منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    نظرية التلقي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    نظرية التلقي Empty نظرية التلقي

    مُساهمة   السبت مارس 13, 2010 7:28 am

    المعنى ليس له جوهرا مكنونا، أو مفهوما محضا، أو قصدا متعاليا يعبر عنه بمحمول لغوي، وإن كان المحمول اللغوي له اثرة في انتاج المعنى وتوليد الدلالة ، وللنص حقيقته وسلطته مقابل مراد المؤلف ذلك أن المؤلف لا يخلق نصه من العدم ولا يلتقط دلالاته من لا شيء ،وإنما هو يستخدم المتراكم اللغوي الدلالي الذي قيل فيما سبق ،موظفا إياه بطرية الاستنطاق المجازي أو الملفوظي عبر النسق المخيالي لعملية توليد المعنى . وكل معنى هو انتهاك لمعنى آخر، وكل قراءاة هي تأويل تحيل الى تأويل آخر، وهكذا نقع في الدور السببي الذي عانت منه الفلسفة كثيرا في القديم والحديث من تاريخها ... ذلك أن الاشياء المتعينة لا تكتسي معنى واحد بعينه عند شخصين مختلفين ولو تعلق الأمر بالمفوظة عينها، اذ كل منهما يعبر بمجازاته ونوعية ثقافته وتجربته الخاصة عن مضمون الشيء المراد تحديدة ، ... الأمر الذي نريد قوله هنا أن النص تختلف قراءته بقدر ما يختلف المعنى نفسه في ذهنية المتلقي أو القارئ، ومعنى المعنى ينزاح الى أفق مغاير كذلك ...نحن نتحدث عن نصوص هي حقول للقراءات المختلفة والقارئ بالنهاية، هو الذي يعيد انتاج المعنى ويؤسس النص، في الوقت الذي يتوارى فيه المؤلف بعيدا أو يختفي تماما ... لنعمق هذه القارئة قليلا من خلال منهج التلقي أو نظرية التلقي ...
    إن منهج التلقي هذا يركز على القارئ أثناء تفاعله مع النص قصد تأويله وخلق صورة معناه المتخيلة، اي تأسيس معنى المعنى . فما هي نظرية التلقي ؟ وما هي مرجعياتها الأبستمولوجية والفلسفية والأدبية؟ وماهي مرتكزاتها المنهجية؟

    ترى نظرية التلقي أن أهم شيء في عملية القراءة هي تلك المشاركة الفعالة بين النص والقارئ المتلقي. أي إن الفهم الحقيقي للنص ينطلق من القارئ الذي هو المنتج الحقيقي للنص، ثم يعيد الاعتبار له كونه هو المرسل إليه والمستقبل للنص ومستهلكه، وهو الذي يعيد إنتاجه نقدا وتفاعلا وحوارا. ويعني هذا أن ألنص اي نص لا تكتمل أركانه إلا عن طريق القراءة وإعادة الإنتاج من جديد، لأن المؤلف ماهو إلا قارئ للأعمال السابقة وهذا ما يجعل التناص يلغي أبوة النصوص، ونحن نعرف أن لكل نص قطبان: قطب فني وقطب جمالي. فالقطب الفني يكمن في النص الذي يخلقه المؤلف من خلال البناء اللغوي وتسييجه بالدلالات والتيمات المضمونية قصد تبليغ القارئ بحمولات النص المعرفية والإيديولوجية، وهذه المحمولات حتى في كونها تحمل المضمون المعرفي لكنها تغلفه عادة بمضمون يسكت عن وهو المضمون الأيديولوجي وهنا تكمن المفارقة . إن القطب الفني يحمل معنى ودلالة وبناء شكليا. أما القطب الجمالي، فيكمن في عملية القراءة التي تخرج النص من حالته المجردة إلى حالته الملموسة، أي يتحقق بصريا وذهنيا عبر استيعاب النص وفهمه وتأويله. ويقوم التأويل بدور مهم في استخلاص صورة المعنى المتخيل عبر سبر أغوار النص واستكناه دلالاته والبحث عن المعاني الخفية والواضحة عبر ملء الفراغات للحصول على مقصود النص وتأويله انطلاقا من تجربة القارئ الخيالية والواقعية. ويجعل التأويل من القراءة فعلا حدثيا نسبيا لا يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة أو الوحيدة المتعالية عن الزمان والمكان. لأن القراءة تختلف في الزمان والمكان حسب طبيعة القراء ونوعيتهم وهناك أنماطا من القراءة :
    نص مفتوح وقراءة مفتوحة.
    نص مفتوح وقراءة مغلقة.
    نص مغلق وقراءة مغلقة.
    نص مغلق وقراءة مفتوحة.
    ولايكون النص نصا ابداعيا إلا من خلال المشاركة التواصلية الفعالة بين الأركان الثلاثة المؤلف والنص و القارئ. ويدل هذا على أن النص الإبداعي يتكون من عنصرين أساسين: النص الذي قوامه المعنى وهو يشكل أيضا تجربة الكاتب الواقعية والخيالية، والقارئ الذي يتقبل آثار النص، سواء أكانت إيجابية أم سلبية في شكل استجابات معينة لا تخلو من الترميز البالغ، وهذا يجعل النص يرتكز على الملفوظ اللغوي والتأثير الشعوري في القارئ على شكل ردود تجاه محمولات النص. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المنتج الابداعي يقع في الوسط بين النص والقراءة من خلال التفاعل الحميمي والوجداني الاتصالي بين الذات والموضوع أي النص والقارئ. ومن ثم، فهذا المنتج أكبر من النص وأكبر من القراءة على السواء ، بل هو ذلك الاتصال التفاعلي بينهما في بوتقة منصهرة واحدة. وإذا كانت بعض المناهج تركز على اتجاه واحد في القراءة من النص إلى القارئ فإن منهجية التقبل والقراءة تنطلق من خطين مزدوجين متبادلين: من النص إلى القارئ ومن القارئ إلى النص على غرار القراءة الظاهراتية . ولا يحقق نص المؤلف مقصديته ووظيفته الجمالية إلا من خلال فعل التحقق القرائي وتجسيده عبر عمليات ملء الفراغات وتحديد ماهو غير محدد، وإثبات ما هو منفي، والتأرجح بين الإخفاء والكشف على مستوى استخلاص المعاني عن طريق الفهم والتأويل والتطبيق. ولن تكون القراءة مثمرة جادة إلا إذا وجد القارئ الافتراضي الخيالي الذي يعيد بناء النص عن طريق نقده وتأويله انطلاقا من تجربة جمالية وفنية بعيدا عن تصور القارئ الواقعي. والقارئ الضمني: الذي ليس له وجود في الواقع، وإنما هو قارئ ضمني، يخلق ساعة قراءة العمل المشحون بالمضمون الخيالي. ومن ثم، فهو قارئ له قدرات خيالية شأنه شأن النص. وهو لا يرتبط مثله بشكل من أشكال الواقع المحدد، بل يوجه قدراته الخيالية للتحرك مع النص باحثا عن بنائه، ومركز القوى فيه، وتوازنه، وواضعا يده على الفراغات الجدلية فيه فيملؤها باستجابات الإثارة الجمالية التي تحدث له ، وتفيد منهجية القراءة في معرفة الآثارالتي تتركها فينا الأعمال الأدبية والفلسفية والفنية ولاسيما الخالدة منها. ويعني هذا أن ما يهم هذه النظرية ليس ما يقوله النص ولا من قاله ولا مضامينه ومعانيه التي تبقى نسبية، بل ما يتركه العمل من آثار شعورية ووقع فني وجمالي في النفوس والبحث عن أسرار خلود أعمال مبدعين كبار وأسباب ديمومتها وحيثيات روعتها وعبقريتها الفنية. كما تحاول النظرية أن تعيد قراءة الموروث الإبداعي هذا من خلال التركيز على ردود القراء وتأويلاتهم للنصوص وانفعالاتهم وكيفية تعاملهم معها أثناء التقبل وطبيعة التأثير التي تتركها نفسيا وجماليا لدى القراء عبر اختلاف السياقات التاريخية والاجتماعية. وهكذا وفي ضوء جمالية القراءة لمعرفة الذوق السائد وطبيعة التفكير والتفاعل بين الذوات والنصوص الإبداعية والمقاييس الجمالية التي استخدمت في التأويل عبر التطور التاريخي والتحقيب الأدبي والفلسفي .
    وعليه، فإن النص يستجيب لمعاييره الفنية والجمالية والأجناسية عبر عمليات المشابهة النصية والمعرفة الخلفية وقواعد. و قد تنفتح القارئة اذا ما راحت تواجه نصا حداثيا جديدا لا ينسجم مع القواعد التي يتسلح بها القارئ في مقاربة النص بطرائق فنية جديدة تنزاح عما ألفه من مفاهيم القراءة التقليدية بسبب الانزياح الفني بين الطرائق الموجودة في السرد الكلاسيكي والسرد المعاصر. ويعني أن هناك مسافة جمالية تربك القارئ وتجعل توقعه الانتظاري خائبا بفعل هذا الخرق الفني والجمالي الذي يسمو بالنصوص الخالدة على سبيل المثال.
    ويبدو هنا أن تحليل النصوص تحليلا هيكلانيا ، لا ينتج سوى مساحات من الاختلافات الظاهرية كما نلاحظه مثلا بالدراسات الدينية للنص الديني والتي راحت تنطلق من مسارب ثقافية وتأولية مختلفة حملت بمضامين أيديولوجية سافرة . وذا ما
    انتقلنا إلى مرتكزات هذه النظرية فيمكن حصرها في المفاهيم التالية:
    1- ثنائية القارئ والنص ،جدلية التوازن والخلق
    2- التأثير والتواصل الإحالة المتبادلة ،
    3- العمل المنتج بين القطبين: الفني والجمالي ،
    4- التحقق والتأويل وتأويل المماهاة ،
    5- القارئ الافتراضي عبر الزمن ،
    6- التواصل عبر التحليل ،
    7- البحث عن النص الغائب المتواري بين المجازات
    8- النص المفتوح ،صدمة المعنى
    9- المسافة الجمالية.
    ــ10 استنطاق المسكوت عنه
    أما عن مرجعيات هذه النظرية فإن فإنه يمكن إيجازها في خمسة مؤثرات هي على التوالي:
    1- الشكلانية الروسية ،
    2- بنيوية سوسير
    3- ظواهرية "رومان
    4- تفكيكية ديردا
    5- سوسيولوجيا النص و محمولات أمكانياته
    هذا، وقد كانت هناك مؤثرات وراء تشكل نظرية التقبل منها الفلسفة الظاهراتية التي ظهرت مع هوسرل ، وترتكز هذه الفلسفة على ترابط الفكر والوجود الظاهري للأشياء. وبتعبير آخر، تؤمن هذه الفلسفة بتفاعل الذات والموضوع بطريقة تواصلية من الصعب الفصل بين القطب الذاتي والموضوعي. أما المعنى فإنه يستخلص من خلال التفاعل والتواصل بين هذين الفاعلين. وهذا ينطبق على تفاعل القارئ مع النص تفاعلا تأويليا تحققيا قصد الوصول إلى الدلالة وإعادة بنائها من جديد. وساهمت التأويلية لدى هوسرل في دراسة الكيفية التي نتعامل بها النصوص عن طريق استنتاج المعنى سواء أكان ظاهرا أم مخفيا عبر عملية الفهم والانتقال من المعنى إلى الدلالة ثم تأويل النصوص وذلك بتفسيرها جماليا وفنيا. وهذا التأويل التفسيري يختلف من سياق تاريخي إلى سياق تاريخي آخر. كما تقوم سوسيولوجية النصوص بدور مهم في استقراء معرفي وطبيعة القراء والقراءة وكيفية الاتصال. كما أن البنيوية سواء أكانت شكلانية أم لسانية وظيفية أيضا كان لها تأثير في دراسة النص والإشارة إلى عملية القراءة وأنظمة التواصل عند جاكبسون (التركيز على عناصر التواصل الست: المرسل والمرسل إليه والرسالة والقناة والمرجع واللغة) والتركيز على البنيات الشكلية للنص كالإشارة إلى عوامل السرد من كاتب ضمني وقارئ ضمني...

    لكن ومع هذا التحليل الذي لا يخلو من وجاهة معينة لنظرية التلقي فإن التفكيكية كان لها شرط آخر في تعميق هذه النظرية الى أقصى الحدود الممكنة التي يمكن تصورها حيث يقوم القارئ بفعل التدمير للنص ثم إعادة خلقه من جديد وهنا يصبح القارئ او المتلقي هو من يقوم بخلق النص والمعنى ولا يعود دوره منحصرا في سياق التأويل أو الأستنطاق أو التقصي .. الح .........


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 10:29 am