منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    في جمالية النص السردي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    في جمالية النص السردي Empty في جمالية النص السردي

    مُساهمة   السبت أكتوبر 16, 2010 12:32 pm

    - في جمالية النص السردي



    1- جمالية المرأة في العالم الروائي
    لعبد الحميد بن هدوقة:




    لقدعالجت الكثير من الدراسات موضوع المرأة وفق طروحات منهجية تعكس توجهاًحضارياً للدارسين في سبيل وضع أسس تنظيرية. كما قامت منظمة اليونسكوبإعداد برامج للعلوم الاجتماعية والإنسانية، كلفت مجموعة من الخبراءبإعداد بحوث متعددة التخصصات عن المرأة في العالم العربي، تونس ماي 1982.وقد طبعت هذه الدراسات في كتاب بعنوان الدراسات الاجتماعية عن المرأة فيالعالم العربي، كما قامت المؤسسة العربية للدراسات والنشر بترجمة هذاالكتاب إلى اللغة العربية، وقد صدرت الطبعة الأولى منه عام 1984.
    ولعلأهم دراسة لها صلة بموضوعنا تلك التي قدمتها كل من فاتحة حقيقي، وكلودتلاحيت بعنوان "دراسات في العلوم الإنسانية بشأن المرأة الجزائرية، والتيتصور المرأة في الجزائر على أنها تنتمي إلى الأسرة التقليدية لما لها منملامح حضارية محددة، وتشير إلى أن مفهوم الأسرة يعود إلى مركز السلطة الذييحدد الدين والتقاليد وفق ماض غرائبي. وقد يكون الهدف من هذه الحجة هو سجنالمرأة في زنزانة يحكم إغلاقها من الداخل بوساطة التقاليد. "وعلى سبيلالمفارقة، ويقدم النموذج الغربي "الحديث" بوصفه الطريق المؤدي إلى التقدموالوسيلة المباشرة إلى تحرير المرأة ومساندتها، ويقدم بدون تردد بوصفهالبديل الإيجابي الوحيد"(1). ويصبح تغيير وضع المرأة وتحسينه أحد متطلباتإعادة تنظيم الاقتصاد من خلال امتلاك القدرة على الإنفاق والعيش، وفي ظلهذه الأولية يمكن للمرأة، التي تود الخروج من وضعها المشين والصعب، أنتسهم كثيراً في إيجاد الرغبة في التنمية والتطور والتغير نحو غدٍ أفضل.
    ولعلّالسؤال المهم، هو هل نعتقد بأن الأوضاع الراهنة للمرأة الجزائرية تتفق معالتطور المرغوب فيه؟ وأن هذا لا يؤدي إلى أية مشكلة من أي نوع؟ خاصة إذانظرنا إلى الموضوع من خلال ثنائية (التقاليد، المعاصرة). فالمرأة تقدم علىأنها الحامية للقيم الأساسية للمجتمع، ويصبح أمر تجاوز هذا الدور أمراًغير مرغوب فيه سواء بالنسبة إلى المرأة أم إلى الرجل. وإذا كان الوضعكذلك، فكيف تسهم المرأة في البناء مستفيدة من الحياة العصرية؟ والتي قدتتعارض مع تلك القيم التي تحافظ عليها، فالتطور في حقيقته هو صراع بين قيمقديمة وقيم جديدة يُنتج قيماً أخرى أكثر جدة من الجديدة، فالقديم يؤدي إلىالجديد الذي يصبح قديماً ليصارع جديداً آخر، قد تصل إلى حد المواجهةالعنيفة. (هيجل)
    وقديولد هذا الصراع رغبة وتشوقاً إلى الحرية، يعبّر عنها بالسفر أو الهروب،وتأتي الأعمال الإبداعية لترصد هذه الرغبة في التحرر والانعتاق. ولعلالسؤال المهم ههنا، هل استطاعت هذه الأعمال الإبداعية أن تؤثر على القارئوتثير مشاعره، أو أنها اكتفت بحد الاستنكار العنيف للأوضاع غير المحتملة؟
    ولعلأحلام مستغانمي قد وفقت في مناقشة هذه التساؤلات في رسالتها للدكتوراه،والموسومة "المرأة في الأدب الجزائري المعاصر" بإشراف جاك بيرك. ثم إن هذهالتساؤلات تحيل على أسئلة أخرى هامة في هذا المجال، فهل أن الاضطهاد هوسبب معاناة المرأة الجزائرية؟ أو أن الظروف الاجتماعية والحضارية التيوضعت فيها المرأة هي سبب الوضع القاسي الذي تعيش فيه ضمن إطار من الصعوبةتجاوزه؛ لأنّ الجزائر المعاصرة تهدف إلى التطور والتنمية والرقي،والعصرنة، مع الحفاظ على قيم الماضي انطلاقاً من ثنائية الرجل والمرأةو"الأرجح أن جذور الاضطهاد لا تنشأ من اعتبارات عربية إسلامية في حد ذاتهابل من كون المرأة حارساً على هذه الاعتبارات"(2).
    ثمهل استطاعت المرأة أن تعبر عن وضعها بلغة النساء أو بلغة الرجال؟ فالسياقيلعب دوراً مهماً في توظيف اللغة للتعبير عن المجال الفكري للمتخاطبين. ثمأكانت هذه المرأة المبدعة أنثى في أعمالها، أم أنها رصدت الأوضاع المختلفةللمرأة كما هي في المجتمع الجزائري.
    وفيمقام آخر، ، كيف صور الرجل المرأة في إبداعاته، وهل استطاع أن ينتقل بهاإلى مجالات رحبة تعكس التوجه الحضاري للمجتمع الجزائري، أو أنه قدمها فيصورة باهتة لا ترتقي إلى مستوى الطموحات، فيفشل العمل الإبداعي لفشله فيرسم هذه الصورة، على الرغم من أنه قد يربطها بالعلاقات الاقتصاديةوالاجتماعية والإنسانية على وجه العموم. فإنه قد ينطلق من ذاته فتصبحالمرأة هي الزوجة والأم والأخت والأرض والوطن والحياة. "وتبرز لنا هذهالبنية الاجتماعية داخل النص الروائي بصورة أجلى في كون النص يقوم علىأساس "القصة" بما يحويه من شخصيات وأحداث وفضاءات وأزمنة تكون لهامرجعيتها إلى الواقع المباشر أحياناً كثيرة، ورغم البعد التخييلي المضفىعلى عالم القصة، فإن نص الرواية يظل تجسيداً لأفعال وعلاقات وقيم اجتماعيةوتاريخية محددة. يتم تقديم هذا التجسيد من خلال بناء له استقلاله الذاتيعن هذه البنية الاجتماعية من جهة، وضمنها من خلال فعل الكتابة من جهةثانية"
    (3) وتلعب الشخصيات الروائية دوراً كبيراً في هذا التجسيد والتشخيص كما تكون الأحداث والزمن إطاراً لتحركات هذه الشخصيات.

    ويعدّعبد الحميد بن هدوقة من الذين رسموا صورة فنية للمرأة الجزائرية في عالمهالروائي في محيط اجتماعي ونفسي من خلال تفاعلها الخارجي وتفاعلها الداخليرغبة منه في تغيير وضع المرأة وتحسينه، موظفاً لذلك قدراته الإبداعية. وقدرصد صورة هذه المرأة من خلال رصده لحركة المجتمع الجزائري، فوقف عندهاأيام حرب التحرير، وإبان الاستقلال، ووقف عندها في الريف، ثم انتقل بهاإلى المدينة رغبة منه في اكتمال هذه الصورة بشكل طبيعي وفي إطار منطقي،لقد وظفها في بنية اجتماعية متوافقة ومتناقضة.
    والواقعأن ابن هدوقة قد جعل المرأة نصاً مفتوحاً على عدة قراءات، يحتمل تأويلاًبحسب مستوى القراءة الذي تنطلق منه، وتمارس-بوساطته- فعل القراءة. والذييعتمد على مرجعية نصوص هذا الأدب وسياقاتها المتنوعة؛ إذ كان حريصاً علىتسجيل موقف مما يحدث في الجزائر في مسيرتها التنموية "فالنص بنية دلاليةتنتجها ذات (فردية أو جماعية) ضمن بنية نصية منتجة، وفي إطار بنيات ثقافيةواجتماعية محددة"(4).
    إنالمرأة في رواية "نهاية الأمس" هي امرأة الثورة التحريرية، وقد قدّمهاالروائي في صورة تجمع بين السلبية والإيجابية، فقد كانت رقية زوجاً للبشيرالذي أصبح مجاهداً في صفوف جيش التحرير، والذي تركها لقدرها المحتوم بينالصمود والمقاومة بين الأزمة والمعاناة. وتتوالى الأحداث إلى أن يقتحمجنود استعماريون دارها ويعتدي بعضهم على عرضها، وتترك مشردة في العراء.ولم تكن رقية نموذجاً للمرأة المومس بطبيعتها، بل إحدى ضحايا الفعلالاستعماري الذي حاول أن يستلب إنسانية الإنسان من الجزائر، ويرمز هذاالحدث إلى بشاعة المستعمر وهمجيته وهو إدانة للوجود الاستعماري.
    ثمتلتقي رقية "بالحركي" في الجبل فيقدم لها العون فيتزوج منها ويتبنى بنتها،ويرزق منها بولد، وكانت هي تعتقد باستشهاد زوجها كما كان هذا الأخيريعتقدها ميتة.
    وقداستطاعت هذه المرأة أن تكون محور الأحداث، فامتزجت بالجزائر. وهذه التفاتةذكية من المؤلف حيث ينتصر للوطنية حين يكشف عن الموقف العدائي لأبناءالقرية من الحركي ومن أسرته فقد رجموا الزوج، وفرضوا حصاراً وعزلة علىأسرته.
    وتعودرقية للظهور لما أراد البشير الاستعانة بعجوز لطهي الطعام وتنظيف المدرسة،ولا يتم اللقاء بين الزوجين إلا بعد موت ابنتها فريدة، ويتكفل هو بدفنهاوعندما تراه رقية يغمى عليها. ذلك أن فريدة هي الرابطة بينهما، وهي الرابطبين ماضي تولى ومستقبل آت، وبموتها يموت الماضي المجيد والمرغوب فيهليسيطر الحاضر الأليم.
    لقدزاوج ابن هدوقة بين رقية والجزائر فكلاهما عانى من الصعاب نفسها ولهذا وضعالروائي نهايتين لعمله هذا، نهاية عادية حيث يلتقي الزوجان، ونهاية مفتوحةبارتحال البشير عن القرية لينشر العدل بين أهل القرى الأخرى. فقد وقف ابنهدوقة لإثارة العطف والحنان عند القارئ تجاه رقية التي تمثل محور الحدثالروائي، فهي صورة للمرأة الجزائرية أثناء الاحتلال، عاشت عيشة كلهامعاناة وحرمان لقسوة المستعمر وبطشه وعبثه، ولغياب الأمان والحمايةوالزوج، ومع ذلك فإنها في الاستقلال امرأة مواكبة لتحولات المجتمعالجزائري في التشييد والبناء.
    أمارواية "ريح الجنوب" فقد قدمت صورة عن المرأة أكثر نضجاً من خلال تلكالأبعاد الجمالية التي وظفها الروائي لصالح المرأة ليرصد توجهها ضمنعلاقات اجتماعية تحكمها قوانين قاهرة تخيّب المرأة، إذ لا يمكن أن نقف علىصورة نفيسة إلا بالرجوع إلى أمها كما رسمها الروائي، فهي امرأة خاضعة تلبيرغبات زوجها دون تململ وضجر أو إحساس بالإهمال، وقد نقل الروائي علىلسانها الكثير من العبارات التي تعكس هذا الانصياع من مثل القدر والمكتوب.ولما تهرب نفيسة من البيت يعاقب الزوج الأم بالضرب، لأنها في نظره لم تقمبواجبها أحسن قيام، ولم تراقب ابنتها مراقبة جيدة.
    فكان دورها في الحياة هو تنفيذ الأوامر من دون تعديل أو تحوير مع تغييب كلي لشخصها "أبوك يعتزم تزويجك"(5).
    إنالتطلع نحو غدٍ مشرق، والطموح المشروع لتنمية داخلية وخارجية هما اللذانجعلا نفيسة تنظر إلى المدينة على أنها الحل والمنفذ والمخرج، ولذلك تقررالهرب نحوها قصداً وعنوة، فالمدينة تحكمها- حسب تصورها- علاقات اجتماعيةمغايرة عادلة ومطاوعة تحقق لها وجوداً مختلفاً ونوعياً-هكذا كانت تزعم-يشعرها بالأمان والطمأنينة.
    وتعدهذه النظرة نظرة قاصرة تتعامل مع المدينة تعاملاً خارجياً فلا ترى فيالمدينة إلا كل حسن وجميل، بينما الواقع غير ذلك، فعلاقات المدينة هيعلاقات أكثر فظاعةً واستغلالاً من تلك التي تحكم الريف، وتتطلب وضعاً أكثرنضجاً للتعامل معها.
    لقدكانت رقية تقارن بين وضعها وبين ما قرأته من كتب، أين هذه الحياة من حياة"سيسي الإمبراطورة، والأميرة ثريا، وإليزابيث تايلور وغيرها من الأسماءاللامعة"(6).
    وتعكسهذه المقابلة نضجاً مراهقاً غير واع كل الوعي، وما يعكس تطلبها الاجتماعيموقفها من الراعي "رابح" الذي تسلل إلى غرفتها ليلاً، فتواجهه قائلة "اخرجمن هنا أيها المجرم، أيها القذر، أيها الراعي القذر"(7).
    لقدكانت نفيسة –في نظر ابن هدوقة- صورة للمرأة السلبية التي تنهزم مع كلمواجهة على الرغم من انتفاضها أمام الرعي، أو انتفاضها بالهروب من البيتفقد صورها رهينة وضع اجتماعي متخلف، لأنها لم تدرك تلك العلاقاتالاجتماعية إدراكاً تاماً وجيداً يعتمد على التفكيك الواعي لأسس هذهالعلاقات، بل إنها كانت تبحث عن الحل المرضي لمشكلتها الشخصية، والهروبليس هو الحل، إنما انهزام وابتعاد عن المواجهة.
    وجاءتالرواية الثالثة "بان الصبح" لترسم صورة المرأة في المدينة، لتكون معادلاًموضوعياً لـ"نهاية الأمس وريح الجنوب" وفي الوقت نفسه امتداداً لها.فدليلة في "بان الصبح" طالبة جامعية بمعهد الحقوق، شابة مندفعة متحررة إلىدرجة اللامبالاة والعدمية، متيقظة ثائرة كالبركان تعيش في مجتمع تحكمهعلاقات اجتماعية متباينة متناحرة عاكسة لواقع جزائري متنوع، فجاءت شخصيةنموذجية تحمل مواصفات المرأة التي تتعامل بداخلها مجموعة من المتناقضاتالتي تكسبها جمالية خاصة، تحكم على الموقف الواحد حكمين مختلفين فلم ترَعيباً في حملها من البرجوازي على إثر ممارسة غير شرعية في حين تنكر هذاالتصرف إذا صدر عن غيرها "لماذا أخي المحترم أحب هذه المرأة الرخيصة التيقبلت أن تأتي معه إلى هذا المكان القذر؟ لماذا تزوج إذاً؟
    لماذاجاء بها إلى هنا، حيث الأنظار تخذه بكل ما تملك من احتقار؟ لماذا لم تذهببعيداً حيث لا يراها أحد؟ هذا في الأسرة أعرفنا وولينا بعد أبينا لو كنافي حاجة إلى ولي! معارفه ليست في خلاياه، إنها في جيبه… إنه تافه، حقير….حقير"(Cool.
    إندليلة "بان الصبح" هي امرأة أكثر نضجاً وتطوراً ووعياً من نفيسة المستغلةفي إطار علاقات ريفية، تنظر إلى المرأة نظرة خاصة، وترى في وجودها فيالعاصمة ضماناً للحياة السعيدة، فهل استطاعت هذه المدينة أن تقدم الحلولالمناسبة والمرضية للمشاكل التي تعاني منها؟.
    لقدجعل ابن هدوقة دليلة صورة عن نفيسة، إذ وضعها في علاقات هجينة لم تسمح لهابالانفلات والتحرر، فإذا المدينة هي المنقذ لنفيسة، فهي واقعياً مكان آخركالريف تمارس فيه أشكالاً من الاستغلال بطرق مختلفة شكلاً ومختلفةمضموناً. ليصل الروائي إلى أن مشاكل المرأة لا تحل إلا في إطار مجتمععادي، ولهذا كانت "دليلة" امرأة هامشية لم تستطع الوصول إلا أن مشاكلهامقرونة بمشاكل أخريات أكثر تأزماً وتعقيداً، لأن التطلع الفردي تطلعنهايته الفشل لأنه يهمل كل مجهود جماعي. وما يؤكد على هذه النظرة القاصرة،فإن دليلة ترى في الرجل منبع كل المشاكل وسبب كل المعاناة ومصدر كل إزعاج،فهي لا تفرق بين كونه مستغِلاً وكونه مستغَلاً. إنها لم تستطع التخلص منتفكيرها المتناقض والقاصر، فهي تحب كريمو حباً من طرف واحد، ابن الطبقةالبورجوازية بعد أن أغراها بادعاءات التحرر والزواج، ولما تقع وتحمل منه،يتخلى عنها ويتنكر لها، ويقترح عليها الإجهاض، مما يقوي لديها النزوعالذاتي والمنفعة الشخصية.
    وتنضجالمرأة أكثر عند ابن هدوقة في روايته الموسومة "الجازية والدراويش" وقداستعمل لذلك الرموز بدرجة كبيرة "والترميز هو بحد ذاته عملية تقلص المرموزإلى محض بعده كموضوع، بينما يحتكر الرامز أو مؤول الرمز كل الذاتيةلحسابه. ومع أن الترميز يفترض أصلاً بالموضوع المرموز أن يكون قابلاًللتشكيل، أي مادة مطاوعة يحدد الآخر مصائرها"(9).
    وإذاكان ابن هدوقة قد نجح في ترميزه الجازية بالجزائر، والجزائر بالجازية فإنترميزه للشخصيات الأخرى، وخاصة الرجالية منها كان ترميزاً مفضوحاًومكشوفاً وظاهراً، فأضرت هذه الرموز بالنص كالرموز التالية الأحمر،الأخضر، ولو كان الترميز على المستوى اللغوي (الخطاب) لكان أفيد.
    إنامتزاج الجازية بالجزائر (الوطن) جعلها مطمعاً لكل الدراويش الطامحين فيالظفر بها، كل بحسب توجهه الفكري ونظرته إلى الحياة إلا أنها حافظت علىاستقلالها وبناء شخصيتها بعيداً عن تلك المغريات، إنها اختارت أن ترتبطبالصفصاف رمز السمو والعلو والارتقاء، وفي الوقت ذاته رمز التمسك والثباتواليقين. فكانت بذلك امرأة قريبة من زهرة ميرامار نجيب محفوظ التي كانت"مرآة يرى فيها الآخرون أنفسهم أو تعكس لنا صورهم. لكن أهذا كل دور زهرة؟الفعل للآخرين والانعكاس لها؟ الواقع أن نجيب محفوظ الذي لا تشف كتاباته…عن نزعة سافرة إلى معاداة المرأة لا يحط زهرة، بترميزها، إلى مستوى الرمزالسالب والمنفعل، فزهرة رمز ولكنه رمز حي، متطور، وحتى فاعل… فإن زهرةالتي تملك إلى جانب بعدها الرمزي بعداً واقعياً وعينياً غير قابلللاختزال، والتي تحرص بشراسة على أن تكون هي صاحبة قرارها وصانعة مصيرها،تبدو وكأنها مركز عملية مضادة للترميز ومفككة له"(10)، لقد كانت الجازيةمحور الحدث الروائي، ومركز استقطاب للفعل المحرك للرمز، وبذلك تمتزجبالجزائر "الأرض والسلطة"، وهي إن كانت تبدي تعاطفاً أو ميلاً نحو درويشمن الدراويش، فإنها سرعان ما تحيد عن هذا الميل، ويبقى الأمر مجرد مغازلةتعبر عن الرغبة ولا تسعى إلى تحقيقها، وقد ساعد هذا الوضع ابن هدوقةتقنياً وفنياً إذ أصبحت نصوصه نصوصاً مفتوحة تنتج مجالاً للتأويلوالتفكير، في سبيل رسم صور جمالية للمرأة، ولقد استفاد هذا الروائي منتقنيات السرد استفادة كبيرة بطريقة إبداعية تعتمد على التصرف في اللغةوزمن الحكي و"يتجلى انفتاح النص الروائي زمن من خلال البناء عبر اشتغالالكاتب على مادته الحكائية والكتابية (الخطاب) بشكل مختلف عما اعتدناعليه. فهو يخلخل الصورة المكونة لدينا عن البناء النصي الذي يحمل الدلالةالتعينية للمعنى، يتم ذلك من خلال تكسيره لخطبة الحكي، وممارسته اللعبالزمني الذي رأينا فيه هيمنة المفارقات السردية والمشاهد والتقطيعالزمني"(11) واعتمدت رواية "غداً يوم جديد" على تقنية الاسترداد، فلمتعتمد على اللحظة الدرامية المعينة، فأحداثها أحداث قريبة حاضرة تحيلناإلى الماضي، ثم إن المرأة، في هذه الرواية، تفكر بصوت عال مرتفع، ترتد إلىالماضي عن طريق السرد تقول: "ابني الشهيد أبوه قدور، هو الوحيد الذي أعرفأباه، أقول كل شيء، كل شيء "أكتوبر" أنطقني أكتوبر الجزائر… أقول كل شيءثم أذهب إلى مكة أغسل عظامي"(12).
    إنالمرأة في هذه الرواية أنثى تحمل مواصفات الإبهار والدهشة والإعجاب."ورفعت الحجاب ورأيتها! بدت لي وهي أمامي على مقعدها! كأنها جالسة علىالزمن! كل حركاتها الخارجية مفككة، لكن كل حركة منها كتاب مفتوح علىالماضي وزهد في متاع الدنيا لا شك أنها رأت الكثير، عاشت حياتها بكثافةوعمق، لكن ما يشدني أكثر إليها كلماتها. كم هي مستقيمة عذبة"
    (13).

    وبذلكترتقي هذه المرأة إلى مرتبة النموذج الذي بحث عنه الروائي في أعمالهالسابقة، إنها الجزائر الوطن في مسيرتها التاريخية، وهي مرتبطة بالمكانالذي تحل به، مما أكسبه جمالية خاصة، وظفها الروائي للكشف عن جمالياتالمرأة. "إن كل ما من شأنه أن يمنعها من هذا السفر لا تريده، هي لا ترغبفي الرجوع إلى الدشرة ولا تريد استئناف الحياة فيها، انتهى كل ذلك الآن.وقد تزوجت بهذا الرجل الذي يعمل بالمدينة إنها لم تتزوج الرجل، تزوجتالمدينة" (14).
    ومازال الاعتقاد في المدينة، وما زالت المرأة ترى فيها خلاصها وجلاء همومها،والواقع أن القضية ليست قضية مكان، بل إنها قضية علاقات وأنماط معيشية،فقد نعيش في المدينة بعقلية القروي (البدوي) وقد نريف المدن، وهذه هي حالالمدن الجزائرية، فلا وجود للمدني (le citadin) إلا نادراً، ويبدو أن ابنهدوقة قد انتبه إلى هذا، وإلى دور المكان في بناء الشخصية. يقول على لسانإحدى الشخصيات:
    "لو سألتني أين تحيا؟ أقول لها في المدينة والرأس ما زال قروياً والقرية اندثرت لو سألتني وما جنت به عليك المدينة؟
    أقوللها: اعتدت على شرف طفولتي كما اعتدت على شرف شبابك القروي (15) إذنفالقضية قضية نمط تفكير ونظام معيشي. ولهذا سعى ابن هدوقة إلى رسم حدودالشخصية الرئيسية في نصه بتقنية فنية تتيح للشخصية أن تعبر عن نفسها،وتكشف عن جوهرها بأحاديثها وتصرفاتها الخاصة. وقد يعمد إلى توضيح بعضتصرفاتها عن طريق أحاديث الشخصيات الأخرى عنها، وتعليقاتها علىأعمالها"(16).
    وبعد،فالمرأة عند ابن هدوقة رمز للمرأة عامة، ورمز لامرأة بعينها، وهي رمزللجزائر، وفي مقام آخر رمز للنجاح والانتصار والنشوة، ورمز للفشلوالهزيمة، ورمز للإيجاب ورمز للسلب، رمز للاعتدال ورمز للتناقض، وهي بعدهذا وذاك رمز للمرأة النموذج عند ابن هدوقة بناءً على معطيات نفسية وسوسيوثقافية.
    ويبقىالسؤال مطروحاً فهل كان هذا الروائي يصور المرأة في حدود الخطاب الروائيأو خارجها، والتي حددها سعيد يقطين(17) في ثلاثة معايير هي:
    1- الصيغة:السرد
    2- الزمن: استيعاب الحكي التقرير
    3- قصدية الكاتب
    ونحنلا نعدم أن ابن هدوقة قد وفق في الوصول إلى هذه الأسس المكونة للخطابالروائي، وقد كتب بمقصدية خاصة تسعى إلى أن تلتقي مع مقصدية القارئ، وقدتتوافق مع أفق انتظاره، والتي تنشد الاستواء في البناء الجمالي والفنيوالاعتدال في الموقف الحضاري.
    وبعد،أيضاً، فإن ابن هدوقة قد وضع صورة نمطية للمرأة لم تستطع أن تتطور خارجالحدود التي رسمها لها، وهي امرأة تابعة للحدث اليومي تشارك فيه مشاركةنسبية لا تخرج عن حدود المعقول، إنّ ابن هدوقة يحافظ على المرأة ولايعريها من الداخل. فالجنس موظف بطريقة عفواً بعيداً عن الإثارة والصناعةوالاحتراف، إنه ضرورة بيولوجية، ولهذا ابتعد عن تلك الأوصاف التي تعكسمستوى من المعالجة وموقفاً ما من هذه القضية، وهو بذلك يختلف عن الروائيرشيد بوجدرة الذي يكشف عورة المرأة في ليليات امرأة أرق، على سبيل المثال،حيث ينتقل إلى المستوى الجواني للمرأة ويجعله يمارس عملية التعبير، بينمايلجأ ابن هدوقة إلى قراءة المرأة بحسب ما يصدر منها
    من تصرفات.

    وبعدمرة أخرى، فإذا كانت المرأة رمز للسلطة فكيف وجدها ابن هدوقة بعد التعيينوالممارسة؟؟ أظن أنها قضت على الطموح الفني والارتقاء الجمالي.

    qqn الإحالات:


    1- فاتحةالحقيقي، كلود تلاحيت- دراسات في العلوم الإنسانية بشأن المرأة الجزائريةص161- الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي.
    المؤسسة العربية للدراسات واتلنشر ط1 1984 بيروت –UNESCO.
    2- الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي 173- عن المرأة الجزائرية بين القناع والحجاب 5.
    3- سعيد يقطين انفتاح النص الروائي النص، السياق 140ط1- 1989 المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب
    4- المرجع نفسه 32
    5- ريح الجنوب 87
    6- المصدر نفسه 33
    7- نفسه 108
    8- بان الصبح 104 الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ط1980
    9- جورج طرابيشي، رمزية المرأة في الرواية العربية 120 ط1-1981 دار الطليعة بيروت
    10- المرجع نفسه 120
    11- سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي الزمن، السرد، التبئير 85 ط1 1989 المركز الثقافي العربي الدار البيضاء
    12- عبد الحميد بن هدوقة غداً يوم جديد 13
    13- المصدر نفسه 9
    14- نفسه 24
    15- نفسه 165
    16- فن القصة القصيرة عند نجيب محفوظ 190
    17- تحليل الخطاب الروائي 4

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:31 am