منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التناص في رواية أسرار صاحب الستر

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التناص في رواية أسرار صاحب الستر Empty التناص في رواية أسرار صاحب الستر

    مُساهمة   الإثنين ديسمبر 20, 2010 12:30 pm

    التناص في رواية أسرار صاحب الستر

    لإبراهيم درغوثي

    ٢٠ نيسان (أبريل) ٢٠١٠

    بقلم: أمين عثمان باحث تونسي
    تقديم:

    تتراشح النصوص وتتجاور فتتعالق وتتنوّع وتتعدّد ضمن النص الواحد مستوعبة إياه في نصية جامعة. كما تتنوّع الإحالات المرجعية فيه متفاعلة في ما بينها مشكّلة أهمّ مكوّنات الخطاب في العمل الأدبي، سيّما جنس الرواية لما تنطوي عليه من إيحاءات دلالية ووظيفية ولما ترشح به من أبعاد فنية ومرجعية. فالنص الروائي هو نسق لغوي قابل للإنجاز والتأويل، والقراءة النموذجية الوجيهة هي التي يمكنها أن تفّعل النص في علاقات بنصوص أخرى، فالنص يتمثل ويفهم على نحو علائقي موصول بنصوص أخرى تتفاعل فيما بينها. وينهض التفاعل النصي على استدعاء النصوص السابقة في نص لاحق للتفاعل معها وإعادة إنتاجها من جديد. فالقراءة التناصية لا تعتبر النص كلاّ منجزا تاما مستقرّا مكتفيا بذاته بل تعتبره حوارية وتفاعلا وتعالقا مع نصوص أخرى، وهو ما يعبّر عنه بالحوارية أو التعدد الحواري مع باختين أو التناص مع جوليا كريستيفا أو المتعاليات النصية لدى جيرار جنيت. ولا يخفى علينا أنّ تلك المرونة ولين العريكة الواسمتان للنص الروائي قد محّضتا بعض النصوص الإبداعية للانفتاح على التنوع والتعدد بمكان ما يجعل نسبتها إلى العمل الروائي محلّ سؤال1

    إنّ هذا الهاجس التناصي هو الذي أغرانا بمحاولة سبر رواية أسرار صاحب الستر للكاتب التونسي إبراهيم درغوثي (1955). من منظور وأفق تحليل تناصي. ولا نزعم أنّ هذا العمل سيأتي على ما ينبغي أن يكون، لأنّ قولا مثل هذا القول لا يعدو أن يكون زعم حقيقة وزيف اعتقاد، من منطلق أنّ النص الروائي يظلّ منفتحا باستمرار متجدّدا على الدوام.

    - تقديم الرواية:

    رواية أسرار صاحب الستر لإبراهيم درغوثي نشرت سنة 2002 ويبلغ عدد صفحاتها156 صفحة وهي من الحجم المتوسط وتعتبر من الروايات التي وصلت ذروة الاغتراف من التراث السردي القديم ومحاولة إعادة تشكيله في ضوء معطيات جمالية وأسلوبية ودلالية جديدة. وهي رواية تحكي قصّة الوليد بن يزيد وسياسة مجنونه ولهوه وتأثير ذلك على الأوضاع الاجتماعية والسياسية للخلافة. ولعلّ سبب اختيارنا لهذه الرواية هو متناصاتها على مستوى العتبات وسردها المغاير وما يستلهمه من قصص العرب ورواياتهم وأخبارهم والتاريخ وسيره هذا بالإضافة إلى وفرة التناص اللغوي فيها.

    I - مفهوم التناص:

    *لغة:

    لو عدنا إلى المراجع العربية القديمة لأمكننا أن نرى للتناص كمادة لغوية جملة من الدلالات نجملها في ما يلي:

    أ- معنى الازدحام: في تناص القوم عند اجتماعهم أي ازدحموا

    ب- معنى الظهور والبروز: كقولهم نصّت الضبية جيدها إذا رفعته وأظهرته…ونصّ فلان الحديث أي رفعه إلى راويه ليظهر سنده ومنه قولنا "نصّت الماشطة العروس إذا أقعدتها على المنصة حتى تظهر بين النساء وتبرز للعيان"

    ج- الجمع والتراكم: في قولهم "نصّ المتاع إذا جعل بعضه فوق بعض

    د- الاستقصاء: في قولهم ناصصت الرجل إذا استقصيت مسألته لاستخراج كل ما عنده.

    هـ- التحريك والخلخلة: نص الرجل الشيء نصّا إذا حرّكه وقلقله وخلخله يقول أبو عبيدة: النص هو التحريك حتى تستخرج من الناقة أقصى سيرها أو أقصى ما تقدر.2

    وإذا وضعنا في الحسبان دلالات التناص الخمسة التي ذكرناها آنفا، وقفنا من خلالها على مفهوم النص القائم على جملة من الخصائص تحكمه من الخارج ومن الداخل. فالنص من وجهة النظر هذه، يبدو كمولود جديد لا يتحقق وجوده إلا بالتّلاقي والانضمام. فالنص إذا هو ما تراكبت مواده وتعالقت نصوصه، فإذا هو قابل للامتلاء بالآخر كما هو قابل للتفريغ عن طريق الآخر.

    وهو أيضا نسيج لغوي "يوفر للأثر ضمان الجانب المكتوب منه إذ يجمع له شروط البقاء وهي من ناحية الثبات، وبقاء التدوين الذي يقصد به تصحيح ما للذاكرة من قصور وخلط3.

    فمصطلح "النص" الذي توجه إليه الاهتمام النقدي المعاصر والذي يعني استحضار نص ما لنص آخر، قد يمحض التقاطع أو التداخل بين النصوص ليكون صادرا عن رغبة ذاتية في المشاركة والتلاقي، و يحدث عبر ممارسات متكررة قائمة أساسا على التراكم والتدريج. فالأنا الكاتب كما يقول صبري حافظ "هي مجموعة من النصوص ضاعت مصادرها"4. فالنص بهذا المعنى يقوم على التداخل والتحاور والتشارك عبر مجموعة من النصوص المهاجرة إليه والمستقرّة فيه وهو ما نلاحظه من خلال المفهوم الاصطلاحي للتناص.
    اصطلاحا:

    يفيد مصطلح التناص معنى التشارك والتحاور بين النصوص وصياغتها في ثوب جديد. ويؤكد جيرار جنيت أنّ النص قلّ ما يرد "عاليا" بمعنى مستقلاّ بذاته أو منغلقا على ذاته لا يتداخل معه على نحو ما مع ملفوظات أخرى منها ما يحيط به إحاطة في متن النص نفسه ومنها ما يكون واقعا خارج المتن النصي لكنه رغم ذلك يتكلّم عنه ويتعالق معه بطريقة ما5.

    ويذهب عبد السلام المسديّ مذهبا آخر في قوله: "جاءت بنيته الاشتقاقية وصيغته الصرفية لتفيد البعدين الأساسيين اللذين عليهما يتوفر التشارك والنص" 6. وهو يحمل دخول النص في علاقة مع النصوص المختلفة تقوم على التضمين والاحتواء. وهذا ما يقيم الدليل على أنّ الملفوظات تدخل في علاقات تركيبية معنوية مع نصوص أخرى مقيمة معها جدلا خلاقا وتوترا إيجابيا. فالنص عادة لا ينشأ من فراغ…إنه يظهر في عالم مليء بالنصوص الأخرى. ومن ثمة فإنه حسب رأي صبري حافظ يحاول الحلول محلّ هذه النصوص أو إزاحتها من مكانها. وخلال عملية الإحلال أو الإزاحة هذه والتي لا تبدأ بعد اكتمال النص، وإنما تبدأ منذ تخلّق أجنته الأولى وتستمرّ بعد تبلوره واكتماله قد يقع النص في ظلّ نص أو نصوص أخرى وقد يتصارع مع بعضها، وقد يتمكّن من الإجهاز على بعضها الآخر، وتترك جدليات الإحلال والإزاحة بصماتها على النص"7.

    ويعتبر حسن حنفي أنه في القراءة يحدث التفاعل بين القديم والجديد، بين المبدع وعصره، فتنشأ إبداعات لا نهاية لها ويتمّ الحفاظ على وحدة الأمة في التاريخ8. فالتناص من خلال نظرة النقاد هذه، يقوم على تحاور النصوص وتفاعلها فيما بينها على مستوى البنى السطحية والعميقة ليحدث دلالات جديدة في نصّ جديد.

    ولعلّ الفضل في صياغة مصطلح التناص يعود إلى جوليا كريستيفا، ومفاده العلاقات المتبادلة بين نص معين وآخر أو تتبع المصادر التي استقى منها نص ما تضميناته من نصوص سابقة، بل تعني تفاعل أنظمة أسلوبية.9. ويتبين لنا أنّ مصطلح التناص عُرف في الغرب كما عند العرب فنجده مبثوثا في التراث البلاغي العربي وخاصة في فرعه البديعي . وينكشف لنا أنه وإن كان لجوليا كريستيفا فضل السبق في صياغة التناص اصطلاحا إلاّ أنه عرف الوجود مضمونا ودلالة مع باختين الذي سماه الحوارية ويعني بالنسبة إليه معنى التعدد الحواري بين الأصوات داخل نص روائي معين ويتبلور في تعدد الأجناس وتعدد النصوص وتعدد اللغات وتعدد الأفكار أو المواقف باعتبار أن كل شخص داخل الرواية يمكن أن يمثل فكرة أو موقفا. وهذا المعنى التعددي الذي ينطوي عليه مصطلح الحوارية هو ما عبرت عنه الدكتورة نجوى القسنطيني ضمن دروس لطلبة الماجستير بأنه" فعالية في الأصوات واللغات وأشكال الوعي المتقاطعة، وهي فعالية تجعل الصوت الواحد معبرا عن صاحبه وعن طرف آخر في الآن نفسه10. وقد بلغ مصطلح التناص مرحلة الاستقرار في نهاية الستينات مع جوليا كريستيفا في مؤلفها "علم النص" إذ عرف بـ"تداخل النصوص" ثم بـ"التصحيفية" ثم امتزج عندها بمفهوم الامتصاص، تقول" كلّ نص هو امتصاص أو تحويل لوفرة من النصوص الأخرى"11. وألمح جنيت إلى سابقية كريستيفا في استحداث مصطلح التناص وإن كان القادح إليه والمتسبب فيه هو استيعابها لمصطلح الحوارية وهضمها له كما ورد عند باختين. والبيّن الذي لا غبار عليه أنه مثلما جسّد باختين في اللحظة الكريستيفية حلقة تمثّل وتجاوز فقد جسّدت كريستيفا في اللحظة الجيناتية إن صحّ التعبير حلقة تمثل وتجاوز أيضا. وتتمثل إضافة جنيت في استبدال مصطلح التناص بمصطلح المتعاليات النصية ويبدو أنه من الشمولية والاتساع بحيث "اتسع لمختلف العلاقات النصية التي ليس التناص سوى جزء منها12.

    أما النقاد العرب، فإنهم وظفوا مصطلح التناص وتناولوه بطرائق في البحث شتى إذ لا نعثر عندهم على معنى واحد للتناص. ومن أدلتنا على ذلك أنّ محمد بنيس استبدل مصطلح التناص في كتابيه "ظاهرة الشعر العربي المعاصر في المغرب" و"حداثة السؤال" بمصطلحات جديدة نذكر منها مصطلح "التداخل النصي الذي يحدث نتيجة تداخل نص حاضر في نصوص غائبة"13. أما في كتابه حداثة السؤال فقد استعاض عن مصطلح التناص بمصطلح "هجرة النص الذي شطره إلى شطرين، فهناك "نص مهاجر" و"نص مهاجر إليه"14. واستعمل سعيد يقطين مصطلح "التفاعل النصي" في قبالة "المتعاليات النصية" لجيرار جنيت إذ يرى أنّ التفاعل النصي الذي استحدثه أعم وأشمل من التناص الذي لا يعدو أن يكون واحدا من أنواع التفاعل النصي وأدق من المتعاليات النصية15. وقد رأى حسين خمري في كتابه "فضاء المتخيل دراسة أدبية" أنّ مصطلح التناص كمفهوم نقدي وأداة إجرائية على السواء عُرف كثيرا في البلاغة القديمة التي رصدت حدوده وأشكال تجلياته في النص الأدبي، وذلك بدقة تفوق المصطلح الحديث وتفصيلات لم تبلغها لحدّ الساعة الإشكاليات المتعلقة بمفهوم مصطلح التناص في الدراسات الحديثة مثل السرقات الشعرية وأنواعها والمحبوب منها والمذموم والاقتباس…16. وقد عضد هذا الرأي صبري حافظ الذي ألقى فيضا من الضياء وسلط الأضواء على علوم البديع بوصفها رافدا أساسيا للنقد الأدبي بما قيّضه لنا من مفاهيم تثري فهمنا للتناص منها الاقتباس والاكتفاء والاحتباك والتمثيل وائتلاف المعنى مع المعنى والتلميح والعنوان والتوليد والنوادر والإيداع أو التضمين والمعارضة والحذف والاستخدام والمواربة والتورية والإشارة والاستتباع والإدماج والتتبع.17 وهكذا وقفت التعريفات الغربية والعربية والبلاغية القديمة على مصطلح التناص درسا وفحصا وتمحيصا ونقدا وتوظيفا غير أنها لم تتفق على تعريف جامع مانع يحقق الرواء ويشفي الغليل، فكلّ ناقد له تصوره المخصوص للمصطلح ورؤيته التي تقيده بمدلولات معينة. ويبدو لنا أنّ مصطلح التناص أعمّ من غيره من مصطلحات وأدق وأشمل. فهو أقرب إلى الغنم منه إلى الغرم بما يتضمنه من طاقة حيوية حركية تقوي قابليته على التجدّد وتجعله يحمل في ذاته يقينه ويساهم في بناء النص وإنتاج الدلالة. ويمكن اعتبار التناص مدخلا على غاية من الأهمية في دراسة رواية أسرار صاحب الستر لإبراهيم درغوثي لما تنطوي عليه هذه الرواية من بناء متراكب تتعدّد فيه القيم والأصوات والعلاقات ولما يكتنفه من ضروب المخاتلة والتهشيم والتشظية لنظامي الزمان والمكان فضلا عن تنوع الأساليب مشكلة نمنمة متمرّدة على كلّ أشكال أبنية السرد التقليدية.

    II- مظاهر التناص ودلالته في رواية أسرار صاحب الستر

    تنفتح الرواية على خطابات متعددة ونصوص كثيرة ترتادها وتؤمّها فتتداخل فيها وتتمازج معها مشكلة بناء جديدا مستحدثا ولا ريب أن الكتابة الروائية الحديثة في حاجة من حيث المنطق الذي بنيت عليه إلى هذه التفاعلات والتداخلات النصية. فالنص لا يتأتى له أن يؤسس كيانه إن لم يكن متعلّقا بخطابات مغايرة وبأنماط متنوعة من الكتابة كالتاريخية والدينية والأسطورية والصوفية والتراثية. فلا يتحقق نحت الكيان في عالم الرواية إلا بالخروج عن واحدية الخطاب ونمط الكتابة المنفردة إلى جمالية التعدد والتنوع ولذة الامتزاج والتداخل في لحظة إبداعية جمالية قادرة على صهر هذا المتعدد في وحدة الرواية. وهذه النصوص متفارقة متباعدة في مستوى الزمن واللغة، و من شأن هذه المسافات أن تنهض بوظيفة الإغراء بالنسبة إلى القارئ فتدفعه إلى أن يملأ فجواتها وأن لا يذر بينها الفروجات فينخرط بفاعلية وإيجابية في إعادة إنتاج النص الروائي. ونقف في رواية أسرار صاحب الستر على حدود تداخل النصوص واختلاجها وتنوع أنساغها ومصادرها واحتوائها على عدة عناصر ومرجعيات من شأنها أن تؤسس الدلالة وتعقد علاقات نصية وسياقية تؤمّن الوحدة المعنوية للرواية. فقد استأنست في صياغة معماريتها بأنماط متعددة من المقتبسات النصية والتضمينات المرجعية التي تمازجت مع النص الأصلي وتراشحت فنهضت بوظيفة خلق التنوع والمغايرة داخل الخطاب الروائي. وقد توزعت تلك الأنماط بين نصوص تاريخية وأخرى دينية وأدبية وأسطورية واستحضار لشخصيات تراثية وتحيين لفعلها داخل الرواية. وقد عمد الكاتب إلى استنبات تلك النصوص في حقل عملها الروائي مما أدى إلى توليد دلالات جديدة عمّقت تجربته وأكسبتها ثراء.

    - التناص الديني:

    - آي القرآن:

    يحتوي هذا الخطاب ويستلهم جملة من النصوص الغائبة المستوحاة من الحقل الديني المحيل على القرآن الكريم. ويشكّل استدعاؤها حيّزا واسعا في الخطاب الروائي مما يقيم الدليل على أن القرآن دفق لا متناه ومصدر ثرّ من مصادر البلاغة ملئ بالدلالات مبطّن بالرمز والإيحاء، والتصريح والتلميح علاوة على قوة المقروئية وعمق التأثير وسرعة النفاذ الذي تعكسه النصوص الدينية في وجدان القارئ وذاكرته. فالكاتب وهو يستقي الآيات القرآنية في نسيج خطابه الروائي، لا يقصد إلى استحضار آية كاملة من آي القرآن، بل يقتطع منها جزءا ثم يصهرها في نسيج خطابه الروائي محافظا على تلك النصوص في صيغتها الأصلية. مما يشي بأن وعي الأديب قد صاحبه أثناء عملية التناص كقوله مناجيا آباه في لحظة استرجاعية ارتدادية لا تخلو من عتاب ومحاسبة " تركتني لعمي هشام يسومني سوء العذاب"18

    وهي مستدعاة من نص يخاطب فيه الله بني إسرائيل مذكرا إياهم بنعمه المسبغة المسترسلة عليهم من بينها إنقاذهم من براثن فرعون "يسومونكم سوء العذاب ويذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم". كما يستعمل الكاتب عبارة " فلم أبق ولم أذر"19

    وقد وردت في سياق حديثه عن إصراره على الانغماس في الملذات والاقبال على التهتك والمجون بالكلية. وقد انتزع الكاتب هذا التركيب من آية قرآنية يصف فيها الله تعالى هول النار وشدتها على الكفار والمنافقين يوم القيامة "لا تبقي ولا تذر لوّاحة للبشر عليها تسعة عشر". فالكاتب أخرج النص القرآني من سياقه الديني إلى سياق جنسي شبقي من خلال توظيفه للعبارة القرآنية إمعانا في خدمة المدلول الجنسي. ويوجه صاحب الستر نصيحة لمولاه "احمد ربّك"20 التي نجد صداها في فاتحة الكتاب أو السبع المثاني "الحمد لله رب العالمين". وينقل الكاتب مسارات توظيف النص من المقدس إلى المدنس إذ يقول على لسان والده: "إنك تعلم ما لا يعلمون"21

    فمن علم الله الذي باهى به الملائكة المتمثل في تفضيل الإنسان على سائر المخلوقات بالعلم إلى علم الخليفة عبد الملك المتيم الذي طوّح به الجنون إلى الحدّ الذي جعله يدّعي أن حبيبته لم تمت وقد ماتت وينكر على الناس دفنها. وشتان بين العلمين، فهذا مجال القداسة واللاهوت وذاك مجال الدناسة والناسوت. ويُستشفّ النص القرآني أحيانا من لفظة واحدة أو لفظة ترد داخل مركّب إضافي ومثال ذلك وصف الكاتب الله بكونه وحده علاّم الغيوب وهو اسم من أسماء الله الحسنى يدلّ على ما استبدّ الله بمعرفته وقصر علمه به عمّن سواه ألا وهو علم الغيب. وهو كلّ ما غاب عن الأنظار وخفي عن المدركات الحسية. ويستدعي الكاتب في بعض الأحيان لفظته من السياق القرآني ليستنبتها في غير سياقها ومثال ذلك: " عرّى الأمير سوأة أصغر الأطفال"22

    وهو الموقف الذي دُهش إزاءه قابيل لما قتل أخاه هابيل وعجز عن مواراة سوأة أخيه حتى رأى الغراب فقال " يا ويلتي أعجزت أن أواري سوأة أخي" فالعبارة القرآنية "سوأة" عدل بها الكاتب عن دلالات الحجب والستر والمواراة إلى دلالات الكشف والتعرية والفضح التي أقحمت في غير سياقها لإبراز عالم الجنس والاشتهاء والالتذاذ من وافر المحرّمات. وكشف التناص داخل الرواية عن استلهام مكوّنات مجلس خمري، هي من مؤثثات عالم الجنة. يقول الكاتب "فطلع منه أربعون وصيفا كأنهم اللؤلؤ المنثور في أيديهم الأباريق والمناديل"23 فعبارة اللؤلؤ والأباريق والمناديل وردت في سورة الواقعة في قوله تعالى: "بأكواب وأباريق وكأس من معين ويقول تعالى في موضع آخر من نفس السورة " كأمثال اللؤلؤ المكنون" . ومن نماذج التداخل النصي مع نصوص أخرى ما جاء في تصوير الواقع المأزوم الذي يعيشه الإنسان العربي المسلم في ظلّ أنظمة يحكمها الظلم والفساد وتسودها الفوضى واللا نظام واللاعقلانية، يقول الكاتب في حديثه عن التهمة التي رمى بها الوليد بن يزيد الجعد بن درهم وخوّلت له ذبحه من الوريد إلى الوريد أسفل المنبر إثر صلاة عيد الأضحى "ما كلّم الله موسى ولا اتخذ إبراهيم خليلا"، ودلالة هذه الجملة -وإن كانت تتضمن إنكار المسموعات وهي جزء لا تتجزأ من عقيدة المسلم- إلاّ أنّ الفعل العقابي خالف القاعدة القانونية التي تنصّ على أن يكون العقاب المسلّط على شخص ما من جنس التجريم وهذا يعني أنّ العقاب المعيّن نبع من دلالات الحقد والتشفي وهو أقسى وأنكى ما يقتضيه الجرم فيشي ضمنيا بموقف الكاتب المتمثل في أنه لا ينبغي لأية جهة مهما كانت سلطتها أن تدّعي التحكم في رقاب الناس وأرزاقهم باسم الدين. لأن الدين وإن كانت له مطلق الصلاحية إلا أن الإنسان موسوم بالنسبية ولا يمكنه أن يتمثل مقاصده وأحكامه بإطلاق فضلا عن أن النفس البشرية هبة من الله ولا يجوز أن ينتزعها إلا من خلقها. وتتجلى هذه الدلالة من خلال قول هشام بن عبد الملك وهو برى الجمع المتحلّق حول غيلان " والله إن ظفرت به لأقطّعنّ يديه ورجليه"24

    وهذا القول فيه استدعاء لسحرة فرعون لما سجدوا لإله موسى بعد أن تبين لهم الحق دون أن يستأذنوا فرعون. فقال لهم فرعون "لأصلّبنّكم على جذوع النخل ولأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم بالخلاف" ويكشف هذا التناص عن صراع دائرة رحاه بين فكر الجبر والإرجاء وهما عقيدتا أهل السنة والمرتكزين الأساسيين للنظام السياسي الأموي وبين فكر المعتزلة أو القدرية، وهو فكر تنويري يقوم على مرتكزي الحرية والاختيار وقد نشط الحجاج والسجال بين القدرية والجبرية، فغيلان الدمشقي القدري يثبت أطروحته في الحرية والمقولة باستدعاء النص القرآني " قل الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وردّ عليه عمر بن عبد العزيز ممثلا لأطروحات الجبريين مستحضرا آية من سورة الأنعام "ذلكم ربّكم لا إله إلاّ هو خالق كلّ شيء فاعبدوه" ولكنّ عمر لم يقتنع بمذهب غيلان ومع ذلك طلب منه أن يعينه على إصلاح الأمة. وقد أراد الكاتب أن يبيّن أن الحقيقة التأويلية الواحدة لا تزيد الواقع إلا تأزما وأنها ناتجة عن ضعف المعرفة بديناميكية الوحي وانفتاحه على التاريخ وإلى ضعف المعرفة بمقاصد الدين وإلى ضعف مهول باللغة العربية ولا سيما بقوانين المجاز فيها25 وأنّ مقولة الاختلاف لا تعني التعارض وإنما هي سبيل إلى التنوّع والإثراء، فالعلم كما يعبّر عن ذلك ابن خلدون هو ثمرة اختلاج المعرفة بمعنى تصارعها وعراكها واختلاجها من أجل الوصول إلى الأفضل والأجود. وساند الخليفة حزب العميان والبرصان الذين بشروا بأنهم سيكونون دروعا حصينة وأسوارا منيعة في وجه كلّ من تسوّل له نفسه "الأمارة بالسوء " النيل من سيّدهم وفي هذا المقام يستدعي الكاتب هذه العبارة من النص القرآني "لا أبرّأ نفسي إن النفس أمارة بالسوء" . ويتضمّن التفاعل مع النصوص القرآنية معان صريحة يتمحور حولها المضمون الفكري الذي يطرحه الكاتب . وينهض بفضح سلوك الشخصية ويشفي غليله منها. ويقول الكاتب "لله الأمر من قبل ومن بعد" و"لاحول ولا قوّة إلا بالله"26

    أورد الكاتب هذين النصين إمعانا في التشفي من موت يزيد التي لم تكن بشاعة نهايته إلا من جنس بشاعة فعله سلوكات وممارسات. والكاتب يعبّر في الحقيقة عن عقيدته الإسلامية وقناعاته الشخصية التي مفادها أن الحاكمية لا تكون إلا لله وحده وأن الله هو الذي اختص بصفة القهر والحول والقوة والأمر . والجدير بالذكر أن التناص الديني لا ينغلق على النص التأسيسي الأول "القرآن" بل ينفتح على المدونة الحديثية لأن نصوص الحديث النبوي المجموعة في كتب الصحاح والسنن…إلخ ليست في وعي الكاتب مجرد نصوص مفسرة أو مفصلة لما جاء مجملا في القرآن بل هي نصوص مكملة متممة للقرآن آحكاما وتشاريع خصوصا في المجال التعبدي ومجال الأحوال الشخصية وبالتالي فمنطوق الرسول قرآنا وهديا نبويا يخرجان عن دائرة الهوى والارتجال ويصبان في دائرة الوحي لقوله تعالى متحدثا عن رسوله الأعظم محمد (ص) "لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى".

    - الحديث النبوي:

    عمد الكاتب إلى توظيف الأحاديث النبوية، وهي أحاديث تفيض دلالة وإيحاء توظيفا فنيا في سياقه الروائي. ففي جلسة مجون أمر الوليد أشعب بالسجود لأيره فسجد سجدات ثلاث. فلما سأله لماذا سجدت ثلاث عوضا عن واحدة؟ فردّ واحدة لأيرك يا مولاي واثنتين لخصيتيك"27. وهو قول يتفاعل مع الحديث النبوي في مستوى تكرار السجود، ويذكرنا بسجود السهو الذي يقوم به المصلي عند السهو عن أداء سنتين مؤكّدتين أو أكثر ويترتب عليه سجود قبلي وهو سجدتين قبل السلام أو عن زيادة في حركات الصلاة أو في عدد السنن ويترتب عليه سجود بعدي وهو سجدتين بعد السلام. فكأن الخروج من سياق العبادة إلى سياق اللهو والمجون ومن مجال المقدس إلى مجال المدنس مؤذن بخروج ثان متمثل في الرفع من عدد السجدات. فضلا عن ذلك إذا تأملنا العدد" ثلاثة" نجد له صدى إيجابيا في الحديث النبوي يقول الرسول محمد (ص) "إن الله وتر يحبّ الوتر" ويقول أيضا "إذا أفطرتم في رمضان فأفطروا على ثلاث تمرات أو خمس أو سبع". وفي السياق التناصي نفسه يقول درغوثي "نار كنيران المجوس تشتعل وسط الماء بدون حطب"28. يبدو أن ربط النيران بالمجوس داخل مركب إضافي له وظيفة تتمثل في تساوق استدعاء ديانة مخالفة للدين الإسلامي عرضا وجوهرا وأجواء التهتك والمجون والانحراف عن الجادة. وهذا التساوق يحيل على دلالة ضديدة مفادها أمر صادر من الرسول بوصفه صاحب سلطة دينية وسياسية المسلمين كافة بمخالفة المجوس شرطا أساسيا لاكتمال إسلام المرء يقول الرسول (صلعم) "حفّفوا الشوارب وأرخوا اللحي وخالفوا المجوس" وهو حديث صحيح نجده في صحيحي البخاري ومسلم.

    ويستدعي الكاتب أحيانا لفظة أو لفظتين أو جملة من الحديث النبوي ويوظفها في سياق مغاير، وهذا ما يشي بتمثل الكاتب للمدونة الحديثية تمثلا جعلها جزءا من ذاته الإبداعية وأكسبه مرونة للتصرف في دوالها ومدلولاتها بحسب ما تقتضيه سياقات القول الروائي. يقول الكاتب "قلت من يليق بهذه المهمة فلن يكثر من السؤال والقيل والقال خاصة إذا أغريناه بمال وفير"29. ويقول الرسول في الحديث "إن الله يكره ثلاثا القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" هذا وورد على لسان ابن عائشة المغني منشدا "فخرجت أبغي الأجر محتسبا/ فرجعت موفورا من الوزر". ونجد في هذا السياق تناصا دينيا من خلال استدعاء لفظة "الاحتساب" من الحديث يقول الرسول صلعم " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه".

    ومن نماذج التفاعل النصي مع نصوص الحديث ما جاء من تصوير للواقع المرير الذي يعيشه الإنسان العربي المسلم الذي جعله يتعامل مع دينه تعاملا توفيقيا تلفيقيا، سائقه ودافعه الأساس ليس ممارسة مقتضيات دينه أو إرضاء ربه ولكن إرضاء لذاته فقط وإن بشكل وهمي يقول الكاتب: "فتجد من يفتك في إيمانك ويجد لك آلاف الأعذار والفتاوى"30. والقول يحيل على واقعين خاص وعام، فالواقع الخاص هو واقع شخصية الوليد التي تتجلى لنا بعض أبعادها وملامحها الضاربة صفحا بالأيمان. وهي لا تتحرّك في اتجاه إصلاح ذاتها الذي لا يكون إلا بعقد العزم على عدم العود إلى سالف الأيمان الكاذبة ولكنه يتوسل الحيل الفقهية بحثا عن كفارات لا تقتضيها في حقيقة الأمر الضرورة. ويخبرنا القرآن والحديث أن كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.

    ويتعامل درغوثي مع النص الديني لأهداف بنائية فنية من جهة ومعرفية دلالية من جهة أخرى. فكان امتزاج النص الديني بالعمل الروائي أمرا طبيعيا محيلا على الأطر الثقافية التي شكلت شخصية الكاتب الإبداعية والمناهل التي استقى منها مادته. كما يسعى الكاتب من خلال النص الديني إلى إنتاج الدلالة التي يهدف إليها والتي يقصر النص الحاضر عن الإيفاء بها لوحدها دون الاستئناس بالنص الديني. فالنص الديني يلهم الذاكرة ويحمل القارئ إلى المراوحة بين النصوص.

    غير أن درغوثي يخاتل القارئ بصور مستحدثة تنهض على جدة القيم كما يتخذ من الموروث الأدبي مرجعية تبعث نفسا جديدا في الرواية عبر سلسلة من التحويلات والإضافات.

    - التناص الأدبي

    من أنماط التناص في الرواية استقاء الكاتب لبعض النصوص الشعرية القديمة والمحايثة لنصه ليحاورها. ففي الرواية استعارة صريحة لجنس الشعر مع الإشارة إليه بقرينة مرجعية تحيل على انتسابه الخطابي، يقول الكاتب: "كان إغراء الكتاب كبيرا…وأسفل الأبيات كتب الجملة التالية: "أمير المؤمنين: الوليد بن يزيد"

    يقول في ذلك:

    إني سمعت خليلي على الرصافة رنـة

    أقبلت أسحب ذيلي أقول ما حالهــنّ31

    ويستدعي الكاتب أيضا نصا شعريا آخر لابن هرمة ليصدّر به الكتاب يقول:

    أسأل الله سكرة قبل الموت وصياح الصبيان يا سكـران32

    يبدو موضوع الطلب عجيبا إذ ينتقل من سياق ديني واقعي إلى سياق أدبي طريف. فالسياق الديني يوحي بجلال الله وعظمته وسلطان ربوبيته وقوة ملكوته ويفترض خشوع الطالب في حضرة القداسة الإلهية، وذلك برفع أكفّ الضراعة إلى المولى وما يتطلبه ذلك من يقين الطالب في الإجابة وتقديم حسن ظنه بربه. أما السياق الأدبي الذي وسمناه بالجدة والطرافة فيتمثل في العدول عن مضان دلالة سكرة الموت وما يحف بهذا الموقف العظيم من حضور قدسية وحشد إجلال وفرط تأسف واعتبار، وهو ما عبّر عنه النبي محمد (صلعم) وهو يعيش سكرة الموت قائلا: "إنّ للموت لسكرات" مستحضرا قول ربه في محكم التنزيل "وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" إلى سكرة بمعنى شرب الخمرة واعتبار ما يصاحب احتساءها من تفتير في الأعضاء وارتخاء في الأطراف والأوصال. ولا شكّ أن هذه الدلالة مثبتة في صدر البيت "وصياح الصبية يا سكران" بمعنى أن يكون موضوع تهكم وسخرية وتعيير من الصبية بفعل السكر.

    كما تحضر لغة الرواية مجالا خصيبا لتقاطعات لغات مختلفة متعددة يقول الكاتب في ذلك: "ويحدّثها بلغة عربية ملفوظة بكلمات من لغة "الهوسا" و"الفولاني""33. وفضلا عن ذلك يمتزج في الرواية نص الخبر مع نصوص شعرية من خلال قوله: "خبر في كتاب الكامل في التاريخ"34. ثم يورد نصا شعريا متمحورا حول اكتفائه بسلمى والطلاء وقينة والخمرة بديلا لا يبغي عنه حولا من خلال قوله: "دعو لي سلمى والطلاء وقينة| وكأسا ألا حسبي بذلك مالا"35.

    وقد برزت قدرة الكاتب في توظيف الخطاب الشعري توظيفا فنيا متناغما مع نسيج بنائه اللغوي واستثمار ما فيه من طاقات إيحائية وإشارات غنية واضحة تعبّر عن تجربته وتصوراته. كما وظف الموروث القصصي والشعري من خلال استحضار حماد والمغني عطرد والتوحيدي في الإمتاع والموانسة. كما يحضر مضفر النواب من خلال قول الكاتب" وتركتك لأحزانك| تشرب الخمر فلا تسكر36

    ويقول مضفر النواب موازيا لذلك: "أنت كما الإسفنجة تمتصّ كلّ الحانات ولا تسكر" .

    ويحضر جنس الخطابة في الرواية، وفيه هيّأ الأمير المتقبّلين لعملية التلقي من خلال قول الكاتب: "إلى أن طلب منهم بحركة من يده الهدوء والاستماع لخطبته فخفتت الحركة وساد السكون"37، وقد ورد نص الخطبة مبتورا لخلوّه من الحمدلة واكتفائه بالصلاة على رسول الله والترحم على أرواح الشهداء.

    وهكذا وظف درغوثي النص الأدبي في روايته ليوثّق نصّه بحجج أدبية، ويضفي على متخيّله السردي طابعا واقعيا، هذا بالإضافة إلى سعيه لترسيخ الأبعاد الجمالية في نصه.

    و لا يحضر النص الأدبي دون العودة إلى التاريخ، ففيه واقعيته ووثوقيته، لذلك استحضر درغوثي إلى جانب النص الأدبي النص التاريخي.

    - التناص التاريخي

    من أنماط التفاعل النصي في الرواية استلهام الكاتب لبعض النصوص التاريخية التي تصف مبنى المسجد الجامع والمادة التي قدّ منها سوره يقول الكاتب: "هي حجارة ضخمة استعارها البناءون القدامى من بقايا القرية الرومانية تيقيوس التي كانت تعدّ في يوم من حواضر الصحراء. ففيها ملتقى الطرق الذاهبة إلى تخوم إفريقيا السوداء للمتاجرة ومقايضة الملح بالتبر والقمح…"38 .

    وقد برزت قدرة الكاتب في توظيف الخطاب التاريخي توظيفا فنيا متناغما مع نسيجه الروائي، يقول الكاتب متحدّثا عن المسجد الجامع على لسان عالم الآثار "إنهم من البربر الذين ترومنوا وخرج بنتيجة مفادها أنّ الجامع قد بني فوق كنيسة رومانية"39. ويضيف قائلا عن مسجد الجامع: "هذا الجامع يا صديقي بني قبل الجامع الذي اختطّه عقبة بن نافع بالقيروان وهو من أماكن الصلاة التي بناها جيش الإسلام الأول الذي جاء غازيا عفوا أردت أن أقول فاتحا لبلاد إفريقية"40. وقد جعل هذا الطابع الوصفي الممزوج بالإخبار والإنباء الذي تتسم به هذه النصوص، الرواية ملتحمة بالواقعية والتاريخية. ووظف المورث التاريخي والذاكرة المجموعية العربية الإسلامية عندما يتحدّث عن مخلّد بن كيداد وهو المكنى بصاحب الحمار الذي وسمه الراوي بأنه خارجي مارق بينما دافع عنه عالم الآثار وذكر أنه كان يدرّس القرآن والحديث والفقه في المسجد الجامع وأنه كان يؤم المسلمين في يوم الجمعة وأنه رفض وهو في عزّ ملكه الركوب على الخيل وواصل الركوب على الحمار41.

    كما يستدعي الكاتب التاريخ عند وقوفه على جوانب من الترجمة الذاتية لصاحب ستر الخليفة الوليد بن يزيد الأموي. وهو وعد ضربه الكاتب على نفسه باستحضار ترجمة ذاتية، يحيل على اتصاله بالأدب المرجعي الواقعي التاريخي أكثر من اتصاله بأدب المتخيل. كما يستدعي من معين الاعترافات نصوصا ليكشف النقاب عن شخصية الوليد الموسومة بالوصولية والتسلق والدناءة يقول الوليد في ذلك: "سلّمت يا صاحب ستري "عبد الصمد" إلى هشام لأنجو بنفسي من التهم فما أحقرني يا صاحبي وما أبشع هذه الفعلة التي اقترفتها أنا ابن الملوك وسليل الأمراء"42

    يميل الكاتب إلى استعارة نصوص من التاريخ تتضمن تنصيصا على خبر مهمّ ذي وظائف ودلالات مثل الإحالة على مقتل يحي بن يزيد يقول الكاتب على لسان رسول أميره مخاطبا مولاه: "هذه رأس المارق يحي بن يزيد"43. ويستأنف الوليد ممعنا في التشفي وإرادة الانتقام قائلا لرسوله: "ومن الغد ستعود إلى العراق حاملا وصيتي هذه: قل لوالينا يوسف بن عمر أن ينزل زيدا من الجذع وأن يحرقه بالنار وأن يذري رماده في ماء الفرات"44. ومن المعلوم أنّ هذا المرسوم الأميري قد تضمّن عادة هندوسية ماجوسية تخترق المنظور الديني الإسلامي بحرق الإنسان عند موته.

    وقد ضمّن الكاتب شخصيات واقعية من معين التاريخ مثل شخصية القاسم بن الطويل العبادي وهو صديق الوليد بن يزيد ومفتيه في دينه ودنياه ورفيقه في مجالس اللهو والمجون، كما استدعى شخصية غيلان الدمشقي المعتزلي زعيما للمذهب القدري. ولا يخفى علينا ما اتسمت به سياسة الوليد من تشديد النكير على المخالفين له في المذهب وفي الرأي وإمعانه في التنكيل بهم وتعذيبهم.

    - التناص الأسطوري

    ينزع الكاتب إلى الاستلهام من المعين الرمزي والأسطوري لإثراء تجربته السردية. وقد استدعى شخصية رأس الغول مشطورا بسيف بن أبي التراب45. أو قصة الخطيئة الأصلية التي بمقتضاها خرج أبو البشرية الأول وزوجه حواء من الجنة يقول الكاتب: " والسيد آدم وحرمه يخصفان من ورق الجنة ويغطيان السوءة الملعونة"46. فإذا ربطنا هذا القول بما جاء على لسان الراوي متحدثا على عالم الآثار "فجاء هذا الرجل ينبش تلك الذاكرة ليعرضها في قاعات الرسم بعاصمة تونس"47. فكأن الكاتب يرتمي في أحضان الأسطوري ويقرّ له الارتداد إلى زمن البدايات، لأنه وجد في الأسطورة وسيلة فنية يحقق بها رؤياه، فالأسطورة تعود بنا إلى لحظة البدء المقدس وغياب الماضي السحيق من أجل التمعن في الحاضر المعيش واستنزاف المستقبل. وكأن الكاتب بالأسطورة يبحث عن ذات افتقدها وعن حضارة اضمحلت أركانها وتتحللت أسسها، ومن ثم فهو يجمع بين الذاتي والموضوعي، وبين الماضي والحاضر، ومن ثم المستقبل. فالأسطورة أيضا سعي إلى تغيير المظاهر المادية من حولنا اجتماعا وسياسة وإلى تحرير العالم من السقوط في المادية المبتذلة لأنها تقهر الحاضر بما تختزنه من مثل ومبادئ طقسية، فتتجاوز الجزئي والآني إلى عالم كلي أرحب48. وقيمة الأسطورة على ما تمّ ذكره لا تبخس قدر الرمز بل بالعكس تزيده حضورا وتميزا، لذلك نجده يستدعي البراق رمزا ، يقول الكاتب: "والبراق الشريف يطير بألف جناح"49 والبراق هو الدابة التي أسرى بها الرسول (صلعم) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وقد وصفها المخيال كالآتي: "البراق دابة لا تشبه الدواب فوق الحمار ودون البغل له وجه كوجه ابن آدم وجسده كجسد الفرس وهو دابة خير من الدنيا وما فيها عرفها من اللؤلؤ الرطب منسوج بقضبان الياقوت يلمع بالنور وأذناها من الزمرد الأخضر وعيناها مثل كوكب دري يوقد لها شعاع كشعاع الشمس "50. ويستبق الكاتب عالم النهايات مستدعيا نص الكلبي الذي يقول فيه: "وهذه الغواصة، ستكون من آفات آخر الزمان التي سيركبها الأعور الدجال قبل قيام الساعة"51 ولا شك أن فزع الكاتب إلى استحضار مؤشرات البعث وعلامات القيامة يحمل وظائف ودلالات، إذ أن اليأس الذي استبدّ بالكاتب من ممكنات إصلاح الواقع العربي المأزوم والرغبة الجامحة في الخروج بالعرب والمسلمين من ليل شتائهم الطويل هو الذي يجعله يستنجد بحلول من طبيعة ما ورائية، فكأن الهم الجاثم على صدر الواقع العربي الراهن هو الذي حمله على الاعتقاد أن لا سبيل إلى الانفراج وسدّ الافتقار إلا بتدخل العناية الإلهية لنصرة الأمة العربية الإسلامية. وقد طوّع الراوي الأسطورة لنقد الواقع فمزج بين نظام الواقع ونظام العجيب والغريب بهدف تخطي عوالم الرواية عبر سياقات ميثولوجية كونية. ومثلت الخرافة والأسطورة والرمز معينا إبداعيا يعيد تحيينه متى شاءت نفسه المهووسة دوما بتشريح قضايا العرب المستجدة ومعالجتها. فالرواية تستقي روافدها من عدة نصوص تتآزر وتتعاضد على صياغة المعاني الروائية مشكلة فضاء رحبا تتقاطع فيه النصوص وتتعدد فيه الأصوات. فالكاتب عندما يحاور نصوصا غائبة لا ينقلها خاما بل يصوغها على نحو جديد في سياق مختلف مزودا إياها بطاقات جديدة باثا فيها نفسا إبداعيا يصل بين هذه النصوص ولا يفصل، يبني ولا يهدم، ينفتح على القراء ولا ينغلق.

    - دلالات التناص:

    1- إثارة الذاكرة الأدبية:

    يعدّ التناص تقنية توظف للحفر في الموروث والنصوص وإعادة إنتاج دلالاتها ضمن المدونة الروائية. ويوظّف الكاتب النصوص التي طفحت من الذاكرة متوسّلة تقنية امتصاص النصوص وتجديد السياقات استجابة للمعاني الفنية. ومن وظائف التناص الاختزال الزمني عبر الإحالة على نص أول، فيتخير الكاتب من النصوص تلك التي تتقاطع مع مشاغله مثل القرآن والأحاديث والمرويات والمتخيل الشعبي والتاريخ والأساطير. فهو إذ يوظف هذه النصوص في روايته إنما يحفر في قاع ذاكرته وينبش عما استولى على ملكته الفنية من مادة تراكمت ثم أجلتها الذاكرة. وما تجلوه الذاكرة هو ما يستعصي عن التلف ويتنكّب عن منابت النسيان. فكانت تجارب ذاكرته من جنس تجربته الروائية فاستأنس بتلك النصوص التي حازت قصب السبق الإبداعي وقدمت نفسها بوصفها روائع ومن شأن ذلك أن يدمج شخصيات روايته وأحداثها ضمن أحداث مستقرة في الذاكرة الجمعية والذائقة الجمالية التي تفيض عنها. تلك الذاكرة المتمردة المتوثبة التي تمارس نشاطها بطرائق مخصوصة يستطيع الكاتب من خلالها أن يجدد العهد بتجارب ماضية وتقاليد أدبية موروثة ونماذج إبداعية ثابتة في الذاكرة مثلت المكوّن الأكبر لكفاءاته. ولعل ذلك يكسر حدود التقبل ويعاكس انتظارات القارئ فيخاتله ويفاجئه أو يتفق معه ويحدث بعض التعديلات على الماضي لينضبط مع السياق الروائي الجديد. ويطبع التناص الرواية بميزة هدم الحدود وإزالة الفواصل بين الأجناس الأدبية، فيحطم تخومها وينتهك ضفافها، ويجعلها نصوصا مترابطة متقاطعة، فتكون جنسا جامعا لشتى ألوان القول الأخرى (الرواية الشعر الأسطورة…). فالتناص يتوغل في الذاكرة المشتركة بين المؤلف والقارئ ويغذي المعارف المشتركة التي تقيم للتفهم جسورا وتؤمن عملية الفهم والتأويل، فهو الذاكرة المعرفية للكاتب لحظة الكتابة وللقارئ لحظة التلقي.

    2-جمالية تنوع المرجعيات وإنتاج الدلالة الجديدة:

    يكثف المؤلف من تنويع مرجعياته: مرجعية دينية وأدبية وتاريخية وأسطورية… فيكسر خطيتها ويعيد تشكيلها من جديد في الرواية. وتعدّ الإحالة من جماليات التفاعل النصي خاصة تلك التي تستدعي المشهور. فيجعل الراوي والقارئ موصولين وصلا حميما. وهذا لا يعني تأثير نص في آخر بشكل جافّ أو رصد الروافد التي نهل منها الكاتب تضميناته بقدر ما تضفيه الإحالة المرجعية من جمالية تزوّد النص بروح الجدلية بين الأنظمة الأسلوبية. فيتداخل أسلوب الراوي بالأسلوب التاريخي أو بالأسلوب القرآني، لينفتح النص على التعدد الدلالي والمرجعي فتصحو الأصوات واللغات والمواقف متعددة في النص بتعدد النصوص، فالنص الجديد "على الرغم من حواريته وطابعه التناصي لا بدّ أن يتأتى في تركيبته العامة بدلالات جديدة"52. فاستدعاء الكاتب للنصوص الأخرى ليست دعوة صامتة تكرّس دلالات قديمة بل يستدعيها محاورا لها وخالقا لدلالات جديدة. وهكذا يمكّن التناص من التداخل المرجعي فيستحيل النص الروائي إلى نمنمة بانورامية من الأجناس والنصوص والمرجعيات فيخرج من النص المفرد إلى الجامع النصي، ومن أحادية الإحالة إلى التعدد المرجعي ويسم تمازج النصوص في نصّ واحد الرواية بميسم الطرافة التي تدحر سلطة النص الواحد وتنسفه مرتمية في فضاء النص الجامع الذي تذوب في داخله التنوّعات والتناقضات والألوان لتنصهر في جمالية نسيج النص المستحدث.

    III-جماليات التناص ووظائفه:

    - دينامية الخطاب والأصوات واللغات والقيم:

    إنّ المتأمّل في الرواية لا يكاد يعثر على تركيب حدثي متواشج خاضع لنسقية منطقية أو زمنية واضحة أو نسيج حكائي منظّم. إنما يقف على حبكة مهشّمة متشظية وسرد منقطع وبنية متصدّعة ونظام مفكّك. ولا تعثر المفردات على ضالتها الدلالية ما قبليا بقدر ما تنطلق من الخطاب ذاته، والقارئ هو المدعو إلى أن يكون شريكا فاعلا في العملية الإبداعية فيربأ الصدع ويرتق المفتتق ويفتق المرتتق ويصل ما انفصل ويفصل ما اتصل منتجا فاعلا لا مستهلكا عقيما.

    ويشير تداعي النصوص وتآلفها إلى أنّ النص الأدبي لا يخضع في إنشائه إلى إملاءات نصية سابقة تفرض عليه شرائط الانفتاح وطرائقه وحدوده. فالنص الأدبي لا يحقق الإبداع إلا إذا كان حرّا في أشكال تعاطيه مع النصوص سواء السابقة لوجوده أو التي تتجاوزه. فدينامية الخطاب لا تتأسس فقط بمقتضى الاستعارة والتضمين، بل تتجاوز ذلك إلى تحويل نصوص متعددة في صلب واحدية النص. فالرواية توظّف الرموز التاريخية التي تفسح المجال إلى جدل خلاّق بين النصوص المتباعدة. ويوظّف الكاتب بعض الأساطير مثل أسطورة الغول و أسطورة الخطيئة الأصلية التي تعود بنا إلى زمن البدايات، فضلا عن ضروب الاستعارة من التراث العربي الإسلامي مثل الأعور الدجال والدابة التي تعود بنا إلى المخيال الديني مثل عالم القيامة والجنة والنار، علاوة على استحضار شخصيات من التراث مثل الوليد بن يزيد وغيلان الدمشقي. كما يعرّف ببعض المعالم الدينية مثل المسجد الجامع، لكنّ البيّن الواضح الذي لا يحتاج إلى برهان أنّ درغوثي لا ينتزع الأحداث والشخصيات من التاريخ العربي الإسلامي ليوردها صمّاء خاما، بل ينزاح بها عن أدوارها الأصلية لتتلبّس بمقتضيات انتظاراته منها في عالمه الروائي، فكثيرا ما تتمازج صورة المقدّس بالمدنس، والتاريخي بالأدبي. وتقتضي جمالية الكتابة الروائية عند درغوثي التي تقوم على نمطين من الكتابة المتناصة لنمط من التقبل مخصوص يلتقي بفعل القراءة إلى مستوى الكلام على الكلام، والكلام على الكلام صعب، بمعنى أنّ القراءة النموذجية لا تكتفي بالاستهلاك الساذج للنص الأدبي بل تنصرف إلى إعادة إنتاجه وهيكلته وفق سياق قرائي مخصب. وقد أبرزت شادية شقروش دلالة هذه الرؤية الإبداعية عندما قالت: "لئن يورد السارد الأحداث وكأنه شاهد عيان، متتبّعا تقنية كتب التفسير والحديث وما روي عن الصحابة غير أنّ روايته عصرية متشعبة مشحونة بمداليل إيديولوجية إنسانية"53. وتتآلف هذه المتناصات على قدح زناد الخطاب الروائي بحراك يشدّ الدلالة إلى التأويل ويفتحها عن التعدد. ومن شأن الانفتاح النصي أن يمكّن لغة الرواية من الاغتذاء من أنساغ التجارب السابقة والإمساك بتلابيب المسميات النائية والإحاطة خبرا بالمدلولات البعيدة. كما أنّ لغة الرواية تكيفها وتجعلها كثيفة الحقول الدلالية التي تنتظمها وتنصهر في مداها النصي وهكذا تتشبّع اللغة بالمعين الديني النقلي قرآنا وحديثا نبويا وبالمعين الأسطوري. فالعديد من الأساطير العملية حسب كريستيفا التي تعتقد فيها المجموعة تكوّن رؤية اللغة لدى القدامى54. فالكتابة الروائية لدى درغوثي حمّالة للواقعي والأسطوري، للمعيش والغريب مجاورة بين الأزمنة بما يجذّر دلالات الحوارية النصية داخل الرواية بامتياز. تنزع كريستيفا في خصوص العلاقة بين الخطاب والوقائع إلى القول بحوارية الرواية رابطة بين الإنتاج الأدبي والتلقّي، ويندرج البناء النصي في إطار تفاعل البنيتين الإيديولوجية والثقافية، فالعلاقة بين النص والمجتمع لا تعدو أن تكون جدلية تفاعلية كما يقيم المؤلّف جدلا مع أنظمة من اللغات الجماعية والإيديولوجية فيحتويها بحسب رؤيته لها. ولعلّي أذهب إلى ما ذهب إليه العروي في اعتباره أنّ الإيديولوجيا تختلف بين الظاهر والباطن. فلئن كان ظاهر الإيديولوجيا يرشح بدلالات الوفاء والتضحية عند الناطق باسمها فإنها تتخذ في الباطن معان ضديدة "إذ تتحوّل الإيديولوجيا إلى قناع وراءه نوايا خفية"55. ويلامس فهمنا للإيديولوجيا التصوّر الماركسي إذ يعتبرها "وعيا زائفا" فهي القناع الذي يحجب الواقع ويقنّعه ويجعله مبرّرا ويضفي عليه شرعية ما، تلك الشرعية من شأنها أن تثبّت مصالح الطبقة العليا المستفيدة من الصراع لذلك يرتدّ الموقف الروائي عند حميد لحمداني ضرورة إلى التبرير والانهزام بينما يتخذ الصراع الاجتماعي عنده طابع الانفتاح الضمني على المقبل والآتي، فهو غير محسوم لصالح الطبقة المستفيدة ولكنه يظلّ متوترا منفتحا على الممكن56. ولمّا كان نزوع الرواية إلى تحديث التعاطي مع التراث ملحّا بمزج الماضي بالحاضر مزجا تذوب فيه الحدود إلى حدّ التحلّل والامتزاج، فإنّ السارد وجد من الضروري المراوحة بين المرجعيات القديمة والحديثة بالتدامج والحلول بين أساليب قديمة كالحديث والتفاسير والنصوص مع أساليب حديثة مثل التقارير الصحفية والأخبار مما يترجم عن رغبة الكاتب الجموح في تشريح الواقع والنزوع إلى تغييره.
    خـاتـــمـة

    وصفوة القول ومحصّل هذه الدراسة التي حاولت أن تستوعب بتحليل التناص لغة واصطلاحا، وصولا إلى تفصيل الخطاب في مظاهر التناص ودلالاته في رواية أسرار صاحب الستر لإبراهيم درغوثي، إلى إقرار أهمية التناص وتأكيد وظائفه وأدواره التي لا نبغي عنها حولا داخل الرواية، نظرا إلى ما اضطلع به التناص من انزياحات وأشكال عدول عن دلالات ثابتة مستقرة في الذاكرة الجماعية أو الذهنية العامة والنصوص المرجعية الدينية والتاريخية والأدبية والتراثية والأسطورية والصوفية إلى دلالات طريفة مستحدثة وسياقات وسجلات جديدة أيضا خاصة المتمركز منها حول الجنس والمجالس الخمرية وأشكال التهتك والمجون. فالتناص بهذا المعنى قد جعل الرواية تنتسب إلى أفق في الكتابة يعتمد نمط البحث والتجريب في الكتابة الروائية اعتمادا على ما توفّرت عليه من مؤشرات انزياح وشفرات عدول عن أنظمة الكتابة التقليدية. وقد محضتها

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 12:09 am