منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    قراءة في قصيدتين

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    قراءة في قصيدتين Empty قراءة في قصيدتين

    مُساهمة   السبت ديسمبر 12, 2009 8:07 am

    خيانة الذاكرة ،ام تلاقي المجسات .. قراءة في قصيدتي محمود درويش ويوسف رزوقة!!
    الأربعاء , 8 نوفمبر 2006 م طباعة أرسل الخبر
    علي حسن الفواز

    كثيرا ما تدفع الذاكرة الشعراء لارتكاب الخيانات اللغوية ،خيانة التثاقف والتراسل أو تلاقي الحوافر عند الجادات كما يقول البلاغيون القدامى !! وهذه الذاكرة الصندوق /الكنز العائلي/الجينالوجيا المباركة سرعان ما تترك مريديها لميراث مفتوح ،لكنه غرائبي في التوزيع ،قد يجعلهم اشبه بوارثي القيصر يتقاسمون ذات الارض وذات الكنوز وذات النساء!!
    لاشك ان ارتكاب الخيانة اللغوية والشعرية لاتأتي في اطار القصد او التغافل عن ان في اللغة الواحدة ثمة (متردمات) كثيرة لم تطأها حدوس عنترة !! وانما في سياق ما تفرضه الذاكرة احيانا من (لزوجات) كثيرا ما يعلق بها اشتباك الرؤى ، او اغواءات تستدرج اللغوي الى الايهام بالمقول المختلف! على اساس ان هذا المختلف هو بدعة الشاعر الوحيدة !! وضلالته في تسويغ ما لا يكرره الاخرون !!
    وتحت يافطة اختلاط ما يمكنه ان تصنعه الذاكرة من اشتباكات وتلاق في التخاطرات والحوافر، نحاول ان نلقي الضوء على قصيدتين لشاعرين مهمين في مشهدنا الشعري العربي هما محمود درويش ويوسف رزوقة، اذ تعمد هذه المحاولة الى مقاربة شهوة التخاطر !! و التناص أو التحافر بين القصيدتين !! وهل ان هذه الشهوة ومولداتها هي التي جعلت هذين الشاعرين يشتركان في قماشة شعرية/ صورية متقاربة وتركيب تفعيلي يهدج بالغناء رغم اختلاف زمن كتابتهما !!!!!!...
    القصيدتان تثير فينا النزوع الى وقع كتابة بصرية لها التماهي في التشكيل والمناخ وكثافة جريان الشعر المخفي بسردية الحكاية ، تفتحان لنا فضاء للتأويل ومراودة في الكشف عن ما بعد هذه الكتابة البصرية/ الشعرية ،فضلا عن حساسية الشاعرين ازاء كتابة نصين يوظفان تقنية التوالي اللذين يبدوان وكأنهما يشتركان في محاولة تجلية الجوهر الحر الذي تجسده الرغبة في الامساك بالسر الخفي الذي تشيْ به روح القتيلة والصرخة الابدية) ...
    القصيدتان تبدآن باستهلال حكواتي بحرف الجر (في)و(على) والذي يفضي الى ( زمن موحش) يشتركان في تجنيسه المكاني الشكلي ، لكنهما يختلفان في خاصية التلمس ،، روزقة هو الاقرب الى الصوفي الباحث عن سره العرفاني الذي يبدأ من ظاهر الحكاية الى باطنها المغلول الى لذة الكشف عن التورية والمعنى وتوالي ما توحيه هذه اللذة من استغراقات لغوية/استعارية باهرة ومكثفة ،،، درويش يمارس لعبة المحترف الذي يسحب النص من سرده الحكواتي ، الى كتابته التأملة التي لاتنزع الى الفضاء الصوفي قدر نزوعها الى المتن المرجعي الاثير ( فضاؤه الفلسطيني ) الذي يعيد انتاجه عبر صيغة التوالى الحكائي ، وهذا ما يجعل درويش الاقرب الى الانحاء على نموذجه (البنت) باعتبارها موّلد الحدث وشفرته في الكشف عن يوميات الفلسطيني التائه والمكشوف لاصطياد البارجات والمغلول الى امكنته القديمة /اليفة في آن معا.... وازاء هذا فان المتن الذي تنزاح اليه القصيدتان مختلف الى حدّ ما ، ويعمد الى توظيف مرجعيات متباينة رغم استخدام نص الحكاية وثيمة التوالي ،اذ نجد نزعة الرائي الكاشف الساحر عند رزوقة بكل استدعاءاتها التي ينحني عليها الشاعر ساردا ومتأملا ،،رؤيويا و كاشفا ،،،وتلك اغلب مجسات رزوقة في التعاطي مع المقول الشعري الذي يجعل من القماشة اللغوية /الشعرية جسدا متوترا يمور بالسيولة المكثفة التي تنداح فيها التوليدات الصورية كمقابل رمزي للبنية السردية للحكاية ، واعتقد ان هذه المعالجة الشعرية لسردية المعنى تؤشر حيوية (الشعري) في تجربته المميزة في الشعر التونسي والعربي ،،اذ هو شاعر تصويري ،يشحذ من اللغة توهجها العميق ، ويتركها في نوبة من الجريان الباهي ، النص رغم كثافته ،فهو يحتشد باشتباك المعاني والدلالات ، النزوع من الكتابة السرانية الى المقول الشعري ،هي ذاتها الكتابة التعويضية المتعالية التي ترمم الفراغ والبحث عن السر الذي لايمكن الامساك به ،وكأنه سر كلكامش او شفرته التي تجعل الشاعر راحلا في (اوديسات) متعددة وشاقة ..
    شعرية هذه القصيدة تكمن في تركيبها البنائي الذي ينكشف على بنية تصويرية عميقة ، تجعل من الشاعر اركولوجيا في المعنى وفي اللغة وصانعا ايضا لذاكرة مكان افتراضي فيه (البيت/ البنت/ فصل الشتاء/ الجسر/الذئب / الغابة/ النار/ القباب) وهذه كلها محمولات شفروية لانزياح شعري ،يمنح الحكاية/دالة السرد ايقاعا خاصا له جمله واصواته التي تجعل من البناء التفعيلي يلتقي مع البناء السردي في توليفة مشدودة متواترة وكأنها تشيْ بنص توليدي له روح الانوثة وهي تمارس اغواء العرض، والكشف عن العري اللغوي الذي يقود نص اللذة عبر نص التوالي ،
    في الحكاية بيت وفي البيت بنت
    وفي البنت باء ونون وتاء..

    وللفجر جسر
    وللجسر سحر
    يقود الى غابة
    ليرى ما يرى

    مادام في البيت صمت
    وفي الصمت غار
    وفي الغار نار
    وفي النار قلب
    وفي القلب قنبلة وقبيلة..
    ان قصيدة يوسف رزوقه مكتوبة تحت هاجس الرؤيا الذي يختلط فيه السرد المفضي الى تبئير الشعر مع النزوع العرفاني مع التماهي اللذوي الذي تصنعه تلك الرؤيا ،رؤيا العارف ، ورؤيا الرائي الذي ينزع اغطية السر عن جسد اللغة/ المعنى ليكشف جوهر المعنى / جوهر القلب ،، ولا شك ان هذا الهاجس يظل هو الاقرب في مقاربة ما تصنعه اللغة وما يصنعه العواء كبنية انزياح، اذ تتحول الشفرة السردية الى مولدة للاستعارات مثلما تتحول الى نداء استحضار تعويضي يوازي ما تصنعه الحكاية من توال سردي ينتهي يقوم على تقابلات بنائية تبدأ باشارة حضورية قوية ( في الحكاية بيت وفي البيت بنت وفي البنت باء وتاء ونون) وتنتهي بحضور مضاد لفعل الموت ،وهذا الحضور/ التقابلي هو نوع من الحلول الذي اراد الشاعر ان يترك خلفه الفراغ الموحي للدلالات او مايمكنه ان يصنعه الانزياح كبنية في المقول الشعري..
    وفي قصيدة محمود درويش ( البنت/ الصرخة) الواردة في اليوميات 2006 ،نجد ثمة بنية سردية /تكوينية متقاربةالى حد ما !!! رغم ان درويش اعطى لهذه البنية نزوعا اقرب الى الواقع منها الايهام ، فالبنت!!مفردة طالما تتكرر في نصوص درويش ,لكن السياق الذي اعتمده درويش التقى (في الاستهلال) مع السياق الذي استخدمه رزوقة في قصيدته (الصرخة) والتي كتبها عام 2001 في مجموعته بلاد ما بين اليدين/ دار الاتحاف تونس .. وهذا التلاقي يقع في اطار ما يمكن ان تبثه الذاكراة من اغواءات وتقاربات ،ليس في اطار التراسل او التخاطر حسب وانما في اطار التلذذ بما قد يبتكره الاخرون ،،، اذ ليس كل ما يكتب في الشعر هو ابتكار خالص وصناعة لغوية لا مرجعية تشكلية وبنائية ولا حتى استعارية لها !!!

    على شاطىء البحر بنت، وللبنت أهل
    وللاهل بيت
    وللبيت نافذتان وباب
    وفي البحر بارجة تتسلى بصيد المشاة
    على شاطىء البحر اربعة ،خمسة ،سبعة
    على الرمل ،والبنت تنجو قليلا
    لان يدا من ضباب
    يدا ما الهية اسعفتها فنادت ابي

    ان شاعرا بحجم محمود درويش صاحب السيولة اللغوية المعروفة ،لاأ ظنه يحتاج لتقليّب اوراق الذاكرة او النبش في صناديقها السرية بحثا عن ثيمة حكواتية ،، فهذا الشاعر اعتاد ان يغني لوحده ،وربما يصنع لقصيدته مزاج العاشق والمريد ،اذ هو شاعر (صنايعي) بامتياز ، في قصيدته تنفرش الحكاية دائما وكأنه لم يتخلص من ذاكرة الراوي الفلسطيني السري الذي يلامس جوهر المعنى ،يحرض على اثارة شهوة القراءة عبر استخدام تقنيات الحضور والغياب ، التلاقي والافتراق!! التوتر والاسترخاء ، وهو عبر كل هذا شاعر استعادات ،استعادة التعامل مع رموزه ،امكنته، تفاصيله ،روائحه ، شخوصه( البنات،،الامهات ، الاباء)
    واعتقد انه في هذه القصيدة (على افتراض) التلاقي والتخاطر!! كان في المقطع الثالث تأمليا في لحظة طاعنة بتضاد الواقع المرعب ( تتسلى.. بصيد المشاة) عاد بعدها في مقاطعه الاخرى الى تدفقه وانثيالاته .....
    ان قصيدتي الشاعرين (يوسف رزوقه ومحمود درويش) وما يمكن ان تثيراه لدى البعض من اسئلة او اشكالات في (التناص والتراسل) كما يقصدها البعض !! تكشف في حقيقية عن حساسية الشعرية العربية المفرطة ازاء قماشة لغوية كثر التداول فيها !!مثلما تكشف عن الكثير من اشتباكات (الذاكرة الشعرية) وان حدود انزياحاتها في التجريب وفي اعتماد التقنيات السرد كمحركات للمقول الشعري تظل محدودة مهما اتسعت وتنوعت !! بحكم تلك الحساسية المفرطة ...
    اعتقد ان الشاعرين يملكان مجسات دقيقة في التقاط ما يبثه الشعري من حيوات سرية ومن تشكلات عميقة ومتوالدة ولايمكن ان تلتقطها الاّ الخفقة الشعرية المسكونة بالاغواء والمراودة والافتراس ..... منقول cheers

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 11:39 pm