منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    المتعاليات النصية (التناص والمناص ) في رواية..

    خنساء محبة السماء
    خنساء محبة السماء


    عدد المساهمات : 96
    تاريخ التسجيل : 02/11/2009
    العمر : 34

    المتعاليات النصية (التناص والمناص ) في رواية.. Empty المتعاليات النصية (التناص والمناص ) في رواية..

    مُساهمة  خنساء محبة السماء الأحد ديسمبر 12, 2010 8:40 am

    [center]المتعاليات النصية (التناص والمناص ) في رواية الجازية والدراويش.. لعبد الحميد بن هدوقة // بقلم: أ/ أحمد بقار جامعة قاصدي مرباح ورقلة .
    بقلم : أحمد بقار / الجزائر
    [ شوهد : 2682 مرة ]


    مباشرة بعد فراغي من قراءة "الجازية و الدراويش" لعبد الحميد بن هدوقة " أخذني ما فيها من فسيفساء تناصية ، فقد قدت من نصوص مختلفة (دينية ، تراثية ، شعبية...) ، فاجتذبتني حمية البحث عن التناص "l'intertextualité" والمناص "le paratexte" في هذه الرواية ، وهما إحدى المتعاليات النصية عند "جيرار جينيت" ، ويفترض أن الروائي عاش في الريف و عايش أهله بما فيهم من فسيفساء تقاليد و أخلاق راسخة ، هذا ما جعل الروائي ترسخ في ذهنه أمور كثيرة من التراث ، والذي زادها اتساعا أن هذه الرواية جرت أحداثها في الدشرة (الريف) ، ويطمح هذا الجهد إلى إخراج هذه التناصات و العتبات المتوفرة في هذا العمل .
    ملخص الرواية :
    إن رواية " الجازية و الدراويش" تقع في مائتين و اثنين و عشرين صفحة ، وهي رواية لم يقمها ابن هدوقة على أساس العناوين ، و إنما على أساس الزمن و تحديدا : ( الزمن الأول / الزمن الثاني) ، وهكذا راحت الرواية تتداول بين هذين الزمنين ، وكأنما أراد التداخل بينهما ، بحيث لا يكسر أحدهما الآخر ، فهما في حالة حضور فعلي و مستمر .
    الزمن الأول يتحدث فيه عن وجود الطيب في السجن بآلامه و آماله ، والثاني يعود فيه القهقرى ليتكلم فيه عن الدشرة ، وما يقع فيها قبل مقتل الأحمر عند حافة الهاوية .
    بطلة الرواية الجازية فتاة ابنة شهيد ، قتل أبوها ، وهو رجل مجهول النسب ، ولم يعرف له بلد ، هل هو من شرق أم من غرب من يدري ، وأمها ماتت في أثناء وضعها ، فقامت على تربيتها عائشة بنت سيدي منصور ، وهي مجاهدة كجداتها ، و الشيء الملفت للانتباه في الجازية أنها تمتلك جمالا خارقا للمألوف ، كما أنها فتاة غريبة الأطوار لا تستقيم على حال ، وأن شهرتها بلغت الآفاق .فلهذا تنافس على الزواج منها أطراف اختلفت مشاربهم و أماكن تواجدهم وهم :
    - الطيب بن الأخضر الجبايلي.
    - الشامبيط .
    - عايد بن السايح بولمحاين .
    - الأحمر .
    وسنورد حديثا موجزا لكل واحد من هؤلاء الأربعة :
    1/ الأخضر الجبايلي :
    وهو رجل له هيبة و كلمة مسموعة في دشرة السبعة ، ولقد أراد تزويج الجازية من ابنه الطيب الشاب المثقف ذي الأفكار الأصيلة ، ولقد أبدت هي رغبتها في الزواج منه متحدثة مع أخته حجيلة : " أقبل زوجا ابن عمي الأخضر الجبايلي ، لكني أخشى عليه من دسائس الآخرين ، كلهم يريدونني لغاية لا تتلاقى مع الحب الذي أبحث عنه لدى الزوج... " 2
    2/ الشامبيط :
    هو رجل مخضرم عمل في عهدين ، أراد تزويجها من ولده الذي يدرس في أمريكا ؛ لأنه يرى في زواجها منه مصلحة لها وللدشرة ، ولكنها كانت ترفض رفضا مبرما .
    3/ عايد بن السايح بولمحاين :
    شاب مثقف والده صديق حميم للأخضر بن الجبايلي ، عاد هذا الشاب من المهجر (فرنسا) ، وقد نصحه أبوه بالعودة إلى الوطن –منبته- وبالزواج من الجازية فهو عز له و فخار .
    4/ الأحمر :
    طالب متطوع يأتي إلى الدشرة مع مجموعة من الطلبة المتطوعين ، وهو شاب جميل المظهر ، أشقر يشبه الصفصاف طولا .
    هذه الأطراف المتناقضة يجمع بينها رابط واحد ، وهو من يظفر بالجازية زوجا له ، ولكن لم يظفر بها أي منهم ، على أنها تحمل حبا للطيب ، وتنتهي الرواية على هذا الأساس .
    التناص في الجازية و الدراويش :
    يحدد جيرار جينيت التناص بطريقة حصرية فيعرفه أنه : "علاقة حضور مشترك بين نصين أو عدة نصوص ، يعني غالبا الحضور الفعلي لنص في نص آخر ، وبشكله الأكثر وضوحا و الأكثر حرفية فهو الممارسة التقليدية للاستشهاد cétation، وبشكل أقل وضوحا ممارسة السرقة plagait عند لوتريمان ، والتي تعد اقتراضا غير مصرح به ، ولكنها حرفية أيضا ، وبشكل أقل وضوحا و أقل حرفية وهي الإيحاء allision وهو يعني الفهم التام للملفوظ و إدراك علاقة بينه و بين ملفوظ آخر تحيل تغييراته إليه بالضرورة بحيث لا يمكن تلقيه دونها" 3
    فالتناص إذن يفترض حضور نص في نص آخر بواسطة (الاستشهاد . السرقة.الإيحاء).
    1/ الاستشهاد la cétation :
    يمثل الاستشهاد بنية نصية دخيلة على النص تفرض عليه سلطتها ، فهو نص دخيل على نص آخر ؛ لأنه نقل مباشر أو كما يقول جينيت (حضور) فعلي لنص في نص آخر ، ففيه يستعين صاحبه بمعينات فضائية (كالمزدوجين و الهامش)ومعينات زمانية (كالنغمةintonation ،و الوقفpouse ) ومجموع العلامات الصوتية المرافقة لعملية التلفظ ، إذ تتميز الاستشهادات (كالآيات و الأحاديث و الأمثال و الأشعار) عن مجموع الكلام بتغير النغمة ، فيتخلى مستخدمها طوعا عن صوته متخذا صوتا آخر ليقول ما قاله الآخرون ، يتميز هذا النسق (الشاهد) بالانغلاق النسبي لكي يحافظ على حدوده الشكلية أولا و سلطته الرمزية ثانيا .
    أ/ القرآن الكريم :
    استشهد "بن هدوقة" في روايته بآية واحدة ، وجاءت على لسان الطيب الشاب السجين ، وأجراها بعد أن شابهت حالته تماما ، ولقد وردت بين مزدوجين وبخط محجم : ﴿لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت﴾ 4 ، ولقد جاء بها الراوي ليضفي على نصه مسحة دينية . وإذا ذهبنا إلى السرقات5 (الاقتراض) سنجد ما لا حصر له من الاقتراضات من القرآن الكريم ، وهذا يعطينا انطباعا أننا في الدشرة حيث تكثر الكتاتيب لتعليم القرآن الكريم .
    ب/ الأمثال les proverbes :
    يعد المثل من أهم فنون التعبير الشائعة بين الناس ، والتي يتناقلها أفراد المجتمع بسهولة كبيرة و عبر الأزمنة المختلفة ، يعرفها أبو هلال العسكري : " هي من أجل الكلام و أنبله و أشرفه و أفضله ، لقلة ألفاظها و كثرة معانيها ، ويسير مؤونتها على المتكلم من كثير عنايتها وجسيم عائداتها ، ومن عجائبها أنها مع إيجازها تعمل عمل الإطناب ، ولها روعة إذا برزت في أثناء الخطاب " 6 وفيها يحبس أو يتخـلى المتــكلم عـن صـوته ليتـخذ صـوتا آخر في مقطع ليس له –كما يقول غريماس- "ويبدو رصيد المثل من بين الأنواع الشعبية الأخرى أكبر في الروايات لأن طبيعته مركزة لا تحتاج إلى حيز واسع " 7 ولكنه يعطي تكثيفا للمعنى ، ولقد " قام المثل الشعبي عند ابن هدوقة على الكشف عن أبعاد الشخصيات الشعبية و مواقفها الأخلاقية " . ولقد أورد صاحب الرواية أمثالا شعبية ولكنها بلغة فصيحة ، وأخرى من التراث العربي القديم ، وفي مايلي الأمثال التي ساقها في روايته :
    • "الملح ما يدود"8 وساقته الجازية لتعبر عن وفائها للطيب السجين ، و إظهار وفاء المرأة الريفية ، وتناصها من التراث العربي "من يصلح الملح إذا الملح فسد " .
    • " الشجرة لا تهرب من عروقها"9 وساقه تبيانا لارتباط الأخضر الجبايلي وزوجته بالدشرة ، وتناصها من التراث الشعبي "الشجرة الخارجة من عروقها مذبالة" .
    • "ماء الجبل ما يسيل إلى أعلى"10 وهي قيمة واقعية حملها هذا المثل في الرواية ، ويبين احتكاك الريفي بأرضه .
    • "السيل يعرف أصحابه"11 ويدل أن الطبيعة خيرة لا تعرف الظلم ، وإنما الظلم يتولد من الخرافات و الغيب الذي يسكن رؤوس أهل الدشرة .
    • "الموت يعطي راحة"12 ويضرب في الراحة الأبدية التي يعطيها الموت من متاعب الحياة و مشاقها .
    • "كلمة عليها ملك ، وأخرى عليها شيطان"13 ، ويعتقد البدوي أن الكلام البشري معرض للخطأ أو الصواب ، إلا أنه يبرر ذلك بتدخل قوى الغيب .
    • "اختلط الحابل بالنابل "14 وضربه ليبين مدى ما وصلت إليه الدشرة من عدم وضوح الرؤية ، وتدافع التيارات الفكرية المختلفة .
    • الكلام عن أهــل الدشــرة : " إذا سئـلوا لماذا حـاربوا أجابوا : من أجل النيف "15 وتناصها من التراث الشعبي "مول النيف إذا سمع لا يفوت ، ومول الحق إفك بين المتخاصمين " ويعرف الجزائري بمحافظته على كرامته وكبريائه ولا يرضى عنهما بديلا.
    2/ السرقة (الاقتراض) plagait :
    يعرف "جينيت" السرقة plagait بأنها شكل من أشكال التناص الأقل وضوحا ، والأقل تقنينا والتي تعد اقتراضا غير مصرح به ، ولكنها حرفية أيضا ، وهذه الأمثلة من الاقتراض :
    • القرآن الكريم :
    وهو أكثر الأنواع التي اقترض منها بن هدوقة
    المقطع السردي الروائي المقطع السردي القرآني
    "السكان لا يبرمون أمرا وراءه"70
    "برق البرق حتى أضاء كل شيء"90
    "صعق الناس"92.


    "فيما تأتي وما تذر"129.

    "أدارت نظرها في الحاضرين بأسى وولت وجهها نحو الطريق!".
    "لم أتزحـــزح مــن مكاني كامل العشية"161.
    "الإنسان كالشجرة تربطها بالأرض عروق ، إذا اجـــتثت من عروقها ماتت !"161.
    "وطفقن ينظفن ساحة الجامع و الجهات المحيطة به"201.
    " جــاء إليـــه و قاده إلى إحدى الجفان" 205.

    "والوكيل والدراويش يقلــبون أيديهم حائرين!"205.

    "وللشامبيط بغال وخيل وحمير!"212

    "الدابة تخرج من تحت السدوم"88.

    (ام أبرموا أمرا فإنا مبرمون)الزخرف79.
    (فإذا برق البصر، وخسف القمر)القيامة8.7.
    (ونفخ في الصـــور فصعق من في السمــــوات والأرض إلا من شاء الله)الزمر.68

    (لا تبقي ولا تذر،لواحة للبشر عليها تسعة عشر)المدثر29.28.
    (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)البقرة14.

    (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز)آل عمران185.
    (مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار)إبراهيم26.
    (وطفـقا يخصــفان عليهما من ورق الجنة) الأعراف 22.
    (ويعمـــلون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجــــفان كالجواب وقدور راسيات) سبأ 13.

    (وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها ، وهــي خــــاوية على عروشها)الكهف42.

    (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة)النحل8.

    (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم)النحل 82.

    إن أغلب الملفوظات التي اقترضها الروائي من القرآن الكريم تتماشى وواقع الدشرة ، وإذا ما رحت تماثلها مع الوقائع القرآنية التي استقاها منها انطبقت عليها ، فما حدث في الدشرة مثلا 16 يشبه هول القيامة (برق البرق ، صعق الناس ، يقلبون أيديهم ، الدابة...) ، لذلك لم يجد الروائي صعوبة في الاقتراض من النص القرآني.
    • الحديث الشريف:
    إلى جانب اقتراضه من النص القرآني هاهو يقترض من الحديث الشريف .
    المقطع السردي الروائي المقطع السردي النبوي
    "أقسم عايد لأبيه أن يعود إلى هذه القرية التي ملأ حبها حياته "28.
    "قل لي : والساعة كيــفاش ،أشراطها جاءت" 88.
    "أكل الفطيرة كلها ، رغم أنها لنا معا وتكفينا و زيادة" 129.
    طاستعاد أنمفاسه ، وفكر أن غضبه ليس في محله"31. "حب الوطن من الإيمان"

    يحيلنا إلى الحديث الثاني في الأربعين النووية(حديث جبريل).
    " طعام الواحد يكفي الإثنين ،وطعام الإثنين يكفي الأربعة"
    "ليس الشديد بالصرعة ، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب "



    على الرغم من أن الملفوظات غير واضحة بالشكل الكافي ، إلا أن المعاني في تحاور مع بعضها البعض.
    • التراث :
    كما نجده يقترض من التراث ، ولكن بطريقة الانزياح ؛ أي بتحريف المحتوى عن مدلوله . وللإشارة فإن اسم الجازية في ذاته هو في حالة تناص مع السيرة الهلالية هذه التي أصبحت أرضا خصبة للروائيين المعاصرين 17 " إن الجازية في التصوير الشعبي امرأة بديعة الجمال و خارقة الذكاء حسنها لا يوصف ، ونفاذ بصيرتها لا يحد ، ولقد ظلت صورة الجازية الهلالية عالقة في أذهان الناس على الرغم من اندثار السيرة الهلالية عن طريق بقاياها التي تحولت إلى حكايات و أمثال و مجموعة مواقف" 18
    ومن الانزياحات الأخرى ما جاء في الرواية " دراويشها يهتفون بنايلة و إساف اللذين كتب عليهما المسخ ثم القداسة"19 ، في صدد حديثه عن الأحمر وهو يراقص الجازية أمام حضرة أهل الدشرة ، والحقيقة تقول أن إساف و نائلة بعد اقترافهما فاحشة الزنا في داخل الكعبة المشرفة في أيام الجاهلية ، مسخهما الله ، وكتب عليهما اللعنة ، وليس القداسة .
    كما نجد انزياحا آخر لقصة نبوية مشهورة ، قصة "هاجر" و ابنها "إسماعيل" –عليهما السلام- " أن هاجرا عندما عادت إلى إسماعيل لم تجده ، وجدت في مكانه سيارة فخمة ب|أربعة أبواق ، يركبها رئيس لشركة متعددة الرؤوس كأفعى الأساطير " 20 والأصل في هذه السيرة أن هاجرا لما رجعت من جبل الصفا وجدت الماء ينبع بين قدمي إسماعيل –ماء زمزم- هذا ويتضح أن ثقافة ابن هدوقة التراثية واسعة ، وهذا ما جعلها تتمظهر بشكل كبير تناصا في هذه الرواية أو في غيرها من رواياته.
    المناص في الجازية و الدراويش
    لقد تعددت الترجمات لمصطلح (المناص paratexte) ، ولكن "جينيت" يقدمه نوعا من المتعاليات النصية ، ويحيلنا على المعرفة بعلاقة النص مع ما يحيط به كالعنوان و العناوين الداخلية و المقدمات و الملحقات و التنبيهات و المداخل والتوطئات ، فالمناص إذن يعنى بما يحيط بالنص في حد ذاته ؛ أي أطرافه .
    إن للنص الموازي (المناص) قسمين :
    أ/ النص المحيط : والذي يتضمن فضاء النص من عنوان و مقدمة ن وعناوين فرعية ، وعناوين داخلية للفصول ، بالإضافة إلى الملاحظات التي يمكن أن يشير إليها ، وكل ما يتعلق بالمظهر الخارجي للكتاب(كالصورة المصاحبة للغلاف ، أو كلمة الناشر ، أو المؤلف في الصفحة الأخيرة للغلاف).
    ب/ النص الفوقي : تندرج تحتــه كل الخطابات المـوجودة خارج الكتاب ، فتكو ن متعلقة به ، ودائرة في فلكه كالاستجواب ، والمراسلات الخاصة، وكذلك التعليقات و القراءات التي تنصب في هذا المجال (فالمناص =النص المحيط+النص الفوقي)
    • بعض المناصات ذات التمظهر اللفظي :
    أ/ العنوان :
    هو أهم العناصر المشكلة للنص المحيط ، وهو عتبة مهمة نلج من خلالها إلى عالم النص ، كما أنه نص في حد ذاته ، لأنه رسالة يبثها المرسل (الكاتب) ليستقبلها المرسل إليه (القارئ) ، فالعنوان ينتصب مرسلة لغوية كاملة تتميز باستقلال وظيفي في إنتاجيتها الدلالية بما يمنحها نصيتها الذاتية و فرادتها ، بالنظر إلى أن العنوان ليس مجرد فضلة لغوية للعمل الأدبي ، ومن هنا سيكون تحليل عنوان عمل ما مختلفا منهجيا عن تحليل عمله ، وقد يكون العنوان "كلمة ، ومركبا وصفيا ، و مركبا إضافيا ، كما يكون جملة فعلية أو اسمية و أيضا قد يكون أكثر من جملة " 21
    ونحن نقف على عتبات هذه الرواية(عنوانها) انطلاقا ، وهو مفتاح الدخول إليها نتساءل : لماذا هذا الجمع بين الاسمين "الجازية" و "الدراويش" ؟ فهو عند النحاة عطف ؛ بحيث يصبح الثاني في حالة حضور وتبعية للأول ، ما ينفك يتبعه في أحواله ، فأول ما يطالعنا في هذه الرواية اسم "الجازية" مما يعطي لهذا الاسم هالة ، في مقابل "الدراويش" مما يوحي أنها الشخصية المحورية ، وهذا ما أعطى العنوان شحنة إيجابية و دلالة كبيرة ، وهذا التجاور ما بين الاسمين يكشف عن عمق الصراع الذي ستكشف عنه أحداث الرواية ، وعن المكانة التي تحتلها الجازية في وسط هذا الصراع ، فالجازية " تشكل البؤرة أو المركز الذي تدور حوله محاور النص ، ومنه تتوالد معانيه و تتناسل دلالاته " 22 ، فالعنوان في هذه الرواية يعطينا نصف الأحداث برأيي ، فعلى الأقل كشف مبدئيا على أن هناك صراعا ، فهو عنوان قدم لنا وظيفتين بحسب رأي "جينيت" :
    - الوظيفة الإيحائية .
    - الوظيفة الإغرائية .
    فقد أوحى لنا مبدئيا بأحداث الرواية ، ثم أغرانا و زادنا حماسا لمعرفة من تكون الجازية هذه !
    ب/ العناوين الداخلية :
    قسم "ابن هدوقة" روايته إلى زمنين (الزمن الأول .الزمن الثاني) ، وهكذا راحت الرواية تتبادل هذين الزمنين ، فكأنما أراد التداخل بينهما ، فما ينفك أحدهما يطلب الآخر ، فيبدوان للمتلقي و كأنهما زمن واحد. و الراوي يريد التأكيد أن الماضي يعيش في الحاضر .
    • عتبات ليست ذات تمظهر لفظي :
    سنقـــف عند صفحة الغلاف و ألوانها قراءة وصفية ، وسؤالنا : ماذا تقول الصورة ؟ إلى سؤال آخر : لماذا قالت الصورة ما قالته ؟ (قراءة تأويلية) .
    يستوي العنوان في وسط صفحة الغلاف بلون أسود بحجمه الكبير غطى كل ما حوله ، مما يوحي أنه هو الأصل و محور الحديث ، ويجيء من فوقه اسم المؤلف "عبد الحميد بن هدوقة" بخط الرقعة و يرد إلى أسفله نوع العمل الذي نحن بصدد قراءته (رواية) ، وأسفل العمل دار الطبع (المؤسسة الوطنية للكتاب - الجزائر) ، أما الصفحة الموالية لصفحة الغلاف فوردت بيضاء ، وكأن الراوي يقول لنا : أخل ذهنك ، و ادخل معي بدون أي خلفية مسبقة . ثم تليها صفحة هي على شاكلة الـــغلاف ، و لكنها تخلو من الألوان . أما الصفحة الخلفية للغلاف فهي بيضاء أيضا ، انزوى إلى الجهة اليمنى منها في الأسفل ثمن الكتاب .
    لقد قامت صفحة الغلاف على أربعة ألوان متداخلة بعضها ببعض في شكل مستطيــــل ، وهذه الألوان هي : (الأبيض ، الأخضر ، الأسود ، الأصفر الأشقري) ، على أن الشيء الملفت للانتباه أن هذا اللون الأخير قد غطى بحجمه على الألوان الباقية جميعها ، وغني عن البيان أن هذه الألــــوان تعكس فكر الشخصيات المتصارعة من أجل الظفر بالجازية .
    فاللونان الأبيض و الأخضر هما وجهان لعملة واحدة و يمثلان الجذور و التراث فهما (الجامع و الصفصاف و الجبل) ، فهما " الأخضر الجبايلي" وولده "الطيب" وكذا "عايد" الذي عاد ليذوب في هذا الوسط بزواجه من "حجيلة" بنت "الأخضر" ، فاللونان لونا الفردوس و الطهر ، دخل في وسطهما لونان غريبان ؛ فالأصفر ما من شك أنه يمثل "الأحمر" ، فكما جاء في وصفه من إحدى بنات الدشرة : إنه أشقر يشبه الصفصاف طولا ، وكما قلت آنفا أن هذا اللون كان مسيطرا ، كما سيطر "الأحمر" على أحداث الرواية ، فلقد صنع أحداثا ، و أبدى مواقف قلبت حياة الدشرة رأسا على عقب ، ويكفي أن حضوره دائم ، إن في الزمن الأول أو الزمن الثاني ، وكأن الراوي جعل منه وصيا على أحداث الرواية كلها .
    أما اللـــون المتبقي (الأسود) فيمثل الدراويش هذا الصوت الذي تعيش فيه الجازية ، الذي يحب العيش في تخلف و رجعية مقيتة ، إنه يعني التقوقع على النفس وعدم التجديد ، باختصار (الظلامية) .
    وختاما نسلم بداهة أن "ابن هدوقة" 23 عاش في الريف ويدرك ذلك حتى من لا يعرف بيوغرافيا الروائي ، استطاع في "الجازية و الدراويش" أن يستنطق التراث بسهولة كبيرة ، حتى كأني به يسيل مع قلمه بعدم قصدية ، وهذا ما تمثل في الاقتراض لإحساس الروائي أنه ملكه ، في حين ظهر الاستشهاد عنده بشكل باهت جدا ، والاستشهاد كما أشرنا سلفا ؛ نص يفرض سلطته على نص آخر ، فيسكت صوت الراوي ليتكلم الآخرون ، أما الاقتراض فهو بخلافه ؛ بحيث يذوب الشاهد فلا تدري أهو من قول الروائي أم من منقوله .
    أما عن العتبات فهي لم تخرج عن حدود ما جاء في نص الرواية ؛ فلقد لاحظنا أن الألوان قد طابقت روح شخوص الرواية .

    الإحالات :
    1/ غني عن البيان هنا أن "الجازية" هي رمز للجزائر ، التي تنافس على طلب ودها تيارات إيديولوجية مختلفة ، وكل واحد من الأربعة يمثل تيارا مخالفا للآخر
    2/عبد الحميد بن هدوقة. الجازية و الدراويش. المؤسسة الوطنية للكتاب.الجزائر.1983.ص76.
    3/سعيد سلام.التناص التراثي في الرواية الجزائرية.أطروحة دكتوراه.جامعة الجزائر.99.98.ص151.
    4/سورة البقرة.آ286.
    5/وأنا لا أقصد السرقة بمعناها النقدي القديم ، وإنما بكونها صورة من صور التناص.
    7/عبد الحميد بوسماحة.توظيف التراث الشعبي في روايات عبد الحميد بن هدوقة.رسالة ماجستير.الجزائر.92.91.ص107.
    8/المرجع نفسه.ص108.
    9/ الرواية ص220.
    10/الرواية ص15.
    11/ الرواية ص85.
    12/الرواية ص144.
    13/ الرواية ص199.
    14/ الرواية ص204.
    15/ الرواية ص 92.
    16/ الرواية ص40.
    17/ حدثت أهوال في الدشرة تشبه أهوال القيامة ، بعد أن راقص "الأحمر" "الجازية" و لعقا معا المناجل المحماة (رعد،برق،طوفان،ريح عاتية).
    18/مثل : نوار اللوز / تغريبة صالح الزوفري للروائي واسيني الأعرج.
    19/ عبد الحميد بورايو.منطق السرد.ديوان المطبوعات الجامعية.بن عكنون.1994.ص119
    20/ الرواية ص 121.
    21/ الرواية ص 122.
    22/ محمد فكري الجرار.العنوان و سيميوطيقا الاتصال الأدبي.الهيئة المصرية العامة للكتاب.1998.ص93.
    23/ الطاهر رواينية.الفضاء الروائي في الجازية و الدراويش.المساءلة.مجلة اتحاد الكتاب الجزائريين.ع1.ربيع1991.ص14.
    24/ بيوغرافيا الروائي :ولد ابن هدوقة في 01 من جانفي1925م ببلدية " المنصورة " القريبة من مدينة "سطيف" ، والتابعة حاليا لولاية " برج بوعريريج" ، درس بالمعهد الكتاني "بقسنطينة" 1937م. ودرس به بعد عودته من جامع الزيتونة بتونس ، تعلم الفرنسية ببلديته ثم بفرنسا 1949.1946 ، حيث حاز على شهادة الإخراج الإذاعي ، وشهادة في صناعة المواد البلاستيكية ، ثم التحق ب "جبهة التحرير الوطني" بتونس 1957 م وعمل في صفوفها في ميدان الإعلام و الصحافة .
    بدأ الكتابة مبكرا حوالي 1951 ، وله كتابات عديدة بعضها صدر ، وبعضها ما يزال ينتظر الطبع ، ولقد صدرت له خمس روايات حتى الآن (بان الصبح ، ريح الجنوب ، نهاية الأمس ، الجازية والدراويش ، غدا يوم جديد ) .
    وفي عهد الاستقلال اشتغل مديرا للإذاعة الوطنية ، وتقلد مناصب عدة في ميادين الإعلام و الثقافة و الأدب ، حتى وافته المنية بداء سرطان الكبد بمدينة الجزائر في 20 من أكتوبر 1996 م .

    المصادر و المراجع :
    1/ عبد الحميد بن هدوقة.الجازية و الدراويش.المؤسسة الوطنية للكتاب.الجزائر.1983.
    2/ سعيد سلام .التناص التراثي في الرواية الجزائرية.أطروحة دكتوراه.جامعة الجزائر.99.98.
    3/عبد الحميد بوسماحة.توظيف التراث الشعبي في روايات عبد الحميد بن هدوقة.رسالة ماجستير.جامعة الجزائر.92.91.
    4/عبد الحميد بورايو.منطق السرد.ديوان المطبوعات الجامعية .الجزائر.1994.
    5/محمد فكري الجرار.العنوان و سيميوطيقا الاتصال الأدبي.الهيئة المصرية العامة للكتاب.1998.
    6/الطاهر رواينية.مجلة المساءلة.ع1.ربيع1991.


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 11:46 pm