[size=16]صوت الذات السردي يقتله بوح الجهلاء
رحلة السرد و الحكاية في السودان تحاك ضدها المؤامرة ورغم تاريخها الطويلجنبا الى جنب مع اجناس الادب الاخرى ولكن السرد ينال الجزء الاوفر منالرقابة المجتمعية و المؤسسية و من جهة اخرى الرقابة الذاتية التي صدقتالفروض الوهمية و اصبحت ذات طابع جلالي مهيب مما ادى الى تفعيل الرقابةالمؤسسية و ايجاد مبررات و مسوقات متفق عليها رغم همس و جهر الاصواتالمتناثرة هنا و هناك فخرجت الى المجتمع حركة متمردة و هي في الحقيقة هيالاصل. ورغم ان التواصل في هذا البلد العريض قد تم و تسلسل من الاسلاف الىالجيل الحاضر عبر وسائل انسانية كونية مجردة تحمل في طياتها مغتنيات وتراثيات عرفية و اخرى دينية و لا دينية و ثقافات و اجناس . و من هنا يصبححري بالمثقف المتلقي الذي عاش في بقعة بالضرورة لا تغيب عنها احدىالمكونات السابقة مما يصدر عنها اصواتا متعددة مبدعة لا تنقصها الفطنة ولها القدرة على الدهش. و من هنا تاتي فكرة التنوع التي يحكي حالها عن عدمتبني المطلق في الحكم على الانتاج الادبي الذي ينتجه الآخر و الحكم عليهبالموت القسري و الحرب الدنيئة من وجهة نظر بعيدة يسوقها ادب الانتماء الىالمؤسسات الاجتماعية او المؤسسات المنظمة . مما ادى هذا الى الفتك باصواتلها الحق ان تبدو جهورة فاندحر الجهر بالكلمات في وسط المجتمع حتى اصبحتاريخ معاصر لا يشتهى ان يؤرخ او يدرس حتى اصبح النظر الى المحكي والمجهور بمنظارين , ذات تدهش له و تستمتع به مما يذكرنا بالاصل و ذاتتنفره من جراء التكالب الطويل على المجهور حتى اصبحت سمتها السطحية والعامية.
ربما هناك تجربة صغيرة تعكس هذا الواقع و الاحباط الطويل الذي لازممراقد الافكار و خيم بيئسه على الاقلام و دحر الذوات الى ان هاجرت عن بلدتحبه و يحبها و رغم الهجرة لم تكتب هذه الذوات الا عن البلد لأنه هوالذاكرة و هو المكون فقط تبحث الذوات عن الحرية و الانفكاك عن شبح الرقيبان كان مجتمعي او نفسي يزول يزوال المؤثر الثقافي. هذه التجربة هي عبارةعن قصة قصيرة كتبتها في سنوات الجامعة و لكن قصتها تعلق بذاكرتي منذ ايامالمدرسة المتوسطة حيث كانت حقيقة تألم لها كل اهل الوطن و هي المجاعة التينزح من جرائها الكثير الى حيث مراتع البهائم و الى حيث سبل العيش السهلةفي الوسط حيث المشاريع المروية . و كانت هذه القصة تحكي عن امرأة جاءت منغرب السودان تفقد زوجها و تعيل ثلاثة اطفال و شيخ كبير رمت بها الاقدارالى حضن قريتي فانعدل حالها وبدت اثار النعمة عليها و لكنها قبل ذلك قداقحمت في ثقافة بذيئة مفادها بيع الجسد من اجل لقمة العيش و اخذ المسؤؤلونفي القرية في طردها بعد ما ان ساءت سمعتها و رغم انهم هم من اندرج فيحياتها تلك اولا و هم من علمها ذلك . هذه القصة الواقعية التي اعجبت عددامن من استشرت في بنايتها و رغم انه هنالك فتاة مثقفة اتهمتني بانني اثقلعلى المرأة و لكن في النهاية عندما نظرت اليها بعين اخرى مجردة تلهفت فيان اشارك بها في مسابقة ما كانت معدة في احدى الصحف الاجتماعية و التيكانت و ما زالت تنشر اخبار المجتمع و الجرائم و لا تخشى . قرأها المسؤولالثقافي و قال انها جميلة و رشحها بالفوز و كل من قرأها قال ذلك لكن فينهاية المطاف لم تفز و لا حتى تظهر في مرتبة اخرى وكانت هذه اول محاولة ليو في الحقيقة قد عرفت مؤخرا انها رفضت ليست لأنها ضعيفة و لكن لأسبابسياسية و فكرية و لأن لجنة الفرز لم تكن هي المنسقية الثقافية في الصحيفةفعرفت حينها ان الثقافة كائن متخلف في بلادي يعيش تحت خط الحرية فرضتعليها عنصرية الكلمات و الافكار و ادرجت في سلة للمهملات اتفه ما يكونفغابت عن اعين الناس ولم يعودا ليسألوا عنها . في بلادي تصاد العصافيرلانها تزعج الكبار و تصاد تارة ليتغذى المترفين
حينما يغرد طائر حر بانغام و الحان عذبة تكسر اجنحته لأن نفسا ما يكتنفهاالحزن و الخوف و لأن العصافير فيها اصوات الملائكة و يحبها الصغار و يجثمعلى ذوات تلك النفوس التكدر و الحزن المريع لأن حياتهم كلها همس والعصافير تكسر الخلوة و تجعلها مفضوحة لذلك يقتلنونها.
و جراء كل هذه الصور المظلمة انبعثت ثقافة الضجر و التوتر و انقباض الحواسو احادية المدرك الحسي . و ان ترعرع النظر المنبعث من العمق الى ما وراءالمفردات في طريقه الى الكينونة وتلمس الابعاد و الحقائق الماورائية , هنافقط يصاب بزعزعة احساسه تجاه الجماليات و تكسر انفة النفس و رقة الحسالمعتدل و جرأة الكلمات و يحال الاعتدال التربوي الى صمت و مجاهل مكبوتهتحت وطأة الحدة الزائدة و اختبائها وراء زئير يدفع دفعا بابواغ شابة تريدان تتلمس صواها فتخيب في التعرف على الهدف ثم تسكن الثقافة الموروثة انحاءالنفس و يجهر الصوت الكاذب بالثقافة البديلة حتى ينشأ في وسط الاجيالاهتزاز الثقافة الاصلية و احتقار الثقافة الزائفة فيكون الاهمال بلالاحباط و عدم الثقة في حوار النفس بشدة في سبيل الجهر بالذات او اختبارهافي مخبر الصوت الجهوري المحكي و المكتوب حيث ان هنالك صوت محكي فقط ادىالى تقطيع اوصال الثقافة مما فية من سوء تواتر و ابداله بمحكي آخر حتىاصبحت الثقافة المتوفرة و الموروثة عامة بمعنى انها تفتقد الى العمق والوعي و القدرة على التحليل و ابراز الشخصية و الانتاج الموثق الموثوق والخيال الحر الذي يعن في الخاطر.
و لهذه الاسباب البيئية و النفسية اصبح السرد همسا و ان جهر به تتساقط منجنباته الحقائق فيعتنقه الشباب المبتديء فيخرج بلا رصيد و يكون استنساخالأفكار قديمة تحمل في طياتها اسباب هزيمتها مبكرا و تعشق الحنين الذي يكسردرجات البحث و المغامرة . ربما البعض يرمي بثقل هزيمته و خيبته علىالانظمة او السلطة و لكن هذا لا يمنع من المثابرة و الاجتهاد
و ان الانظمة مهما افقرت الشعوب الا ان جزوة النار لا تهمد . الكلمة هياشرف ما في الكون واجمل ما ينتجه البشر لانها عبرها عبر الرسل و الرسالاتوهي ما دافع بها الفلاسفة و العلماء عن الانسان ضد عصور الظلام و التخلف وان جمال الكلمات ارقى ما في الكون و اجدر ما ينتج الثقافة فالهمس بالكلماتفي هذا الزمان جبن و الجهر بها قيمة عظيمة ترفع من شأن الفرد و تنقله منالفردانية الى المجتمعية و توصله بالعالمية من المحلية ثم تصلة بقيمة اعظمو هي الانسانية اي شيء اشرف من ان تحكي بضمير الانسان الفنان المرهفالشفاف اي طفل يشبه هذه الصفات التي ينضح بها الانسان. فالانسان انبت فيهذه الارض الكوكب المتفرد و هو مثل النبات و الحيوان لا ينمو في تربة غيرصالحة فان ترك فيها بحرية كان النتاج اجمل و اكثر ابداعا , و ان ترك فيارض متعفنة لم يحصد الا انسان مسكون بنزق الانسان و نزعة الشر .
اي عنصر غير الانسان في هذا الكون يقدر على السرد هو الذي يملكه و يتفردبه ؟ اي طفل اُخرس في لحظة ميلاده لأنه يريد ان يتنفس؟ و اي شاة تيعر فيهذا الكون قد صم فمها كي تكف عن التصويت ان لم يكن لديها احساس بفقد؟ و أيبشر قد ازهقت روحه او صم فمه و لم يكن مظلوما؟ ربما هنالك فوج من الاسئلةو الدهشة لا تحتملها السطور فلنكتفي بالجهر بالقليل فهو دلالة و رسالةقوية للذين يقبعون خلف جدران التردد و عبث الاستسلام و الرغبة في الاهمالو الذين تساورهم خيالات عدم الثقة و عدم الاكتشاف الحقيقي للعالم و الذاتالانسانية و الشخصية. ان الجهر بالكلمات في حضور ذات لها وجود ينتقل بهامن طور الخيال و الاختبار الى طور الواقع و المواجهة . و العالم الآن اصبحيجهر باعظم من الكلمات فقط في حدودها الافقية او الظاهرية بل اصبح يجهرباصوات الذوات و الخيال و ما ورائهما من فلسفة متعالية و ادراجها في حيزالانتاج الابداعي . فلننظر الى العالم مع صراعاته الطويلة كيف استطاع انيبدع و يهتدي الى اصناف من التجليات و الغوص في هذا الجسد الانساني الغريبحتي وصل الى ذوات متعددة تحل في افراد مختلفين يكونون المجتمع و الثقافةثم يحفلون بها و يفرحون بممارستها الحضارية .
بقلم: أ . احمد يوسف حمد النيل - الرياض :mh92:
[/size]