ويميز جينيت خمس مقولات مركزية في تحليل السرد، وهي:
1-الترتيب Order الذي يميل إلى الترتيب الزمني للسرد، وكيف يمكن له أن يعمل من خلال الاستباق أو الاسترجاع أو المفارقة الزمنية التي تشير إلى التضاربات بين القصة والحبكة.
2-الاستمرار أو الاستغراق الزمني Duration الذي يدل على أن السرد يمكن أن يُسقط الاستطرادات ويطيلها، ويوجز، ويتوقف...
3-التواتر: Frequency الذي يشتمل على تساؤلات عما إذا كان حدث ما قد حصل مرة في القصة، وسُرد مرة. أو حصل مرة، وسُرد مرات عديدة، أو حصل مرات عديدة، وسُرد مرات عديدة، أو حصل مرات عديدة وسُرد مرة فقط.
4-الصيغة Mood التي يمكن تقسيمها إلى (البُعد) و(المنظور). فالبعد يُعنى بعلاقة التسريد بمواده الخاصة: هل هي علاقة تلاوة للقصة، أم تمثيل لها. وهل السرد محكي بالكلام المباشر، أم المنقول؟. وأما المنظور فهو ما يمكن أن يُدعى (زاوية النظر). ويمكن تقسيمه- أيضاً- إلى أقسام فرعية. فالسارد قد يعرف أكثر من الشخصيات، أو أقل منها، أو يتحرك معها على المستوى ذاته. وقد يكون السرد غير متبئر، يلقيه السارد الكلي المعرفة من خارج الفعل، أو متبئراً داخلياً تقرؤه شخصية واحدة من موقع ثابت أو من مواقع متغيرة أو من وجهات نظر شخصيات متعددة. كما يمكن أن نجد أيضاً شكلاً من التبئير الخارجي حيث يعرف السارد أقل مما تعرفه الشخصيات.
5-الصوت Voice والذي يُعنى بفعل السرد ذاته، أي بنوع السارد والمسرود لـه الذي ينطوي عليهما هذا السرد. ويمكن أن نجد هنا تركيبات عديدة بين (زمن السرد) و(زمن المسرود)، وبين فعل تلاوة القصة والأحداث التي تُتلى، فقد تتم حكاية الأحداث قبل حدوثها، أو بعده، أو أثناءه (كما في رواية الرسائل)، ويمكن لسارد أن يكون غائباً عن سرده، أو خارجاً عن نطاقه، أو ممثلاً داخل نطاق السرد (كما في قصص ضمير المتكلم)، أو ممثلاً داخل السرد وبارزاً فيه بوصف الشخصية الرئيسية في الوقت ذاته.
وينتهي إيغلتون بعد عرض هذه الجهود البنيوية في السرد إلى أن البنيوية مثلت قطيعة مع النقد الأدبي التقليدي، في انكبابها على اللغة. ولكنها أغفلت مفهوم الأدب بوصفه ممارسة اجتماعية وشكلاً من الإنتاج. كما لم تلتفت إلى الكيفية التي يتم فيها استهلاك هذا الإنتاج. وحين وضعت البنيوية (الموضوع) الواقعي بين قوسين، فإنها وضعت الذات البشرية أيضاً بين قوسين، فالعمل الأدبي- عندها- لا يحيل إلى (موضوع)، ولا هو تعبير عن ذات فردية، والمهم عندها هو (نسق القواعد) أو (النظام) المستقل بحياته. ولهذا فإن البنيوية تبدو لاإنسانية. وهي تطالب بقارئ هو في الواقع ذات متعالية متحللة من كل المحددات الاجتماعية المقيدة...
ويرى إيغلتون أن الاستقبال الذي حظيت به البنيوية في انجلترة قسم النقد الأدبي الانجليزي إلى معسكرين: خصوم يرون فيها نهاية الحضارة، وأنصار "تسلقوا عربة الموسيقى التي كانت في باريس واختفت". ولهذا يعقد فصلاً لـ(ما بعد البنيوية) يعرض فيها إنجازات الحركة التفكيكية لدى (رولان بارت) و(جاك ديريدا)...
*
وليس إيغلتون هو وحده الذي ناقش الأطروحات البنيوية، بعد أن عرض إنجازاتها، فهنالك (سارتر) الذي رأى فيها (بدعة بورجوازية)، و(روجيه غارودي) الذي وضع عنها كتابه (البنيوية فلسفة موت الإنسان)(14) ناقش فيه أطروحات شتراوس، وفوكو، وألتوسير، وغودلييه. ورأى أن البنيوية التي حلت محل الوجودية الفرنسية جاءت كرد فعل؛ فإذا كانت الوجودية قد اشتطت في النزعة الفردية، وشددت على الذات وعلى مسؤولية الإنسان، فإن البنيوية التي ورثتها كنقيض لها، شددت على اللحظة الموضوعية، والصرامة العلمية، وسعت إلى منهج العلوم الإنسانية كياناً لا يقل عن العلوم الطبيعية.
وغارودي في كتابه هذا يلجأ إلى الحِجاج والجدل. وهو إذ يشيد بمنجزات المنهج البنيوي فإنه يُعمل مبضع النقد في "الإيديولوجيا البنيوية" التي يرى فيها أنها انحطّت إلى فلسفة تنفي الإنسان من التاريخ، وتبشر بموت قريب له على صعيد التحليل العلمي.
بيد أن غارودي إذا كان قد وضع كتابه هذا تحت تأثير الماركسية، ورأى أن ماركس هو الذي أسس (الجدلية البنيوية)! فإنه لم يجعل من البنيوية فلسفة، ذلك أن التصور النقدي والجدلي للبنى يحظر علينا أن ننسى أن هذه البنى ليست بماهيات أفلاطونية، وإنما هي (نماذج) نبنيها بأنفسنا كيما نعلل الظواهر ونسيطر عليها، وبهذا نفلت من صنمية البنى واستلابها برؤيتنا لها على أنها تنظيم للظاهرات وليست كشفاً للماهيات.
**
هوامش:
(1)-جان ماري أوزياس وآخرون- البنيوية- تر: ميخائيل مخول- وزارة الثقافة- دمشق 1972.
(2)-جان لوي كابانس- النقد الأدبي والعلوم الإنسانية- تر: فهد عكام- دار الفكر- دمشق 1982.
(3)-ايخنباوم- ضمن: تودوروف- شعرية النثر. باريس 1971 ص 12.
(4)-ياكوبسون- مقالات في علم اللغة العام- مينوي- باريس 1969، ص 211.
(5)-تودوروف- ما هي البنيوية؟ سوي- باريس 1968، ص 100.
(6)-رولان بارت- النقد والحقيقة. سوي- باريس 1966، ص 58.
(7)-رولان بارت- مدخل إلى التحليل البنيوي للسرد- مجلة (اتصالات)- سوي- باريس 1966، ص 7.
(-روبرت شولز- البنيوية في الأدب: تر: حنا عبود- اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1984.
(9)-روبرت شولز- السيمياء والتأويل- تر: سعيد الغانمي- المؤسسة العربية- بيروت 1994.
(10)-فرديناند دي سوسير- دروس في علم اللغة العام- ص 16.
(11)-إديث كيرزويل- عصر البنيوية- تر: جابر عصفور- دار آفاق عربية- بغداد 1985.
(12)-جان ماري أوزياس- البنيوية- باريس، 1967، ص 7.
(13)-تيري إيغلتون- نظرية الأدب- تر: ثائر ديب- وزارة الثقافة- دمشق 1995.
(14)-روجيه غارودي- البنيوية فلسفة موت الإنسان- تر: جورج طرابيشي- دار الطليعة- بيروت 1979.
***
1-الترتيب Order الذي يميل إلى الترتيب الزمني للسرد، وكيف يمكن له أن يعمل من خلال الاستباق أو الاسترجاع أو المفارقة الزمنية التي تشير إلى التضاربات بين القصة والحبكة.
2-الاستمرار أو الاستغراق الزمني Duration الذي يدل على أن السرد يمكن أن يُسقط الاستطرادات ويطيلها، ويوجز، ويتوقف...
3-التواتر: Frequency الذي يشتمل على تساؤلات عما إذا كان حدث ما قد حصل مرة في القصة، وسُرد مرة. أو حصل مرة، وسُرد مرات عديدة، أو حصل مرات عديدة، وسُرد مرات عديدة، أو حصل مرات عديدة وسُرد مرة فقط.
4-الصيغة Mood التي يمكن تقسيمها إلى (البُعد) و(المنظور). فالبعد يُعنى بعلاقة التسريد بمواده الخاصة: هل هي علاقة تلاوة للقصة، أم تمثيل لها. وهل السرد محكي بالكلام المباشر، أم المنقول؟. وأما المنظور فهو ما يمكن أن يُدعى (زاوية النظر). ويمكن تقسيمه- أيضاً- إلى أقسام فرعية. فالسارد قد يعرف أكثر من الشخصيات، أو أقل منها، أو يتحرك معها على المستوى ذاته. وقد يكون السرد غير متبئر، يلقيه السارد الكلي المعرفة من خارج الفعل، أو متبئراً داخلياً تقرؤه شخصية واحدة من موقع ثابت أو من مواقع متغيرة أو من وجهات نظر شخصيات متعددة. كما يمكن أن نجد أيضاً شكلاً من التبئير الخارجي حيث يعرف السارد أقل مما تعرفه الشخصيات.
5-الصوت Voice والذي يُعنى بفعل السرد ذاته، أي بنوع السارد والمسرود لـه الذي ينطوي عليهما هذا السرد. ويمكن أن نجد هنا تركيبات عديدة بين (زمن السرد) و(زمن المسرود)، وبين فعل تلاوة القصة والأحداث التي تُتلى، فقد تتم حكاية الأحداث قبل حدوثها، أو بعده، أو أثناءه (كما في رواية الرسائل)، ويمكن لسارد أن يكون غائباً عن سرده، أو خارجاً عن نطاقه، أو ممثلاً داخل نطاق السرد (كما في قصص ضمير المتكلم)، أو ممثلاً داخل السرد وبارزاً فيه بوصف الشخصية الرئيسية في الوقت ذاته.
وينتهي إيغلتون بعد عرض هذه الجهود البنيوية في السرد إلى أن البنيوية مثلت قطيعة مع النقد الأدبي التقليدي، في انكبابها على اللغة. ولكنها أغفلت مفهوم الأدب بوصفه ممارسة اجتماعية وشكلاً من الإنتاج. كما لم تلتفت إلى الكيفية التي يتم فيها استهلاك هذا الإنتاج. وحين وضعت البنيوية (الموضوع) الواقعي بين قوسين، فإنها وضعت الذات البشرية أيضاً بين قوسين، فالعمل الأدبي- عندها- لا يحيل إلى (موضوع)، ولا هو تعبير عن ذات فردية، والمهم عندها هو (نسق القواعد) أو (النظام) المستقل بحياته. ولهذا فإن البنيوية تبدو لاإنسانية. وهي تطالب بقارئ هو في الواقع ذات متعالية متحللة من كل المحددات الاجتماعية المقيدة...
ويرى إيغلتون أن الاستقبال الذي حظيت به البنيوية في انجلترة قسم النقد الأدبي الانجليزي إلى معسكرين: خصوم يرون فيها نهاية الحضارة، وأنصار "تسلقوا عربة الموسيقى التي كانت في باريس واختفت". ولهذا يعقد فصلاً لـ(ما بعد البنيوية) يعرض فيها إنجازات الحركة التفكيكية لدى (رولان بارت) و(جاك ديريدا)...
*
وليس إيغلتون هو وحده الذي ناقش الأطروحات البنيوية، بعد أن عرض إنجازاتها، فهنالك (سارتر) الذي رأى فيها (بدعة بورجوازية)، و(روجيه غارودي) الذي وضع عنها كتابه (البنيوية فلسفة موت الإنسان)(14) ناقش فيه أطروحات شتراوس، وفوكو، وألتوسير، وغودلييه. ورأى أن البنيوية التي حلت محل الوجودية الفرنسية جاءت كرد فعل؛ فإذا كانت الوجودية قد اشتطت في النزعة الفردية، وشددت على الذات وعلى مسؤولية الإنسان، فإن البنيوية التي ورثتها كنقيض لها، شددت على اللحظة الموضوعية، والصرامة العلمية، وسعت إلى منهج العلوم الإنسانية كياناً لا يقل عن العلوم الطبيعية.
وغارودي في كتابه هذا يلجأ إلى الحِجاج والجدل. وهو إذ يشيد بمنجزات المنهج البنيوي فإنه يُعمل مبضع النقد في "الإيديولوجيا البنيوية" التي يرى فيها أنها انحطّت إلى فلسفة تنفي الإنسان من التاريخ، وتبشر بموت قريب له على صعيد التحليل العلمي.
بيد أن غارودي إذا كان قد وضع كتابه هذا تحت تأثير الماركسية، ورأى أن ماركس هو الذي أسس (الجدلية البنيوية)! فإنه لم يجعل من البنيوية فلسفة، ذلك أن التصور النقدي والجدلي للبنى يحظر علينا أن ننسى أن هذه البنى ليست بماهيات أفلاطونية، وإنما هي (نماذج) نبنيها بأنفسنا كيما نعلل الظواهر ونسيطر عليها، وبهذا نفلت من صنمية البنى واستلابها برؤيتنا لها على أنها تنظيم للظاهرات وليست كشفاً للماهيات.
**
هوامش:
(1)-جان ماري أوزياس وآخرون- البنيوية- تر: ميخائيل مخول- وزارة الثقافة- دمشق 1972.
(2)-جان لوي كابانس- النقد الأدبي والعلوم الإنسانية- تر: فهد عكام- دار الفكر- دمشق 1982.
(3)-ايخنباوم- ضمن: تودوروف- شعرية النثر. باريس 1971 ص 12.
(4)-ياكوبسون- مقالات في علم اللغة العام- مينوي- باريس 1969، ص 211.
(5)-تودوروف- ما هي البنيوية؟ سوي- باريس 1968، ص 100.
(6)-رولان بارت- النقد والحقيقة. سوي- باريس 1966، ص 58.
(7)-رولان بارت- مدخل إلى التحليل البنيوي للسرد- مجلة (اتصالات)- سوي- باريس 1966، ص 7.
(-روبرت شولز- البنيوية في الأدب: تر: حنا عبود- اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1984.
(9)-روبرت شولز- السيمياء والتأويل- تر: سعيد الغانمي- المؤسسة العربية- بيروت 1994.
(10)-فرديناند دي سوسير- دروس في علم اللغة العام- ص 16.
(11)-إديث كيرزويل- عصر البنيوية- تر: جابر عصفور- دار آفاق عربية- بغداد 1985.
(12)-جان ماري أوزياس- البنيوية- باريس، 1967، ص 7.
(13)-تيري إيغلتون- نظرية الأدب- تر: ثائر ديب- وزارة الثقافة- دمشق 1995.
(14)-روجيه غارودي- البنيوية فلسفة موت الإنسان- تر: جورج طرابيشي- دار الطليعة- بيروت 1979.
***