منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التقاء الخطوط المتوازية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التقاء الخطوط المتوازية Empty التقاء الخطوط المتوازية

    مُساهمة   السبت فبراير 27, 2010 12:01 pm

    الدكتور إبراهيم عبد العزيز يكتب عن : التقاء الخطوط المتوازية ، دراسة في البناء الدلالي لرواية الغزو عشقا

    التقاء الخطوط المتوازية

    دراسة في البناء الدلالي لرواية

    " الغزو عشقا "

    د / إبراهيم عبدالعزيز زيد

    قدمت الرواية العربية صورا متعددة للعلاقة بين الشرق والغرب، أو ما يعرف بالصراع مع (الآخر المستعمر)، وصارت بعض هذه الروايات علامات بارزة في تاريخ الرواية مثل "عصفور من الشرق" و "قنديل أم هاشم" و"موسم الهجرة إلى الشمال" وغيرها. ولم تخرج معظم هذه الروايات عن أشكال ثلاثة، إما الرفض التام للآخر، وإما الانبهار التام به، وإما محاولات للتوفيق أو التلفيق بينهما.
    وتطرح الكاتبة (نجلاء محرم) في روايتها "الغزو عشقا" "1" صورة من صور هذا الصراع مع الآخر، وهو ما يطرح مثل هذا التساؤل: إلى أي الأشكال الثلاثة ستنحاز الرواية؟ وإذا أمكن تصنيفها فيما سبق فما جدوى ذلك؟ وهل تعالج رواية تكتب في زمن العولمة زوايا أخرى للعلاقة مع الآخر؟

    تدور أحداث الرواية في زمانين مختلفين يجمع بينهما مكان ثابت هو ميت العامل، الزمان الأول أثناء الحملة الفرنسية على مصر حيث يبرز واحد من الأعيان هو الشيخ أبو قورة يقاوم الفرنسيس، ويتاح له أن يتملك إحدى الفرنسيات القادمات مع الحملة (جوليا) ثم يتزوجها، أما الزمان الثاني فيشمل أحفاد أبي قورة بعد مائتي عام من جوليا وهم يحملون سماتها من شعر ذهبي وعيون خضراء، وأحفاده من فاطمة وهم يحملون ملامح كتلك المنقوشة على جدران المعابد المصرية.

    تشير الرواية ـ إذن ـ إلى أحداث تاريخية وقعت في مصر، وما أكثر الروايات التي تعرضت للأحداث التاريخية منها ما كان رصدا تسجيليا، ومنها من توقف عند بعض محطات التاريخ ليعكس عليها الواقع الاجتماعي المعيش.

    وجمع رواية الغزو عشقا بين زمانين مختلفين مع ربط سلسلة الأحفاد بالأجداد، يجعلني أختزل تساؤلاتي السابقة في هذا التساؤل: كيف وظفت الكاتبة مفهوم الزمان/التاريخ في النص الروائي؟

    تبنى الرواية مفهوم العرب للزمان، أعني الزمان الدوري وليس الأفقي، وفيه تتشابك أحداث الماضي بالحاضر والمستقبل، والحاسة التاريخية عند المبدع هي التي تقرب بين "الزمني" و"اللازمني"، الزمني الذي هو زمن كتابة النص، واللازمني الذي هو تاريخ مفتوح يسقط منه ما يشاء، ويستبقي منه ما يشاء "2".
    ومع كثرة الإحالات في الرواية للإشارة إلى مراجع تاريخية أو ذكر معلومات تاريخية أو جغرافية، يتوقف الباحث أمام ما أبقته الرواية من التاريخ المفتوح، لقد كان أمام الكاتبة كما تقول (ثلاثة آلاف عام احتلال؟! تصور ثلاثة آلاف عام). [ الرواية صــ165 ]. وهو ما يطرح التساؤل لماذا إذن هذه الفترة التاريخية (الحملة الفرنسية)؟ وبمتابعة القراءة سرعان ما نكتشف الإجابة.

    (أعجبنا الاحتلال الفرنسي.. أعجبنا جدا.. لدرجة أننا أقمنا الاحتفالات بمناسبة مرور مائتي عام عليه) [ الرواية صــ187]

    هنا كان بدء التكوين السردي، إشكالية حاولت الرواية أن تبرزها (معضلة لا سبيل لفهمها.. أن يعجب المقهور.. باستمرار قهره.. بقاهره) [ صـ156 ].

    لقد غزا مصطلح الآخر حقولا معرفية كثيرة، وارتبط بفكرة "الإقصاء" للذات، لكننا سنطرح هذه الحقول المعرفية جانبا، وننصت لمعاجم اللغة بوصفها أبجدية الإنسانية التي تحيا فيها كائنات ماتت في لغتنا المعاصرة، وفي الوقت ذاته يبقى المعنى المعجمي هو المعنى المركزي لكل الدلالات، وسنجد أن الآخر هو "أحد الشيئين ويكونان من جنس واحد"، أي أنها تنص على بعد المشابهة/المشترك.. على عكس الحقول المعرفية الأخرى التي تركز على بعد المخالفة... وإن اختلفت الدرجة لا النوع، قد يكون أحدهما الصوت والآخر الصدى. فإذا انتقلنا بهذا المفهوم اللغوي على عنوان الرواية بوصفه دالا، وجدنا أن الغزو في أحد معانيه اللغوية هو "ما طلب وقصد"، وقد طلب العشق (الغزو عشقا) وأول مراتب العشق كما يذكر الأنطالي في "تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق" هي العشق بالروح، فالروح هي ألطف ما في البدن، لذلك كان العشق أول ما يتشبث بها "3" .

    وهو ما يجعلني أطرح تساؤلا آخر: هل من الممكن أن تلتقي الخطوط المتوازية؟ أمن الممكن أن يتحول الصراع إلى عشق؟

    تنفي النظريات الرياضية.. بالتأكيد.. ما سبق.. أما الفن الروائي يدعونا إلى اختبار هذا التساؤل، وأول ما يتوقف عنده الباحث هنا هو تهميش الرموز مثل "حسن طوبار" رمز المقاومة الشعبية و"محمد كريم" وفي المقابل "بونابرت وكليبر" في مقابل إعلاء نماذج جديدة تتجاهلها كتب التاريخ، ويهمشها المؤرخون، أعني (أبا قورة وجوليا ودوجا...) وهم بالضرورة موجودون في التاريخ وإن تغيرت الأسماء، وهو ما يعكس دلالة لافتة، أعني أن الكاتبة لم تتوقف عند أبطال الأدب والأساطير لتسقط عليه واقعا معيشا، وإنما اتجهت إلى ما يمكن أن نسميه (التاريخ الفعل) تستمد من أبطاله نماذجها حيث يقترن القول بالفعل،، لأننا إزاء حالة "عشق" وليس صراعا، والعشق يحتاج إلى الفعل، والفعل يقتسمه اثنان عاشق ومعشوق، فاعلا ومفعولا به، وإن تبدل موقعهما تقديما وتأخيرا.

    على هذا الأساس أقامت الرواية بناءها من مجموعة من الرواة يتبادلون السرد (طه، وأحمد، وأبي قوره، وجوليا، ودوجا) بالإضافة إلى وثائق تاريخية برزت بوصفها سردا مقحما إذ حرمتها الكاتبة من الترقيم كغيرها من الفاصلات في الرواية، وهو نوع من الإبهام في السرد، وستكشف الدراسة لاحقا عن مغزاه.

    ويتوقف الباحث ـ هنا ـ عند علاقة أبي قورة بجوليا بوصفها الدال الأكثر هيمنة في السرد، لنجد أنه من السهل في هذه العلاقة أن يلتقيها جسدا، فهي ملك يمينه وبين يديه، قد تقاوم قليلا لكن جسدها سيتراخى أمامه. لكن أن يلتقيا "عشقا" أولا! كيف؟

    ترى جوليا من موقع الراوي المشارك في الأحداث أنه رجل عنف ابتاعها بعدما سفك دم أمها، ويدبر المؤامرات بخبثه ليكيد بأهلها الفرنسيس، ويشتري الأسلحة لمحاربتهم، ودورها أن تقف في صراع مع هذا المهاجم.

    وهي إذ تعرض هذه الأحداث بوصفها راوية وشخصية فاعلة في النص تتخذ شكل الأسلوب السردي الحر المباشر (الديالوج) في الحوار مع "خيرات" فهي شخصية طيبة (سلبية/خادمة/مغلوبة على أمرها)، أما أسلوبها مع (الآخر/المهاجم لحريتها) فهو أقرب إلى ما يسميه ليتش وشورت "4" بالأسلوب الحر غير المباشر فهي تستدعي أقواله من المتن الحكائي إلى المبنى الحكائى في شكل ترجيع لصوت سمعته، على نحو قولها راوية:


    (هذا الشهم النبيل أفلتهم من العقاب.. لأنه ما كان يهدف إلا للحصول عليَّ "نحن هنا يا صغيرتي لا نطبق قوانين كالتي عندكم! فأحيانا تصبح القوة لدينا قانونا....") [ الرواية صـ34 ].

    والأسلوب بهذا الشكل نوع من مقاومة الآخر، لكننا بحكم المعايشة نرى فيه جوانب أخرى فهو المضياف الذي يتسع بيته للفقراء وعابري السبيل، وهو المتسامح الذي يتيح لها حرية العبادة، ويجمع بيته "خيرات" التي تتلو القرآن و"سعد الله" الذي يرتل مزامير داوود "5"، وينعمان مع بقية أهل البيت بالسلام.

    بهذه الأشياء استطاع أبو قورة أن يغزوها عشقا، لقد جاءت من فرنسا وهي فخورة بمباديء الثورة الفرنسية، فإذا بها تجدها مجسدة فيما يفعله أبو قوره (الإخاء ـ الحرية ـ المساواة) فعلا وليس قولا، فعشقته وأبت إلا أن تكون مستعمرته بفتح الميم وكسرها معا عشقا روحا وجسدا وأنجبت البنين (الأطفال/المستقبل).

    استطاعت الخطوط المتوازية ـ هكذا ـ أن تتلاقى في رحاب (الفعل الإنساني) الذي تدعو إليه كل الأديان وكذلك حركات المصلحين مع تأكيد ما بينهما من بون شاسع (إخاء ـ حرية ـ مساواة ـ عدالة ـ تسامح....إلخ)، وعندما تعجز الخطوط المتوازية عن تهيئة أبجدية هذا الفعل الإنساني تفقد القدرة على التواصل، هذا ما صوره الجنرال "دوجا" عندما وجد قائده العام يأمره بالعنف والقتل، وليس بتطبيق مبادئ الثورة، يقول راويا: (حدنا عن الطريق.. وكنا أول من أسقط صفة الإنسانية والتحضر عن أنفسنا! "على الجنرال دوجا تنفيذ الأمر" أمر وراء أمر وراء أمر.. لست أدري ما المجد الذي كان الجنرال فيال يظن أنه سيحرزه حين انقض بسفنه ومدافعه وجنده على بلاد ليس فيها سوى الفلاحين والصيادين) [ الرواية صـ136 ].

    يضيق المقام ـ هنا ـ عن عرض فقرات أخرى لكن تبقى في هذا الإطار إشارة مهمة هي توظيف الكاتبة باقتدار للوثائق المتبادلة بين بونابرت ودوجا، فهذه الوثائق بالإضافة إلى كونها تشكل جزءا من البناء السردي للرواية، تفرق بين بونابرت ودوجا، قد يتم التعامل معهما بوصفهما واحدا (الآخر المستعمر)، وهما في حقيقة الأمر ليسا كذلك، يحمل بونابرت صورة (الحاكم/السلطة/الهيمنة) الذي تهمشه الرواية، ويحمل دوجا ملامح من صورة الإنسان في (التاريخ الفعل) الذي تمجده الرواية، وعموما تكشف عنه هذه الوثائق:


    " (أمر)

    المعسكر العام بالقاهرة

    في 14 فركتيدور من السنة السادسة


    بونابرت القائد العام يأمر بما هو آت " صـ83


    ووثيقة أخرى من بونابرت: "أمر/المعسكر العام بالقاهرة/في العشرين من نيفوز من السنة السادسة" صـ159


    أما وثيقة دوجا إلى بونابرت: "المنصورة/في الثالث عشر من نيفوز من السنة السادسة للثورة/مواطني القائد العام بونابرت" صـ151

    كلمة واحدة لكنها ذات دلالة لافتة (الثورة) يكتبها دوجا ويغفلها بونابرت، وهو يؤرخ وثيقته بالسنة السادسة، لأن بونابرت لم ير في الثورة إلا محطة تاريخية يمكن أن يؤرخ بها عدد السنين، أما دوجا فقد رأى فيها فعلا إنسانيا (إخاء ـ حرية ـ مساواة). يمكن القول ـ إذن ـ إن الرواية ترى في الآخر جموعا كثيرة، تقصي منه الغازي المستعمر، وتبقي منه ما يتفق مع دائرة الفعل الإنساني".


    تغري الرواية بمزيد من المكاشفة، لكنني سأكتفي بالإشارة إلى صورة من صور تهديد هذا (الفعل الإنساني/اليوتوبيا)، أعني صورة العنف، وقد أبرزت الكاتبة لوحتين متقابلتين لأثر العنف على الطفل، والطفل دائما رمز المستقبل، صورة الطفلة الفرنسية "جوليا" وهي ترى أمها تقتل بيد البدوي.

    (وحملت هذه المشاكسة الصغيرة وصراخها يمزق أذني.. وأظافرها تنتزع جلدي.. تريد أن ترتمى على أمها المذبوحة التي تلفظ روحها) صـ8


    وصورة الطفل المصري وهو يرى مقتل أبيه بيد الفرنسيس، والتي يرويها جازالاس في مذكراته: (كان الصبي يرتعد، يحتضن حمله، بينما تغسل الدموع وجهه، أخبرني أحد جنودي أن أباه قد قتل قبل دقائق، لاحظت الدماء على كفيه وجلبابه.. وكل وجهه الذي يمسحه بكفه باستمرار، هذا هو دم أبيه) صـ 104. وهذه إشارة دالة إلى حق هذين الطفلين في أن يريا فيمن يسفك الدماء النموذج اللإنساني، وإن جاء هذا النموذج يحمل أقوالا تدل على الخير، لكنها معطلة عن الفعل.


    يمكن القول ـ في ضوء ما سبق ـ إن ما أنجزه الأجداد في (التاريخ الفعل) هو دستور كل من يرغب في الغزو عشقا.

    فهل يعي الأحفاد هذا المعنى؟


    ينتمي الأحفاد في الرواية إلى فرعين، الفرع الأول "أحمد" ولد فاطمة وأبي قورة، والثاني "طه" وليد جوليا وأبي قورة، أي أنهما يلتقيان عند أبي قورة، إلا أن هذا الالتقاء وهمي، فقد تخلى فرع طه عن هذه الكنية (أبي قورة)، وأبدلوه بلقب (الزعيم)، أما فرع أحمد فقد احتفظ بالكنية والعرب تعتز بالكنية وتعدها في مرتبة أعلى من اللقب، والكنية دلالة على الفعل، لذا كان الرجل يكنى فى الحرب كنية غير التي في السلم (6)


    وكنية شيخ العرب/الزعيم (أبي قوره)، والقورة جبهة الرأس، والجبهة علامة (سيماهم في وجوههم)، وهذا هو ما اكتشفته جوليا، وبه فضلته زوجا على أنداده في فرنسا:


    "هم جميعا إلى جوارك باهتين.. وحدك أنت الساطع المهيب" صـ182.


    يغري علم اللغة الاجتماعي بمزيد من المكاشفة، لكن المكاشفة تتوقف بتوقف التاريخ الفعل، لقد فرط أحمد كذلك في دلالة الكنية عندما احتفظ بها اسما لا فعلا.

    "لم نعد نشترك معه إلا في الاسم..الاسم فقط! وبقدر غربتك عنه يا حفيد جوليا أصبحت غربتنا" صـ19.

    هكذا يعيد النص الروائي طرح التساؤل:


    ترى هل يتلاقى الخطان المتوازيان تلاقيا حقيقيا لا وهميا؟

    أليس الأجداد قد وضعوا الحدود التي يسير عليها الأحفاد؟


    تبدو المشكلة الحقيقية في مقدار فهم الأحفاد لما تركه الأجداد، فقد اعتبروا ما قدمه الأجداد (ميراثا) رأى كل فرع أحقيته فيه:

    (ما الذي جاء به إلى "ميت العامل"؟ أتراه يبحث عن ميراث أو ملك هنا..؟ أستشعر في داخلي روحا مدافعة.. وأحس رغم كل هذا البعاد الذي يفصلني عن طريق الجد وزمنه.. بأنني حارس تاريخه الذي لا أعرفه" [ صـ 9 / 19 ].


    أما طه يقول: "قرأت التاريخ الذي ظننت أن جدتي لابد وأن تكون مذكورة في كتبه.. لكنني لم أجدها.. لم أر لها أثرا إلا في تاريخ أسرتنا الطبيعي.. وبقيت توَّاقا إلى أن أوثق هذا التاريخ بوثيقة" [صـ 28].

    هذا فهم الأحفاد، أما الأجداد فلم يتركوا تراثا جامدا، بل قدموا شرعة ومنهاجا في (يوتوبيا التاريخ الفعل) هو ما يسميه أحمد يوسف بفقه الواقع (7). بالمعنى الذي يجعل الواقع أولى من ثبات التراث حتى وإن كان مغريا، وغيابه في فقه هذين الفرعين أدى إلى خلق طرف وهمي فظهر الصراع بين الأخوة الأعداء.

    رأى أحمد حقه في امتلاك التراث/ممتلكات الجد) بقايا دار الضيافة، والمسجد والباب العتيق، ولم يدرك أن هذا الباب (وهو من الكلمات المفاتيح في النص الروائي) هو الذي حال دون التقاء الخطين المتوازيين في التاريخ الفعل، ثم صار هو ذاته بوابة العبور ولغة العشق.


    "أهو خلف هذا الباب؟ آه من هذا الباب.. هو نفسه الذي يحجبك الآن عني.. افتحي الباب يا خيرات" صـ193ـ 194.

    أما هو فقد وظف الباب ليسد به (الريح/الآخر)، لكن الآخر جاء إليه ورأى في (التراث/ممتلكات الجد) أساطير، ما لم يكن هناك فعل، وتوظف الكاتبة على امتداد الرواية تقنية المروي عليه غير المشخص لإبراز هذه الخطوط المتوازية.


    وحملت الرواية (البشارة) بالتقاء الخطوط المتوازية عندما اتجه كلا الطرفين إلى الفعل في مسارين متقابلين، انتقال من الإحجام عن الفعل إلى الفعل، وكانت الثمرة الحقيقية هي (الأطفال/رمز المستقبل/وضَّاح) ولا يخفى دلالة الاسم، التقى وضَّاح وعائشة أبناء طه أصحاب الثقافة الفرنسية بأبناء العمومة واختلطا دون تمييز بين أصحاب الشعر الذهبي والشعر المجعد، وبين العيون الخضراء والعيون السمراء، وهم يلعبون معا، واللعب فعل ومشاركة.


    "أجمل شيء في اللعب مع وضَّاح أن يلعبوا معه هو.. لا أن يلعبوا بلعبه" صـ196.

    استطاعت الرواية أن تقدم رؤية في فهمنا للآخر، تحاول أن تلتقيه في بعد المشابهة قبل أن يفترق في بعد المخالفة، رؤية أشبه باليوتوبيا، لكنها ليست كمثالية الفلاسفة بل مثالية الفن وربطتها بالفعل، فهي قابلة للتحقق ما اتجهت إلى الفعل، وتبقى للرواية قيمتها الحقيقية في القدرة على التساؤلات، وقدمت طرحا جديدا للعلاقة مع الآخر، من الصراع إلى المصالحة إلى العشق، وقد حاول الباحث أن يستكشف فيها جانبا، وبقيت جوانب أخرى تحتاج لمزيد من الدراسات.


    هوامش الدراسة

    1صدرت الرواية 2005 ـ عن مطابع آيات، الزقازيق ـ والإحالات في متن الدراسة


    2.انظر ت.س.إليوت، مقالات في النقد الأدبي ـ ترجمة. لطيفه الزيات ـ الأنجلو المصرية القاهرة، د.ت.ص807


    3. نقلا عن عماد حمدي ـ مصارع العشاق وآليات السرد ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة

    4. see: leech،short،styleinfiction،long man-london،1992.p.344-348


    5. كان العرب القدماء يختارون لأبنائهم أسماء الشجاعة والقوة، ويختارون لغلمانهم أسماء البشر والسعادة، ويقولون الأبناء لمواجهة الأعداء، والغلمان لنا، وهو ما وظفته الكاتبة هنا أيضا

    6. انظر في ذلك، الجاحظ، البيان والتبيين، 1/146،305،342،4/4) والسيوطي، رسالة في معرفة الحلى والكنى والألقاب.


    7. انظر: أحمد يوسف علي، نقد الشعر ونقد الثقافة، الأنجلو المصرية 2004، صـــ152، 161




      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:37 am