البنية المكانية في بناء النص الروائي عند الكاتب حسين عبدالكريم بقلم الناقد : علي الصيرفي |
عدد القراء: 234 قارىء |
البنية المكانية في بناء النص الروائي عند الكاتب حسين عبدالكريم بقلم الناقد : علي الصيرفي تقومالرغبة في الكتابة التي تعبر بالحب عن نفسها على أساس من طبيعة الكتابةذاتها والحقيقة أن الكتابة لاتلتصق بالعالم المحسوس وحسب بل إنها تتعلقبالعالم المعقول , لأن الكتابة مستمرة وتسعى إلى البقاء من أجل تحقيقوجودها . ويرى الأديب حسين عبد الكريم أن الكتابةتبرهن أن المعرفة لايمكن تفسيرها إلاّ إذا كانت النفس قد تأملت الحياة بكلمعطياتها , فإدراك الأشياء المحسوسة يدفع النفس إلى التعرف على كل الأدواتالموجودة والمعقولة في الماضي والحاضر والقفز إلى المستقبل , ورواية شجرةالتوت للكاتب المبدع حسين عبد الكريم لم تكتبْ إلاّ لتزخر بموضوعات حدثيّةتكون الطبيعة بها مبدأ شبيهاً بالعقل , والحقيقة أن العقل يتميز بالعملالدائم من أجل غاية ما , والطبيعة تعمل هي من أجل غاية ما ، لذلك نجدالكاتب قد اندفع معلناً أن العقل هو المبدأ الكلي للنظام القائم فيالأشياء , ويربط الفعل الروائي بهذه الأشياء , لذلك كان العقل عندهموجوداً في العالم على صورة الطبيعة التي هي حاضرة في كل مكان وفاعلة فيأغلب الأحيان إن الكتابة التي تتجسد في تلك الأفعال الروائية التياستخدمها الكاتب نقلت ذلك النظام الرائع الذي يظهر في أجزاء عالم الأديب ,فكل شيء متعلق بالفعل الروائي المنظم , فالرواية ليست مركباً من قطع ونتفعلى نحو ما لكن الحدث يختلف ويتلون ويتصاعد مرتبطاً ببعضه ارتباطاًمتسقاًَ وينوع ذاته ويسهم في جمال الرواية , ولاشك أن الأديب حسين عبدالكريم عرف أن غائية الطبيعة متعلقة بمثال أعلى مفارق, ويعرف كيف تميزالطبيعة ذاتها , ويمدها بنوع من الفعالية الخلاقة التي تسعى إلى التطوروالارتقاء , وهذا السعي هو جوهر الفعل الروائي عنده , أنه ينفذ داخل الحدثويخلع عليه الصورة والحركة في وقت واحد.. فاستمرارالحركة المنبعثة من شجرة التوت, وذلك التنوير الذي يخلق من الفعل ضوءاًيسقط في ظلمات الحياة التي يتنقل من خلالها شخوص الراوي وتعمل في زخ قويتتجمع خلفه رؤية دقيقة التطلع ترسم صورة المجتمع البسيط البعيد عن قسوةالمدينة ومتطلباتها , إنها الحياة المتعلقة بالطبيعة بالإصغاء إلى صوت ماتحمله الرياح وتنقله العصافير ، والوجوه الصلبة التي قرحتها الحياةبالكثير من البثور والمحبطات ، فالكاتب يحاول تفسير تدفق الأفعال بالاتفاقمع ثوابت البيئة التي يعيشها، لذلك نجده متفقاً مع المكان ، إذ أن لكل شيءعلة وتلك البيئة هي خالقة الأفعال ، ومع ذلك فهذه الأفعال ترتبط بالنفسوالبدن في وقت واحد وهي علاقات النفس مع الغير وتلك الحالات المتحققةبالأفعال هي حركات على نحو من الجرأة دون أن تكون هناك أية حادثة تثيرالتراجع أو التردد ، فالحركة تحدث في المكان ، والمكان عند الكاتب مرتبطبالنفس الإنسانية ولكي يؤكد أن النفس في حركة يبين لنا حالات النفس من حزنوتأمل وغضب وخوف وكلها تظهر عنده من خلال تحرك الفعل الروائي. "قالت سمر في سرها : شجرة التوت تتصدر أفق القرية بأغصانها وعصافيرهاوزهوها وفتنة الجلسة إلى جوارها وأبو يوسف قامة تزرع الدروب بهجة ومعاشريهشعوراً بالارتياح قرب شجرة التوت يلتقي الجيران ومن أمامها تمر الدروبوأكثر من هذا هي ذاكرة لا تنسى شيئاً وعلامة فارقة في تاريخ القريةوأحداثها وتغيراتها"ص 16 الرواية شجرة التوت . فالأهميةبمكان أن نميز الفعل الروائي والعقل الجمعي الذي هو الأنا الأعلى في ذلكالمكان الذي اختاره الكاتب ، فالانفعالات والإحساس والذاكرة ،بل حتى الفكرالاستدلالي تصب كلها في تلك العملاقة التي حفظت ذكريات الأجيال التي مرتتحت ظلالها وهمست في حنايا جذوعها وعرفت أسرار الصغار والكبار ، حتىالحيوانات نامت وهي تحتمي بقوتها ومكانتها " شجرة التوت " إنها النفس فيذاتها وهي غير متحركة لأنها تمثل العقل غير المنفعل الذي لاتتناوله الحركةوهي ليست عرضة للدمار والفناء فقد عايشت الأجيال مفتخرة بصمودها وحبهم لها، إن الشجرة شاخت غير أنها جعلت الأنفس تتعلق بها فلابد للشباب منمناجاتها ولا تحلو الجلسات إلاّ بمصاحبتها فهي في حالة مشتركة بين المكانوالأشخاص ، لقدعمل الكاتب على تحريك العالم المحيط به ليبث الحياة في تلك الكائناتالمتعبة ويعمل على تبسيط أمورها لأنها تنشد السعادة ، فهو يدرك أن كل سعيإنساني ، وكل عمل يهدفان إلى خير ما، فكلما تنوعت الأعمال والأفعال تنوعتالخيرات كما ترتبط مشكلة التناغم بين الشخوص برباط المعرفة وفهم إسقاطالأفعال والتأثر بالجمال المتوفر في بيئة الأديب , وهذا لايمكن أن يصدرإلا عن تنوع كبير من الأشكال البسيطة , وفضلاً عن ذلك فإن كل نوع منالأشكال عند الكاتب يقتضي عدداً غير متناه من الأمكنة والحيوات , فكل مايحاول تأكيده هو أن الفعل الروائي الجزء الأصغر في العمل ولا يمكننا أننتصور الأمور الكبيرة دونه فالفعل الفرد في شخوصه مكوّن من عدد متفاوت منالأجزاء , التيتوصل الحدث إلى غايته وكأن الحدث قد تركب من تجميع هذه الأجزاء ، فالأحداثفي حركة وهذه الحركة موجودة دائماً ، فكلما ارتسمت الحواف الصعبة اندفعالأديب إلى الأحرف الصعبة للعمل فالقرية التي احتفظت بكينونتها وبشخوصهاتقذف من جوفها عصارة الهم والتمرد وأشكال الهرب حيث يعاني الجميع من كسرالعظم وقتل الأزهار المتفتحة فـ / سمر / تهرب وتقع في فخ القدر الظالموتجلب لنفسها الهم بدلاً من دخولها إلى عالم الحياة الجديدة , فهي غيرقادرة على تجاوز هذه المحنة والعودة إلى سلمان , فكيف يتم قبولها ثانية . إن الإرادة المستضعفة لا يمكنها أن تغير في سير العجلة بل ستنهار تحت رحاها وتغلق كل الأبواب دونها . وصورة" أبي يوسف " تتراقص في أحداث الفعل الروائي وتضيء عالم الكتابة وتعمل علىإشعال قناديل الحدث , وتلك الوجوه المتسارعة في الحركة تنشط في جو الإلفةوسهولة التعامل ، فعلبة التبغ ولفافاتها وإبريق الشاي وتلك الجلساتالجميلة , ويبقى القلب ينبض بالحب وينتظر الفرصة كي ينثر ما لديه من ولهٍواحتراق , فسلمان بقي المحب النقي لسمر , وسمر عرفت أن غلطها لا بد منإصلاحه , فهي تحب سلمان وتعيش حالات من الأحلام تبدو في كثير من الأحيانذات ألوان مخيفة إلاّ أن الحب يزيل كل الأوهام ويدفع بالقلوب إلى التلاقي. " يوسف بوحمود امتزج شعوره بالسعادة لسماعه الإطراء على حبيبة روحه " شياله " امتزج بالغيرة عليها فأحس بمطر خفيف يداعب عطشه " ص102 وتستمراللواعج وتنساب عاطفة الحب متقدة في كل الأماكن فالروح تسمو خلف أحزانالماضي لترمم ما يمكن ترميمه في سراديب القادم وسلمان وسمر يدفعانبنفسيهما إلى مقدمة الأحداث, فالحب بينهما طغى على خطيئة سمر فتنساب كلماتسلمان غديراً هادئاً تحمل معها روح العفو والطيبة التي تمثل بها . " ـ حين تكونين يذهب الظلام ... أنت يا سمر كضوء بيت أبي يوسف يخاف منك الظلام ... قرميد لم يفهم كلام سلمان " ص108 تلكالحالات الرائعة من الحب يعكرها الكثير من الخوف والتهدم في بناء العلاقاتفالكاتب يرصد تحرك الشخوص الذين تركوا الحرقة والغصة في قلوب الآخرينفزهوة تلعق مرارة الأيام وجسدها ينزف من تلك القروح التي ظهرت ندباتها علىجسدها فهي تربط أحزانها بالأرض التي أخذها ابن الحسن وتألمت عندما تذكرتلحظات الحب التي كانت تنتابها كلما اقتربت من شجرة التوت , فالإنسان يمكنهبطبيعته العاقلة أن يحيا في وفاق مع العالم وأن يسعى نحو السعادة وهذاالهدف يمكن أن يصل إليه كل إنسان حتى لو كان أكثر الناس ضعة وبساطة ،فالحياة الأخلاقية التي أرادها الأديب أنارت المراحل التي يسير خلالهاالفعل الروائي . ومن تقديم كل هذه التصورات نرى أن الكاتب حسين عبد الكريم انتقل بخياله إلى كل الأماكن التي أحب زيارتها و أظهرها بحنان وقداسه. فهيالمكان الذي يمتد عبر المساحات الجميلة في حياته وما الشخوص الذين اصطفواعبر حوارا ته إلاّ أناس حبهم و شعر بتنامي ارتباطه بهم إنهم حلقات مجتمعهالصغير بما يحويه من طيبة ، وحب وتبادل مشاعر ، لقد استجمع حسين عبدالكريم بيئته و خلق منها جواً روائياً راقي التطلع كثير التفصيل ، وعتقتتلك الأماكن بالعفوية والأحبة حتى باتت تمتزج بعروق دماء الأديب ، فهو يرىكل الأحبة في هذا الامتداد البيئي امتداد شجرة التوت . . . |
البنية المكانية
أروى55- عدد المساهمات : 235
تاريخ التسجيل : 07/10/2009
العمر : 32
- مساهمة رقم 1