منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الصورة الشعرية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الصورة الشعرية Empty الصورة الشعرية

    مُساهمة   الأربعاء فبراير 24, 2010 11:21 am




    ثقافة: الصورة الشعرية في اعترافـــات رجـــل مـــات مبكــرا




    قراءة
    حسن السلمان
    تكاد تكون الصورة الشعرية، بوصفها (رسما قوامه الكلمات المشحونة بالأحساس والعاطفة ) حسب توصيف (سي - دي لويس) هي البؤرة الجمالية للنص الشعري، على الرغم من انفتاحه وتعالقه مع العناصر الجمالية المكونة للأجناس الأدبية والفنية الاخرى،


    وخصوصا ً افادته من الوحدات السردية، كالوصف والحوار والمشهد والحكي، مع عدم التقيد غالبا ً بعنصري الزمان والمكان، وذلك لمنحه ِ - أي النص الشعري - صفة الكوكبية والانتشار الحر، من دون ان يفقد سمته الجوهرية كنص فني له لغته الخاصة، وشكله المميز، وتاريخه العريق بوصفه (المعطف) الذي خرجت من بين ثناياه اغلب الفنون الجميلة.
    فالشعر: (هو الفعالية النظرية لعقل الانسان فقبل ان يتوصل الانسان الى مرحلة تشكيل العموميات - وخلق اساطيره - صاغ فكرا خياليا. قبل ان يفكر بذهن واضح، ادرك الاشياء بمقدرة مشوشة، وقبل ان ينطق استطاع ان يغني، قبل ان يتكلم بنثر، استطاع ان يقول الشعر، قبل ان يستعمل المصطلحات الفنية، استطاع ان يستعمل الاستعارة، وكان الاستعمال المجازي للكلمات لديه طبيعيا ً مثل كل شيء ندعوه طبيعيا) كما يقول (فوكو). هذا وقد استندت معظم النظريات الفلسفية والسايكولوجية والاجتماعية على مشتقاته من ملاحم ومسرحيات وروايات وقصص وغيرها من الفنون. ان الصورة الشعرية، سواء جاءت كوحدة مستقلة ام كمكون لشكل اطاري، هي - وعلى حد تعبير الاستاذ الشاعر (خزعل الماجدي) في كتابه الرائد (العقل الشعري): (حياة الشعر، قوته واندفاعه، فكم سيبدو الشعر شاحبا ً هزيلاً، اذا افتقد الى الصور، وكم ستبدو اللغة الشعرية ثرثرة انشائية، لو لم تستفزنا بصورة قافزة نشطة نابهة). وبطبيعة الحال، هناك اكثر من آلية لأنشاء الصورة الشعرية ضمن المجال المجازي كالاستعارة والكناية والتورية والمفارقة والتشبيه، اضافة الى الشعريات الاخرى المجاورة التي يعمد الشاعر الى ان تنحو منحىً تصويريا ً وفق اسلوب معين، يعتمد - وهذا شيء مهم للغاية - على ايجاد او اقامة علاقات حية في التشكيل، فبدون العلاقة، سواء كانت ضمن الصورة ذاتها، او بينها وبين العناصر الاخرى، تغدو الصورة مجرد تجريد يخلو من الروح، ومن ثم الابتعاد عن الواقعية التي تستوجب العلاقة بالضرورة، وذلك عبر عمليات من التحويل والتعديل والتطويع والمناورة، وصولاً الى صيرورة شعرية تمنح الصورة حصانة ضد النسيان وتجعلها قابلة للتداول بشكل طليق. فالصورة بوضعها هذا هي من تجعل (الروح مرئية للعيان): في مجموعته الموسومة بــ(اعترافات رجل مات مبكرا ً) ذات العشرين نصا ً الصادرة عن (دار الفارابي / بيروت / 2006)، يعتمد الشاعر (عباس باني المالكي) اعتمادا ً شبه كلي على (نص الصورة) المتشكل وفق اليات وصيغ شعرية مختلفة، ابرزها المفارقة على الاطلاق التي جاء استخدامها ( دالاً) على نطاق واسع، وبشكل ضيق لتغدو مفارقة بحد ذاتها ولذاتها، وذلك لعدم ارتباطها بعلاقة خارجية تمنحها التوتر وتجعل منها منشطا ً دلاليا ً لتوليد المعنى كما في هذا النموذج :
    (سافرنا في نفس العربة وحين وصلنا نهاية الرحلة ادركت ان صاحبي ظل في المحطة الاولى) ص/ 42 في هذا النموذج لا وجود للحافز التأويلي الذي يؤدي الى اعادة انتاج النص واستخلاص دلالة او معنى ما، فالنص محكم والحبكة تفتقر الى المسوغ السببي/ الانزياحي الذي يجعل من المتكلم يصل بينما المتكلم عنه يبقى مراوحا ً في مكانه، على الرغم من ان الوسيلة واحدة، ونقطة الشروع في الحركة هي ذاتها، مع ذلك فثمة مفارقة وكذلك في النموذج الاخر : تغادر فراشك ويبقى حلمك في نومه ِ
    فقد ظل مستيقظا الى الصباح ص / 87 في هذا النموذج لا نستطيع التعليق على هذه المفارقة الا انها مفارقة من اجل المفارقة ولا شيء اخر فكيف يبقى الحلم نائما ً مع انه ظل مستيقظا حتى الصباح من دون أي مسوغ فني او دلالي؟ ان هكذا مفارقة او وغيرها من المفارقات المكتفية بذاتها غالبا ما يتضمن سؤالها الشعري اجابته ومن ثم لا يمكن ان نستخلص من قراءتها قيمة ما ، خلافا للمفارقة الدالة التي تعمل على توليد الاسئلة وتعليق الاجوبة لخلق حالة من الاستفزاز لأستجابة المتلقي ودعوته لرصد الاجابة / المعنى، الذي يظل في فضاء المفارقة الدالة في حالة تجدد عند كل مرور قرائي لأنفتاح هكذا مفارقة وطبيعة تشكيلها المتضمن اكثر من فجوة للنفاذ والمشاركة كما في هذا النموذج الشعري :
    [ تحمل قلبك على كفك
    الى بحار لم تألفها
    فترتد فيك الطفولة
    منضوية في اسراب السنين
    الى فزع الفجر الذي استيقظ فلم يجد نهاره ] ص / 21 فلو اسقطنا المضاف (فزعا) من المضاف اليه (الفجر) ومضينا في العبارة حتى نهايتها لعدنا الى المفارقة المغلقة، الا ان مفردة فزع احدثت امكانا ً دلاليا ً جعل من الفجر / النور ، متاهة كأنها الظلمة او انها في سبيل ديمومة الظلمة لتأجيل او بالاحرى اقصاء (نهار الفجر) وبتلك المناورة حملت المفارقة دلالة ووظيفة علائقية مع بقية وحدات النص لتقديم صورة ذات قيمة . وفي نفس سياق المفارقة الدالة يقول الشاعر:
    [ جعل كلامه حطبا ً
    في ثرثرة المقاهي
    حين صمت تحول لسانه الى رماد] ص / 32 ان الجملة الأعتراضية (حين صمت) هنا ، هي بمثابة المنعطف التحويلي لجاهزية وسكونية المفارقة التي تحول في ظلها، وبعد التحويل، الكلام / الناري الى رماد، فالصمت علامة على الاحتجاج في سياق هذا النص، نتيجة للتهميش الذي يتعرض له الانسان في اجواء من الثرثرة واللامبالاة .
    كذلك اعتمد الشاعر في تشكيل صوره الشعرية على السرد الدرامي كما في النص الذي يحمل عنوان المجموعة ، والذي جاء مقطعيا ً شأنه شأن اغلبية نصوص المجموعة التي جاءت وفق هذا الشكل ، وكذلك على المشهد كما في نص ( دولة الملك ) ص / 63 ... والعصف في المقطع الذي يحمل رقم ( 9 / ص 33) وغيرها من النصوص اذا اوردنا هذه ِ النماذج على سبيل المثال لا الحصر . حيث تتبنى - أي النصوص - مختلف الآليات والصيغ الفنية في تحقيق شعريتها ذات الطابع الصوري ولكن كما اسلفنا تبقى المفارقة هي التقنية المهيمنة. هذا وقد اعتمد الشاعر في تشكيل صوره ِ على مفردات لا تنتمي لحقل دلالي واحد او مرجعية قاموسية بعينها، فكثير ما نلحظ ضمن فضاء المقطع الواحد او الصورة الواحدة وجود مفردات تنتظم مع مفردات اخرى لا وشائج بينها من حيث البعد العضوي او الحقل الدلالي كالحقل الرومانسي او التراثي.. الخ فلو اخذنا هذه ِ الصورة على سبيل المثال :
    الاشجار منفضة
    العصافير
    وملجأها الوحيد وقت المطر ] ص / 17 .
    لوجدنا ان مفردة (منفضة) لا تربطها مع بقية مفردات الحقل الطبيعي - نسبة للطبيعة - والمتكون من (الاشجار / العصافير / المطر) أي رابط منطقي الا ان الروح الحداثية وطغيان هاجس العصرنة هو ما دفع الشاعر وبالضرورة ، الى زج هذه ِ المفردة النافرة في علاقة مع مفردات غريبة عن ما هيتها وهناك ايضا ً وبشكل مقارب الى حد بعيد هذه ِ الصورة :
    (تبني مدنا ً من الرمل في سواحل الروح فيتناسل العشب في دمك كالأسلاك الشائكة) ص /21 .
    فاللاانتماء الماهوي / الطبيعي لعبارة ( الاسلاك الشائكة ) مع بقية مفردات هذه ِ الصورة واضح ولا لبس فيه .
    اما فيما يخص الخطاب بوصفه رؤية للعالم، فلا يكاد يبتعد عن عرض ازمة الانسان المعاصر، وما يتعرض له من استلاب وقمع وهيمنة من قبل مختلف القوى الغاشمة التي تحاول جاهدة سلبه انسانيته وتجريده من شروط وجوده الحي ليغدو فريسة للقلق والتشظي والتشوش، وهو ما يتمظهر شكليا ً ومعنويا ً في مجمل نصوص هذه ِ المجموعة، الامر الذي يستدعي بذل جهود مضنية لرصد البنى الغائبة واستحضارها بغية تحقيق مستوى ما من المعنى ، والذي يكشف غالبا عن مدى الارتكاس والاحباط الذي يعاني منه انساننا الراهن ابتداءً من ضغوط مشاغله اليومية، مرورا ً بعدائية المحيط الخارجي على مختلف مستوياته الخطابية القاهرة المتسلطة، وانتهاء ً بالأسئلة الكبيرة المحيرة عن جدوى هذا الوجود من عدمه، وخصوصا ً ذلك اللغز الذي لم يستطع احد حتى هذه الساعة حله ، ونعني به تلك النهاية المؤلمة والتي لا تعدو ان تكون سوى حفرة موحشة، تطبق على حياة حافلة بالذكريات والكفاح المرير من اجل اقتناص لحظات من السعادة الباهظة الثمن . اوقات خاطفة من السلام في جحيم ارضي ما زال يتكالب على ادامته مجانين الارض تحت ضغط غرائزهم المدمِرة

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:36 am