التصوير بالتيمات
قراءة في "المنبوذ" للروائي السعودي عبد الله زايد
د. جـمـال حـضري:
سيلاحظ المختصون في السيميائيات الأدبية خاصة ما ينطوي عليه العنوان من تضاد، خاصة وأن المعالجة ضمن المسار السيميائي تلاحظ الفرق في المستوى بين التصوير [1] والتيمات [2] أو الموضوعات، ولكن بطرح الموضوع وبسطه ستنقشع البنية المتضادة عن طريقة خاصة بهذا الروائي الذي يدشن مساره بتقنية مبتكرة قد تخدمه كما فعلت في أغلب فصول الرواية [3] وقد تخون هدفه كما فعلت في فصول أخرى من الرواية ذاتها.
ذلك أن المسار السيميائي [4] وهو من أخصب مسارات التحليل الكاشفة عن مراحل تبلور المعنى في العلامات وفي العلامات السردية خصوصا، يجعل من النص السردي طبقات ينبني بعضها فوق بعض بناء يطلب بعضه بعضا، يبدأ في العمق بينة دنيا هي عبارة عن علاقة متضادة قابلة للاستثمار والتوالد ثم تؤول إلى بناء أعلى تبين فيه ملامح كائنات سردية قابلة للوصف والنعت والتحريك ضمن الزمان والمكان، وهذا المستوى ذاته يؤول إلى مستوى أعلى منه هو التيمات أو الموضوعات، حيث يمكن الإمساك ببنية سردية ذات كائنات روائية تتصارع وتتبادل المنافع والأضرار ولكنها لا تزال في طور تجريدي لم يبن بعد عن وجوهه الواقعية بل يتقنع بالمجردات والعموميات فلا يمكنه أن يسفر عن أسماء أو أماكن وأزمان وصور إلا بعد أن يدلف الكل إلى مستوى آخر أعلى هو مستوى التصوير حيث تنقشع العموميات وتتفاصل الكينونات فلا يجمعها اسم مجرد ولا عنوان عام بل يغدو الكل قطعة من الوجود المتخيل بكل ملابساته و"ألبسته".
هنا نفهم لماذا تصدر هذه المقالة ذلك العنوان المتضاد الجامع بين التصوير والتيمات وحيث يغدو التيمي تصويريا عوض أن يكون التصويري لباسا للتيمي، بعبارة أوضح تبتعد قليلا عن لغة السيميائيات نعني أن النص الروائي في المنبوذ استثمر التصويري في مستوى أدنى وجعل التيمي هو رسالته التي يؤديها إلى مخاطبيه، هل في ذلك مخاطرة ما؟ هنا نكون قد ودعنا مجال الوصف إلى مجال النقد لنقول إن قلب المستويين قد يجعل الرواية تجريدية وهذا لا عيب فيه ولا غبار عليه، ولكن أن ينساق النص إلى بذل دمه كله في تلخيص الصور وتقديم الدروس والوصايا فهذا يؤدي به إلى الوعظية والرسالية بدل أن يبقى ضمن التصوير ويدع للمتلقي حرية استخلاص المستويات العميقة، لا أن يوفر السارد عليه هذا الجهد الضروري ويغوص به إلى الأعماق السردية فيستخلص له التيمات ويعنون له الموضوعات ويجمع له المتفرق ويوحد عليه المشتت فلا يبقى له من دور إلا المقارنة بمدى الانطباق بين جهتي التصوير والتعميم والتجريد وهنا يكون السارد قد خسر جدلية العلاقة بينه وبين متلقيه المبنية على الإغراب والغموض والبحث والانتظار وخيباته، فما بالك إذا وصل السارد بكشف خطته وأبان عن مكنوناتها الأعمق والأدق بأن أعطاه جوهر الثنائية التي ينبني عليها النص السردي كله كأن أفضى إليه في لحظة من الصفاء الوجودي بأن هذه الحكاية ليست إلا صورة من صور الشقاء التي تطبع الكثيرين ممن يعيشون تحت وطأة التجاهل والازدراء، فيجعل من نصه علامة مندرجة ضمن بوتقة أعم هي صراع الظلم والعدل أو صراع الإنسانية والأنانية أو صراع التحضر والهمجية فهنا نكون بإزاء النص وقد رمى بفلذات كبده أمام المتلقي وكشف مخبوءاته تماما فيستوي حينها وبعض الخطابات التي تتوسل الوضوح التام في إرسال الرسائل مثل الخطاب التوجيهي أو التعليمي وهما خطابان لا يلتقيان البتة مع الخطاب السردي المبني أساسا على تعمية الطريق إلى أعماقه من خلال تشتيت القارئ في غياهب الصورة وأدغال التخييل والإيهام بالواقع وهل الواقع معطى لنا إلا في المشتت والمتصل الذي يستعصي علينا أحيانا مفصلته وتبيانه.
العنونة التجريدية..وهدر حقوق المتلقي..
ولست في سبيل إبراز هيمنة التجريد على التصوير في حاجة إلى الاستشهاد بمحتوى النص الذي يقبل منظورات تحليلية أخرى ستأتي فرص أخرى لتناوله من خلالها، بل سأكتفي بسرد العناوين الفصلية والعناوين الفرعية لتظهر لنا الرواية وهي تجتهد في إعطاء زبدتها بل "ما ينفع الناس" دون أن تترك للمتلقي أية فرصة للوصول بنفسه إلى هذه النتيجة من خلال عملية ذهنية هي لب القراءة والتلقي في الخطابات السردية الأدبية.
ولنبدأ بعنوان الرواية "المنبوذ": عنوان جذاب ولا شك ويجر الذهن إلى عملية تناص ثرية جدا مع عدة نصوص تناولت هذه الحالة الإنسانية الحزينة، من "البؤساء" إلى "المعذبون في الأرض" وغيرهما، وبالتالي فاختيار تيمة "النبذ" يوحي من البداية بأن النص سيطور بعدا إنسانيا عميقا جدا سيغتني بصور القهر والإبعاد وصور الامتهان للإنسان من قبل أخيه الإنسان لا لشيء إلا لعوامل لا دخل لأحدهما في اختيارها، فتتولد مأساة لا حل لها وجدلية أبدية تطحن المصائر وتولد العذابات. وهذا بالفعل ما حدث في النص الروائي المدروس، إذ يستعرض السارد مسارات تتقاطع عند ما سماه تحت تيمة "المنبوذ".
من البداية نحن إزاء شخصيات بلا وجوه وبلا صفات وبلا أسماء وبلا زمان محدد أو مكان محدد بل هما مفتوحان عامان مدينة أو عاصمة ودولة ما وشركة ما للنقل ووسط لمدينة ما، وشقيق يتحدث لا اسم له ولا سن ولا ملامح أي بلا وجود.
السارد يتلقى مكالمة من أخيه يدعوه فيها إلى القدوم إلى حيث يسكن الأب لأن حالته سيئة يسافر وفي الطريق على متن الحافلة يظل الوصف عاما: الجالية الآسيوية، زوجان كأنهما عصفوران، أما السارد فيتذكر لقاءاته المتكررة مع والده وبيت الشعر الذي كان يحب سماعه ويختتم الفصل بعبارات تفسر بعده عن والده منها: ذلك أنني في سعي متواصل وعمل متكرر لبلوغ غاية تسمى تحقيق الطموح. ص 16
عنوان الفصل الثاني هو الجرح الأول ولن تستغرب كثيرا أو يتركنا السارد المجتهد في تسريب الخبايا نحتار كثيرا فسرعان ما يريح أذهاننا قبل بداية الفصل ذاته بشرح مسهب لمعنى "الجرح الأول" مشفقا علينا من سكرة الخيال فيقول: "أتذكر كلماته عن الجرح الأول الذي تعرض له في حياته، سألته وأنا أضحك: ألا توجد لك أسرار؟ ألم تحب؟ إذن ما هو الجرح الأول في حياتك؟ كن صادقا معي.." ص 16 ولابد مع هذا التقديم والبسط أن نتوقع تمام القصة في هذا الشأن فكون التجربة جرحا فهذا ينبئ عن المقدمات والنهايات والمآلات أي تجربة حب لم تصل إلى غايتها لسبب من الأسباب، أما كان الأولى أن تظل التيمة مغيبة حتى نسير إليها في مطبات العثرات والتجارب ونتسلل إليها من نوافذ الأحداث والعواطف والآهات فترتسم في مصورتنا الذهنية عناوين الخيبة ودماء الجرح العاطفي النازف قبل أن يصفعنا السارد بها منذ البدء فتأتينا التفاصيل بعد ذلك باردة لا نستلذ لها طعما ولا نستعذب فيها مذاقا؟
العنوان الفرعي للفصل الثاني هو: "الأب العجوز يحكي" ص 17 وهو يندرج تحت العنوان الأصلي للفصل أي "الجرح الأول"، ونلاحظ أن الصيغة عامة جدا "الأب" أي أب و"عجوز" أي عجوز و"يحكي" أي كلام، بمعنى أن السارد يسبح في مستوى من التجريد والعمومية لم يترك له منفذا إلى كسوة أدواته بأي صورة، وهذا ما يجعل النص يقرأ بأقل قدر من الصعوبة فنحن لن نذهب بعيدا خلف هذه المسميات لأنها تعطينا من المعلومات ما يكفينا مؤونة التأمل في إدراك معانيها العامة، أريد أن أقول أن عملية فهم المعاني تنتقل عادة من الدوال إلى المدلولات وكلما كانت العلاقة بين هذين العنصرين مباشرة كلما كانت الدلالة مباشرة و تعيينية وعلى عكس ذلك كلما كانت العلاقة بينهما غير مباشرة نحت نحو الإيحاء واحتجنا لفهما إلى نوع من التفكير تتطلبه مفاضلة واختيار بين معان عدة للوصول إلى المعنى الأنسب للسياق، فإذا قلنا مثلا:
أخذت قسطا من الراحة تحت شجرة
يكون المقصود هو المفهوم من سطح العبارة لأن العلاقة بين الألفاظ والمعاني علاقة تعيينية لا تحتمل معاني أخرى إلا إذا دل السياق على أن الأمر يتعلق بكناية تستغرق الجملة كلها فإذا لم تدل القرائن على مثل هذا الانزياح ظلت العبارة في مستواها الدلالي التعييني، لكن الأمر على خلاف ذلك لو قلت مثلا:
أخذت أرتشف من ظلها الأمان ومن ساقها الناعمة السلام
فهنا أكون على أكثر من مستوى دلالي بين التعيين والإيحاء فأحتاج إلى روحة وجيئة لإيجاد التناسق والانسجام الذي يضمن المعنى الكلي أو الاقتصاد العام لمعنى العبارة في منظور الماديين.
هذا يعني أن الدلالة تنحو إلى التعيين والمباشرة كلما كانت المفردات مجردة وعامة لأن العام أكثر دورانا بين الناس وأسرع في إيصال غاياته وأهدافه، بينما التصويري الذي ينحو أكثر نحو الفردية والتصرف الذاتي يكون أكثر استعصاء على الالتقاط والإحاطة لأنه وليد الفرد المتصرف بأريحية كما يقول الجرجاني وأنى الإمساك بالرغبات الفردية والتصرف الذاتي، ومن هذا نخلص إلى كون المجرد عام وإفهامي وتعييني وموحد وأن التصويري هو مناط الإيحاء والإغراب والتشتيت، وللسارد بعد هذا أن يختار أين يكون بل يختار بالأحرى من يكون قارئه؟
هذا الاستطراد أردت به وضع الأرضية التي أرد من خلالها أن يفهم موقع العناوين خاصة الداخلية منها والفرعية بصورة أخص على مستوى الدلالة، فكونها عناوين لا يشفع لها أن تكون مباشرة وتعيينية وتدع المتلقي بلا موقع ولا وظيفة، وإذا كان من عادة العنونة أن تكون بطبيعتها عامة وتعيينة وتجريدية فإن هذه الصبغة تفتقدها تماما في النص السردي الأدبي بل إنها تذهب به بعيدا عن وظيفته المعتادة تلك إلى مناح انزياحية تصويرية تزيد من قرب النص من المشهدية والتخييل والإيهام بالمرجعية والواقعية، والإيهام بالمرجعية ليس ابتعادا عن الواقع ولكنه إغراق في التصوير فكأننا بصدد قطع متجاورة من الحياة الصاخبة المتقلبة المستعصية على الإمساك والضبط، فإذا كان الأمر كذلك نجح النص في الضن بخباياه وأفلح السارد في التعمية على مصادره ومعلوماته واستلذ المتلقي في تتبع الخيوط الهاربة والدلالات المتحجبة والمسارات المتقنعة، أما الإسفار فلا يغري، فليت شعري كيف يستحب الإسفار ولا يستطاب الحجاب؟
ولعل عدوى التجريد في العنوان أن تكون معزولة ويحفظ المتن لنفسه صفة التصوير والإيهام والتغريب، وهيهات، فإن السارد إذا غلبته نزعة الوضوح والتقرير والتعيين وكأنه بصدد متلقين لن يفهموه فيجتهد أيما اجتهاد في تذليل كل صعب وكؤود ليفهموه فإنه سيتجاوز العناوين إلى جسم النص ذاته فيخرقه بالوصايا والتعليقات التي تنتزعه عنوة من فضاء الفنية والجمال إلى فضاء التعليم والوعظ ومنذ البدء نجد السارد المهموم بتسديد رمياته التعبيرية يقول: "..لقد ضربتنا المحسوبيات في الصميم..وأصبحت تقود علاقاتنا الاجتماعية. وأصبح الانتفاع والاستغلال شهادة نجاحك في محيطك..ولم تعد أشكال الوساطة والمنافع المتبادلة تثير الاستغراب.. بل إنها بداية الأبجدية السهلة في صميم الأنانية التي أصبحت في أذهاننا شكلا جميلا من أشكال الحياة المعاصرة" ص12 لو لم أقل إنها من رواية لما استغرب أن تدرج مثلا في مقال صحفي يتحدث عن مساوئ الإدارة في بلد نام، فإذا كان هذا جزءا من الواقعية الروائية فهلا كانت ضمن حركة حوارية تنتزع عنها التقرير وتبرر ورودها ضمن نقمة شخصيات حية تواجه مصاعب الحياة وتعبر عنها بقدر مقبول من الحركة والدينامية.
هيمنة السرد ..لعبة الإدراج ..وغمط الحوار مداه..
التقنية السردية في "المنبوذ" حديثة وفيها قدر من الجدة، أراد السارد فيها التلاعب بخيط السرد، فأبدله من يد إلى يد أقصد من شخصية إلى أخرى عبر عملية استرجاع زمني تبعد أحيانا وتقترب أخرى، فقد أسند الولد مهمة السرد منذ بداية الرواية إلى والده وذلك بصريح العبارة لما قال: "تريد أن تسمع قصتي أيها الصغير..حسنا سأرويها لك. ومن هناك بدأ قائلا:" ص 16، وطبعا لعبة الإدراج مهمة هنا في نسج النص السردي، ولكن الإدراج لكي يثمر شعريته يجب ألا يكون مكشوفا كما رأينا، بل يتسرب بين المنافذ حتى يضيع أو يكاد خيط الزمن السردي فنصاب بالقلق وضجر التداخل ودوار الطبقات والمستويات فنضطر إلى العودة إلى الخلف مرارا وتكرارا لنتأكد من الممسك بزمام الأمور ونظل في شك من أمرنا تأخذنا صورة وتعيدنا أخرى، لا نكاد نفرق بين الراوي وصور رواته المستعملين، أما أن يشهدنا السارد على العقد السردي بينه وبين راويه المكلف فهنا تنكشف لنا اللعبة تماما ونكون بمأمن من كل المزالق التي سبقت الإشارة إليها وهي لب شعرية السرد وشعرية الإدراج والسرد المتراكب، وسيستمر هذا التعاقد المكشوف من فصل إلى آخر كلما استلم زمام السرد شخصية من الشخصية لنظل في طابقسريد وحيد وموحد مما يجعل تنويع الساردين بلا منفعة لأننا نكتشف بسرعة أننا في الواقع إزاء سارد واحد أبى أن يروي كل الحكاية باسمه فأعطانا أسماء رواتها وأسند إليهم روايتها، مع أن المطلوب كان هو الإحساس بضرورة تدخلهم وأنه لولا هذا التدخل لما استطعنا استكمال الأحداث وهنا نكون إزاء هيمنة صريحة للسارد على عملية السرد هيمنة من جنس هيمنة الحاكم العربي الذي أصبح يلعب لعبة الفردية على المكشوف وكل اللاعبين في المشهد هم للتزيين فقط والأغرب أن المهيمن والمتلقين على السواء واعون بهذا الانكشاف المريع.
وبالتالي فإن النص إذا هيمن عليه السرد الوصفي من جهة وهيمن عليه سارد محيط عليم بكل شيء من ناحية أخرى بقيت الشخصيات الأخرى بلا أدوار مميزة خاصة إذا كان النص ذاته يقوم على الحكي وليس على الحركة فهنا يكون الحوار هو العمل السردي الموازي الذي بإمكانه تحريك الحكاية وإضفاء الحياة عليها و إلا بقيت سلسلة من القصص المتلاصقة التي لا يبررها منطق سردي ولا مسارات عملية تتخللها أفعال وتحويلات حقيقية وليس حكواتية.
إن الحوار كبديل لتحريك النص وتبرير بعض المستجدات لا غنى عنه في مثل نص "المنبوذ" الذي يعتمد على عمل الذاكرة والاسترجاع ومن هنا نلمس الفجوات الواسعة بين الأحداث التي تروى و التي لا نملك المبررات الكافية لإيرادها سوى كونها متعلقة بالراوي الذي يحكيها.
وخلاصة القول في هذه الإطلالة القرائية لنص يحتمل بل ويستحق العودة في حلقات متتالية لحساسية ما يطرحه، هي أن لا غنى للنص الروائي عن مستوى كاف من التصوير، وأقصد به المفهوم السيميائي لتأثيث المستويات العميقة الفكرية والتيمية والقيمية والسردية، تصوير غني بإمكانه أن يغطي كل هذه الطبقات العميقة ولا يكشفها لأن مهمة كشفها تقع على كاهل المتلقي لا السارد، والمقصود بالتصوير هو صنع الوهم بالتلفظ المولد للحوار والكلام والمواجهات التداولية والإقناعية ومختلف أساليبها، والوهم بالمرجع من خلال إبداع العالم المتحرك الذي ينزع إلى محاكاة الواقع فيؤثث الفضاء والزمان والأشخاص بالأقنعة التصويرية التي تجعل منها أدوات ذات كفاءة صانعة لعالمها المتخيل.
____________________________
- [1] التصوير = figurativisation هو مستوى تمظهر السرد من خلال اكتسابه لهوية مشخصة وفي إطار الزمان والمكان ويعتبر نتاجا للتلفظ
[2]- التيمة = thème: هي الموضوعة التي تستخلص من الصور المنتشرة في سطح النص في مستواه الخطابي حسب نظرية قريماس
[3] - رواية عبد الله زايد، الدار العربية للعلوم-ناشرون ط2، 2006
[4] - ينظر جوزيف كورتيس، مدخل إلى السميائية السردية والخطابية، ترجمة د. جمال حضري
قراءة في "المنبوذ" للروائي السعودي عبد الله زايد
د. جـمـال حـضري:
سيلاحظ المختصون في السيميائيات الأدبية خاصة ما ينطوي عليه العنوان من تضاد، خاصة وأن المعالجة ضمن المسار السيميائي تلاحظ الفرق في المستوى بين التصوير [1] والتيمات [2] أو الموضوعات، ولكن بطرح الموضوع وبسطه ستنقشع البنية المتضادة عن طريقة خاصة بهذا الروائي الذي يدشن مساره بتقنية مبتكرة قد تخدمه كما فعلت في أغلب فصول الرواية [3] وقد تخون هدفه كما فعلت في فصول أخرى من الرواية ذاتها.
ذلك أن المسار السيميائي [4] وهو من أخصب مسارات التحليل الكاشفة عن مراحل تبلور المعنى في العلامات وفي العلامات السردية خصوصا، يجعل من النص السردي طبقات ينبني بعضها فوق بعض بناء يطلب بعضه بعضا، يبدأ في العمق بينة دنيا هي عبارة عن علاقة متضادة قابلة للاستثمار والتوالد ثم تؤول إلى بناء أعلى تبين فيه ملامح كائنات سردية قابلة للوصف والنعت والتحريك ضمن الزمان والمكان، وهذا المستوى ذاته يؤول إلى مستوى أعلى منه هو التيمات أو الموضوعات، حيث يمكن الإمساك ببنية سردية ذات كائنات روائية تتصارع وتتبادل المنافع والأضرار ولكنها لا تزال في طور تجريدي لم يبن بعد عن وجوهه الواقعية بل يتقنع بالمجردات والعموميات فلا يمكنه أن يسفر عن أسماء أو أماكن وأزمان وصور إلا بعد أن يدلف الكل إلى مستوى آخر أعلى هو مستوى التصوير حيث تنقشع العموميات وتتفاصل الكينونات فلا يجمعها اسم مجرد ولا عنوان عام بل يغدو الكل قطعة من الوجود المتخيل بكل ملابساته و"ألبسته".
هنا نفهم لماذا تصدر هذه المقالة ذلك العنوان المتضاد الجامع بين التصوير والتيمات وحيث يغدو التيمي تصويريا عوض أن يكون التصويري لباسا للتيمي، بعبارة أوضح تبتعد قليلا عن لغة السيميائيات نعني أن النص الروائي في المنبوذ استثمر التصويري في مستوى أدنى وجعل التيمي هو رسالته التي يؤديها إلى مخاطبيه، هل في ذلك مخاطرة ما؟ هنا نكون قد ودعنا مجال الوصف إلى مجال النقد لنقول إن قلب المستويين قد يجعل الرواية تجريدية وهذا لا عيب فيه ولا غبار عليه، ولكن أن ينساق النص إلى بذل دمه كله في تلخيص الصور وتقديم الدروس والوصايا فهذا يؤدي به إلى الوعظية والرسالية بدل أن يبقى ضمن التصوير ويدع للمتلقي حرية استخلاص المستويات العميقة، لا أن يوفر السارد عليه هذا الجهد الضروري ويغوص به إلى الأعماق السردية فيستخلص له التيمات ويعنون له الموضوعات ويجمع له المتفرق ويوحد عليه المشتت فلا يبقى له من دور إلا المقارنة بمدى الانطباق بين جهتي التصوير والتعميم والتجريد وهنا يكون السارد قد خسر جدلية العلاقة بينه وبين متلقيه المبنية على الإغراب والغموض والبحث والانتظار وخيباته، فما بالك إذا وصل السارد بكشف خطته وأبان عن مكنوناتها الأعمق والأدق بأن أعطاه جوهر الثنائية التي ينبني عليها النص السردي كله كأن أفضى إليه في لحظة من الصفاء الوجودي بأن هذه الحكاية ليست إلا صورة من صور الشقاء التي تطبع الكثيرين ممن يعيشون تحت وطأة التجاهل والازدراء، فيجعل من نصه علامة مندرجة ضمن بوتقة أعم هي صراع الظلم والعدل أو صراع الإنسانية والأنانية أو صراع التحضر والهمجية فهنا نكون بإزاء النص وقد رمى بفلذات كبده أمام المتلقي وكشف مخبوءاته تماما فيستوي حينها وبعض الخطابات التي تتوسل الوضوح التام في إرسال الرسائل مثل الخطاب التوجيهي أو التعليمي وهما خطابان لا يلتقيان البتة مع الخطاب السردي المبني أساسا على تعمية الطريق إلى أعماقه من خلال تشتيت القارئ في غياهب الصورة وأدغال التخييل والإيهام بالواقع وهل الواقع معطى لنا إلا في المشتت والمتصل الذي يستعصي علينا أحيانا مفصلته وتبيانه.
العنونة التجريدية..وهدر حقوق المتلقي..
ولست في سبيل إبراز هيمنة التجريد على التصوير في حاجة إلى الاستشهاد بمحتوى النص الذي يقبل منظورات تحليلية أخرى ستأتي فرص أخرى لتناوله من خلالها، بل سأكتفي بسرد العناوين الفصلية والعناوين الفرعية لتظهر لنا الرواية وهي تجتهد في إعطاء زبدتها بل "ما ينفع الناس" دون أن تترك للمتلقي أية فرصة للوصول بنفسه إلى هذه النتيجة من خلال عملية ذهنية هي لب القراءة والتلقي في الخطابات السردية الأدبية.
ولنبدأ بعنوان الرواية "المنبوذ": عنوان جذاب ولا شك ويجر الذهن إلى عملية تناص ثرية جدا مع عدة نصوص تناولت هذه الحالة الإنسانية الحزينة، من "البؤساء" إلى "المعذبون في الأرض" وغيرهما، وبالتالي فاختيار تيمة "النبذ" يوحي من البداية بأن النص سيطور بعدا إنسانيا عميقا جدا سيغتني بصور القهر والإبعاد وصور الامتهان للإنسان من قبل أخيه الإنسان لا لشيء إلا لعوامل لا دخل لأحدهما في اختيارها، فتتولد مأساة لا حل لها وجدلية أبدية تطحن المصائر وتولد العذابات. وهذا بالفعل ما حدث في النص الروائي المدروس، إذ يستعرض السارد مسارات تتقاطع عند ما سماه تحت تيمة "المنبوذ".
من البداية نحن إزاء شخصيات بلا وجوه وبلا صفات وبلا أسماء وبلا زمان محدد أو مكان محدد بل هما مفتوحان عامان مدينة أو عاصمة ودولة ما وشركة ما للنقل ووسط لمدينة ما، وشقيق يتحدث لا اسم له ولا سن ولا ملامح أي بلا وجود.
السارد يتلقى مكالمة من أخيه يدعوه فيها إلى القدوم إلى حيث يسكن الأب لأن حالته سيئة يسافر وفي الطريق على متن الحافلة يظل الوصف عاما: الجالية الآسيوية، زوجان كأنهما عصفوران، أما السارد فيتذكر لقاءاته المتكررة مع والده وبيت الشعر الذي كان يحب سماعه ويختتم الفصل بعبارات تفسر بعده عن والده منها: ذلك أنني في سعي متواصل وعمل متكرر لبلوغ غاية تسمى تحقيق الطموح. ص 16
عنوان الفصل الثاني هو الجرح الأول ولن تستغرب كثيرا أو يتركنا السارد المجتهد في تسريب الخبايا نحتار كثيرا فسرعان ما يريح أذهاننا قبل بداية الفصل ذاته بشرح مسهب لمعنى "الجرح الأول" مشفقا علينا من سكرة الخيال فيقول: "أتذكر كلماته عن الجرح الأول الذي تعرض له في حياته، سألته وأنا أضحك: ألا توجد لك أسرار؟ ألم تحب؟ إذن ما هو الجرح الأول في حياتك؟ كن صادقا معي.." ص 16 ولابد مع هذا التقديم والبسط أن نتوقع تمام القصة في هذا الشأن فكون التجربة جرحا فهذا ينبئ عن المقدمات والنهايات والمآلات أي تجربة حب لم تصل إلى غايتها لسبب من الأسباب، أما كان الأولى أن تظل التيمة مغيبة حتى نسير إليها في مطبات العثرات والتجارب ونتسلل إليها من نوافذ الأحداث والعواطف والآهات فترتسم في مصورتنا الذهنية عناوين الخيبة ودماء الجرح العاطفي النازف قبل أن يصفعنا السارد بها منذ البدء فتأتينا التفاصيل بعد ذلك باردة لا نستلذ لها طعما ولا نستعذب فيها مذاقا؟
العنوان الفرعي للفصل الثاني هو: "الأب العجوز يحكي" ص 17 وهو يندرج تحت العنوان الأصلي للفصل أي "الجرح الأول"، ونلاحظ أن الصيغة عامة جدا "الأب" أي أب و"عجوز" أي عجوز و"يحكي" أي كلام، بمعنى أن السارد يسبح في مستوى من التجريد والعمومية لم يترك له منفذا إلى كسوة أدواته بأي صورة، وهذا ما يجعل النص يقرأ بأقل قدر من الصعوبة فنحن لن نذهب بعيدا خلف هذه المسميات لأنها تعطينا من المعلومات ما يكفينا مؤونة التأمل في إدراك معانيها العامة، أريد أن أقول أن عملية فهم المعاني تنتقل عادة من الدوال إلى المدلولات وكلما كانت العلاقة بين هذين العنصرين مباشرة كلما كانت الدلالة مباشرة و تعيينية وعلى عكس ذلك كلما كانت العلاقة بينهما غير مباشرة نحت نحو الإيحاء واحتجنا لفهما إلى نوع من التفكير تتطلبه مفاضلة واختيار بين معان عدة للوصول إلى المعنى الأنسب للسياق، فإذا قلنا مثلا:
أخذت قسطا من الراحة تحت شجرة
يكون المقصود هو المفهوم من سطح العبارة لأن العلاقة بين الألفاظ والمعاني علاقة تعيينية لا تحتمل معاني أخرى إلا إذا دل السياق على أن الأمر يتعلق بكناية تستغرق الجملة كلها فإذا لم تدل القرائن على مثل هذا الانزياح ظلت العبارة في مستواها الدلالي التعييني، لكن الأمر على خلاف ذلك لو قلت مثلا:
أخذت أرتشف من ظلها الأمان ومن ساقها الناعمة السلام
فهنا أكون على أكثر من مستوى دلالي بين التعيين والإيحاء فأحتاج إلى روحة وجيئة لإيجاد التناسق والانسجام الذي يضمن المعنى الكلي أو الاقتصاد العام لمعنى العبارة في منظور الماديين.
هذا يعني أن الدلالة تنحو إلى التعيين والمباشرة كلما كانت المفردات مجردة وعامة لأن العام أكثر دورانا بين الناس وأسرع في إيصال غاياته وأهدافه، بينما التصويري الذي ينحو أكثر نحو الفردية والتصرف الذاتي يكون أكثر استعصاء على الالتقاط والإحاطة لأنه وليد الفرد المتصرف بأريحية كما يقول الجرجاني وأنى الإمساك بالرغبات الفردية والتصرف الذاتي، ومن هذا نخلص إلى كون المجرد عام وإفهامي وتعييني وموحد وأن التصويري هو مناط الإيحاء والإغراب والتشتيت، وللسارد بعد هذا أن يختار أين يكون بل يختار بالأحرى من يكون قارئه؟
هذا الاستطراد أردت به وضع الأرضية التي أرد من خلالها أن يفهم موقع العناوين خاصة الداخلية منها والفرعية بصورة أخص على مستوى الدلالة، فكونها عناوين لا يشفع لها أن تكون مباشرة وتعيينية وتدع المتلقي بلا موقع ولا وظيفة، وإذا كان من عادة العنونة أن تكون بطبيعتها عامة وتعيينة وتجريدية فإن هذه الصبغة تفتقدها تماما في النص السردي الأدبي بل إنها تذهب به بعيدا عن وظيفته المعتادة تلك إلى مناح انزياحية تصويرية تزيد من قرب النص من المشهدية والتخييل والإيهام بالمرجعية والواقعية، والإيهام بالمرجعية ليس ابتعادا عن الواقع ولكنه إغراق في التصوير فكأننا بصدد قطع متجاورة من الحياة الصاخبة المتقلبة المستعصية على الإمساك والضبط، فإذا كان الأمر كذلك نجح النص في الضن بخباياه وأفلح السارد في التعمية على مصادره ومعلوماته واستلذ المتلقي في تتبع الخيوط الهاربة والدلالات المتحجبة والمسارات المتقنعة، أما الإسفار فلا يغري، فليت شعري كيف يستحب الإسفار ولا يستطاب الحجاب؟
ولعل عدوى التجريد في العنوان أن تكون معزولة ويحفظ المتن لنفسه صفة التصوير والإيهام والتغريب، وهيهات، فإن السارد إذا غلبته نزعة الوضوح والتقرير والتعيين وكأنه بصدد متلقين لن يفهموه فيجتهد أيما اجتهاد في تذليل كل صعب وكؤود ليفهموه فإنه سيتجاوز العناوين إلى جسم النص ذاته فيخرقه بالوصايا والتعليقات التي تنتزعه عنوة من فضاء الفنية والجمال إلى فضاء التعليم والوعظ ومنذ البدء نجد السارد المهموم بتسديد رمياته التعبيرية يقول: "..لقد ضربتنا المحسوبيات في الصميم..وأصبحت تقود علاقاتنا الاجتماعية. وأصبح الانتفاع والاستغلال شهادة نجاحك في محيطك..ولم تعد أشكال الوساطة والمنافع المتبادلة تثير الاستغراب.. بل إنها بداية الأبجدية السهلة في صميم الأنانية التي أصبحت في أذهاننا شكلا جميلا من أشكال الحياة المعاصرة" ص12 لو لم أقل إنها من رواية لما استغرب أن تدرج مثلا في مقال صحفي يتحدث عن مساوئ الإدارة في بلد نام، فإذا كان هذا جزءا من الواقعية الروائية فهلا كانت ضمن حركة حوارية تنتزع عنها التقرير وتبرر ورودها ضمن نقمة شخصيات حية تواجه مصاعب الحياة وتعبر عنها بقدر مقبول من الحركة والدينامية.
هيمنة السرد ..لعبة الإدراج ..وغمط الحوار مداه..
التقنية السردية في "المنبوذ" حديثة وفيها قدر من الجدة، أراد السارد فيها التلاعب بخيط السرد، فأبدله من يد إلى يد أقصد من شخصية إلى أخرى عبر عملية استرجاع زمني تبعد أحيانا وتقترب أخرى، فقد أسند الولد مهمة السرد منذ بداية الرواية إلى والده وذلك بصريح العبارة لما قال: "تريد أن تسمع قصتي أيها الصغير..حسنا سأرويها لك. ومن هناك بدأ قائلا:" ص 16، وطبعا لعبة الإدراج مهمة هنا في نسج النص السردي، ولكن الإدراج لكي يثمر شعريته يجب ألا يكون مكشوفا كما رأينا، بل يتسرب بين المنافذ حتى يضيع أو يكاد خيط الزمن السردي فنصاب بالقلق وضجر التداخل ودوار الطبقات والمستويات فنضطر إلى العودة إلى الخلف مرارا وتكرارا لنتأكد من الممسك بزمام الأمور ونظل في شك من أمرنا تأخذنا صورة وتعيدنا أخرى، لا نكاد نفرق بين الراوي وصور رواته المستعملين، أما أن يشهدنا السارد على العقد السردي بينه وبين راويه المكلف فهنا تنكشف لنا اللعبة تماما ونكون بمأمن من كل المزالق التي سبقت الإشارة إليها وهي لب شعرية السرد وشعرية الإدراج والسرد المتراكب، وسيستمر هذا التعاقد المكشوف من فصل إلى آخر كلما استلم زمام السرد شخصية من الشخصية لنظل في طابقسريد وحيد وموحد مما يجعل تنويع الساردين بلا منفعة لأننا نكتشف بسرعة أننا في الواقع إزاء سارد واحد أبى أن يروي كل الحكاية باسمه فأعطانا أسماء رواتها وأسند إليهم روايتها، مع أن المطلوب كان هو الإحساس بضرورة تدخلهم وأنه لولا هذا التدخل لما استطعنا استكمال الأحداث وهنا نكون إزاء هيمنة صريحة للسارد على عملية السرد هيمنة من جنس هيمنة الحاكم العربي الذي أصبح يلعب لعبة الفردية على المكشوف وكل اللاعبين في المشهد هم للتزيين فقط والأغرب أن المهيمن والمتلقين على السواء واعون بهذا الانكشاف المريع.
وبالتالي فإن النص إذا هيمن عليه السرد الوصفي من جهة وهيمن عليه سارد محيط عليم بكل شيء من ناحية أخرى بقيت الشخصيات الأخرى بلا أدوار مميزة خاصة إذا كان النص ذاته يقوم على الحكي وليس على الحركة فهنا يكون الحوار هو العمل السردي الموازي الذي بإمكانه تحريك الحكاية وإضفاء الحياة عليها و إلا بقيت سلسلة من القصص المتلاصقة التي لا يبررها منطق سردي ولا مسارات عملية تتخللها أفعال وتحويلات حقيقية وليس حكواتية.
إن الحوار كبديل لتحريك النص وتبرير بعض المستجدات لا غنى عنه في مثل نص "المنبوذ" الذي يعتمد على عمل الذاكرة والاسترجاع ومن هنا نلمس الفجوات الواسعة بين الأحداث التي تروى و التي لا نملك المبررات الكافية لإيرادها سوى كونها متعلقة بالراوي الذي يحكيها.
وخلاصة القول في هذه الإطلالة القرائية لنص يحتمل بل ويستحق العودة في حلقات متتالية لحساسية ما يطرحه، هي أن لا غنى للنص الروائي عن مستوى كاف من التصوير، وأقصد به المفهوم السيميائي لتأثيث المستويات العميقة الفكرية والتيمية والقيمية والسردية، تصوير غني بإمكانه أن يغطي كل هذه الطبقات العميقة ولا يكشفها لأن مهمة كشفها تقع على كاهل المتلقي لا السارد، والمقصود بالتصوير هو صنع الوهم بالتلفظ المولد للحوار والكلام والمواجهات التداولية والإقناعية ومختلف أساليبها، والوهم بالمرجع من خلال إبداع العالم المتحرك الذي ينزع إلى محاكاة الواقع فيؤثث الفضاء والزمان والأشخاص بالأقنعة التصويرية التي تجعل منها أدوات ذات كفاءة صانعة لعالمها المتخيل.
____________________________
- [1] التصوير = figurativisation هو مستوى تمظهر السرد من خلال اكتسابه لهوية مشخصة وفي إطار الزمان والمكان ويعتبر نتاجا للتلفظ
[2]- التيمة = thème: هي الموضوعة التي تستخلص من الصور المنتشرة في سطح النص في مستواه الخطابي حسب نظرية قريماس
[3] - رواية عبد الله زايد، الدار العربية للعلوم-ناشرون ط2، 2006
[4] - ينظر جوزيف كورتيس، مدخل إلى السميائية السردية والخطابية، ترجمة د. جمال حضري