رباعيات الخيام
سمعت صوتا هاتفا في السحر نادى من الحان : غفاة البشر هبوا املئوا كأس الطلى قبل أن تفعم كأس العمر كف القدر
***
أحس في نفسي دبيب الفناء ولم أصب في العيش إلا الشقاء يا حسرتا إن حان حيني ولم يتح لفكري حل لغز القضاء
***
أفق وهات الكأس أنعم بها واكشف خفايا النفس من حجبها وروّ أوصالي بها قبلما يصاغ دنّ الخمر من تربها
***
تروح أيامي ولا تغتدي كما تهب الريح في الفدفد وما طويت النفس هما على يومين أمس المنقضي والغد
***
غد بظهر الغيب واليوم لي وكم يخيب الظن في المقبل ولست بالغافل حتى أرى جمال دنياي ولا أجتلي ***
سمعت في حلمي صوتا أهاب ما فتق النوم كمام الشباب أفق فإن النوم صنو الردى واشرب فمثواك فراش التراب
***
قد مزق البدر سنار الظلام فاغنم صفا الوقت وهات المدام واطرب فإن البدر من بعدنا يسري علينا في طباق الرغام
***
سأنتحي الموت حثيث الورود وينمحي اسمي من سجل الوجود هات اسقنيها يا منى خاطري فغاية الأيام طول الهجود
***
هات اسقنيها أيهذا النديم أخضب من الوجه اصفرار الهموم و إن مت فاجعل غسولي الطلى وقد نعشي من فروع الكروم
***
إن تقتلع من أصلها سرحتي وتصبح الأغصان قد جفت فصغ وعاء الخمر من طينتي واملأه تسر الروح في جثتي
***
لبست ثوب العيش لم أستشر وحرت فيه بين شتى الفكر وسوف أنضو الثوب عني ولم أدرك لماذا جئت أين المقر
***
نمضي وتبقى العيشة الراضية وتنمحي أثارنا الماضية فقبل أن نحيى ومن بعدناوهذه الدنيا على ما هيه
***
طوت يد الأقدار سفر الشباب وصوحت تلك الغصون الرطاب وقد شدا طير الصبى واختفى متى أتى يا لهفا أين غاب
***
الدهر لا يعطي الذي نأمل و في سبيل اليأس ما نعمل و نحن في الدنيا على همها يسوقنا حادي الردى المعجل
***
أفق خفيف الظل هذا السحر وهاتها صرفا وناغ الوتر فما أطال النوم عمرا ولا قصر في الأعمار طول السهر
***
اشرب فمثواك التراب المهيل بلا حبيب مؤنس أو خليل و انشق عبير العيش في فجره فليس يزهو الورد بعد الذبول
***
كم آلم الدهر فؤادا طعين و أسلم الروح ظعين حزين وليس ممن فاتنا عائد أسأله عن حالة الراحلين
***
يا دهر أكثرت البلى والخراب و سمت كل الناس سوء العذاب ويا ثرى كم فيك من جوهر يبين لو ينبش هذا التراب
***
وكم توالى الليل بعد النهار وطال بالأنجم هذا المدار فامش الهوينا إن هذا الثرى من أعين ساحرة الإحورار
***
أين النديم السمح أين الصبوح فقد أمض الهم قلبي الجريح ثلاثة هن أحب المنى كأس و أنغام ووجه صبيح
***
نفوسنا ترضى احتكام الشراب أرواحنا تفدى الثنايا العذاب و روح هذا الذي نستله ونستقيه سائغا مستطاب
***
يا نفس ما هذا الأسى والكدر قد وقع الإثم وضاع الحذر هل ذاق حلو العفو إلا الذي أذنب والله عفا واغتفر
***
نلبس بين الناس ثوب الرياء و نحن في قبضة كف القضاء وكم سعينا نرتجي مهربا فكان مسعانا جميعا هباء
*** لم تفتح الأنفس باب الغيوب حتى ترى كيف تسام القلوب ما أتعس القلب الذي لم يكد يلتام حتى أنكأته الخطوب *** عامل كأهليك الغريب الوفي واقطع من الأهل الذي لا يفي و عف زلالا ليس فيه الشفا واشرب زعاف السم لو تشتفي *** أحسن الى الأعداء و الأصدقاء فإنما إنس القلوب الصفاء و اغفر لأصحابك زلاتهم وسامح الأعداء تمح العداء *** عاشر من الناس كبار العقول وجانب الجهال أهل الفضول واشرب نقيع السم من عاقل واسكب على الأرض دواء الجهول *** يا تارك الخمر لماذا تلوم دعني الى ربي الغفور الرحيم ولا تفاخرني بهجر الطلى فأنت جان في سواها أثيم *** أطفيء لظى القلب ببرد الشراب فإنما الأيام مثل السحاب وعيشنا طيف خيال فنل حظك منه قبل فوت الشباب *** بستان أيامك نامي الشجر فكيف لا تقطف غض الثمر اشرب فهذا اليوم إن أدبرت به الليالي لم يعده القدر *** جادت بساط الروض كف السحاب فنزه الطرف وهات الشراب فهذه الخضرة من بعدنا تنمو على أجسادنا في التراب *** و إن تواف العشب عند الغدير وقد كسا الأرض بساط نضير فامش الهوينا فوقه إنه غذته أوصال حبيب طرير *** يا نفس قد آدك حمل الحزن يا روح مقدور فراق البدن اقطف أزاهير المنى قبل أن يجف من عيشك غض الفنن *** يحلو ارتشاف الخمر عند الربيع ونشر أزهار الروابي يضوع وتعذب الشكوى الى فاتن على شفا الوادي الخصيب الينيع *** فلا تتب عن حسو هذا الشراب فإنما تندم بعد المتاب وكيف تصحو وطيور الربى صداحة و الروض غض الجناب *** زخارف الدنيا أساس الألم وطالب الدنيا نديم الندم فكن خلي البال من أمرها فكل ما فيها شقاء وهم *** و أسعد الخلق قليل الفضول من يهجر الناس ويرضى القليل كأنه عنقاء عند السهى لا بومة تنعب بين الطلول *** من يحسب المال أحب المنى و يزرع الأرض يريد الغنى يفارق الدنيا ولم يختبر في كده أحوال هذي الدنى *** سرى بجسمي الغض ماء الفناء وسار في روحي لهيب الشقاء وهمت مثل الريح حتى ذرت تراب جسمي عاصفات القضاء *** يا من يحار الفهم في قدرتك وتطلب النفس حمى طاعتك أسكرني الإثم و لكنني صحوت بالآمال في رحمتك *** لم أشرب الخمر ابتغاء الطرب ولا دعتني قلة في الأدب لكن إحساسي نزاعا إلى إطلاق نفسي كان كل السبب *** أفنيت عمري في اكتناه القضاء وكشف ما يحجبه في الخفاء فلم أجد أسراره وانقضى عمري وأحسست دبيب الفناء *** أطال أهل الأنفس الباصرة تفكيرهم في ذاتك القادرة ولم تزل يا رب أفهامهم حيرى كهذي الأنجم الحائرة *** لم يجن شيئا من حياتي الوجود ولن يضير الكون أني أبيد واحيرتي ما قال لي قائل ماذا اشتعال الروح كيف الخمود *** إذا انطوى عيشي وحان الأجل وسد في وجهي باب الأمل قرّ حباب العمر في كأسه فصبها للموت ساقي الأزل *** إن لم أكن أخلصت في طاعتك فإنني أطمع في رحمتك و إنما يشفع لي أنني قد عشت لا أشرك في وحدتك *** يا رب هيئ سبب الرزق لي ولا تذقني منة المفضل وأبقني نشوان كيما أرى روحي نجت من دائها المعضل *** أفنيت عمري في ارتقاب المنى ولم أذق في العيش طعم الهنا وإنني أشفق أن ينقضي عمري وما فارقت هذا العنا
***
لم يبرح الداء فؤادي العليل ولم أنل قصدي وحان الرحيل وفات عمري وأنا جاهل كتاب هذا الدهر جم الفصول
***
صفا لك اليوم ورقّ النسيم وجال في الأزهار دمع الغيوم ورجّع البلبل ألحانه يقول هيا اطرب وخل الهموم
***
الدرع لا تمنع سهم الأجل والمال لا يدفعه إن نزل وكل ما في عيشنا زائل لا شيء يبقى غير طيب العمل
***
الله يدري كل ما تضمر يعلم ما تخفي وما تظهر وإن خدعت الناس لم تستطع خداع من يطوي ومن ينشر
***
وإنما بالموت كل رهين فاطرب فما أنت من الخالدين واشرب ولا تحمل أسى فادحا وخلّ حمل الهم للاحقين
***
رأيت خزافا رحاه تدور يجدّ في صوغ دنان الخمور كأنه يخلط في طينها جمجمة الشاه بساق الفقير
***
تمتلك الناس الهوى والغرور وفتنة الغيد وسكنى القصور ولو تزال الحجب بانت لهم زخارف الدنيا وعقبى الأمور
***
إن الذي تأنس فيه الوفاء لا يحفظ الود وعهد الإخاء فعاشر الناس على ريبة منهم ولا تكثر من الأصدقاء
***
زاد الندى في الزهر حتى غدا منحنيا من حمل قطر الندى والكُم قد جمع أوراقه فظلّ في زهر الرّبى سيدا
***
وأسعد الخلق الذي يرزق وبابه دون الورى مغلق لا سيدٌ فيهم ولا خادم لهم ولكن وادع مطلق
***
قلبي في صدري أسير سجين تخجله عشرة ماء وطين وكم جرى عزمي بتحطيمه فكان ينهاني نداء اليقين
***
مصباح قلبي يستمدّ الضياء من طلعة الغيد ذوات البهاء لكنني مثل الفراش الذييسعى الى النور وفيه الفناء
***
طبعي ائتناسي بالوجوه الحسان وديدني شرب عتاق الدنان فاجمع شتات الحظ وانعم بها من قبل أن تطويك كف الزمان
***
عاقب الأيام يدني الأجل ومرها يطويك طيّ السجل وسوف تفنى وهي في كرِّها فقضِّ ما تغنمه في جذل
***
لا تشغل البال بماضي الزمان ولا بآتي العيش قبل الأوان واغنم من الحاضر لذّاته فليس في طبع الليالي الأمان
***
قيل لدى الحشر يكون الحساب فيغضب الله الشديد العقاب وما انطوى الرحمن إلا على إنالة الخير ومنح الثواب
***
كان الذي صورني يعلم في الغيب ما أجني وما آثم فكيف يجزيني على أنني أجرمت والجرم قضا مبرم
***
هات اسقني كأس الطلى السلسل وغنني لحنا مع البلبل فإنما الإبريق في صبه يحكي خرير الماء في الجدول
***
الخمر في الكأس خيال ظريف وهي بجوف الدنّ روح لطيف أبعد ثقيل الظّل عن مجلسي فإنما للخمر ظل خفيف
***
باب نديمي ذو الثنايا الوضاح وبيننا زهر أنيق وراح وافتض من لؤلؤ أصدافها فافترّ في الآفاق ثغر الصباح *** نار الهوى تمنع طيب المنام وراحة النفس ولذّ الطعام وفاتر الحب ضعيف اللظى منطفئ الشعلة خابي الضرام ***
القلب قد أضناه عشق الجمال والصدر قد ضاق بما لا يقال يا ربّ هل يرضيك هذا الضما والماء ينساب أمامي زلال *** خلقتني يا ربّ ماء وطين وصغتني ما شئت عزّا وهون فما احتيالي والذي قد جرى كتبته يا ربّ فوق الجبين *** ويا فؤادي تلك دنيا الخيال فلا تنؤ تحت الهموم الثقال وسلم الأمر فمحو الذي خطت يد المقدار أمر محال ***
وإنما نحن رخاخ القضاء ينقلنا في اللوح أنى يشاء وكل من يفرغ من دوره يلقى به في مستقر الفناء *** رأيت صفا من دنان سرى ما بينها همس حديث جرى كأنها تسأل : أين الذي قد صاغنا أو باعنا أو شرى *** سطا البلى فاغتال أهل القبور حتى غدوا فيها رفاتا نثير أين الطلى تتركني غائبا أجهل أمر العيش حتى النشور *** إذا سقاني الموت كأس الحمام وضمكم بعدي مجال المدام فأفردوا لي موضعي واشربوا في ذكر من أضحى رهين الرجام *** عن وجنة الأزهار شف النقاب وفي فؤادي راحة للشراب فلا تنم فالشمس لمّا يزل ضياؤها فوق الرّبى والهضاب ***
فكم على ظهر الثرى من نيام وكم من الثاوين تحت الرغام وأينما أرمي بعيني أرى مشيعا أو نهزة للحمام *** يا ربّ في فهمك حار البشر وقصر العاجز والمقتدر تبعث نجواك وتبدو لهم وهم بلا سمع يعي أو بصر *** بيني وبين النفس حرب سجال وأنت يا ربّي شديد المحال أنتظر العفو ولكنني خجلان من علمك سوء الفعال *** شقت يد الفجر ستار الظلام فانهض وناولني صبوح المدام فكم تحيينا له طلعة ونحن لا نملك ردّ السلام
*** معاقرو الكأس وهم سادرون وقائمو الليل وهم ساجدون غرقى حيارى في بحار النهى والله صاح والورى غافلون *** كنّا فصرنا قطرة في عباب عشنا وعدنا ذرة في التراب جئنا إلى الأرض ورحنا كما دب عليها النمل حينا وغاب *** لا أفضح السر لعال ودون ولا أطيل القول حتى يبين حالي لا أقوى على شرحها وفي حنايا الصدر سري دفين *** أولى بهذي الأعين الهاجدة أن تغتدي في أنسها ساهدة تنفس الصبح فقم قبل أن تحرمه أنفاسنا الهامدة *** هل في مجال السكون شيء بديع أحلى من الكأس وزهر الربيع عجبت للخمّار هل يشتري بماله أحسن مما يبيع ***هوى فؤادي في الطلى والحباب وشجو أذني في سماع الرباب إن يصغ الخزاف من طينتي كوبا فأترعها ببرد الشراب *** يا مدعي الزهد أنا أكرم منك وعقلي ثملا أحكم تستنزف الخلق وما أستقي إلا دم الكرم فمن آثم؟ *** الخمر كالورد وكأس الشراب شفت فكانت مثل ورد مذاب كأنما البدر نثا ضوءه فكان حول الشمس منه نقاب
*** لا تحسبوا أني أخاف الزمان أو أرهب الموت إذا الموت حان الموت حق لست أخشى الردى وإنما أخشى فوات الأوان *** لا طيب في الدنيا بغير الشراب ولا شجى فيها بغير الرباب فكرت في أحوالها لم أجد أمتع فيها من لقاء الصحاب *** عش راضيا واهجر دواعي الألم واعدل مع الظالم مهما ظلم نهاية الدنيا فناء فعش فيها طليقا واعتبرها عدم *** لا تأمل الخل المقيم الوفاء فإنما أنت بدنيا الرياء تحمل الداء ولا تلتمس له دواء وانفرد بالشقاء *** اليوم قد طاب زمان الشباب وطابت النفس ولذ الشراب فلا تقل كأس الطلى مرة فإنما فيها من العيش صاب *** وليس هذا العيش خلدا مقيم فما اهتمامي محدث أم قديم سنترك الدنيا فما بالنا نضيع منها لحظات النعيم *** حتام يغري النفس برق الرجاء ويفزع الخاطر طيف الشقاء هات اسقنيها لست أدري إذا صعدت أنفاسي ردت الهواء *** دنياك ساعات سراع الزوال وإنما العقبى خلود المآل فهل تبيع الخلد يا غافلا وتشتري دنيا المنى والضلال *** يامن نسيت النار يوم الحساب وعفت أن تشرب ماء المتاب أخاف إن هبت رياح الردى عليك أن يأنف منك التراب
***
يا قلب كم تشقى بهذا الوجود وكل يوم لك همّ جديد وأنت يا روحي ماذا جنت نفسي وأخراك رحيل بعيد
***
تناثرت أيام هذا العمر تناثر الأوراق حول الشجر فانعم من الدنيا بلذاتها من قبل أن تسقيك كف القدر
***
لا توحش النفس بخوف الظنون وأغنم من الحاضر أمن اليقين فقد تساوى في الثرى راحل غدا وماض من ألوف السنين
***
مررت بالخزاف في صحوة يصوغ كوب الخمر من طينة أوسعها دعّا فقالت له : هل أقفرت نفسك من رحمة
***
لو أنني خيرت أو كان لي مفتاح باب القدر المقفل لاخترت عن دنيا الأسى أنني لم أهبط الدنيا ولم أرحل *** هبطت هذا العيش في الآخرين وعشت فيه عيشة الخاملين ولا يوافيني بما أبتغي فأين مني عاصفات المنون ***
حكمك يا أقدار عين الضلال فأطلقيني آد نفسي العقال إن تقصري النعمى على جاهل فلست من أهل الحجا والكمال
***
إذا سقاك الدهر كأس العذاب فلا تبن للناس وقع المصاب واشرب على الأوتار رنانة من قبل أن تحطم كأس الشراب
***
لا بد للعاشق من نشوة أو خفة في الطبع أو جنة والصحو باب الحزن فاشرب تكن عن حالة الأيام في غفلة
***
أنا الذي عشت صريع العقار في مجلس تحييه كأس تدار فعدِّ عن نصحي لقد أصبحت هذي الطلى كل المنى والاختيار
***
أعلم من أمري الذي قد ظهر وأستشف الباطن المستتر عدمت فهي أن تكن نشوتي وراءها منزلة تنتظر
***
طارت بي الخمر إلى منزل فوق السماك الشاهق الأعزل فأصبحت روحي في نجوة من طين هذا الجسد الأرذل
***
سئمت يا ربي حياة الألم وزاد همي الفقر لما ألمّ ربي انتشلني من وجودي فقد جعلت في الدنيا وجودي عدم
***
لم يخل قلبي من دواعي الهموم أو ترض نفسي عن وجودي الأليم وكم تأدبت بأحداثه ولم أزل في ليل جهل بهيم
***
الله قد قدر رزق العباد فلا تؤمل نيل كل المراد ولا تذق نفسك مرّ الأسى فإنما أعمارنا للنفاد
***
إن الذي يعرف سر القضاء يرى سواء سعده والشقاء العيش فان فلندع أمره أكان داء مسنا أم دواء
***
يا طالب الدنيا وقيت العثار دع أمل الربح وخوف الخسار واشرب عتيق الخمر فهي التي تفك عن نفسك قيد الإسار
***
الكأس جسم روحه الساريه هذي السلاف المزة الصافية زجاجها قد شف حتى غدا ماء حوى نيرانها الجارية
***
قد ردد الروض غناء الهزار وارتاحت النفس لكأس العقار تبسم النور فقم هاتها نثأر من الأيام قبل الدمار
***
بي من جفاء الدهر همّ طويل ومن شقاء العيش حزن دخيل قلبي كدنّ الخمر يجري دما ومقلتي بالدمع كأس تسيل
***
وكلما راقبت حال الزمن رأيته يحرم أهل الفطن سبحان ربي كلما لاح لي نجم طوته ظلمات المحن
***
ماذا جنينا من متاع البقاء ماذا لقينا في سبيل الفناء هل تبصر العين دخان الألى صاروا رمادا في أتون القضاء
***
تلك القصور الشاهقات البناء منازل العز ومجلى السناء قد نعب البوم على رسمها
يصيح أين المجد ، أين الثراء
***
هون على النفس احتمال الهموم واغنم صفا العيش الذي لا يدوم لو كانت الدنيا وفت للألى راحوا لما جاءك دور النعيم
***
وإنما الدهر مذيق الكروب نعيمه رهن بكف الخطوب ولو درى الهم الذي لم يجيء دنيا الأسى لاختار دار الغيوب
***
صبت علينا وابلات البلاء كأننا أعداء هذا القضاء بينا ترى الإبريق والكأس قد تبادلا التقبيل حول الدماء
***
تفتح النوار صب المدام واخلع ثياب الزهد بين الأنام وهاتها من قبل سطو الردى في مجلس ضم الطلى والغرام
***
حار الورى ما بين كفر ودين وأمعنوا في الشك أو في اليقين وسوف يدعوهم منادي الردى يقول ليس الحق ما تسلكون
***
نصبت في الدنيا شراك الهوى وقلت أجزي كل قلب غوى أتنصب الفخ لصيدي وإن وقعت فيه قلت عاص هوى
***
أنا الذي أبدعت من قدرتك فعشت أرعى في حمى نعمتك دعني الى الآثام حتى أرى كيف يذوب الإثم في رحمتك
***
إن تفصل القطرة في بحرها ففي مداه منتهى أمرها تقاربت يا ربّ ما بيننا مسافة البعد على قدرها
***
وإنما الدنيا خيال يزول وأمرنا فيها حديث يطول مشرقها بحر بعيد المدى وفي مداه سيكون الأفول
***
جهلت يا نفسي سر الوجود وغبت في غور القضاء البعيد فصوري من نشوتي جنةفربما أحرم دار الخلود
***
يا ورد أشبهت خدود الحسان
ويا طلي حاكيت ذوب الجمان وأنت يا حظي تنكرت لي وكنت من قبل الأخ المستعان
***
أولى بك العشق وحسو الشراب وحنة الناي ونوح الرباب فأطلق النفس ولا تتصل بزخرف الدنيا الوشيك الذهاب
***
لا تشغل البال بأمر القدر واسمع حديثي يا قصير النظر تنح واجلس وادعا قانعا وانظر الى لعب القضا بالبشر
***
يا قلب إن ألقيت ثوب العناء غدوت روحا طاهرا في السماء مقامك العرش ترى حطّة ً أنك في الأرض أطلت البقاء
***
إن الذي يذبل زهر الربيع ينثر أوراق وجود الجميع والهم مثل السّم ترياقه في الخمر فاشرب قدر ما تستطيع
***
زجاجة الخمر ونصف الرغيف وما حوى ديوان شعر طريف أحب لي إن كنت لي مؤنسا في بلقع من كل ملك منيف
***
أتسمع الديك أطال الصياح وقد بدى في الأفق نور الصباح ما صاح إلا نادبا ليلة ولّت من العمر السريع الرواح
***
علام تشقى في سبيل الألم ما دمت تدري أنك ابن العدم الدهر لا تجري مقاديره بأمرنا فارض بما قد حكم
***
تحمل الداء كبير الرجاء أنك يوما تنال الشفاء واشكر على الفقر الذي إن يُرَدّ أصبحت موفور الغنى والثراء
***
ليتك يا ربي تبيد الوجود وتخلق الأكوان خلقا جديد فتغفل اسمي أو تزيد الذي قدرت لي في الرزق بين العبيد
***
وصلتني بالنفس منذ القدم فكيف تفري شملنا الملتئم وكنت ترعاني فماذا دعا إلى اطراحي للأسى والألم
***
هات الطلى فالنفس عما قليل توشك من فرط الأسى أن تسيل عساي أنسى الهم في نشوتي من بعد رشفي كأسها السلسبيل
***
يا ساقي الخمر أفق هاتها ثم اسقني سائل ياقوتها فإنها تبعث من روحها نفسي وتحيي ميت لذاتها
***
صب من الإبريق صافي الدماء واشرب وهات الكأس ذات النقاء فليس بين الناس من ينطوي على الذي في صدرها من صفاء
***
أين طهور النفس عفّ اليمين وكيف كانت عيشة الصالحين إن كنت لا تغفر ذنبي فما فضلك يا ربِّ على العالمين
***
أبدعت فينا بينات العِبر وصُغتنا يا ربي شتى الصور فهل أطيق اليوم محو الذي تركته في خلقتي من أثر
***
طبائع الأنفس ركّبتها فكيف تجزي أنفسا صغتها وكيف تفنى كاملا أو ترى نقصا بنفس أنت صورتها
***
تخفي عن الناس سنا طلعتك وكل ما في الكون من صنعتك فأنت مُجلاه وأنت الذي ترى بديع الصنع في آيتك
***
يا رب مهّد لي سبيل الرّشاد واكتب لي الراحة بعد الجهاد وأحي في نفسي المنى مثلما يحيي موات الأرض صوب العهاد
***
لن يرجع المقدار فيما حكم وحملك الهم يزيد الألم ولو حزنت العمر لن ينمحي ما خطه في اللوح مر القلم
***
ولّى الدجى قم هات كأس الشرابكأنما الياقوت فيها مذاب واحرق من العود بخورا وخذ من غصنه المعطار واصنع رباب
***
الخمر توليك نعيم الخلود ولذّة الدنيا وأنس الوجود تحرق مثل النار لكنها تجعل نار الحزن ماء برود
***
عيشي من أجل الطلى مستحيل فإنها تشفي فؤادي العليل ما أعذب الساقي إذا قال لي تناول الكأس ورأسي يميل
***
أولى بهذا القلب أن يخفقا وفي ضرام الحب أن يحرقا ما أضيع اليوم الذي مرّ بي من غير أن أهوى و أن أعشقا
***
سارع الى اللذات قبل المنون فالعمر يطويه مرور السنين ولست كالأشجار إن قلمت فروعها عادت رطاب الغصون
***
إن الألى ذاقوا حياة الرّغد وأنجز الدهر لهم ما وعد قد عصف الموت بهم فانطووا واحتضنوا تحت تراب الأبد
***
نفسي خلت من أنس تلك الصحاب لما غدوا ثاوين تحت التراب في مجلس العمر شربنا الطلى فلم يفق منا صريع الشراب
***
ولست مهما عشت أخشى العدم وإنما أخشى حياة الألم أعارني الله حياتي وعن حقوقه استرداد هذا النسم
***
قالوا امتنع عن شرب بنت الكروم فإنها تورث نار الجحيم ولذّتي في شربها ساعة تعدل في عيني جنان النعيم
***
إن دارت الكأس ولذّ الشراب فكن رضيّ النفس بين الصحاب واشرب فما يجديك هجر الطلى إن كان مقدورا عليك العذاب
***
شيئان في الدّنيا هما أفضل في كل ما تنوي وما تعمل لا تتخذ كل الورى صاحبا ولا تنل من كل ما يؤكل
***
لو كان لي قدرة رب مجيد خلقت هذا الكون خلقا جديد يكون فيه غير دنيا الأسى دنيا يعيش الحر فيها سعيد
***
إذا بلغت المجد قالوا زنيم وإن لزمت الدار قالوا لئيم فجانب الناس ولا تلتمس معرفة تورث حمل الهموم
***
خير لي العشق وكأس المدام من ادعاء الزهد والإحتشام لو كانت النار لمثلي خلت جنات عدن من جميع الأنام
***
عبدك عاص أين منك الرضاء وقلبه داج فأين الضياء إن كانت الجنّة مقصورة على المطيعين فأين العطاء
***
أهل الحجا والفضل هذي العقول قد حاولوا فهم القضاء الجليل فحدثونا بعض أوهامهم ثم احتواهم ليل نوم طويل
***
يا عالم الأسرار علم اليقين يا كاشف الضر عن البائسين يا قابل الأعذار فثنا الى ظلك فاقبل توبة التائبين
***
سمعت صوتا هاتفا في السحر نادى من الحان : غفاة البشر هبوا املئوا كأس الطلى قبل أن تفعم كأس العمر كف القدر
***
أحس في نفسي دبيب الفناء ولم أصب في العيش إلا الشقاء يا حسرتا إن حان حيني ولم يتح لفكري حل لغز القضاء
***
أفق وهات الكأس أنعم بها واكشف خفايا النفس من حجبها وروّ أوصالي بها قبلما يصاغ دنّ الخمر من تربها
***
تروح أيامي ولا تغتدي كما تهب الريح في الفدفد وما طويت النفس هما على يومين أمس المنقضي والغد
***
غد بظهر الغيب واليوم لي وكم يخيب الظن في المقبل ولست بالغافل حتى أرى جمال دنياي ولا أجتلي ***
سمعت في حلمي صوتا أهاب ما فتق النوم كمام الشباب أفق فإن النوم صنو الردى واشرب فمثواك فراش التراب
***
قد مزق البدر سنار الظلام فاغنم صفا الوقت وهات المدام واطرب فإن البدر من بعدنا يسري علينا في طباق الرغام
***
سأنتحي الموت حثيث الورود وينمحي اسمي من سجل الوجود هات اسقنيها يا منى خاطري فغاية الأيام طول الهجود
***
هات اسقنيها أيهذا النديم أخضب من الوجه اصفرار الهموم و إن مت فاجعل غسولي الطلى وقد نعشي من فروع الكروم
***
إن تقتلع من أصلها سرحتي وتصبح الأغصان قد جفت فصغ وعاء الخمر من طينتي واملأه تسر الروح في جثتي
***
لبست ثوب العيش لم أستشر وحرت فيه بين شتى الفكر وسوف أنضو الثوب عني ولم أدرك لماذا جئت أين المقر
***
نمضي وتبقى العيشة الراضية وتنمحي أثارنا الماضية فقبل أن نحيى ومن بعدناوهذه الدنيا على ما هيه
***
طوت يد الأقدار سفر الشباب وصوحت تلك الغصون الرطاب وقد شدا طير الصبى واختفى متى أتى يا لهفا أين غاب
***
الدهر لا يعطي الذي نأمل و في سبيل اليأس ما نعمل و نحن في الدنيا على همها يسوقنا حادي الردى المعجل
***
أفق خفيف الظل هذا السحر وهاتها صرفا وناغ الوتر فما أطال النوم عمرا ولا قصر في الأعمار طول السهر
***
اشرب فمثواك التراب المهيل بلا حبيب مؤنس أو خليل و انشق عبير العيش في فجره فليس يزهو الورد بعد الذبول
***
كم آلم الدهر فؤادا طعين و أسلم الروح ظعين حزين وليس ممن فاتنا عائد أسأله عن حالة الراحلين
***
يا دهر أكثرت البلى والخراب و سمت كل الناس سوء العذاب ويا ثرى كم فيك من جوهر يبين لو ينبش هذا التراب
***
وكم توالى الليل بعد النهار وطال بالأنجم هذا المدار فامش الهوينا إن هذا الثرى من أعين ساحرة الإحورار
***
أين النديم السمح أين الصبوح فقد أمض الهم قلبي الجريح ثلاثة هن أحب المنى كأس و أنغام ووجه صبيح
***
نفوسنا ترضى احتكام الشراب أرواحنا تفدى الثنايا العذاب و روح هذا الذي نستله ونستقيه سائغا مستطاب
***
يا نفس ما هذا الأسى والكدر قد وقع الإثم وضاع الحذر هل ذاق حلو العفو إلا الذي أذنب والله عفا واغتفر
***
نلبس بين الناس ثوب الرياء و نحن في قبضة كف القضاء وكم سعينا نرتجي مهربا فكان مسعانا جميعا هباء
*** لم تفتح الأنفس باب الغيوب حتى ترى كيف تسام القلوب ما أتعس القلب الذي لم يكد يلتام حتى أنكأته الخطوب *** عامل كأهليك الغريب الوفي واقطع من الأهل الذي لا يفي و عف زلالا ليس فيه الشفا واشرب زعاف السم لو تشتفي *** أحسن الى الأعداء و الأصدقاء فإنما إنس القلوب الصفاء و اغفر لأصحابك زلاتهم وسامح الأعداء تمح العداء *** عاشر من الناس كبار العقول وجانب الجهال أهل الفضول واشرب نقيع السم من عاقل واسكب على الأرض دواء الجهول *** يا تارك الخمر لماذا تلوم دعني الى ربي الغفور الرحيم ولا تفاخرني بهجر الطلى فأنت جان في سواها أثيم *** أطفيء لظى القلب ببرد الشراب فإنما الأيام مثل السحاب وعيشنا طيف خيال فنل حظك منه قبل فوت الشباب *** بستان أيامك نامي الشجر فكيف لا تقطف غض الثمر اشرب فهذا اليوم إن أدبرت به الليالي لم يعده القدر *** جادت بساط الروض كف السحاب فنزه الطرف وهات الشراب فهذه الخضرة من بعدنا تنمو على أجسادنا في التراب *** و إن تواف العشب عند الغدير وقد كسا الأرض بساط نضير فامش الهوينا فوقه إنه غذته أوصال حبيب طرير *** يا نفس قد آدك حمل الحزن يا روح مقدور فراق البدن اقطف أزاهير المنى قبل أن يجف من عيشك غض الفنن *** يحلو ارتشاف الخمر عند الربيع ونشر أزهار الروابي يضوع وتعذب الشكوى الى فاتن على شفا الوادي الخصيب الينيع *** فلا تتب عن حسو هذا الشراب فإنما تندم بعد المتاب وكيف تصحو وطيور الربى صداحة و الروض غض الجناب *** زخارف الدنيا أساس الألم وطالب الدنيا نديم الندم فكن خلي البال من أمرها فكل ما فيها شقاء وهم *** و أسعد الخلق قليل الفضول من يهجر الناس ويرضى القليل كأنه عنقاء عند السهى لا بومة تنعب بين الطلول *** من يحسب المال أحب المنى و يزرع الأرض يريد الغنى يفارق الدنيا ولم يختبر في كده أحوال هذي الدنى *** سرى بجسمي الغض ماء الفناء وسار في روحي لهيب الشقاء وهمت مثل الريح حتى ذرت تراب جسمي عاصفات القضاء *** يا من يحار الفهم في قدرتك وتطلب النفس حمى طاعتك أسكرني الإثم و لكنني صحوت بالآمال في رحمتك *** لم أشرب الخمر ابتغاء الطرب ولا دعتني قلة في الأدب لكن إحساسي نزاعا إلى إطلاق نفسي كان كل السبب *** أفنيت عمري في اكتناه القضاء وكشف ما يحجبه في الخفاء فلم أجد أسراره وانقضى عمري وأحسست دبيب الفناء *** أطال أهل الأنفس الباصرة تفكيرهم في ذاتك القادرة ولم تزل يا رب أفهامهم حيرى كهذي الأنجم الحائرة *** لم يجن شيئا من حياتي الوجود ولن يضير الكون أني أبيد واحيرتي ما قال لي قائل ماذا اشتعال الروح كيف الخمود *** إذا انطوى عيشي وحان الأجل وسد في وجهي باب الأمل قرّ حباب العمر في كأسه فصبها للموت ساقي الأزل *** إن لم أكن أخلصت في طاعتك فإنني أطمع في رحمتك و إنما يشفع لي أنني قد عشت لا أشرك في وحدتك *** يا رب هيئ سبب الرزق لي ولا تذقني منة المفضل وأبقني نشوان كيما أرى روحي نجت من دائها المعضل *** أفنيت عمري في ارتقاب المنى ولم أذق في العيش طعم الهنا وإنني أشفق أن ينقضي عمري وما فارقت هذا العنا
***
لم يبرح الداء فؤادي العليل ولم أنل قصدي وحان الرحيل وفات عمري وأنا جاهل كتاب هذا الدهر جم الفصول
***
صفا لك اليوم ورقّ النسيم وجال في الأزهار دمع الغيوم ورجّع البلبل ألحانه يقول هيا اطرب وخل الهموم
***
الدرع لا تمنع سهم الأجل والمال لا يدفعه إن نزل وكل ما في عيشنا زائل لا شيء يبقى غير طيب العمل
***
الله يدري كل ما تضمر يعلم ما تخفي وما تظهر وإن خدعت الناس لم تستطع خداع من يطوي ومن ينشر
***
وإنما بالموت كل رهين فاطرب فما أنت من الخالدين واشرب ولا تحمل أسى فادحا وخلّ حمل الهم للاحقين
***
رأيت خزافا رحاه تدور يجدّ في صوغ دنان الخمور كأنه يخلط في طينها جمجمة الشاه بساق الفقير
***
تمتلك الناس الهوى والغرور وفتنة الغيد وسكنى القصور ولو تزال الحجب بانت لهم زخارف الدنيا وعقبى الأمور
***
إن الذي تأنس فيه الوفاء لا يحفظ الود وعهد الإخاء فعاشر الناس على ريبة منهم ولا تكثر من الأصدقاء
***
زاد الندى في الزهر حتى غدا منحنيا من حمل قطر الندى والكُم قد جمع أوراقه فظلّ في زهر الرّبى سيدا
***
وأسعد الخلق الذي يرزق وبابه دون الورى مغلق لا سيدٌ فيهم ولا خادم لهم ولكن وادع مطلق
***
قلبي في صدري أسير سجين تخجله عشرة ماء وطين وكم جرى عزمي بتحطيمه فكان ينهاني نداء اليقين
***
مصباح قلبي يستمدّ الضياء من طلعة الغيد ذوات البهاء لكنني مثل الفراش الذييسعى الى النور وفيه الفناء
***
طبعي ائتناسي بالوجوه الحسان وديدني شرب عتاق الدنان فاجمع شتات الحظ وانعم بها من قبل أن تطويك كف الزمان
***
عاقب الأيام يدني الأجل ومرها يطويك طيّ السجل وسوف تفنى وهي في كرِّها فقضِّ ما تغنمه في جذل
***
لا تشغل البال بماضي الزمان ولا بآتي العيش قبل الأوان واغنم من الحاضر لذّاته فليس في طبع الليالي الأمان
***
قيل لدى الحشر يكون الحساب فيغضب الله الشديد العقاب وما انطوى الرحمن إلا على إنالة الخير ومنح الثواب
***
كان الذي صورني يعلم في الغيب ما أجني وما آثم فكيف يجزيني على أنني أجرمت والجرم قضا مبرم
***
هات اسقني كأس الطلى السلسل وغنني لحنا مع البلبل فإنما الإبريق في صبه يحكي خرير الماء في الجدول
***
الخمر في الكأس خيال ظريف وهي بجوف الدنّ روح لطيف أبعد ثقيل الظّل عن مجلسي فإنما للخمر ظل خفيف
***
باب نديمي ذو الثنايا الوضاح وبيننا زهر أنيق وراح وافتض من لؤلؤ أصدافها فافترّ في الآفاق ثغر الصباح *** نار الهوى تمنع طيب المنام وراحة النفس ولذّ الطعام وفاتر الحب ضعيف اللظى منطفئ الشعلة خابي الضرام ***
القلب قد أضناه عشق الجمال والصدر قد ضاق بما لا يقال يا ربّ هل يرضيك هذا الضما والماء ينساب أمامي زلال *** خلقتني يا ربّ ماء وطين وصغتني ما شئت عزّا وهون فما احتيالي والذي قد جرى كتبته يا ربّ فوق الجبين *** ويا فؤادي تلك دنيا الخيال فلا تنؤ تحت الهموم الثقال وسلم الأمر فمحو الذي خطت يد المقدار أمر محال ***
وإنما نحن رخاخ القضاء ينقلنا في اللوح أنى يشاء وكل من يفرغ من دوره يلقى به في مستقر الفناء *** رأيت صفا من دنان سرى ما بينها همس حديث جرى كأنها تسأل : أين الذي قد صاغنا أو باعنا أو شرى *** سطا البلى فاغتال أهل القبور حتى غدوا فيها رفاتا نثير أين الطلى تتركني غائبا أجهل أمر العيش حتى النشور *** إذا سقاني الموت كأس الحمام وضمكم بعدي مجال المدام فأفردوا لي موضعي واشربوا في ذكر من أضحى رهين الرجام *** عن وجنة الأزهار شف النقاب وفي فؤادي راحة للشراب فلا تنم فالشمس لمّا يزل ضياؤها فوق الرّبى والهضاب ***
فكم على ظهر الثرى من نيام وكم من الثاوين تحت الرغام وأينما أرمي بعيني أرى مشيعا أو نهزة للحمام *** يا ربّ في فهمك حار البشر وقصر العاجز والمقتدر تبعث نجواك وتبدو لهم وهم بلا سمع يعي أو بصر *** بيني وبين النفس حرب سجال وأنت يا ربّي شديد المحال أنتظر العفو ولكنني خجلان من علمك سوء الفعال *** شقت يد الفجر ستار الظلام فانهض وناولني صبوح المدام فكم تحيينا له طلعة ونحن لا نملك ردّ السلام
*** معاقرو الكأس وهم سادرون وقائمو الليل وهم ساجدون غرقى حيارى في بحار النهى والله صاح والورى غافلون *** كنّا فصرنا قطرة في عباب عشنا وعدنا ذرة في التراب جئنا إلى الأرض ورحنا كما دب عليها النمل حينا وغاب *** لا أفضح السر لعال ودون ولا أطيل القول حتى يبين حالي لا أقوى على شرحها وفي حنايا الصدر سري دفين *** أولى بهذي الأعين الهاجدة أن تغتدي في أنسها ساهدة تنفس الصبح فقم قبل أن تحرمه أنفاسنا الهامدة *** هل في مجال السكون شيء بديع أحلى من الكأس وزهر الربيع عجبت للخمّار هل يشتري بماله أحسن مما يبيع ***هوى فؤادي في الطلى والحباب وشجو أذني في سماع الرباب إن يصغ الخزاف من طينتي كوبا فأترعها ببرد الشراب *** يا مدعي الزهد أنا أكرم منك وعقلي ثملا أحكم تستنزف الخلق وما أستقي إلا دم الكرم فمن آثم؟ *** الخمر كالورد وكأس الشراب شفت فكانت مثل ورد مذاب كأنما البدر نثا ضوءه فكان حول الشمس منه نقاب
*** لا تحسبوا أني أخاف الزمان أو أرهب الموت إذا الموت حان الموت حق لست أخشى الردى وإنما أخشى فوات الأوان *** لا طيب في الدنيا بغير الشراب ولا شجى فيها بغير الرباب فكرت في أحوالها لم أجد أمتع فيها من لقاء الصحاب *** عش راضيا واهجر دواعي الألم واعدل مع الظالم مهما ظلم نهاية الدنيا فناء فعش فيها طليقا واعتبرها عدم *** لا تأمل الخل المقيم الوفاء فإنما أنت بدنيا الرياء تحمل الداء ولا تلتمس له دواء وانفرد بالشقاء *** اليوم قد طاب زمان الشباب وطابت النفس ولذ الشراب فلا تقل كأس الطلى مرة فإنما فيها من العيش صاب *** وليس هذا العيش خلدا مقيم فما اهتمامي محدث أم قديم سنترك الدنيا فما بالنا نضيع منها لحظات النعيم *** حتام يغري النفس برق الرجاء ويفزع الخاطر طيف الشقاء هات اسقنيها لست أدري إذا صعدت أنفاسي ردت الهواء *** دنياك ساعات سراع الزوال وإنما العقبى خلود المآل فهل تبيع الخلد يا غافلا وتشتري دنيا المنى والضلال *** يامن نسيت النار يوم الحساب وعفت أن تشرب ماء المتاب أخاف إن هبت رياح الردى عليك أن يأنف منك التراب
***
يا قلب كم تشقى بهذا الوجود وكل يوم لك همّ جديد وأنت يا روحي ماذا جنت نفسي وأخراك رحيل بعيد
***
تناثرت أيام هذا العمر تناثر الأوراق حول الشجر فانعم من الدنيا بلذاتها من قبل أن تسقيك كف القدر
***
لا توحش النفس بخوف الظنون وأغنم من الحاضر أمن اليقين فقد تساوى في الثرى راحل غدا وماض من ألوف السنين
***
مررت بالخزاف في صحوة يصوغ كوب الخمر من طينة أوسعها دعّا فقالت له : هل أقفرت نفسك من رحمة
***
لو أنني خيرت أو كان لي مفتاح باب القدر المقفل لاخترت عن دنيا الأسى أنني لم أهبط الدنيا ولم أرحل *** هبطت هذا العيش في الآخرين وعشت فيه عيشة الخاملين ولا يوافيني بما أبتغي فأين مني عاصفات المنون ***
حكمك يا أقدار عين الضلال فأطلقيني آد نفسي العقال إن تقصري النعمى على جاهل فلست من أهل الحجا والكمال
***
إذا سقاك الدهر كأس العذاب فلا تبن للناس وقع المصاب واشرب على الأوتار رنانة من قبل أن تحطم كأس الشراب
***
لا بد للعاشق من نشوة أو خفة في الطبع أو جنة والصحو باب الحزن فاشرب تكن عن حالة الأيام في غفلة
***
أنا الذي عشت صريع العقار في مجلس تحييه كأس تدار فعدِّ عن نصحي لقد أصبحت هذي الطلى كل المنى والاختيار
***
أعلم من أمري الذي قد ظهر وأستشف الباطن المستتر عدمت فهي أن تكن نشوتي وراءها منزلة تنتظر
***
طارت بي الخمر إلى منزل فوق السماك الشاهق الأعزل فأصبحت روحي في نجوة من طين هذا الجسد الأرذل
***
سئمت يا ربي حياة الألم وزاد همي الفقر لما ألمّ ربي انتشلني من وجودي فقد جعلت في الدنيا وجودي عدم
***
لم يخل قلبي من دواعي الهموم أو ترض نفسي عن وجودي الأليم وكم تأدبت بأحداثه ولم أزل في ليل جهل بهيم
***
الله قد قدر رزق العباد فلا تؤمل نيل كل المراد ولا تذق نفسك مرّ الأسى فإنما أعمارنا للنفاد
***
إن الذي يعرف سر القضاء يرى سواء سعده والشقاء العيش فان فلندع أمره أكان داء مسنا أم دواء
***
يا طالب الدنيا وقيت العثار دع أمل الربح وخوف الخسار واشرب عتيق الخمر فهي التي تفك عن نفسك قيد الإسار
***
الكأس جسم روحه الساريه هذي السلاف المزة الصافية زجاجها قد شف حتى غدا ماء حوى نيرانها الجارية
***
قد ردد الروض غناء الهزار وارتاحت النفس لكأس العقار تبسم النور فقم هاتها نثأر من الأيام قبل الدمار
***
بي من جفاء الدهر همّ طويل ومن شقاء العيش حزن دخيل قلبي كدنّ الخمر يجري دما ومقلتي بالدمع كأس تسيل
***
وكلما راقبت حال الزمن رأيته يحرم أهل الفطن سبحان ربي كلما لاح لي نجم طوته ظلمات المحن
***
ماذا جنينا من متاع البقاء ماذا لقينا في سبيل الفناء هل تبصر العين دخان الألى صاروا رمادا في أتون القضاء
***
تلك القصور الشاهقات البناء منازل العز ومجلى السناء قد نعب البوم على رسمها
يصيح أين المجد ، أين الثراء
***
هون على النفس احتمال الهموم واغنم صفا العيش الذي لا يدوم لو كانت الدنيا وفت للألى راحوا لما جاءك دور النعيم
***
وإنما الدهر مذيق الكروب نعيمه رهن بكف الخطوب ولو درى الهم الذي لم يجيء دنيا الأسى لاختار دار الغيوب
***
صبت علينا وابلات البلاء كأننا أعداء هذا القضاء بينا ترى الإبريق والكأس قد تبادلا التقبيل حول الدماء
***
تفتح النوار صب المدام واخلع ثياب الزهد بين الأنام وهاتها من قبل سطو الردى في مجلس ضم الطلى والغرام
***
حار الورى ما بين كفر ودين وأمعنوا في الشك أو في اليقين وسوف يدعوهم منادي الردى يقول ليس الحق ما تسلكون
***
نصبت في الدنيا شراك الهوى وقلت أجزي كل قلب غوى أتنصب الفخ لصيدي وإن وقعت فيه قلت عاص هوى
***
أنا الذي أبدعت من قدرتك فعشت أرعى في حمى نعمتك دعني الى الآثام حتى أرى كيف يذوب الإثم في رحمتك
***
إن تفصل القطرة في بحرها ففي مداه منتهى أمرها تقاربت يا ربّ ما بيننا مسافة البعد على قدرها
***
وإنما الدنيا خيال يزول وأمرنا فيها حديث يطول مشرقها بحر بعيد المدى وفي مداه سيكون الأفول
***
جهلت يا نفسي سر الوجود وغبت في غور القضاء البعيد فصوري من نشوتي جنةفربما أحرم دار الخلود
***
يا ورد أشبهت خدود الحسان
ويا طلي حاكيت ذوب الجمان وأنت يا حظي تنكرت لي وكنت من قبل الأخ المستعان
***
أولى بك العشق وحسو الشراب وحنة الناي ونوح الرباب فأطلق النفس ولا تتصل بزخرف الدنيا الوشيك الذهاب
***
لا تشغل البال بأمر القدر واسمع حديثي يا قصير النظر تنح واجلس وادعا قانعا وانظر الى لعب القضا بالبشر
***
يا قلب إن ألقيت ثوب العناء غدوت روحا طاهرا في السماء مقامك العرش ترى حطّة ً أنك في الأرض أطلت البقاء
***
إن الذي يذبل زهر الربيع ينثر أوراق وجود الجميع والهم مثل السّم ترياقه في الخمر فاشرب قدر ما تستطيع
***
زجاجة الخمر ونصف الرغيف وما حوى ديوان شعر طريف أحب لي إن كنت لي مؤنسا في بلقع من كل ملك منيف
***
أتسمع الديك أطال الصياح وقد بدى في الأفق نور الصباح ما صاح إلا نادبا ليلة ولّت من العمر السريع الرواح
***
علام تشقى في سبيل الألم ما دمت تدري أنك ابن العدم الدهر لا تجري مقاديره بأمرنا فارض بما قد حكم
***
تحمل الداء كبير الرجاء أنك يوما تنال الشفاء واشكر على الفقر الذي إن يُرَدّ أصبحت موفور الغنى والثراء
***
ليتك يا ربي تبيد الوجود وتخلق الأكوان خلقا جديد فتغفل اسمي أو تزيد الذي قدرت لي في الرزق بين العبيد
***
وصلتني بالنفس منذ القدم فكيف تفري شملنا الملتئم وكنت ترعاني فماذا دعا إلى اطراحي للأسى والألم
***
هات الطلى فالنفس عما قليل توشك من فرط الأسى أن تسيل عساي أنسى الهم في نشوتي من بعد رشفي كأسها السلسبيل
***
يا ساقي الخمر أفق هاتها ثم اسقني سائل ياقوتها فإنها تبعث من روحها نفسي وتحيي ميت لذاتها
***
صب من الإبريق صافي الدماء واشرب وهات الكأس ذات النقاء فليس بين الناس من ينطوي على الذي في صدرها من صفاء
***
أين طهور النفس عفّ اليمين وكيف كانت عيشة الصالحين إن كنت لا تغفر ذنبي فما فضلك يا ربِّ على العالمين
***
أبدعت فينا بينات العِبر وصُغتنا يا ربي شتى الصور فهل أطيق اليوم محو الذي تركته في خلقتي من أثر
***
طبائع الأنفس ركّبتها فكيف تجزي أنفسا صغتها وكيف تفنى كاملا أو ترى نقصا بنفس أنت صورتها
***
تخفي عن الناس سنا طلعتك وكل ما في الكون من صنعتك فأنت مُجلاه وأنت الذي ترى بديع الصنع في آيتك
***
يا رب مهّد لي سبيل الرّشاد واكتب لي الراحة بعد الجهاد وأحي في نفسي المنى مثلما يحيي موات الأرض صوب العهاد
***
لن يرجع المقدار فيما حكم وحملك الهم يزيد الألم ولو حزنت العمر لن ينمحي ما خطه في اللوح مر القلم
***
ولّى الدجى قم هات كأس الشرابكأنما الياقوت فيها مذاب واحرق من العود بخورا وخذ من غصنه المعطار واصنع رباب
***
الخمر توليك نعيم الخلود ولذّة الدنيا وأنس الوجود تحرق مثل النار لكنها تجعل نار الحزن ماء برود
***
عيشي من أجل الطلى مستحيل فإنها تشفي فؤادي العليل ما أعذب الساقي إذا قال لي تناول الكأس ورأسي يميل
***
أولى بهذا القلب أن يخفقا وفي ضرام الحب أن يحرقا ما أضيع اليوم الذي مرّ بي من غير أن أهوى و أن أعشقا
***
سارع الى اللذات قبل المنون فالعمر يطويه مرور السنين ولست كالأشجار إن قلمت فروعها عادت رطاب الغصون
***
إن الألى ذاقوا حياة الرّغد وأنجز الدهر لهم ما وعد قد عصف الموت بهم فانطووا واحتضنوا تحت تراب الأبد
***
نفسي خلت من أنس تلك الصحاب لما غدوا ثاوين تحت التراب في مجلس العمر شربنا الطلى فلم يفق منا صريع الشراب
***
ولست مهما عشت أخشى العدم وإنما أخشى حياة الألم أعارني الله حياتي وعن حقوقه استرداد هذا النسم
***
قالوا امتنع عن شرب بنت الكروم فإنها تورث نار الجحيم ولذّتي في شربها ساعة تعدل في عيني جنان النعيم
***
إن دارت الكأس ولذّ الشراب فكن رضيّ النفس بين الصحاب واشرب فما يجديك هجر الطلى إن كان مقدورا عليك العذاب
***
شيئان في الدّنيا هما أفضل في كل ما تنوي وما تعمل لا تتخذ كل الورى صاحبا ولا تنل من كل ما يؤكل
***
لو كان لي قدرة رب مجيد خلقت هذا الكون خلقا جديد يكون فيه غير دنيا الأسى دنيا يعيش الحر فيها سعيد
***
إذا بلغت المجد قالوا زنيم وإن لزمت الدار قالوا لئيم فجانب الناس ولا تلتمس معرفة تورث حمل الهموم
***
خير لي العشق وكأس المدام من ادعاء الزهد والإحتشام لو كانت النار لمثلي خلت جنات عدن من جميع الأنام
***
عبدك عاص أين منك الرضاء وقلبه داج فأين الضياء إن كانت الجنّة مقصورة على المطيعين فأين العطاء
***
أهل الحجا والفضل هذي العقول قد حاولوا فهم القضاء الجليل فحدثونا بعض أوهامهم ثم احتواهم ليل نوم طويل
***
يا عالم الأسرار علم اليقين يا كاشف الضر عن البائسين يا قابل الأعذار فثنا الى ظلك فاقبل توبة التائبين
***