منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تعرية الذات وفضاءات البوح الشعري

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تعرية الذات وفضاءات البوح الشعري Empty تعرية الذات وفضاءات البوح الشعري

    مُساهمة   السبت مايو 14, 2011 3:47 pm



    ربيعة جلطي ..:تعرية الذات وفضاءات البوح الشعري



    Posted: 11 May 2011 05:41 AM PDT


    تعرية الذات وفضاءات البوح الشعري %D8%AC%D9%84%D8%B7%D9%8A
    1- تقديم // – لن نسلك في هذه المقاربة سبيل الدرس الأكاديمي التقليدي،
    وإنما سنترك جانبا القوالب الجاهزة التي اعتاد الدرس أن يتلبسها في مثل هذه
    المواقف ليناقش محمولات العبارة الشعرية في القصيدة. ونبدأ مما تصرح به
    الشاعرة نفسها من بوح تحاول أن تبرر به القول والفعل معا. إنها حين تكتب
    تكتب في خلوة، ولكنها حين تقبل على جمهورها تقوم بتعرية الذات، وفضح
    أسرارها أمام حشود متعطشة للأسرار والأخبار.. إن العلاقة التي تقوم بين
    المنشد قصيدته والمتلقي، لا تقوم أساسا على جماليات اللغة، والصور،
    والعروض، وإنما تقوم على مقامات البوح وما يعمرها من غريب وجديد.. ولا تقوم
    اللغة إلا خادمة لذلك السريان الخفي بين لسان يدفع، وأذن لا تشبع.
    وكم يكون الأمر مثيرا حينما يكون الباث امرأة.. إنها ذلك الكائن العجيب
    الذي لا تنقطع أسراره، وكأنها تتجدد بتجدد الأيام مع شروق سموشها وتوالي
    لياليها.. إنك تسمع لها وكأنك تسمع حديثها لأول مرة، سواء تغزلت أو اشتكت،
    أو رثت، أو وصفت.. إن حديثها دوما.. شاءت أم أبت، حديث مبطن بأسرار.. أو
    هكذا نريد له أن يكون لئلا يسقط في التسطيح والسذاجة.
    وحين نقارب “ربيعة جلطي” من هذه الزاوية نريد للقوالب الجاهزة والأحكام
    الناجزة أن تتوارى بعيدا عن كل همس يند من كتلة النص، لنسمعه بينا واضحا من
    خلال حفيف الكلمات وحشرجة الحروف، وكأننا أمام فضاء تلعب فيه رياح يوسف
    غضوب بأوراق خرفه، تلهو بهن هنيهة وتعود تجمعها بعد شتات..
    إن النص عند هذه الشاعرة وأخواتها .. يسلك عادة هذه الطريقة في النشر
    والطي.. في الكتم والبوح.. في إغراء الآخر والصدود عنه.. إنها أبدا امرأة
    أهدت للكلمات شيئا من غنجها وتمنعها.. وشيئا من جرأتها وتبذلها. وكأن النص
    الشعري يتخلى عن كافة تعريفاته التي أرساها النقد منذ أزمنة بعيدة، ليكتب
    لنفسه تعريفا جديدا مختلفا، لا نحسبه يصب في الرؤى التي تأسست عليها كافة
    المقولات النقدية الأكاديمية على أقل تقدير. فالشعر النسوي يقارب اليوم:«
    من باب هيمنة البوح كمولد نصي،يضع الشعر كنمط أدبي،يعيد هيمنة الذات في
    النصّ الشعري، ويضعه في منزلة مابين منزلتي السيرة الذاتية واليوميات، وهو
    توسيع لأدب البوح وتداخل الأنواع ضمن هذا الجنس الأدبي من خلال العبور من
    السيرة الذاتية إلى اليوميات الشخصية.»([1]) كل ذلك حتى يتمكن الاتصال بين
    الغامض في الذات والغامض في الكتابة اتصالا يمكِّن الظلال الدلالية من
    الهروب بعيدا في أغوار النفس المعذبة. أو كبصيص من نور يطل بين الفينة
    والأخرى عبر التكثيف الذي تتلفع به الكلمات، والضبابية التي تتشح بها
    العبارات، لتقول الشيء وضده في آن واحد.
    إن هذا الزعم ليس جديدا على الشعر النسوي، وليس بدعا فيه، وإنما هو مما
    يتحسسه النقد من خلال قياس مسافات الانتهاك التي يلاحظها بين الجنس والجنس،
    وكأن الحدود التي تُخترم بين الأجناس الأدبية ليس لها من حقيقة سوى حقيقة
    الاتساع لتشمل أنواع البوح، وتتمكن من نقل كافة الشحنات العاطفية التي ربما
    ضاق عنها الشعري واتسع لها السردي. فالشاعرة حينما تفتح القصيدة على
    السيرة، إنما تفتحها على تداعيات لا تحترم التراتبية الزمنية ولا المكانية،
    وإنما تنصاع لداعي الثرثرة التي تترنح بها مينا وشمالا، وكأنها تسعى وراء
    حقيقة لا يمكن إدراكها من خلال الشاخص بين يدي القارئ، وإنما يُستعان عليها
    بما ينثال من رؤى وهواجس تتخلل القول الشعري وتُتْرِع ساحته بالصور
    المبتوتة عن أصولها.
    إنها مخاطرة أن تجعل المرأة من وجودها كائنا سيريا: « بتحويل ذاتها إلى
    موضوع، وتستخدم الأنا للتمحور على الذات،وتأكيد الوظيفة التعبيرية لعناصر
    الرسالة الأدبية. مما يجعل المرأة عرضة لأن تؤخذ بجريرة ما تكتبه، فللمرأة
    حضور خاص ينعكس في خصوصية تجربتها ذاتها.» ([2]) فالكائن السيري معرض أبدا
    لانتهاك الضمير من خلال فعل البوح الذي يتدرج به من العادي العرضي إلى
    الخصوصي المرتبط بالأنا في أدق تفاصيلها، وفي أحرج لحظاتها الوجودية. ومن
    ثم فإن تحويل المرأة إلى موضوع يخاطب القارئ من خلال ضمير الأنا، لا يعفيه
    أبدا من تبعات الخوض في مسائل تستثير لذة القارئ، ليس باعتبارها فنا وتجربة
    إنسانية، وإنما باعتبارها مادة للتلصُّص التي تحول الفعل القرائي – مثلما
    يقول ألبيرس-إلى فعل مصاص الدماء، وتتحول معه المتعة الفنية إلى متعة
    سادية. فالقارئ:« المقيد بإكراهات التابوهات الدينية سيحاول ترميم فعل
    القراءة، وتفعيل مشاركته في ملء فراغات النص أو المسكوت عنه. وبذلك سيكون
    هذا الأدب نمطا من النصوص المناهضة لهذه التابوهات. وتدخل هذه النصوص ضمن
    نسيج النصوص المقاومة للتابوهات الثلاثة: في الجنس، والدين، والسياسة. فإن
    غياب الحرية قد حوّل كتابات المرأة إلى وسائل دفاعية.»([3]) لأن الظلال
    التي تلقيها الألفاظ على حواشي الدلالة تستثير متعة التلصص. كما أن للكلمات
    حفيف آخر ينضاف إلى الظلال ليجعل النص همسا تتخلله حشرجات مختلفة الوقع،
    بعيدة الغور، توحي بالمعاني الحافة فيها.
    لقد حاول النقد الأدبي محاصرة الظاهرة من خلال عقد الندوات التي دعيت إليها
    شاعرات، يتحدثن فيها عن تجاربهن وأساليب كتابتهن، وكيفيات تعاملهن مع
    اللغة والصور. وما انتهت إليه: « البحوث والمناقشات التي جرت في ندوة
    “الحرية في الأدب النسائي” التي جرت مؤخرا في طرابلس العاصمة الليبية،
    باتسام الأدب النسوي في تحديد أهم سمات الكتابة النسوية “بالانكباب على
    الذات، والعناية بالتفاصيل الصغيرة،والنبش في الطبيعة
    السيكولوجية،والجنسية… والعري،والفضح والتلصص، ونقد الذات، وتخطي الحرام
    الجنسي إلى الحرام السياسي” وكان وعي المرأة بالجسد، كحضور ثقافي يخضع
    لإكراهات المجتمع، باعتبارها مدخرا أموميا للولادة والتناسل، وكذلك لأداء
    الأعباء اليومية في المنزل حتى يصح وصفها بأنها حارسة الهيكل المنزلي»
    ([4]) ذلك لأن النسق الشعري في الأدبي النسوي حول الجسد إلى كتابة، ومن ثم
    صارت قراءة الجسد في الشعر النسوي من أولويات الفعل القرائي الذي يطل من
    وراء البوح على تضاريس الأنوثة مجسدة في الجسد المسجى عبر اللغة.
    لقد عُدَّ ذلك الفعل انتهاك لحرمة الجسد في بادئ الأمر، ثم فوجئ القارئ
    بالجسد حضورا ثقافيا بين يديه، ثم تحول الحضور الفني إلى استعراض أيروسي فج
    في كثير من النصوص التي لم تجد فيها المرأة إلا شبقا تحاول اللغة أن تقوله
    كيفما اتفق، في همس البوح تارة، وفي جهر العهر تارة أخرى. بيد أن الأمر لم
    يكن مقصورا على المرأة وحدها فقد شاركها الرجل في تأجيج العهر، وانساق
    وراء البوح ليقول جسه هو الآخر بفجاجة أكبر. فكان الجسد صفحة يكتب عليها
    شعر هؤلاء لافتاته الداعية إلى التجاوز والتحول.. لم يكن فيها شيء مما
    يدعون أنه تجاوز للتابوهات، وكسر لأصنام الماضي، ونسف لمخاوفه، وإنما ارتدت
    فيهم الكتابة الأيروسية إلى ابتذال مشين.

    2-مهمة الشعر لدى النساء:
    قد يكون من المفيد استقراء آراء الشاعرات في مفهوم الشعر ووظيفته، حتى
    نحدد مجال الرؤية التي سنناقش بها مواقف الشاعرة “ربيعة جلطي” لأننا قد
    أشرنا منذ البدء أننا أمام رؤية مختلفة، قد لا تتفق في كثير من معطياتها مع
    الرائج من الآراء والأقوال، وأنها تنصرف إلى وجهة أخرى تجعل فهمنا للشعر
    النسوي ينطلق من قاعدة خاطئة، وأن ما نبنيه من أحكام عليها لا يستند إلى
    معرفة حقة بالظاهرة، فيثبت في وجه النقد والانتقاد.
    ترى الشاعرة “حمر العين خيرة” أن :« أن أية محاولة لتنميط القول الشعري
    وحصره في قضايا ذاتية، أو قومية، أو محلية، هي جناية على الشعر، وتعطيل
    لحرية اللغة في الانعتاق والتجلي، لأن هوية الشعر انبثاق أزلي، وفيض مستمر،
    ولا يمكن لهذه الأزلية والاستمرارية إلا أن تكون شاهدا على الأبدية »([5])
    وكأن هاجس الشاعرة أن لا يُنمط الشعر، وأن لا يُقصر على مجال دون آخر، فلا
    هو بالذاتي ، ولا هو بالقومي، ولا هو بالمحلي،إنما هو كل ذلك جملة واحدة.
    وكأن وظيفة الشعر عند الشاعرة أن يرود هذه التخوم كلها، وأن يقول فيها
    قولته، وأن يبدع من خلالها تجاربه الفنية. فهو فضاء للذاتي ومتسع له، وهو
    مجال للقومي وهمومه الاجتماعية والثقافية والسياسية والحضارية وغيرها.. وهو
    إطلالة على المحلي وألوانه الفلكلورية.. إننا نوسع من دائرة الشعري حتى لا
    يسقط في التنميط المذكور أعلاه حتى وإن حمَّلنا الشعر الأحمال كلها،
    وأثقلنا كاهله بالأثقال كلها، وجعلناه يقولها جملة وتفصيلة.
    بيد أن الأمر الثاني لدى الشاعرة، في إشارتها إلى لغة الشعر التي يجب أن
    تكون “انعتاقا وتجليا” وهو شرط لديها في تأسيس هوية الشعر القائمة على
    الانبثاق الأزلي، والفيض المستمر، ليكون شاهدا على الأبدية.. صحيح أن مثل
    هذه اللغة ليس لغة نقدية، ولا هي من قبيل ما تسجل به النظريات، وإنما هي
    لغة الشعر ذاته التي تريدك أن تعتقد ما تشاء من خلال وعيك وإدراكك للكلمات.
    فقد يجد الذاتي في هذه الظلال مجال ليقول ذاته عبر “انعتاق وتجلي” فيوحي
    الانعتاق بالتحرر من قيد خفي كان يكبِّل الذات ويحول دون إرادتها في أن
    تفصح وتجهر، أو أن تهمس وتشير. فإذا استطاعت أن تنعتق، تمكنت من أن تتجلى
    وتتكشف في كل هيئاتها وأحوالها. غير أن هذا النمط من الفهم قد لا يستقيم
    إذا حمل الشعر على عاتقه مشاكل الواقع القومي والمحلي، فذلك سيحوله سريعا
    إلى خطابَة سريعا ما تتخلص من اللغة الإشارية الهامسة لتركب الجهر والوعظ.
    إن الشاعرة التي أرادت أن توسع من دائرة الشعر، وأن تفتح مجالاته على
    التعدد، لا تجد في لغة الشعر سوى لغة البوح والتعرية. لغة الانبثاق
    والفيض،في ضرب من التحولات الصوفية التي تجعل المصطلحات تصب في معجمية
    خاصة، كثيرا ما يتفاداها النقد الأدبي لغموضها وتعدد وجوهها. والتي تنتهي
    سريعا بالقارئ إلى شاطئ الحيرة والتردد. ولنا أن نسأل الشاعرة عن مرادها من
    الأبدية.. هذه الكلمة التي زجت بها في نهاية هذه العبارة لتنهي بها كلاما
    لن ينتهي أبدا إذا ما عُولج بمثل هذه المصطلحات.
    إذا كنا قد لمحنا في حديث “حمر العين خيرة”مستويين: الأول مبني على لغة
    مباشرة تقول حقيقتها بحرفيتها التي يفهمها العامة من الناس، فإن المستوى
    الثاني استعاض عنها بلغة صوفية،جميلة الوقع، بيد أنها خالية من الدلالة
    النقدية، لأن في مستطاع أي كان أن يحمِّلها ما يشاء من دلالة تأويلا
    وتفسيرا. ولكننا مع الشاعرة “زينب لعوج” نقرأ لغة واضحة الدلالة، بينة
    المقصد، لا يمكنها أن تحمل إلا معناها الذي يرتسم على وجهها أولا.. إنها
    تجد الشعر:« هو اللغة المشتركة بين الناس التي لا تعترف لا بالحدود، ولا
    بالحواجز، ولا بالعرق، ولا بالجنس، ولا باللون. ديانة الشعر الأولى
    والأخيرة هي الحرية. وهي هذه القيمة العليا التي هي الإنسان، والعاطفة
    النبيلة، والمتسامحة والسخية التي يسكنها فينا. مع الشعر تنتفي الديانات،
    والثقافات، واللغات كلها تنصهر لتصبح الواحد المتعدد. لذلك يجب أن نوفر كل
    المنابر الممكنة لإسماع الشعر، ولقوله، ولغنائه، ولإنشاده، ولنشره.»([6])
    وكأن الشاعرة “زينب لعوج ” تتفق مع “حمر العين خيرة” وتتقدم عليها خطوة
    للمناداة بعالمية الشعر. فليس الشعر مقصور على فئة دون أخرى، ولا على شعب
    من الشعوب دون آخر. وأن المطلب الأساس في الشعر لدى هؤلاء وهؤلاء هو
    الحرية.. الحرية في القول..
    حينما ينتهي الناقد إلى هذه العتبة، يحق له أن يسأل نفسه، وأن يتريث عند
    دلالة الكلمات.. ما المراد بالحرية؟ كل الشعراء عبر اللغات والشعوب يقولون
    أشعارهم كيفما يشاءون.. يحترمون القواعد أو ينتهكون حرمتها.. ينسجون على
    منوال أو يتمردون عليه.. يجربون.. يحطمون القيود.. يصادمون الأذواق..
    يخلخلون السائد والمستتب.. إنها حريتهم التي ينشدونها ويتلذذون بمرارتها..
    فإذا كان هذا ما تقصده الشاعرة، فإن الحرية مطلب قديم أزلي، يستمر ما استمر
    الشعر في الألسنة. أمّا كان ذلك مجرد تحرر شكلي فقط لا يلامس إلا قشرة
    الشعر وهيكله، فما الحرية المطلوبة إذا؟ هل هي حرية ستطال المضامين؟ ليقول
    الشعر ما يريد، أم أنها حرية تجاوز المحظور، وتخطي الحدود، وانتهاك حرمة
    المقدس؟ ذلك ما تعاهد كثير من النقاد والمثقفين على تسميته بالتابوهات
    والمحرمات وفي مقدمتها: الدين، ثم الجنس، ثم السياسة.. إنها (ج،س،د) جسد
    الشعر الجديد الذي يحلو لهن عرضه على أسطر النصوص عرضا يتراوح بين الإشارة
    الخجولة والإعلان الفاضح. عبر اللغة.
    ترى الشاعرة ” سعدية مفرح” أن ليس للشعر من مهمة أصلا! وتتساءل قائلة:« هل
    على الشعر فعلا أن يعبر عن مآزق الحياة والإنسانية؟ هل هذه هي وظيفته أو
    إحدى وظائفه؟ هل للشعر وظيفة أصلا؟ هل ينبغي أن تكون له وظيفة؟ هل على
    الشاعر أن يكون بطريقة أو بأخرى، وبدرجة أو بأخرى مسئولا عن ملفات الحياة
    حوله؟. أنا الآن أصبحت مقتنعة أن الشعر ليس مسئولا عن كل هذا ولا ينبغي
    عليه أن يكون أصلا، ولعلنا نحمِّله ما لا تطيق رهافته وعفويته إن نحن فعلنا
    ذلك. لأنني لم أعد أؤمن بوظيفة خاصة أو عامة للشعر، ولا بشروط محددة له.
    يكفي الشعر أن يكون وحده هو القضية، وهو الهدف، وليس مجرد وسيلة جميلة
    لبلوغ أي هدف. جمالية الشعر تحميه من كل افتراضات مسبقة. لا ينبغي أن نضع
    الشروط ونؤطر الأطر، ونحدد القضايا للشاعر قبل أن يبدع القصيدة. عليه أن
    يكون نفسه وحسب وهو بصدد الشعر» ([7]) وكأن الشاعرة تعود بنا إلى نهاية
    القرن التاسع عشر مع دعوات “الفن للفن” التي رامت تخليص الفن من وظيفته
    والاحتفاظ بالجماليات المبهمة التي يترجمها كل فنان حسب مزاجه وهواه. فإذا
    تخلص الشعر من ملفات الحياة من حوله كما تسميها الشاعرة، فلم يبق له سوى
    مهمة اجترار ذاته.
    لقد أكثر شعراء الجيل الجديد الحديث عن الشروط المؤطرة للشعر، والمحددة له
    من دون تسميتها، وكأنهم يوهمون الناس بأن هناك طرف يصر على وضع الشروط
    والقيود في دروبهم وأنهم يتعثرون بها، فينشغلون في إزاحتها وتجاوزها. وإذا
    هم سئلوا عنها لم يسعفهم جواب صريح، ولم يجدوا بين أيديهم سوى ادعاءهم ذاك
    يرتد عليهم. فالشاعرة ” سعدية مفرح ” التي تتحدث عن الشروط والفروض
    والقضايا التي تحدد للشعر مسبقا، لم تفصح عن شيء منها. لأنها سريعا ما تعود
    لتخفي حيرتها في لغة مبهمة – على النحو الذي صنعته الشاعرات قبلها-لتقول
    قولا يملأ الفم ولا يشبع البطن. فما معنى قولها:” جمالية الشعر تحميه من كل
    افتراضات مسبقة”؟ لأننا ندرك أن لفظة “جماليات” من المصطلحات الغامضة
    الشاسعة التي تبتلع كل تعريف يروم الإحاطة بها. ثم ما هي الافتراضات
    المسبقة؟ من الذي يفترضها؟ ما هي سلطته؟ وما درجة تأثيره في الشاعر والشعر؟
    لن تستطيع الشاعرة أن تجيب، لأنها تدفع بمثل هذه الأقوال لترد عن سؤال
    يباغتها في لحظة غفلة، فتبحث في ذاكرتها عن مفهومها للشعر، عن وظيفته، فلا
    تجد سوى هذه اللغة الفضفاضة تتوارى خلفها، وتدس فيها حيرتها.. واسمع إليها
    تقول مباشرة بعدما نفت أن يكون للشعر من مهمة:« طبعا هذا لا يعني أن الشاعر
    يكتب من فراغ معرفي أو أخلاقي مثلا، بل كونه يعبر عن ذاته وحدها يعني أنه
    يعبر عن هذه الذات بكل مكوناتها المعرفية والأخلاقية، وبكل تاريخها في
    مراحله المختلفة. وهذا يحدث غالبا لحسن الحظ مع الشعر الحقيقي ومع الشاعر
    الحقيقي.» ([8]) فالشعر إذا لا يكتب من فراغ، وإنما هو تعبير عن ذات، وأن
    لهذه الذات امتداد تاريخ وثقافي وديني وسياسي.. وما شئنا من الامتدادات.
    وأن لها من الآمال والأحلام ما يجعل ملفاتها الحياتية ملفات حافلة
    بالتناقضات والأوهام والرؤى السديدة.. وأنها في كل ذلك لا تخبط خبط عشواء،
    وإنما تستند إلى معرفة تنير لها درب التحولات التي تسلكها. وأنها في تقلبها
    ذاك إنما تعبر عن قضية..
    إذا لم تكن هذه السلاسل الممتدة من الذات إلى ما ترنو إليه في حاضرها
    مستقبلها من مهمات الشعر العظيمة، فأين هو الثقل الذي أرادت الشاعرة أن
    تحرر الشعر منه؟ إننا في فعل الكتابة أمام التزام أمام الذات والآخرين
    والتاريخ.. فكل حرف تخطه اليمين مشبع بحمولات ترتدُّ بعيدا في الماضي
    المشترك الذي تحتمله اللغة والثقافة والتاريخ في سيلها الهادر أبد الدهر.
    والذي ينكر على الشعر مهمته، يجب عليه أن ينفض يديه من كل هذا وأن يكتب في
    غيره.. أو فيما أسمته الشاعرة بالجماليات.. وليس يغفر للشاعرة سقتطها أن
    تزجي بين أيدينا رأيا آخر أشد غرابة حين تزعم أن هناك شاعر حقيقي وأن هناك
    شعر حقيقي،فذلك أمر يستدعي نقيضه. فهل كل من حمل الشعر قضية شاعر مزيف؟
    إنها تسارع لتجيب قائلة:« لا يمكن أن نحرم الشاعر من كتابة قصيدة عن قضية
    لأننا لا نؤمن بوظيفة للقصيدة، أو لأننا ضد المباشرة والتقريرية في الشعر،
    أو لأننا لا نرى للشعر أي دور فاعل في الحياة. بل ما أقصده أن يكون هذا هو
    وظيفة الشعر، وهو دور الشاعر بدلا من أن يكون وسيلة للشعر وأداة للشاعر
    أحيانا.»([9]) إنه إذا دور الشاعر وليس مهمة الشعر! فكيف نوفق بين دور
    ومهمة يتعارضان في المبدأ؟ كيف يمكن أن نجعل الشعر محض جمال يتلهى بصنعته
    الشعراء، وفي نفس الوقت نرى له دورا في قضية من القضايا.
    يبدو الخطاب النقدي النسوي كثير الاضطراب، كثير التشوش، لا يستقر على رأي.
    وكأن الشاعرات لم يكن في لحظة من اللحظات على وعي بحقيقة الشعر في جوهره،
    وإنما نظرن إليه من خلال وسائلية تتراجع من العام إلى الخاص لتغدو شأنا
    خاصا لصيقا بالذات في همومها الصغيرة التي تطرأ عليها كل حين فتدفع بها إلى
    لغة الاعتراف. وحين تستفيق الشاعرة ” سعدية مفرح “….

    أنصح للطلاب الجامعيين وطلاب الماستر بمتابعة مدونات البروفيسور مونسي/ أنقر هنا


    اح


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 3:11 am