مصطلحات ادبية: النقد السياقي..تحليل النص دون ضغوط خارجية
النقد السياقي: Contextual Criticism
شبكة النبأ: ليس النقد السياقي، في أساسه، سوى تسمية أخرى لما يعرف بـ النقد الجديد في الولايات المتحدة خاصة، أي النقد الشكلاني الداعي إلى قراءة النص وتحليله بمعزل عن أية عناصر خارجية ومن ضمنها النصوص الأخرى. لكن تبلور النقد السياقي في كتابات الناقد الأمريكي مري كريغر يشير إلى نوع من الانعطاف نحو مناهج نقدية ظهرت بعد النقد الجديد، أي إلى محاولة توفيق بين التوجه الشكلاني المتمثل بالنقد الجديد وما ظهر بعده، خاصة النقد الظاهراتي، أو الفينومينولوجي، والنقد الوجودي، ففي بعض كتابات كريغر (كما في مقالتيه: الأساس الوجودي) للنقد السياقي) و"التأمل، اللغة والرؤية في قراءة الأدب" يتضح أن المسعى الأساسي لدى النقاد الجدد مثل جون كراو رانسوم وكليانث بروكس، كان رومانطيقيا في أساسه من حيث هو ينتصر للخيال الإنساني ضد المد التقني العلمي، بعقلانيته الصارمة، وهذا المنحى الإنساني هو ما يربط النقاد الجدد، كما يقول كريغر، بالظاهراتيين وغيرهم من الداعين إلى نقد إنساني يهتم بتناول النصوص مستشعراً كونه تجربة ذاتية أو معايشة بين الذات من جهة وما تصوره النصوص الأدبية عبر اللغة، التي تتحول بدورها إلى وجود شفاف.
متعلقات
طرق نقد الفنون التشكيلية(1)
طرق النقد
هناك عدة طرق للنقد الفني المعاصر كما أورد (قزاز،1423هـ) ومنها:
1- النقد بواسطة القواعد والمعايير الخاصة بالقيمة وله ثلاثة أنواع (الطريقة الاستقرائية – الطريقة الإستنتاجية أو الاستدلالية – والطريقة التداخلية ) .
2- النقد الانطباعي أي هو الحالة النفسية للمتلقي أو الجمهور وله طريقتين ( الإعتناقية – الظواهرية ) .
3- النقد الشكلي وله طريقتين ( الطريقة النقدية الاكتشافية – الطريقة الوصفية ) .
4- النقد السياقي ويعتني بالسياق الذي ظهر فيه العمل الفني والظروف المحيطة به . وهو على طريقتين ( القصدي – المبني على سيرة الفنان ) (1)
خطوات النقد
يوضح لنا قزاز أن النقد يمر في مراحل وخطوات وهي :
1- الوصف وهو إجراء لعمل قائمة جرد لعناصر العمل الفني ، أو ملاحظة ما هو مرئي فيه مباشرة .
2- التحليل من ناحيتين ( شكلي – معاني ) . زمان الجاسم
3- التفسير وهي عملية إيجاد المعنى الشامل للعمل الفـني الـذي تعرض له الناقد بوصفه وتحليله شكلياً وضمنياً .
4- الحكم وهو إعطاء مرتبة معنوية أو قيمة مادية للعمل الفني مقارنة بأعمال أخرى مشابهة له أو من نفس الاتجاه والنمط .
المناهج النقدية في اتجاهين(2)
لست من المتحمسين لمنهج ثابت في النقد، مع أن هناك كثيرين يلحون علي وعلى سواي بالسؤال: أي منهج نقدي تبنيتم في هذا المقال أو ذاك؟
وقد زعمت ( بالمعنى الإيجابي ) أنني أنهج منهجًا وسطيًا يأخذ من الأكاديمي الدقة في الاستشهاد والحذر في الأحكام ، ويأخذ من الذوقي ذاتية جمالية أستشفها من خلال التجربة ، ولست أزعم أنني أشق طريقـًا في المناهج النقدية ، لكني أسلك دربًا يبعدني عن جفاف الأول وانزلاق الثاني ( انظر كتابي : عرض ونقد في الشعر المحلي، مطبعة الشرق- 1976،ص3
وعلى كثرة ما قرأت كتبًا تتناول المناهج النقدية المتباينة إلا أن مقالة نشرها الدكتور مرشد الزبيدي ( مجلة الأقلام العراقيه ، العدد 1-4/1997، ص26 ) وافقتني أو وافقتها – أصح-، فقد أجمل المناهج النقدية في اتجاهين : اتجاه سياقي حيث تدرس النصوص الأدبية في ظروف نشأتها والسياقات الخارجية لها ، والتأثيرات التي يتوقع للنص أن يؤثر فيما يحيط به، ويمكن أن يشمل هذا كل الدراسات النقدية التي لا تجعل النص الأدبي وحده مدار اهتمامها – أي أنها تتوسل بوسائل خارجية ليست من داخل النص نفسه .
ولعل الكاتب استقى هذا المصطلح السياقي " Contextual " من الناقد جيروم ستوليتر حيث تحدث عن الظروف والسياقات الخارجية عن النص.
ومن هذه المناهج التي تقع في دائرة السياقية أذكر بعضًا بإيجاز :
المنهج التاريخي:
حيث الاهتمام بالسياقات الزمنية للنصوص ومنتجيها بعيدًا عن الأحكام والمعايير التي ارتضاها الكلاسيون. ومن رواد هذا المنهج ( تين- 1828- 1893 ) الفرنسي . ومؤثراته الثلاثة هي : الجنس، البيئة والعصر .
المنهج الاجتماعي:
حيث يتساوق وما طرحته فلسفة هيجل ( 1770- 1831 ) التي ربطت بين الأنواع الأدبية والمجتمعات، وكانت الواقعية إفرازًا بينًا فيه، كما أن الماركسية تُداخِل فيما بين المنهجين التاريخي والاجتماعي.
المنهج النفسي:
وفيه الاهتمام بشخصية الأدباء ودوافع الإبداع؛ يرى فرويد ( 1856-1939 ) أن الأدب تعبير مقنع يحقق رغبات مكبوتة قياسًا على الأحلام .. هذا يعنى النقد بتفسير الأدب لا الحكم عليه .
وهناك من يضيف إلى هذا المنحى : المنهج السِيري ، الأيديولوجي، الوجودي، الفلسفي، الديني، الأخلاقي، الأسطوري، وغيرها من التسميات طرحًا ورؤية.
أما المنحى/ الاتجاه الثاني فهو النصي ( Textual ) حيث ينصبّ النقد هنا على دراسة النص بذاته، ويسعى إلى الكشف عن العلاقات التي تتحكم بها من غير أن تعير أهمية كبيرة للسياقات الخارجية ، ومن أهم هذه المناهج النصية :
المنهج الشكلاني :
أسسته عام 1915 حلقة موسكو اللغوية ، وكان ياكبسون ( 1896 - ؟ ) أنشط أعضائها ، حيث قال : " إن هدف علم الأدب ليس هو الأدب في عموميته وإنما أدبيته، أي تلك العناصر المحددة التي تجعل منة عملا أدبيًا ( انظر كتاب صلاح فضل : نظريه البنائية، ص23 ).
النقد الجديد:
وقد برز في أمريكا، حيث كان الاهتمام بالشعر من غير أي سياق خارجي ، وأبرز نقاده إيليوت ( 1888- 1965 ) ورتشاردز ( 1893-1979) وألن تيت ( 1899- 1979 ) ورنسوم ( 1888 – 1974 ) وبروكس ( 1906- 1990 ) وهذا الأخير تناول بمثابرة مسألة دراسة القصيدة واستيعاب شكلها الفني .
المنهج البنائي :
يرى صلاح فضل ( 1938 ) أن التعريف الأول للبنائية يعتمد على مقابلتها بالجزئية الذرية التي تعزل العناصر ، وتعتبر تجمعها مجرد تراكب وتراكم، فالبنائية تتمثل في البحث عن العلاقات التي تعطي للعناصر المتحدة قيمة وضعها في مجموع منتظم ( ن.م، ص195).
ويتفرع من الاتجاه النصي المنهج التفكيكي وهو بعكس البنائي، يقوض أولا البناء النصي ، ثم ينظر في المركبات من جديد لإعادة التشكيل والبناء ، وهناك المنهج اللغوي، والبلاغي، والألسني،والأسلوبي، ولا تتوقعوا مني الاستفاضة في هذا المقام.
لكني أعيب على بعض الباحثين ممن يتشبثون بمنهج ما من غير معرفة دقيقه بمركبات مادته، فالناقد اللغوي مثلا عليه أن يكون خبيرًا في نحو اللغة وصرفها وفصيحها وعاميها قبل أن يقرر هذه لغة عليا وهذه لغة وسطى ، وقبل أن يصول ويجول على حصان اللغة.
مجمل القول : في النقد اتجاهان سائدان : سياقي ونصي . وفي رأيي أن ليس هناك ضرورة للبقاء في خانة واحدة، فعلى الناقد أن يكتب كما يحس لا كما يتطلبه منهج - أيًا كان، يكتب كما تمليه عليه رسالة الكتابة ( Message ) ، إذ لا بد للنقد من رسالة، ولا بد من طرح أسئلة: لماذا النقد ؟ ومتى ؟ لأي شيء أصبو ؟ وأين ؟ وماذا أبغي هنا ؟ وكيف ؟ وإلا فإن الناقد – من غير رسالة - يهذي أو يعبث أو يتسلى، أو على الأقل يملأ صفحات " تدوخنا " بمربعات وأشكال وجمل أسهل علينا أن نفهم جملة باللغة الصينية من أن نفهم هذه
الصفحات .
إشكالية الخطاب النقدي... في ضوء جدلية الأصالة والمعاصرة(3)
يرتبط المنجز النقدي العراقي خلال العقود الثلاثة الأخيرة بالمنجز الابداعي بشكل مباشر (شعر.. قصة.. رواية.. تشكيل.. مسرح)، وقد أخذت الكتابات النقدية تتفاوت (صعوداً وهبوطاً) بما جاءت به من مؤثرات سياسية واجتماعية وفكرية..
عكست على المنجز ذاته.. فتضاربت الافكار والتوجهات الايديولوجية وخلقت تضادا مشحوناً على جميع الاداب والفنون، وأخذت تشق طريقها وفق أنفرادية (المنظر/ الناقد).. حتى اننا وقعنا في متاهات التقييم الحقيقي لعنوان الابداع ونقده..
وما ان ولدت اسماء كبيرة رسخت قدراتها في الساحة المحلية والعربية في العراق، انبثقت ادوات التعطيل او التأخير للعقل العراقي من خلال المواجهات الانهيارية التي تمثلت في (الحروب)، فالشعر الناضج والنص النثري المكتمل يسحب النقد الادبي والنقد الفني الى منطقة سليمة في عملية الطرح، وبذلك فتحنا باب الحوار النقدي امام نخبة من الادباء والفنانين:
د. محمد أبو خضير: (ناقد واكاديمي):
تشاغلت الثقافة العربية بشكل عام والعراقية بشكل خاص وطوال عقود حول وجود (جدوى وكيفية) الاخذ بالمناهج النقدية السياقية والنسقية الوافدة من منظومة (الآخر) في وقت كرست جميع المناهج بالقوة والفعل في فضاءات ثقافاتنا العربية تنظيراً وتطبيقاً/ نظرية ومنهجاً.
فمثلما شغفت عقود الستينيات والسبعينيات في الالتفات الى (رفاة) موروثنا الابداعي (مسرح/ رسم/ قصة/ رواية) ورفعه الى درجة المضاهاة.. والاسبقية والاجتراح مع خطابات (الآخر) المغادر ابدأً للذات العربية/ الاسلامية.. تتجدد ذات الدعوات والمؤتمرات وتوصيتها في تقليب (خزانة) الثقافة العربية وخطابها النقدي المناظر لـ (الآخر/ المهيمن).. ومحاولة التباري معه.
ونجد ذات النهايات التي انتهت بها محاولات البحث عن (الهوية) في النصوص الابداعية، حاضرة ومتنامية في خطابات (التتريث) وحجز الريادة النقدية، فثمة عراك لمشاطرة الاخر في خطاباته الحداثوية وما بعد الحداثوية، فاذا ما دشن (الاخر) منهجيته النقدية ودفع الى الفضاء النقدي مقولات نظرية وتطبيقية تخص (سيميائيته/ وتأويليته/ وبنيويته) تعجل قطار التعريج النازل الى (امصار) التراث عائداً بمحمولات التأصيل ودرجها في المشهد النقدي دونما مسندات نظرية، لذا بات العقل العربي منتجا للافكار (الواقعية/ السريالية/ الوجودية/ الالسنية) مع التحفظات المبطنة في درج الافكار الماركسية لطابعها المادي!! (وهذا له دور كبير في توجيه النقد الفكري الى ما وصل اليه).. والذات النقدية العربية ليست لها الا بنونتها للذات الجمعية في تقويضها لكل ما هو قائم خارج مدياتها الوجودية بيد أنها تضمر مفارقة ذاتية حين تعتاش في البدء على وجود (الآخر) لتنتفض عليه بعد اشواط المنفعية والتلذذ.. لتصحو رافعة معاول التهشيم لضرب مشتركاتها ومغذياتها الوافدة، ويبقى للذات النقدية خطاباتها وتوثينها للمرجع النقدي دون تساؤل جدلي، فما نقش في مسلات النقدي العربي القديم بشكل عام والنقدي العراقي بشكل خاص.. له مشروعيته في الانتعاش في مشهدنا النقدي الحديث، دونما تغيرات ملحوظة تذكر داخل سياق الاتجاه النقدي ذاته.. فما عرف عن الخطابات النقدية ذات المرجعيات الماركسية مثلا، انها في جدلية ذاتية/ موضوعية، فمقولات اللاحق تتجادل مع السابق لذا بات لنا واضحا تراتب آراء النقاد الماركسيين وفقا للمشهدية المعرفية (بليخانوف/ جدانوف/ لوكاتش/ ماركوز/ وليماز/ ايغتلون/ مدرسة فرانكفورت/ غارودي (قبل الاسلمة)).
ان للخطاب النقدي تجربته مثلما للخطاب الابداعي في تخطيه لمقرورات تقليدية سليلة.. عصور تاريخية بعدت تلك المقولات او تعايشت واياه، فالخطاب النقدي في تكوكب ومشهده (الابستمولوجي)، بل ان للمناهج النقدية اثراً في تشكل المشهد الابداعي والجمالي، ويحمل في ذاته بنيته الفنية والجمالية لتأكيد موازناته الابداعية/ المعرفية، باعتباره قراءة للقراءة، وليكون بعد موضوع رصد نظري/ تطبيقي وفق مسميات (نقد النقد) او (قراءة الخطاب النقدي)..
د. غالب المسعودي: (فنان وناقد).
ان سبل التصدي للخطاب الابداعي في ضوء جدلية الاصالة والمعاصرة من ناحية تنظيرية لابد ان يتوافر بمتسع من الوقت وفي صفحات واسعة للنشر، لكن في العجالة ستكون هناك عملية احتواء مختصرة من ناحية منظومية، كون الرجوع الى (الكوزمولوجيا) ـ زمن البدايات ـ لهو عسير رغم انه متاح لو تصورنا انه حلم او وهم. ان الماضي لحظة، والمستقبل دهر.. ونحن نعيش بين وهمين، لقد تكونت وتطورت حركة التاريخ والتنظير بفعل اسهام كبير قدمه مجموعة من المفكرين، والذي يحتوي وضعا معقدا قائما على وجود منظومة متعددة الاطراف، وكانت طروحات الاصالة والمعاصرة والحداثة.. والحداثة الجديدة قمة انزياحات ورأس الهرم الخطي لهذا التصاعد الدراماتيكي للحدث المؤجل في تضاعيف الاطر الحضارية، وكرس بذلك الهيمنة الشاملة لمجموعة من الخطابات، افرزتها (ايديولوجيات) متعارضة سحبت معها كل اشكال الصراع وان لم تكن بمنأى عن قانون التغايرات الاجناسية وقانون تثبيت اللحظة القدسية.. اذ أن ثمة قانوناً يسير كل عملية تكريس، وهو بحد ذاته عملية انتقال من حال الى حال او من مرحلة الى اخرى. فعندما يكون الظرف الموضوعي وهو خارج فعالية الذات غير مناسب لهذه المعادلة، سيكون هناك نوع من الحوار (المونوكرامي) الذي قد يجهز على المنجز الابداعي على مذبح العدم، لذا على المبدع الفنان ان يعمل على كشف الواقع التأريخي مميزاً اياه بدقة عن تفسير وتقييم التيار الارثذوذكسي، بالرغم من الاشكالات والصعوبات التي تنشأ عن ذلك، فحينما نستعيد في اذهاننا بداية متماسكة لكتابة تاريخ التحولات الكبرى بمداد الفن والفن التشكيلي بشكل خاص، والذي يجب ان يقترن بتوطيد اركان الخطاب الجديد وتخصيب الهوية بالحراك المعرفي الذي يمنح العمل الفني عنصر نماء دون تضبيب.. فجواد سليم من ناحية سيميائية تمثل هذه المعادلة الصعبة وانجز نصبه في ساحة التحرير، وكان عملا تفتخر به الحضارة ولم يكن الا شهيدا في محراب الفن العام.
وهو بالتالي نموذج في الانفتاح على الاصالة المتمثلة بركام تاريخي عظيم وهي حضارة بلاد الرافدين وما تمثله من تقنيات العصر، على الفنان ان ينشط كل الحواس كي يصل الى انسجام ما.. كانسجام البن واليانع في الرؤية الطاوية، وهو بذلك يخوض تجربة كلية.. وهنا لابد من الاشارة بأن الواقع التي يكتب عنها في الحاضر هي نتاج احداث وممارسات خطط لها في حقبة سابقة، ونعمل في ضوء عصرها.. وهذا ما يجعل الوصول الى النتيجة التالية امراً ضروريا ومشرعا يمثل الحصيلة الحضارية العامة، وهو بحد ذاته قد يبدو اشارة لوجود مفارقة بين الواقع العيني والاستخدام الطوبولوجي للرمز، فهناك من يسعى الى رفع التعمية عن الكلام وتجريد المرموز لاظهار المعنى.. والذي يؤدي بالتالي الى عقلنة المطروح والتي قد لا تخلو من تسطيح.. وعلى النقيض من ذلك هنا ما اصطلح عليه (ايتالوجيا) المعرفة التي تؤدي بالتالي الى تناقض ظاهري، ويكون تجاوزه وارداً حالما تتمثل امام الفنان طبيعة العلاقة بين الواقع والفكر عموما، فهذه العلاقة ليست بسيطة ومباشرة، وبالتالي فهي لا تتم على نمط الصورة المرآتية، بل تتطلب من الفنان، كي يحيط بأبعادها يقظة جدلية.. اي انها ستجسد الحصيلة الاكثر تماسكا وعمقا في التعبير عن الوعي التأريخي، والتي يستطيع الباحث فض اقنعتها واعادتها الى مصدرها الانساني..
في العالم لا يوجد تقدم يسير بخط مستقيم، لذا وفي نطاق المطروح المتقدم يمنحنا الشرعية بأن نقول وعبر النتائج التي يصل اليها (الفنان ــ المفكر) في تخمين واستقصاء الملامح البعيدة غير المباشرة لطروحات الاصالة والمعاصرة والخروج بحصيلة مستقلة عن الاحتياجات وبوصف هذه الاستقلالية نسبية نوعا ما.. يمكن ان نقول ان استلهام الاصالة وصهرها في اناء الحاضر هي كلية تمثل انجازاً بأوعية غاية في التقدم ذات كفاءة عالية محورها الفنان الاصيل.. (اذ ليس الجمال عذباً الا لشدة مرارته.. كما ان النعيم لا نحس به الا في اعلى درجات الوهم)..
ان لجدلية الخطاب النقدي الحديث يفتح لنا ابوابا واسعة في جميع الاختصاصات الادبية والفنية، ولكننا سنركز موضوعنا هذا في مجال التشكيل العراقي وما يحمله من حداثة موضوعية واضحة.. ولكي تكون هناك نهايات محددة، فأن تحديد الاتجاه الحداثي للخطاب النقدي الفني ـ حصراً ـ اجتاز حدود الاسلوب وخصائص الثبات.. انه لمن الصعب شرح مغزى الحداثة بعد ان ارتبطت بعوامل لا يمكن عزلها وتفكيكها الا بصعوبة قد لا تفضي الى اغناء البحث.. ان التجارب المعاصرة منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى مطلع الالفية الثالثة تترك وهما عميقا بعدد من الافكار والاراء.. انه وهم يماثل كل خبرة مستعارة لم تكتسب شرعيتها.
ولكن ما هو شرعي في الاسلوب والاسلوبية بعد ان شهد القرن الماضي سلسلة من التحولات والصدمات، بمعنى ان الباحث لا يتحكم بالمصائر وهو ذاته في عمق المتغيرات الابداعية في عملية الطرح النقدي الحديث.
ولكن ما الذي تتوخاه التقسيمات الاسلوبية لمراحل الابداع الفني وعملية طرح خطابها النقدي، خصوصا وان هناك عناصر مشتركة اكثر من المنظور التقليدي لدراسة اثار الفن، والنظر اليه نظرة زمنية متعاقبة... بدءاً بالتقسيم الذي وضعه نزار سليم او شاكر حسن ال سعيد، فالاول منح الاوائل سمة الريادة الزمنية وذكر اسماء مهمة في هذا المجال ثم جاء الرواد وما بعدهم. كما ان درس جماليات الابداع الفني بصفته يمثل مرحلة النضج في تاريخ التشكيل المعاصر في العراق، وكنت في كتبي قد أثرت المحركات السياسية والاجتماعية في دراسة الاجيال.. انها كانت بصورة عامة، تهمل اثر الزمن الاخر، المؤجل غالباً، واثره في الحداثة، فالاخيرة بالمنظور الذي ظهرت عليه، هي من صنع الضرورات والارادات البشرية، فحداثة الخطاب النقدي قاومت الغياب والمخفي وتوقفت عند الدلالة التاريخية، وسيكون مفهوم (التحديث) تعاقبيا وسرديا، له مقدماته ونتائجه، بعيدا عن الاحتمالات والفلسفات المغايرة..
لقد كان مرئيا وله اسبابه، كأثر الواقع الحضاري في الفن بكل تفاصيله السببية، كأثر الوضع النفسي والاحداث العالمية والمحلية، ومن النادر التوقف عند وثبات ومحركات مغايرة في صياغة الرؤية (وهذا بحد ذاته له تأثيره النقدي المباشر)..
ومن جانب آخر، لم تكن التجارب التي حصلت في الساحة الابداعية اكثر من مرآة لمسار متصدع ومقسم يسعى الى بلورة خصائصه عبر التجريب والفردية، وهو المسار الذي لا يغادر منطقه الزمني وعوامله التأريخية..
حتى ان في تجارب فاتحة الالفية الثالثة لا تمتلك مسوغات ان تكون صريحة، كما في الحداثات الاوروبية او عبر ما بعد الحداثة. لان الزمن الذي اشتغل عبرها لا يمكن ضبطه.. لكن هذا لا يلغي مفهوم الزمن الآخر، الذي يصر قوة فاعلى في التجارب بل كان الزمن التاريخي، او زمن المرئيات اكثر فعالا.. هو الزمن المستعار، القائم على انظمة لها حدودها وتقاليدها.. ومثل هذا المأزق ستكون له اثاره في وظائف الابداع (الفن)، وفي انشطاراته المتوالية، بيد ان الزمن الواقعي/ التاريخي، ضمن خطاب الحداثة السياسي لم يتوغل في مكونات النص ومفاهيم الفن بأنواعه كافة..
وبعيدا عن تفحص المراحل والحقب والعصور، فأن تعريف التقنية لا يمكن عزله عن المسيرة الخاصة بتاريخ الانسان وتاريخه الابداعي/ الفني..
لقد ولدت تجارب فنية خارج زمنها.. ولم تتحقق تلك التجارب الا لانها ولدت داخل زمنها، اوضح:ان الزمن لا يصبح الا مثل الجاذبية، او انحناءات الزمن (هناك ازمنة.. اي هناك تقاطعات في الانحناءات: زمن المجرة.. زمن الكوزرات.. زمن الثقوب السود، الخ) كلها كانت تتحرك داخل الوعي المقدس والاسطوري الذي رسم علاماته بعلامات خضعت للتحليل (والتحليل هناك يدخل من منظور نقدي)..
بيد ان اي عصر بفعل هذا المصير المتواصل للتقنيات له اثره ومميزاته، وهو الذي دفع بالتحليل الى اراء متباينة.. ووظائف تبدو مختلفة.. حتى صار اللا معنى او الشيء في ذاته او العلامة التي بلا دلالة.. الخ، معنى لهذا التداخل في الابعاد والاشكال والمخفيات، فهل كانت تجارب المبدع/ الفنان، تدرك انها بصدد مصائر اسلوبية تناسب هذه الوثبات؟.. ام كان الفن وهو يراقب عصر التحرر الوطني، يلقى ويولد بدافع الضرورات، بينما كان المبدع/ الفنان في اعماقه يتوقف عند قناعات راسخة.. او لا تقبل الدحض؟..
ولكن ما الذي تريد ان تكتشفه الحداثة في ظل التنظيرات النقدية وغيرها، وهي تكف ان تكون مستقلة في خصائصها، ومعالمها الداخلية، اليست هي نزعة مواكبة لمصائر اخرى على صعيد عصر مختلف.. لان نزعة الاستهلاك بما تتضمن من فراغات وفجوات غير مشغولة، مازالت مغرية وقائمة على التجريب، كما انها صارت لا تنظر الى الماضي الا بوصفها اثراً، او محركا مطموراً.. حذف.. او يتم حذفه في سياق بدايات بلا نهاية..
النص الأدبي والمساءلة النقدية - النظرية والمنهج(4)
لقد استطاع الانفجار النقدي الحداثي خلال العقود الثلاثة الأخيرة. أن يقلب الكثير من المفاهيم والمناهج التي سادت خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وأن يعيد صياغة الرؤية النقدية على ضوء جديد بفضل الكشوفات التي حققتها الدراسات الألسنية والسيميولوجية والأسلوبية في مجال النقد الأدبي والتي تمثلت في اتجاهات كالبنيوية والتفكيكية والهيرمنيوتيكية واتجاه نقد القراءة والتلقي والنقد السوسيولوجي الجديد وما إلى ذلك.
إنّ الاهتمام الكبير بمفهوم النص وعلاقاته المتعددة بدءاً بأدبيته وشعريته إلى العناصر الخارجية ما زال يثير كثيراً من الجدل والتركيز خصوصاً بما يتصل به من عناصر كالمرسل والمتلقيّ والتلقيّ والسيّاق والمرجع والتأويل والتناص والتفسير وباللسانيات، كما أثرى الممارسة النقدية بالمفاهيم والأفكار وخصوصاً في مجال الكتابة الشعرية. ذلك أنَّ الإعلاء من سلطة النص في ظلّ هذا المفهوم الواسع غير المحدَّد الذي ينفي كل إجناسية ينتج جنساً خاصاً بالنص الشعري المعاصر فيه كثير من المزالق التي لا يتفطن إليها كثير من الشعراء من خلال هدر طاقات شعرية حقيقية وتعريض بعض التجارب الشعرية إلى الاضطراب بسبب التفريط في قيم الشعر الجوهرية تحت ستار النص. بينما يدفع مصطلح النص الفضفاض بالقصيدة، الحديثة إلى متاهات خطيرة يمكن أن تفقد فيها أجناسيتها وبالتالي شعريتها وهو ما يمثل خطوة ارتداد على مستوى الشعرية- إلى الوراء وليس خطوة إلى الأمام.
هذا التنبيه من باحث وناقد يدلّ دلالة واضحة على أهم إشكالات الكتابة الجديدة التي واجهت النقد وجعلته يتخذ في أفضل حالات المواجهة موقع الوسط في الترحيب بهذا الجديد وفي الوقت نفسه إحاطة ذلك بنوع من الحيطة والحذر خوفاً على ضياع المألوف.
في الثقافة العربية المعاصرة وفي خطابها النقدي تتضارب المبررات والمسوغات في قراءة النص الإبداعي بين إقصاء المؤلف وقتله وبين الاهتمام به وبسيرته وحياته في الدراسة والتحليل كما قدمته القراءة السياقية وجعلته مدخلاً لفهم وتفسير العمل الإبداعي. وتقودنا الدراسة إلى البحث عن خطوط التقاطع مع الثقافة الغربية وأطروحاتها النقدية في مشروعية الاشتغال النقدي بما تقدمه هذه الثقافة من مقولات وخطابات لها مرجعيتها الفلسفية المشكلّة للعقل الغربي في واقع أنتج مسار التطور الطبيعي من قراءة لأخرى، قد لا نجد مبررات هذا الواقع في فضاء الثقافة العربية، ومن ثمّ تساءل عن دوافع ومسوغات القراءة النقدية. المعاصرة للإبداع العربي سواء السياقية منها أو النسقية بكل اتجاهاتها.
وماهي الإجابات التي قدمها الناقد العربي لتبرير انفتاحه إلى درجة الخضوع. لسلطة المفهوم الغربي للمنهج والإجراء التطبيقي؟.. وهل ذلك كان استيعاباً أم استهلاكاً؟ وماهي البدائل التي يطرحها للخروج من مأزق المساءلة التي أبانت عن كثير من الفجوات في الرؤية النقدية والتعسف في تطبيق المنهج النقدي تحت تأثير عدم التمثل الكامل لفلسفة المنهج وخلفيته المعرفية وعدم القدرة على تبييء المفاهيم والمناهج النقدية الغربية في حقل ثقافتنا العربية؟...
بعض الكتابات النقدية المعاصرة استنسخت الجانب التطبيقي وراحت تمارس عملها النقدي دون الوقوف على النظرية وظلالها وفلسفتها ومناقشة خلفياتها ومبررات نشوئها في مرحلة معينة من تاريخ النقد الغربي، وكأنّ ما توصلت إليه هذه النظرية من نتائج أصبح من المسلمات التي لا تناقش وإنما يكفي الاشتغال النقدي على النصوص الأدبية مهما كانت هويتها، فمثل هذه القراءات العربية لم تشترك في الجدل النقدي حول مسألة موت المؤلف وإنما اكتفت بتقديم تحليلاتها للنصوص خالية من الإشارة إلى مبدعيها وسيرهم إيماناً منهم بسلطة النص وعدم جدوى الالتفات إلى حياة المبدع تحقيقاً لقراءة نسقية.
وإذا رحنا نتتبع التأثيرات الثقافية والنقدية التي وقع تحت سلطتها كثير من النقاد العرب، فتباينت اتجاهاتهم في الممارسة النقدية ابتداء من العصر الحديث الذي سادت فيه القراءة السياقية بتعدد أبعادها ومستوياتها كما أشرت سابقاً نجد آثار هذه المناهج متسللة بشكل واضح في البنية الثقافية للنقاد الذين قرؤوا الأدب العربي قراءة إسقاطية، فكانت الدراسات التي أرخت للأدب العربي انطلاقاً من نظريات سانت بيف التي جعلت من حياة المؤلفين وانتماءاتهم وأعراقهم مرتكزاً في تحليل النصوص الإبداعية، وعلى هذا النحو سار جرجي زيدان في كتاباته الأدبية التاريخية، أما العقاد والنويهي فقد اتخذا من نفسية الأديب ومواقفه السلوكية متكأ في فهم العمل الأدبي تأثراً بالمنهج النفسي مما دفع بالناقد مصطفى ناصف إلى الدعوة إلى تحرير النص الأدبي من الظلال النفسية لصاحبه: الاهتمام بالشاعر أو الإنسان له مخاطر جمة، وبعض الدارسين –مثلاً- يعنيه من أمر بشار إيمانه أو إلحاده، ويعود فيقرأ الشعر من أجل الإجابة عن هذا السؤال. حقاً قد يكون في هذا الشعر ما يثير السؤال عن إيمانه، ولكن اهتمامنا، بالشعر-أولاً- سوف يجعله أكبر من مجرد الإجابة عن أي سؤال من هذا القبيل وليس ضرر العناية بحياة المؤلف، وعقائده مقصوراً على إهمال الشعر من حيث هو شعر، ولكنه يتجاوز هذا كما وضحنا إلى خلط الشخصية وظروفها بالأحكام التقييمية.(1).
وفي هذا القول إشارة إلى إقصاء المؤلف، وإن لم تكن دعوة صريحة فإنّ آثار التأثر بمقولات النقد الغربي جلية وخاصة في تفريقه بين المقاربة النصية والقراءات السياقية، غير أنَّ الدعوة الجديدة إلى الأسلوبية التي اعتمدت في التحليل على حياة المؤلف، انطلاقاً من تلوّن الأسلوب بملامح شخصية الكاتب، وبالتالي يمكن تصنيف مثل هذه القراءة ضمن الإطار العام للقراءات السابقة، والتي تعاملت الوثيقة. مع النص/ أما الناقد عبد السلام المسدي المتأثر بالبنيوية الأسلوبية فقد رأى في النص الأدبي وإن كان وليداً لصاحبه، فإنّ الأسلوب هو وليد النص ذاته، لذلك يستطيع الأٍسلوب أن ينفصل عن المؤلف المخاطب، لأن رابطة الرحم بينهما حضورية في لحظتي الإبداع والإيقاع، وهذا المنظار في تحديد ماهية الأسلوب يستمد ينابيعه من مقومات الظاهرة اللغوية في خصائصها البارزة ونواميسها الخفية(2).
لم تنتظم الممارسة النقدية العربية المعاصرة بشكل كامل في وعينا النقدي والثقافي وإنما انتزعت من أسيقتها المعرفية، وجرّدت من خلفياتها الفلسفية، ودخلت إلى حقل النقد كأدوات وطرق إجرائية، فمقولة موت المؤلف في التفكير العربي وليدة التأثير الغربي في الثقافة النقدية العربية، هذه الثقافة التي احتفت بالإنسان وأولته العناية الفائقة في الدراسات بمختلف موضوعاتها بوصفه محور الكون بعد الإرادة الإلهية، أما في الثقافة المعاصرة فإن هذه المسألة تبقى في مجال التساؤل وخصوصاً في الدراسات التي اهتمت بالجانب التنظيري.
ومن الدراسات التي احتضنت فكرة موت المؤلف رأت في الأعمال الإبداعية التي بقي مؤلفوها مجهولين خالدة وعظيمة، وغيابهم رسّخ حضور أعمالهم، هذا الغياب ينسي جانباً هاماً أ ثناء القراءة التي تبقى مفتوحة على التأويلات دون الخضوع لسلطة التوجيه المسبق من خلال البحث عن هوية المبدع. ومن هنا بدأت الثقافة النصية تجد طريقها إلى نقدنا المعاصر مع التأثر بأعمال رولان بارت ونقاد مابعد البنيوية الذين أشاعوا مفهوم الكتابة الذي يقصي أي علامة خارجية ويكتفي بذات النص وبالقارئ بدلاً من الكاتب.
وإلى جانب المثاقفة النقدية، كانت المبالغة في تأكيد الصلة بين المبدعين وأعمالهم بشكل لا يخلو من تعسف، وبدون دوافع حقيقية تمت إلى الإبداع بصلة قرئت الأعمال الأدبية تحت سلطة تأثير حياة مبدعيها في هذه القراءة النقدية، إلى جانب المبرر السلطوي المؤسساتي الذي أقلق الشاعر بإكراهات الإغراء أو الإقصاء مما جعل الشاعر يختار التخفي والغياب ضماناً لحريته الإبداعية، ومن هنا كان موت الشاعر في الثقافة العربية أمراً واقعياً.
وقد كانت الإبدالات التي تحققت في بنيات القصيدة العربية الحديثة والمعاصرة كالتخلي عن شعر المناسبات أزاح حضور الشاعر والإعلان عن هويته وإنما كتبت القصيدة للقارئ العنصر الحاضر في بنائها ولا قيمة لمبدعها الذي أشرك في عمله صوت قرائه، وهنا يتحقق موت المؤلف الذي يعرّفه إلياس خوري بقوله: شيء يموت وينقرض، علاقة غامضة بين الذي كان واحتمالاته، وهو لذلك لا يتكلم عن نفسه إلا في اللحظة التي يلغي فيها ذاته، ولا يكتب إلا حين ينكتب في النص المفتوح الشارع(3) الملقي في مع جماعة الديوان يختلف تلقي المتن الشعري الإحيائي عن التلقي في النقد الكلاسيكي، الذي وجد في حياة المؤلف مطية لتأكيد شعرية النص وبالأحرى تفوّق الشاعر وعبقريته إذ كان الشاعر مقدّماً على شعره ومن ثمّ اتجه هذا النقد إلى إلحاق الألقاب بالشعراء كأمير الشعراء وشاعر النيل و.. فكان رد فعل نقد جماعة الديوان استجابة لهذا التلقي السياقي، فانعطف بالدراسة نحو النص بحثاً عن جمالية الشعر دون أن يأبه بالشاعر في كثير، وليس ذلك تقليداً لأطروحات النقد البنيوي في الثقافة الغربية، فإن النقد العربي كان متقدماً عليه ولكن بمبررات أخرى ودوافع أملتها السياقات الثقافية العربية لا علاقة لها بالخلفية المعرفية للنقد البنيوي، وبهذا المفهوم فإن النص الخالد والحداثي بخاصة، ليس في حاجة إلى أب يمنحه شهادة الميلاد، ويعلن انتسابه إليه، وينفي عنه أن يكون لقيطاً، ويدفع عنه تهمة التهجين(4).
وفي المؤلفات التي اهتم أصحابها بجمع ما أبدعته قرائح الآخرين دون ترك لمسات من قرائحهم تتجلى فكرة موت المؤلف الذي يهمش ذاته أثناء الكتابة ليفسح فضاءها للآخرين، وهذا ما يؤكده الناقد أدونيس الذي يرى بأنّ فكرة موت المؤلف قضية دخيلة لا مبرر لها في ثقافتنا النقدية العربية بل على العكس من ذلك فحضور الإنسان بارز في تراث هذه الثقافة وفي أدبياتها الروحية بالخصوص التي تمجّد منزلة الإنسان العالية في الوجود. يقول أدونيس: الإنسان جوهرياً أعظم من ماضيه وحاضره، لأنه خالق لمصيره يضع نفسه –باستمرار- ويصنع العالم كذلك باستمرار..(5).
وباعتدال في الرؤية النقدية لم ينسق الدكتور عبد الملك مرتاض وراء الطرح الغربي لمقولة موت المؤلف، بالرغم من تبرّمه من القراءة السياقية التي أبعدت النص الأدبي عن عناصره الجمالية وأغلقت أمام النقد مجالات رحبه للمساءلة التي تثري القراءة النقدية وتغني النص في حدّ ذاته، فبقدر ما يدعو إلى استقلالية النص الإبداعي نراه يعطي للمؤلف مكانته في العملية الإبداعية إدراكاً منه لخطورة الانسياق وراء أطروحات النقد البنيوية في هذه المسألة التي لا تجد مسوغاتها الفلسفية في ثقافتنا العربية، ومن جهة أخرى فهو يدرك خصوصية السند الثقافي العربي كمرجعية في إعطاء المؤلف حقه في العملية الإبداعية والنقدية على السواء. يقول: فالمبدع سيد إبداعه وصاحبه لا ينازعه فيه مجتمع ولا زمان، ولا بشر على الرغم من إيماننا بفكرة التناص(6).
ونفس الاتجاه يدعمه الناقد فاضل ثامر الذي يؤكد على انتماء النص الأدبي إلى صانعه وأن مقولة موت المؤلف ليست سوى مغالطة نقدية غير متماسكة أبداً، فالنص الأدبي ظاهرة معقدة مرهونة بمجموعة من العوامل السوسيولوجية والتاريخية والسيكولوجية والثقافية معرض حديثه عن الممارسة(7). وفي السياقية التي لا يمكن اختزالها إلى عامل واحد النقدية أثناء مواجهتها للنصوص الأدبية، ويرى أنَّ العملية النقدية يجب أن تتحرك بيقظة ومرونة بين مختلف مقومات الظاهرة الأدبية وعناصرها وبشكل خاص بين المؤلف والنص والقارئ –دون أن تهمل السياق والشفرة وقناة الاتصال- من أجل استخلاص الرؤيا الإبداعية للنص أو للمبدع وأنّ أية معالجة مغايرة سوف تسقط لا محالة أسيرة الفهم الأحادي القاصر والنظر بعين واحدة.(.
التناص هذا المصطلح الذي عمق من مسألة قتل المؤلف وإقصائه انطلاقاً من تعريف النص بأنه مجموعة من النصوص المتداخلة فيما بينها، لا وجود لبداية أولى في الكتابة الإبداعية، ولا وجود لكتابة تبدأ من نقطة الصفر، فالنصوص سابقة للنص ومتداخلة فيه مما يزيح سلطة المؤلف ويلغي ادعاءه بانتماء النص إليه أو تبنيه. فالتناصية Intertextualite تذهب إلى أن فهم النص يحتاج إلى الرجوع إلى عشرات النصوص التي سبقته، وأسهمت في خلقه ودور القارئ ينحصر في عملية الاستحضار لمجموع النصوص المتداخلة مع النص المقروء، وتبرز فاعلية القراءة في إحالتها على قراءات أخرى سابقة عليها وفق جدلية الغياب والحضور بين الدال والمدلول.
تباينت الرؤى في الكتابات العربية المعاصرة حول قضية موت المؤلف وخصوصاً التي آمنت بالمنهج البنيوي إلى درجة تبني الموقف المعارض، نجد في دراسة الشعر الحداثي ما يؤكد هذا التوجه، وعلى هذا النحو نلفي ديزيره سقال وهو يقارب نصاً شعرياً حداثياً يصرح: إننا لا نؤمن بفصل النص عن الذات، أو التاريخ على النحو الذي قال به البنيويون. وينطلق ماجد السامرائي من الخلفية الحياتية(9) للشاعر السياب وهو يدرس شعره قائلاً: نستطيع فهم روحه القلقة، كما نستطيع فهم تطورات شعره، وتحولاته على نحو يهدينا إلى أغوار تجاربه، ويساعدنا على تفسير إبداعاته تفسيراً دقيقاً وصحيحاً، وبالتالي يمكننا من التعرف على الركيزة الأساسية لحياته الشعرية(10).
في النقد الأدبي العربي الحداثي برزت النصانية التي اتخذت من تحليل النصوص منهجاً بديلاً عن البنيوية، كما نجد ذلك عند الغذامي الذي يتبنى هذه النصوصية انطلاقاً من النقد الألسني، ويتوسل التشريحية كأداة إجرائية في مقاربة بنية النص الداخلية، وقد برّر الغذامي موقفه ودافع عنه إلى درجة تبرير مسألة المثاقفة مع النقد البنيوي الغربي بأنها تمتلك مشروعيتها لأن الإبداع عمل إنساني وتبقى مهمة الناقد منحصرة في تبييء المصطلحات الوافدة إلى ثقافتنا حتى تأخذ دلالات جديدة. فإقصاء المؤلف من العملية النقدية هو تأكيد على النصوصية وليس البنيوية كما يرى ذلك الغذامي، فالنصوص هي التي تفسر بعضها ومن ثمّ وجب إبعاد العوامل، الخارجية عن النص، فالسياق الخارجي لا يمكن أن يحدد علاقات النص الداخلية لأن النص قد تجاوز هذا الخارجي، ومن ثمّ فقد تحرر منه، واستقل عنه بوجود جديد ينبني عليه عالم جديد(11).
ومما تقدم تطرح جمالية التلقي سؤالها حول التفاعل في القراءة –متى يصير فعلاً-؟.. حينما تندمج ذات القارئ بالمقروء وينتقل النص إلى شعوره يكون بذلك قد عبّر القارئ عن تفاعله، وتحققت لديه متعة التجاوب مع النص في عملية اللعب بشبكة نسيجه اللغوي والبنائي، وبهذا يساهم فعل القراءة في تحريك أشكال المعنى تبعاً للمتحكمات التي تجعل فعل القراءة لا ينجز مرة واحدة ومنها العاملان الأساسيان القراءة بوصفها إجراء تواصلي وتتعدد في فترات تاريخية، فهي قائمة –على التعدد والاختلاف، فهي تقتضي أفعالاً متعددة.
أظهرت التحليلات في مجال نظرية القراءة أن الظروف النفسية والاجتماعية –والبواعث التي تحيط به هي التي توجه القارئ أثناء القراءة، فهي التي تنشئ الاختلاف من قارئ إلى آخر، وتعطي للقراءة مستويات.
وانطلاقاً من ثنائية الذاتي والموضوعي في علاقة القارئ بالنص الجمالي اقترحت وهذا جمالية التلقي مفهوم Intersubjectivité التأكيد دور الذوق والذاتية التذاوتية في عملية التأويل تأثراً بفلسفة هو سر الذي يتبنى قصدية المعرفة، ومن هنا يستند المتلقي على تجربته الجمالية في فهمه للعمل الأدبي.
إن ما تدعوه جمالية التلقي بالتذاوتية هو مفهوم مرادف للتأويل في نظر –ياوس-، وعليه فإن القارئ قد ينفي استعداداته الفردية في فترات لاحقة من قراءة النص وأن تأويلات القارئ مرتبطة بأفقه وبحاضره الحاضر في النص.
وعليه فإن التفاعل المتولد من التحام النص بقارئه، فإن الواقع نتيجة لهما فهو يمثل الإضاءة التي تنير معاني النص كما يرى ذلك ياوس، وبالتالي يحدث التقاطع بين أفق النص وأفق تجربة القارئ ومن هذا التقاطع يتحقق الواقع.
ومن خلال جدلية المقول والمسكوت عنه في النص يكابد المتلقي معاناة السؤال والاكتشاف فهو ينتقل من مستوى التجربة المماثلة حينما يستعيد تجربة المبدع ويتمثلها وكأنه وجد نفسه في النص، ثم ينفتح على أوقاع أخرى تتوالد من مساحات البياض أو الفراغ الباني والتي تجعل المتلقي في توتر وقلق السؤال.
مفارقة السياق نحو حراك ثقافي جديد(5)
ثمة حراك آني يستوعب هذا التغير في مفهوم العمل الثقافي من التخصص إلى الموسوعية ، ومن العلمية إلى المعرفية ، ومن المتن إلى الهامش ، ولكننا مازلنا ننظر بكثير من الحذر لهؤلاء الوافدين إلى الثقافة من حقول غير مرسمة أو متخصصة ، فثمة تاريخ هائل من الترسيم الثقافي نجح في نقل المفهوم من السطح إلى العمق ، ومن العمومية إلى التخصص ، بحيث يبدو لنا أن مفارقة هذا السياق بمثابة قفزة إلى فراغ مخيف .
لقد تركت النظرية الأدبية ورائها تاريخاً من العلمية يطمئن إليه الناقد ، ويمنحه يقينا باذخاً ، ومع البنيوية التي ادعت قدرتها على تفسير العالم وصلت النظرية الأدبية إلى أوج مركزيتها وانشغالها بذاتها عن مواكبة الحراك الإبداعي الذي يتخلق يومياً في صياغات مجتزأة تحدوها رغبة واحدة .. وهي مفارقة السياق ، في حين ـ وياللمفارقة الساخرة ـ سعت البنيوية إلى إحكام الحلقة العلمية على النص الأدبي وإخضاعة للقوالب النقدية التي تخضع بطبيعة الحال إلى فكر سياقي .
لقد أنشأ السياق العلمية ، وأنشأت العلمية طريقتها في تفسير الأدب ، لقد كان هذا واضحا في ذهن (مورس بكهام) بصدد كلامه عن (مشكلة التفسير) يقول بكهام : (يبدو واضحا لي أن التفسير التاريخي للأدب مبني على غرار العلم ، على معيار التفسير ، وأن الأثنين متلاقيان ثقافياً ، ينبثقان من جانب التفكير السياقي).
أما( بول ريكور) فيرى أن ثمة خطورة تستوجب الثورة على التفسير السياقي ، وعلى العكس من ذلك يدعوا إلى تفاسير متعارضة لا تستند إلى مركز ، أو نظرية ، مشيرأ في مقال له بعنوان (تعارض التفاسير) إلى أن الشكلانية النقدية الجديدة والشكلانية البنيوية دفعتا الدراسات الأدبية الحديثة إلى مأزق مماثل لمأزق الفلسفة ، وهو مايشير إليه (هيدجر) بأنه اللاهوت الغربي من أفلاطون والقديس توما الآكويني حتى هيجل ونيتشة والعلم الحديث إنه المأزق الميتافيزيقي ،حيث ثمة جوهر سابق على الوجود يشكل مركزاً أو معنى يمكن الرجوع إليه ، ولكنه يعتقد أن البنيوية وإن شكلت إنجازاً هامًا للفكر الغربي ، إلا أنها في نفس الوقت تبدو( نهاية للتقليد الأدبي الغربي ،) ، ومن بعدها يكون التفكيك هو الصيغة التي تمثل تاريخاً جديداً يبدأ من نقطة انطلاق أولى نحو قهر الميتافيزيقا ، أو بتعبير آخر ، (تاريخ يضع الأدب في خدمة الوجود بدلاً من أن يضع الوجود في خدمة الأدب) إن هذا المعنى الظاهراتي في عبارة (ريكور) ، يرفض وبشكل واضح هيمنة المعنى العميق على الخطاب الأدبي ، ذلك الذي لايحظى به سوى ناقد من جنس الآلهة ، ولا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا ، أن تفكيك المركزية البنيوية ، مطلب ظاهراتي ، كما هو مطلب لكل النظريات التي تتابعت بعد البنيوية .
لقد لفت البنيويون ـ أنفسهم ـ الانتباه إلى ما وصلت إليه النظرية من عماء يستوجب إزاحته ، كحالة قصوى من حالات التفكير العلمي المركزي ، ومن ثم يلتفت (رولان بارت) إلى أن النص الأدبي يتأبى على التفكير المركزي (لأن النص ليس سطراً من الكلمات يطلق معنى (لاهوتياً) واحداً (رسالة ـ المؤلف) بل حيزاً متعدد الأبعاد فيه مجموعة منوعة من الكتابة ، ليس منها ما هو أصلي يتآلف ويتحالف ، النص نسيج من المقبوسات المستمدة مما لا يحصى من مراكز الثقافة).
لقد حسم الأمر عند (بارت) بإعلان موت المؤلف (المركز) ، ومنح القارئ فرصة أكبر في إنتاج الدلالة ومن ثم النص ، وبظهور دور القارئ في إنتاج النص بدأ دور الناقد المتخصص كما بدأت النظرية الأدبية نفسها في التداعي ، ولكن ذلك مشروط بدور حقيقي وراسخ في المعرفة الجمالية للقارئ ، ليكون قادراً على الاستجابة إلى علاقة حوارية مع النص تشبه العلمية ، على نحو ما يوضح هانز روبرت جوس في (التاريخ الأدبي بوصفه تحدياً للنظرية الأدبية) ، وهو دور يمكن أن يقوم به المثقف العام بوصفه ذاتاً وقارئا ، غير أن هذا الاحتراز بمشابهة العلمية لن يكون له مكان في اتجاهات النقد النسائي ، بل ثمة إعلان واضح من جانب النسوية عن رفضها للنظرية والعلمية ، باعتبارهما تجسيداً فكرياً للغرور الأكاديمي ، ونزوعاً إلى مركزية ترسخ لخطاب ذكوري سلطوي ، ومع ذلك فالخطاب النسوي يواجه نقداً حاداً ليس فقط في الأوساط التي مازلت تتمسك بالنظرية ، ولكن ـ أيضاً ـ في الأوساط المناهضة لها ، لما يتضمنه الخطاب النسوي من نزوع إلى خلق مركزية نسوية بديلة ، تحكم على المؤلفين والنصوص بمقدار مسايرتها للأيديولوجيا النسوية . ومن ناحية أخرى فالنسوية في موقفها المعادي لأشكال السلطة تعبر عن موقف سياسي أكثر منه نقدي .
فعندما بدأت أولى المحاولات في اتجاه نظرية نسوية ، قوبلت بتحفظ خشية تكريسها لوضع قائم ، غير أن النساء يوضحن تصورهن عن مفهوم (النظرية) ، ويشرن إلى الاختلاف عن المفهوم التقليدي التي قامت عليه البنيوية ـ مثلاً ـ فالمفهوم لا يوغل في العلمية والتخصص على نحو ما هو قائم ، وما تطرحه نظرية (صور النساء) يتميز باقتراح رئيسي هو (الموثوقية) وهو مفهوم مستعار من الوجودية خاصة (هيدجر) ، الذي قصد بها ، أي شخص يمتلك وعياً نقدياً محدداً ذاتياً في مقابل الهوية الذاتية المنتجة جماعياً أو المكررة ، إن مفهوم الموثوقية في (صور النساء) ليس فكرة عائمة أو انطباعية ، بل هي تأكيد على ذات تملك وعياً تأملياً نقدياً شبيها بالعلمية ، فالموثوقية لا تلقي بالا للخطاب النظري العلمي في حد ذاته بل في صياغته الأخلاقية من حيث تضمن العلم على ضمير إنساني ، ومن ثم تكون الأولوية ليس بالقيمة العلمية للنقد بقدر ما هو لتفهمه للموقف النسائي ، وهو مفهوم يواجه نقدا من قبل (كتابات النساء) إذ أن تمسح النقد النسائي بالموثوقية في نظرية (صور النساء) يبدو كاستجداء للمركزية الذكورية ، كما أنه يركز فقط على تحسين صورة النساء في الخطاب النقدي الذي مازال ذكوريا ، في حين تسعى الكاتبات النسويات ، إلى التصدي على أساس سياسي للأيديولوجيا التي تحكم بنى السلطة ، التي هي جوهرية بالنسبة إلى الجماعات التفسيرية التي يسيطر عليها الذكور . ومن ثم يبدأنَ في شن حرباً ضارية على كل أشكال السلطة والهيمنة السياسية والثقافية على السواء ، ويرفضن بشكل مباشر الأدب بوصفه مؤسسة والنقد بوصفه طقوساً على نحو ما تقول (ليسلى فيدلر) بكثير من السخرية المرة ، (نحن جميعاً نعرف أن الأدب هو ما نعلمه في أقسام اللغة الإنجليزية ، وداخل تلك الدائرة التحديدية المغلقة نؤدي الطقوس التي نخرج بها المدعين التافهين من صفوفنا ، وندخل خبراء حقيقين ، حماة للمعايير التي ينبغي أن يحكم بها على كل أغنية وقصة ) .
وتشير إليزابيث إ ميس ، إلى ملاحظات ميشيل فوكو القيمة ، عن جوهر المشكلة الفكرية ، فالمشكلة ليست تغيير وعي الناس أو ما في رؤسهم ، بل تغيير النظام السياسي الاقتصادي المؤسساتي لإنتاج الحقيقة .
وملاحظة فوكو تربط بشكل واضح بين أشكال السلطة وهو ما أشرنا إليه مسبقاً بمبدأ (تعاضد السلطات) ، وترفض أن تظل الثقافة رهنا للنظام المسؤسساتي ، وتؤكد (اليزابيث) على أن ملاحظة (فوكو) مباشرة عن أولئك الذين يعملون خارج المؤسسة النقدية الأدبية ، ثم تضيف (وجلي أن أولئك المستبعدين من شروط القيقة هم أنفسهم الذين يدركون وجوه القصور في الأنموذج ، ويجربون معنى الإلحاح المطلوب لتوجيهه)
لقد أصبح جلياً أن المعرفة تسعى إلى تحرير نفسها من أشكال السلطة كافة ، وترفض الروح القبلية التي تجعل من الآباء المقدسين مرجعاً وحيداً لها ، أولئك القادرين وحدهم على أن يوفروا لها الحماية النبيلة باعتبارهم ملاك الحقيقة المطلقة .
النقد السياقي: Contextual Criticism
شبكة النبأ: ليس النقد السياقي، في أساسه، سوى تسمية أخرى لما يعرف بـ النقد الجديد في الولايات المتحدة خاصة، أي النقد الشكلاني الداعي إلى قراءة النص وتحليله بمعزل عن أية عناصر خارجية ومن ضمنها النصوص الأخرى. لكن تبلور النقد السياقي في كتابات الناقد الأمريكي مري كريغر يشير إلى نوع من الانعطاف نحو مناهج نقدية ظهرت بعد النقد الجديد، أي إلى محاولة توفيق بين التوجه الشكلاني المتمثل بالنقد الجديد وما ظهر بعده، خاصة النقد الظاهراتي، أو الفينومينولوجي، والنقد الوجودي، ففي بعض كتابات كريغر (كما في مقالتيه: الأساس الوجودي) للنقد السياقي) و"التأمل، اللغة والرؤية في قراءة الأدب" يتضح أن المسعى الأساسي لدى النقاد الجدد مثل جون كراو رانسوم وكليانث بروكس، كان رومانطيقيا في أساسه من حيث هو ينتصر للخيال الإنساني ضد المد التقني العلمي، بعقلانيته الصارمة، وهذا المنحى الإنساني هو ما يربط النقاد الجدد، كما يقول كريغر، بالظاهراتيين وغيرهم من الداعين إلى نقد إنساني يهتم بتناول النصوص مستشعراً كونه تجربة ذاتية أو معايشة بين الذات من جهة وما تصوره النصوص الأدبية عبر اللغة، التي تتحول بدورها إلى وجود شفاف.
متعلقات
طرق نقد الفنون التشكيلية(1)
طرق النقد
هناك عدة طرق للنقد الفني المعاصر كما أورد (قزاز،1423هـ) ومنها:
1- النقد بواسطة القواعد والمعايير الخاصة بالقيمة وله ثلاثة أنواع (الطريقة الاستقرائية – الطريقة الإستنتاجية أو الاستدلالية – والطريقة التداخلية ) .
2- النقد الانطباعي أي هو الحالة النفسية للمتلقي أو الجمهور وله طريقتين ( الإعتناقية – الظواهرية ) .
3- النقد الشكلي وله طريقتين ( الطريقة النقدية الاكتشافية – الطريقة الوصفية ) .
4- النقد السياقي ويعتني بالسياق الذي ظهر فيه العمل الفني والظروف المحيطة به . وهو على طريقتين ( القصدي – المبني على سيرة الفنان ) (1)
خطوات النقد
يوضح لنا قزاز أن النقد يمر في مراحل وخطوات وهي :
1- الوصف وهو إجراء لعمل قائمة جرد لعناصر العمل الفني ، أو ملاحظة ما هو مرئي فيه مباشرة .
2- التحليل من ناحيتين ( شكلي – معاني ) . زمان الجاسم
3- التفسير وهي عملية إيجاد المعنى الشامل للعمل الفـني الـذي تعرض له الناقد بوصفه وتحليله شكلياً وضمنياً .
4- الحكم وهو إعطاء مرتبة معنوية أو قيمة مادية للعمل الفني مقارنة بأعمال أخرى مشابهة له أو من نفس الاتجاه والنمط .
المناهج النقدية في اتجاهين(2)
لست من المتحمسين لمنهج ثابت في النقد، مع أن هناك كثيرين يلحون علي وعلى سواي بالسؤال: أي منهج نقدي تبنيتم في هذا المقال أو ذاك؟
وقد زعمت ( بالمعنى الإيجابي ) أنني أنهج منهجًا وسطيًا يأخذ من الأكاديمي الدقة في الاستشهاد والحذر في الأحكام ، ويأخذ من الذوقي ذاتية جمالية أستشفها من خلال التجربة ، ولست أزعم أنني أشق طريقـًا في المناهج النقدية ، لكني أسلك دربًا يبعدني عن جفاف الأول وانزلاق الثاني ( انظر كتابي : عرض ونقد في الشعر المحلي، مطبعة الشرق- 1976،ص3
وعلى كثرة ما قرأت كتبًا تتناول المناهج النقدية المتباينة إلا أن مقالة نشرها الدكتور مرشد الزبيدي ( مجلة الأقلام العراقيه ، العدد 1-4/1997، ص26 ) وافقتني أو وافقتها – أصح-، فقد أجمل المناهج النقدية في اتجاهين : اتجاه سياقي حيث تدرس النصوص الأدبية في ظروف نشأتها والسياقات الخارجية لها ، والتأثيرات التي يتوقع للنص أن يؤثر فيما يحيط به، ويمكن أن يشمل هذا كل الدراسات النقدية التي لا تجعل النص الأدبي وحده مدار اهتمامها – أي أنها تتوسل بوسائل خارجية ليست من داخل النص نفسه .
ولعل الكاتب استقى هذا المصطلح السياقي " Contextual " من الناقد جيروم ستوليتر حيث تحدث عن الظروف والسياقات الخارجية عن النص.
ومن هذه المناهج التي تقع في دائرة السياقية أذكر بعضًا بإيجاز :
المنهج التاريخي:
حيث الاهتمام بالسياقات الزمنية للنصوص ومنتجيها بعيدًا عن الأحكام والمعايير التي ارتضاها الكلاسيون. ومن رواد هذا المنهج ( تين- 1828- 1893 ) الفرنسي . ومؤثراته الثلاثة هي : الجنس، البيئة والعصر .
المنهج الاجتماعي:
حيث يتساوق وما طرحته فلسفة هيجل ( 1770- 1831 ) التي ربطت بين الأنواع الأدبية والمجتمعات، وكانت الواقعية إفرازًا بينًا فيه، كما أن الماركسية تُداخِل فيما بين المنهجين التاريخي والاجتماعي.
المنهج النفسي:
وفيه الاهتمام بشخصية الأدباء ودوافع الإبداع؛ يرى فرويد ( 1856-1939 ) أن الأدب تعبير مقنع يحقق رغبات مكبوتة قياسًا على الأحلام .. هذا يعنى النقد بتفسير الأدب لا الحكم عليه .
وهناك من يضيف إلى هذا المنحى : المنهج السِيري ، الأيديولوجي، الوجودي، الفلسفي، الديني، الأخلاقي، الأسطوري، وغيرها من التسميات طرحًا ورؤية.
أما المنحى/ الاتجاه الثاني فهو النصي ( Textual ) حيث ينصبّ النقد هنا على دراسة النص بذاته، ويسعى إلى الكشف عن العلاقات التي تتحكم بها من غير أن تعير أهمية كبيرة للسياقات الخارجية ، ومن أهم هذه المناهج النصية :
المنهج الشكلاني :
أسسته عام 1915 حلقة موسكو اللغوية ، وكان ياكبسون ( 1896 - ؟ ) أنشط أعضائها ، حيث قال : " إن هدف علم الأدب ليس هو الأدب في عموميته وإنما أدبيته، أي تلك العناصر المحددة التي تجعل منة عملا أدبيًا ( انظر كتاب صلاح فضل : نظريه البنائية، ص23 ).
النقد الجديد:
وقد برز في أمريكا، حيث كان الاهتمام بالشعر من غير أي سياق خارجي ، وأبرز نقاده إيليوت ( 1888- 1965 ) ورتشاردز ( 1893-1979) وألن تيت ( 1899- 1979 ) ورنسوم ( 1888 – 1974 ) وبروكس ( 1906- 1990 ) وهذا الأخير تناول بمثابرة مسألة دراسة القصيدة واستيعاب شكلها الفني .
المنهج البنائي :
يرى صلاح فضل ( 1938 ) أن التعريف الأول للبنائية يعتمد على مقابلتها بالجزئية الذرية التي تعزل العناصر ، وتعتبر تجمعها مجرد تراكب وتراكم، فالبنائية تتمثل في البحث عن العلاقات التي تعطي للعناصر المتحدة قيمة وضعها في مجموع منتظم ( ن.م، ص195).
ويتفرع من الاتجاه النصي المنهج التفكيكي وهو بعكس البنائي، يقوض أولا البناء النصي ، ثم ينظر في المركبات من جديد لإعادة التشكيل والبناء ، وهناك المنهج اللغوي، والبلاغي، والألسني،والأسلوبي، ولا تتوقعوا مني الاستفاضة في هذا المقام.
لكني أعيب على بعض الباحثين ممن يتشبثون بمنهج ما من غير معرفة دقيقه بمركبات مادته، فالناقد اللغوي مثلا عليه أن يكون خبيرًا في نحو اللغة وصرفها وفصيحها وعاميها قبل أن يقرر هذه لغة عليا وهذه لغة وسطى ، وقبل أن يصول ويجول على حصان اللغة.
مجمل القول : في النقد اتجاهان سائدان : سياقي ونصي . وفي رأيي أن ليس هناك ضرورة للبقاء في خانة واحدة، فعلى الناقد أن يكتب كما يحس لا كما يتطلبه منهج - أيًا كان، يكتب كما تمليه عليه رسالة الكتابة ( Message ) ، إذ لا بد للنقد من رسالة، ولا بد من طرح أسئلة: لماذا النقد ؟ ومتى ؟ لأي شيء أصبو ؟ وأين ؟ وماذا أبغي هنا ؟ وكيف ؟ وإلا فإن الناقد – من غير رسالة - يهذي أو يعبث أو يتسلى، أو على الأقل يملأ صفحات " تدوخنا " بمربعات وأشكال وجمل أسهل علينا أن نفهم جملة باللغة الصينية من أن نفهم هذه
الصفحات .
إشكالية الخطاب النقدي... في ضوء جدلية الأصالة والمعاصرة(3)
يرتبط المنجز النقدي العراقي خلال العقود الثلاثة الأخيرة بالمنجز الابداعي بشكل مباشر (شعر.. قصة.. رواية.. تشكيل.. مسرح)، وقد أخذت الكتابات النقدية تتفاوت (صعوداً وهبوطاً) بما جاءت به من مؤثرات سياسية واجتماعية وفكرية..
عكست على المنجز ذاته.. فتضاربت الافكار والتوجهات الايديولوجية وخلقت تضادا مشحوناً على جميع الاداب والفنون، وأخذت تشق طريقها وفق أنفرادية (المنظر/ الناقد).. حتى اننا وقعنا في متاهات التقييم الحقيقي لعنوان الابداع ونقده..
وما ان ولدت اسماء كبيرة رسخت قدراتها في الساحة المحلية والعربية في العراق، انبثقت ادوات التعطيل او التأخير للعقل العراقي من خلال المواجهات الانهيارية التي تمثلت في (الحروب)، فالشعر الناضج والنص النثري المكتمل يسحب النقد الادبي والنقد الفني الى منطقة سليمة في عملية الطرح، وبذلك فتحنا باب الحوار النقدي امام نخبة من الادباء والفنانين:
د. محمد أبو خضير: (ناقد واكاديمي):
تشاغلت الثقافة العربية بشكل عام والعراقية بشكل خاص وطوال عقود حول وجود (جدوى وكيفية) الاخذ بالمناهج النقدية السياقية والنسقية الوافدة من منظومة (الآخر) في وقت كرست جميع المناهج بالقوة والفعل في فضاءات ثقافاتنا العربية تنظيراً وتطبيقاً/ نظرية ومنهجاً.
فمثلما شغفت عقود الستينيات والسبعينيات في الالتفات الى (رفاة) موروثنا الابداعي (مسرح/ رسم/ قصة/ رواية) ورفعه الى درجة المضاهاة.. والاسبقية والاجتراح مع خطابات (الآخر) المغادر ابدأً للذات العربية/ الاسلامية.. تتجدد ذات الدعوات والمؤتمرات وتوصيتها في تقليب (خزانة) الثقافة العربية وخطابها النقدي المناظر لـ (الآخر/ المهيمن).. ومحاولة التباري معه.
ونجد ذات النهايات التي انتهت بها محاولات البحث عن (الهوية) في النصوص الابداعية، حاضرة ومتنامية في خطابات (التتريث) وحجز الريادة النقدية، فثمة عراك لمشاطرة الاخر في خطاباته الحداثوية وما بعد الحداثوية، فاذا ما دشن (الاخر) منهجيته النقدية ودفع الى الفضاء النقدي مقولات نظرية وتطبيقية تخص (سيميائيته/ وتأويليته/ وبنيويته) تعجل قطار التعريج النازل الى (امصار) التراث عائداً بمحمولات التأصيل ودرجها في المشهد النقدي دونما مسندات نظرية، لذا بات العقل العربي منتجا للافكار (الواقعية/ السريالية/ الوجودية/ الالسنية) مع التحفظات المبطنة في درج الافكار الماركسية لطابعها المادي!! (وهذا له دور كبير في توجيه النقد الفكري الى ما وصل اليه).. والذات النقدية العربية ليست لها الا بنونتها للذات الجمعية في تقويضها لكل ما هو قائم خارج مدياتها الوجودية بيد أنها تضمر مفارقة ذاتية حين تعتاش في البدء على وجود (الآخر) لتنتفض عليه بعد اشواط المنفعية والتلذذ.. لتصحو رافعة معاول التهشيم لضرب مشتركاتها ومغذياتها الوافدة، ويبقى للذات النقدية خطاباتها وتوثينها للمرجع النقدي دون تساؤل جدلي، فما نقش في مسلات النقدي العربي القديم بشكل عام والنقدي العراقي بشكل خاص.. له مشروعيته في الانتعاش في مشهدنا النقدي الحديث، دونما تغيرات ملحوظة تذكر داخل سياق الاتجاه النقدي ذاته.. فما عرف عن الخطابات النقدية ذات المرجعيات الماركسية مثلا، انها في جدلية ذاتية/ موضوعية، فمقولات اللاحق تتجادل مع السابق لذا بات لنا واضحا تراتب آراء النقاد الماركسيين وفقا للمشهدية المعرفية (بليخانوف/ جدانوف/ لوكاتش/ ماركوز/ وليماز/ ايغتلون/ مدرسة فرانكفورت/ غارودي (قبل الاسلمة)).
ان للخطاب النقدي تجربته مثلما للخطاب الابداعي في تخطيه لمقرورات تقليدية سليلة.. عصور تاريخية بعدت تلك المقولات او تعايشت واياه، فالخطاب النقدي في تكوكب ومشهده (الابستمولوجي)، بل ان للمناهج النقدية اثراً في تشكل المشهد الابداعي والجمالي، ويحمل في ذاته بنيته الفنية والجمالية لتأكيد موازناته الابداعية/ المعرفية، باعتباره قراءة للقراءة، وليكون بعد موضوع رصد نظري/ تطبيقي وفق مسميات (نقد النقد) او (قراءة الخطاب النقدي)..
د. غالب المسعودي: (فنان وناقد).
ان سبل التصدي للخطاب الابداعي في ضوء جدلية الاصالة والمعاصرة من ناحية تنظيرية لابد ان يتوافر بمتسع من الوقت وفي صفحات واسعة للنشر، لكن في العجالة ستكون هناك عملية احتواء مختصرة من ناحية منظومية، كون الرجوع الى (الكوزمولوجيا) ـ زمن البدايات ـ لهو عسير رغم انه متاح لو تصورنا انه حلم او وهم. ان الماضي لحظة، والمستقبل دهر.. ونحن نعيش بين وهمين، لقد تكونت وتطورت حركة التاريخ والتنظير بفعل اسهام كبير قدمه مجموعة من المفكرين، والذي يحتوي وضعا معقدا قائما على وجود منظومة متعددة الاطراف، وكانت طروحات الاصالة والمعاصرة والحداثة.. والحداثة الجديدة قمة انزياحات ورأس الهرم الخطي لهذا التصاعد الدراماتيكي للحدث المؤجل في تضاعيف الاطر الحضارية، وكرس بذلك الهيمنة الشاملة لمجموعة من الخطابات، افرزتها (ايديولوجيات) متعارضة سحبت معها كل اشكال الصراع وان لم تكن بمنأى عن قانون التغايرات الاجناسية وقانون تثبيت اللحظة القدسية.. اذ أن ثمة قانوناً يسير كل عملية تكريس، وهو بحد ذاته عملية انتقال من حال الى حال او من مرحلة الى اخرى. فعندما يكون الظرف الموضوعي وهو خارج فعالية الذات غير مناسب لهذه المعادلة، سيكون هناك نوع من الحوار (المونوكرامي) الذي قد يجهز على المنجز الابداعي على مذبح العدم، لذا على المبدع الفنان ان يعمل على كشف الواقع التأريخي مميزاً اياه بدقة عن تفسير وتقييم التيار الارثذوذكسي، بالرغم من الاشكالات والصعوبات التي تنشأ عن ذلك، فحينما نستعيد في اذهاننا بداية متماسكة لكتابة تاريخ التحولات الكبرى بمداد الفن والفن التشكيلي بشكل خاص، والذي يجب ان يقترن بتوطيد اركان الخطاب الجديد وتخصيب الهوية بالحراك المعرفي الذي يمنح العمل الفني عنصر نماء دون تضبيب.. فجواد سليم من ناحية سيميائية تمثل هذه المعادلة الصعبة وانجز نصبه في ساحة التحرير، وكان عملا تفتخر به الحضارة ولم يكن الا شهيدا في محراب الفن العام.
وهو بالتالي نموذج في الانفتاح على الاصالة المتمثلة بركام تاريخي عظيم وهي حضارة بلاد الرافدين وما تمثله من تقنيات العصر، على الفنان ان ينشط كل الحواس كي يصل الى انسجام ما.. كانسجام البن واليانع في الرؤية الطاوية، وهو بذلك يخوض تجربة كلية.. وهنا لابد من الاشارة بأن الواقع التي يكتب عنها في الحاضر هي نتاج احداث وممارسات خطط لها في حقبة سابقة، ونعمل في ضوء عصرها.. وهذا ما يجعل الوصول الى النتيجة التالية امراً ضروريا ومشرعا يمثل الحصيلة الحضارية العامة، وهو بحد ذاته قد يبدو اشارة لوجود مفارقة بين الواقع العيني والاستخدام الطوبولوجي للرمز، فهناك من يسعى الى رفع التعمية عن الكلام وتجريد المرموز لاظهار المعنى.. والذي يؤدي بالتالي الى عقلنة المطروح والتي قد لا تخلو من تسطيح.. وعلى النقيض من ذلك هنا ما اصطلح عليه (ايتالوجيا) المعرفة التي تؤدي بالتالي الى تناقض ظاهري، ويكون تجاوزه وارداً حالما تتمثل امام الفنان طبيعة العلاقة بين الواقع والفكر عموما، فهذه العلاقة ليست بسيطة ومباشرة، وبالتالي فهي لا تتم على نمط الصورة المرآتية، بل تتطلب من الفنان، كي يحيط بأبعادها يقظة جدلية.. اي انها ستجسد الحصيلة الاكثر تماسكا وعمقا في التعبير عن الوعي التأريخي، والتي يستطيع الباحث فض اقنعتها واعادتها الى مصدرها الانساني..
في العالم لا يوجد تقدم يسير بخط مستقيم، لذا وفي نطاق المطروح المتقدم يمنحنا الشرعية بأن نقول وعبر النتائج التي يصل اليها (الفنان ــ المفكر) في تخمين واستقصاء الملامح البعيدة غير المباشرة لطروحات الاصالة والمعاصرة والخروج بحصيلة مستقلة عن الاحتياجات وبوصف هذه الاستقلالية نسبية نوعا ما.. يمكن ان نقول ان استلهام الاصالة وصهرها في اناء الحاضر هي كلية تمثل انجازاً بأوعية غاية في التقدم ذات كفاءة عالية محورها الفنان الاصيل.. (اذ ليس الجمال عذباً الا لشدة مرارته.. كما ان النعيم لا نحس به الا في اعلى درجات الوهم)..
ان لجدلية الخطاب النقدي الحديث يفتح لنا ابوابا واسعة في جميع الاختصاصات الادبية والفنية، ولكننا سنركز موضوعنا هذا في مجال التشكيل العراقي وما يحمله من حداثة موضوعية واضحة.. ولكي تكون هناك نهايات محددة، فأن تحديد الاتجاه الحداثي للخطاب النقدي الفني ـ حصراً ـ اجتاز حدود الاسلوب وخصائص الثبات.. انه لمن الصعب شرح مغزى الحداثة بعد ان ارتبطت بعوامل لا يمكن عزلها وتفكيكها الا بصعوبة قد لا تفضي الى اغناء البحث.. ان التجارب المعاصرة منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى مطلع الالفية الثالثة تترك وهما عميقا بعدد من الافكار والاراء.. انه وهم يماثل كل خبرة مستعارة لم تكتسب شرعيتها.
ولكن ما هو شرعي في الاسلوب والاسلوبية بعد ان شهد القرن الماضي سلسلة من التحولات والصدمات، بمعنى ان الباحث لا يتحكم بالمصائر وهو ذاته في عمق المتغيرات الابداعية في عملية الطرح النقدي الحديث.
ولكن ما الذي تتوخاه التقسيمات الاسلوبية لمراحل الابداع الفني وعملية طرح خطابها النقدي، خصوصا وان هناك عناصر مشتركة اكثر من المنظور التقليدي لدراسة اثار الفن، والنظر اليه نظرة زمنية متعاقبة... بدءاً بالتقسيم الذي وضعه نزار سليم او شاكر حسن ال سعيد، فالاول منح الاوائل سمة الريادة الزمنية وذكر اسماء مهمة في هذا المجال ثم جاء الرواد وما بعدهم. كما ان درس جماليات الابداع الفني بصفته يمثل مرحلة النضج في تاريخ التشكيل المعاصر في العراق، وكنت في كتبي قد أثرت المحركات السياسية والاجتماعية في دراسة الاجيال.. انها كانت بصورة عامة، تهمل اثر الزمن الاخر، المؤجل غالباً، واثره في الحداثة، فالاخيرة بالمنظور الذي ظهرت عليه، هي من صنع الضرورات والارادات البشرية، فحداثة الخطاب النقدي قاومت الغياب والمخفي وتوقفت عند الدلالة التاريخية، وسيكون مفهوم (التحديث) تعاقبيا وسرديا، له مقدماته ونتائجه، بعيدا عن الاحتمالات والفلسفات المغايرة..
لقد كان مرئيا وله اسبابه، كأثر الواقع الحضاري في الفن بكل تفاصيله السببية، كأثر الوضع النفسي والاحداث العالمية والمحلية، ومن النادر التوقف عند وثبات ومحركات مغايرة في صياغة الرؤية (وهذا بحد ذاته له تأثيره النقدي المباشر)..
ومن جانب آخر، لم تكن التجارب التي حصلت في الساحة الابداعية اكثر من مرآة لمسار متصدع ومقسم يسعى الى بلورة خصائصه عبر التجريب والفردية، وهو المسار الذي لا يغادر منطقه الزمني وعوامله التأريخية..
حتى ان في تجارب فاتحة الالفية الثالثة لا تمتلك مسوغات ان تكون صريحة، كما في الحداثات الاوروبية او عبر ما بعد الحداثة. لان الزمن الذي اشتغل عبرها لا يمكن ضبطه.. لكن هذا لا يلغي مفهوم الزمن الآخر، الذي يصر قوة فاعلى في التجارب بل كان الزمن التاريخي، او زمن المرئيات اكثر فعالا.. هو الزمن المستعار، القائم على انظمة لها حدودها وتقاليدها.. ومثل هذا المأزق ستكون له اثاره في وظائف الابداع (الفن)، وفي انشطاراته المتوالية، بيد ان الزمن الواقعي/ التاريخي، ضمن خطاب الحداثة السياسي لم يتوغل في مكونات النص ومفاهيم الفن بأنواعه كافة..
وبعيدا عن تفحص المراحل والحقب والعصور، فأن تعريف التقنية لا يمكن عزله عن المسيرة الخاصة بتاريخ الانسان وتاريخه الابداعي/ الفني..
لقد ولدت تجارب فنية خارج زمنها.. ولم تتحقق تلك التجارب الا لانها ولدت داخل زمنها، اوضح:ان الزمن لا يصبح الا مثل الجاذبية، او انحناءات الزمن (هناك ازمنة.. اي هناك تقاطعات في الانحناءات: زمن المجرة.. زمن الكوزرات.. زمن الثقوب السود، الخ) كلها كانت تتحرك داخل الوعي المقدس والاسطوري الذي رسم علاماته بعلامات خضعت للتحليل (والتحليل هناك يدخل من منظور نقدي)..
بيد ان اي عصر بفعل هذا المصير المتواصل للتقنيات له اثره ومميزاته، وهو الذي دفع بالتحليل الى اراء متباينة.. ووظائف تبدو مختلفة.. حتى صار اللا معنى او الشيء في ذاته او العلامة التي بلا دلالة.. الخ، معنى لهذا التداخل في الابعاد والاشكال والمخفيات، فهل كانت تجارب المبدع/ الفنان، تدرك انها بصدد مصائر اسلوبية تناسب هذه الوثبات؟.. ام كان الفن وهو يراقب عصر التحرر الوطني، يلقى ويولد بدافع الضرورات، بينما كان المبدع/ الفنان في اعماقه يتوقف عند قناعات راسخة.. او لا تقبل الدحض؟..
ولكن ما الذي تريد ان تكتشفه الحداثة في ظل التنظيرات النقدية وغيرها، وهي تكف ان تكون مستقلة في خصائصها، ومعالمها الداخلية، اليست هي نزعة مواكبة لمصائر اخرى على صعيد عصر مختلف.. لان نزعة الاستهلاك بما تتضمن من فراغات وفجوات غير مشغولة، مازالت مغرية وقائمة على التجريب، كما انها صارت لا تنظر الى الماضي الا بوصفها اثراً، او محركا مطموراً.. حذف.. او يتم حذفه في سياق بدايات بلا نهاية..
النص الأدبي والمساءلة النقدية - النظرية والمنهج(4)
لقد استطاع الانفجار النقدي الحداثي خلال العقود الثلاثة الأخيرة. أن يقلب الكثير من المفاهيم والمناهج التي سادت خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وأن يعيد صياغة الرؤية النقدية على ضوء جديد بفضل الكشوفات التي حققتها الدراسات الألسنية والسيميولوجية والأسلوبية في مجال النقد الأدبي والتي تمثلت في اتجاهات كالبنيوية والتفكيكية والهيرمنيوتيكية واتجاه نقد القراءة والتلقي والنقد السوسيولوجي الجديد وما إلى ذلك.
إنّ الاهتمام الكبير بمفهوم النص وعلاقاته المتعددة بدءاً بأدبيته وشعريته إلى العناصر الخارجية ما زال يثير كثيراً من الجدل والتركيز خصوصاً بما يتصل به من عناصر كالمرسل والمتلقيّ والتلقيّ والسيّاق والمرجع والتأويل والتناص والتفسير وباللسانيات، كما أثرى الممارسة النقدية بالمفاهيم والأفكار وخصوصاً في مجال الكتابة الشعرية. ذلك أنَّ الإعلاء من سلطة النص في ظلّ هذا المفهوم الواسع غير المحدَّد الذي ينفي كل إجناسية ينتج جنساً خاصاً بالنص الشعري المعاصر فيه كثير من المزالق التي لا يتفطن إليها كثير من الشعراء من خلال هدر طاقات شعرية حقيقية وتعريض بعض التجارب الشعرية إلى الاضطراب بسبب التفريط في قيم الشعر الجوهرية تحت ستار النص. بينما يدفع مصطلح النص الفضفاض بالقصيدة، الحديثة إلى متاهات خطيرة يمكن أن تفقد فيها أجناسيتها وبالتالي شعريتها وهو ما يمثل خطوة ارتداد على مستوى الشعرية- إلى الوراء وليس خطوة إلى الأمام.
هذا التنبيه من باحث وناقد يدلّ دلالة واضحة على أهم إشكالات الكتابة الجديدة التي واجهت النقد وجعلته يتخذ في أفضل حالات المواجهة موقع الوسط في الترحيب بهذا الجديد وفي الوقت نفسه إحاطة ذلك بنوع من الحيطة والحذر خوفاً على ضياع المألوف.
في الثقافة العربية المعاصرة وفي خطابها النقدي تتضارب المبررات والمسوغات في قراءة النص الإبداعي بين إقصاء المؤلف وقتله وبين الاهتمام به وبسيرته وحياته في الدراسة والتحليل كما قدمته القراءة السياقية وجعلته مدخلاً لفهم وتفسير العمل الإبداعي. وتقودنا الدراسة إلى البحث عن خطوط التقاطع مع الثقافة الغربية وأطروحاتها النقدية في مشروعية الاشتغال النقدي بما تقدمه هذه الثقافة من مقولات وخطابات لها مرجعيتها الفلسفية المشكلّة للعقل الغربي في واقع أنتج مسار التطور الطبيعي من قراءة لأخرى، قد لا نجد مبررات هذا الواقع في فضاء الثقافة العربية، ومن ثمّ تساءل عن دوافع ومسوغات القراءة النقدية. المعاصرة للإبداع العربي سواء السياقية منها أو النسقية بكل اتجاهاتها.
وماهي الإجابات التي قدمها الناقد العربي لتبرير انفتاحه إلى درجة الخضوع. لسلطة المفهوم الغربي للمنهج والإجراء التطبيقي؟.. وهل ذلك كان استيعاباً أم استهلاكاً؟ وماهي البدائل التي يطرحها للخروج من مأزق المساءلة التي أبانت عن كثير من الفجوات في الرؤية النقدية والتعسف في تطبيق المنهج النقدي تحت تأثير عدم التمثل الكامل لفلسفة المنهج وخلفيته المعرفية وعدم القدرة على تبييء المفاهيم والمناهج النقدية الغربية في حقل ثقافتنا العربية؟...
بعض الكتابات النقدية المعاصرة استنسخت الجانب التطبيقي وراحت تمارس عملها النقدي دون الوقوف على النظرية وظلالها وفلسفتها ومناقشة خلفياتها ومبررات نشوئها في مرحلة معينة من تاريخ النقد الغربي، وكأنّ ما توصلت إليه هذه النظرية من نتائج أصبح من المسلمات التي لا تناقش وإنما يكفي الاشتغال النقدي على النصوص الأدبية مهما كانت هويتها، فمثل هذه القراءات العربية لم تشترك في الجدل النقدي حول مسألة موت المؤلف وإنما اكتفت بتقديم تحليلاتها للنصوص خالية من الإشارة إلى مبدعيها وسيرهم إيماناً منهم بسلطة النص وعدم جدوى الالتفات إلى حياة المبدع تحقيقاً لقراءة نسقية.
وإذا رحنا نتتبع التأثيرات الثقافية والنقدية التي وقع تحت سلطتها كثير من النقاد العرب، فتباينت اتجاهاتهم في الممارسة النقدية ابتداء من العصر الحديث الذي سادت فيه القراءة السياقية بتعدد أبعادها ومستوياتها كما أشرت سابقاً نجد آثار هذه المناهج متسللة بشكل واضح في البنية الثقافية للنقاد الذين قرؤوا الأدب العربي قراءة إسقاطية، فكانت الدراسات التي أرخت للأدب العربي انطلاقاً من نظريات سانت بيف التي جعلت من حياة المؤلفين وانتماءاتهم وأعراقهم مرتكزاً في تحليل النصوص الإبداعية، وعلى هذا النحو سار جرجي زيدان في كتاباته الأدبية التاريخية، أما العقاد والنويهي فقد اتخذا من نفسية الأديب ومواقفه السلوكية متكأ في فهم العمل الأدبي تأثراً بالمنهج النفسي مما دفع بالناقد مصطفى ناصف إلى الدعوة إلى تحرير النص الأدبي من الظلال النفسية لصاحبه: الاهتمام بالشاعر أو الإنسان له مخاطر جمة، وبعض الدارسين –مثلاً- يعنيه من أمر بشار إيمانه أو إلحاده، ويعود فيقرأ الشعر من أجل الإجابة عن هذا السؤال. حقاً قد يكون في هذا الشعر ما يثير السؤال عن إيمانه، ولكن اهتمامنا، بالشعر-أولاً- سوف يجعله أكبر من مجرد الإجابة عن أي سؤال من هذا القبيل وليس ضرر العناية بحياة المؤلف، وعقائده مقصوراً على إهمال الشعر من حيث هو شعر، ولكنه يتجاوز هذا كما وضحنا إلى خلط الشخصية وظروفها بالأحكام التقييمية.(1).
وفي هذا القول إشارة إلى إقصاء المؤلف، وإن لم تكن دعوة صريحة فإنّ آثار التأثر بمقولات النقد الغربي جلية وخاصة في تفريقه بين المقاربة النصية والقراءات السياقية، غير أنَّ الدعوة الجديدة إلى الأسلوبية التي اعتمدت في التحليل على حياة المؤلف، انطلاقاً من تلوّن الأسلوب بملامح شخصية الكاتب، وبالتالي يمكن تصنيف مثل هذه القراءة ضمن الإطار العام للقراءات السابقة، والتي تعاملت الوثيقة. مع النص/ أما الناقد عبد السلام المسدي المتأثر بالبنيوية الأسلوبية فقد رأى في النص الأدبي وإن كان وليداً لصاحبه، فإنّ الأسلوب هو وليد النص ذاته، لذلك يستطيع الأٍسلوب أن ينفصل عن المؤلف المخاطب، لأن رابطة الرحم بينهما حضورية في لحظتي الإبداع والإيقاع، وهذا المنظار في تحديد ماهية الأسلوب يستمد ينابيعه من مقومات الظاهرة اللغوية في خصائصها البارزة ونواميسها الخفية(2).
لم تنتظم الممارسة النقدية العربية المعاصرة بشكل كامل في وعينا النقدي والثقافي وإنما انتزعت من أسيقتها المعرفية، وجرّدت من خلفياتها الفلسفية، ودخلت إلى حقل النقد كأدوات وطرق إجرائية، فمقولة موت المؤلف في التفكير العربي وليدة التأثير الغربي في الثقافة النقدية العربية، هذه الثقافة التي احتفت بالإنسان وأولته العناية الفائقة في الدراسات بمختلف موضوعاتها بوصفه محور الكون بعد الإرادة الإلهية، أما في الثقافة المعاصرة فإن هذه المسألة تبقى في مجال التساؤل وخصوصاً في الدراسات التي اهتمت بالجانب التنظيري.
ومن الدراسات التي احتضنت فكرة موت المؤلف رأت في الأعمال الإبداعية التي بقي مؤلفوها مجهولين خالدة وعظيمة، وغيابهم رسّخ حضور أعمالهم، هذا الغياب ينسي جانباً هاماً أ ثناء القراءة التي تبقى مفتوحة على التأويلات دون الخضوع لسلطة التوجيه المسبق من خلال البحث عن هوية المبدع. ومن هنا بدأت الثقافة النصية تجد طريقها إلى نقدنا المعاصر مع التأثر بأعمال رولان بارت ونقاد مابعد البنيوية الذين أشاعوا مفهوم الكتابة الذي يقصي أي علامة خارجية ويكتفي بذات النص وبالقارئ بدلاً من الكاتب.
وإلى جانب المثاقفة النقدية، كانت المبالغة في تأكيد الصلة بين المبدعين وأعمالهم بشكل لا يخلو من تعسف، وبدون دوافع حقيقية تمت إلى الإبداع بصلة قرئت الأعمال الأدبية تحت سلطة تأثير حياة مبدعيها في هذه القراءة النقدية، إلى جانب المبرر السلطوي المؤسساتي الذي أقلق الشاعر بإكراهات الإغراء أو الإقصاء مما جعل الشاعر يختار التخفي والغياب ضماناً لحريته الإبداعية، ومن هنا كان موت الشاعر في الثقافة العربية أمراً واقعياً.
وقد كانت الإبدالات التي تحققت في بنيات القصيدة العربية الحديثة والمعاصرة كالتخلي عن شعر المناسبات أزاح حضور الشاعر والإعلان عن هويته وإنما كتبت القصيدة للقارئ العنصر الحاضر في بنائها ولا قيمة لمبدعها الذي أشرك في عمله صوت قرائه، وهنا يتحقق موت المؤلف الذي يعرّفه إلياس خوري بقوله: شيء يموت وينقرض، علاقة غامضة بين الذي كان واحتمالاته، وهو لذلك لا يتكلم عن نفسه إلا في اللحظة التي يلغي فيها ذاته، ولا يكتب إلا حين ينكتب في النص المفتوح الشارع(3) الملقي في مع جماعة الديوان يختلف تلقي المتن الشعري الإحيائي عن التلقي في النقد الكلاسيكي، الذي وجد في حياة المؤلف مطية لتأكيد شعرية النص وبالأحرى تفوّق الشاعر وعبقريته إذ كان الشاعر مقدّماً على شعره ومن ثمّ اتجه هذا النقد إلى إلحاق الألقاب بالشعراء كأمير الشعراء وشاعر النيل و.. فكان رد فعل نقد جماعة الديوان استجابة لهذا التلقي السياقي، فانعطف بالدراسة نحو النص بحثاً عن جمالية الشعر دون أن يأبه بالشاعر في كثير، وليس ذلك تقليداً لأطروحات النقد البنيوي في الثقافة الغربية، فإن النقد العربي كان متقدماً عليه ولكن بمبررات أخرى ودوافع أملتها السياقات الثقافية العربية لا علاقة لها بالخلفية المعرفية للنقد البنيوي، وبهذا المفهوم فإن النص الخالد والحداثي بخاصة، ليس في حاجة إلى أب يمنحه شهادة الميلاد، ويعلن انتسابه إليه، وينفي عنه أن يكون لقيطاً، ويدفع عنه تهمة التهجين(4).
وفي المؤلفات التي اهتم أصحابها بجمع ما أبدعته قرائح الآخرين دون ترك لمسات من قرائحهم تتجلى فكرة موت المؤلف الذي يهمش ذاته أثناء الكتابة ليفسح فضاءها للآخرين، وهذا ما يؤكده الناقد أدونيس الذي يرى بأنّ فكرة موت المؤلف قضية دخيلة لا مبرر لها في ثقافتنا النقدية العربية بل على العكس من ذلك فحضور الإنسان بارز في تراث هذه الثقافة وفي أدبياتها الروحية بالخصوص التي تمجّد منزلة الإنسان العالية في الوجود. يقول أدونيس: الإنسان جوهرياً أعظم من ماضيه وحاضره، لأنه خالق لمصيره يضع نفسه –باستمرار- ويصنع العالم كذلك باستمرار..(5).
وباعتدال في الرؤية النقدية لم ينسق الدكتور عبد الملك مرتاض وراء الطرح الغربي لمقولة موت المؤلف، بالرغم من تبرّمه من القراءة السياقية التي أبعدت النص الأدبي عن عناصره الجمالية وأغلقت أمام النقد مجالات رحبه للمساءلة التي تثري القراءة النقدية وتغني النص في حدّ ذاته، فبقدر ما يدعو إلى استقلالية النص الإبداعي نراه يعطي للمؤلف مكانته في العملية الإبداعية إدراكاً منه لخطورة الانسياق وراء أطروحات النقد البنيوية في هذه المسألة التي لا تجد مسوغاتها الفلسفية في ثقافتنا العربية، ومن جهة أخرى فهو يدرك خصوصية السند الثقافي العربي كمرجعية في إعطاء المؤلف حقه في العملية الإبداعية والنقدية على السواء. يقول: فالمبدع سيد إبداعه وصاحبه لا ينازعه فيه مجتمع ولا زمان، ولا بشر على الرغم من إيماننا بفكرة التناص(6).
ونفس الاتجاه يدعمه الناقد فاضل ثامر الذي يؤكد على انتماء النص الأدبي إلى صانعه وأن مقولة موت المؤلف ليست سوى مغالطة نقدية غير متماسكة أبداً، فالنص الأدبي ظاهرة معقدة مرهونة بمجموعة من العوامل السوسيولوجية والتاريخية والسيكولوجية والثقافية معرض حديثه عن الممارسة(7). وفي السياقية التي لا يمكن اختزالها إلى عامل واحد النقدية أثناء مواجهتها للنصوص الأدبية، ويرى أنَّ العملية النقدية يجب أن تتحرك بيقظة ومرونة بين مختلف مقومات الظاهرة الأدبية وعناصرها وبشكل خاص بين المؤلف والنص والقارئ –دون أن تهمل السياق والشفرة وقناة الاتصال- من أجل استخلاص الرؤيا الإبداعية للنص أو للمبدع وأنّ أية معالجة مغايرة سوف تسقط لا محالة أسيرة الفهم الأحادي القاصر والنظر بعين واحدة.(.
التناص هذا المصطلح الذي عمق من مسألة قتل المؤلف وإقصائه انطلاقاً من تعريف النص بأنه مجموعة من النصوص المتداخلة فيما بينها، لا وجود لبداية أولى في الكتابة الإبداعية، ولا وجود لكتابة تبدأ من نقطة الصفر، فالنصوص سابقة للنص ومتداخلة فيه مما يزيح سلطة المؤلف ويلغي ادعاءه بانتماء النص إليه أو تبنيه. فالتناصية Intertextualite تذهب إلى أن فهم النص يحتاج إلى الرجوع إلى عشرات النصوص التي سبقته، وأسهمت في خلقه ودور القارئ ينحصر في عملية الاستحضار لمجموع النصوص المتداخلة مع النص المقروء، وتبرز فاعلية القراءة في إحالتها على قراءات أخرى سابقة عليها وفق جدلية الغياب والحضور بين الدال والمدلول.
تباينت الرؤى في الكتابات العربية المعاصرة حول قضية موت المؤلف وخصوصاً التي آمنت بالمنهج البنيوي إلى درجة تبني الموقف المعارض، نجد في دراسة الشعر الحداثي ما يؤكد هذا التوجه، وعلى هذا النحو نلفي ديزيره سقال وهو يقارب نصاً شعرياً حداثياً يصرح: إننا لا نؤمن بفصل النص عن الذات، أو التاريخ على النحو الذي قال به البنيويون. وينطلق ماجد السامرائي من الخلفية الحياتية(9) للشاعر السياب وهو يدرس شعره قائلاً: نستطيع فهم روحه القلقة، كما نستطيع فهم تطورات شعره، وتحولاته على نحو يهدينا إلى أغوار تجاربه، ويساعدنا على تفسير إبداعاته تفسيراً دقيقاً وصحيحاً، وبالتالي يمكننا من التعرف على الركيزة الأساسية لحياته الشعرية(10).
في النقد الأدبي العربي الحداثي برزت النصانية التي اتخذت من تحليل النصوص منهجاً بديلاً عن البنيوية، كما نجد ذلك عند الغذامي الذي يتبنى هذه النصوصية انطلاقاً من النقد الألسني، ويتوسل التشريحية كأداة إجرائية في مقاربة بنية النص الداخلية، وقد برّر الغذامي موقفه ودافع عنه إلى درجة تبرير مسألة المثاقفة مع النقد البنيوي الغربي بأنها تمتلك مشروعيتها لأن الإبداع عمل إنساني وتبقى مهمة الناقد منحصرة في تبييء المصطلحات الوافدة إلى ثقافتنا حتى تأخذ دلالات جديدة. فإقصاء المؤلف من العملية النقدية هو تأكيد على النصوصية وليس البنيوية كما يرى ذلك الغذامي، فالنصوص هي التي تفسر بعضها ومن ثمّ وجب إبعاد العوامل، الخارجية عن النص، فالسياق الخارجي لا يمكن أن يحدد علاقات النص الداخلية لأن النص قد تجاوز هذا الخارجي، ومن ثمّ فقد تحرر منه، واستقل عنه بوجود جديد ينبني عليه عالم جديد(11).
ومما تقدم تطرح جمالية التلقي سؤالها حول التفاعل في القراءة –متى يصير فعلاً-؟.. حينما تندمج ذات القارئ بالمقروء وينتقل النص إلى شعوره يكون بذلك قد عبّر القارئ عن تفاعله، وتحققت لديه متعة التجاوب مع النص في عملية اللعب بشبكة نسيجه اللغوي والبنائي، وبهذا يساهم فعل القراءة في تحريك أشكال المعنى تبعاً للمتحكمات التي تجعل فعل القراءة لا ينجز مرة واحدة ومنها العاملان الأساسيان القراءة بوصفها إجراء تواصلي وتتعدد في فترات تاريخية، فهي قائمة –على التعدد والاختلاف، فهي تقتضي أفعالاً متعددة.
أظهرت التحليلات في مجال نظرية القراءة أن الظروف النفسية والاجتماعية –والبواعث التي تحيط به هي التي توجه القارئ أثناء القراءة، فهي التي تنشئ الاختلاف من قارئ إلى آخر، وتعطي للقراءة مستويات.
وانطلاقاً من ثنائية الذاتي والموضوعي في علاقة القارئ بالنص الجمالي اقترحت وهذا جمالية التلقي مفهوم Intersubjectivité التأكيد دور الذوق والذاتية التذاوتية في عملية التأويل تأثراً بفلسفة هو سر الذي يتبنى قصدية المعرفة، ومن هنا يستند المتلقي على تجربته الجمالية في فهمه للعمل الأدبي.
إن ما تدعوه جمالية التلقي بالتذاوتية هو مفهوم مرادف للتأويل في نظر –ياوس-، وعليه فإن القارئ قد ينفي استعداداته الفردية في فترات لاحقة من قراءة النص وأن تأويلات القارئ مرتبطة بأفقه وبحاضره الحاضر في النص.
وعليه فإن التفاعل المتولد من التحام النص بقارئه، فإن الواقع نتيجة لهما فهو يمثل الإضاءة التي تنير معاني النص كما يرى ذلك ياوس، وبالتالي يحدث التقاطع بين أفق النص وأفق تجربة القارئ ومن هذا التقاطع يتحقق الواقع.
ومن خلال جدلية المقول والمسكوت عنه في النص يكابد المتلقي معاناة السؤال والاكتشاف فهو ينتقل من مستوى التجربة المماثلة حينما يستعيد تجربة المبدع ويتمثلها وكأنه وجد نفسه في النص، ثم ينفتح على أوقاع أخرى تتوالد من مساحات البياض أو الفراغ الباني والتي تجعل المتلقي في توتر وقلق السؤال.
مفارقة السياق نحو حراك ثقافي جديد(5)
ثمة حراك آني يستوعب هذا التغير في مفهوم العمل الثقافي من التخصص إلى الموسوعية ، ومن العلمية إلى المعرفية ، ومن المتن إلى الهامش ، ولكننا مازلنا ننظر بكثير من الحذر لهؤلاء الوافدين إلى الثقافة من حقول غير مرسمة أو متخصصة ، فثمة تاريخ هائل من الترسيم الثقافي نجح في نقل المفهوم من السطح إلى العمق ، ومن العمومية إلى التخصص ، بحيث يبدو لنا أن مفارقة هذا السياق بمثابة قفزة إلى فراغ مخيف .
لقد تركت النظرية الأدبية ورائها تاريخاً من العلمية يطمئن إليه الناقد ، ويمنحه يقينا باذخاً ، ومع البنيوية التي ادعت قدرتها على تفسير العالم وصلت النظرية الأدبية إلى أوج مركزيتها وانشغالها بذاتها عن مواكبة الحراك الإبداعي الذي يتخلق يومياً في صياغات مجتزأة تحدوها رغبة واحدة .. وهي مفارقة السياق ، في حين ـ وياللمفارقة الساخرة ـ سعت البنيوية إلى إحكام الحلقة العلمية على النص الأدبي وإخضاعة للقوالب النقدية التي تخضع بطبيعة الحال إلى فكر سياقي .
لقد أنشأ السياق العلمية ، وأنشأت العلمية طريقتها في تفسير الأدب ، لقد كان هذا واضحا في ذهن (مورس بكهام) بصدد كلامه عن (مشكلة التفسير) يقول بكهام : (يبدو واضحا لي أن التفسير التاريخي للأدب مبني على غرار العلم ، على معيار التفسير ، وأن الأثنين متلاقيان ثقافياً ، ينبثقان من جانب التفكير السياقي).
أما( بول ريكور) فيرى أن ثمة خطورة تستوجب الثورة على التفسير السياقي ، وعلى العكس من ذلك يدعوا إلى تفاسير متعارضة لا تستند إلى مركز ، أو نظرية ، مشيرأ في مقال له بعنوان (تعارض التفاسير) إلى أن الشكلانية النقدية الجديدة والشكلانية البنيوية دفعتا الدراسات الأدبية الحديثة إلى مأزق مماثل لمأزق الفلسفة ، وهو مايشير إليه (هيدجر) بأنه اللاهوت الغربي من أفلاطون والقديس توما الآكويني حتى هيجل ونيتشة والعلم الحديث إنه المأزق الميتافيزيقي ،حيث ثمة جوهر سابق على الوجود يشكل مركزاً أو معنى يمكن الرجوع إليه ، ولكنه يعتقد أن البنيوية وإن شكلت إنجازاً هامًا للفكر الغربي ، إلا أنها في نفس الوقت تبدو( نهاية للتقليد الأدبي الغربي ،) ، ومن بعدها يكون التفكيك هو الصيغة التي تمثل تاريخاً جديداً يبدأ من نقطة انطلاق أولى نحو قهر الميتافيزيقا ، أو بتعبير آخر ، (تاريخ يضع الأدب في خدمة الوجود بدلاً من أن يضع الوجود في خدمة الأدب) إن هذا المعنى الظاهراتي في عبارة (ريكور) ، يرفض وبشكل واضح هيمنة المعنى العميق على الخطاب الأدبي ، ذلك الذي لايحظى به سوى ناقد من جنس الآلهة ، ولا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا ، أن تفكيك المركزية البنيوية ، مطلب ظاهراتي ، كما هو مطلب لكل النظريات التي تتابعت بعد البنيوية .
لقد لفت البنيويون ـ أنفسهم ـ الانتباه إلى ما وصلت إليه النظرية من عماء يستوجب إزاحته ، كحالة قصوى من حالات التفكير العلمي المركزي ، ومن ثم يلتفت (رولان بارت) إلى أن النص الأدبي يتأبى على التفكير المركزي (لأن النص ليس سطراً من الكلمات يطلق معنى (لاهوتياً) واحداً (رسالة ـ المؤلف) بل حيزاً متعدد الأبعاد فيه مجموعة منوعة من الكتابة ، ليس منها ما هو أصلي يتآلف ويتحالف ، النص نسيج من المقبوسات المستمدة مما لا يحصى من مراكز الثقافة).
لقد حسم الأمر عند (بارت) بإعلان موت المؤلف (المركز) ، ومنح القارئ فرصة أكبر في إنتاج الدلالة ومن ثم النص ، وبظهور دور القارئ في إنتاج النص بدأ دور الناقد المتخصص كما بدأت النظرية الأدبية نفسها في التداعي ، ولكن ذلك مشروط بدور حقيقي وراسخ في المعرفة الجمالية للقارئ ، ليكون قادراً على الاستجابة إلى علاقة حوارية مع النص تشبه العلمية ، على نحو ما يوضح هانز روبرت جوس في (التاريخ الأدبي بوصفه تحدياً للنظرية الأدبية) ، وهو دور يمكن أن يقوم به المثقف العام بوصفه ذاتاً وقارئا ، غير أن هذا الاحتراز بمشابهة العلمية لن يكون له مكان في اتجاهات النقد النسائي ، بل ثمة إعلان واضح من جانب النسوية عن رفضها للنظرية والعلمية ، باعتبارهما تجسيداً فكرياً للغرور الأكاديمي ، ونزوعاً إلى مركزية ترسخ لخطاب ذكوري سلطوي ، ومع ذلك فالخطاب النسوي يواجه نقداً حاداً ليس فقط في الأوساط التي مازلت تتمسك بالنظرية ، ولكن ـ أيضاً ـ في الأوساط المناهضة لها ، لما يتضمنه الخطاب النسوي من نزوع إلى خلق مركزية نسوية بديلة ، تحكم على المؤلفين والنصوص بمقدار مسايرتها للأيديولوجيا النسوية . ومن ناحية أخرى فالنسوية في موقفها المعادي لأشكال السلطة تعبر عن موقف سياسي أكثر منه نقدي .
فعندما بدأت أولى المحاولات في اتجاه نظرية نسوية ، قوبلت بتحفظ خشية تكريسها لوضع قائم ، غير أن النساء يوضحن تصورهن عن مفهوم (النظرية) ، ويشرن إلى الاختلاف عن المفهوم التقليدي التي قامت عليه البنيوية ـ مثلاً ـ فالمفهوم لا يوغل في العلمية والتخصص على نحو ما هو قائم ، وما تطرحه نظرية (صور النساء) يتميز باقتراح رئيسي هو (الموثوقية) وهو مفهوم مستعار من الوجودية خاصة (هيدجر) ، الذي قصد بها ، أي شخص يمتلك وعياً نقدياً محدداً ذاتياً في مقابل الهوية الذاتية المنتجة جماعياً أو المكررة ، إن مفهوم الموثوقية في (صور النساء) ليس فكرة عائمة أو انطباعية ، بل هي تأكيد على ذات تملك وعياً تأملياً نقدياً شبيها بالعلمية ، فالموثوقية لا تلقي بالا للخطاب النظري العلمي في حد ذاته بل في صياغته الأخلاقية من حيث تضمن العلم على ضمير إنساني ، ومن ثم تكون الأولوية ليس بالقيمة العلمية للنقد بقدر ما هو لتفهمه للموقف النسائي ، وهو مفهوم يواجه نقدا من قبل (كتابات النساء) إذ أن تمسح النقد النسائي بالموثوقية في نظرية (صور النساء) يبدو كاستجداء للمركزية الذكورية ، كما أنه يركز فقط على تحسين صورة النساء في الخطاب النقدي الذي مازال ذكوريا ، في حين تسعى الكاتبات النسويات ، إلى التصدي على أساس سياسي للأيديولوجيا التي تحكم بنى السلطة ، التي هي جوهرية بالنسبة إلى الجماعات التفسيرية التي يسيطر عليها الذكور . ومن ثم يبدأنَ في شن حرباً ضارية على كل أشكال السلطة والهيمنة السياسية والثقافية على السواء ، ويرفضن بشكل مباشر الأدب بوصفه مؤسسة والنقد بوصفه طقوساً على نحو ما تقول (ليسلى فيدلر) بكثير من السخرية المرة ، (نحن جميعاً نعرف أن الأدب هو ما نعلمه في أقسام اللغة الإنجليزية ، وداخل تلك الدائرة التحديدية المغلقة نؤدي الطقوس التي نخرج بها المدعين التافهين من صفوفنا ، وندخل خبراء حقيقين ، حماة للمعايير التي ينبغي أن يحكم بها على كل أغنية وقصة ) .
وتشير إليزابيث إ ميس ، إلى ملاحظات ميشيل فوكو القيمة ، عن جوهر المشكلة الفكرية ، فالمشكلة ليست تغيير وعي الناس أو ما في رؤسهم ، بل تغيير النظام السياسي الاقتصادي المؤسساتي لإنتاج الحقيقة .
وملاحظة فوكو تربط بشكل واضح بين أشكال السلطة وهو ما أشرنا إليه مسبقاً بمبدأ (تعاضد السلطات) ، وترفض أن تظل الثقافة رهنا للنظام المسؤسساتي ، وتؤكد (اليزابيث) على أن ملاحظة (فوكو) مباشرة عن أولئك الذين يعملون خارج المؤسسة النقدية الأدبية ، ثم تضيف (وجلي أن أولئك المستبعدين من شروط القيقة هم أنفسهم الذين يدركون وجوه القصور في الأنموذج ، ويجربون معنى الإلحاح المطلوب لتوجيهه)
لقد أصبح جلياً أن المعرفة تسعى إلى تحرير نفسها من أشكال السلطة كافة ، وترفض الروح القبلية التي تجعل من الآباء المقدسين مرجعاً وحيداً لها ، أولئك القادرين وحدهم على أن يوفروا لها الحماية النبيلة باعتبارهم ملاك الحقيقة المطلقة .