لعيبي و أديب كمال الدين و كاظم جهاد و سلام كاظم و مرشد الزبيدي و أمين جياد و خليل الأسدي و عبد المطلب محمود و عواد ناصر و هاشم شفيق و هادي ياسين علي و غيرهم . و قد واصل هؤلاء الشعراء الكتابة الشعرية خلال العقود التالية و بشكل خاص خلال الثمانينات حتى يمكن أن نجد لوناً من التداخل بين تجربتي شعراء السبعينات و الثمانينات .
    إلا إننا يجب أن نعترف بأن تجربة الثمانينات كانت غزيرة و متنوعة و موجعة . و ربما يعود سبب ذلك إلى سقوط هذا الجيل تحت كماشة الحرب الدموية المجانية التي وجد فيها الشاعر الثمانيني مطحوناً بصورة مجانية غير مفهومة . و لذا فقد كان ظهور هذا الجيل مؤلماً و قاسياً . فقد كانوا يشبهون جيشاً من الصعاليك أو بقايا من فلول جيش مهزوم . لقد كان شعراء هذا الجيل ينظرون إلى الكون و العالم و الأشياء عبر منظار مهشم غائم و ضبابي حيث تتشظى الأشياء و المرئيات و القيم ، فتبدو الصور هلامية و رجراجة و خادعة . لم يكن من السهل أمام الشاعر أن يصرخ بحرية ضد الحرب أو أن يحاول تحرير ذاته منه ، فكان النظام السياسي صارماً و استبدادياً و يصادر حرية التعبير و الكتابة . لذا بدت الكتابة الشعرية أسيرة هذا القمع المأساوي و بالتالي ظهرت الندوب و التشويهات غير المفهومة أحياناً على هذا المتن الشعري الغزير الذي تميز بالتنوع الواضح في الصياغات و الأساليب حيث برز الإهتمام بالقصائد المركبة و قصيدة النص ، كما ازدهرت بشكل ملحوظ قصيدة النثر التي أفادت بشكل خاص من تجربة قصيدة النثر الفرنسية و من تجربة قصيدة النثر في لبنان تحديداً . و تميز هذا الجيل بمساهمة متزايدة للمرأة العراقية في الكتابة الشعرية حيث ظهرت أعمال متميزة للشاعرات : أمل الجبوري و دنيا ميخائيل و ريم قيس كبة و سهام جبار كما برز شعراء مهمون بدأ بعضهم بالكتابة فعلياً خلال أواخر السبعينات لكنه التحم بتجربة الثمانينات منهم : عدنان الصائغ و عبد الحميد كاظم الصائح و عادل عبد الله و خالد جابر يوسف و علي عبد الأمير و باسم المرعبي و حكمت الحاج و وسام هاشم و محمد تركي نصار و صلاح حسن و عبد الرزاق الربيعي و ابراهيم زيدان و كاظم الفياض و أحمد عبد الحسين و محمد جاسم مظلوم و نصيف الناصري و منذر عبد الحر و عبد الأمير جرجس و حسن النواب و كَولالة نوري و كريم شغيدل و فضل خلف جبر و غيرهم . و واصل هذا الجيل الهيمنة على المشهد الشعري في التسعينات و هو يحمل معه الندوب العميقة التي حفرتها عميقاً في وجداته الحرب العراقية – الإيرانية التي دامت ثمان سنوات و كان هو أحد ضحاياها ليجد نفسه مرة أخرى أمام معاناة جديدة تتمثل في حرب جديدة شنها النظام عندما غزا الكويت عام 1990 و النتائج المأساوية اللاحقة التي تمثلت فيما بعد في الهجوم على العراق و فرض الحصار الإقتصادي الطويل الذي دام أكثر من عشر سنوات . و لذا فقد عانى جيل التسعينات الكثير و تحمل المزيد من المعاناة و التمزق و الألم . و كان الشاعر التسعيني يعبر أحياناً بصورة غير مباشرة عن رفضه للحرب و الدمار و لسياسة النظام الإستبدادي بصورة غير مباشرة أو عن طريق الرمز و الصمت و أحياناً من خلال البحث عن فضاءات نظيفة لا تلوثها محرقة الحرب و الحصار و التعسف .
    و ها إن شعراء العراق اليوم يحاولون استعادة أنفاسهم و إحصاء خسائرهم و ما لحق بهم من عطب و تدمير إزاء مغامرات النظام السابق الذي سقط إلى الأبد و سقطت معه سياسة مصادرة حرية الكلمة و سياسة عسكرة الثقافة و فرض المنظور الآيديولوجي الواحد ، و هم يحاولون أحياناً الصراخ بشدة تعبيراً عن تحررهم من كابوس الخوف أو ينشرون قصائدهم التي خبأوها أو تركوها صامتة ، و هم يتطلعون اليوم إلى فترة جديدة من الإبداع الشعري الحداثي و إلى مزيد من التواصل الإنساني مع شعراء العالم .
    و من هنا نرى إن حركة الحداثة الشعرية في العراق في النصف الثاني من القرن العشرين كانت تتحرك من خلال تعاقب الأجيال الشعرية، و محاولة الجيل الجديد تجاوز المنجز الإبداعي للجيل السابق، مما جعل من نزعة التجييل دافعاً قوياً لدفع حركة الحداثة الشعرية في العراق إلى الأمام.
    •فاضل ثامر – ناقد أدبي عراقي ، ولد في بغداد عام 1938 يحمل بكلوريوس أدب إنكليزي من جامعة بغداد و دبلوم الدراسات العليا في اللغة الإنكليزية .
    أصدر مجموعة من الكتب النقدية في مجال نقد الشعر و السرد . في الوقت الحاضر يعمل كاتباً متفرغاً .

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 1:55 am