منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    إشكالية وحضور الجسد

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    إشكالية وحضور الجسد Empty إشكالية وحضور الجسد

    مُساهمة   السبت مارس 13, 2010 7:32 am



    إشكالية وحضور الجسد

    زهير الجبوري
    حين أوضح (فاليري) تصريحه المباشر حول استدعاء كل واحد منا معرفة جسده وفك لغزه المحير ، إنما أراد أن يعطي ( ضرورة أن يمتلك الإنسان القدرة على جسده ) ..


    ذلك إن للّغة الجسد معايير دلالية تقوم على كشف ملموسات في غاية الأهمية ، خصوصاً وإن (بفرنيسيس بونج ) صرح بتعجب عن الإنسان الذي يجهل جسده .. كما ان الجسد عند أفلاطون هو تأليف لأعضاء لا يمثل موقعاً للّذة وآلالام كما هو الحال بالنسبة لمفهوم الجسد في التصور الحديث ، فالعلاقة إذا بين الجسد والنفس هي علاقة تبعية، والمطلب الأفلاطوني هو أن تتحكم النفس في الجسد(1).وإذا كان الجسد هو الوعاء بحسب العديد من الفلاسفة ، فإن القيمة الحقيقة تكمن في كونه يحمل وظائف عديدة ، ولعل العلاقة الوثيقة التي تربط الإنسان بجسده ، ( إنما تتم عبر مفهوم ثقافي واجتماعي وسياسي يختلف من بيئة إلى أخرى ومن عصر إلى أخر )(2).
    ومن خلال دراسة مواطن القوة والضعف والنجاح والفشل ، كان قد دخل في ميادين تحليلية واسعة ، انطوت على مرجعيات دينية وميثولوجية وفلسفية وثقافية متنوعة، حتى في تحليلات علماء النفس ، وقد كشفت العديد من الدراسات المختلفة عن الثنائية المتداخلة بين الجسد والروح في علم الماورائيات المتمثل في الـ( روح ) ، وعلم الماديات المتمثل في الـ ( جسم ) ، إننا إزاء ذلك نطرح مفهوم الجسد بوصفه منظومة شاملة وإن كانت معقدة حتى المجتمعات القديمة التي ساهمت وبشكل مؤشر – آنذاك – بإعطاء لغة الجسد عبر المنظور الفني من خلال المنحوتات والنقوش على الجدران وغيرها من التفاصيل الأخرى وإن تعددت وظائفها السياسية والاجتماعية والفنية ، إنما هناك فعل ثقافي يقوم على كشف دلالات الجسد من جوانب كافة ، وهذا ما نقل لنا حضارات كبيرة وواسعة عبر تكوينات الشكل المصاغ ، أمامنا الصور لتواريخ الحضارات عبر التاريخ .
    لذلك ، فإن علاقة الإنسان بكل الموجودات لا تتم بالشكل الكامل إلاّ إذا كان لجسده الدور الفاعل والحيوي في صناعة ما يصبوا إليه من أدوار وقرارات تنصب في النهاية لصالحه ، وقد شاهدنا كيف غار في أعماق البحار وسبح في فضاءات الكون ضمن معادله الموضوعي لقوانين جسده ..
    إن الجسد البشري رمز لبنية المجتمع والتأثير فيه بالطقوس التي تمثل دائماً وسيلة سحرية للتأثير في المجتمعات (3).. ومن هنا يمكن القول أن أحداً لا يعرف جسد المحارب الذي تحول إلى جسد الشهيد ، لكنه يعرف تماماً جسد المرأة الراقصة أو الفاتنة ..
    في حين نلمس راهناً إن ( الانتحاري ) هو أكثر المنفعلين على قيمة الجسد، نلمس رفضه واحتجاجه لوجوده وممارسة وظائفه المطلوبة بايولوجياً رغم إن التواتر في ذهنه ومخيلته مثال متعال يذهب ضحيته الجسد ، بالمقابل تطرح بعض الفنون خطابها الجمالي عبر صيانة الجسد وتعتبره أصل الوجود ، لأنه يحمل علامات كبيرة للتعبير عن الحقيقة الوجودية ، فلو أخذنا كيفية توظيف الجسد في فن المسرح ، خاصة فن الـ (بانتومايم) أو الـ (مايم) ، تظهر أمامنا القصدية البارزة والمعبرة عن موضوعة معينة ، خاصة السينما المحدثة التي تأخذ من الجسد وظيفة مثلى لكل الأشياء رغم الخدع الفنية الواضحة ، معتبرة في حقيقة الأمر ، ان ليس هناك فوارق بين كائن وأخر في الوجود ، ولعل ما قامت به وسائل الإتصال الفنية العالمية خير دليل عندما جعلت من المدرك والجامد والغامض ، مستحضر أمام الإنسان ومشترك معه .
    في سياق ما قامت به الدراسات الإنسانية حول الجسد ، فقد كان هناك مشتركان في الرأي القائل ( إن الحرية الفردية تهدد الوجود الإنساني وتسم العالم بالفوضى والتشوه وانعدام المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية والدينية ) ..
    رغم إن (مفهوم الجسد في الشرق القديم يختلف عنه في اليونان القديمة ، فالثقافات الشرقية، نظرت إلى الجسد الإنساني كعضو يرتبط بسياق كلي مع الكون ، ويتماثل مع الطبيعية )(4) .
    لكن الإحتجاج المعروف من قبل الفيلسوف المعروف (نيتشه) على المسائل الأخلاقية والدينية التي عطلت الجسد ، أثار ضجة كبيرة في الثقافة الغربية، مشيراً إلى إن وضع الجسد في المسائل هذه إنما امتزج بالأخلاق ليؤكد إنه ( علينا منذ الآن أن نمتنع عن الاختلافات التي بالوحدة والنفس والشخصية )(5) ، والامتناع هنا انفتاح صريح على ضوابط الجسد بما تملي به الرغبات من متطلبات غريزية أو لذائذية أو وظيفية أخرى ، وهذا بلا شك يرتبط بالوعي القائم على تكريس علاقات ثقافية مشبعة بدلالات الرغبة السليمة كما اشار ( نيتشه ) الى حقيقة الطاقة الفاعلة التي تجعل من الجسد إطاراً يحتوي على مجموعة من القدرات حتى ان عبارته الشهيرة التي ترتبط فيها مسألة الوعي بالجسد واضحة حين يقول ( إنك تقول أنا وتفتح غروراً بهذه الكلمة غير إن هناك ما هو أعظم منها ، شئت ان تصدق أم لم تشاء وهو جسدك وأداة التفكير العظمى )..
    وفي الوقت الذي أخذت عبارة ( أعرف نفسك بنفسك ) لسقراط ، تؤسس تساؤلاً جوهرياً عن الـ (أنا) ، فهل هذه المقولة التي نقشها على معبد ( دلفي ) – كما يشير د. عبد الرحمن الليلي في دراسته عن العنف في الجسد – هي حقيقة التفكير في الجسد والبحث عن مكامن وخفايا ربما تكون غير مكتشفة ، أم إن هناك فجوة غير معروفة الآن ؟، أم إن هناك فجوة لم تكتشف جدليتها عن الرابط المكون بين ثنائية الـ (أنا) بوصفها روحاً ترتبط بالمحسوسات و ( الجسد) بوصفه المادة التي تحمل هذه المحسوسات ...
    ككل ، تبقى وظيفة الجسد في ظل العلاقة الحياتية ، مفتوحة ، وبين الحين والأخر نشاهد كيف ان التوصلات العلمية قد أكتشفت أشياء ربما هي جوهر ممارستنا اليومية لكننا لم نشعر بها ، ولهذا فإن كل ما توصلت إليه هذه التحليلات من نتائج ، فإنها تبقى إشكالية قابلة للمداولة والتصنيف والتوظيف ، ما دام الإنسان مستمراً في بحثه وجاد في تنقيباته ، أو إن الإنسان من خلال ذلك يبرهن إن جوهر شقائه في الحياة ، هو جسده .
    الهوامش:
    (1) سمية بيدوع / فلسفة الجسد / ص13.
    (2) عبد الناصر حسو / جريدة الثورة السورية / 4/11/2007.
    (3) المصدر نفسه.
    (4) المصدر نفسه .
    (5) المصدر الأول / ص83.






    صفحة للطباعة صفحة للطباعة





      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 2:47 am