منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    قال أبو نواس

    أروى55
    أروى55


    عدد المساهمات : 235
    تاريخ التسجيل : 07/10/2009
    العمر : 32

    قال أبو نواس Empty قال أبو نواس

    مُساهمة  أروى55 السبت يناير 23, 2010 12:15 pm

    قال أبو نواس:
    لئن هجرتك بعد الوصل أروى*************** فلم تهجرك صافية عقار
    فخذها من بنات الكرم صرفا****************كعين الديك يعلوها احمرار
    شرابا ، إن تزوجه بمــــــــاء***************تولّدّ منها درر كبـــــــــــــار
    طبيخ الشمس، لم تطبخه قدر***************بماء، لا و لم تلذعه نـــــار
    على أمثالهل كانت لكسرى*****************أنوشروان تتجر التجــــــار
    إذا المخمور باركها ثلاثـــا*****************تطاير عن مفاصله الخمـار
    و هات فغنني بيت " نصيب"***************فقد وافاني القدح المـــــــدار
    و لولا أن يقال صبا نصيـب****************لقت بنفسي النشء الصغــار
    بنفسي كل مهضوم حشــاها***************إذا ظُلمت، فليس لها انتصار




    اتجاهات النص: ينقسم النص إلى نسقين، الأول نسق الحبيبة ويضم الشطر الأول من البيت الأول والأبيات السابع والثامن والتاسع، ويتمثل في الحبيبة (أروى) الهجر.
    ويتضمن النسق الثاني، نسق الخمرة وهي موضوع القصيدة وتشمل الشطر الثاني من البيت الأول والأبيات الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس.
    وينضم بيتا التضمين لنصيب في النسق الأول، وهما لا يمثلان ظاهرياً جزءاً من النسيج العام للقصيدة على الرغم من التقائهما في المعنى العام للنص الأصلي، ولكنهما في العمق يمثلان جزء لا ينفصل عن النص.
    وإذا ما قارنا النسقين نجد أن النسق الأول يحتل مساحة أصغر من النسق الثاني الخاص بالخمرة. ويعود ذلك إلى رغبة الشاعر في تهميش الحبيبة ونفض اليد من أمرها، ليبقى المجال مفتوحاً أمام المعشوقة البديل: الخمرة. ونستشف ذلك من القاموس الخمري الطاغي على الأبيات: صافية، عقار، بنات الكرم، صرفاً، احمرار، شراباً، تزاوجه بماء، درر كبار، طبيخ الشمس، المخمور، باكرها، ثلاثاً، تطاير من مفاصله، الخمار، القدح، المدار.
    المتكلم في القصيدة، الشاعر، يوجه الخطاب إلى شخص معين ندركه من خلال ضمير المخاطب (هجرتك/ لم تهجرك) ويمكن تحديده بهجر أروى له، وقد يبدو أن ضمير المخاطب هذا مجرد إجراء فني وبالتالي لا يخاطب الشاعر إلاّ نفسه، مختلقاً الموقف، ومختلقاً المخاطب.
    وقد تعددت الضمائر في النص ضمير المتكلم (الشاعر)، ضمير المخاطب، ضمير الغائبة (الحاضرة/ الخمرة) دون أن ننسى بيتي نصيب بن رباح( ) اللذين وردا في النص كأغنية (صوت غنائي) ومن اختيار الشاعر المتكلم (أبو نواس). وبالتالي فالمكان الذي قيلت فيه القصيدة هو مجلس شراب وغناء (البيت السابع)، وكنتيجة يمكن عدّ المقطوعة، صوتاً غنائياً، ويتعلق التضمين ظاهرياً بالمرأة وباطنياً بالخمرة، فالهاء في (حشاها) عائدة إلى الخمرة، وعليه سيكون تصريح نصيب باستعداده لفداء الجواري الحسان بنفسه، لولا خوفه من تقول الناس، وهذا يوافق روايات: الأغاني، والأعلام للزركلي والكامل للمبرد وغيرها من المصادر العديدة التي أكدت على عفة نصيب وتخلقه ورزانته التي تصل عندهم إلى حد كراهية الهجاء، ونصادف في البيت الأخير نوعاً من الرمزية في التصوير الشعري القائم على تشخيص الخمرة في صورة امرأة فاتنة ذات بطن هضيم أي أخمص، حيث يقول نصيب: أفدي بنفسي هذه الأنثى/ الخمرة، الرشيقة، وقد لا ينسجم شرح هذا البيت مع البيت الذي قبله، نتيجة غنى هذا البيت الناتج عن انزياح لفظة مهضوم إلى معنى الهضم، أي تحويل الطعام، ومنه العنب من شكل إلى شكل، أي التخمير فيصبح للبيت بناء على هذه الفرضية معنى آخر؛ أفدي بنفسي كل خمرة معتقة، وهو ما يؤيده الشطر الثاني (إذا ظلمت فليس لها انتصار)، وما ظلم الخمرة سوى عدم تخميرها وتعتيقها، وبالتالي فهي إذا لم تعتق فلن يكون لها أنصار ولا انتصار، وتبقى مظلومة ومن خلال القراءة الأولية نسجل الملاحظات التالية:
    1- يثير الشاعر سؤالاً يتعلق بإصراره على خرق القيم الأخلاقية لمجتمعه العربي الإسلامي، مع سبق إصرار على التعبير الصريح عن هذا الخرق، وعلى التحدي والجرأة، وهذه الظاهرة تحتاج منا إلى تفسير خلال التحليل.
    2- احتفال الشاعر بالخمرة ليس بريئاً ولا اعتباطياً بل له دلالات نجد معناها ومدلولها في وسطه الاجتماعي والثقافي، وفي تركيبه النفسي، مما يجعل الخمرة كائناً حياً يلعب دوره البارز في حياة الشاعر وتفكيره، وتتحول لديه إلى رمز لأشياء أخرى نرجو أن تتضح من خلال التحليل.
    3- اختار أبو نواس للشاعر نصيب بيتي شعر ليبني على منوالهما (البحر الوافر، القافية الراء، الموضوع: طريقة التصوير، التركيب اللغوي) ليصبح لبيتي نصيب دلالة أخرى يفرضها سياق النص كاملاً، بالإضافة إلى المكان والزمان/ المجلس، واحتفال أبي نواس بالخمرة، كما ساعده التضمين على الاقتراب من لغة الحكي العادي من دون تكلف، وخلق في القصيدة تعدداً للأصوات خدم التصاعد الدرامي لها. كما أن اختيار نصيب بالذات وهو عبد أسود يبعث على التساؤل: لماذا لم يختر شاعراً عربياً مولعاً بالخمرة كالأعشى مثلاً؟ وإذا ما ربطنا بين بعد نصيب عن العروبة، وتحريم الخمرة في الإسلام، ندرك أن الاختيار لم يكن اعتباطياً، بل فيه من التحدي للعروبة الشيء الكثير، فهو يتجاهل العديد من الشعراء العرب المجيدين ويختار لتضمينه بيتين من الشعر لعبد أسود، ونحن لا ننكر التمايز الطبقي السائد في العصر العباسي بين طبقتي الأحرار والعبيد ولا سيما السودان منهم، وهكذا تمكن أبو نواس من خلق التحدي الكامل للمجتمع العربي الإسلامي بجمعه بين الخمرة المحرمة واعتزازه بالعبيد السود وتهميشه للشعراء العرب المبرزين.
    4- اقتران الخمرة بالغناء يفرض جواً وفضاءاً مكانياً وزمانياً خاصاً شبيهاً بالاحتفال، تتحكم فيه طقوس متعارف عليها، حيث تتضافر استجابة الحواس مجتمعة (الذوق، السماع، النظر) من شرب الخمر والاستماع إلى شعر مغنى، من طرق صوت نسوي لجارية متخصصة بالغناء، ومن الرقص والكؤوس المدارة، الكل يفترض في هذا الفضاء، أن تحل الغريزة محل العقل، واللا شعور محل الشعور، والذات الفردية محل الذات الجماعية/ المجتمع. والأصوات محل الأفكار، حيث من المفروض أن تثار في السامعين المخمورين إحساسات وعواطف حقيقية، صادقة وآنية، وفي هذا السياق تدخل قصيدة أبي نواس وتبرز من خلال اختياره لبيتي نصيب المعجب بهما.
    5- لو وقفنا عند المعنى الظاهر لبيتي نصيب-التضمين- لوجدناه يقف عند ألفاظ بعينها: صبا، بنفسي، النشء الصغار، مهضوم حشاها (الضعف)، إذا ظلمت، ليس لها انتصار فإذا صبا الإنسان خرج على مواصفات مجتمعه، فهو خارج على المجتمع، وهذا ما يبتغيه أبو نواس بالذات، الخروج على المجتمع العربي الإسلامي، فكيف جاء هذا الخروج؟ إنه يشتهي الصغار والصغار هنا تشمل الجنسين (الإناث والذكور) واشتهاء الصغار شذوذ يرفضه المجتمع العربي الإسلامي، وما زالت القوانين الحديثة تعاقب مغتصبي الصغار، هذا هو الخروج الأول على المجتمع، أما الخروج الثاني على المجتمع، فهو السادية التي يعاني منها كل من الشاعرين: أبي نواس ونصيب فهما يريدان (يشتهيان) الصغار الضعاف، إذا ما لاقوا جوراً منهما لا يستطيعون المطالبة (يستطفون بحقوقهم (حقوقهن) ولا والي لهم ينتصر لهم ويدافع عنهم، فهما يحسان في داخلهما رغبة للانتقام من هذا المجتمع متمثلاً في النشء الصغار مهضومي الحشا الذين لا يهب أحد لنصرتهم، إنها سادية من الناحية النفسية وانتقام من الناحية الاجتماعية وخروج على الشرائع من الناحية الدينية، وظلم من الناحية القانونية، وخروج على نواميس المجتمع السياسية التي تطالب بالعدالة والمساواة، وخروج على الدين، وخروج على النواميس الاجتماعية، ولماذا كل هذا الخروج؟ الجواب صريح فكلاهما (نصيب وأبو نواس) لا يمتان إلى هذا المجتمع بصلة الأول عبد أسود والثاني فارسي متعصب لفارسيته، وهو يسعى إلى الانتقام من العرب المسلمين في شكل النشء الصغار (جيل المستقبل) لأن العرب المسلمين هم الذين قضوا على الإمبراطورية الفارسية.

    المطلع:
    يتحدد مفهوم الخطاب منذ البيت الأول: المتكلم /الشاعر والمخاطب/ الشاعر نفسه، فالقارئ للأدب العربي لا يحتاج إلى كبير عناء ليدرك أن المخاطب الذي يتمظهر في كاف الخطاب، هو الشاعر نفسه فتلك طريقة مألوفة في التعبير يصطلح عليها علماء البلاغة بالتجريد.
    وفي الشعر خرق للعادة أو انزياح، ونلاحظ بالفعل مظاهر متعددة للخرق:
    - هجرتك/ لم تهجرك.
    - وصل الخمرة يخرق الهجران الذي كان الشاعر ضحية له من طرف أروى.
    - خرق اللغة العادية بإسناد الوصل (لم تهجر) إلى الخمرة أي الانتقال من الحقيقة إلى المجاز.
    - خلو المطلع من التصريع، خرق لتقليد شعري سائد.
    - البيت من البحر الوافر (مفاعلتن مفاعلتن فعول) على مستوى الإيقاع، ورد فيه زمانان:
    مفاعلتن الثانية في الشطرين الأول والثاني، غير أن الخرق الأهم على هذا المستوى يتمثل في وتيرة الإيقاع إذ نلاحظ بطئاً واضحاً في الشطر الثاني عند مقارنته بالشطر الأول وذلك بسبب المد من جهة، وبسبب النبر الذي يحتمل أن يكون وقع على المقطع (صا) في صافية.
    - جاء الكلام في صيغة الخبر، غير أن الغرض منه، هنا، يخالف الأغراض الأصلية للخبر، والخلاصة الأساسية الممكن استخلاصها من هذا الابتداء، والتي تنعكس على القصيدة وتتحكم فيها هي المقابلة الآتية:
    لا وفاء لأروى/ إخلاص الخمرة
    ولكن من أروى هاته؟ القصيدة لا تذكر شيئاً عنها سوى أنها هجرت بعد الوصل، وحين ننقب في المصادر التي تتحدث عن حياة أبي نواس لا نجد لها ذكراً، غير أننا ندرك أنه اسم علم عربي، وقد كانت تحمله إحدى جدات الرسول (ص)، ويبدو أن وروده في مطلع القصيدة لم يكن بسبب تقليد معين بل لدلالة رمزية أساسية. وإن المقابلة: الخمرة/ أروى التي استخلصناها آنفاً تساعدنا على تحديد الخطوط العامة لهذه الدلالة الرمز:

    أروى الخمرة
    المرأة-الجنس-اللذة الشراب-اللذة
    المشروعية-التقاليد-الحلال عدم المشروعية-التمرد على التقاليد والأعراف-الحرام
    قيم اجتماعية سائدة تمرد على قيم اجتماعية سائدة
    نخلص من ذلك كله بنتيجة أساسية، هي أن الخرق الذي اتخذ أشكالاً مختلفة في البيت: لغوية، بلاغية، إيقاعية، يكتسب في النهاية دلالة أوسع وأشمل ألا وهي: خرق لنظام اجتماعي ثقافي معين.
    وعلى مستوى رمزية الصوت نلاحظ تقارباً بين (الهجر) التي وردت مرتين و(الجهر) المعروف. في هذا الصدد يتحدث ابن جني كثيراً في كتابه الخصائص عن تقارب الحروف لتقارب المعاني، وتقول بعض الدراسات الحديثة كلما تشابهت البنية اللغوية فإنها تعكس بنية نفسية متشابهة منسجمة، ألا يمكن أن نقول إن الشاعر المهجور يجهر بموقفه المتمرد؟ ومما يدعم هذا الرأي ورود حرف الراء المجهور أربع مرات في البيت إحداها في الروي. وقفنا هذه الوقفة الطويلة عند المطلع لأنه بمثابة المفتاح للولوج إلى القصيدة، وأول ما يقرع السمع وبه يستدل الشاعر على ما عنده، كما يقول ابن رشيق.
    القصيدة: وتستوقفنا في بداية البيت الثاني عبارة فخذها، فإذا كانت أداة الربط الفاء تفيد الاستئناف نحوياً فإنها عند اتصالها بفعل الأمر هنا، تفيد أكثر من ذلك، فالملاحظ أن الضمير (ها) لا يفصله عن المذكور المتقدم سوى الربط والفعل: صافية عقار (فخذ)ها وهذا التجاور لـه دلالته فكأنه يحث نفسه على تناولها، وعلى مستوى أول، يظهر للقارئ أن الشاعر أسند إلى الخمرة مجموعة من الصفات في الأبيات (2-6)، فهي مستخلصة من الكروم ويبدو ذلك من سمات الجودة، وهي خالصة صافية، يعلوها احمرار، وتتوالد منها فقاقيع عند مزجها بالماء، وهي شراب منحته الشمس نصاعتها ونورها، لم يطبخ في قدر ولم يشو بنار، كريمة راقية عاقرها ملوك الفرس العظام، جيدة تشفي المخمور من ألم الخمار.
    والملاحظ، إنه إذا كان هذا الوصف يشمل أحوالاً مختلفةً للخمرة فإن القاموس الشعري (المعاني والصور) يكاد يخلو من الجديد، فبعضها طرق من قبل أبي نواس ومن طرف عدي بن زيد والأعشى والبعض الآخر تردد في قصائد أخرى للشاعر نفسه، ويبدو أن الخواطر التي تبعث عليها اللحظة الحاضرة والترسبات الوجدانية والثقافية تشكل مادة هذه المعاني والصور فتتدفق عن طريق التداعي في بساطة ورقة، ولا يكلف الشاعر نفسه عناءاً كبيراً في توليدها.
    ونلاحظ حضور ثنائية ضدية في القصيدة (أروى/الخمرة) ويبدو هذا الحضور قوياً على الخصوص في الامتداد الرمزي المحوري لهذه الثنائية: فالأبيات تتضمن عناصر ومؤشرات تمكننا من إسقاط بعض صفات الخمرة على المرأة، لأن الغاية المنشودة لكليهما واحدة: اللذة والمتعة.
    - فهي من بنات الكرم. لم لا نجوز بنات الكرم، فالدراسات الحديثة تولي أهمية لهذا اللعب اللغوي.
    - تكون لها درر، والدرر واللآلئ أشياء تقترن بالنساء خاصة، يتباهين بها، وما زلنا نقول عن المرأة درة مكنونة، وجوهرة مصونة.
    - والطبيخ يتصل بالمرأة لأنها عادة هي التي تطبخ الطعام وتهيئه.
    - وتتسع الدائرة الرمزية في البيت الخامس، فما علاقة الخمرة بكسرى أني شروان؟ قد نعثر على الجواب حين نتذكر أن من محاسن المرأة حين تنتسب إلى أسرة ذات مكانة رفيعة، والنسب يلعب دوراً هاماً في المجتمع العربي التقليدي، وأبو نواس يعاني من انحطاط نسبه، فيبرز ما هو محروم منه، هذا بالإضافة إلى أن الإحالة إلى كسرى (الفرس) يرتبط بنسبه من جهة ويقف ضد المجتمع العربي الإسلامي من جهة أخرى.
    وبعد أن يصل الشاعر درجة النشوة في نهاية البيت السادس يريد تتويج النشوة بالغناء، وبيتا الغناء يمثلان وصفاً حياً لمفعول الخمرة، والملاحظة التي يمكن تسجيلها في هذا الصدد تتمثل في الشكل العام للقصيدة كخطاب، ففي الأبيات السابقة يحكي الشاعر، بينما نراه في الأبيات الثلاثة الأخيرة لا يكتفي بالحكي بل ينقل حالة حاضرة بأجوائها وإيحاءاتها المختلفة، ويمكن اعتبار الشطر الأول من البيت السابع جسراً بين الحالة الأولى والحالة الثانية:
    المتكلم الخطاب المخاطب
    1-الشاعر الأبيات 1-6+ الشطر الثاني7 الشاعر نفسهحكي في شكل مونولوج
    2-الشاعر الشطر الأول 7 المغني
    3-الشاعر(المغني. نصيب) بيتا نصيب الشاعر
    وإذا كان فعلاً الأمر (هات) اسم فعل أمر و(غنني) يساعدان على الإحالة على جو حاضر، عناصره الشاعر الذي أخذ منه السكر فأخذه الغناء والقدح المدار فإن الكلمة المحورية تتمثل في (وافاني) وقد شرحت في الديوان بمعنى (أدركه)، غير أن معناها في المعجم إعطاه حقه تماماً، والمعنيان يتكاملان في سياق القصيدة، ونلاحظ محوريتها من خلال بعض السمات الصوتية والإيقاعية التي تميزت بها، فالجهر غالب على حروفها بالإضافة إلى الرخاوة والليونة، وهاتان السمتان تتلاءمان مع حال الخمر، ومن جهة أخرى نلاحظ بطئاً في الإيقاع بسبب امتداد الصوت والنفس (وَا-فَا) مما يجعل الكلمة تستغرق زمناً أطول.
    الثنائية في القصيدة: (1) ثنائية السلب والإيجاب:
    تبدأ القصيدة بمطلع مألوف عند أبي نواس، حيث الدعوة إلى تجاوز البكاء أو الوقوف على الطلل ورفض الاستسلام للحبيبة أو التألم لهجرانها، حيث البديل متمثل دوماً بمعشوقته: الخمرة



    عاج الشقي على رسم يسائله********فعجت أسأل عن خمارة البلد
    لا تبك ليلى و لا تطرب إلى هند*******و أشرب على الورد من حمراء كالورد
    دع الربع ما للربع فيك نصيب********و ما إن سبتني زينبو كعوب
    و لكن سبتني البابلية إنها***********لمثلي، على طول السنين، سلوب
    إن إبعاد هذا التعارض نجد أساسه في التعارض السياسي والحضاري والاجتماعي والثقافي الذي يحمله الواقع نفسه آنذاك.
    وإذا عدنا إلى القصيدة نجد التقابل بارزاً بين (أروى) الحبيبة الهاجرة، وبين الخمرة الصافية، يبدو من خلال تركيب شطري البيت الأول أن: الجملة الأولى (لئن هجرتك) جملة مثبتة وبالتالي فهي إيجابية، والجملة الثانية (فلم تهجرك) جملة منفية، وبالتالي فهي سلبية.
    ولكن المسألة ستنقلب حينما نمعن في معجم البيت نفسه حيث نجد السلب في الشطر الأول (هجرتك) كفعل يدل على معنى الهجر وهو أمر مرفوض ومؤلم ومحزن وبالتالي فهو سلبي، خاصة وقد أتى بعده ما يقابله ويناقضه ويذكر به (الوصل).
    وينقلب معنى الهجر في الشطر الثاني (فلم تهجرك) إلى عكسه بفضل دخول حرف الجزم والقلب (لم) ويصبح مؤدى الفعل هو الوصل والائتلاف واستمرار العلاقة الحميمة وبالتالي الإيجاب. ويتأكد هذا الإيجاب بما يأتي بعد الفعل من صفات: صافية وعقار، وقد استعاض الشاعر بالصفة بدل الموصوف، أي الخمرة، لرسوخ صورة الخمرة وصفاتها في نفس الشاعر.
    ويقدم البيت تقابلاً آخر بين زمني الفعلين: هجرتك/ لم تهجرك، يمكن القول نحوياً بأن الفعلين معاً يؤديان نفس المعنى ويرمزان لنفس الزمن (على اعتبار المضارع المجزوم يصبح بمثابة الماضي). لكن السياق يفرق غير ذلك. إذ يحتفظ المضارع براهنيته بل وباستمراره مقابل انتهاء وانقضاء (هجرتك) في الزمن الماضي، وهو ما أراد الشاعر إبرازه من ضرورة اعتبار هجر الحبيبة أمراً منقضياً ومنتهياً ويجب نفض اليد منه، والالتفات إلى الحبيبة الأخرى التي لم و (لن) تهجر. ومما يؤكد ذلك أن هذه الحركة الثنائية (ماض/ حاضر) ستصبح ثلاثية مع بداية البيت الثاني الذي يستهل بفعل آخر (فخذها)، فنصبح أمام ثلاثة أفعال متتالية يدل تدرجها في الزمن على تدرج نفسي يعكسه تدرج زمني: (هجرتك) الماضي المنتهي، (لم تهجرك) المضارع وتأكيد الحضور، (فخذها) الأمر، والمرور إلى الفعل، إلى التجاوز إن ثنائية السلب والإيجاب سرعان ما سيختل التوازن بين طرفيها ليقتصر الثاني على الأول خاصة مع بداية فعل التجاور.
    ولا يقف التضاد بين السلبية والإيجابية عند هذا الحد، فإذا كانت المرأة تسلم حبيبها إلى الفراق ينشب فيه براثنه، فإن الخمرة لا تدع عاشقها عرضة لهذا الألم بل تطرده ولا تدع له أثراً في الجسم.

    إذا المخمور باكرها ثلاثا************تطاير من مفاصله الخمار
    ونصبح أمام ذات إيجابية، وبذلك نكون أمام ثنائية أخرى تقوم على الضدية:
    (المرأة-سلب-/ الخمرة-إيجاب)
    وتنعكس سلبية المرأة وإيجابية الخمرة على الفضاء الزماني والمكاني للقصيدة حيث تشغل المرأة مساحة ضيقة على مستوى المكان، إذ لا تتعدى شطر البيت، ومن ثم يكون زمن التلفظ قليلاً، أما المساحة التي تشغلها الخمرة، فهي كثيرة تبدأ في الشطر الثاني من البيت الأول وتنتهي مع نهاية البيت السادس كما أن زمان المرأة في القصيدة لا يتعدى ثلاث تفعيلات من بحر الوافر (مفاعلتن مفاعلتن فعول). في حين نجد زمان الخمرة يفوق ذلك بكثير، ويظهر من خلال ذلك أن الشاعر ينقل المرأة إلى حيز هامشي ليمنح لباب القصيدة وفضاءها الواسع للبديل الخمرة. ومما يدلل على هامشية المرأة وأهمية الخمرة، فهو عندما يذكر الأولى، يذكرها علماً مجهولاً خالياً من صفات الجمال والآبهة:
    على أمثالها كانت لكسرى***************أنوشروانتتجر التجار









      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 5:44 am