منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الزمان والفضاء في الرواية

    خنساء محبة السماء
    خنساء محبة السماء


    عدد المساهمات : 96
    تاريخ التسجيل : 02/11/2009
    العمر : 34

     الزمان والفضاء في الرواية Empty الزمان والفضاء في الرواية

    مُساهمة  خنساء محبة السماء الأحد ديسمبر 12, 2010 10:43 am

    [center]ص1 الفهرس 31-40

    الزمان والفضاء في الرواية

    من خلال كرونوتوبيا هنري ميتران

    حسن المودن

    يرى هنري ميتران أن الزمان والفضاء مقولتان جوهريتان في الرواية. وكل منهما سبق أن كان موضوع أعمال متعددة. فقد اقترح جيرار جنيت اصطلاحا، أصبح الآن كلاسيكيا، لدراسة الزمانية السردية. ونلاحظ في السنين الأخيرة ظهور العديد من المؤلفات والمقالات حول الأمكنة الروائية. ولكنها قليلة هي تلك المحاولات التي تسعى إلى إدراك الزمان والفضاء معا في ترابطاتهما المتبادلة: يعني ما يميز تحليلات ميخائيل باختين للكرونوتوب الذي يقصد به تحليلا لما يترجم عادة بزمان-فضاء، أي الترابط الضروري القائم بين الروابط الفضائية-الزمانية كما كانت متمثلة من طرف الأدب.

    ورغم أنها في أغلبها قديمة تعود إلى الخمسين سنة الماضية، فإن ملاحظات باختين قد حافظت على قيمتها ولو أنها تقدم في نظام مشتت. ويمكن لقراء الفرنسية أن يجدوا أهم هذه الملاحظات في مؤلفين نشرا باللغة الفرنسية بدار كاليمار: علم الجمال ونظرية الرواية وعلم جمال الإبداع اللفظي. وباختين لا يهتم بتنظيم نظريته التي تبقى متنافرة متدفقة في تحديدات متعددة، مستعملا اصطلاحا متغايرا ومشيرا إلى تصنيف للأجناس وإلى نظرية للحوارية يلزم البحث عنهما في مكان آخر. لكن كل هذا لا ينقص من قيمة هذا الباحث: فعلى كل واحد أن يحاول إعادة بناء الرؤية المنسجمة التي تحكم هذه الصفحات العميقة والكثيفة. وهذا ما حاول هنري ميتران القيام به قبل أن يقدم على فحص التطبيقات التي يسمح بها مفهوم الكرونوتوب فيما يخص الأثر الروائي لزولا وبالخصوص جرمنال، ثم بعد هذا وذاك، يقوم بإيجاز بالتفكير في التطورات والتمديدات التي ستسمح للكرونوتوب الباختيني بالاندماج في السيميوطيقا السردية بشكل دقيق جدا، كما تمنى ذلك باختين نفسه.

    المظاهر الأساسية للكرونوتوبية:

    سنحاول –يقول هـ.ميتران- في البداية استخراج المظاهر الأساسية للنموذج الكرونوتوبي؛ ومن أجل هذا ينبغي مصاحبة باختين في مساره الرائع عبر كل الآداب وكل العصور، ابتداءا من الرواية الإغريقية إلى حد الرواية الروسية مرورا بدانتي ورابلي وروسو وجوته.

    ويبدو لهنري ميتران أن هناك ما يسمح بالتمييز بين أسس هذا النموذج من جهة ومستوياته وأشكاله من جهة أخرى.

    أسس النموذج:

    عدم قابلية الفصل بين الزمان والفضاء:

    إن كلمة كرونوتوب مركب يشهد، هو نفسه في مورفولوجيته، على هذا الطابع الذي لا يقبل الفصل والذي يعيده باختين إلى تماسك الزمان والفضاء في العالم الواقعي وفي الإبداع الروائي. إنه أول معطى أساسي، بل هو المعطى الذي يضع التصنيفات الشكلانية لعلم السرد موضع التساؤل.

    يؤسس باختين نظريته أواخر العشرينات تحت تأثير مباشر لفيزياء إنشتاين. لكن مما لا شك فيه أن العودة إلى "الجمالية المتعالية" لكانط أمر ضروري لفهم المصادر التي استوحى منها باختين نظريته، فليسمح لنا بسرد هذه الفقرة الطويلة للفيلسوف كانط:

    "الزمان هو الشرط الشكلي القبلي لكل الظواهر عامة. والفضاء، كشكل خالص لكل حدس خارجي، لا يصلح كشرط قبلي إلا للظواهر الخارجية. وبالعكس، ككل التشخصيات، سواء كانت موضوعاتها أشياء خارجية أو لم تكن، فإنها تنتمي دائما اعتمادا على نفسها، باعتبارها تحديدات الذهن، إلى حالة داخلية؛ وإن هذه الحالة الداخلية، الخاضعة دوما للشرط الشكلي للحدس الداخلي، تدخل هكذا في الزمان، فالزمان هو الشرط القبلي لكل الظواهر بصفة عامة، أي الشرط المباشر للظواهر الداخلية ومن هنا أيضا فهو الشرط المباشر للظواهر الخارجية. إذا أمكنني القول قبليا أن كل الظواهر كائنة في الفضاء وأنها محددة قبليا بعلائق الفضاء، فإنه يمكنني القول بكيفية عامة… أن كل الظواهر بصفة عامة، يعني كل موضوعات المعنى، كائنة في الزمان وأنها خاضعة بالضرورة لعلائق الزمان".

    ونجد هذا الترابط الكانطي بين الزمان والفضاء مستردا في كل الصيغ الباختينية.



    الهيمنة القبلية للزمان:

    وكما هو الأمر عند كانط، فهذا الترابط ليس متبادلا تماما، بل يستتبع خضوع الفضاء للزمان: إن الكرونوتوب هو زمان –فضاء وليس فضاء- زمانا (والتي هي صيغة إنشتاين). إن نظرية الكرونوتوب هي نظرية الزمان الروائي أكثر مما هي نظرية الفضاء الروائي. ينبغي أن ننتبه إلى هذا جيدا، وألا ننخدع بصفة فضائي-زماني التي نجدها في الترجمات الفرنسية لباختين التي تقلب نظام الخضوع والتبعية بين هذين العاملين. "يكون الكل في عالم جوته، يكتب باختين، فضائيا-زمانيا؛ يكون الكل كرونوتوبا أصيلا". كان من الأحسن القول: كرونو-فضائيا، ونحن –يقول هـ.ميتران- من يقوم بهذا التوليد. ذلك لأن ما يعتز به باختين عند جوته هو كونه فهم وبين أن "الأشياء كائنة في الزمان وتحت سلطة الزمان". فعلا، إن الزمان "منحصر بشكل ملموس في فضاء"، و"زمان الحدث" يرتبط بشكل غير قابل للفصل تماما بـ "المكان الملموس لإنجازه"؛ لكن الزمان هو الذي يكون تحت تصرف النشاط الإبداعي؛ وداخل المحكي، الزمان هو الذي يحرك الوصف كما السرد.

    الزمان التاريخي والزمان الدائري:

    هذه هي النقطة الثالثة ومحتواها أن الكرونوتوب المفضل عند باختين هو بالطبع كرونوتوب التاريخ، أي تاريخ أنماط الحياة والعادات والمؤسسات والمجتمعات. وهنا يقابل باختين بين الزمان التاريخي، أي زمان المقاصد والمخططات الأكثر تعقيدا عند الإنسان والأجيال والعصور والشعوب والجماعات الاجتماعية والطبقات والتناقضات الاجتماعية-الاقتصادية، وبين الزمان الدائري وهو الزمان الذي ينكشف قبل كل شيء في الطبيعة ويشكل مراحل الحياة وأنشطة الإنسان: تعاقب الفصول ونمو الأشجار والحيوان وأعمار الإنسان. وباختين يهتم بالزمان التاريخي، الزمان الخارجي، الاهتمام الأكبر في كل آثاره، أما الزمان الداخلي، زمان التعاقب وزمان نظام الأحداث في الفعل، فهو زمان لا يستوقفه أبدا.

    الكرونوتوب والقيم:

    نقف أخيرا عند الملاحظة التمهيدية الرابعة: إن هذه الأفضلية المعطاة للتاريخية على زمان الطبيعة والحياة تربط باختين بتقليد المادية التاريخية، وبعبارة أحق بالماركسية؛ وهي نفسها –أي هذه الأفضلية- تفسر المسافة التي اتخذها هذا الباحث الروسي بخصوص الشكلانيين. وهذه التاريخية جعلته يضم إلى خطابه التاريخي الخاص خطاب القيمة والمعيار الذي يصعب الحسم في ما إذا كان خطابا قائما بذاته أو أنه ليس إلا مجرد تنازل للنظام الدوغمائي الذي يعمل في أحضانه. وهنا يميل هـ.ميتران إلى الاقتناع بأنه صادق كلما بدت له منسجمة لعبة المرجعيات الإيديولوجية الضمنية أو الظاهرة التي تقوده من كانط إلى ماركس مرورا بهيجل. يظهر في كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث وعي تابث بالضرورة. هناك ضرورة فلسفية، ذات صبغة هيجلية، تخترق الزمان وتعيد ربط الزمان بالفضاء كما الأزمنة فيما بينها. وهناك ضرورة تاريخية، ذات الصبغة الماركسية، تكشف التناقضات، وتقود بشكل لا مناص منه إلى تخريب التراتبيات القديمة والاصطلاحات القديمة، وتفتح بالضرورة نافذة على الزمان المستقبل، وتعطي للحضارة، كلحظة منتظرة، كرونوتوباتها الجديدة.

    وهكذا يختلط وعي الضرورة ووعي الجدلية التاريخية بواجب الفنان. فنحن نسترد عند باختين، كما داخل علم الجمال والنقد الماركسيين في النصف الأول من هذا القرن، فكرة تقدم مستمر للتشخيص الروائي من خلال وعن طريق تنويع أجناس الرواية. فالروائيون الكبار هم أولئك الذين أخذوا بعين الاعتبار حركية التاريخ في علاقتها بتحولات الفضاء الدنيوي.

    مستويات وأشكال الكرونوتوب:

    نستنتج مما سبق أن لبناء النموذج الكرونوتوبي مكانة مركزية في التفكير الجمالي والنقدي عند باختين. ويمثل هذا النموذج بلا شك الاستقدام الأكثر جدة والأكثر حيوية والأكثر خصوبة في هذا القرن للتقليد الجمالي الهيجلي-الماركسي. ويمكنه –أي هذا النموذج- أن يحيي، عند استثماره، السيميوطيقا والشعرية الروائية، وبطبيعة الحال بعيدا عن هذا الفضاء الإيديولوجي. ومن المناسب الآن أن نقوم باستخراج المراتب الداخلية والمستويات والأشكال من هذا النموذج، كلما سمح تعدد-معنى عبارة كرونوتوب، في المؤلفين المعتمد عليهما، بوضع تصنيف.

    الكرونوتوب الثقافي:

    في الاستعمال العام، يعني كرونوتوب كل عالم إنساني محدد جوهريا بعصر وبمكان، ويعني أيضا كل رؤية وكل تشخيص متجانس لعالم ما، أي أنه يعني كل لوحة للعالم تحوي فهما لعصر ما وفهما لكون ما. وبهذا المعنى استطاع باختين أن يقول عن روما بأنها أكبر كرونوتوب للتاريخ الإنساني، أو أن يقول بأن العالم الفضائي-الزماني عند رابليه هو الكون الذي تم اكتشافه مؤخرا في عصر النهضة، أي هو عالم فضاء وزمان يمكن وينبغي على الإنسان من الآن أن يبلغه ويغزوه: يبدو أن رابليه، في نظر باختين، يكشف أمام أعيننا عن كرونوتوب الوجود الإنساني اللامحدود والكوني. وهذا ما كان في انسجام تام مع عصر الاكتشافات الجغرافية والكونية الكبرى الذي صار وشيكا.

    كرونوتوب الجنس:

    وإذا نظرنا إليه من خلال الاستعمال الأكثر انحصارا في قاموس الجمالية الأدبية (الأصح علم الجمال الأدبي)، فإن الكرونوتوب يأتي كسمة محددة للجنس، من وجهة نظر معالجة للزمان أولا وللفضاء ثانيا. وهنا نقابل نظرية الأجناس: فالدراما والملحمة ينتسبان إلى الزمان الميتولوجي؛ في حين تنبني الغزلية-الرعوية L’Idylle على أساس كرونوتوبية دائرية، بتركيبها بين الدوائر الفصلية للطبيعة والزمان المتفق عليه والزمان العائلي للحياة الرعوية؛ في حين يأتي الفضاء في الرواية ملموسا ومشبعا بزمان أكثر جوهرية، ومليئا بوجه الحياة الواقعي الذي يرتبط ارتباطا ضروريا بالبطل وقدره. وهذا هو الزمان التاريخي، أو الأصح أنه زمان عادات وتقاليد.

    كرونوتوب الجنس الأصغر:

    هنا نصل إلى المستوى الثالث من النوعية كمستوى يصير فيه الكرونوتوب المبدأ المولد والمنظم لطبقة من الأعمال الفنية داخل جنس معين. فضلا عن هذا، فهو مبدأ ثنائي، إذ يحوي سمة زمانية وسمة فضائية. هكذا، تجمع الرواية الإغريقية بين زمان المغامرات وفضاء البقاع الغريبة-لكنها بقاع غريبة بشكل مجرد وبالنظر إليها في حد ذاتها. وتتخذ رواية الفروسية كرونوتوبا أوليا عالم العجائب داخل زمان المغامرة. أما الرواية الشطارية فهي ترمي بأبطالها في الطريق الكبير للعالم العائلي.

    وبهذا الشكل وباعتباره أهم تجسيد للزمان داخل الفضاء، يبدو الكرونوتوب كأنه مركز التجسيم التصويري، كأنه تجسيد للرواية بأكملها. فالعناصر المجردة للرواية تدور كلها حول الكرونوتوب، وبوساطة هذا الأخير تتجسد هذه العناصر وتشارك في الطابع التصويري للفن الأدبي.

    كرونوتوب العمل الفني:

    ينجم عما سبق أن كل عمل فني روائي مفرد يقدم توليفية مغايرة للسمات الكرونوتوبية للأجناس وللأجناس الصغرى. وهذا هو المستوى الرابع في إطار تحديد مفهوم الكرونوتوب: فهنا تتقاطع الكرونوتوبات قصد تحديد الصيغة الكرونوتوبية للعمل الروائي:

    ففي دون كيشوط مثلا، يأتي التقاطع البارودي لكرونوتوب العالم الغريب والعجيب في روايات الفروسية مع الطريق الكبير للعالم العائلي في الرواية الشطارية جد متميز.

    يمكن لجنس معين، كالغزلية الرعوية L’Idylle، أن يعير للأجناس الأخرى بعضا من محفزاته: يكشف باختين عن تأثير الغزلية الرعوية على الرواية العاطفية عند روسو وعلى الرواية العائلية وعلى الرواية ذات النزعة الإقليمية. وهذه هي أكبر حوارية بين الكرونوتوبات.

    الكرونوتوب التيماتي:

    تم التركيز إلى حد هذه النقطة على الكرونوتوبات التنميطية وعلى بيان البنيات العميقة للمحكي الروائي. لكن إضافة إلى هذا، تظهر من خلال هذه العبارة نفسها –كرونوتوب- سلسلة من المحفزات أو من التيمات الفضائية-الزمانية التي تنبثق، في نظر هـ.ميتران، من البنيات السطحية. ولا يهتم باختين بتحديد خصوصيات هذه الأنواع من الكرونوتوبات. وهو يطلق تسمية كرونوتوب على المحفز الوضعي للقاء (بكل جوانبه السابقة واللاحقة: الانفصال، البحث، الاكتشاف، التعرف، الخ؛ وبكل قيمه الوجدانية السارة والحزينة)، كما يطلق نفس التسمية أيضا على المحفزات الموضعية للطريق، وللصالون البورجوازي –الكرونوتوب المميز للرواية البلزاكية-، أو للقصر –كرونوتوب روايات الفروسية-. لكن محفز الطريق بالخصوص هو الذي سمح له ببناء استدلال باهر حول الرواية الإغريقية، وسمح له بالتالي بالاتجاه من الكرونوتوب التيماتي إلى حد الكرونوتوب البنيوي. ويبين أن كرونوتوب الطريق يتضمن نظاما كاملا من الافتراضات المسبقة التي تزود رواية المغامرات ببنيتها النوعية. ويعترف باختين بأن أهمية كرونوتوب الأدب مهمة جدا في الأدب: فالأعمال التي تستغني عن بعض متغيراته قليلة جدا، في حين نجد أكثر الأعمال مشيدة على أساسه.

    الكرونوتوب التشخيصي:

    يبقى ربما استعمال سادس لمصطلح الكرونوتوب: وهو الاستعمال الذي يجعل منه مقولة نوعية أو نمطية لتشخيص عالم ما، كمقولة الامتداد والمسافة (مقولة ذات هيمنة فضائية) أو كمقولة النمو (مقولة ذات هيمنة زمانية). ما يميز رابليه، في نظر باختين، هو كونه بنى عالمه المتخيل على أساس ثنائية-متناقضة تتكون من الامتداد والنمو من جهة، ومن الهزال والانحطاط من جهة أخرى. فكل ما هو كمين وإيجابي نوعيا –كالتغذية والشراب والصحة والعطف- ينبغي أن يتمدد وينتشر ما أمكن ذلك؛ وكل ما هو سلبي –كالمرض والرشوة والشر والكذب- ينبغي أن ينقضي ويتحطم. هكذا تأتي مقولة النمو الفضائي-الزماني كإحدى المقولات الجوهرية التي ينبني عليها عالم رابليه.

    من أجل نشر استعمال الكرونوتوب:

    ولقياس خصوبة وتعقيد هذه الأداة النظرية والاصطلاحية، يقدم هـ.متران على عمل شاق، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أننا أمام تدرج دقيق ينطلق من الكرونوتوب باعتباره تشكلا جوهريا للإدراك الإنساني، لينتهي إلى حدود الكرونوتوب الموضع thématisé [ الذي صار موضوعة] في وضعيات وأمكنة محددة، مرورا بالكرونوتوب الثقافي والكرونوتوب التركيبي؛ وبهذا الصدد يلاحظ هـ.ميتران أن تصنيفه قد يكون كلف بعض الزوايا ما لا طاقة لها به، إلا أن السؤال الأساسي الذي يثيره هذا الباحث هنا يتحدد في معرفة ما إذا كان هذا المجموع، كما هو، يشكل نموذجا يسمح بوصف أحسن وبفهم أفضل لجوهر وشكل النصوص الروائية بعيدا عن الأمثلة التي درسها باختين. ويجيب الباحث هنا عن هذا السؤال بإيجاب مشروط. ويبدأ باسم التجريب في استكشاف "القيم الكرونوتوبية" في جرمنال. وهو يعبر منذ البداية عن قلقه لكون باختين لم يقل شيئا عن هذه الرواية مع أنه يؤكد على أن مقولتي النمو والتولد الكرونوتوبيتين هما معيار الكفاءة الجمالية.

    وقبل أن يشرع هـ.ميتران في هذا الاستكشاف، فإنه يحاول أن يؤرخ للدراسة الكرونوتوبية، مشيرا إلى أن الكرونوتوبيانية chronotopicité كانت دائما موجودة في قلب التفكير الجمالي الروائي، رغم عدم وجود هذه الكلمة بالضبط. وقد كانت موجودة خصوصا خلال القرن 19، الأمر الذي ينبغي معه أن لا نجعل من باختين بداية مطلقة: فكل الروائيين الكبار أدركوا حدسا تماسك الفضاء والزمان وشخصوه رمزيا، كما حاولوا شرحه عن طريق طرح أسئلة وملاحظات حول هذا الخليط المعقد من اللحظات والأمكنة، من المدد والامتدادات. إننا إذا أخذنا الأعمال الكبرى في القرن 19 و20، سنلاحظ أن عناوينها نفسها تشكل خطابا واصفا متواصلا حول الزمان-الفضاء في الرواية (أوهام مفقودة، التربية العاطفية، جرمنال، البحث عن الزمان الضائع، سفر في آخر الليل، الوضع الإنساني، الأسبوع المقدس، وأخريات…)، إنها عناوين كرونوتوبية في حد ذاتها.

    كرونوتوبات جرمنال:

    ينطلق هـ.ميتران، وهو بصدد جرمنال، انطلاقة معاكسة لما رأيناه أعلاه. فهو هنا سينطلق من المحفزات الفضائية-الزمانية الموضعة thématisés لينتهي إلى التشكلات التركيبية والإيديولوجية الكبرى.

    المحفزات:

    يمكن أن تسمح السطور الأولى من جرمنال بتأكيد بيانات باختين حول كرونوتوب الطريق. ويعتقد هـ.ميتران أن ليست كل طريق روائية كرونوتوبا بالضرورة؛ لكن هذه الطريق التي بواسطتها سيصل Lantier إلى مسرح صراعاته المستقبلية، تبدو له أنها تحوي العديد من علامات الكرونوتوبية: أولا لأنها طريق لبلوغ الفضاء العام للحدث، وثانيا وبشكل مواز، عندما سيغادر Lantier مسرح العمل الصناعي والنضالات العمالية بعد أن استنفد دوره، سيركب الطريق هذه المرة في اتجاه باريز. وفي هذا الإطار يمكن اعتبار رواية جرمنال رواية رحلة أو عبور، أو إذا أردنا رواية مرحلة أو محطة: محطة في حياة إنسان، مرحلة في مصير طبقة اجتماعية، محطة في تاريخ أمة. إن هذه الطريق التي بواسطتها برز Lantier فجأة والتي توقف على طولها لبعض الفصول هي طريق استثمرها الزمان بشكل متعدد وكبير، أي أنها تحمل العديد من أدلة الزمان وقيمه: الزمان البيوغرافي والزمان التاريخي والزمان الدائري.

    لكن الطريق في جرمنال كرونوتوبية لأسباب أخرى: فالطريق هي موجه البحث –فالعامل العاطل يركب الطريق بحثا عن شغل جديد-، وهي مكان اللقاء التدريبي-اللقاء بالشيخ Bonne mort-، وهي خط التواصل الذي يجمع فضاء الحي المنجمي وفضاء العمل وعربة المنجم، وهي التي تحدد كيلوميتراتها إيقاعا لذهاب وإياب المنجميين وإيقاعا لجريان الزمان اليومي. والطريق هي التي تحدد فضاء الحفلة وفضاء اللعب وفضاء الحب صحبة الأزواج الذين يتقابلون على طول الطرق. وهي أخيرا التي تمنح المنجميين الهاربين من سراديبهم فضاء لا محدودا من التحرر والفوضى… إننا أمام طريق القطيعة الغريزية والضخمة، إنه الكرونوتوب الجديد للعنف الشعبي المتكتل، الأعمى ومن هنا ضعفه، ولكنه الذي له قوة استشعرتها الرواية ووصفتها لأول مرة، قوة تنبئ وتتنبأ بالهجمات الثورية الكبرى التي سيعرفها القرن 20. إنها الطريق التي سيسلكها وينفذ منها الهمجيون قصد تخريب العالم القديم..

    نعم إن الأرض ستنفتح. ذلك لأنه يوجد في جرمنال زمان-فضاء آخر فريد ومتميز في فرادته، بعمر اجتماعي جديد: نفكر بالطبع في المنجم، كمتغير (من متغيرات) كرونوتوب أكثر امتدادا، وعاد بالنسبة لخيال زولا وبالنسبة للأدب الرومانسي: كرونوتوب المكان الجوفي، الذي هو جهنم وقبر، انغلاق وهلاك، فضاء محروم من الضوء والمنافذ يحتفظ به التاريخ للأشقياء والمضطهدين، لكن منه يمكن أن تظهر زلازل أكثر عنفا من كل تلك التي سبق أن حدثت. إننا هنا أمام فضاء وديمومة Durée بطبيعة مغايرة لطبيعة فضاء وديمومة سطح الأرض والنهار. ولكي نقدم أمثلة، فهكذا الأمر في مجرى القاذورات في رواية البؤساء أو في الممشى الحبسي الذي يقاد كوينبلين Gwynplaine على طوله من طرف جنود الملكة الإنكليزية في رواية الإنسان الذي يضحك. إنها سجون بيرانيز Piranèse. ففي هذه الأمثلة، يوجد الفضاء مخنوقا ومكبوحا وغامضا، بمنافذ تقتل كل أمل في الفرار والخلاص، أبواب لا تنفتح إلا على قضبان، أسوار ضخمة، هندسة معمارية معقدة وخداعة، تعلو وتمتد في كل الاتجاهات، نوع من الانغلاقية المدوخة. لا يمكن أن ننمو في هذا الفضاء إلا ببطء وفي ظل العمى وصعوبة التنفس وفي تشوه دائم للجسد والذهن: يستعمل هوجو كلمة مصران وكلمة معي، بينما يفضل زولا استعمال عبارة هضم فوغو الممتلئ. إن ممرات الإنسان الذي يضحك والسراديب الجوفية في جرمنال تتقاسمان نفس القيم الكرونوتوبية في اختيار السمات الفضائية-الزمانية وفي نفس الوقت في اختيار الصور وفي اختيار الدلالات الرمزية. يصطدم الكائن بصلابة ولا مبالاة وجور الصخرة، أي الكون المعدني، وفي نفس الوقت وعن طريق معادلة استعارية، فإنه يكون مستنزفا ومستنفذا ومهضوما كـ"وجبة من اللحم الإنساني" على حد تعبير نص جرمنال. السجن هو المنجم؛ إنه نفس الواقع ونفس الاستيهامات في الأيام الأخيرة للمحكوم عليه إلى الإنسان الذي يضحك وصولا إلى جرمنال. إنه نفس الفضاء الرومانسي المشترك، ونفس الكرونوتوب الرمزي، الدال على ضعف الفرد المسجون داخل أنفاق التاريخ، وعلى الخوف من إبطال واستنفاذ الإنسان من طرف المؤسسة التي تتغذى منه، والخوف من تحوله الفظيع إلى سلعة ثم إلى نفاية، والخوف من الانزلاق الحتمي نحو الرعب والموت…

    نلاحظ أن مناص l’intertexte النفق ومناص الطريق يتجاوبان داخل الخيال الروائي للقرن 19 وبالخصوص عند زولا وهوجو. ونحن بعيدون عن استنفاذ دروس هذه الحوارية. لكن ينبغي أن نسجل مع ذلك أنه بالرغم من السمات المشتركة بين الكرونوتوب الجوفي عند هوجو وكرونوتوب زولا، فإنه لا يمكن تأويلهما بنفس الطريقة. لأنهما يندرجان داخل وحدات كرونوتوبية كبرى جد مختلفة.

    المسار البطولي:

    إن جرمنال هي مثال كامل عن تقاطع الكرونوتوبات، فهنا نتعرف على عناصر الرواية العائلية، بل وعناصر العديد من الروايات العائلية، بالأهمية التي تحظى بهاهنا أمكنة وأوقات الطقوس الزوجية والعائلية.. وأمكنة وأوقات الزمالة: أمكنة وأزمنة الحب والولادة والطفولة والشيخوخة والجلسات العائلية والحفلات والخلافات والاتفاقات. وهنا نتعرف كذلك على المحفزات البنيوية للرواية التعليمية والتدريبية وللرواية البيوغرافية بل للرواية الشطارية: يحقق Lantier مستقبله بالاستقرار مؤقتا في مجتمع وإلى جنب نماذج إنسانية لم يعرفها من قبل ولا يعرفها جيدا، ولكنها احتضنته وعلمته. هكذا تدخل جرمنال داخل تقليد روائي ذي خدع أدبية ونماذج تركيبية (نظمي) مشفرة بشكل كامل. إن رواية الأحمر والأسود والبؤساء والإنسان الذي يضحك وجرمنال وكذا بدون عائلة كلها روايات تتقاسم ما يمكن أن نسميه نفس "البيوكرونوتوب" biochronotope، أي نفس مسار الحياة.

    لكن Lantier، على خلاف جوليان وجون فالجان وكويبلاين…، سيصير زعيم الناس وقائد نشاط جماعي. وهذا كاف من أجل تنسيب هذا القسط من زمان الغزلية-الرعوية وهذا القسط من زمان البيوغرافيا الموجودين هنا. واستشهد هنا بباختين وهو يتحدث عن جوته: "هنا تمتزج سيرورة إعادة التربية الشخصية بسيرورة هدم وإعادة بناء المجتمع، يعني بالسيرورة التاريخية". مع التنبيه إلى أن السيرورة التاريخية المقصودة هي التي عرفها المجتمع الأوروبي أواخر القرن 19.

    فعلا، كل شيء في جرمنال محدد باقتضاءات اقتصادية وباختيارات ومخططات اجتماعية وفي آخر الأمر سياسية. الدرس الأول الذي تلقاه إتيان لانتي من بونمور هو درس في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي.

    وكل واحد من الذين سيستمع إليهم فيما بعد هو ممثل مشروع سياسي يبحث عن تحويل روابط القوى بين الطبقات عن طريق الإصلاح أو عن طريق العدمية. يقدم المنجم في جرمنال كمصدر حيوي للطاقة بالنسبة للمجتمع الصناعي وفي نفس الوقت كمكان للمواجهات الاجتماعية. تقرن الرواية بين بطل جديد بوضعه الاعتباري الاجتماعي والسياسي وبين مكان نموذجي للإنتاج والتبادل والاستهلاك الحديثين، في نشاط ينقل أهم التفككات التي تمزق الجسد الاجتماعي، طبقة ضد طبقة. الحقيقة أن كرونوتوب جرمنال تربط بين نماذج من الرواية العائلية وأخرى من الرواية التعليمية وأخرى من الرواية التاريخية. ونرى في هذا المستوى من التحليل أن كلمة طبيعية naturaliste (أي أن الرواية ذات نزعة طبيعية) لا تعني شيئا كثيرا. لكن بعيدا عن هذا الربط والتأليف، فإن ما يغلب عليها –أي الرواية- هو حدس فضائي-زماني خلاق يفترض دخول المجتمع الأروبي للقرن 19 في حضارة جديدة، حضارة المنجم والمصنع وأساسا حضارة الصراعات الطبقية. يمكن القول بالتالي، احتذاء بباختين، أن كرونوتوب جرمنال هو زمان نضال الطبقات في عالم الرأسمالية الصناعية. إن كرونوتوبات الطريق والمنجم الموضعة thématisés [التي صارت ثيمات] لا تصير نافذة وفاعلة في معانيها وقيمها إلا في علاقة وظيفية بهذه البنية الكرونوتوبية الأخرى التي تحويها وتحكمها.

    لكن هذا ليس كافيا بعد، وأنه هنا يمكن لنظرات باختين أن تبدو محدودة للغاية بفعل الافتراضات المسبقة لعلم الجمال الماركسي الذي لا ينظر إلا بمنظار الواقعية النقدية. وهنا يتقدم مفهوم الكرونوتوب نفسه، كما يوضحه، من خلال صوت غير واضح جدا، خال من هذه الاهتزازات والرنات والإمكانات المتنافرة التي يعترف لها بخصوبة أداة تحليلية رائعة. وهذا لا يعني الاستغناء عن هذا المفهوم، بل بالعكس ينبغي أن نعطيه كل هذه الإمكانات، وهذه الإنتاجية التي تنقصه. ويمكن أن يتحقق هذا بطريقتين.

    إعادة تقويم الكرونوتوب:

    خصوصية الخرافة الجرمينالية:

    نبدأ أولا برفض الخضوع بشكل مطلق للمقولات والمستويات ذات الطبيعة التاريخية-السوسيولوجية التي وضعها باختين، رغم أنها تبدو لأول وهلة مؤاتية ورغم أن المتغيرات التي تسمح بها بخصوص الرواية الإغريقية ورابليه وجوته مغرية، خصوصا وأن حالة جرمنال ذات دلالة بهذا الصدد. إلا أن كل محاولة لاختزال كرونوتوبية هذه الرواية إلى مجرد نمط خاص من العلاقة بين الرواية والتاريخ، بين الواقعي وتشخيصه، لا يمكن أن تكون إلا محاولة تشويهية، ذلك لأن الزمان الإيديلي والدائري والبيوغرافي والتاريخي كلها أزمنة تختلط وتمتزج لإعطاء شهادة الميلاد لكرونوتوبية ليست تماما كرونوتوبية التنوير Lucidité (زمان الإضرابات الوحشية داخل الجحيم الصناعي) وليست تماما كرونوتوبية المتخيل الخرافي، لكنها تتألف من الاثنتين معا كما بين ذلك Jean Borie وDavid Baguley وRoger Ripoll وAuguste Dezalay وSaudy Petry. إنه في إطار هذا المعنى وبخصوص زولا، ينبغي إعادة تقويم مصطلح كرونوتوب. يغير زولا زمانية التاريخ بزمانية الطبيعة. متجاوزا بذلك تلك المناقضة بين الصدفة التاريخية والضرورة البيولوجية..

    تلتحق حركية الإنسانية في مؤلف زولا بحركية القوى الطبيعية. وكما يعير زولا دفعات من غضب وحمق الإنسانية للطبيعة، فهو يصف تدفقات وتراجعات الحشود الجماهيرية في صور طبيعية. فالشعب أثناء غضبه عصابة، سيل جارف، فيضان. إنه بلا شك تصوير رومانسي، لكنه يصاحب وعيا مستحدثا تاريخيا ولا نجده لا عند بلزاك ولا عند هوجو ولا عند ميشلي ولا فلوبير: من الواضح عند زولا أن بروز الجمهور والكتلة الإنسانية كطاقة مستقلة موجه لتغيير مجرى التاريخ جذريا.

    ومع ذلك، يخسر الجمهور معاركه أمام المؤسسة ودفاعاتها. تنتهي الملحمة التمردية بتراجيديا. ويظل الوضع القائم غير قابل للاختراق والانتهاك ويظل الشعب غير قادر على فك قيود العمل والبؤس والخضوع… لنلاحظ أن هذه التيماتية thématique التي تتناوب فيها الاندفاعات والإخفاقات قد أمليت في جزء كبير منها على زولا من طرف تاريخ عصره الذي لم يشاهد أقل من أربع ثورات بارزة: 1793، 1830، 1848، 1871.

    تبين جرمنال، باعتبارها مثالا، أن كل تحديد أحادي-المعنى للكرونوتوب سيكون غير كاف وغير مضبوط. ينبغي أن نتجنب كل الصيغ القطعية التي تسعى إلى أن تحصر في جملة واحدة كل الفضاء-الزمان لمؤلف عاش بعد راهنيته الخاصة. إن نص زولا، المتحرك دوما، لا يتوقف عند صورة أو معنى. لهذا يرى فيه ميشال سيريس استعارة شاملة لهذا الدوران الكارثي الذي يوجد في أساس الحركية-الحرارية، العلم المفتاح في القرن 19- الذي من خلاله نعود إلى زمان-فضاء حضارة الفحم والبخار، ولكن أيضا إلى دوران الدم في شجرة النسب، ودوران الرغبة بين الأجساد ومن الطبيعة إلى الأجساد، إلى دوران وتبادل الحاجيات والذهب والكحول والنساء والأدلة… كل شيء يسيل ويزول عند زولا داخل كرونوتوبية دوران معممة، بفيضاناتها وتوقفاتها وتفككاتها واستنزافاتها وأيضا بمقاييسها. ذلك لأن المحرك الكوني الأكبر خاضع لتدهور الطاقة-والثورة نفسها تفترس وتستنزف ذاتها. وعلى عكس ما يعتقد باختين وبخلاف النهاية الجميلة في جرمنال، فالمستقبل ليس دوما مؤكدا. من هنا ربما جاء ذلك الانحلال النهائي، في المتخيل الكرونوتوبي عند زولا، لذلك الحدس الجديد والعميق للجدلية الاجتماعية إلى صورة مهيمنة، هي نفسها كرونوتوبية، للعودة الأزلية؛ ومن هنا فضل الزمانية الدائرية للخرافة القابل غالبا للملاحظة على زمانية التاريخ الخاضعة للتوجيه، كأن محرك الحياة، حسب عبارات أوغست دوزا لاي، ليس إلا محركا ثابتا –غير- متحرك.

    من أجل سموطقة الكرونوتوب:

    لكن قد حان الوقت الآن للابتعاد قليلا عن الاتجاه التيماتي Thématisme الذي انحصر فيه باختين وحصرنا فيه. إذ يتم استحضار الزمان والفضاء غالب الأحيان في أعماله عن الكرونوتوب كمواد مرجعية جوهرية للمحكي، ولا تستحضر أبدا كأشكال وكعناصر وظيفية للمحكي. بيد أنه إذا كان لمصطلح الكرونوتوب معنى وفائدة، فإنهما يوجدان ربما في تحديده السردي وفي تعالقه مع المكونات الأخرى للبرنامج السردي، يعني نظام الشخصيات ومنطق الحدث action. ولا أستطيع –يقول هنري ميتران- أن أذهب بعيدا في هذا الاتجاه، أكتفي بوضع فرضية للبحث، في إطار تمديد تدريس باختين، فحواها أنه توجد الكرونوتوبات بمقدار الشخصيات وأن كل مرحلة متكاملة في المحكي تؤسس كرونوتوبها الخاص… هكذا يستحق مصطلح الكرونوتوب إذن أن يكون مفهوما سيميائيا بما أنه ليس كذلك في كتاب باختين علم الجمال ونظرية الرواية. إنها مرحلة ضرورية في اتجاه دراسة بلاغية وأسلوبية للكيفية التي يصير بها الزمان والفضاء معا ملفوظين وقابلين للإدراك من طرف القارئ.

    وبعد أن قدم هنري ميتران ملاحظات بهذا الصدد حول رواية زولا، يستخلص أنه لا ينبغي النظر إلى فضاء أنزان الواقعي Anzin في الرواية بلغة التاريخ والجغرافيا. ذلك لأنه لا يوجد أبدا كرونوتوب إلا ويكون مسبقا منمطا modalisé ومنذمجا modélisé من طرف أشكال المحكي.

    وينهي هـ.ميتران دراسته معترفا بأن نظرية باختين حول الكرونوتوب مساهمة جوهرية في دراسة مكونات الرواية بل وفي دراسة الأجناس. فهي نظرية تبين زمان المؤلف في الفضاء وفضاء المؤلف في الزمان، بشكل متماسك ومتضامن… وهي تجدد تفكيرنا بشكل عميق حول علاقة الرواية والتاريخ، وعلاقة الأدب وتطور المجتمعات. وهي تساعد على أن نفهم لماذا يكون بإمكان رواية كبيرة أن تكون غنية في معرفتها بـ"كل شيء في الحياة". وهي تساعد التحليل الأدبي على وضع أسئلة كبرى وحقيقية حول النصوص.

    لكن من الواضح أن كرونوتوب باختين يفتقر إلى البعد المزدوج للمحتوى الرمزي والشكل السيميائي. والعلاقة التي يقيمها باختين بين الأثر والتاريخ بواسطة الكرونوتوب هي أحادية-الجانب بشكل كبير. ينبغي الآن القيام بتعديلها وتنقيتها، آخذين بعين الاعتبار ليس فقط الزمان-الفضاء داخل الأثر، بل أيضا زمان-فضاء الأثر n



    Henri Mitterand, (Chronotopies romanesques), Poétique, n°81, Février 1990, Seuil, pp89-103.





      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 4:49 pm