التفكيكية بين نقض الأنموذج البنيوي وتأهيل الفراغات
النقد - المناهج النقدية |
الجمعة, 22 يناير 2010 12:38 |
التفكيكية بين نقض الأنموذج البنيوي وتأهيل الفراغات د.سلامة محمد رضا العمري باحث من المملكة الأردنية الهاشمية إذا كانت الحداثة منجملة المغالطات التي سوقها المشروع العلماني في الغرب؛ فإن حركة التفكيكلم تصدق الوعد بالخلاص من مقولات الميتافيزيقا. وهي على هذا الأساس واجهتالبنيوية بعد أن اكتشفت تحالفها غير المعلن مع المنظور التاريخي، لكن ذلكلم يتم لهذه الحركة خارج حدود الاستثمار الفلسفي لآراء نيتشه وهايدغر كمابين جاك دريدا(1). ولعلحركة التفكيك من هنا لم يكن من ضمن أهدافها تقديم منهجية متوازية معالمنهجية البنيوية، أو إحداث قاعدة تأسيس نظري في قراءة النصوص تميزها عنالميتافيزقا التي أنتجها خطاب الفلسفة؛ بدءاً من المثالية الكانطية،وانتهاء بالمذهب التجريبي. إناعتماد مبدأ التفريق بين حركة التفكيك والبنيوية على أساس الاختلافالمعرفي بينهما، قاد في النهاية إلى بلورة مصطلح الحداثة Modernityللدلالة على النشاط التفكيكي. وقد مثل ذلك خطوة غير محسوبة في إثبات أن ماخلفته حركة التفكيك على المستويين النظري والمنهجي هو نقيض البنيوية، كماأفضى إلى الحديث عن ثنائية الالتزام والتحرر بوصفها التدشين اللازم لمشروعالحداثة . يقول محمد بنيس: وحتى لا نتوه في المفارقات والمطابقات نثبت أنالحداثة حداثات، وهذا يتجلى أيضاً في انفصال الغرب عن الغرب رغم العلاقةبينهما: الاستيعاب/التحرر، الغرب/الإنسان-وتختار حداثة الضد في العالمالعربي حداثة الضد في الغرب، وهي حداثة فكرية وسياسية بالدرجة الأولى، علىعكس هذه التقنية التي تقيد العالم العربي… بهذه الحداثة الفكرية تعيدقراءة الموروث… وتهب الفكر مداه السياسي والاجتماعي والثقافي والإبداعي.ونحن جميعاً متورطون في الغرب، متورطون في الحداثة (2). لقد كان تمثيل حركة التفكيك بخط الحداثة، حسب واقع المناقشات النقدية(3) بمثابة رفض لمصادر التشريع الفلسفي التيتبناها مؤسسو هذه الحركة، وعلى رأسهم جاك دريدا. ولعل استثمار نقدالمقولات الميتافيزيقية كما تحقق عند نيتشه وهايدغر هو ما حاول أن يؤكدهباول دي مان(4) في إقرار أيدولوجيا التفكيك، وما تذهب إليه من نفي التصورالبنيوي والتاريخي لوجود الأدب. أما الأسلوب الذي اعتمدته حركة التفكيك،فإنه لم يكن مضبوطاً بوعي لساني مختلف عما هو مثبت في درس اللغوياتالحديثة. ومن ثمة، أخذت هذه الحركة حقيقتها المنهجية من البنيويين، ليسلتقديم أنموذج مقابل في القراءة وإنتاج أدوات التأويل-بل لتسليط الضوء علىجبرية الارتباط بين المقولات الميتافيزيقية والفكر الغربي المعاصر. إن المنظور التفكيكي في قراءة النصوص لميأت خدمة لتحول معرفي جديد حتى يتم تبريره بمفهوم الحداثة؛ فقد شددمنهجياً على عدم وجود هذه الغاية لديه، كما توسل بمعطيات التحليل البنيويلتوضيح المشكل القائم في الحضارة الغربية ( 5). وهو أن الذات التي يرتبط حضورها بالجانبالتأويلي في خطاب المعرفة، ظلت مسؤولة عن ضبط موضوعها. وما نتج عن ذلك أنالفكر الغربي-منذ وجوده إلى الوقت الحاضر- تبنى خيار الدفاع عن سلطةالمرجع بوعي تاريخي غير معلن. وضمن هذه الملابسات، لم تتوقف حركة التفكيكعن حد التسويغ الفكري لأهدافها بالكشف عن مسار التحيزات الثقافية للعقلالغربي-بل توجهت إلى الأنموذج البنيوي لإثبات أنه لم يتجاوز بمقولاته عصرالميتافيزيقا، وأنه خاضع بتقعيداته اللغوية لشرط ما سماه دريدا التمركزالمنطقي (6). وقد أكدت هذه الحركة بممارساتها المنهجيةأنها تستطيع إبطال المشروع البنيوي، ونفي ما قامت بتسويقه على أنه نتائجموثوقة في القراءة-عن طريق البرنامج اللساني ذاته المعتمد بنيوياً. ولا شكأن النقد التفكيكي في ضوء المنهجية التي اختارها دريدا استطاع أن يضعادعاءات البنيوية بين قوسين، كما استطاع أن يزعزع ثوابت النظرية اللغويةعند سوسور. فهو يتناول النص بوصفه نشاطاً كلاميا غير محدد من الناحيةالدلالية بسبب عدم تحيز الإشارة اللغوية إلى معناها المعجمي ضمن نسقالخطاب(7). وفي هذا السياق المنهجي يقوم التفكيكبتجاهل الدلالة المصاحبة للكلمات لإنشاء سلسلة طويلة من أنساق المعانيتضمن تثبيت واقع التعدد في القراءات. إن أسلوب المعالجة التفكيكية للنصوص عنطريق تحرير اللغة من ارتباطاتها بالنظام النحوي. هو الأساس للطعن فيأنموذج اللسانيات الحديثة الذي طبقته البنيوية. ولعل ذلك يتناقض جذرياً معالتوجه النقدي الذي يرى في درس اللسانيات الحديثة، كما أقره سوسور، خروجاًمن ميتافيزيقا الفكر الغربي الذي يعطي الأسبقية للمعنى على اللغة. وينصدليل الناقد الأدبي على مثل هذا التوجه تحديداً: يفيد دريدا من مقولات الخطاب الألسنيخاصة ما توصل إليه فرديناند دي سوير. فهذا الأخير قد توصل إلى نتيجة حاسمةحين بنى المعرفة اللغوية على الاختلاف . فمعرفة الكلمة وما تعني ليست سمةقارة فيها، بل الكلمة تعني وتقبل الإدراك لأنها تختلف عما سواها، وماالمعنى إلا نتيجة بناء كلمات على نحو معين وتحت شرط علاقات تقوم بينهاتخضع لقوانين وقواعد ثابتة. فمن الوجهة اللغوية لا امتياز لأية كلمة علىأخرى ولا لحرف على أخر؛ وكذلك لا أسبقية للمعنى على تركيب الجملة، وإنماهو نتيجة ناجمة عن اكتمال البناء النحوي. إن الأسبقية أو الامتياز الذييضفيه الفكر الغربي على المعنى هو ما يسميه دريدا التمركز المنطقي (. لقد كان نقد التفكيك للبنيوية قائماً علىرصد التناقضات في أنموذج التحليل اللغوي الذي توسلت به ضمن حقل الدراسةالأدبية. أما اختيار هذا الأنموذج بالذات، ومن ثم الوصول به إلى واقعالتعدد اللانهائي في قراءات النص الواحد؛ فإنه يقع بالنسبة إلى حركةالتفكيك خارج نطاق الدعم للألسنية الحديثة التي قام عليها المشروعالبنيوي. والمغزى هنا من اعتماد أنموذج التحليل السوسوري يتمثل بإثبات أنالمعنى يكون سابقاً على النسق الذي دافعت عنه البنيوية، وهو ما يعكسبالضرورة هيمنة الوعي الميتافيزيقي على الخطاب، بالإضافة إلى كونه دالاًعلى أن كل معرفة لغوية حسب المنظور البنيوي هي إزاحة معرفية عنالموضوع/النص إلى الذات/القارئ، وما يمثله ذلك من تحيز ثقافي للنظرية التيتريد أن تؤكد مقولاتها عملياً في الأدب. إن تعطيل ادعاء العلمية في المشروعالبنيوي، كان يتطلب من حركة التفكيك إنتاج وعي متوافق مع فلسفة هايدغرفيما يمكن تبريره بالاشتغالات اللسانية الحديثة. ولا شك أن الدائرةالهايدغرية استطاعت أن تستدعي موقعاً محورياً في الفكر التفكيكي. وقد أثبتذلك باول دي مان خصوصاً عندما أخذ على النقد الجديد والبنيوية اعتقادهماأن الفهم الكامل للنص ممكن التحقيق؛ إذ رأى أن عملية الفهم مؤقتة بتاريخراهن، لكن ذلك التاريخ يراوغ الكلية دائماً، فحينما تبدو الدائرة على وشكالانغلاق، يكون المرء قد صعد وهبط درجة على سلم ما يدعوه مالارمي الدوامةالحلزونية (9). لقد كان التوفيق بين مضمون البلاغالفلسفي عند كل من نيتشه وهايدغر، وبين الأنموذج اللساني الذي ضبطت بهحركة التفكيك جدول أعمالها بمثابة الإعلان عن خطاب واحد في المعرفة، لكنذلك لم يكن كافياً لمنع هذه الحركة من التناقض مع طروحاتها في الطعن الذيوجهته للمشروع البنيوي، إذ تجاوزت الفلسفة التي اعتنقتها بوعي تطبيقيمخالف، فأصبحت عرضة للنفي حتى بمنظور نيتشه وهايدغر الذي يقول بوجودالقراءة على حساب الكتابة . والتفكيك في هذا الجانب بالذات لم يتحررمن وهم الإنفاق المنهجي اللازم لوقف البنيوية عن العمل خارج حدودالميتافيزيقا؛ فقد استخدم أنموذج التحليل اللساني الذي أراد تقويضه عندالبنيويين في فرض استراتيجيته القائمة على تعدد القراءات، وهو ما يعني أنحركة التفكيك تعترف ضمنياً بأن الإجراء الذي تتوسل به لنقض البنيوية ليسإلا نتاج وعي ذاتي بالموضوع/النص. كما يعني أن هذا الإجراء يقع في إطارالتكريس لواحدة من هاتين المقولتين. الأولى: إن المشروع البنيوي هو تثبيتأصيل للمنهجية العلمية التي تفصل بين الذات والموضوع.والأخرى: إن حركةالتفكيك تعد جزءاً حقيقياً من تراث الميتافيزيقا الذي تسعى إلى كشفه،ومعرفة دوره في تأسيس شكل الخطاب. وما لا يجوز عده، خارج هذا النطاق منالزيف المنهجي عند التفكيكيين، وصولاً إلى ما قرره جاك دريدا-يتمثل أصلاًبتراجع النقد المعارض عن فهم القضية المحورية التي يناقشها. ويمكن معاينةذلك فيما ذهب إليه جوناثان كولر من اعتقاد بأن حركة التفكيك تركز على أنالنصوص يمكن أن تقرأ بطرق مختلفة، كل نص ينطوي على إمكان وجود عدد منالأبنية غير المحدودة، وأن الاقتصار على بنية واحدة يقوم عليها النص يعدفعلاً وصفياً وأيدولوجياً واضح التحيز (10). إن تجاوز كولر للاعتماد الفلسفي في حركةالتفكيك هو المسؤول عن خطأ الفهم لمنهجيتها القرائية، فهي وفقاً لجملةالأهداف التي أعلنت عنها تريد أن تثبت أن الأنموذج اللساني البنيوي ينطويعلى إمكانات التعدد وعدم الثبات، ما يضعه تحت طائلة الهيمنة الميتافيزيقيةالكاملة. ودريدا نفسه يلح ضمنياً على هذه الغاية: صحيح تماماً أن هذه حركةتتكرر بانتظام في جميع قراءاتي للأعمال الأدبية والفلسفية. فأنا لا أعتبرالنص، أي نص، كمجموع متجانس. ليس هناك من نص متجانس. هناك في كل نص، فيالنصوص الميتافيزيقية الأكثر تقليدية، قوى عمل هي في الوقت نفسه قوى تفكيكللنص. هناك دائماً إمكانية لأن تجد في النص المدروس نفسه ما يساعد علىاستنطاقه وجعله يتفكك بنفسه، سواء أتعلق الأمر بفرويد أم بهوسرل، بهايدغرأم بأفلاطون، بديكارت أم بكانت. ما يهمني في القراءات التي أحاول مباشرتهاهو ليس النقد من الخارج، إنما الاستقرار أو التموضع في البنية غيرالمتجانسة للنص، والعثور على توترات، أو تناقضات داخلية، يقرأ النص منخلالها نفسه. فهذا لا يعني أنه يتبع حركة مرجعية-ذاتية، حركة نص لا يرجعإلا إلى نفسه، ولكن هناك في النص قوى متنافرة تأتي لتقويضه وتجزئته (11). إن ما هو أكيد، حسب دريدا، يرتبط بحقيقةأن كل وعي منهجي أو أدبي خاضع لتنظيم الميتافيزيقا، وأن هذه المسألة تقعتحت ملاحظة التفكيك. ويدل ذلك على أن تعدد القراءات للنص الواحد هو محورالادعاء التفكيكي على علمية البنيوية . ولا يدل إطلاقاً على كونه بديلاًمنهجياً كما يزعم كولر. ولئن عكس تصريح دريدا هذا الرأي بما يعوزه منالصحة؛ فإن منهجية التفكيك نفسها يمكن تعطيلها اعتماداً على الانموذج الذيتستخدمه إجرائياً مع تأكيدها أنه واجهة دعم لميتافيزيقا البنيوية والنقدالجديد. وضمن هذه الملابسات لم يكن النقد المحافظ قادراً على ربط مقولاتالتفكيك بالقضية الفلسفية التي تدافع عنها. يقول عبد العزيز حمودة وهوواحد ممن انتصروا لهذا الخيار: وبرغم الشعبية التي يتمتع بها التفكيك فيالحياة الثقافية الأمريكية إلا أن تلك الشعبية لم تمنع ظهور حركة معارضةقوية، ظلت لبضع سنوات تحاول كشف زيف الاستراتيجية وخطورتها في الوقت نفسهدون نجاح يذكر. فقد كانت تصطدم بأصوات الفتكيكيين العاليوالتي تسارع إلى اتهام كل من يختلف مع مشروعهم بالرجعية والجهالة. ثم إنالغموض المتعمد والمراوغة المقصودة من جانب دعاة التفكيك دفعت البعض إلىالإحجام عن معارضتهم. لكن المعارضة استطاعت أخيراً، منذ النصف الثاني منالثمانينيات، أن تكشف المشروع التفكيكي و تفضحه . وخرج المشروع بعد فترةلم تزد على خمسة عشر عاماً لفسح الطريق أمام مشاريع نقدية جديدة، أبرزهاالتاريخية الجديدة في كل من أمريكا وبريطانيا (12). لقد أصر النقد المعارض لفلسفة التفكيكعلى الإخلال بمتطلبات الربط بين النص والمنظور الثقافي الذي يبرر مقولاتهمعرفياً ضمن مجال الأدب. وهو، من هنا، لم يجابه حركة التفكيك إلا في حدودما قررته من كون النص، بعيداً عن التناول المنهجي، يعد امتداداً للصياغاتاللغوية التي فرضها تاريخ التأليف. والحقيقة أن مثل هذا النزوع التفكيكيلتصنيف النص ثقافياً لا يخدم مبدأ الخلاف مع البنيوية بقدر ما يمثلتراجعاً في تعليل التباين بين الخطاب الأدبي والخطاب العام. ولا شك أنالمنهج البنيوي ضمن هذا الجانب بالذات مرتبط بمسار مستقل عن حركة التفكيكيجعله غير قابل للاحتواء إجرائياً. إن تركيز النقد المعارض على حل فلسفةالتفكيك جاء من الموقع الذي لا يسوغ تثبيت مقولات أساسية منفصلة عن سياقهاالفكري والمنهجي. وقد عكس ذلك تصريح عبد العزيز حمودة الذي دعم به جونإليس فيما ذهب إليه من إنكار لجدة الأفكار التفكيكية(13)؛ إذ تجاوز حقيقةأن التاريخية الجديدة استجابت لقتل الأنموذج البنيوي الذي أنجزه التفكيك؛وعادت إلى إحياء المنظور التاريخي في مرحلة ما قبل البنيوية. إذن، ليسصحيحاً أن التاريخية الجديدة لها مشروع مغاير في القراءة-بل هي واقع منهجيتم استدعاؤه لتأييد النتائج التي توصلت إليها فلسفة التفكيك. و يمكن بطبيعة الحال وضع الملصقاتالنقدية التي تجاوزت الهدف المعرفي للتفكيك ضمن صيغة التوافق مع مقولة موتالنص كما رسختها سلطة المرجع بالمنظور التفكيكي إلا في القليل من الحالات.ومثال ذلك ما عكسته الدراسة الجادة لعلي الشرع التفكيكية والنقادالحداثيون العرب في سياق تبريرها لهذه الاستراتيجية من القراءة: يبدو أن التفكيكيين لهم وجهة نظر مغايرةلوجهة نظر معارضيهم، فهم يصرون على القراءة بعنف ويستخدمون مصطلحات حادةفي وصف قراءاتهم، مثل انتهاك أو تدمير، وهم لا يترددون في توظيف مهاراتهمالقرائية في أي نص مهما تكن صيغته فلسفية، أو دينية، أو أدبية، أو غيرذلك. وهم كما وضح ذلك الناقد التفكيكي هارولد بلوم يعتبرون القراءةالتفكيكية السلاح القوي الذي يلجأ إليه الخلف إذا أراد من جهة، أن يصححالأخطاء المحتملة أو إذا أراد من جهة أخرى، أن يجد لنفسه موطئ قدم في فضاءاللغة أو المعرفة التي أصّلها السلف، وذلك لا يتم إلا بمعاودة قراءةالأصول بعنف ويقظة (14). إن قراءة الشرع للأرضية التي نهض عليهاالتفكيك هي بمثابة تمييز محكوم بوعي فلسفي بين خطابين منفصلين في النقد،هما الخطاب البنيوي والخطاب التفكيكي. ويدل استثمار الشرع لرأي هارولدبلوم في القراءة التفكيكية على تحالف صحيح مع مبدأ أن التفكيك يمثل حركةشطب واعية للأساس الميتافيزيقي الذي قامت عليه البنيوية. وهو ما لا يمكنالاختلاف عليه في حدود الإقرار بأن حركة التفكيك توسلت بأنموذج التحليلاللساني الذي توسلت به البنيوية لقراءة النصوص. أما وضع الشرع لمقولاتأدونيس ضمن واقع الارتباط بالفكر التفكيكي، فهو مما تتوقف عنده هذهالدراسة: والملاحظ أن الحداثيين العرب لم يروجوا لمصطلح التفكيكية،واكتفوا باستخدام مصطلح الحداثة. ولعلهم فعلوا ذلك إدراكاً منهم لجوهرالحركة التفكيكية القائم على روح الحداثة المستمرة. والدارس الحالي يقول ذلك لأنه يعرف أنأدونيس استخدم مصطلح التفكيك في بداية السبعينات استخداماً دالاً على تفهمسليم لحقيقة منهج الفكر التفكيكي ولحقيقة الجذور الفلسفية التي أوجدته.فقد سئل أدونيس، في لقاء أجرته معه مجلة البلاغ سنة 1970، السؤال التالي:إذن تعتقد أن تأسيس عصر جديد يفترض الانفصال كلياً عن الماضي وأن التفكيكوالتفتيت هما قاعدة كل إبداع . وأجاب أدونيس قائلاً: نشوء ثقافة جديدةيفترض نقد الموروث وتفكيكه (15) . ويضيف الشرع: إن أدونيس، حقيقة، يعتبرالمنظر الأول لحركة الحداثة العربية، وبالتالي المبشر للاتجاه التفكيكي فيالنقد العربي الحديث.وهو، غالباً، عندما يناقش الحداثة فإنه يناقش منهجيةالنقد التفكيكي (16). إن الربط بين حداثة أدونيس والفكرالتفكيكي لا يمكن أن يتسق مع الواقع الفلسفي الذي قامت عليه حركة التفكيك؛فهذه الحركة التي كان لها علاقة وثيقة بالأهداف المعلنة لخطاب موتالمعرفة، بدءاً من النقد الجينالوجي عند نيتشه وانتهاءً بجاك دريدا وباولدي مان، لا تتوافق معها مقولة أدونيس: نشوء ثقافة جديدة يفترض نقد الموروثوتفكيكه . ولعل الشرع في تبنيه لأدونيس ضمن هذهالإشكالية أراد أن يوصّف شكل اعتماد الحداثة في النقد العربي. وقد كان ذلكهدفه حسب عنوان الدراسة، إذ ليس ثمة مبرر للاعتقاد بأن الشرع قصد إلىتعيين مضمون معرفي للحداثة التي لا يعترف بها التفكيك أصلاً، ولا يسعى إلىتكريسها ضمن وضعيته الإجرائية التي كان هدفها تقويض البنيوية والنقدالجديد. ويمكن إعادة التأكيد هنا بأن حركة التفكيك لم تسعَ إلى إقرارثقافة جديدة؛ فقد انشغلت فلسفياً بإثبات أن كل معرفة هي نتاج توقعميتافيزيقي يضاعف من سيادة القراءة على حساب الكتابة. وفي نهاية الأمر لا بد من الإقرار بأناعتماد التفكيك على أنموذج التحليل اللساني بالمعطيات التي بلورها سوسورهو تعطيل لمشروع الوعي المنهجي عند البنيويين، وما ذهب إليه من تعمية علىالثقافة بدعوى علمية النصوص. _________ الهوامش: 5. انظر: نفسه ص136. 8. دليل الناقد الأدبي، ص54. 10. Culler, Jonathan, Structuralist Poetics, Cornell University Press, Ithaca, NewYork,8791, p242. 11. الاستنطاق والتفكيك ، مجلة الكرمل، ص56. 6. انظر: سعد البازعي وميجان الرويلي، دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط2، 2000م، ص54و 133-137. 9. De man, Paul, Form and intent in the American New Criticism , inBlindness and Insight Essays in the Rhetoric of Contemporary Criticism,NewYork, Oxford UP, 1791, p23. 12. حمودة، عبد العزيز، المرايا لمحدبة، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، ط1، 1998م.، ص297. 1. راجع: دريدا، جاك، الاستنطاق والتفكيك ، حوار وترجمة كاظم جهاد، مجلة الكرمل، ع17، 1985م، ص56-75. 2. بنيس، محمد، مساءلة الحداثة ، مجلة الكرمل، ع12، 1984م، ص52. 3. راجع: أبو ديب، كمال، الحداثة/ السلطة/ النص ، مجلة فصول، مج4، ع3، 1984م، ص41. 4. انظر:De man, Paul, Semiology of Rhetoric , Textual Strategies, Cornell University Press, Ithaca, NewYork, 9791, p631. 7. انظر: Derrida, Jacques, The Supplement of Copula , TextualStrategies, Cornell University Press, Ithaca, NewYork, 9791, p48-58 1. 13. المرجع نفسه، ص297. 14. الشرع، علي، التفكيكية والنقاد الحداثيون العرب ، دراسات، الجامعة الأردنية، مجلد 16، عدد3، 1989م، ص204. 15. المرجع نفسه، ص209. 16. المرجع نفسه، ص209. منقول عن موقع ضفاف الإبداع - |