منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    مقاربة في مفهوم النص والتماسك النصي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    مقاربة في مفهوم النص والتماسك النصي Empty مقاربة في مفهوم النص والتماسك النصي

    مُساهمة   الأربعاء أكتوبر 20, 2010 3:34 pm

    مقاربة في مفهوم النص والتماسك النصي
    رشيد عمران

    أولا: مفهوم النص :
    يشكل"النص"مفهوما مركزيا في الدراسات اللسانية المعاصرة؛ حيث اختصتالدراسات التي تهتم بالنص باسم : علم النص، أو لسانيات النص، أو لسانياتالخطاب، أو نحو النص…وكلها تتفق حول ضرورة مجاوزة"الجملة" في التحليلالبلاغي إلى فضاء أرحب وأوسع، بل وأخصب في محاورة العمل الفني هو "الفضاءالنصي"، فقد عدّت الأستاذة خولة طالب الإبراهيمي أن الاتجاه إلى النصيعتبر فتحا جديدا في تاريخ اللسانيات الحديثة؛ و "هو التحول الأساسي الذيحدث في السنوات الأخيرة، لأنه أخرجها–اللسانيات- نهائيا من مأزق الدراساتالبنيوية التركيبية التي عجزت في الربط بين مختلف أبعاد الظاهرة اللغوية :البنيوي والدلالي والتداولي"( [1]). لقد تجاوزت الدراسات اللسانيـةالنصيـة حدود البنيـة اللغويـة الصغرى-الجملة- إلى بنية لغوية أكبر منهافي التحليل هي النص؛ إذ عُدّ النص الصورة الكاملة والأخيرة المتماسكة التييتم عن طريقها التواصل بين أفراد المجموعة اللغوية وقد بشّر كـل منبيوتيفي وهاريس بعلم اللغة النصي؛ حيث لم تعد الجملة كافية لكل مسائلالوصف اللغوي فكان من المفروض أن يتجه الوصف في الحكم على الجملة من وضعهافي إطار وحدة كبرى هي النص، وقد عُدّ علم النص في رأيهم تطويراً وتوسيعاًلعلم لغة الجملة الذي شُغل به البنائيون الأمريكان منذ بلومفيلد كما شُغلتبه مدرسة تشومسكي في الكفاءة اللغوية التي توصف توليدياً في إطار القدرةعلى توليد عدد لا متناه من الجمل، وقد استطاع هاريس بمناهجـه النصيةالمبكرة والمبتكرة التي اعتمدها في كتابه( تحليل الخطاب) تطوير المناهج المتبعة في تحليل الجملة.
    النص لغة :
    إذا عدنا إلى المعاجم العربية فإننا نجد لمادة (نصّ) عدّة معانٍ منها :نـص الحديث رَفَعَـه، وناقته استخرج أقصى ما عندها من السَّير، والشيءحرّكه، ومنه فلان ينصُّ أنفه غضباً، وهو نصَّاصُ المتاع : جعل بعضه فوقبعض، وفلان استقصى مسألته عن الشيء، والعروسُ أقعدها على المنصة وهي ماتُرفع عليه فانتصت، والشيء أظهره، والشِواء ينِصُّ نصيصا : صوَّت، والقِدرغلـت، والنصُّ الإسناد إلى الرئيسي الأكبر والتوقيف، والتعيين علـى الشيء،وإذا بلغ النساء نصَّ الحِقاق فالعصبة أولى، أي بلغنا الغاية التي عقلنافيها على الحِقاق وهو الخصام فقال كل من الأولياء أنا أحق، أو استعارة منحـِقاق الإبل، أي انتهى صـغارهن، ونصَّـصَ غريمه وناصَّهُ استقصى عليهوناقشه، وانتصَّ انقبضَ وانتصبَ وارتفعَ، ونصْنَصَه حرَّكه وقلقله والبعيرأثبت ركبتيه في الأرض وتحرّك للنهوض( [2]).
    لعلّ أبرز ما نتبينه من خلال القراءة السريعة للمعاني المعجمية لمادة(نصّ) التي تعكس استخداما واسعا في حقول متعددة؛ المعاني المحورية الآتية:
    - الرفع : كقولنا نصَّ الحديث إليه، أي رفعه إليه، وقولنا انتصَّ، أي ارتفع وانتصب وانقبض.
    - الحركة : كقولنا : نصَّ القدر، أي غلت.
    - الإظهار : كقولنا : نصَّ العروس وضعها على المنصة.
    - منتهى الشيء وغايته : كقولنا : ناصَّ غريمه، أي استقصى عليه وناقشه.
    -لإسناد : كقولنا : نصَّ القول إلى صاحبه، أي أسنده إليه.
    أما النص في المعجم الفرنسي(texte) فهو مأخوذ من مادة (textus) اللاتينيةالتي تعني النسيج،كما تطلق كلمةtexte)) على الكتاب المقدس أو كتابالقداس…كما تعني مند العصر الإمبراطوري ترابط حكاية أو نص…والنص منظومةعناصر من اللغة أو العلاقات، وهي تشكل مادة مكتوبة أو إنتاجا شفهيا أوكتابيا( [3]).
    والذي نلاحظه في المعنى اللغوي لمادة(texte) أنها تدل دلالة صريحة علىالتماسك والترابط والتلاحم بين أجزاء النص وذلك من خلال معنىكلمة"النسـيج" التي تؤشر إلى الانسجام والتضام والتماسك بين مكونات الشيءالمنسوج ماديا، كما تؤشر معنويا أيضا على علاقات الترابط والتماسك من خلالحبك أجزاء الحكاية.
    لقد حاول خليل الموسى الجمع بين الدلالة المعجمية لكلمـة"نص" في العربيةوالفرنسية والإنجليزية، مع اعترافه بوجود فوارق دلالية بين تلك المعاجم،ناتجة عن التداول اللساني الذي يعكس نمطا حضاريا من الاستخدام اللغوي،يقول : "لاشك في أن معاني (نص) في القديم غيرها في الحديث، وعند العربغيرها عند سواهم، وهذا أمر طبيعي تقتضيه التطورات والتغيرات الزمنيةوالمكانية، التي تطرأ على معاني الألفاظ وسواها، ولكنّ بعض هذه المعاني،وبخاصة الثوابت منها، تتقاطع وتتلاقى؛ فالرفع مثلا يعيد النص إلى صاحبه،والتحريك صفة من أهم صفات النص الأدبي، فهو حوار بالـدلالة، أما الإظهارففيه معنى الإنجاز والتمام، وإذا كانت العروس تُنَصُّ على المنصة لتُرى فيأجمل حُلّة وصورة لها فكذلك شأن النص الذي لا يخرجه صاحبه إلى الناس إلاّفي حالته التي يراها جميلة، ومن هنا كان معنى الحوليات في الشعر الجاهلي،ثمّ إنّ من معاني النص الافتضاح والإشهار ومنها قولهم : وُضع فلان علىالمنصة، أي افتضح واشتهر، ومن ذلك التحديد والوصول إلى الغاية والوصول إلىالغاية والمنتهى في الجودة والبلاغة"( [4]).
    وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى تحديد المعنى الأصلي لكلمة"النص" في أعظمعلم أنتجته العقلية العربية الإسلامية هو"علم أصول الفقه"، حيث نجدتطبيقات نصية مبكّرة وراقية تجاوزت إطار التحليل على مستوى الجملة…فقدوردت الكلمة في اصطلاح الأصوليين بمعان مختلفة تعكس مستويات دلاليةمتفاوتة تحددها درجة الظهور أو الخفاء في النص، ونجمل تلك المعاني فيالآتي( [5]) :
    1. عبارة النص :ويطلق على المعنى الحرفي للنص، أي المعنى الذي يتبادر من خلال الصيغ التيتُكوّن مفردات وجمل النص، فهو المعنى الظاهري الذي يبرز سطحيا في النص.
    2. إشارة النص : وهو المعنى الذي لا يتبادر فهمه من ألفاظه، ولا يقصد من سياقه ولكنه معنى لازم للمعنى المتبادر من مقصود السياق.
    3. دلالة النص : وهو ما يفهم من روح النص ومعقوله.
    4. اقتضاء النص : وهو المعنى الذي لا يستقيم الكلام إلاّ بتقديره.
    وهكذا نرى أنّ كلمة"نص" في التعريف الفرنسي أقرب في الدلالة على مفهومالتماسك النصي؛ فهي تدل على الترابط بين أجزاء الحكاية، كما أنّ كلمةالنسيج- المقابل المعجمي لمادة نص- في أبسط معانيها تدل على الانسجاموالتماسك والترابط والتناسق بين خيوط المنسوج؛ ذلك المنسوج الذي يُشكِّلقيمة فنية ترتفع جمالياتها كلما ازداد تماسك خيوطها.
    النص اصطلاحا :
    النص في الدراسات الغربية :
    مفهوم النص عند هيلمسليف :
    يستعمل العالم اللساني(هيلمسليف) مصطلح"النص" بمعنى واسع؛ فيطلقه على أيملفوظ؛ منفَّد؛ قديما أو حديثا؛ مكتوبا أو محكيا؛ طويلا أو قصيرا، فكلمة :قِفْ؛ مثلا؛ هي في نظر هيلمـسليف نص كامل، كما أنّ جماع المادة اللغويةلرواية بكاملها هي أيضا نص كامل( [6]).
    مفهوم النص عند تودوروف :
    في مؤلفه"القاموس الموسوعي لعلوم اللغة"، يرى تودوروف أن اللسانيات تبدأبحثها بدراسة(الجملة)...ولكن مفهوم(النص) لايقف على نفس المستوى الذي يقفعليه مفهوم (الجملة)، أو التركيب، وكذلك هو متميز عن الفقرة التي هي وحدةمنظمة من عدة جمل.
    ويرى تودوروف أيضا أن النص يمكن أن يكون جملة، كما يمكن أن يكون كتابابكامله، وعليه يحدد النص أساس استقلاليته وانغلاقيته؛ فهو يؤلف نظاما خاصابه، لا يجوز تسويته مع النظام الذي يتم على أساسه تركيب الجمل.
    ومستويات تحليل النص عند تدوروف هي :



    مفهوم النص عند رولان بارث :
    النص عند بارث نسيج كلمات منسقة في تأليف معين، بحيث يفرض شكلا وحيداوثابتا قدر المستطاع، والنص من حيث هو نسيج فهو مرتبط بالكتابة، لأنه رسمبالحروف؛ وللنص هالته الروحية كذلك من حيث وحي كلماته.
    والكتابة هي السمة الأساسية للنص عند بارث؛ فالكتابة ضمانة للشيء المكتوب،وصيانة له؛ وذلك باكتسابه صفة"الاستمرارية"، فالنص من هنا سلاح في وجهالزمان، والنسيان...يقرر بارث في الأخير منظوره للنص في جانبه الشكليالعام؛ أنه نسيج كلمات منسقة( [8]).
    مفهوم النص عند كريستيفا :
    تحدد جوليا كريستيفا النص، بأنّه"جهاز عبر لساني يعيد توزيع نظام اللسانبالربط بين كلام تواصلي يهدف إلى الإخبار المباشر وبين أنماط عديدة منالملفوظات السابقة عليه أو المتزامنة معه، فالنص إذن، إنتاجية"( [9]).
    وتنطلق كريستيفا من مفهوم التناص في تحديد مفهوم"النص"؛فالنص"ترحال للنصوصوتداخل نصي، ففي فضاء معين تتقاطع وتتنافى ملفوظات عديدة مقتطعة من نصوصأخرى"( [10]).
    إنّ النص فضاء ثري يختزن طاقات ومعارف كبيرة ومتنوعة ومتشابكة، "فالنصالأدبي خطاب يخترق حاليا وجه العلم والأيديولوجيا والسياسة، ويتنطعلمواجهتها، وفتحها وإعادة صهرها"( [11]).
    مفهوم النص في الدراسات العربية :
    مفهوم النص عند عبد المالك مرتاض :
    من حيث الشكل؛ لا يحدد مرتاض النص من خلال كمّه، أي من خلال الجملة أومجموعة الجمل داخل النص، فهو يرى أنّ النص"لا ينبغي أن يحدد بمفهومالجملة، ولا بمفهوم الفقرة التي هي وحدة كبرى لمجموعة من الجمل، فقديتصادف أن تكون جملة واحدة من الكلام نصا قائما بذاته مستقلا بنفسه، وذلكممكن الحدوث في التقاليد الأدبية كالأمثال الشعبية والألغاز والحكمالسائرة والأحاديث النبوية التي تجري مجرى الأحكام وهلم جرا"( [12]).
    أما النص من حيث دلالته؛ فهو شبكة معطيات؛ ألسنية وبنيوية وأيديولوجيةكلُّها تسهم في إخراج النص إلى حيِّز الفعل والتأثير؛ ومن هنا يستندالأستاذ مرتاض على نظرية القراءة في تحديد مفهوم النص الأدبي، "فالنص قائمعلى التجددية بحكم مقروئيته، وقائم على التعددية بحكم خصوصية عطائيته تبعالكل حالة يتعرض لها في مجهر القراءة، فالنص من حيث هو ذو قابلية للعطاءالمتجدد المتعدد بتعدد تعرضه للقراءة، ولعلّ هـذا ما تطلق عليه جولياكريستيفا(إنتاجية النص) حيث إنه يتخذ من اللغة مجالا للنشاط فتراه يتردد؟إلى ما يسبق هذه اللغة محدثا بعدا بين لغة الاستعمال اليومية- وهي اللغةالمسخرة لتقديم الأشياء والتفاهم بين الناس- والحجم الشاعر للفعالياتالدالية؛ فتنشط اللغة التي هي الأصل الأدبي في كل مرحلة نشاط هذه اللغةالتي هي أصل النص في كل مراحله ومظاهره"( [13]).
    مفهوم النص عند نور الدين السد :
    ينطلق السد من رؤية لسانية؛ لا تعتمد تقسيم الخطابإلى خطاب نفعي وآخر فني بل صنّف النص تصنيفا نوعيا، وبذلك أصبح"النصالأدبي"، لا يمثل إلاّ أحد الأنواع النصية العديدة؛ والتي منها النصالديني، والنص القضائي، والنص السياسي، والنص الإشهاري إلخ( [14])
    إنّ القارئ، والسياق، و"وسائل الاتساق"؛ أركان جوهرية وحاسمة في تمييزالنص عن اللانص؛ فمتكلم اللغة العارف بخصائصها هو وحده القادر على أن يحكمبنصية ما تلقاه؛ إما أنه يشكل كـلا مـوحدا، وإما هو جزر من الجملوالتراكيب لا يربطها رابط، لذلك كـان الاتساق-اللغوي وغير اللغوي- مقوماأساسيا في الحكم على نصية أي نص من عدمها( [15]).
    ويوضح السد رؤيته للنص بالشكل الآتـي:

    المرسل
    ....

    إنّ التـرابط بين أجـزاء النص أبـرز الخصائص التي تسمه-بالنصية (texture)،فالنص ليس"مجموعة جمل فقط، لأنّ النص يمكن أن يكون منطوقا أو مكتوبا، نثراأو شعرا، حوارا أو منولوغا، يمكن أن يكون أي شيء من مثل واحد حتى مسرحيةبأكملها، من نداء استغاثة حتى مجموع المناقشة الحاصلة طوال يوم في لقاءهيئة، والنصية تميز النص عمّا ليس نصا، فالنصية تحقق للنص وحدته الشاملة،ولكي تكون لأي نص نصية ينبغي أن يعتمد على مجموعة من الوسائل اللغوية التيتخلق النصية، بحيث تسهم هذه الوسائل في وحدته الشاملة، ولتوضيح ذلك نضربالمثل الآتـي : (اقطف قليلا من الزهور، ضعها في مزهرية قاعة الاستقبال)،غني عن البيان أن الضمير(ها) في الجملة الثانية، يحيل قبليا إلى(الزهور)في الجملة الأولى، وما جعل الجملتين متسقتين هو وظيفة الإحالة القبليةللضمير(ها)، وبناء على ذلك فإنّ الجملتين تشكلان نصا"( [16]).
    مفهوم النص عند إبراهيم الفقي :
    في دراسته للتماسك النصي، يتبنى الفقي تعريف (روبرت آلان دي بيوجراند)؛الذي يرى أن النص؛ حدث تواصلي يلزم لكونه نصا أن تتوافر له سبعة معاييرإذا تخلف واحد منها تنتزع منه صفة النصية، وهذه المعايير هي :
    • السبك أو الربط النحوي(cohesion).
    • الحبك (coherence) أو التماسك الدلالي، وترجمها تمام حسان؛ بالالتحام.
    • القصـد (Intentionality)؛ وهو الهدف من إنشاء النص.
    • القبول والمقبولية (Acceptability) وتتعلق بموقف المتلقي من النص من حيث قبوله أو رفضه.
    • الإخبارية أو الإعلام (Informativity) وتتعلق بأفق انتظار المتلقي وتوقعه للمعلومات الواردة في النص.
    • المقامـية(Situationality) وتتعلق بمناسبة النص للموقف والظروف المحيطة بـه.
    • التناص (Intertextuality)( [17]).


    التماسك النصي في الدراسات الغربية :
    التماسك النصي عند اللغوي الفرنسي جان ميشال آدم:
    تعرض خولة طالب الإبـراهيمي في كتابها(مبادئ اللسانيات) أهم القواعدالمبدئية التي اقترحها اللغوي الفرنسي جان ميشال آدم لإرساء أسس نظريةمتكاملة( [18])، تحدد هذه المبادئ إطار التحليل النصي اللساني وهي مبنيةعلى ثلاثة فرضيات، ويتفرع عن بعضها فرضيات جزئية أخرى :
    الفرضية الأولى : الطبيعة النصية لممارستنا الكلامية أو الخطابية :
    السلوك الإنساني في المجال الرمزي وخاصة منه الرمزي اللغوي يطبع بطابع النصية :
    يستنتج من ذلك آدم أنّ الجملة ليست هي الوحدة القاعدية للتبادلات الكلاميةوالخطابية بل النص وحدة التبليغ والتبادل، ويكتسب النص انسجامه وحصافته منخلال هذا التبادل والتفاعل، ينبغي إذا أن نتجاوز إطار الجملة لنهتم بأنواعالنسيج النصي التي يحدثها المتكلمون أثناء ممارستهم الكلامية.

    ينبغي أن تتوافر لدى المتكلمين ملكة نصية تجعلهم قادرين على فهم(إدراك)وإحداث نصية كلامية. من هنا تتأكد ضرورة توسيع الملكة النصية العامة التيتسمح بإدراك نصوص لا متسقة ومترابطة وإنتاجها كذلك.

    ويؤكد آدم هنا على تلقي النصوص وتفاعل القارئ المستقبل لها حيث يمكن أنتتوافق أهدافه مع أهداف مؤلف النص، كما يمكن ألا تتوافق فقد يصير النصالأصلي نصا آخر عند التلقي والقراءة ليناسب معتقد ومعارف وأهداف المتلقيوهنا تبرز الفضاءات الذهنية وهي مساحة المعارف والمعتقدات المشتركة بينالمؤلف والمتلقي وقوامها الترابط والانسجام.
    النص ليس تتابعا عشوائيا لألفاظ وجمل...
    النص كلّ تحدّه مجموعة من الحدود تسمه بالنصية؛ بصفته كتلة مترابطة بفعلالعلاقات النحوية التركيبية بين القضايا وداخلها، وكذلك باستعمال أساليبالإحالة والعوائد المختلفة...ولا تستقيم نصية القطعة إلا بانسجامها ويتمالكشف عن الانسجام بإدراج النص ضمن سياقه؛ حيث البعد التأويلي يضمن تقريبالمسافة بين النص ومؤلفه ومتلقيه كذلك.
    الفرضية الثانية : شروط وقوام النصية الترابط والانسجام :

    وتعتبر هذه الفكرة محورية في مشروع آدم؛ أما مفهوم المقطع فيُمفصل النصإلى مقاطع بفعل التنظيم والتنقيط والشكل، والأهم بفعل علامات لغوية معينةإلى مقاطع حيث يصبح المقطع الوحدة النصية الصغرى، أما توجه النص التداولي؛فيحدده غرضه وتَحُدُّه العلاقات التي تربطه بمحيطه الخطابي والمرجعي العام.

    الفرضية الثالثة : ضرورة التمييز بين نصية محلية وأخرى عامة :
    لترابط النص علامات خاصة تميّزه في بعده الجزئي والكلي.أمّا البعد الجزئيأو الميكرونصي فهو يخضع للترابط المحلي ومن علاماته : العلاقات النحويةالمنطقية، وترتيب الموضوعات...أمّا البعد الكلي للنص أو الماكرونصي فيكونبين المقاطع الميكرونصية والنص بمجمله، والمتجانسات والنظائر الدلالية،والعملية التأولية كلها عناصر تضمن ترابط النص.

    التماسك النصي عند يول وبراون(1983) :
    يطرح الباحثان يول وبراون في كتابيهما"تحليل الخطاب" جملة من العناصر على محلل الخطابأن لا يغفلها وكلها تساهم في بناء تماسك النص، وقد لخّـص محمد خطابي عناصرالتحليل النصي بناء على اعتمادهما الوظيفة النقلية والتفاعلية للغة؛ لأنهذه الوظيفة في رأيهما أساس الوظائف الأخرى للغة، كما لا ينفي الباحثانباقي الوظائف( [19])، والعناصر التي يقدمها الباحثان هي :
    السياق :
    الذي يظهر فيه الخطاب، وينقسم إلى قسمين؛ خارجي وداخلي؛ ومراعاة السياقالخارجي يعني : الإحاطة بالظروف التي أنشئ فيها النص(المرسل والمرسل إليهوالزمان والمكان)، فقد يقال نص واحد في سياقين مختلفين؛ يترتب على ذلكتأويلين مختلفين من هنا تصبح وظيفة السياق وظيفة أساسية؛ يتم من خلالهاحصر التأويلات الممكنة للنص؛ وأهم عناصر السياق عند يول وبراون :
    المرسل : منتج الخطاب.
    المتلقي : وهو المستهدف من إنشاء النص.
    الحضور : وهم مستمعون آخرون للنص يسهم وجودهم في تخصيص الحدث الكلامي.
    الموضوع : وهو مدار الحدث النصي.
    المقـام : وهو مكان، وزمان، والعلاقات الفيزيائية بين المتفاعلين بالنظر إلى الإشارات وإيماءات وتعبيرات الوجه...
    القناة : أي الواسطة التي تمّ من خلالها التواصل؛ كـلام، كتابة، إشــارة إلخ.
    النظام : أي أسلوب اللغة أو اللهجة التي تم ّ التواصل بواسطتها.
    شكل النص : ما المقصد منها؟جدال أو عظة أو نكتة أو قصة.إلخ.
    المفتاح : ويتضمن التقويم؛ هل كان النص؛ جدلا مثيرا؟ وموضوعيا؟ هل كان موعـظة ...؟
    ويشير الباحثان وهما بصدد هذه الخصائص؛ إلى أن محلل النص هو وحده الذييحدد عناصر تحليله، فليست كل العناصر بالضرورة متوافرة في جميع النصوص([20]).
    التأويل المحلي :
    ووظيفته تقييد البعد التأويلي للنص؛ وذلك باعتماد خصائص السياق التي منشأنها حصر القراءات الممكنة للنص، واستبعاد القراءات التعسفية التي تُفرضعلى النص، وعملية التأويل تمليها-غالبا- تجربتنا السابقة في مواجهةالأحداث؛ وهو ما يسمى بمبدأ المشابهة؛ التي تندرج ضمن استراتيجية أوسعمنها هي معرفة العالم؛ فالتأويل المحلي من هنا في مواجهته للنص يعتمدتجاربنا السابقة، كما يعتمد المعلومات الواردة في النص والمعلومات المحيطةبالنص؛ وبفعل هذه الآلية يتم استبعاد التأويل الذي لا ينسجم مع العناصرالتأويلية( [21]).
    مبدأ التشابه :
    يعتمد محلل النص على تجاربه السابقة؛ حيث يراكم عادات تحليلية وفهمية،وهذا عمل فيه محاولة لربط شيء معطى بآخر غير ظاهر، وتسهم التجربة السابقةفي اكتشاف الثوابت والمتغيرات النصية؛ التي تقود إلى الوصول للنص وخصائصهالنوعية، والتأويل المناسب هو شكل من أشكال إنتاج المعنى المناسب؛وبالتالي فهو جهد في البحث عن تماسك النص، هذا التماسك الذي يقدم تعليلامقنعا لوحدات النص المتراتبة واحدة تلوى الأخرى، والتشابه من الوسائل التيتساعد في تأويل النص وليس هو الوسيلة الوحيدة فقط؛ ذلك أنّ التشابه يردبنسب مختلفة؛ فالتعابير والمضامين يلحقها بالضرورة اختلاف في النصوص؛ ولكنوعلى الرغم من ذلك تبقى الخصائص النوعية للجنس التي نادرا ما يلحقهاالتغيير( [22]).
    مبدأ التغريض :
    ينتظم الخطابفي شكل متتاليات من الجمل؛ متدرجة من البداية حتى النهاية، أي أن سمةالخطّيّة من السمات البارزة في النص، فالعناصر اللاحقة لها تعلق بالعناصرالسابقة، وبناء على ذلك فإن التأويل القريب هو التأويل الذي لا يلغي خطيةالنص؛ ومن هنا تبدو أهمية مبدأ التغريض في العملية التأولية؛ فلكل نص محورتدور دلالة النص حوله.
    التماسك النصي في الدراسات العربية الحديثة :
    التماسك النصي عند سيد قطب :
    إذا عدنا إلى مؤلفات التفسير فإننا نلاحظ أن التفاسير التي اعتمدت الوحدةالنصية منطلقا لها نادرة جدا، ولعل السمة البارزة لكتب التفسير القديمةباستثناء محاولة السيوطي في كتابه "أسرار ترتيب القرآن؛ هي تفسير الآيةالواحدة ثم الانتقال إلى الأخرى دون البحث عن الخيط الناظم للآيات فيالسورة الواحدة حيث تتم معالجة كل آية منفصلة عن الأخرى؛ معالجتها لغوياونحويا وبلاغيا...للوصول إلى مراد الآية فقط.
    ويعد الأستاذ قطب من المفسرين-قدماء ومحدثين- الذين تنبهوا إلى التماسكالنصي ونتائجه في تفسير القرآن، واستطاع من خلال ذلك أن يخرج تفسيره"فيظلال القرآن"؛ فقد وُفّق سيد في إدراك اطراد الظاهرة-التماسك بين الآياتوالمقاطع والسور في القرآن- بعد مدارسة طويلة لكتاب الله تعالى.يرىالأستاذ عبد الفتاح الخالدي أنّ "سَيّد قطب سيدُ هذه الساحة وقُطبُ رحاها،لأنّه قدّم لنا-في الظلال- السور والآيات كلبنات وحلقات متراصة في النصالقرآني المتناسق المعجز"( [23]).
    ولعلّ الأسباب الآتية كانت وراء اهتداء سيد للظاهرة؛ كما يُرجِّح الأستاذ عبد الفتاح الخالدي :
    العقيدة :
    إذ هي الأصل والأساس الذي تنبثق منه سائر التصورات والمبادئ والمناهج، وهيالمحور الذي تشد إليه جميع الفروع والجزئيات، وهي الموضوع الأساسي فيالقرآن الكريم الذي يربط سائر موضوعاته ومعانيه.
    حياته الطويلة التي قضاها في ظلال القرآن، ومداومة إنعام النظر فيه، وتدبرمعانيه، والتعمق في فهم أسراره ومراميه، والغوص إلى حقائقه وأغراضه،والوقوف على الناظم الدقيق المتين الذي يشد آياته وسوره.
    ثقافة سيد الأدبية؛ وموهبته الشعرية، وقدرته وتجربته النقدية( [24])، ويبدو التماسك كما قدّمه سيد في تفسيره الظلال؛ كالآتـي :
    • التماسك بين السورة والسورة. وحديثها؛ فإننا نلفي تفاوت الاهتمام بالتماسك كما يلي :
    • التماسك بين دروس السورة الواحدة التي تلتقي إلى تحقيق هدف السورة وغرضها، وتتناغم في إبراز شخصية تلك السورة.
    • التماسك بين مقاطع الدرس الواحد كجزئيات تكمل موضوع ذلك الدرس.
    • التماسك بين آيات المقطع الواحد كأفراد تلتقي وتكمل بعضها لتبرزه مقطعا متماسكا.
    • التماسك بين كلمات الآية الواحدة وجملها، لتكوّن لبنة متكاملة من لبنات النص القرآني المعجز( [25]).
    وقد أثبت سيد قطب نظريته في التماسك النصي في كل السور، ففي بداية سورةالأعراف-مثلا-يقول : "إنّ كل سورة من سور القرآن ذات شخصية متفردة، وذاتملامح متميّزة، وذات منهج خاص، وذات أسلوب معين، وذات مجال متخصص في علاجهذا الموضوع الواحد، وهذه القضية الكبيرة...إنّها كلها تتجمع على الموضوعوالغاية، ثمّ تأخذ بعد ذلك سماتها المستقلة، وطرائقها المتميزة ومجالهاالمتخصص في علاج هذا الموضوع وتحقيق هذه الغاية...إنّ الشأن في سور القرآنكالشأن في نماذج البشر التي جعلها الله متميزة : كلهم إنسان، وكلهم لهخصائص الإنسانية، وكلهم له التكوين العضوي والوظيفي والإنساني...ولكنهمبعد ذلك نماذج منوعة أشدّ التنويع، نماذج فيها الأشباه القريبة الملامح،وفيها الأغيار التي لا تجمعها إلاّ الخصائص الإنسانية العامّة.هكذا عُدْتُأتصـــوّر سـور القرآن، وهكذا عدت أحسّها، وهكذا عدت أتعامل معها، بعد طولالصحبة، وطول الألفة، وطول التعامل مع كل منها وفق طباعه واتّجاهاته،وملامحه وسماته"( [26])
    لقد طبّق سيد رؤيته تلك في كل سور القرآن التي تبدو بصورة واضحة جليةاتخذها منهجا سار عليه في ظلالــه، ففي مطلع تفسيره لسورة البقرة، علىسبيل المثال، وعلى الرغم من أنّها أطول سور القرآن، وأنّها ضمّت آيـاتعديدة، وأنّها نزلت منجّمة في فترة زمنية طويلة، وبقيت مفتوحة عشر سنواتتقريبا( [27])، حيث إنّ منها ما نزل في أوّل العهد المدني، وإنّ آخر آياتنزول القرآن هي من بين آياتها، وعلى رغم أنّها تحوي عدّة موضوعات…إلاّأنّ"المحور الذي يجمعها كلها محور واحد مزدوج يترابط الخطّان الرئيسيانفيه ترابطا شديدا...فمن ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوةالإسلامية... وهي من الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة فيأوّل نشأتها وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض"( [28])
    التماسك النصي عند مـحمّد خطّابي :
    يؤسس محمد خطابي خطابه النقدي في دراسة التماسك النصي على ثنائية؛ تستلهمالمكونات التراثية، وتستبعد ما تجاوزته المرحلة...كما تستفيد من المنجزاتاللسانية والنقدية الغربية المعاصرة. يعرض محمّد خطابي مظاهر النص؛ وطبيعةانسجامه، كما جاءت في اللسانيات الوصفية، ولسانيات الخطاب، ونظرية تحليل الخطاب، ومنجزات العلم في مجال الذكاء الاصطناعي، وكما تجلّت في أعمال(فان ديك)التي ينسجم الخطاب فيها كالآتي : الخطابويتفرع إلى وظيفتين؛ دلالية وتداولية، وتحوي الوظيفة الدلالية العناصرالآتية : الترابط، والانسجام، والبنيات الكلية.أمّا الوظيفة التداوليةفتضم : السياقات، والأفعال الكلامية، وقــد عـزّز الباحث دراسته بأعمالالرواد في مجال علم اللغة النصي أمثال (هالــيدي ورقية حسن) في مؤلفهما :الاتساق في اللغة الإنجليزية(Cohésion in english )، ومثلما استفاد البحثمن اللسانيات الغربية في مجال تحليلالخطاب، استفاد كذلك من تراث الدراسات العربية؛ كالبلاغة، والنحو، والنقدالأدبي القديم، وعلم التفسير، وعلوم القرآن؛ التي أثبت من خلال بعضها أنما قدمته من آليات نصية يرقى إلى ما قدّمته اللسانيات النصية المعاصرة،ومن خلال تلك المزاوجة حاول الباحث تأسيس لسانيات نصّية عربية تحاور النصالعربي بالاستفادة من كل تلك المعطيات.
    لقد كان هدف الأستاذ محمد خطاّبي البحث في كيفية انسجام الخطابالشعري؟ وقد اقتضى منه ذلك التنقيب عن قواعد نصية لا تلغي التراث برمّته،ولا تستنسخ كل معطيات الحضارة الغربية اللسانية والنقدية استنساخا سمجا،واستطاع من خلال هذه الرؤية استنتاج قواعد نصية عامّة تنسجم والنص العربي،وختم الباحث آراءه النظرية، بالبحث التطبيقي عن كيفية انسجام النص فيقصيدة"فارس الكلمات العربية"لأدونيس( [29])
    التماسك النصي عند صبحي إبراهيم الفقي :
    ينطلق الأستاذ صبحي في كتابه"علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق"منإعجاب كبير بالمدرسة "النصِّية" أحدث مدرسة تَعدّت في تحليلها اللغوي؛النُّظم التي اتّبعتها المدارس الأخرى أين انصبّ اهتمامها على الجملةبوصفها الوحدة اللغوية الكبرى...لقد اتّخذتالمدرسة"النصية""النَّصَّ"مجالا للتحليل كإطار أوسع من الجملة التييُعَدُّ الوقوف عندها قصورا في التحليل النصي؛ إذ لا يمكن دراستها منفصلةعن سياقها اللغوي المتمثل في البنية اللغوية الكبرى"النص".
    قسّم الأستاذ صبحي كتابه إلى أربعة فصول يبدو بصورة واضحة أنّها تدور حولالتماسك النصي، الذي يعتبر أهم مظاهر التحليل النصي. في الفصل الأول عرّفالباحث النص، وعلم اللغة النصي وأهم المصطلحات المتعلقة به، وأفرد الفصلالثاني للتماسك بَيَّن مفهومه وأهميته، وعلاقة السياق والمتلقي بالتماسك؛وأثرهما في تكييف التماسك، ثمّ قدّم نظرة القدماء للتماسك، وفي الفصلالثالث تناول الباحث دور الضمائر-الشخصية، الإشارية، الموصولية- فيالتماسك وأهمّيتها عند علماء العرب وعلماء النصية المحدثين، وأتبع كل ذلكبفصل حاول فيه تطبيق المبادئ النظرية على سور مكية أبرز من خلالها أهميةالضمير في إحداث التماسك النصي، وأما الفصل الرابع فخصّه للتوابعوأهمّيتها عند علماء العربية وعلماء النصية، وختم هذا الفصل أيضا بالتطبيقعلى سور مكية بيّن فيها أهمية الضمير في الربط بين أجزاء النص.
    وتكمن أهمية هذه الدراسة في اعتقادنا؛ في أنّها تجاوزت الجملة إطارانهائيا للتحليل، وجعلت المتلقي شريكا أساسيا لا ينبغي تجاهل دوره في تلقيوإدراك النص،كما أنّ الدراسة لم تكن آراء نظرية بعيدة عن روح النص العربي؛بل أتبعت النظرية بالتطبيق على أفصح وأقدس نص تفتخر به العربية..."و لمّاكان المجال التطبيقي للتحليل النصي-خاصّة في الإسهامات الغربية-لم يَتَعدّالنصوص الصحفية، أو المقالات، أو من قريحة مؤلفي هذه الكتب، كانت الحاجةقصوى لاختيار نص أدبي من ناحية، ونص مقدس من ناحية أخرى، وفصيح من ناحيةثالثة، وأهم نص تتوافر فيه هذه الشروط(القرآن الكريم)، ومن ثمّ كان منأسباب اختيار هذا الموضوع كذلك حاجة المكتبة إلى تطبيق أصول هذه النظريةالحديثة على نص مقدّس"( [30])
    خاتمة :
    إن أبرز ما يميز النص عن اللانص هو ذلك التماسك الشديد بين أجزائه، حتى يبدو النص قطعة واحدة متناسقة الأجزاء.
    إن التناسق بين أجزاء النص يتحقق بأدوات منها ما هو لغوي ومنها غيراللغوي، والتماسك عنصر أصيل في تحقيق التناسق بين مكونات النص، فهو أداةتجمع بين ما هو لغوي وما هو غير لغوي في تحقيق الوحدة المطلوبة في النص.
    فإذا كانت اللسانيات المعاصرة قد اقتحمت عالم النص، فهل هناك رؤية نصيةأصيلة في التراث العربي؟ إن التأمل في بعض نصوص التراث في مختلف المجالاتالعلمية لتتملكه الدهشة وهو يتأمل- مثلا- ما قدمه علم أصول الفقه منقوانين دلالية تحاول رصد النص برؤية شاملة عبر آليات وعلاقات غايتها ربطأجزاء النص للوصول إلى المقصد الأقرب للنص الذي يختفي وراء حجبالنصية...ولقد وجدنا أيضا في الدراسات الإعجازية القديمة بعض المحاولاتالنصية المتميزة، التي لا تكتفي بالجملة أو الآية إطارا نهائيا للتحليل،بل تجاوزت ذلك إلى البحث في آليات تماسك النص الكبير...
    لقد اهتم العرب بالقرآن؛ فبرز منهم علماء كرّسوا جهودهم لخدمة النصالمقدس، وحاولوا بيان وجوه إعجازه، وما تزال مؤلفاتهم شاهدة على ما قدموهفي سبيل ذلك، ومن بين الوجوه الإعجازية التماسك الوثيق الذي يربط آياتوسور القرآن التي نزلت منجمة على مدار ثلاث وعشرين سنة.
    لقد رصدت بعض الدراسات الإعجازية بعض العلاقات التماسكية بين سور وآياتالقرآن، فقد وجدنا بعض المؤلفات تقدم علاقات تماسكية للنص ترقى إلى ما إلىما قدمته اللسانيات النصية المعاصرة، مثل كتاب "البرهان في علوم القرآن"للزركشي، وكتاب"الإتقان في علوم القرآن"للسيوطي.
    وأخيرا نقول إن الدراسات اللسانية النصية ما تزال في بدايتها وإن علم النصليمكنه أن يقدم الكثير للنقد الأسلوبي الذي آن الأوان أن يتجاوز في تحليلهالجملة إلى الفضاء النصي الشامل، ومن جهة أخرى يمكن استلهام بعض القوانينالنصية من مصادرنا التراثية مثل علم أصول الفقه، والبلاغة، والتفسير...كمايمكن أيضا الاستفادة من معطيات علم النص الغربي بما لا يلغي خصوصية النصالعربي.
    ــــــــــــ
    الهوامش والإحالات:
    [1]- خولة طالب الإبراهيمي، مبادئ في اللسانيات، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2000، ص167.
    [2] - ينظر : القاموس المحيط ولسان العرب، مادة : نص
    - [3] Le grand Robert de la langue française,p°272
    [4] - خليل الموسى، النص لغة واصطلاحا، جريدة الأسبوع الأدبي، عدد 823، 2000.
    [5] - عبد الوهاب خلاّف، علم أصول الفقه، الزهراء للنشر و التوزيع، ط1 ص 144-150.
    [6] - عدنان بن ذريل، النص والأسلوبية بين النظرية والتطبيق، اتحاد الكتاب العرب، 2000، ص 54.
    [7] - نفسه، ص57.
    [8] - نفسه، ص 60.
    [9] - جوليا كريستفا، علم النص، ترجمة فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، ص28.
    [10]- نفسه، ص21.
    [11]- نفسه، ص 13.
    [12]- عبد المالك مرتاض، في نظرية النص الأدب، المجاهد، عدد 1424، ص57.
    [13]- نفسه، ص57.
    [14]- نور الدين السد، الأسلوبية وتحليل الخطاب، دراسة في النقد العربي الحديث، تحليل الخطاب الشعري والسردي، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 1997 ص68.
    [15]- نفسه، ص69 .
    [16]- نور الدين السد، الأسلوبية وتحليل الخطاب ص 70.
    [17]- صبحي إبراهيم الفقي، علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، القاهرة، ص33-34.
    [18]- خولة طالب الإبراهيمي، مبادئ في اللسانيات، ص168 172-.
    [19]- محمد خطابي، لسانيات النص، مدخل إلى انسجام الخطاب، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، 1991، ص14.
    [20]- نفسه، ص 53-52.
    [21]- نفسه، 57-56.
    [22]- نفسه، ص59-57.
    [23]- صلاح عبد الفتاح الخالدي، المنهج الحركي في ظلال القرآن، دار الشهاب، الجزائر، 1998، ص 152.
    [24]- نفسه، ص 155.
    [25]- نفسه، ص 156.
    [26]-سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، الطبعة الشرعية الحادية عشر، بيروت ج3 ، لبنان، 1985، ص 1243.
    [27]- صلاح عبد الفتاح الخالدي، المنهج الحركي في ظلال القرآن، ص45.
    [28]- سيد قطب، في ظلال القرآن، ج1 ، ص 28.
    [29]- محمد خطابي، لسانيات النص، ص9-384.
    [30]- صبحي إبراهيم الفقي، علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق، ص 16.
    1. المستوى اللفظي : وهو مؤلف من العناصر الصوتية؛ التي تؤلف جمل النص.2. المستوى التركيبي : ويركز على العلاقات بين الوحدات النصية الصغيرة؛ أي الجمل ومجموعات الجمل.3. المستوى الدلالي : وهو نتاج مُعَقّد توحي به المستويات جميعها، منفردة ومتشابكة( [7]). والذي نراه أن التعريف الذي يتبناه الفقي تعريف شامل لا يلغي أحد أطرافالحدث الـكلامي في التحليل؛ فهو يجمع المرسل والمتلقي والسياق وأدواتالربط اللغوية...ومن هنا فإنّ المدخل السلـيم للتحليل النصي هو التحليل ذوالرؤية الشاملة حيث كل العناصر النصية-المرسل، المتلقي، السياق، عناصرالربط اللغوي...- تحت مجهر التحليل النصي، ولا يضخم نظرته لعنصر على حسابآخر؛ كما تضخم البنيوية بنية النص على التاريخ والقارئ فيها مجرد متلقسلبي لا حول له ولا قوة أمام رياضيات النص، وكما تضخم التفكيكية القارئعلى النص والتاريخ واللغة نفسها... 1. لتتداول النصوص في المجتمع :2. لا تتوافق ملكة المتكلمين بالضرورة : 1. النصية نتاج تشكل مزدوج مقطعي وتداولي :2. تتنازع النص نزعتان، نزعة للتجدد، وأخرى للتكرار والاستمرار.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 1:44 pm