منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تجليات الجسد والأنوثة

    أروى55
    أروى55


    عدد المساهمات : 235
    تاريخ التسجيل : 07/10/2009
    العمر : 32

    تجليات الجسد والأنوثة Empty تجليات الجسد والأنوثة

    مُساهمة  أروى55 الأحد مارس 14, 2010 10:22 am



    الرواية النسائية العربية:
    تجليات الجسد والأنوثة

    - مدخل -

    استثمرت كثير من نصوص الأدب الروائي النسائي عالم المرأة بمكوناته الكثيرة والمتداخلة، ونهض التمثيل السردي بمهمة تركيب ذلك العالم فنيا، مانحا جسد المرأة مكانة بارزة بوصفه هوية أنثوية خاصة. وسعى النقد النسائي- وهو حركة فكرية- نقدية أفرزتها المنهجيات الحديثة - الى تأكيد خصوصية الأدب النسائي باعتباره تمثيلا لعالم المرأة، وذهب الى أن تلك الخصوصية تستمد شرعيتها، لأن المرأة تنتظم في سلسلة علاقات ثقافية وجسدية ونفسية مع العالم من جهة ومع ذاتها من جهة أخرى، وهي علاقات بمقدار ما كانت في الأصل طبيعية، فإنها، بفعل الاكراهات التي مارستها الثقافة الذكورية، قد اصبحت علاقات مشوهة ومتموجة وملتبسة، لأن المرأة بذاتها قد اختزلت الى مكون هامشي.

    في الوقت الذي يريد فيه النقد النسائي إعادة الاعتبار البيولوجي والثقافي للمرأة في عالم تتقاسمه مع الرجل، فانه، انطلاقا من واقع الحال، يعمل على استكشاف الكيفية التي يقوم بها الأدب النسائي لتمثيل عالم المرأة جسديا وثقافيا ونفسيا.

    وتبدو هذه الوظيفة مزدوجة للنقد النسائي، وكأنها تتعارض مع ظروفها، فهي تريد من ناحية إعادة التوازن المفقود بين المرأة والرجل على كل الأصعدة، وبذلك تهشم أنظمة التمركز وآلياته التي دفعت بالرجل وثقافته الى الأمام، وطمست المرأة، وهي من ناحية ثانية تسعى لتأكيد الخصوصيات الدقيقة والمتفردة للمرأة وللأدب الذي يقوم بتمثيل عالما، سواء كان عالما داخليا يتصل برؤية المرأة لذاتها الفكرية والجسدية أو كان عالما خارجيا يتصل بمنظور المرأة للرجل وللعالم. ولا يمكن فك هذا التعارض الذي تزدوج فيه الرغبة في دمج المكونين الأساسيين للثقافة الإنسانية وهما المرأة والرجل، وتشكيل مكوّن يتجاوز الثنائية الضدية بينهما على المستوى البيولوجي والثقافي، والرغبة المضادة في تأكيد الخصوصيات المطلقة للأدب النسائي، الاّ إذا أفرغت شحنة الغلواء الايديولوجي التي تحاول بعض اتجاهات النقد النسائي تسويقها وتأكيدها، واستبدالها بتحليل معرض يقوّض أسباب التمركز حول الذكورة، ثم الإفادة من معطيات التحليل اللساني والسيميولوجي والتأويلي لمعالجة الأدب النسائي استنادا الى رؤية نقدية تهدف الى تحليل الأنظمة الأسلوبية والبنائية والدلالية لأدب المرأة، وعدم نقل قضية النقد الى ميدان آخر يقوم على المخاصمة والمنازعة والمساجلة بين المرأة والرجل، ثمّ وهذا هو المهم، توفير أرضية ملائمة لأن تتراجع النظرة الاقصائية للمرأة، وإشاعة لغة تتحاور فيها مفاهيم الشراكة بدل التغليب، ويتوازن فيها استعمال الضمائر طبقا لحاجات التعبير الحقيقية وحب المواقف والسياقات، وليس استنادا الى الإكراه والمصادرة والاختزال.

    كان "تيري إيغلتون" قد ذهب الى أنه ليس ثمة مرحلة من مراحل التاريخ لم تتم فيها معاقبة وإخضاع نصف صالح من البشرية باعتباره كينونة ناقصة، ووضعية غريبة، وارجع ذلك الى شيوع ايديولوجيا التضاد بين الرجال والنساء، وهي أيديولوجيا استندت الى وهم ميتافيزيقي، وكانت لها نتائج خطيرة، فقد أفضت مع مرور الزمن الى نوع من الثبات لأنها عززت المنافع المادية والنفسية التي يجنيها الرجال منها، ورسخت بنية معقدة من الخوف والرغبة والعدوان والمازوخية والقلق، وهو أمر يقتضي فحصا واعادة نظر بصورة ملحة(1) وكما يظهر، فانّ الالتباس في علاقة الرجل بالمرأة هو التباس ثقافي، وليس بيولوجيا في الأصل. فثمة ايديولوجيا تبريرية استندت الى فرضية وهمية ميتافيزيقية، أحلت التعارض بين قدرات وإمكانات المرأة والرجل ن بدل أن تحل الانسجام والتكافؤ والمشاركة، وهذا أمر جعل الرجل هو الذي يركّب صورة ثقافية لنفسه وللمرأة صورة تمظهرت فيها الأنساق المكوّنة لتلك الايديولوجيا، فظهرت المرأة بوصفها جزءا مكملا لعالم، وليس جزءا أصيلا فيه، ألحقت المرأة كزينة اقتضاها عالم الرجال، وهنا، تدخل النقد النسائي ليؤكد أنه ليس كل ما كتبه الرجال عن المرأة يعكس المرأة حقا، انه يعكس صورة المرأة التي شكلها خيال الرجل الكاتب، وافترض أن هنالك تغييبا متعمدا للصورة الحقيقية، فثمة تراث أدبي نسائي غشاه الإهمال، وانه بالبحث والتقصي يمكن العثور على تقاليد أدبية نسائية طمستها كتابة الرجل، بل أنّ النقد النسائي يذهب، في بعض اتجاهاته الى أنّ طبيعة كتابة المرأة ذات سمات مميزة، فثمة لغة أنثوية لها خصائص تتفرد بها عن غيرها(2).

    إنّ التأكيد على خصوصية اللغة الأنثوية وموضوعات الأدب النسائي الذي يحتفي بالجسد قد أفضى الى اعتبار جسد المرأة محورا تتمركز حوله ليس التحليلات المستفيضة التي يقدمها النقد النسائي، إنما برز كموضوع أدبي استأثر باهتمام الأدب النسائي نفسه.

    ومهما كانت أهمية الجسد في عالم المرأة وفي التمثيلات التخيلية السردية التي يقدمها الأدب عنه، فانه من الخطأ اختزال المرأة الى جسد فقط، واستبعاد الشبكة المتداخلة من الخلفيات التاريخية والتطلعات والمنظورات والقيم النفسية والشعورية والعقلية المتصلة بالمرأة وعالمها. وينبغي التحذير من ان ذلك قد يفضي في المكان الذي ينبغي التحذير منه، على أن هذا لا يعني ان الجسد الأنثوي لا يصلح موضوعا للأدب، أو ملهما للتعبير الادبي ن فاستكشاف هذه القارة شبه المجهولة يشكل بحد ذاته تحديا أمام الأدب، انما القصد الانصيار الى تسويق أيديولوجيا خاصة بتوصيف الجسد من خلال عزلة عن الشبكة المتداخلة التي أشرنا اليها قبل قليل. وهو ما ذهب اليه بعض الناقدات النسائيات، مثل "لوس ايغاري" التي رأت ان الاسلوب النسائي يعرف من خلال "ارتباطه الحميم بالتدفق واللمس"، لانها فكانت "تربط لغة المرأة بالجسد الانثوي واللذة الجسدية"(3). ومن الواضح أن الثقافة التي أقصت المرأة، وحجبت جسدها، جعلتها " ترى نفسها على أنها جسد مثير، وصارت تسعى الى ابراز هذا المعنى " (4)، وقد حذر "رامان سلدان" من ظاهرة التغني المبالغ فيه بالجسد، وذهب الى أن بعض الكاتبات الراديكاليات تغنين بالسمات البيولوجية عند المرأة بوصفها مصدرا للاحساس بالتفوق، وليس النقص، وكل تناول متطرف للطبيعة الخاصة بالنساء معرض لخطر أن يحتل، وعلى نحو مغاير، الموقع نفسه الذي يحتله المتعصبون الذكور"(5). على أن هذه الاحتجاجات وغيرها لم توقف أمر الاحتفاء الصريح بتكوين الجسد الانثوي وجمالياته الخارجية، فالناقدة "هيلين سيكسوس " تعلن ضرورة ان تتصربف الكتابة النسائية الى الجسد، بل والاقتصار عليه، وتدعو النساء الى وضع أجسادهن في كتابتهن (6). وكان"روبرت شولز " قد خصص فصلا في كتابة "السيمياء والتأويل" عن "جسم المرأة نصا" تعقب فيه تجليات الجسد في الرواية النسائية. وينبغي التأكيد أن اسنئثار الجسد بأهمية بالغة في الرواية النسائية، يتم بتوجيه من أسباب متصلة بنظرة المجتمع الى الجسد عموما، وما ولده ذلك من احساس عند المرأة من أنها مرغوبة على مستوى الجسد وليس شيء غيره، وهكذا فان السبب الخاص بشعور المرأة من أنها نسق ثقافي شامل، تفضي هيمنته الى اختزال الانوثة الى مجرد جسد، وكما أكد "فايثر ستون"، فان الثقافة الاستهلاكية تحتفل بالجسد بوصفه حاملا للذة، فهو جسد يشتهي من جانب، ومحل رغبة الآخرين من آخر(Cool، فكأن العلاقة بين الجسد وما يحيط به هي علاقة عرض وطلب قائمة على الحاجة والاشباع والعرض والوفرة والندرة والانتاج والاستهلاك، فالمتعة أو الرغبة فقدت بعدها التواصلي العميق والانساني واستبدلته لنوع من الشغف الاستعراضي المثير الذي يهدف الى اثارة مجموعة مترابطة من الاستيهامات المتبادلة بين المرأة والرجل، استيهامات تخضع لضرب من المقايضة بين الاثنين. ومن الطبيعي، وسط نسق ثقافي يرى الجسد من هذا المنظور، ويتعامل معه على وفق هذه القاعدة، ان تظهر حاجة ماسة الى الترغيب بالجسد استنادا الى ثنائية الحجب والاظهار، المنع والاباحة، حب الطلب، لكي يظل مثار رغبة وبحث، فثمة استراتيجية تنظم العلاقة بين مانح الجسد ومستعمله، وبمقدار ما يتم اختراق الحواجز لامتلاك جسد المرأة، فان ثمة رغبة باستكشاف غموض الآخر الذي هو جسدها، وهنا تتفاقم الرغبة وتأخذ بعدا حسيا مجردا، وقد عبر "جورج باتاري" عن هذا الأمر بقوله : أن الرغبة الايروتيكية هي رغبة لتجاوز المحرمات، ورغبة الى مايبقى خفيا في جسد الآخر(9).

    ولذلك فان كثيرا من النصوص الروائية يتجعل من الجسد محورا تتمركز حوله العلاقات الخاصة بالاحداث والأفعال والوقائع، فالتمثيل السردي يعيد تركيب المهيمنات الثقافية حول موضوع الجسد، بما لا يتعارض مع طبيعتها الفاعلة في المجتمع، وذلك التمثيل يعرض ولكن بشكل ضمني وخفي النزاع والتوتر القائمين بين الجسد بوصفه هوية أنثوية متجددة ثقافيا، والذي يحقق للمرأة خصوصياتها، ولكن ليس تفردها بوصفها كائنا متعاليا وبين استعمالاته وانتهاكاته باعتباره موضوعا للذة والرغبة. وكل ذلك يعمّق مشكلة تجليات الجسد في الأدب.

    انّ ربط الأدب النسائي بالجسد أمر ينبغي تدقيقه، ونظرا الى غياب الحفر التاريخي والنقدي الذي يبرهن على تلك الرابطة وحجها، فان القول باقتران الأدب النسائي بالجسد الأنثوي يحتاج الى قرائن، فـ"محمد برادة" كان قرر ذلك الترابط حينما اكد : أنّ بداية الكتابة النسائية هي بداية استحياء المرأة لجسدها والافراج عن احاسيسه المخبوءة، واكتشاف لغته المغايرة للغة الاسقاطات والاستيهامات التي كفّن بها الرجل حيوية المرأة وتلقائيتها (10).

    يمثل الجسد اذن أحد المحاور التي دارت حوله نصوص الأدب النسائي، وبقدر تعلق الأمر بالرواية العربية النسائية، فانه لا يمكن الاّ القول بأن الجسد الانثوي كان عنصرا له حضوره الى جوار عناصر أخرى، ودرجة الاهتمام به تختلف بين نص وآخر، وفيما لا توليه بعض الروايات الاّ اهتماما عابرا، تحتفي به روايات أخرى، وتنهمك في رسم تفاصيله وتوجعاته واستيهاماته، فيكون مثارا للاعجاب والحفاوة، وهي حفاوة تقود الى ظهور نوع من السرد الكثيف الذي ينشغل بالجسد وغباته وخفايا، دون أن يدمج ذلك دمجا قويا في سياق الحكاية.

    فالروايات التي ستكون موضوعا للتحليل هنا، لم يكن الجسد موضوعا مباشرا لها، انما يقوم السرد، في كثير من الأحيان، بالاهتمام بالجسد الانثوي على حساب البناء العام للحكاية ئن بحيث تبدو الاجزاء الخاصة بذلك، وكأنها ألصقت بالنصئن وهذا النوع من السرد هو سرد كثيف، يشغل فيه الراوي /الراوية بتفصيلات الجسد، ويهمل الى حد ما، مسار الحكاية، قبل ان يعود /تعود الى سياق النص. وتتدرج عملية التمثيل السردي من الانشغال بحاجات الجسد، وما يقتضيه ذلك من استطرادات وتفصيلات، الى التصريح باستيهاماته وتخيلاته، الى مراقبته بحذر ومتابعة نموّه والخوف عليه، وصولا الى التعامل معه كمركز ينطوي على إيحاءات متصلة بحرية المرأة والانتهاك الثقافي الذي تتعرض اليه في عالم مشبع بالثقافة الذكورية.



    عبد الله إبراهيم

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 10:15 pm