منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    من السردي إلى الخطابي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    من السردي إلى الخطابي Empty من السردي إلى الخطابي

    مُساهمة   الثلاثاء ديسمبر 15, 2009 3:51 am

    معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

    دراســــات
    مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
    للاتصـــال مواقـــع خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات






    سعيد بنگـراد

    الفصل الرابع

    من السردي إلى الخطابي



    ننتقل في هذا الفصل من المسار السردي، باعتباره عنصرا ضابطا لمجموعة من الأدوار العاملية، ومحددا لرحلة البطل ومتحكما في أفعاله وتحولات الحالة الخاصة به، إلى المسارات التصويرية باعتبارها عنصرا مولدا لسلسلة من الأدوار الثيمية. إن الأمر يتعلق بانتقال يقودنا من المكون النحوي حيث تمثل الحكاية أمامنا كسلسلة من الحالات والتحولات وتتأسس كينية سردية، إلى المكون الخطابي بصفته استثمارا دلاليا لهذه البنية. وبعبارة أخرى ننتقل من الخطاطة السردية إلى ما يشكل الأبعاد الدلالية للنص السردي.

    إن هذا الانتقال يتم من خلال طرح الممثل كنقطة لقاء بين دورين، دور عاملي ودور ثيمي. > فاستيعاب الأدوار العاملية للأدوار الثيمية يؤسس المحفل التوسيطي الذي يسمح لنا بالمرور من البنيات السردية إلى البنيات الخطابية<. (1) وبصيغة أبسط ، ننتقل من مضمون الفعل في صيغته التجريدية : معتد ، إلى صيغته المشخصة من خلال كائن بعينه : عيسى معتد.

    إننا، والحالة هذه، أمام عملية قلب ثانية، إنه قلب يتم من خلال التحول من البرنامج السردي إلى الممثل، وباختصار الإنتقال من البنيات السردية كهيكل عام ومجرد، إلى ما يشكل غطاء لهذه البنيات ويمنحها خصوصيتها وتلوينها الثقافي، أي البنيات الخطابية، وذلك وفق المبدأ القائل بتبعية المكون الخطابي للمكون السردي. > فالاعتراف بمبدأ عدم التلازم الموقعي بين العوامل السميائية وممثلي الخطاب (...) وكذا الإعتراف بالمسافة الفاصلة بينهما، هو الضمانة على استقلالية التركيب السردي كعنصر منظم وضابط للتمظهر الخطابي<. (2)

    إن عملية القلب هاته تتم من خلال طرح مكونين أساسيين للتجلي الخطابي : المكون الأول ويتمثل في الدلالة الخطابية ويشتمل هو الآخر على مستويين : مستوى الثيمة، ومستوى التشخيص. ويتحدد المكون الثاني في التركيب الخطابي، ويحتوي هذا المستوى على إجراءات مختلفة : وضع الممثل على خشبة الفعل، التفضيء، التزمين.

    الدلالة الخطابية

    إذا كانت البنيات السردية تتميز، باعتبارها شكلا كونيا عاما، بنوع من الاستقلال، من حيث التنظيم ومن حيث الوجود، عن البنيات الخطابية، فإنها تعد في الآن نفسه وعاء تصب داخله المضامين الخاصة بهذا النص أو ذاك. وبعبارة أخرى، فإن النص السردي لا يتحدد من خلال خطاطاته السردية، بل يتحدد من خلال التحققات المتنوعة لهذه الخطاطة. ولا يمكن فصل هذه التحققات بأشكالها عن الإكراهات التي يفرضها الشكل الخطابي باعتباره استثمارا دلاليا يمنح النص السردي تلوينه الثقافي الخاص. > فإذا أمكن اعتبار البنيات السردية خاصية عامة للمتخيل الإنساني، فإن التشكلات الخطابية - الموتيفات والثيمات- رغم قابليتها للتعميم، وقابليتها للانتقال من لسان إلى لسان، تظل خاضعة لمصفاة تحدد نسبيتها وتربطها بعوالم سميائية / ثقافية خاصة بمجموعة بشرية ما<. (3)

    إن التركيز على استقلالية البنيات السردية وعلى طابعها الكوني ليس سوى تحديد مسبق لهيكل عام لا يكتسب كافة دلالاته إلا متحققا داخل أشكال خطابية خاصة. > ومن هذه الزاوية، فإن التجلي الخطابي للسردية ليس سوى إدماج للمكون الدلالي داخل موضوعات سردية هي إفراز للنحو السردي، رغم طبيعته التوزيعية وتبلوره كشكل للمضمون وليس كمادة له <. (4) ويتم هذا الإدماج بطريقتين مختلفتين. وبعبارة أخرى، فإن هذا الإدماج يتم انطلاقا من مستويين مختلفين داخل المكون الخطابي. فمن جهة هناك الدلالة الخطابية المحددة أساسا في البعد الثيمي ( وكل العناصر المرتبطة بهذا البعد -المسار التصويري، التشكلات الخطابية...)، وهناك من جهة ثانية التركيب الخطابي المتجلي في التزمين والتفضيء، وبلورة كيان خاص بالممثلين. و> لا يشكل البعد الثيمي سوى قلب دلالي يسمح بصياغة مختلفة وبطريقة تجريدية لنفس القيمة الدلالية <. (5)

    وبعبارة أخرى، يمكن القول إن هذا القلب يمكننا من تلمس الخطوات الأولى نحو استشراق آفاق الوجه المشخص للبنية المجردة، أي تلك القيم التي لم تكن في مرحلة ما سوى إمكان يوجد خارج أي سياق. فهذا البعد الجديد يستدعي تناول اللكسيم ( الوحدة المعجمية ) وطرحه كوحدة مضمونية تحتوي في داخلها على سلسلة من الإمكانات الدلالية القابلة للتحقق جزئيا أو كليا داخل الخطاب. ويمكن النظر إلى اللكسيم من زاويتين : زاوية استبدالية، وزاوية توزيعية.

    ذلك أن > اللكسيم (...) ينشر خيوطه استبداليا وفق مجموعة من الترابطات التي تجمع بين أكثر من وحدة، وهذا ما يسمح بتخصيص الخطاب وتحديد تحققه النوعي، إن اللكسيمات من هذه الزاوية تكون تشكلات خطابية، وهذه التشكلات ليست سوى صور خطابية ...] تتميز باختلافها عن الأشكال السردية والأشكال الجملية، وهي في تميزها -الجزئي على الأقل- تؤسس خصوصية الخطاب كشكل تشخيصي للمعنى. وتنشر هذه الصورة اللكسيمية خيوطها توزيعيا أيضا، فكل لكسيم يدرج داخل الخطاب يشتغل وفق توزيع إرغامي يستدعي وجود تشكلات خطابية تحكم هذا التوزيع. وتشكل اللكسيمات، من هذه الزاوية، مسارات تصويرية <.(6)

    إن الثيمة من هذه الزاوية تعد تكثيفا لسلسلة من الإجراءات الخطابية المتراكبة مع الإجراءات السردية. فالانتشار التوزيعي والاستبدالي للكسيم يحيلنا على تشكل الثيمة كتشخيص أولي للمعنى يقود من اللكسيم إلى المسار التصويري إلى التشكلات الخطابية، وفق سلسلة من الإرغامات التي يفرضها الإطار الثقافي العام الذي أنتج داخله النص السردي.

    فلنأخذ كمثال على ذلك اللكسيم : "جمال". فهذا اللكسيم يعد في ذاته خزانا لسلسلة من الممكنات الدلالية التي تتحقق كليا أو جزئيا وفق تنوع السياقات. فكل سياق هو في واقع الأمر مسارا تصويريا، أي انتقاء لسياق قد يجعل من الجمال يحيل على الجمال الجسدي أوالجمال بمفهومه الفلسفي أوالجمال الروحي الخ. وكل سياق هو تشكل خطابي يستدعي مسارات تصويرية متنوعة. فالجمال الجسدي يستدعي أحيانا التركيز على مفاتن جنسية، أو على تناسق في البناء الجسدي الخ. وكذلك الأمر مع الجمال الروحي.

    وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن شكل تنظيم الوحدات السردية ( الأفعال -الوظائف) لا ينفصل عن شكل تنظيم الوحدات الدلالية ( اللكسيمات، المسارات التصويرية الثيمات...)، وأي تغيير يلحق بالتنظيم الثاني سيكون له تأثير على التنظيم الأول ويؤدي إلى تغييره. > فإذا كانت الصورة التي يقع على عاتقها تمثيل المقدس هي صورة القس، أو خادم الكنيسة أو قواس الكنيسة، فإن هذا التنوع سيؤثر على البعد التصويري للمقطع في كليته، كما أن أنماط الأفعال وكذا الفضاءات المحتوية للمقطع والمتطابقة مع الصور التي تم انتقاؤها بدئيا، ستكون مختلفة عن بعضها البعض<. '(7)

    ولئن كانت العناصر المنتمية إلى المستوى الخطابي لا تتمتع ببعد كوني عام كما هو الشأن مع العناصر المنتمية إلى المستوى السردي، فإنها مع ذلك تتحكم في سيرورة إنتاج الدلالة، ومنها يمتح النص خصوصيته، وهي المحددة أيضا لطبيعة الأثر المعنوي المتولد عن تداخل الخطابي مع السردي.

    وإذا كانت الثيمة هي مجموعة من القيم المتناثرة داخل النص والقابلة للتجسد في مسارات متنوعة، فإن تكثيفها وتقليصها يؤديان إلى خلق البعد الثيمي. > فإذا كان بإمكاننا تجميع الآثار المعنوية المندرجة ضمن مسار ثيمي، وكان بإمكاننا أيضا تكثيف هذه الآثار بواسطة تسمية ملائمة هي مجموع الخصائص الخاصة بالذات المنجزة لهذا المسار ( مثال : المسار '' اصطاد يختصر في ''صياد '' )، فسنحصل حينها على دور ثيمي لا يعد شيئا آخر سوى محاولة إعطاء بعد ثيمي لذات الفعل المتحكمة في برنامجها السردي< (Cool

    إن الثيمة باعتبارها تكثيفا لمجموعة من الوحدات المعنوية الواقعة ضمن تناظر واحد، يمكن ردها، في أفق التحول من الثيمي إلى السردي، إلى محفل يعد ضمانة على هذا الانتقال. فكما أن الدور العاملي هو تكثيف واستعادة استبدالية لمجموعة من الأفعال المسننة داخل أشكال سردية ذات طابع كوني، فإن الدور الثيمي هو تكثيف لمجموعة من السلوكات المتكررة. وبعبارة دقيقة، إن الدور الثيمي هو مجموعة من السلوكات المسننة من طرف مجتمع ما.

    وعلى هذا الأساس، وإذا كانت الصورة اللكسيمية " صيد " تحيلنا من جهة على فعل وتحيلنا من جهة ثانية على دور، فإن هذا يعني أن التشكل الخطابي باعتباره ثيمة خارج أي تحقق سياقي، يمكن أن تنشر خيوطها في مسارات متعددة. ذلك أن المواصفة "صياد" تحتوي في داخلها على إمكانية للفعل ( يمكن تأويلها سرديا باعتبارها تشير إلى ما يمكن توقعه من الصياد )، وتحتوي من جهة ثانية على نشاط إنساني معين. وعلى هذا الأساس، لن تكون الثيمة من زاوية التوليد، سوى تأليف لهذين البعدين.

    وبالإضافة إلى ذلك، فإن دخول البعد الثيمي في علاقة مع البعد السردي يفترض وجود محفل يعد نقطة لقاء بين المستويين : الممثل. والممثل باعتباره بؤرة التجلي التصويري للخطاب يشكل نقطة الوصل بين ما يشكل نحوا سرديا يعود عبر مراحل متشابكة، إلى النموذج التأسيسي كإجراء ( تحريك النموذج التأسيسي)، وبين ما يشكل الدلالة السردية التي تعود هي الأخرى، وبنفس الطريقة، إلى النموذج التأسيسي كعلاقات ( العلاقة السكونية المكونة للنموذج التأسيسي). وتبعا لذلك فإن الدور الثيمي هو تأليف بين ما يعود إلى المواصفات كتحقق (البعد الثيمي) وبين ما يعود إلى الوظائف كإمكانية (البعد السردي).

    انطلاقا من هذا، يمكن تحديد مفهوم > "الدور'' من جهة كمواصفة، أو كصفة للمثل، ومن جهة ثانية فإن هذه المواصفة ليست، من الزاوية الدلالية، سوى تعيين يحتوي في داخله على حقل من الوظائف ( أي مجموعة من السلوكات المسجلة داخل النص أو مفترضة فقط). وتبعا لذلك، فإن المضمون الدلالي البسيط للدور هو نفس مضمون المثل، باستثناء المعنم ''فردية''؛ إن الدور هو وحدة تصويرية حية، ولكنها مجهولة واجتماعية. وبالمقابل فإن الممثل هو فرد يقوم بدور أو بمجموعة من الأدوار <(9). إن لحظة حدوث هذا التأليف تعد لحظة حاسمة من أجل الانتقال من البعد الثيمي إلى البعد التصويري داخل الهيكل العام للخطاطة السردية.

    التركيب الخطابي

    يعد التركيب الخطابي، داخل المسار التوليدي أشد المستويات محسوسية، وذلك لكونه عنصرا معطى من خلال التجلي النصي نفسه، إنه آخر مرحلة داخل مسار يقود من أشد العناصر بساطة إلى أشدها تركيبا. ويتعلق الأمر في هذا المستوى بعملية تنظيم، وفق قواعد خاصة، لجميع المستويات داخل خطاب منسجم. وبعبارة أخرى، إننا أمام عملية تخطيب لمجموعة من العناصر الضرورية لتأسيس كون متناسق. فالتركيب الخطابي بعناصره المتنوعة، هو المسؤول في نهاية المطاف عن إعطاء بعد صوري ومحسوس لوجه مغرق في التجريدية. ولعل هذه الخاصية هي ما يجعل من نص ما نصا سرديا يتميز بكونه يستعمل صورا من العالم المحسوس من أجل معالجة مقولات مجردة. > فإعطاء بعد ثيمي لخطاب مجرد معناه جعل هذا الخطاب قادرا على معالجة مقولات ذات طابع ذهني (الحرية - الفرح)، وسيصبح لهذا الخطاب بعدا تصويريا إذا كان هذا الخطاب يلجأ من أجل توضيح المقولات، إلى صور من العالم الطبيعي أي اللكسيمات التي تحيل على أشياء وشخصيات وديكورات تعود إلى العالم المحسوس<. (10)

    > إن الإجراءات الخطابية التي يجب أن تتشكل كتركيب خطابي، تملك القدرة على الاستناد إلى عمليات الوقف والوصل باعتبارها قاسما مشتركا بينها، وستكون بذلك مرتبطة بمحفل التلفظ <. (11) وتتجلي هذه الإجراءات من خلال ثلاث مستويات :

    1- هناك أولا المستوى الخاص بصياغة الممثل، أي الانتقال من العامل كمقولة مجردة إلى الممثل كوحدة مشخصة.

    2- وهناك ثانيا المستوى الخاص بالتزمين وهو المستوى الذي يمنح الخطاب خاصيته الزمنية.

    3- وهناك في الأخير المستوى الخاص بالتفضيء، أي تحديد نقطة إرساء مرجعية تشتغل كإطار يرسم للأحداث تخوما.

    - مستوى الممثل : إن الحديث عن الممثل هو الحديث عن السند المشخص الذي يشتغل كنقطة جذب تلتف حولها الأحداث وتمنح الخطاب بعدا إنسانيا. وبعبارة أخرى، فإن الممثل هو نقطة إرساء نهائية في عملية التمثيل الخاصة بقيمة دلالية. فالتمثيل يقود من أشد العناصر تجريدا إلى أشدها محسوسية عبر محطات تملك قواعد تنظيمية خاصة بها. فإذا أخذنا كمثال على ذلك مقولة دلالية كالاستبداد، فإن هذه المقولة ستخضع لأنواع متعددة من التمثيل لتستقر في نهاية المسار داخل قالب مشخص.

    الاستبداد مستبد زيد يمارس أفعالا ( أو تمارس ضده) تدل على الاستبداد.

    و> أهم ما يميز هذا الإجراء هو قدرته على الجمع بين مختلف المكونات التي تقود في نهاية الأمر تأسيس الممثل< (12). ويتم هذا الإجراء من خلال الربط بين دور ثيمي ( المستبد في المثال السابق) وبين دور عاملي ( الذات الفاعلة ) داخل محفل واحد ( زيد في المثال السابق كوحدة معجمية ظاهرة من خلال اسم علم).

    وبناء عليه، إذا كان التركيب العاملي يتسم بالعمومية والكونية، فإن كل خطاب يتميز بتوزيعه الممثلي الخاص له كدليل على خصوصيته وتفرده. وكما يؤكد ذلك گريماص، فإن العلاقة الرابطة بين العامل والممثل علاقة مزدوجة فالعامل الواحد (ع) قد يظهر عبر الممثلين متعددين.

    ع1

    م1 م2 م3

    وفي نفس الوقت، يقوم ممثل واحد بسلسلة من الأدوار العاملية ويشتغل على إثر ذلك، كحامل لمجموعة من العوامل :

    م1

    ع1 ع2 ع3 (13)

    ويتطلب الإجراء الخاص بخلق الممثل في مرحلة ثانية، تحديد مجموعة من العناصر الفنية المحددة لخصائص كل خطاب : اختيار اسم العلم استنادا إلى المرجعية الكامنة وراء هذا الاختيار (دال الشخصية)، تحديد شكل توزيع الوظائف والمواصفات على الممثلين (مدلول الشخصية)، إلى غير ذلك من الخصائص التي تحدد للنص السردي تلوينه الثقافي وموجعيه الفنية الخاصة.

    ويتميز المضمون الدلالي البسيط للممثل بوجود المعانم التالية : وحدة تصويرية، حية قابلة للفردنة ( الفردنة تتم في غالب الأحيان، وخاصة في النصوص الأدبية من خلال اسناد اسم علم لهذا المثل ) (14)

    - مستوى الزمن : من أجل فهم الإجراء الخاص يمنح كون دلالي ما بعدا زمنيا يجب التعامل مع التزمين باعتباره إجراء يهدف إلى إفراغ البنية الدلالية البسيطة في قالب زمني، بهدف إلغاء بعدها السكوني. وتتجلى أولى مظاهر التزمين من خلال التحول من العلاقات إلى العمليات. فمجرد طرح ذات الخطاب كأداة أساسية لتحريك هذه البنية، معناه الإحالة -بشكل صريح- على البعد الزمني، وترقب انتشار هذا الزمن في مسارات زمنية خاصة، تحول البنية من العمومية إلى ما يشكل خاصية هذا الخطاب أو ذاك. > ويكمن التزمين في مرحلة ثانية، في خق برمجة زمنية تتميز بتحويل محور الاقتضاء (التسلل المنطقي للبرامج السردية) إلى محور للتعاقب (البعد الزمني للأحداث) <. (15) وسننتقل، تبعا لذلك، مع التزمين، من التعامل مع الحياة من خلال حدود قيمية، إلى التعامل معها من خلال حدود زمنية.

    وإذا كنا لا نستطيع الحديث عن الزمن إلا من خلال استحضار فعالية القص كما يقول ريكور، فإن > التزمين يكمن في نهاية الأمر في إنتاج الأثر معنوي "زمنية"، وبذلك يتم تحويل التنظيم السردي إلى قصة < (16)

    ومن البديهي القول إن هذه التحديدات الخاصة بالإجراء التزميني لا تستنفد كلية البعد الزمني كما لا تستوعب كامل أنماط وجوده داخل النسيج النصي، كما لا تحدثنا عن طريقة تصرف السارد في هذا الزمن وطريقة توزيعه. إنها تحدثنا فقط عن كيفية تشكل النص السردي، والأصول الكامنة خلف تحول الأحداث إلى قصة ( ما يتعلق بالتقطيع الذي تخضع له الكتلة الزمنية لكي تصبح شكلا قابلا للإدراك ).

    إن الصياغة النظرية التي قدمها گريماص لمشكلة الزمن داخل النص السردي هي جزء من تصوره لعملية إنتاح المعنى. ووفق هذا التصور، فإن قضية الزمن تتلخص في إعطاء بعد زمني لبنية تتميز بطابع لازمي. وبعبارة أخرى، فإن قضية الزمن ترتبط بكيفية تحول بنية لازمنية إلى مجموعة من الأحداث لا تدرك إلا داخل الزمن. فالنموذج التوليدي - وهو مقولة مركزية داخل نظرية گريماص - لا ينطلق من العناصر المشخصة، أي مما يطرح داخل النص ويفهم من خلال الحدود الزمنية، لكي يصل إلى ما هو مجرد وعام، بل العكس هو الحاصل، فالسيرورة تنطلق من العنصر البسيط أي من حدود قيمية تستثمر في مرحلة لاحقة داخل النص من خلال حدود زمنية.

    ورغم أهمية هذه التحديدات وقيمتها النظرية والتطبيقية في فهم ميكانيزمات اشتغال النص السردي، فإنها لا تجيب عن مجموعة من الأسئلة التي تطرحها مشكلة التزمين داخل النص السردي. ذلك لأنها لا تمدنا بأدوات إجرائية تسمح لنا بتحديد موقع العنصر الزمني داخل النص، كما لا تمكننا من تحديد الدور الذي يلعبه التوزيع الزمني في إنتاج المعنى. وبناء عليه، فإن القارئ سيجد في تصورات جيرار جونيت العناصر الكافية لملء هذا الفراغ، وتغطية النقص الذي تشكو منه الصياغة النظرية التي قدمها گريماص في هذا المجال.

    مستوى الفضاء

    إن الإكراهات الاستبدالية التي تحكم السير التوزيعي للبنيات السردية، تحدد وتحكم إلى حد كبير التمثيل الزمني والتمثيل الفضائي. فإذا كان التزمين داخل بنية النص هو برمجة مسبقة لمجموعة من الأحداث، فإن الفضاء لا يمكن النظر إليه إلا بهذه الصفة أيضا، ذلك أن التفضيء ليس سوى تخطيب لسلسلة من الأماكن التي أسندت إليها مجموعة من المواصفات لكي تتحول إلى فضاء. وبذلك فإن التفضيء يعد هو الآخر برمجة مسبقة للأحداث وتحديدا لطبيعتها (الفضاء يحدد نوعية الفعل)، وليس مجرد إطار فارغ تصب فيه التجارب الانسانية. استنادا إلى هذا فإن > التفضيء يحتوي على إجراءات التحديد المكاني المؤولة من جهة نظر التلفظ كعمليات للوصل والوقف، وهي عمليات تسقط خارجها تنظيما فضائيا شبه مستقل يستخدم كإطار يتضمن البرامج السردية وتسلسلاتها <. (17)

    وعلى هذا الأساس، فإن التحديدات الفضائية والزمانية لا تخضع، في مجملها، لأية إكراهات واقعية، فهي محكومة بقواعد تعد من صلب النص، ومحددة وفق المرجعية الداخلية التي تنظر إلى النص باعتباره حاملا لكون قيمي. ذلك أن أي توزيع للفضاء لا ينفصل عن مجمل التجارب المشكلة للخطاطة السردية. ويقدم گريماص وفق هذا التصور، نموذجا عاما يتوزع الفضاء وفقه كسلسلة من المحطات التي لا وظيفة لها إلا ضمن ما تمليه مقتضيات رحلة البطل. > وهذه المحطات هي ما يمكن من طرح مجموعة من القرائن الشكلية التي تسمح بتفكيك الحكاية إلى مقاطع<. (18)

    ويتوزع هذا النموذج على الأنواع الفضائية التالية :

    - الفضاء الاستهلالي

    - فضاء الفعل الإنجازي

    - وينقسم الفضاء الإنجازي إلى قسمين :

    - فضاء الاستعداد

    - فضاء النصر (19)

    وتتطابق هذه الفضاءات مع سلسلة التجارب التي يجب أن يخضع لها البطل (الذات) أثناء رحلته ( الرحلة الرابطة بين لحظتي البدء والنهاية). فإذا كان الفضاء الأول يحدد الإطار المكاني المدشن للحكاية، أي النقطة المكانية التي ينطلق منها البطل نحو فضاءات أخرى ( وهو ما يتطابق سرديا مع الحالة البدئية)، كما يحدد النقطة الختامية لهذه الرحلة ( أي العودة من جديد إلى الفضاء المؤطر للحالة البدئية )، فإن الفضاء الإنجازي يؤطر التجريبتين : التأهيلية والرئيسية ( أي لحظة الحصول على صيغ التأهيل)، أي ما يتطابق مع الشروط المؤدية إلى إنجاز الفعل، ولحظة تحقيق الفعل الانجازي). أما فضاء الاستعداد فهو البؤرة التي يتجلى داخلها التحول تركيبيا، أي ما يحدد نمط الوجود السميائي للذات كذات محينة مالكة للشروط التي تمكنها من الانتقال إلى مرحلة الاتصال. في حين يتحدد فضاء النصر باعتباره فضاء للفعل بامتياز، أي المكان الذي يتم داخله تحقيق الفعل الإنجازي والإعلان عن انتصار البطل في معركته من أجل الحصول على موضوع القيمة. ويأخذ هذا الفضاء في الحكايات الشعبية أشكالا متعددة منها الصعود إلى قمة جبل شامخ، أو الغوص في أعماق البحار، أو المغامرة داخل صحراء قاحلة. وبعبارة أخرى، يأخذ هذا الفضاء، في غالب الأحيان، صفة الفضاء العدواني. ويمكن تقديم هذا النموذج الفضائي على الشكل التالي :

    أنواع الفضاء الفضاء الاستهلالي فضاء الفعل الإنجازي فضاء النص

    التجارب

    حالة بدئية الاستعداد النصر حالة نهائية

    تحريك الإنجاز الجزاء

    الأهلية

    والجدير بالملاحظة أن هذا التصنيف لا يمكن أن يتجاوز حدود الحكايات الشعبية، ويصعب إيجاد معادل له في النصوص السردية المعاصة. إن ما يقدمه گريماص في هذا المجال لا يجيب إلا عن حركة البطل داخل المساحة الزمنية والفضائية المغطية للحكاية، وهو من هذه الناحية يعد رسما لحدود أي فعل ولموقعه داخل هذه التجربة أو تلك. فالحكاية الشعبية تسير وفق شكل سردي (صيغة تلفظية) قارة يجعل من التنقل داخل الفضاء عنصرا بالغ الأهمية، ولا يمكن لأية حكاية أن تحيد عن هذا الشكل. ذلك أن البطل، لكي يكتسب هذه الصفة، عليه أن يغادر المكان الذي توصف داخله الحالة البدئية، ليلقي بنفسه، داخل إطار فضائي مجهول ( لم يسبق للبطل في الغالب أن اكتشفه)، ليصل إلى الموضوع الذي يمكنه من تحديد حالة اتصال جديدة ( الحصول على الفاكهة التي ستشقي الملك، استرجاع الأميرة المخطوفة...). إن الفعل المحدد لحالة النقص هو دائما فعل تقوم به قوى خارجية تنتمي إلى فضاء مجهول ( أو ينتمي إلى قيم مرذولة محليا). وهذا الفضاء المجهول يفصله دائما عن الفضاء الاستهلالي حالة اعتداءينتج عنها ظهور قوى مساعدة للبطل وأخرى معيقة أو تمثلها قوة واحدة ( البطل الذي يرتمي على ثدي الغولة ليتقي شرها ويحولها إلى عنصر مساعد عبر امتصاص عدوانيتها).

    أما الفضاء في النصوص السردية المعاصرة، فيشتغل بطريقة مغايرة تماما، إنه ليس تحديدا لنوعية الفعل ولا تحديدا لتوقعية ما، بل هو عنصر مساهم في عملية إنتاج المعنى، ودلالته لا تأتي من العناصر الطبيعية المشكلة له ( ما تثيره أمكنة كأعماق البحار أو قمم الجبال أو المغارات...)، بل تأتي عن طريق عرض هذا الفضاء، ذلك أن عملية انتزاع العنصر الطبيعي من بنيته الأصلية وتثبيته داخل بنية جديدة (عالم جديدة، عالم النص السردي) تمنح للفضاء دلالة جديدة هي تركيب لمعنيين : معنى العنصر داخل البنية الأولى، ومعناه داخل البنية الثانية. وهكذا، فإن أي فضاء قد يشتغل كفضاء عدواني كما قد يشتغل كعنصر مساعد، تماما كما هو الشأن مع ما يسمى بالفضاء المفتوح والفضاء المغلق، فالانفتاح ليس معطى بشكل سابق على تحيين الفضاء داخل النص، وكذلك الأمر مع الانغلاق، فتنظيم العناصر السردية وطريقة تحيين القصة داخل شكل سردي ما هو الذي يحدد طبيعة هذا الفضاء أو ذاك.

    الهوامش

    1-Greimas : Du Senc II p : 65

    2- Greimas : Du Senc II p : 26

    3- Greimas : Du Senc II p : 61

    4- Greimas : Du Senc II p : 62

    5- Greimas, courtès, Dictionnaire, Article thématisation

    6- Courtés : Introduction à la sémiotique p. 89

    7- Greimas : Du Sens II, P . 63

    8-Greimas, Coutés Dictionnaire Artice thème

    9- Greima, Du sens II, P . 63

    10-Henaut (Anne) : Narratologie, P . 136

    11- Greimas, Courtès : Dictionnaire : Discursivisation

    12-) Greimas, Courtès : Dictionnaire : Actoriolisation

    13- Greimas : Du Senc II p : 19

    14-Greimas : Du Senc II p : 257

    15- Greimas, Courtès : Dictionnaire temporalisation

    16- Temporalisation

    17- Greimas, Courtès , Dictionnaire : temporalisation

    18- Henault (Anne) : Narratologie p : 133

    19- يتعلق الأمر بالفضاءات التالية :

    - espace hétérotopique

    - espace topique

    - espace paratopique

    - espaceutopique

    منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:53 am