منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الفاعلية الأسلوبية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الفاعلية الأسلوبية Empty الفاعلية الأسلوبية

    مُساهمة   الإثنين نوفمبر 23, 2009 12:45 pm

    نقد أدبي > حدود الفاعلية الأسلوبية في الخطاب النقدي المغاربي المعاصر

    حدود الفاعلية الأسلوبية

    في الخطاب النقدي المغاربي المعاصر

    (قراءة في كتاب المسدّي "النقد والحداثة")

    فريد أمعضشو*

    farid-88@hotmail.com
    مقدمة:

    لقد عرف النقد الأدبي في المغرب العربي تطورا ملحوظا على مستويي الكم والنوع، منذ منتصف القرن المنصرم خاصة. فظهرت فيه أسماء رائدة يصعب حصرها في هذا المقام، وتبنى عددا من المناهج القرائية الحداثية في معالجة الظاهرة الأدبية ومدارستها. ويهمنا منها في هذا المجال" التحليل الأسلوبي" باعتباره فاعلية نقدية استطاعت أن تلج ميدان النقد المغاربي منذ أواسط الأعوام السبعين، بفضل كوكبة من ناقدينا المرموقين الذين انفتحوا على المشهد النقدي الغربي، وأفادوا من مناهجه في الدراسة الأدبية.

    والواقع أن الدرس الأسلوبي الحديث يطرح جملة من الإشكالات، وعلى صُعُد متباينة. منها ما يتعلق بالمستند المعرفي الذي يرتكز عليه (اللسانيات)، ومنها ما يرتبط بالتفكير البلاغي الذي سبقه، ومنها ما له علاقة بأوجه استثماره في القراءة النقدية لنصوص شتى...لذا، ينعته أحد الباحثين العرب المهتمين بالشأن الأسلوبي بأنه" درس إشكالي، أو هو درس ولد إشكاليا"([1]).

    يعد الدكتور عبد السلام المسدي واحدا من النقاد المغاربيين الذين عنوا بالأسلوبية تنظيرا وتطبيقا منذ وقت مبكر. بحيث إنه كرس جملة من دراساته النقدية لبيان مقومات التفكير الأسلوبي الحديث ومشكلاته، ولتجريب الإجراء الأسلوبي في مقاربة نصوص عربية قديمة وحديثة. وتمثل تجربته هذه –بشهادة عدد من النقاد – قفزة نوعية، وخطوة رائدة في نقدنا المغاربي المعاصر. كما أنها تشكل محاولة خصيبة لتجسير الصلات بين القديم والحديث، وتطعيم نقودنا بالآليات الإجرائية الحداثية. ومن دراسات الرجل التي تطرقت إلى تسليط الضياء على الأسلوبية، واختبارها في المعالجة النصية كتابه النفيس" النقد والحداثة" الذي لا تزال أهميته النظرية والمنهاجية قائمة بالرغم من مرور أزيد من عشرين خريفا على صدوره (دجنبر 1983).

    صدر هذا الكتاب - مرفقا بدليل ببليوغرافي - في بيروت، عن دار الطليعة. ويقع في 224 صفحة من القِطْع المتوسط. وتتألف بنيته من مقدمة مقتضبة مركزة (صفحتان)، بين فيها المسدي محتويات الكتاب وغايته، ومن خمسة فصول متفاوتة طولا وقصرا، وجامعة بين التنظير والتطبيق، مترابطة فيما بينها برباط جلي أحيانا، خفي أحيانا أخرى. ويكمن مرمى هذا الكتاب في أنه يتغيى تقديم منهاج جديد ومتميز " يزيح الحواجز العائقات سواء ما قام منها قسرا بين الأدب والنقد، أو ما تظلم على الفن القولي فشيد سياجا يعزل الشعر عن النثر، أو ما أقيم منها تعسفا واصطناعا بين التنظير والمعالجات"([2]). وسيسعى هذا البحث إلى تقديم مقاربة لهذا الكتاب الذي يحتاج إلى تبيين أفكاره ومضامينه، بالرغم من كل ما كتب حوله. وليكون عملنا واضحا، ارتأينا أن نتناول الكتاب فصلا فصلا، مع تطعيمه بما نراه مناسبا من الآراء والاجتهادات الأخرى.
    1- نحو تصور نوعي جديد للحداثة في الأدب والنقد:

    لعلنا أن لا نكون مغالين إذا قلنا إن مفهوم "الحداثة" (Modernité) من أبرز المفاهيم التي شغلت - ولا تزال - الفكر والأدب العربيين المعاصرين. وقد انبرى للكتابة حوله مفكرون وباحثون عديدون في المغرب والمشرق على حد سواء. وإذا كان كثيرون منهم (كمال أبو ديب مثلا) يصرون على أن الحداثة انقطاع معرفي، وانشراخ روحي وشعوري عنيف ضرب الثقافة العربية في لحظتها الحضارية الراهنة؛ على أساس أن مصادرها الإبستمولوجية تكمن في اللغة البكر، والفكر العلماني، وكون الإنسان مركز الوجود...فإن هناك آخرين يؤكدون أن الحداثة "حركة انفصال تقطع مع التراث والماضي. ولكن لا لنبذه، وإنما لاحتوائه وتلوينه وإدماجه في مخاضها المتجدد. ومن ثمة فهي اتصال وانفصال، استمرار وقطيعة: استمرار تحويلي لمعطيات الماضي وقطيعة استدماجية له. هذا الانفصال والاتصال تمارسه الحداثة حتى على نفسها، فما يسمى ما بعد الحداثة لا يمثل مرحلة تقع خارج الحداثة "وبعدها"، إنه أقرب ما يكون إلى مراجعة الحداثة لنفسها لنقد بعض أسسها وتلوينها".([3])

    وفي خضم تضارب الآراء واختلاف وجهات النظر بشان مفهوم الحداثة، نجد المسدي يدلي بدلوه في هذا المجال، محاولا اقتراح تعريف لهذا المفهوم باعتباره مقولة تصورية ذات جوهر. يقول: " الحداثة مقولة، والمقولات تصنيفات تستقر في الذهن، فيستخدمها العقل في سعيه الإدراكي لحقائق الأشياء والوقائع والظواهر.وشأن المقولات ألاّ يراعى فيها أمر الألفاظ الدالة عليها، لأنها تصورات لولا تعذر مناجاة الناس بعضهم بعضا بغير قناة اصطلاحية لكانت مدلولاتها مركوزة في النفس بغير ملفوظات"([4]).

    ويصرح المسدي بأن الحداثة في المشهد الثقافي العربي المعاصر مقولة تتسم بالتلابس، ومرد ذلك إلى "تواتر الاشتراك عند استخدام "الحداثة" لفظا ومعنى"([5]). ذلك بأن مصطلح " الحداثة" يرد دالا متعددا تبعا لتنوع صوره اللغوية القائمة في أذهان مستخدميه من وجهة، ومن وجهة أخرى فإن هذا المصطلح عينه يحتمل معاني عدة طبقا لتعدد أسيقته التي يستعمل فيها. وحاصل هذا التلابس كله أن الحداثة في وضعنا المعاصر" مفهوم يوظف عند الاستخدام توظيفا يحمله المعنى وضده، فيغدو مطية لمحامل دلالية متدرجة..."([6])

    إن تعدد تحديدات الحداثة، وتلابس مصطلحها، وتشابك مفهومها أمور تجعل مقولة الحداثة تعاني إشكالا تصوريا متعدد الواجهات، وتعرقل عمل الناقد الذي يروم التنظير للحداثة. وهنا يتساءل المسدي عن إمكان وجود سلم- ولو تقريبي- لأعراض هذه القضية الشائكة. ذلك بأن استكشافها سيكون قمينا بأن يعين الناقد على تحقيق إنجاز إجرائي هام في سبيل إزالة مولدات الالتباس بين البنيتين الاصطلاحية والمفهومية للحداثة. ويعد هذا الإنجاز بمثابة "شرط أولي عند اعتزام أي تأسيس نظري"([7]) كما يقرر المسدي. ومن أهم الأعراض الحافة بمقولة الحداثة في إشكالها الاصطلاحي والدلالي الاختلاط الحاصل بين فكرة الحداثة ومفهوم القراءة، والغموض الملازم لمقولة الحداثة؛ على أن " من أصناف هذا الغموض ما يكون مخصابا عندما تجر المتقبل جرا نحو استخدام كل ملكاته الإدراكية في غير ارتكان ولا توان"([8])...إلخ.

    وبعد ذلك، يدلف المسدي إلى الحديث عن البنية المفهومية التي تقوم عليها مقولة الحداثة. وإن من شأن تبيان هذه البنية أن ييسر علينا " رسم الإطار المبدئي حتى نضبط داخل حدوده المقوم التنظيري لمقولة الحداثة، ولو في نطاق مقاربة تصنيفية أولى"([9]). وهكذا، يبرز المسدي أن البنية المفهومية لمعظلة الحداثة تقوم على ازدواج مضاعف (أو ثنائيتين متوالجتين)؛ أولهما قاعدي أصلي طرفاه الأدب من حيث هو إبداع، والنقد من حيث خطاب حول الأدب؛ أو"ميتالغة" (Métalangage) بتعبير بارط (Barthes.R). وثاني الازدواجين تبعي مرتبط بالأول، حداه المقول/ المضمون والقول/ الصياغة. وهذا الازدواج – كما يصفه المسدي- من نمط " الازدواج المتداخل"، وهو ما يقود إلى الحديث عن عناصر مقولة الحداثة. إذ إنها ترتد إلى أربعة أطراف متفاعلة مترابطة عضويا، هي: الأدب، والنقد، والمضمون، والصياغة.

    إن الحداثة- في مجال الأدب- تمس جانب المضمون (الحداثة المضمونية)،ومستوى الصياغة (الحداثة الصياغية). أي إنها تقترن بمدى إسهام الأديب في موضوعة النضال الإنساني والتجديد، وتعنى بمدى قدرة الأدباء على ابتكار أساليبهم الأدائية الخاصة بهم. كما أنها تكون- في مجال النقد- على مستويي المضمون والصياغة (لغة النقد).

    إن الأطراف الأربعة المتقدمة تشكل الدعامات الرئيسة التي تنبني عليها مقولة الحداثة. وهي تفضي إلى الأركان التي تمثل المعايير المتناوبة في الحكم بمدى حصول الحداثة أو غيابها، ويتعلق الأمر بالدلالة الأدبية، واللغة الأدبية، والمقولات النقدية، والخطاب النقدي. وبين تباعدها وتعاضدها يتكون جسر الانتقال من اللاحداثة إلى الحداثة المطلقة. وحاول المسدي أن يحصر الاحتمالات الممكنة انطلاقا من علاقات الترتب والانتظام بين هذه الأركان، فحصل – في المآل – على ست عشرة إمكانية نظمها على سلم تصنيفي سماه" سلم مراتب الحداثة". وقد عمد الباحث إلى استعراض هذه المراتب مرتبة مرتبة، وبحسب العد التنازلي؛ أي بدءا بالمرتبة السادسة عشرة التي تمثل فيصلا بين اللاحداثة والحداثة، بحيث تكون فيها الأركان الأربعة خلوا من مقوم الحداثة. وانتهاء بالمرتبة الأولى التي تمثل " سنم الحداثة، وبؤرة الكثب في إبداعية النقد ساعة يلتف على إبداعية الأدب"([10])؛ وبعبارة أخرى، فالأركان كلها تعرف حضورا مكثفا لمقوم الحداثة. ولتجميع هذه المراتب وتوضيحها أكثر، يُحَوْصِلُها المسدي في جدول واصف([11]). بحيث تشير فيه علامة الإيجاب (+) إلى حضور الحداثة، على حين ترمز علامة السلب (-) إلى انتفائها.وسيلحظ متصفح هذا الجدول أنه خاضع لناموس واضح؛ وهو أنه كلما تنازل العد، تصاعدت كثافة حضور مقوم الحداثة في الأركان الأربعة لمقولة الحداثة.

    وهكذا يتوضح لنا أن المسدي قد حاول تجلية العلاقة الجدلية بين الحداثة والأدب والنقد، وتقديم تصور نوعي أو برنامج رؤية نقدية " مدارها معظلة الحداثة، ومبتغاها تحسس مشروع معرفي لحمته التنظير التأليفي، وسداه التناول التحليلي"([12]).
    2 - اللسانيات ولغة الأدب: أي علاقة ؟

    أثير نقاش كثير حول صلة النقد الأدبي بالعلوم اللغوية عامة، وظهرت عدة كتابات تصب في هذا المجال، سواء في النقد الغربي أم العربي. ففي عام 1960، احتضنت جامعة أنديانا الأمريكية ((Université d’Indiana ندوة دولية كبرى حول " الأسلوب"، شارك فيها صفوة من اللسانيين والنقاد وعلماء الاجتماع والنفس المعروفين عالميا. وفيها ألقى رومان ياكبسون (R. Jacobson) محاضرة عنوانها " اللسانيات والشعرية"([13])، نادى فيها بتوثيق العلاقة بين اللسانيات والأدب عموما، وتمتين الروابط بينهما.وأكد ألبير هنري (A. Henry) في كتابه ( دراسات في التركيب التعبيري بين الفرنسية القديمة والحديثة) أن " الحدود بين اللسانيات، ونقد النصوص، والاستطيقا الأدبية ملغاة." ([14]) وأوضح هنري ميشونّيك (H. Meschonnic) أن التفريق بين اللسانيات والأدب لا يعدو كونه مجرد تمييز اعتباطي. وحاول جون لوي كابانس (J.L Cabanès) أن يدافع عن قوة العلاقة بين علم اللسان والنقد الأدبي، من خلال بيان مظاهر التأثير اللسانياتي (دروس سوسير، مبادئ الشكلانيين الروس،...) في النقد...([15]) ولم يكن الناقد العربي بمنأى عن هذا النقاش؛ لذا وجدناه يشارك في هذا المضمار، ويسهم في إثرائه. كما فعل الباحث التونسي توفيق الزيدي في دراسته القيمة" أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث" ومواطنه المسدي في هذه الدراسة التي نحن بصدد قراءتها: وغيرهما.

    يذهب المسدي إلى أن إفادة النقد الأدبي خاصة، والعلوم الإنسانية عامة، من علم اللسان أمر وارد، وشيء غير مرفوع. إذ يرى أن "من الحقائق التي غدت مقررة في عصرنا أن المعرفة الإنسانية مدينة إلى اللسانيات بفضل كثير سواء في مناهج بحثها أو في تقدير حصيلتها العلمية"([16]).ودعم هذا الرأي في حوار أجرته معه إحدى المجلات العراقية في الأعوام الثمانين، وذلك بقوله:" وبحسب اشتغالنا في نطاق الاختصاص، كانت "اللسانيات" ميدان أبحاثنا بصفة أولية... وكانت جل اهتماماتنا متركزة على فحص القضايا النظرية في العلم الحديث...وقد حاولت في نطاق هذا الاختصاص أن أثبت بعض القضايا المبدئية في علم اللسانيات الحديث، وفي الوقت نفسه حاولت أن أخرج بهذا العلم لمد الجسور مع الميادين الخاصة – ومن حيث الاختصاص-بهذا العلم، وعلى وجه التحديد: الأدب أو علم نقد الأدب المتطعم أساسا بعلم اللسانيات الحديثة. هذا وجه من وجوه تضافر المعرفة، أو تضافر الاختصاصات بين الاهتمام الأدبي والنقدي..."([17])

    لقد أدى تطور اللسانيات الحديثة على امتداد القرن المنصرم إلى ظهور زخم من المناهج والمدارس، لعل أبرزها البنيوية من حيث هي طريقة في التفكير، ومنهاج في البحث. كما أنها غزت حقولا معرفية عدة، وأسهمت في تخصيبها. وقد كان النقد الأدبي في طليعة المجالات المستفيدة من مكتسبات اللسانيات العامة، وذلك من خلال استثماره لعدد من مفاهيمها وإوالياتها الإجرائية. وتعلق على التفاعل القائم بين اللسانيات والنقد آمال عِراض في بروز المنهج الاختباري المتكامل الذي يسمح بتحديد أدبية الخطاب الفني. وهذا معناه أن تضافر جهود عالم اللسان وعالم الأدب هو الذي سيعين على تحديد بؤرة الفعل الشعري في كل نص إبداعي"([18]). وهناك من يقر بأن اللسانيات مجرد أنموذج ومنطلق، لا تزود النقد بأي مفهومات، حيث يقول – مثلا - الأستاذ لحسن موزوني: "إن اللسانيات باختلاف مدارسها تستخدم دائما كنموذج. إنها نموذج فقط، لذا فهي لا تعطي مفاهيم للنقد الأدبي أو لعلم الأدب. إن اللسانيات منطلق فقط."([19])

    ومن الاختصاصات المرتبطة باللسانيات التي أفاد منها النقد الحديث، وهيأت له كثيرا من مقومات الحداثة نجد السيميائيات من حيث هي علم عام يعنى بدراسة العلامات (signes) بمختلف أنساقها. والسيميائية نوعان؛ أدبية (العلامية الأدبية بعبارة المسدي)، ولغوية (العلامية اللغوية بتعبيره أيضا).

    وتحدث المسدي في هذا النطاق كذلك عن المنطلقات التي تستند إليها النظرية النقدية المتصلة بالخطاب الأدبي، حاصرا إياها في منطلقين اثنين رئيسين. فأما أولهما فذو طابع لسانياتي / لغوي، مؤداه أن اللغة تقوم على وظيفة دلالية هي بمثابة الرباط الحتمي الحاصل من مجموع الألفاظ الواردة في الكلام المقصود بالذات. وأما ثانيهما فقوامه أن الكاتب باثَّ الخطاب لا يستطيع الإبانة عن حسه ولا عن تصويره للوجود إلا انطلاقا من تركيب الأدوات اللغوية على نحو يقود إلى تشكيل الصورة المبتغاة.

    وقد سعى الباحث ذاته –جادا-إلى بلورة نظرية للخطاب الأدبي في النقد، انطلاقا من الإقرار بحتمية الاستكشاف اللسانياتي في فحص الحدث الإبداعي. واعتبر الظاهرة اللغوية" مصب جدولين، ونقطة تقاطع محورين؛ أولهما الجدول النفعي، وهو الجدول الخادم، لأن مداره وضع اللغة الأول،وهو الأصل بالذات والزمن. وثانيهما الجدول العارض، وهو الجدول المخدوم، إذ محوره وضع اللغة الطارئ. هذان المظهران كلاهما واقع لغوي، أما الذي يميز الخطاب الأدبي فهو كونه تأليفا لجدولي الجهاز الأصلي والتركيب الطارئ."([20]) ويؤكد المسدي أن عالم اللسان يعين الناقد على تحديد هوية الصوغ الإبداعي، وأن ما يقرره هذا العالم لتدعيم الأثر الأدبي "هو الذي يقي عملية الخلق الشعري من الإجهاض عند المواصفة والنقد، لأن الأدبية من حيث تحدد تحول الحدث اللغوي إلى ظاهرة فنية تقر بأن النص الإنشائي لا يُستوعب إلا من خلال تركيبه اللغوي"([21]).
    3 - في تعريف الخطاب الأدبي:

    عرض المسدي في الفصل الثالث من كتابه- قيد القراءة-بعض وجهات النظر في تحديد الخطاب الأدبي، باعتماد منهج الاقتباس من بعض الأعلام المعروفين في النقد الغربي. وذلك سعيا وإلى إبراز مظاهر التواؤم بين التيارات النقدية والأسلوبية. ولذلك جاء هذا الفصل برمته غفلا من الهوامش والحواشي، مع أن جله عبارة عن أقوال الآخرين في الموضوع. وهكذا، يقف القراء حيارى، ولن يستطيع تمييز كلام المسدي من كلام غيره إلا من كان له اطلاع واسع في هذا المجال. ونشير إلى أن هذا الفصل معاد مكرور، إذ سبق لصاحبه أن تناوله – بشكل أو بآخر-في كتابه القيم (الأسلوبية والأسلوب). وإن من يتصفح محتوى هذا الفصل يجده منصرفا إلى معالجة قضية الأسلوب، وماهية الأسلوبية، وصلتها بمجالات أخرى، واتجاهاتها، وغير ذلك مما يندرج في هذا الإطار.

    يقول بيير جيرو (P.Guiraud): "ليس ثمة شيء أحسن تعريفا، في الظاهر، من كلمة أسلوب! "([22]) ولكن إذا تعمقنا في هذا الأمر، فإننا واجدون أن من الصعوبة بمكان إعطاء تعريف واحد جامع مانع لمفهوم الأسلوب عامة. ويعزى ذلك إلى جملة أمور؛ منها تباين زوايا النظر إلى هذا المفهوم، وتنوع الأساليب وتعددها في حد ذاتها؛ بحيث صار من العسير أن نضع اليد على نقطة الالتقاء بينها جميعا، فنعتمدها بؤرة في تحديد ماهية الأسلوب([23]). كما أن هذا المفهوم لا يخص المجال اللسانياتي وحده، بل يُتحدث عنه في مجالات عدة أخرى كالموضة والفن والسياسة وتدبير الحياة اليومية... ثم إن طبيعته لم تحدد بدقة حتى في مجال اللسانيات([24]).

    ولكن هذه الصعوبة لم تمنع الباحثين من محاولة تحديد مفهوم الأسلوب العائم، واقتراح تعريفات له انطلاقا من الزوايا التي ينظر منها كل منهم. وهكذا عرفه جون دوبوا (J. Dubois) بأنه "الشارة (Marque) الدالة على فردانية الذات في الخطاب "([25])، وعرفه مارسيل كريسو (M. Cressot) عن طريق ربطه بالكلام (Parole)([26])، وحدده بول فاليري (P. Valery) بأنه انحراف عن قاعدة أو معيار ما (Norme)، وأدخل ميكائيل ريفاتير (M. Riffaterre) عنصر القارئ (Lecteur) في تعريف الأسلوب...إلخ.

    إن كلمة "أسلوب" (Style) مأخوذة من الجذر اللاتيني (Stilus) الذي يدل على مثقب يستعمل في الكتابة (أو الريشة). أما في معاجم اللغة العربية، فيراد بهذه الكلمة إلى الطريق، أو الفن، أو المذهب، أو الوجه([27]). ويعرف الأسلوب في الاصطلاح الأدبي النقدي عادة بأنه "طريقة يستعملها الكاتب في التعبير عن موقفه، والإبانة عن شخصيته الأدبية المتميزة عن سواها، لا سيما في اختيار المفردات، وصياغة العبارات، والتشابيه والإيقاع"([28]). وهو يختلف من كاتب إلى آخر، ومن فن إلى آخر، ومن عصر إلى آخر.

    يحدد المسدي الأسلوب بقوله:" إن مدلول الأسلوب ينحصر في تفجر الطاقات التعبيرية الكامنة في صميم اللغة بخروجها من عالمها الافتراضي إلى حيز الموجود اللغوي. فالأسلوب هو الاستعمال ذاته، فكأن اللغة مجموعة شحنات معزولة. فالأسلوب هو إدخال بعضها في تفاعل مع البعض الآخر كما لو كان ذلك في مخبر كيمياوي".([29])

    ولما كان الأسلوب شأن خطير في النقد الأدبي الحديث، فقد ظهر تخصص معرفي جديد يعنى بدراسة الأسلوب دراسة علمية منذ أخريات القرن 19 وأوائل القرن 20، لا سيما في فرنسا التي عرفت في ذلك الإبان ازدهارا واضحا في الدراسات اللغوية ومناهجها. وقد عرف هذا التخصص باسم "الأسلوبية" (stylistique)([30]). وكان عليها" أن تناهض المناهج القديمة في الدراسة اللغوية حتى تنبذ كل عمل آلي في دراسة الظواهر اللغوية سعيا وراء المجهود الأدنى، أو حرصا على التحليل التاريخي"([31]).ذلك بأن دراسة اللغة لا تقتصر على معاينة العلاقات بين المفردات، بل تمتد إلى اكتشاف الروابط بين التعبير اللغوي والتفكير..وقد عرفت الأسلوبية منذ ذلك الوقت تحولات جذرية مهمة؛ بحيث اتسع نطاقها، وتشعبت اتجاهاتها، وكثر المشتغلون بها، وأصبحت تتجه نحو إرساء كيان مستقل خاص بها على غرار باقي العلوم. ولا ينبغي للباحث أن يغض الطرف عن العراقيل الكثيرة التي كانت تقف في وجه الأسلوبية، وتعيق تطورها. يقول ريفاتير ذاكرا بعضها:" إن الانطباعية الذاتية، والبلاغة المعيارية، والتقدير الجمالي (L’appréciation esthétique) كلها عوامل ناوأت لمدة طويلة تطور الأسلوبية من حيث هي علم للأساليب الأدبية"([32]).

    وإذا كان دارسون كثيرون يتحدثون عن الأسلوبية باعتبارها علما قائما بذاته، فإن ثمة آخرين يعارضون ذلك. وفي مقدمتهم جوليان غريماص (J. Greimas) وجوزيف كورتيس (J. Courtés) اللذان أكدا أن "الأسلوبية مجال بحْثي يندرج ضمن التقليد البلاغي، إلا أنه لم يبرز في فرنسا إلا في أواخر القرن التاسع عشر. وهي تستند تارة إلى اللسانيات، وتارة إلى الدراسات الأدبية. إن الأسلوبية لم تفلح في أن تنظم نفسها داخل علم مستقل".([33])

    وهذا يقودنا إلى الكلام عن علاقة الأسلوبية بالمجالات الأخرى (كاللسانيات والنقد الأدبي والشعرية والبلاغة...) إذ إنها- كما يقول دوبوا- فرع من فروع علم اللسان تصنيفا([34])، وهي تنتسب إليه في موضوعها ومنهاجها: " فأما موضوعها فهو النظر في الإنتاج الأدبي، وهو حدث لغوي لساني. وأما منهجها في النفاذ إلى أسلوب النص فهو منهج لغوي يروم الوقوف على الخصائص اللغوية فيه وعلى العلاقة الرابطة بين هيكله اللغوي ووظيفته الشعرية"([35]). وقد أفادت الأسلوبية – فعلا- من ثمرات البحث اللسانياتي في قراءة النص الأدبي، وخاصة المبادئ اللغوية التي أرساها دوسوسير؛ من مثل: اللغة ظاهرة اجتماعية، واللغة نسق من العلامات، واللغة بنية مغلقة على ذاتها، واعتبار العلامة كيانا مزدوجا (دال ومدلول)، والتمييز بين المحور النظمي/الأفقي وبين المحور الاستبدالي/ العمودي... إلخ. يقول ميشال آرّيفي (M.Arrivé) في هذا السياق: "إن الأسلوبية وصف للنص الأدبي حسب طرائق مستقاة من اللسانيات."([36])وقيل كلام كثير بشأن أوجه إفادة النقد الأدبي من الأسلوبية، فذهب الدارسون مذاهب شتى في هذا المتَّجَه. إلا أن عديدين منهم يؤكدون أهمية إخصاب النقد بآليات التحليل الأسلوبي ومفاهيمه." فالأسلوبية مصبها النقد، وبه قوام وجودها. وهي تعنى بالجانب الفني في الظاهرة اللغوية. وتقف نفسها على استقصاء الكثافة الشعورية التي يشحن بها المتكلم خطابه في استعماله النوعي."([37]) وقد نادى المسدي بعقد الصلات بين اللسانيات والنقد الأدبي وتمتينها من خلال وساطة الأسلوبية، حيث قال:" علينا إذن أن نمد الجسر بين النقد وعالم اللسان عن طريق علم الأسلوب، فنرفض التجزئة التقليدية الفاصلة بين اللغة والأدب".([38]) وللأسلوبية ارتباط بعلم العلامات، إذ إن الفاصل بينهما " ذو طابع عملي لا مقولاتي (non catégoriel)"([39]). ولها أيضا علاقة بالشعرية (Poétique)، بحيث تشمل هذه الأخيرة الأسلوبية بوصفها مجالا من مجالاتها البارزة.([40]) وعن صلة الأسلوبية بالنحر (Grammaire)، يقول المسدي إن النحو "مجال للقيود، والأسلوبية مجال الحريات. وعلى هذا الاعتبار كان النحو سابقا في الزمن للأسلوبية، إذ هو شرط واجب لها. فكل أسلوبية هي رهينة القواعد النحوية الخاصة باللغة المقصودة، ولكنها مراهنة ذات اتجاه واحد. لأننا إذا سلمنا بأن لا أسلوب بدون نحو، فلا نستطيع إثبات العكس فنقول: لا نحو بلا أسلوب."([41]) ومن القضايا التي استأثرت باهتمام عديد من الباحثين الغربيين وغير الغربيين مسألة علاقة الأسلوبية بالبلاغة " العجوز" على حد تعبير صلاح فضل([42]). ويكاد هؤلاء يجمعون على أن " الأسلوبية هي الوريث المباشر جدا للبلاغة."([43]) على أن هذه الوراثة لا تعني الاستنساخ الحرفي للبلاغة الكلاسيكية، بقدر ما تعني الإفادة من بعض جوانبها، والإتيان ببدائل ومسائل جديدة أخراة. ذلك بأن الأسلوبية تهدف الآن إلى " أن تكون علمية، تقريرية، تصف الوقائع، وتصنفها بشكل موضوعي، منهجي، بعد أن كانت (البلاغة)... تدرس الأسلوب بروح معيارية، نقدية صريحة، وتعلم الأفضل من القول..."([44]) وقد حاول المسدي أن يعقد قرانا بين البلاغة والأسلوبية، من خلال رصد بعض أوجه الاتفاق والافتراق بينهما. يقول:" إن بين مجال العمل الأسلوبي ومحتوى التفكير البلاغي ازدواجا وظيفيا. فموضوع كليهما فن الكتابة، وفن التركيب، أو قل فن الكلام وفن الأدب. ثم إن منحى البلاغة متعال، بينما تتجه الأسلوبية اتجاها اختياريا. معنى ذلك أن المحرك للتفكير البلاغي قديما يتسم بتصور" ماهي "بموجبه تسبق ماهيات الأشياء وجودها، بينما يتسم التفكير الأسلوبي بالتصور الوجودي الذي بمقتضاه لا تتحدد للأشياء ماهياتها إلا من خلال وجودها"([45]). ومهما كان الشأن فالأسلوبية امتداد للبلاغة وبديل لها في الآن نفسه، "هي لها بمثابة حبل التواصل وخط الفصل..."([46]) ومن خلال رصد كل هذه العلائق التي تربط التفكير الأسلوبي ببعض الحقول المعرفية، يتضح لنا أن هذا التفكير – بالرغم من التحولات الهامة التي حققها في النقد الحديث-لازالت جسور التواصل بينه وبين غيره من المجالات قائمة وفاعلة. فهو يستثمر كثيرا من مكتسبات تلك المجالات من وجهة، ويفيدها بإجراءاته ومفاهيمه من وجهة ثانية.

    وتتخذ الأسلوبية من دراسة الأساليب على اختلاف ألوانها، أو من الخطاب الأدبي عامة (Discours littéraire) مادة وغاية لها. يقول الباحث اللبناني بسّام بركة: "إن الأسلوبية تحليل لخطاب من نوع خاص، فهي وإن كانت تعتمد على قاعدة نظرية (لسانية أو سيميائية أو برغماتية)، فإنها أولا وأخيرا تطبيق يمارس على مادة هي الخطاب الأدبي"([47]). وهي لا تقف عند حدود سطح النسج الأدبي، بل إنها" لا تلبث بعد ذلك أن تختلط بالنص ذاته عبر عمليات التفسير وشرح الوظيفة الجمالية للأسلوب لتجاوز السطح اللغوي ومحاولة تعمق دينامية الكتابة الإبداعية في تولدها من جانب وقيامها بوظائفها الجمالية من جانب آخر."([48])

    أسفر تطور الأسلوبية انطلاقا من مطلع القرن 20 عن تشعب موضوعاتها، وتعدد تياراتها، وتزايد الاحتفال بها غربا وشرقا. وقد تعرض غير واحد من الدارسين إلى اتجاهات علم الأسلوب، وعددوا جملة منها، ورصدوا أصولها وضوابطها ورجالاتها وتطورها. ولعل أشهر هذه الاتجاهات تياران اثنان؛ أحدهما يعزى إلى بالّي، والآخر إلى سبيتزر. يقول موريس لوروي:" إذا تركنا جانبا الدراسة التقليدية للأسلوب، باعتبارها مجموعة من المَلاحِظ المتناقضة والذاتية، تساق حَوَالَ السطح والعمق (la forme et le fond) في الوقت نفسه، ولا تخضع لأي معيار محدد بدقة... فإننا نستطيع الآن أن نميز بين أسلوبيتين رئيستين؛ هما: أسلوبية التعبير، وأسلوبية الفرد".([49])

    فأما أسلوبية التعبير (stylistique de l’expression) أو الأسلوبية الوصفية (S. descriptive) فتعنى بمعالجة تعبير اللغة بوصفه ترجمان أفكارنا. ويعد السويسري شارل بالّي (Charles Bally) [1947-1865] رائدها بدون منازع ولا مدافع. وهو يحدد الأسلوبية بأنها "دراسة أحداث (faits) التعبير اللغوي المنظم لمحتواه العاطفي؛ أي دراسة تعبير اللغة عن أحداث الحساسية (sensibilité)، وفعل أحداث اللغة على الحساسية."([50]) فهذه الأسلوبية – كما يؤكد جيرو- "تعبيرية بحتة، ولا تعني إلا الإيصال المألوف والعفوي، وتستبعد كل اهتمام جمالي أو أدبي"([51]). ومن أشياع هذا الاتجاه المتأثرين بمنهاج بالي ومفهومه للأسلوبية نلفي جول ماروزو (J. Marouzeau)، وكريسو (M. Cressot).

    وأما أسلوبية الفرد (S. de l’individu) أو الأسلوبية التكوينية (S.génétique) فظهرت على يد النمساوي ليوسبيتزر (Leo Spitzer) [1960-1887]، كرد فعل على أسلوبية بالي، وبتأثير مباشر من أستاذه الألماني كارل فوسلير (1872-1949). ويرى سبيتزر أن الفرد مستعمِلَ اللغة غير ملزم بالتقيد بقواعد اللغة المتعارف عليها،بل بإمكانه أن يتملص منها، ويبدع تركيبا لغويا جديدا يميزه من غيره، ويكون بمثابة أسلوب خاص به وحده. وتكمن مهمة الناقد الأسلوبي في دراسة تلك الخواص اللغوية المتفردة الدالة على شخصية الكاتب. ويبدو أن سبيتزر قد تأثر في رأيه هذا بآخرين سبقوه إلى توكيد صلة الأسلوب بصاحبه. بحيث يروى أن (أفلاطون) قال: "كما تكون طباع الشخص يكون أسلوبه". واعتبر (سينيك) الأسلوب صورة الروح. وكان الكونت بوفون (Buffon) [1788-1707] قد ألقى في المجمع العلمي الفرنسي عام 1753 محاضرة نفيسة بعنوان "مقالات في الأسلوب" (Discours sur le style)، مما جاء فيها: "الأسلوب هو الرجل عينه" (le style est l’homme)؛ بمعنى أنه صورة لصاحبه، تبرز مزاجه وطريقته في التفكير ورؤيته إلى العالم. وبعبارة المسدي، فهو "فلسفة الذات في الوجود."([52]) وقد أثر بوفون بنظريته هذه في كل الذين جاؤوا من بعده من نقاد الأدب ومنظّري الأسلوب (بول كلودال، شوبنهاور، فلوبير، ماكس جاكوب...). إن الأسلوب الفردي – كما يقول فريديريك دولوفر (F. DELOFFRE ) - "حقيقة بما أنه يتسنى لمن كان له بعض الخبرة أن يميز عشرين بيتا من الشعر إن كانت لراسين (Racine) أم لوكورناي (Corneille)، وأن يميز صفحة من النثر إن كانت لبلزاك (Balzac) أم لستاندال (Stendhal)"([53]). ويجرنا الإقرار بحقيقة الأسلوب الفردي إلى القول باختلاف الأساليب من كاتب إلى آخر. وقيل كذلك" إن هنالك إلى جانب الأساليب الخاصة بواحد واحد من أئمة الفن أسلوبا عاما مطلقا يصلح لكل زمان ومكان، وهذا الأسلوب العام هو الطريقة الكلية التي تعبر عن كيفية تأثير العقل في الطبيعة"([54]).

    وإلى جانب هاتين الأسلوبيتين يتحدث بعضهم عن أسلوبيات أخر، كالأسلوبية البنيوية (S.structurale) التي وضع أسسها دوسوسير (F. De Saussure) [1913-1857]. ومن أعلامها ريفاتير الذي يؤمن بوجود بنية (structure) في النص، وبوجوب البحث فيها. ويضيف إلى ذلك أهمية "المتلقي" في تحديد الأسلوب والأسلوبية. فهو يزعم أن هذه الأخيرة " تدرس في الملفوظ اللسانياتي (l’énoncé linguistique) تلك العناصر التي تستعمل لإلزام المرسل إليه أو متلقي الشفرة ومفسرها (Décodeur) بطريقة تفكير مرسل هذه الشفرة (Encodeur). بمعنى أنها تدرس فعل التواصل (act de communication) لا كإنتاج صرف لمتسلسلة لفظية، بل كأثر شخصية المتحاور (Locuteur) وكانتباه المرسل إليه. باختصار، فهي تدرس الإيراد (Rendement) اللسانياتي عندما يتعلق الأمر بنقل شحنة قوية من المعلومة"([55]). ويرى أيضا أن كل بينة نصية تثير رد فعل لدى القارئ تشكل موضوعا للأسلوب. وكلما كان هذا الرد واعيا، كان الإحساس أقوى بميزة هذا الموضوع([56]). واهتم ريفاتير كثيرا "بالسياق الأسلوبي" (le contexte stylistique)، بحيث عقد له فصلا خاصا في كتابه الشهير(محاولات في الأسلوبية البنيوية)، وقسمه إلى "سياق أصغر" (Micro contexte)" وسياق أكبر" (Macro contexte)... ونجد في هذا التيار كذلك جاكبسون، وإن كان جيرو يصنفه ضمن أسلوبية أخرى مستقلة، سماها" الأسلوبية الوظيفية" (S. Fonctionnelle). وبالرغم من اختلاف الدارسين حول جدوى استخدام تقنية الإحصاء في دراسة الأسلوب بين معارض لها (غريماص مثلا) ومؤيد (مولر مثلا)، فقد استطاع الفرنسي جيرو أن يؤسس لاتجاه أسلوبي بمؤازرة بعض رفاقه، وسمي "بالأسلوبية الإحصائية" (S. statistique)، التي تتخذ من الأسلوب واقعة قابلة للقياس الكمي... إلخ.
    4-النص الشعري والمقاربة الأسلوبية:

    إذا كان الفصل السابق خصه المسدي بالحديث عن الأسلوبية نظريا، من خلال بيان حقيقتها وموضوعها وغايتها واتجاهاتها وما إلى ذلك. فإنه قد عمد إلى إفراد هذا الفصل لمقاربة نص شعري حديث ("ولد الهدى" لشوقي). وكأنه يرمي إلى استثمار ذلك الكلام التنظيري في تحليل الإبداع. وتجدر الإشارة إلى أن المسدي كان قد سبق له أن شارك بهذا العمل في مهرجان الذكرى الخمسين لوفاة حافظ إبراهيم وأحمد شوقي، الذي احتضنته القاهرة في أكتوبر 1982 م.

    لقد أورد المسدي في أول هذا الفصل نص القصيدة المعنية بالقراءة كاملا(131 بيتا). ثم بين منهاجه في التناول، وطريقته في التحليل التي يعتزم سلوكها في تشريح هذه القصيدة. ونفهم منها جليا أن منطلقاته المنهاجية في الدراسة نصانية بالأساس، تقوم على توظيف الأسلوبية كمنهاج نقدي حداثي.

    وأشار الباحث إلى أن الأسلوبية سلكت في تطورها ونموها سبيلين متوازيتين؛ هما: سبيل الاستقراء (الأسلوبية التطبيقية)، وسبيل الاستنباط (الأسلوبية النظرية). وإذا كانت وجهات النظر موحدة-نسبيا- في الأسلوبية النظرية، فإنها في الأسلوبية التطبيقية تتجاذبها عدة مشارب أوجزها المسدي في منزعين بارزين اصطلح على تسميتهما " بأسلوبية التحليل الأصغر" و" أسلوبية التحليل الأكبر"، أو "بأسلوبية السياق"و "أسلوبية الأثر"...

    إن مجال الأسلوبية السياقية هو الحدث الفردي في النص، ومناطها الواقعة الفنية في إطارها الضيق؛ لذا، يسميها المسدي باصطلاح" أسلوبية الوقائع". على حين أن الأسلوبية الأثرية تحرص على استكشاف الظاهرة الفنية من خلال المثال الذي يمثلها في الأثر الذي ترد فيه، لذا، يسميها المسدي "أسلوبية الظواهر".

    ويخلص المسدي من ذلك كله إلى صوغ منهج شخصي يطلق عليه اسم " أسلوبية النماذج"؛ وتندرج- هي الأخرى-تحت راية الأسلوبية التطبيقية، وتقوم بين طرفي الأسلوبيتين التطبيقيتين المتقدمتين. يقول عنها الرجل:" وإذ قد بان أن مرامنا هو كشف النموذج الأسلوبي من خلال النموذج النصاني فلنسمها "أسلوبية النماذج" حيث تقوم معدلا تطبيقيا بين أسلوبية الوقائع وأسلوبية الظواهر، فتكون بذلك "أسلوبية النص" مثلما كانت الأخريان "أسلوبية السياق" و"أسلوبية الأثر". وستكفل إمداد جهاز الأسلوبية النظرية بمكتسبات مدققة يستخلص منها روادها مقومات الثبات وحوافز التعديل وستعين المنظرين على تجميع النماذج الإبداعية فيستكنهون حقائق الإبداع ويمسكون بزمام أدبية الخطاب الفني عسى أن يقبضوا يوما على أعنة أدبية الأدب بإطلاق"([57]). وفي ضوء هذا التأسيس المنهجي الشخصي، أخذ المسدي في معالجة أسلوب نص شوقي.

    يتبع الناقد الأسلوبي في قراءته للنص خطْوات منهاجية عدة، أولاها الحدس أو الإحساس الباطني، الذي يتيح له معاينة ظاهرة لسانياتية لافتة للنظر، واتخاذها مجالا لقراءته([58]). مؤدى هذا أن منهاج التحليل الأسلوبي انتقائي، يركز على سمة لغوية ذات قيمة أسلوبية، فيعمد إلى مدارستها.

    لقد اختار الباحث أن يعالج قصيدة شوقي انطلاقا مما أسماه "التضافر الأسلوبي". و"مفهوم التضافر عند المسدي قريب إلى حد ما من مفهوم "النظم" عند الجرجاني".([59])

    إن قيام الناقد بعلمية استقراء أولي لأشكال الصوغ الإبداعي في القصيدة الشوقية المدروسة، سمح له بالتوقف عند أربعة أنماط انتظامية تحكم أسلوبها. أولها نمط التفاصل، والذي تأتي الخصائص الأسلوبية بموجبه متمايزة تتباين في مواطنها على السلسلة الأدائية في ضرب من التخالف الموضعي. وثانيها نمط التداخل، وتتوارد فيه الأجزاء في تواتر دوري. وثالثها نمط التراكب، ويقتضي توزع المجموع إلى طوائف ترتصف فيها الأجزاء بكيفية متناظرة تتقابل فيها الصور بشكل متتال. ورابع الأنماط التضافر، وهو" أن تنتظم العناصر انتظاما مخصوصا يسمح باستكشافها طبق معايير مختلفة بحيث كلما تنوعت مقاييس الاستكشاف حافظت العناصر على مبدأ التداخل"([60]). وقد خلص المسدي – بعد طول تأمل ومدارسة للقصيدة- إلى أن هذه القصيدة منبنية على النمط الانتظامي الرابع الذي اغتدى" "مفتاح سرها الشعري"([61]). وحاول الباحث توضيح ذلك من خلال أربعة معايير استكشافية. فأما أولها فهو معيار المفاصل الذي يقتضي توالج مواطن الانتقال من وحدة دلالية إلى أخرى. وبموجبه، توصل المسدي إلى تقسيم نص شوقي تقسيما ثُمانيا باعتبار الجانب التيماتي (thématique)، وترتبط هذه الأقسام أو اللوحات وفق سبعة مفاصل. على أن الملاحظة البارزة التي سعى الباحث إلى إثباتها هي وجود تضافر على مستوى هذه المفاصل. وأما ثانيها فهو تضافر المضامين داخل قصيدة شوقي، ويتمثل ثالث هذه المعايير بتضافر القنوات، ويقصد به المسدي إلى "مجاري الأداء الإبلاغي مما يتخذه الشاعر مرتكزا حواريا يصنع به التواصل حيث لا تواصل"([62]). وفي هذا النطاق، يتحدث الرجل عن المفارق التضافرية الرابطة بين الوحدات النصية في القصيدة المعالَجة، وعن كيفية انتقال شوقي من شحنة إخبارية إلى أخرى (الضمائر، أسلوب الالتفات، تغيير الدلالة...). ويعد تضافر الأبنية النحوية والتركيبية المعيار الاستكشافي الرابع الذي اعتمده المسدي لتسويغ انبناء نص شوقي على نمط التضافر الأسلوبي، وبواسطته درس الناقد مظاهر التوازي النحوي والتركيبي، وأصناف الجمل التي ترين على أسلوبية النص. ويخلص المسدي –بعد هذا كله-إلى تأكيد أهمية المنهاج الذي ركبه وفعاليته الإجرائية (أسلوبية النماذج)، وإلى أن " إبداعية أي نص أدبي لا يفسرها إلا الاهتداء إلى النموذج الأسلوبي الثاوي وراء بنيته الصياغية والذي يستصفى من خلال مراتب البناء بدءا بالأصوات والمقاطع والألفاظ وختما بالمضامين الدلالية بعد المرور بالتراكيب النحوية المعقدة"([63]).

    وينهي المسدي مقاربته التحليلية القيمة لمطولة شوقي بسرد الخلاصات التي توصل إليها. يقول: "لقد رأينا كيف انبنت قصيدة" ولد الهدى "على نموذج أسلوبي مداره ظاهرة التضافر التي تحققت في المفاصل والمضامين، وأجريت في القنوات الأدائية، ثم تشكلت في البناء التركيبي. فجاء النص نسيجا لحمته الائتلاف، وسداه الاختلاف. فلا التكثيف بمفض إلى الإشباع ولا الإطراء ببالغ حد الرتابة. فإذا التضافر صورة للتعدد في صلب الوحدة، وإذا به مفتاح تنكشف به إبداعية الشعر في إحدى اللوحات الروائع التي خطتها ريشة أمير الشعر..."([64]).

    إن قراءة الناقد هذه تظل محاولة اجتهادية قيمة لفهم نص شوقي، وتحليل شفراته، وتفسير مكوناته للقارئ. وذلك على الرغم من بعض المآخذ التي يمكن أن تسجل عليها. فلكل عمل - كما هو معروف في تقاليد البحث العلمي - فضائل ونقائص. وهكذا، فدراسة المسدي هذه تنطوي على إيجابيات ومزايا ملموسة وكثيرة لا شك في أن أي واحد منا يستطيع تلمس بعضها على الأقل؛ لذا، فإننا سنتجاوزها للوقوف على بعض وجهات النظر في هذه الدراسة، والتي لا تخدش في شيء قيمتها المعرفية والمنهاجية. وأولاها أن الباحث قد حشا دراسته بسيل من المصطلحات التي ولدها وضمنها دلالات جديدة لا عهد للنقد العربي بها، ثم إن هذه الاصطلاحات لا تخلو من غموض ولبس. وهناك من عد هذا العمل مزية محسوبة لصاحبها، من حيث كونه يسهم في إثراء العربية بمصطلحات جديدة([65]). وثانيتها أن المسدي اجتزأ في تحليله القصيدة بجانب محدد، وعالجها من زاوية أحادية معينة (ظاهرة التضافر الأسلوبي)، دونما التفات إلى أمور أخرى. وربما كان بالإمكان قراءة هذه القصيدة من جوانب أهم. ويبدو أيضا أن الباحث لم يلحن إلى الإجراء الإحصائية ولم يعمل به، بالرغم من أهميته غير المدفوعة. وثالث هذه الملحوظات نطرحه على شكل استفسار: إلى أي حد يمكن اللجوء إلى تجريب منهج حداثي غربي في قراءة نصوص عربية أصيلة؟ وإلى أي مدى يمكننا الاطمئنان إلى نتائج هذا العمل؟ ورابعتها تتعلق باللغة النقدية، إذ الواجب فيها أن تكون علمية واضحة، لا إنشائية عسيرة الفهم على القراء... كانت هذه بعض الملاحظات حول طريقة تعامل المسدي مع نص شوقي، وهي-كما قلنا سابقا-لا تقدح في أهمية عمل الرجل وجودته ولا تسيء إلى كفاءته، وهو الخبير في هذا المجال. ونقول –في المآل-مع الباحث العراقي فاضل ثامر إن هذا العمل" تجربة رائدة ومتقدمة في حقل الأسلوبية العربية الحديثة"([66]). ثم إنه مجرد قراءة من قراءات عديدة ممكنة لقصيدة شوقي، إذ "لا سبيل إلى إيجاد تفسير واحد لأي نص، وسيظل النص يقبل تفسيرات مختلفة ومتعددة بعدد مرات قراءته"([67]).
    5 - الأدب العربي الحديث ومقولة الأجناس الأدبية:

    هذا الموضوع – في الأصل - بحث شارك به صاحبه (المسدي) في الملتقى العلمي الذي نظمه المعهد المصري الإسلامي "بموفي"، بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة مؤسسه طه حسين (1889-1973). وقد قدم فيه محاورة نقدية لكتاب "الأيام" (ثلاثة أجزاء)، من خلال التركيز على المقولة الأجناسية التي تحظى الآن باهتمام متزايد في ساح النقد ومناهجه.

    وضح لنا المسدي في أوائل هذا البحث الحيثيات النظرية والمنطلقات المنهاجية التي ستقوم عليها قراءته لأيام طه حسين. إذ طالب – أولا - النقد الحديث باستثمار مكتسبات علم النفس اللغوي (أو اللسانيات النفسية) في معالجة النصوص الأدبية؛ هذا العلم الذي يعكف-بشكل أساس-على عمليتي التركيب والتفكيك؛ أي على كيفية صوغ الرسالة طبقا لنواميس المواضعة الاجتماعية، وتشريحها عند تلقيها بغية إدراك كنهها. وقد شهد هذا العلم منذ نشأته إلى الآن تحولات عميقة، ولاسيما خلال الستينات، وذلك بفضل إفادته الكبيرة من النحو التوليدي والمنهج التحويلي. وتحدث أيضا عن البويتيقا (الشعرية)... إلخ.

    وبعد ذلك، انتقل إلى معالجة نص طه حسين انطلاقا من المسألة الأجناسية التي هي معظلة دخيلة على قيم الحضارة العربية الإسلامية في مكوناتها الإبداعية. ذلك بأن العرب لم يعرفوا خلال تاريخهم المديد مقولة الأجناس، وإنما أقاموا أدبهم كله على ثنائية نوعية متصلة بطبيعة الصوغ الفني(شعر ونثر).

    ويرى المسدي أن من أظهر معظلات النقد العربي المعاصر الإجرائية اصطدام مقولة الأجناس الأدبية بإشكالية التعامل مع التراث الإبداعي العربي القديم. إذ إن هناك دارسين كثرا يحاولون التماس جذور بعض الأجناس الإبداعية الحديثة في تراثنا، وثمة آخرون يتحدثون عن أجناس أدبية قائمة في هذا التراث الغني.

    وقد اجتهد الباحث في توضيح المعايير الضابطة للأجناس، وبيان مستنداتها. فحصر هذه المعايير في ثلاثة؛ أولها معيار الصياغة من حيث هي تشكيل للمادة الخام (اللغة)، وثانيها معيار المضمون الذي يلتزم بالدلالة المقصودة من غير التفات إلى طبيعة الصوغ الفني الذي احتواها، وثالثها معيار التركيب الذي يختص بالسبل الإبداعية التي يتوسل بها الأديب لبلوغ غرضه الدلالي والفني في الوقت نفسه([68]). ويقول المسدي عقيب عرض هذه المعايير:" فإذا ما مزجنا بين هذه المكونات الثلاثة، فاتخذنا منها معيارا كليا نحتكم إليه في ابتعاث النسج الذاتي...أمكننا أن نعدد ألوانا تكون النواة لسلم تصنيفي متكامل"([69]). ودعا الباحث النقاد العرب المعاصرين إلى استنباط سلم الأجناس الأدبية في التراث العربي، مع تحديد ضوابط كل منها على حدة. وإسهاما منه في هذا المضمار، قدم المسدي نموذجات من درجات السلم التصنيفي التي عرفها الأدب العربي القديم، والتي يمكننا النظر إليها بمنظار مقولة الأجناس. ومنها على سبيل التمثيل لا الاستقصاء: فن الرحلة، وفن الخطابة، وأدب الأغاني، وأدب المرايا([70])،...وفن السيرة الذاتية الذي يقول عنه المسدي: "ولئن لم يتبلور متصوَّره الذهني بما يتيح له الانفراد بمصطلح نقدي مخصوص، فإنه قد صيغ على نماذج تكاد تصل به منزلة الاكتمال في المضمون والغرض والأسلوب"([71])،ومنها كتاب ابن خلدون (ت808هـ) الذي كتبه للتعريف بنفسه ورحلته شرقا وغربا.

    ومما خلص إليه الباحث أن " الأيام" لطه حسين سيرة ذاتية من حيث التجنيس، إذ تتحدث عن أطوار حياة صاحبها من الطفولة إلى الكهولة مرورا بمراحل دراسته وعلاقته بأساتذته وغير ذلك.

    ولم يختم المسدي كتابه (النقد والحداثة) بخاتمة يلملم فيها الخلاصات التي توصل إليها، والقضايا التي اجتهد في إثباتها. وهو قد يدفعنا إلى القول بأن فصول هذا الكتاب إنما هي – في أصلها - مقالات وأبحاث سبق أن نشرها صاحبها في صحف أو شارك بها في ملتقيات علمية، ثم عمد – بعد ذلك - إلى جمعها في مؤلف موحد.ولا ريب في أن ثمة خيطا رفيعا يربط بينها جميعها، هو خيط "النقد والحداثة".

    إن البحث العلمي الرصين "يبدأ بالببليوغرافيا وينتهي بالببليوغرافيا."([72]) ومن هذا المنطلق، تتبدى لنا أهمية العمل الببليوغرافي (المكتبي) وضرورته معا؛ فهو المبتدأ والمنتهى. وقد استوعب المسدي هذا الأمر جيدا، وتمثله في عدد من دراساته. منها هذه الدراسة التي شكلت موضوع هذا البحث، إذ ختمها بدليل ببليوغرافي ضمَّنه كشفا لما أمكنه رصده من المراجع (كتب ومقالات، عربية ومعربة) المتصلة بمناهج النقد الحديث على اختلاف منطلقاتها (518 عنوانا). وقد أخضع مواد هذا الدليل لترتيب ألفبائي، ونظمها على نحو متقن ملتزما في ذلك بما هو متعارف عليه من ضوابط التوثيق والوصف الببليوغرافي. ومنها أيضا كتابه (الأسلوبية والأسلوب) الذي ذيله بملحق ببليوغرافي للدراسات الأسلوبية والبنيوية، سواء المؤلفة بالعربية أم المترجمة إليها. وختم الرجل كذلك بحثه الموسوم " بصياغة المصطلح وأسسها النظرية" بببليوغرافيا وصفية لأهم المراجع في هذا الباب (229 عنوانا، ما بين كتاب ومقال)([73])...إلخ.
    خاتمة:

    تلكم – إذاً – قراءة متواضعة لكتاب المسدي "النقد والحداثة" الذي يظل واحدا من أهم الكتب النقدية المغاربية – والعربية عامة – في ميدان الأسلوبية تنظيرا وتطبيقا. ولن تتأتى للقارئ الإفادة العظمى منه إلا بالرجوع إليه وتصفحه بتمعّن وتأنٍّ.



    قائمة المصادر والمراجع:

    أولا: باللغة العربية

    أ- الكتب العربية:

    1- بوحمدي (محمد) والرحموني (عبد الرحيم): التحليل اللغوي الأسلوبي-منهج وتطبيق، سلسلة "الأسلوبية في خدمة التراث"، عدد 2، مطبعة INFO-PRINT (فاس)، د.ت.

    2- بوملحم (علي): في الأسلوب الأدبي، دار ومكتبة الهلال (بيروت)، ط 2 (1995).

    3- ابن منظور(ت711هـ) لسان العرب، دار صادر (بيروت)، المجلد 2.

    4- ابن ذريل (عدنان): اللغة والأسلوب، اتحاد كتاب العرب(دمشق)، ط 1980.

    5- جبور (عبد النور): المعجم الأدبي، دار العلم للملايين (بيروت)، ط 1 (1979).

    6- الجطلاوي (الهادي): مدخل إلى الأسلوبية تنظيرا وتطبيقا، منشورات عيون (البيضاء)، ط 1 (1992).

    7- الهوش (

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 7:47 am